أخبار المجتمع

زواج القاصرات إنتهاك يومي بحق طفلات

زواج القاصرات إنتهاك يومي بحق طفلات

فريق الإعداد: أنسام بني اسماعيل، أشجان العمري، نجوى الشناق ونداء الشناق.

لم يكترث أحد لرأيي، لم يسمعني أحد، قلتها مراراً لا للزواج المبكر، ولم يسمعني أحد، هذا حال فتيات صغيرات تزوجن دون أخذ موافقتهن، ولم يتجاوزن السابعة عشرة.

ركنت الألعاب في الرف، وسقطت أوراق ملصقة من على حائط الغرفة، كان مرسوماً عليها أحلامهن، لترحل إلى منزل “زوجها” الذي يكبرها بسنوات ولتدخل في حياة غير مستقرة، أو غير متكافئة لتعيش في انتهاك يومي.

 

الطفلة، الزوجة، الضحية

“سلوى” إسمها المستعار، ضحية زواج مبكر، خطفها من مقاعد الدراسة، ما تزال تذكر اللحظة التي أخبرتها فيها أمها أن والدها وافق على زواجها من إبن عمها البالغ من العمر خمس وعشرين عاماً، عندما كانت لا تزال في الثالثة عشر من العمر!

“لم استطع أن أرفض، كان والدي عصبياً” تقول سلوى في وصف خوفها في حال رفضت، “أقنعتني أمي بأن الزواج أجمل مرحلة تعيشها الفتاة وخصوصاً وهي في عمري آنذاك، وأن زوجي سيهتم بك وسيحضر لي الهدايا والحلويات ويجعلني أميرة في بيته، اقتنعت بكلام أمي فلا حل أمامي لأن والدي لا يأخذ برأيي”.

خطبت سلوى لمدة عامٍ واحد ومن ثم تزوجت بعمر الخمسة عشرة عاماً”، وبدأت معاناة الزواج المبكر للضحية سلوى بعد زواجها بعدة شهور، عندما أخبرها الطبيب أنها حامل وجسمها لا يحتمل ذلك الجنين بسبب صغر عمرها فهي مازلت في الخامسة عشر فقط!

تقول سلوى  في الشهر الخامس من حملي فقدت ذلك الجنين بسبب ضعف جسدي، بعدها أصر زوجي أنه يجب أن أحمل مرة أخرى بالرغم من أن الطبيب أخبره بأنني لا أستطيع الإنجاب في هذا العمر.

“بعد بضعة أشهر من إجهاضي للطفل حملت وكان هو الحمل الأخير الذي لم يكتمل بسبب انفجار الرحم لدي، فاليوم أبلغ السابعة عشر من عمري وليس لدي رحم ولا طفل وأصبحت مطلقة، فقد قتلوا طفولتي، ومستقبلي.. أتمنى الموت” بهذه الجملة أنهت سلوى حديثها معنا.

 

لسان حال ذويهنّ

“لولا الفقر وقلة المعيشة لما فكرت أن أرمي ابنتي، وأزوّجها وهي بعمر صغير”، يقول “أبو فراس” والد لفتاة زوّجها في سن مبكر.

“في البداية ندمت لكن الآن لا ينفع الندم، فابنتي أصبحت أم، وعليها مسؤوليات اتجاه أسرتها، وقد تفهمت قرار زواجها رغم أنها أُجبرت على الزواج” يقول أبو فراس.

“أم خالد” والدة لفتاة تزوجت مبكراً أيضاً، تُبرر أن العادات والتقاليد فرضت على أهلها زواج بناتهم في عمر مبكر، “أنا مثلاً تزوجت ولم أبلغ بعد الرابعة عشر من عمري، هكذا أمي أيضاً، نحن نعيش بلا تعليم أو عمل، لأن البنت آخرتها لبيت جوزها”.

أبو محمد، لا يرى في قرار تزويج ابنته بالخطأ! “الزواج سترة وسنة الحياة ويمنعها من الوقوع بالغلط، وابنتي ليست بصغيرة فقد أتمت الخامسة عشر وهي بالغة جسدياً وعقلياً، وكمان النبي محمد عليه الصلاة والسلام تزوج السيدة عائشة وهي بعمر الست سنوات”، هكذا يقول أبو محمد.

 

القانون شريك في الإنتهاك

إن سماح قانون الأحوال الشخصية بتزويج الأطفال تحت سن 18 عاماً كاستثناء سواء للذكر أو للأنثى “فتح الباب على مصراعيه أمام الكثير من سماسرة الزواج المبكر”، يقول المحامي يوسف الكركي.

الإطار العام يشير إلى أن القانون يحدد سن الزواج للحيلولة دون زواج الأطفال، لكنه قد يشكل ذريعة لعائلات لزواج بناتهن في عمر الخامسة عشرة، والمتاجرة بهن بحجة الوضع الاقتصادي.

لكن ثمة “إستثناء” قد تواجهه الطفلات عندما يمنح للقاضي سلطة الإستثناء في تقدير مدى اكتمال نضوج الفتاة أو ما يسميه البعض “حماية للفتاة” في حال أن الزواج قد يساعدها على الخلاص من أي تهديد لها من قبل ذويها.

يقول المحامي الكركي بأن هناك إذن خاص للقاضي الشرعي، فيما إذا قُدر بأن هناك ضرورة لإتمام الزواج “جلباً للمنافع ودرئاً للمفاسد، “وكان قد صدر في الجريدة الرسمية في 15 من تموز الماضي، تعليمات جديدة لمنح الإذن بالزواج لمن أكمل الخامسة عشرة سنة شمسية من عمره ولم يكمل الثامنة عشرة خلافاً للتعليمات الصادرة عام 2011.

ويصف المحامي الكركي زواج الفتيات الصغيرات، بكونهن ضحايا لجريمة الإتجار بالبشر، خاصة اللجوء السوري، الذي سرع من حالات الزواج بين الطفلات.

وذكر بأنهُ وفق هذه التعليمات يُشترط على المحكمة أن يكون الخاطب كُفُؤاً للمخطوبة وفقاً لأحكام المادة 21 من قانون الأحوال الشخصية، وأن يتحقق القاضي من الرضا والإختيار، إضافةً إلى الضرورة التي تقتضيها المصلحة من تحقيق منفعة أو درء مفسدة بالطريقة التي تراها مناسبة وذلك من خلال التحقق من الأمر.

تنص التعليمات على ألا يتجاوز فارق السن بين الطرفين خمسة عشر عاماً، وألا يكون الخاطب متزوجاً، وألا يكون الزواج سبباً للإنقطاع عن التعليم المدرسي.

الزواج المبكر يعد انتهاكاً للمبادئ الأساسية للصحة الإنجابية ولتوافر علاقة جنسية متكافئة ما بين الزوجين، والقدرة الجسدية على الحمل الطبيعي والولادة الطبيعية، علاوة على عدم قدرة الـــزوج الطفل أو الزوجة الطفلة على تحمل المسؤولية وفقاً للقوانـــين.

يتساءل الكركي: كيف يكون المراهق قاصراً وغير مسؤول عن أفعاله أمام القضاء ويحاكم كـ «حدث» وفق قانون العقوبات من جهة، ثم يعتبر مسؤولاً عن زواج وإنشاء أسرة من جهة أخرى.

تشير إحصاءات دائرة قاضي القضاة للعام 2017 عن زواج 10434 شخصاً تقل أعمارهم عن 18 سنة خلال العام 2017، من أصل 77700 حالة زواج. وبلغت نسبة عقود الزواج لمن تبلغ أعمارهم 15 و16 سنة 1.8 في المئة من مجمل عقود الزواج، بينما ارتفعت الى 4 في المئة لمن هم في سن 17 و18 سنة، أما من أعمارهم 16 و17 سنة فتبلغ نسبتهم 2.5 في المئة، وهذه النسب تتعلق بعقود الزواج، وليس بالزفاف، باعتبار أن متوسط مدة الخطبة في الأردن سنة.

يلفت المحامي الكركي إلى ثمة زواجات لاسيما بين اللاجئين السوريين، تتم دون توثيق للعقود في المحاكم الشرعية الأردنية، ما يدفعهم إلى إجراء عقود زواج “غير موثقة” ما يعني انتهاك مضاعف بحق الفتاة وأطفالها فيما لو أنجبت وانفصلت عن زوجها لسبب ما.

ثمة علاقة وطيدة بين زواج القاصرات والعنف، كما يقول المحامي كركي استناداً إلى متابعاته لملفات قضايا متنوعة، إذ إن القاصر تتعرض للعنف أكثر من غيرها وذلك لأنها غير واعية لحقوقها تماماً، ولا تكون قادرة على التعامل معها كما يجب أما في حال تعرضها للعنف فإن الوصي عليها هو المسؤول عن أخذها إلى القاضي والتقدم بشكوى لديه والقانون يكفل حمايتها إلا أن هذا لا يحدث إلا في حالات نادرة جداً.

 

“الطلاق” نتيجة حتمية

يبين التقرير الإحصائي السنوي الصادر عن دائرة قاضي القضاة، أنه من أصل 10434 حالة تزويج قاصرات حصلت عام 2017، تم تسجيل 413 حالة طلاق، منها 79 حالة لزوجات غير أردنيات، بينما بلغ المجموع الإجمالي لحالات الطلاق العام الماضي لمن هن دون الثامنة عشر 976 حالة، منها 159 حالة لزوجات غير أردنيات .

وفي ذات السياق، سجلت محافظة الزرقاء أعلى نسبة طلاق للقاصرات، حيث بلغ مجموع الحالات فيها 303 حالات، منها 133 حالة طلاق لزيجات حصلت في نفس العام، تلتها محافظة إربد بـ199 حالة، منها 114 حالة لزيجات حصلت في نفس العام، ويليها محافظة العاصمة بـ190 حالة، منها 56 حالة لزيجات حصلت في نفس العام .

بمقارنة إجمالي حالات طلاق القاصرات التي وقعت العام 2017 عدد الحالات الواقعة في عام 2016، يظهر ازدياداً ملحوظاً في الأعداد، حيث بلغ عدد الحالات في عام 2016، 893 حالة، بينما إرتفع العدد في العام ال2017 إلى 976 حالة.

مقارنة حالات الطلاق-01

زواج يؤثر على الصحة

ثمة إنعكاس نفسي وصحي على الطفلة المتزوجة ويزداد يوماً بعد يوم من زواجها، وحيث أن الطفلة الزوجة هي فاقدة الأهلية أمام مسؤوليات تنتظرها، وفقدت فرصة التعليم، ورُمي على كاهلها مسؤولية تنشأة أسرة، تقول مستشارة المعهد الدولي لتضامن النساء، المحامية أسماء خضر، “لا تستطيع هذه الطفلة، بناء أسرة وتنشئتها بصورة سليمة”.

تظهر نتائج ورقة تحليلية صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة خلال عام 2017 حول “الحالة الزواجية في الأردن”، أن هنالك علاقة قوية ما بين الزواج المبكر والإنقطاع عن التعليم، حيث تشير أرقام الورقة إلى أن 32.9% من الأميات الأردنيات و 5.5% من الأميين الأردنيين تزوجوا عند عمر 17 عاماً فأقل، وكذلك الأمر بالنسبة لـ 25.7% من الأردنيات الملمات، و 35.8% من الأردنيات اللاتي يحملن شهادة الإبتدائي، و 30.7% من الأردنيات اللاتي يحملن شهادة الإعدادي، و 31.4% من الأردنيات اللاتي يحملن شهادة الأساسي، جميعهن تزوجن عند عمر 17 عاماً فأقل.

 

اضطرابات الزوجة القاصر

ما يخطر ببالها عند سماع كلمة زواج هو فستان أبيض، تسريحة شعر جميلة، وباقة ورد تحملها أثناء سيرها إلى طريق الزوجية، طريق تجهل حقيقة ما ينتظرها فيه من صدمة واقع يرمي عنها ستار الطفولة.

تواجه الفتاة اضطراب نفسي، وشعورها بالوحدة والظلم، في وقت هي بحاجة لأبٍ لا لزوج، ولأم ترعاها، يصف رئيس قسم الإرشاد الطلابي في جامعة اليرموك، الدكتور حسن الصباريني، الأضرار النفسية التي تواجهها الفتاة المتزوجة بآفة.

سيتعاظم لدى الطفلة الزوجة الفتاة بأنها ليست في المكان المناسب، وافتقادها لجو الرعاية والحنان الأسري، يشكل بيئة خصبة لوقوعها في العديد من الاضطرابات النفسية والسلوكية، كالإكتئاب والعزلة والإدمان، والذي قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى انتحار الفتاة أو هروبها من المنزل، وغيرها من التبعيات التي لا تُحمد عقباها، يقول الصباريني.

يشير مركز تمكين للدعم والمساندة، في بيان صدر عنه في نيسان الماضي، أن من بين 10434 عقد زواج قاصرات في عام 2017، تم تسجيل 846 عقداً كان فيها فارق العمر بين الزوجات القاصرات والأزواج 15 عاماً فأكثر، منها 29 عقداً تجاوز فيها الفارق 33 عاماً، و 9 عقود تجاوز الفارق 50 عاماً، الأمر الذي يشكل خطراً حقيقياً على الصحة النفسية للفتاة، والذي قد يوقعها أحياناً في كثير من الانحرافات السلوكية والأخلاقية، كما بين الصباريني، مؤكداً أنه ما من سبب أو ظرف، يبرر لرجل في مكتمل العمر الارتباط بطفلة.

 

أمراض ناجمة عن الزواج المبكر

قد تواجه الفتاة المتزوجة باكراً أمراضاً قد تفتك بجسدها، أحد أبرزها تداعيات الحمل التي قد تؤدي إلى ولادة مبكرة نتيجة تأخر النمو البدني عن غيرهن من أقرانهن، بالإضافة إلى أنها قد تواجه أمراض تناسلية نتيجة هذا الزواج كنقص المناعة المكتسب والإلتهابات النسائية.

إستشاري النسائية والتوليد، الطبيب محمود الخطيب، يقول بأن الفتاة القاصر قد تواجه اضطرابات بالدورة الشهرية كما أنها تكون عرضة للاجهاض أكثر من النساء البالغات، وإصابتها بفقر الدم، وارتفاع نسبة تعرضها لهشاشة العظام نتيجة نقص الكلس الذي يواجهها خلال فترة الحمل.

إنجاب الأطفال يؤدي مع مرور الوقت إلى تأثير سلبي على صحتهن، “الحمل المبكر ينتج عنه ولادة مبكرة في أغلب الأحيان وقد يؤدي إلى الوفاة بسبب عدم جاهزية جسد الفتاة القاصر للحمل والإنجاب”، يقول الطبيب الخطيب.

بعض الحالات المرضية يتم معالجتها عن طريق مراكز الدعم وهي مراكز تنظيم الأسرة، التي تقدم الإستشارات النفسية والزوجية وتوعية الفتاة حول ضرورة تنظيم النسل والتباعد بين الأحمال وضرورة تناول المقويات والمدعمات الغذائية كحبوب الحديد والكلس وفيتامين D3.

يلفت الطبيب الخطيب بأن هنالك أمراض صحية لا يمكن معالجتها وتداركها وهي التي تكون مصاحبة للحمل كمرض السكري والضغط مشيراً إلى الأمراض التناسلية الأخرى الذي ينتشر بين هذه الفئة من الفتيات وأخطرها مرض الإيدز.

للاستماع للتقرير الاذاعي

 

* تم إعداد التقرير ضمن مشروع “دعم الاعلام في الأردن” الممول من قبل الاتحاد الأوروبي ومشروع UNESCO-UNCCT، بتنفيذ من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR ومكتب يونسكو عمان.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة