المقالاتفكر وفلسفة

جينالوجيا التراث: الأصول التراثيَّة للهويَّة الثقافيَّة

” إن العقل الحديث حديث جزئيا لأن جوانب كثيرة منه ساكنة فيه منذ أيام ماضينا السحيق”.

جيمس هارفي رونسون.

  مقدّمة

يأخذ مفهوم التراث مكانه المميز في نسق المفاهيم التي ترتبط بحياة الناس وتاريخهم ومؤثرات وجودهم، ويشكِّل هذا المفهوم أحد العناصر الأساسيَّة للهويَّة الثقافيَّة عند الشعوب والجماعات والأمم. وينهمك الباحثون والمفكرون العرب اليوم في مقاربة مسألة التراث والموروث الشعبي بالعلاقة مع مختلف إشكاليات الحياة الفكريَّة والثقافيَّة المعاصرة، وقد شهدت الساحة الفكريَّة فيضا غامرا متدفّقا من الدراسات الجادَّة حول العلاقة بين التراث والحداثة كما بين التراث والهويَّة والأصالة . وتأسيسا على ذلك قد بدأ مفهوم التراث  يحتلّ مكان الصدارة في الخطاب الفكري المعاصر وهذا ما يؤكّده الجابري بقوله ” إنَّ تداول كلمة تراث لم يعرف في أي عصر من عصور التاريخ العربي من الازدهار ما عرفه في هذا القرن ” [1].

تدل كلمة تراث في الأصل على المال الذي يورثه الأب لأبنائه أو كل ما يرثه الآبناء من خيرات وأموال عن آبائهم، وقد تطوَّر مدلول هذه الكلمة لتدل على كل ما يرثه الإنسان من الآباء والأجداد أكان هذا الموروث ماديا أو معنويا. وتجد لفظة “التراث” جذورها العربيَّة في ألفاظ: وَرَثَ: فالورث والإرث والوِراث والتراث.. كلها بمعنى واحد. وتبين بعض مناحي البحث في كلمة تراث أن أصل التاء فيها حرف الواو، فهي الوراث وهي تعني حرفيا: ما يتركه الإنسان لورثته الذين أتوا من بعده. وقد اتَّسع مضمون هذه اللفظة لتشتمل على دلالات ثقافيَّة ومعرفيَّة وتاريخيَّة يتوارثها أبناء المجتمع أجيالا بعد أجيال، وتشير اليوم هذه الكلمة إلى الإرث الفكري الذي تراكم بفعل جهود الأجيال السابقة عبر قرون الحضارة والثقافة. وفي ضوء المصطلح اللغوي” نرى أن التراث لفظ يشمل الأمور الماديَّة والمعنويَّة؛ ويتمثَّل في جميع ما يبقيه الآباء والأجداد للأبناء والأحفاد؛ فهو قبل كل شيء هذه الأرض التي نعيش عليها؛ ويجب أن يحتفظ الوارث بها”[2]. ويتجلى أجمل تعبير عن هذا الإرث المتوارث في قول الشاعر العربي عمر بن كلثوم:

وَرَدْنَ دَوَارِعاً وَخَرَجْنَ شُعْثاًكَأَمْثَالِ الرِّصَائِعِ قَدْ بَلَيْنَا
وَرِثْنَاهُنَّ عَنْ آبَاءِ صِدْقٍوَنُوْرِثُهَا إِذَا مُتْنَا بَنِيْنَا

ولم يكن السابقون يطلقون على موروث سابقيهم كلمة تراث فقد كانوا ينظرون إلى هذا الموروث باعتباره ممتدًّا فيهم، وهو الامتداد الجاري عبر اللغة، والمفاهيم، والتصوّرات العامّة. ويعد البيروني من أقدم المفكّرين الذين وظَّفوا هذه الكلمة بمعناها التراثي المعاصر. ويتجلَّى هذا التوظيف في عنوان كتابه المشهور ” الآثار الباقية عن القرون الخالية ” الذي يستعرض فيه التراث الفكري للحضارة الفارسيَّة والهنديَّة وغيرهما من الأمم([3]).

وغالبا ما يتَّفق الباحثون على أن التراث ينتمي إلى الزمن الماضي، وأن التراث هو كل ما وصل إلينا من الماضي القريب والبعيد [4]، وعلى هذا الأساس يعرف الجابري التراث بأنه “الجانب الفكري في الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة: العقيدة، الشريعة، واللغة والأدب والفن، والكلام، والفلسفة، والتصوّف [5] , ويؤكِّد الجابري على خصوصيَّة هذا المفهوم في اللغة العربيَّة دون اللغات وعلى جدتها في الحياة الثقافيَّة كما يشير إلى شحنتها الوجدانيَّة بقوله إنَّ التراث هو ” الموروث الثقافي والفكري والديني والأدبي والفني وهو المضمون الذي تحمله هذه الكلمة داخل خطابنا العربي ملفوفا في بطانيَّة وجدانيَّة أيديولوجيَّة لم يكن حاضرا في خطاب أسلافنا ولا في حقل تفكيرهم، كما أنه غير حاضر في خطاب أيَّة لغة من اللغات الحيَّة المعاصرة التي نستورد منها المصطلحات والمفاهيم الجديدة علينا [6].

وكثيرا ما يطابق بعض المفكِّرين بين التاريخ العربي والتراث العربي ” فالتاريخ هو مجموعة التراكمات الحضاريَّة التي ورثناها من المصادر المكتوبة أو الشفويَّة والتي تناقلناها جيلا عن جيل، والتي تعيشها أجيالنا الحاضرة، فيضم الأصول الأولى مثل القرآن والسنة والعلوم الدينيَّة والفقه والعلوم العقليَّة مثل الكلام والفلسفة والعلوم الطبيعيَّة مثل الطبّ والكيمياء والعلوم الرياضيَّة مثل الجبر والحساب والهندسة والفلك والعلوم الإنسانيَّة مثل الجغرافيا والتاريخ”([7]). وكم هو جميل في هذا المقام أن نردِّد مع الشاعر العربي في التأكيد على عمق العلاقة بين التاريخ والتراث قوله:

اقرأ الْتَّارِيْخ إذ فيه العبرضاع قوم ليس يدرون الخبر

فالتراث هو التاريخ الذي يعيش فينا ونعيش فيه في كل لحظة واحدة([8]). وهذا يدل في النهاية على أن التراث يشكل البوتقة التي تتشكل فيها عقليَّة المجتمع وتصورات الجماهير وقيمها ومثلها وعاداتها ([9]).

وتأسيسا على ما تقدَّم يمكن تعريف التراث تعريفا جامعا بالقول : إنَّ التراث هو الموروث الثقافي والاجتماعي والمادِّي، المكتوب والشفوي، الرسمي والشعبي، اللغوي وغير اللغوي، الذي وصل إلينا من الماضي البعيد والقريب. وهذا التعريف يراعي الشموليَّة في تحديد التراث، فهو يضمّ مقوّمات التراث جميعها، الثقافيَّة منها مثل: علم الأدب والتاريخ واللغة والدين والجغرافيَّة؛ والعوامل الاجتماعيَّة مثل: الأخلاق والعادات والتقاليد؛ ومن ثم العناصر الماديَّة: كالعمران، وأخيرا ما يتضمّنه من تراث شعبي يتمثَّل في المكتوب والشفوي واللغوي وغير اللغوي [10]. ” فالتراث ينبض بالحياة وهو إذن ” ليس كما يتصوَّر البعض مسألة (متخفيَّة) يتمّ معها التعامل وفق نفس الظروف والطرائق التي ينقِّب فيها عن قبر من قبور الآراميين أو جدث من أجداث الفراعنة، وإنما هو اللغة والأفكار والعادات والتقاليد والأذواق والآداب والعلوم والفنون والعلاقات الاجتماعيَّة والمواقف النفسيَّة والرؤى الذهنيَّة للعالم والحياة “[11].

والتراث هو كل ما وصل الأمم المعاصرة من الماضي البعيد أو القريب سواء تعلَّق الأمر بماضيها هي أو بماضي غيرها من الشعوب أو بماضي الإنسانيَّة جمعاء. فهو أولا: مسألة موروث، وهو ثانيا: مسألة معطى واقعي يصنَّف إلى ثلاثة مستويات:

1- مستوى مادّي يتمثَّل في المخطوطات والوثائق والمطبوعات والآثار والقصور والمعابد والأضرحة..إلخ.

2- مستوى نظري يتحدَّد في مجموعة من التصوّرات والرؤى والتفاسير والآراء التي يكوّنها كل جيل لنفسه عن التراث انطلاقا من معطيات اجتماعيَّة وسياسيَّة وعلميَّة وثقافيَّة تفرزها مقتضيات المرحلة التاريخيَّة التي يجتازها أبناء ذلك الجيل.

3- مستوى سيكولوجي والمقصود به هو تلك الطاقة الروحيَّة الشبيهة بالسحر التي يولدها التراث في عقول الناس والجماهير، حيث يجري احتكاره من قبل نخبة أو جماعة أو فئة من المنتفعين والمتسلطين قصد استغلاله في ميدان التوجيه السياسي والتعبئة الإيديولوجيَّة نظرا لما يزخر به التراث من مفاهيم وتصوّرات وأفكار وعقائد وأساطير وعادات وتقاليد وفلكلور ومثل ومبادئ وقيم تملك سلطة قويَّة على مخاييل الأفراد والجماعات التي تعجز عن مقاومة تأثيره عليها [12].

ويميز بعض الباحثن في التراث جانبين:

– ما وافق عصره وصلح له، وانقضى بانقضائه.

– ما وافق الإنسان واستمرَّ به ولمصلحته، وعاش حتى الوقت الراهن([13]).

فالتراث هو الماضي الحيّ في الوجدان، الماضي الذي يفرض وجوده في الحاضر ويباشر تأثيره فيه، ووفقا لهذا التصوّر يمكن القول ” إنَّ تراث الأمَّة هو مجمل ما بقي حيا من تاريخها المادِّي والمعنوي”([14]).

وقد ميّز الباحثون ملامح أساسيَّة في التراث العربي منها([15]):

1- أنه تراث ضخم يمتدّ عبر فترة زمنيَّة طويلة شاملة لأطوار وعصور تاريخيَّة متعدِّدة وظروف ومعطيات كثيرة ومتشبِّعة، عرف فيها العرب القوة والضعف، والوحدة والتشتُّت، واليقظة والغفلة، وسوى ذلك من المتناقضات التي يمكن أن يعيشها شعب من الشعوب.

2- إن تراث الأمَّة الضخم، وإن حمل الطابع العام لشخصيَّة الأمة التي أنتجته، فإنه غير متناسق، كما أنه لا يسير على وتيرة واحدة، وليس المقصود ما أشير إليه من متناقضات تولدت عن التطوّر التاريخي عبر الزمن وباختلاف العصور، بل المقصود هو تراث المجتمع الواحد الذي لا يقوم بالضرورة على اتفاق كامل أو انسجام آلي لأنه يعبِّر عن التناقضات التي عاشها المجتمع الذي اتجه حيث يمثل خاتمة المطاف صراعا بين أجيال، أو داخل الجيل ذاته، ينعكس على مستوى الفكر والعمل والإنتاج، وكثيرا ما برز ضمن الحضارة العربيَّة في صورة جدل ومناقشات ومناظرات أثرت الفكر وأخصبته.

لقد عرف مجتمع مدينة البصرة مثلا، في فترة محدودة من الزمن شخصيات مبدعة تقدَّمت بالإنتاج الفكري في مجالات شتَّى، من أمثال الحسن البصري، وواصل بن عطاء والجاحظ وبشار بن برد وأبي نواس وغيرهم، ويكفي أن نستعيد بأذهاننا الملامح الرئيسيَّة لكل شخصيَّة من هذه الشخصيات لندرك ما كان بينهم من اختلاف في الرأي وتباين في الاتِّجاهات وأنماط السلوك والحياة، مع أنهم يمثِّلون في مجموعهم حركة فكريَّة متكاملة بتناقضاتها وبما اقتضته من جدل ومناظرة ([16]).

3- تكمن في تراثنا العربي الإسلامي نواة وحدة حقيقيَّة يمكن لها أن تؤدي دورا مهما وحيويا في تلاقي أجزاء وطننا المجزأ وترابطها وبناء كيان موحد كبير قادر على مكافحة خطري الاضمحلال والاحتلال السياسي والثقافي، لأن هذا التراث يمتلك خيطا سحريا يجمع بينه وبين أهله، وإن هذا الخيط يمثل رابطة وجدانيَّة تربطه بهم ويجذبهم إليه، فهو السبيل المتواصل بينهم لأن الشعوب تتواصل بقدر مايتناغم فيها من قيم وسلوكيات مشتركة تمور بالتعاطف والتقارب الروحي([17]).

4- إن مضمون التراث العربي الإسلامي والحفاظ عليه، وتمثّله”يمثل عاملا مهما من عوامل وجودنا لأنه يشكِّل ثقلا نوعيا يمنع الجماعة من التحوّل إلى ورقة في مهبّ رياح الثقافات الواحدة ويعصمها من الجريان وراء كل بدعة ويحميها من محاولات طمس المعالم التي تميز الشخصيَّة العربيَّة المستقلة، وهي محاولات لسلب الجماهير العربيَّة أساسها الحضاري القديم الذي يمكن أن تشيد عليه مستقبلها دون أن تتقوقع على ذاتها، لذلك كان السعي الجاد لإيجاد صيغة لهويَّة ثقافيَّة تلتقي فيها أصولنا الموروثة مع ثقافة العصر الذي نعيش فيه، صيغة قوامها أصول رئيسيَّة من التراث العربي وأصول أخرى مناسبة من مقومات ومكونات عصرنا الحاضر ([18]).

من التراث المعرفي إلى التراث الشعبي (الفولكلور):

يمكن أن نميز في تضاريس التراث بين جانبين : الجانب المعرفي الذي يتعلق بالثقافة والآداب والعلوم والفنون، وبين التراث الشعبي (الفولكلور) الذي يرمز إلى مختلف الأنماط الثقافيَّة لحياة العامة من الناس في المراحل التاريخيَّة السابقة.

لقد أفرزت الحياة في المجتمعات القديمة نوعين ثقافيين من أنماط الحياة: ثقافة الخاصَّة وهو التراث الذي حظي بالاهتمام والتقدير، وثقافة العامَّة أي تراثها حيث لم يكن في المراحل السابقة موضع تقدير واحترام واهتمام واعتبر خارج التراث، وقد اتخذ التراث الشعبي طابع الثقافة الشفويَّة بينما اتخذ التراث الثقافي للخاصة طابع التراث المكتوب الرسمي.

إن العلاقة القويَّة بين التراث الثقافي والموروث الشعبي علاقة صميميَّة جوهريَّة، وكلاهما يشكِّل روح الأمّة وهويتها؛ فالموروث الشعبي جزْءٌ مهمٌّ من التراث الثقافي، ويتجلى هذا هذا الموروث في مختلف صنوف وفنون الثقافة الشعبيَّة ولاسيّما في فنون الأدب الشعبي من شعر ونثر وأغاني، وفي الحكايات الأسطوريَّة، كما في القصص والملاحم الشعبيَّة، كما يتجلى هذا التراث في الأمثال وفي العادات والتقاليد والطقوس الشعبيَّة، وغالبا ما يطلق على الموروث الشعبي تسميات متعدِّدة مثل الثقافة الشعبيَّة، أو التراث الشعبي، أو الفولكلور، وهو يمثِّل نسقا متكاملا من الرموز وأشكال التعبير الفني والجمالي، وهذا يشمل المعتقدات، والتصوّرات، والقيم، والمعايير، والتقنيات المتوارثة، والأعراف، والتقاليد، والأنماط السلوكيَّة التي تتوارثها الأجيال كابرا عن كابر، ويستمرّ وجودها في المجتمع بحكم تكيّفها مع الأوضاع الجديدة وقدرتها على تلبيَّة احتياجات المجتمع ومتطلباته. ويشتمل التراث الشعبي أيضًا على الفنون والحرف وأنواع الرقص، واللعب، واللهو، والأغاني أو الحكايات الشعريَّة للأطفال، والأمثال السائرة، والألغاز والأحاجي، والمفاهيم الخرافيَّة والاحتفالات والأعياد الدينيَّة.

وتأسيسا على ما تقدَّم يمكن القول بأن مفهوم الموروث الشعبي أو التراث الشعبي مفهوم يتَّسم بالعمق والشمول في دلالته الثقافيَّة والإنسانيَّة لأنه يرمز إلى كينونة ثقافيَّة معقدة في بنيتها وتكويناتها الإنسانيَّة، إنه وعاء الموروث الحضاري الذي يتجلى في أنماط سلوكيَّة وفكريَّة فرضت حضورها ووظيفتها واستمرَّت مع صيرورة التاريخ دون أن تنقطع، ومع صيرورة الجغراقيَّة دون أن تتوقف في مكان أو أن تجمد في بيئة محدّدة حيث وجدت حضورها الروحي في ضمير الإنسان المعاصر ووجدانه دون أن تفقد جمالها وتألقها الفني والثقافي، لا بل كانت وما زالت تزداد مع الزمن جمالا ومع صيروة المكان سحرا. فالتراث يشتمل في ذاته على ثقافة أسطوريَّة ميثولوجيَّة فولكلوريَّة وهي عناصر ثقافيَّة تمكن الأفراد في المجتمع من مواجهة الحياة وتحدياتها . فمصطلح “التراث الشعبي” يضم الممارسات الشعبيَّة السلوكيَّة والطقسيَّة معًا، كما يضم الفولكلور، والميثولوجيا ، ويضمّ أيضا الأدب الشعبي الذي أبدعه الضمير الشعبي أو العطاء الجمعي لأدباء الشعب العربي في مسيرته الحضاريَّة من قديم وإلى اليوم.

والتراث الشعبي قديم قدم الإنسان، وقد يكون مكتوبا وشفويا، ومع ذلك ليس من الضروري أن يكون التراث الشعبي مدونًا، لأنه غالبا يتم قد تناقله شفويا من عبر الأجيال والمراحل التاريخيَّة. والبرهان على ذلك أم كثيرا من الشعوب التي لا تمتلك لغة هذا، فإن بعض الشعوب ليست لها لغة مكتوبة، ولكن لديها الأغاني الشعبيَّة والأساطير والعادات والتقاليد والأعراف والقيم والفولكلور وهي أنماط ثقافيَّة تعتمد المشافهة وتنتقل عبر المحاكاة والتقليد.

وقد أثار تراث الشعوب اهتمام الباحثين والدارسين، وذلك لما له من أهميَّة في حياة الناس ومن قدرة على تحديد هويتهم ورسم مستويات تطور حياتهم، حيث قام الألماني فيلْهلْم جِريم. ففي الفترة مابين 1807 إلى 1814 بجمع الحكايات والأساطير الشعبيَّة من القرويين الذين عاشوا قرب مدينة كَاسُل في ألمانيا وذلك من أجل المحافظة على التراث الشعبي الألماني وتدوينه حفاظا له من الضياع عبر الزمن. وأصبحت الأساطير والحكايات التي معها مشهورة بحكايات جريم وأساطيره.

ويتميَّز التراث الشعبي بجماله وسحره وقدرته على ملامسة شغاف القلوب الإنسانيَّة بما ينطوي عليه من خيال وقدرة على التعبير عن أحلام الجماهير وطموحاتها. وغالبا ما نجد تجانسا فنيا كبيرا في هذا التراث بين الشعوب الإنسانيَّة حيث بيَّنت الدراسات الجاريَّة في مجال التراث القصصي للشعوب الإنسانيَّة وجود ألف شكل قصصي مختلف لرواية مختلفة لقصة سندريلا حيث تطوَّرت مادة هذه القصة عبر مئات السنين في بلدان عديدة منها اليابان والصين وفرنسا.

يتميَّز التراث الشعبي بجماله وسحره وقدرته على ملامسة شغاف القلوب الإنسانيَّة بما ينطوي عليه من خيال وقدرة على التعبير عن أحلام الجماهير وطموحاتها. وغالبا ما نجد تجانسا فنيا كبيرا في هذا التراث بين الشعوب الإنسانيَّة حيث بيَّنت الدراسات الجاريَّة في مجال التراث القصصي للشعوب الإنسانيَّة وجود ألف شكل قصصي مختلف لرواية مختلفة لقصة سندريلا حيث تطوَّرت مادة هذه القصة عبر مئات السنين في بلدان عديدة منها اليابان والصين وفرنسا.

ويفيض التراث الشعبي بأجمل الأساطير والقصص الخياليَّة التي تعبِّر عن المخيال الشعبي غبر العصور والأزمنة التاريخيَّة، وهذه الأساطير تدور حول قضايا الخلق والوجود والعدم والخق والخير والشر والقوة والجمال. كما يتضمن التراث الشعبي ما يسمى بالحكايات الشعبيَّة الخرافيَّة حول الحيوانات أو الإنسان. وكثيرا ما تدور القصص على ألسنة الحيوانات هي من أكثر أنواع الحكايات الشعبيَّة رواجًا بين الناس، وترمي عادة إلى تأصيل السلوك الحسن والأخلاق الفاضلة عند الأفراد والأطفال. وبالإضافة إلى ذلك يتضمن التراث الشعبي القصص البطوليَّة. التي تتميز بطابعها الأسطوري مثل قصة عنترة بن شداد وسيف بن زي يزن وأبو زيد الهلالي وتروى هذه القصص الأسطوريَّة وكأنها وقائع تاريخيَّة.

وتعد الأغاني والأهازيج الشعبيَّة من أكثر مضامين التراث الشعبي أهميَّة وجمالا، وهي تمثِّل همسات الإنسان وزفراته في لحظات العناء والكد والجد حيث يستمدّ منها الناس القدرة والقوَّة والاقتدار في مواجهة الصعوبات والتحدّيات التي تعترض مسار حياتهم وعملهم وجودهم، وهذه الأغاني ما زالت تلعب دورا ثقافيا حيويا أثناء العمل والمحن وطقوس الولادة والحياة والموت. فهناك أهازيج الولادة وتراتيل الموت وأهازيج العمل وأغاني الأفراح، وهذا الصنف من التراث الشعبي يلعب دورا كبيرا في مساندة البشر على الحياة ومواجهة تحدياتها المؤلمة منها والمفرحة. فهناك على سبيل المثال أغاني الحصاد والغرس والإبحار والترحال والعودة من السفر وأغاني الشتاء وأشعار الحب الشعبي.

ويرمز الموروث الشعبي إلى دلالات ومؤشِّرات واقعيَّة ملموسة تدلّ على حضارة الشعب الذي أنتجها وابدعها، فمكوناث الموروث الشعبي هي نفس المكونات منذ مهد الإنسان من إيماءة وإشارة وقول وفعل وهو تراث وثقافة أمّا مكوّنات التراث الشفاهي فهو كل ما هو روحي يندرج تحت هذا الإطار من أدب شعبي، أغاني، وعادات وتقاليد، ومعتقدات ومعارف، طقوس دينيَّة وشعبيَّة وغيرها.

ويلعب التراث الشعبي دورا كبيرا في مسار الحياة عن الأفراد والجماعات وقد وظّف توظيفا رائعا في مجال الفنون الراقية فتحوَّلت القصص والأغاني الشعبيَّة إلى أعمال فنيَّة جميلة ورائعة يشهد لها بسحرها وعبقريتها. لقد استوحى كبار الفنانين التراث الشعبي أيضاً في بناء أمجادهم الفنيَّة الرائعة في الأدب والموسيقى والرسم والنحت وتمَّ توظيف الحكايات الشعبيَّة في بناء أعمال يشهد لها بعبقريتها وعظمتها في مجال الأعمال الروائيَّة والقصصيَّة الرائعة وليس غريبا أن يكون وليم شِكْسِبير قد استلهم الحكايات الشعبيَّة في بناء الحِبْكَة الدراميَّة للعديد من مسرحياته الخالدة ومنها الملك لير وتاجر البُنْدُقِيَّة وترويض المرأة السَّليطة. وهذا ليس بعيدا عن ساحتنا الثقافيَّة حيث كانت استلهمت قصص ألف ليلة كليلة ودمنة ملهما في بناء أروع الأعمال الفنيَّة القصصيَّة والأدبيَّة في عالم الأدب والفن والقصة في المستويات العالميَّة. وإنه لمن المدهش حقا أن يكون الملحن التشيكي أنتونين دَفُورَاكْ قد استلهم الأناشيد الدينيَّة الزنجيَّة في تأليف سيمفونيته المشهورة حول العالم الجديد ومن المدهش أيضا أن يكون الملحن النمساوي الشهير موزارت فولفغانغ أماديوس قد استلهم لحن” المع المع أيها النجم الصغير” أساسًا لعمله الذي كتبه في عام 1778.

وممَّا لا شكّ فيه أن التراث الشعبي يعكس أفكار المجتمع واتّجاهاته وخصائصه ويحدِّد أغلب التوجّهات الحياتيَّة التي تتعلَّق بدور المرأة والرجل وقيمة العمل والحياة والزواج والوجود والفعاليات الاجتماعيَّة والطقوس، إنه أشبه بالروح الاجتماعيَّة التي تحدِّد هويَّة المجتمع ودوره وتطلعاته وأحلامه. على سبيل المثال، يعكس الكثير من التراث الشعبي كيفيَّة تقدير المجتمع لدورَ كل من الرجل والمرأة في واقع الحياة.

فالتراث الثقافي للمجتمعات الإنسانيَّة أشبه ما يكون باللاشعور الجمعي إنه مخزون ثقافي يتميَّز بالثراء والعمق، حيث ينطوي على الخبرة الإنسانيَّة للمجتمع الناجمة عن تراكم تاريخي طويل، وهذا يشمل المعتقدات والأساطير والقيمفاللاشعور الجمعي كما يراه كارل جوستاف يونغ يمثل مخزونا هائلا من الخبرات والتصورات الإنسانيَّة الموروثة والمستبطنة في كل فرد منا. ومن ثم ليس صحيحا أن لا وعي الكائن الإنساني الفردي هو فقط جماع تجربته كفرد بل فيه أيضا خبرات النوع الإنساني ككل، بكامل مخزونه من الأساطير والعقائد والتقاليد التي تبلورت طيلة آلاف السنين. ووفقا لهذه الرؤية فإن أن الفن ليس مجرد تعبير فردي منعزل، بل تعبير لاشعوري جمعي، وبالتحديد هو تعبير عن المخزون اللاشعوري للذات الجماعيَّة، حيث يرى أن الفنان في إبداعه لا يعبر عن ذاته بل عن اللاشعور الجمعي، أي أن دلالة النتاج الفني ينبغي أن تلتمس في رغبات الجماعة ولاشعورها لا في رغبات الذات الفرديَّة كما يعتقد فرويد. وهذه المماثلة تبين لنا إلى أي حدّ يتوغل التراث بوصفه لاشعورا جمعيا في الوعي الباطني للمجتمعات والأفراد ليشكل نابضا أساسيا من نوابض حركاتها وإيقاعا حيويا في ديناميات وجودها.

ويمكننا في هذا السياق إدراج التحديد الذي يقدِّمه أحمد أبو زيد لمفهوم التراث الشعبي حيث يقول بأن التراث الشعبي ” هو السائد الشائع في المجتمع من الفنون القوليَّة المختلفة ومن الإبداعات الفكريَّة والتشكيليَّة التي تصدر بصورة حرَّة تلقائيَّة والتي لا يعرف لها مؤلف ولا يكاد يعرف لها تاريخ، وإن كانت هذه الإبداعات تدور جول أشخاص أو أحداث تاريخيَّة كما هو الحال في السير الشعبيَّة مثلا، وربما كان المثال الواضح لذلك هو كتاب “ألف ليليَّة وليلة” وتاريخها الطويل والإضافات التي أضيفت عليها والجوانب التاريخيَّة والمتخيلة، وعوالم الإنس والجن التي تمتزج بعضها ببعض بصورة مختلفة تكشف قدرات هائلة عن التخيل بحيث يصعب رد العمل ككل إلى شخص واحد أو حتى إلى مجتمع واحد وثقافة واحدة بعينها[19].

ومن خصائص التراث الشعبي أنه تراث شعبي وليس إبداعا نخبويا فرديا وهذا يعني أن التراث الشعبي ينبع من ضمير الطبقات والشرائح الدنيا في المجتمع بما تتميز به من ثقافة خاصة لها مقوماتها واستقلالها وتمايزها عن الأعمال الإبداعيَّة النخبويَّة التي تصدر عن أفراد مبدعين معنيين لهم وضعهم الخاص في المجتمع [20]. وإذا كان التراث الشعبي ينبع من حياة العامة فإنه يخاطبها دون الصفوة الثقافيَّة مع أهميَّة الإشارة أن الصفوة تجد في تراث العامة أيضا ما يلهم إبداعها ويوقظ عبقريتها. وهنا تجدر الإشارة إلى بعض الاستثناءات التي تتعلق ببعض الأعمال الأدبيَّة المشهورة التي كتبت في الأصل من أجل العامَّة وتحولت إلى ثقافة تراثيَّة شعبيَّة تقبل عليها العامة وتستلهمها كما هو الحال في قصة ” “كليلة ودمنة ” حيث عرف كاتب هذه القصة ومترجمها ومع ذلك فهي موروث شعبي أثر وما زال يؤثر في وجدان العامة وعقولها.

ويمكن التمييز بين وظيفتين أساسيتين للتراث الشعبي، أي بين الوظيفة الظاهرة والوظيفة الكامنة، حيث تتحدَّد الوظيفة الظاهرة بتحقيق الاستجمام والمتعة واللهو والتسلية كما في النكتة والطرفة والقصة والملاحم الشعبيَّة، أما الوظيفة الكامنة فهي وظيفة معرفيَّة نقديَّة تساعد تعمل على وضع الواقع في دائرة الوعي والنقد كما هو الحال في النكات السياسيَّة والقصص الساخر، وهذا ما يمكن أن نجده في كتاب كليلة ودمنة [21] حيث يأخذ الشكل الظاهر صورة قصة للتسلية تدور على ألسنة الحيوانات، بينما يكمن جوهر هذه القصة في مهاجمة الأنظمة السياسيَّة القائمة على نحو رمزي وعلى ألسنة الحيوانات. فالكتاب في جوهره عمل نقدي معرفي يحلل أبنيَّة الواقع السياسي والاجتماعي كما يروج للقيم الأخلاقيَّة في عصره ويأخذ صورة من حيث الشكل أي في وظيفته الظاهرة تقديم الطرفة والمتعة للجماهير وقد حقق هذا العمل نجاحا أسطوريا يندر مثيله في المجتمعات الشرقيَّة على العموم.

يمكن التمييز بين وظيفتين أساسيتين للتراث الشعبي، أي بين الوظيفة الظاهرة والوظيفة الكامنة، حيث تتحدَّد الوظيفة الظاهرة بتحقيق الاستجمام والمتعة واللهو والتسلية كما في النكتة والطرفة والقصة والملاحم الشعبيَّة، أما الوظيفة الكامنة فهي وظيفة معرفيَّة نقديَّة تساعد تعمل على وضع الواقع في دائرة الوعي والنقد كما هو الحال في النكات السياسيَّة والقصص الساخر.

ويعد “كليلة ودمنة” من أكثر كتب التراث الشعبي شهرة وأوسعها انتشاراً حيث قدر له بجمال معطياته أن يتخطَّى الحواجز الجغرافيَّة وخوارق الأجناس والحدود الزمنيَّة بوصفه أدبا للحياة الإنسانيَّة، ويعد هذا العمل من كنوز الفكر الهندي حيث نقله ابن المقفع، في عصر الدولة العباسيَّة، من اللغة الفهلويَّة إلى اللغة العربيَّة، وهو يرمي إلى تهذيب النفس والإصلاح في الأخلاق والسياسة والاجتماع، وقد صاغه مؤلفه بأسلوب طريف من خلال وضعه على ألسنة الحيوانات مما جعل قصصه مزيجاً بين الهزل والجد، واللهو والحكمة والفلسفة. وميزة هذا العمل التراثي عن غيره أنه لا يتقيَّد بعصر أو بيئة، فهو ينسحب على كل الأزمنة والبيئات..

فالتراث الشعبي تعبير صادق وعميق عن روح الشعب والمجتمع لأنه يصدر تلقائيا ويتمّ توارثه تلقائيا بين الأجيال، وهذا التراث ليس جامدا بل يتجدد ويتغير ويكتسب تألقا وبريقا مع مرور الزمن وتقلب الأيام، فهو يجدِّد نفسه أثناء رحلته في الزمان وتطوافه في المكان. غنه يتكيف مع الواقع المتجدد ويحتويه ويتجدد معه في تقديم صور أكثر جدة وجمالا في مسار تطوره الإنساني. وهذا ما نلاحظه في الحكايَّة الشعبيَّة الألمانيَّة ” الذئب والقبعة الحمراء ” التي ذاع صيتها في مختلف أنحاء الكون واتخذت لها صورا جديدة وأشكال متنوعة في مختلف الثقافات وارتدت حلتها في الثقافة العربيَّة بعنوان “ليلى والذئب ” وهذه القصة مفعمة بالمعاني والدلالات الرمزيَّة حيث قدر لها أن تلعب دورا تربويا منقطع النظير في أوروبا وفي غيرها من البلدان العربيَّة. وهذا ينسحب على القصة التراثيَّة الشعبيَّة العربيَّة ” علي بابا والأربعين حرامي ” التي يندر مثيلها في قدرتها على الانتشار والتأثير في الثقافة العالميَّة ولاسيما في مستوياتها التراثيَّة الشعبيَّة. وهذه القصص مجهولة الهويَّة لجهة كاتبها ومؤلفها وهي ترتدي ألوانها الزاهيَّة في كل مرحلة وفي كل عصر على مبدأ التجدد الدائم الذي تفرضه الحياة ومعايير الوجود الإنساني. وهذا هو شأن أسطورة أوديب التي ألهبت الوجدان الشعبي بالإثارة الوجوديَّة المتأصلة في الحب والجمال والحياة، وقد كانت هذه الأسطورة اليونانيَّة الإغريقيَّة مصدر إلهان أدبي وعلمي وسيكولوجي حيث شكلت منطلق نظريَّة التحليل النفسي عند فرويد في فهم الطبيعة البشريَّة وتناقضاتها وديناميات التحريم التي تجلت رمزيا في ” عقدة أوديب ” التي تمثل الحبكة السيكولوجيَّة لنظريَّة فرويد في التحليل النفسي. وهي في أصلها أسطورة رمزيَّة رمزت إلى قوانين الحب والحياة والوجود والعدم، وقد تجلت في صيغ وأشكال وتفسيرات ينقطع مثيلها من حيث التنوع والتعدد والغنى والإثارة. فالتراث الشعب في النهاية يقدِّم نسقا من التصوّرات أكثرها أهميَّة تتمثل في رؤيَّة المجتمع للعالم والوجود كما تتمثل في رؤيَّة المجتمع لنفسه وإدراكه لمعالم هويته وخصوصياته الفكريَّة والاجتماعيَّة.

حدود الموروث الشعبي العربي:

يشكِّل التراث الشعبي العربي طاقة ثقافيَّة حيويَّة تتَّسم بمؤشِّرات الروعة والجمال في مجال الفن والشعر الشعبي والغناء والرقص والأهازيج الشعبيَّة والحكايات الجامعة مثل مثل حكايات ” ألف ليلة وليلة ” وسير الأبطال الشعبيين مثل ” سيف بن ذي يزن ” و ” الزير سالم ” و ” عنترة بن شداد ” و ” أبو زيد الهلالي ” و”تغريبة بني هلال” كما يفيض هذا التراث بمختلف المعطيات الشفويَّة من شعر شعبي وخرافات وأساطير وحكم وأمثال شعبيَّة [22].

فالعرب يملكون تراثا ثقافيا شعبيا حيّا في نفوسهم وعواطفهم وعقولهم، ورؤاهم وذاكرتهم، وتطلعاتهم([23]). ويمتدّ هذا التراث عبر عصور وأزمنة قديمة تتداخل فيها كل المعطيات الرمزيَّة والإنسانيَّة الماديَّة والمعنويَّة، حيث تتضاءل إمكانيَّة رسم الحدود المكانيَّة والزمانيَّة لهذا التراث الذي نجده أصوله في الجاهليَّة والإسلام وفي الحضارات العربيَّة القديمة من سومر إلى بابل وإلى الحضارة الفرعونيَّة وفي هذا يقول سليمان العيسى.

وأبعدُ نحنُ من عبسٍومن مُضَرٍ نعم أبعد
حمورابي وهاني بعلُبعضُ عطائنا الأخلد
لنا بلقيسُ والأهرامُو البُرديُ و المعبد
ومن زيتوننا عيسىومن صحرائنا أحمد
ومنا الناس يعرفهاالجميعُ تعلموا أبجد
وكنا دائماً نعطيوكنا دائماً نجحدُ!

وفي هذا يقول محمود السيد ” لقد اتَّسم تراثنا بقدرته على استيعاب الثقافات الأخرى من فلسفة الإغريق وعلومهم إلى حكمة الهند وفكرها إلى آداب الفرس ونظمها؛ وفد تفاعلت ثقافتنا مع هذه الثقافات دون أن تفقد هويّتها أو تذوب أو تفقد أصالتها؛ وطبعت ذلك كله بالطابع العربي مبرهنة على قدرة فائقة في التطور والنمو واستيعاب المحدثات في مجال العلوم والتقانة والفنون والآداب؛ وصمدت أمام محاولات التشويَّة والاستلاب؛ واجتازت بنجاح المعادلة الصعبة بين الحوار المكافئ والأخذ الإيجابي عن الثقافات الأخرى وبين الرفض القاطع لمحاولات طمس الهويَّة[24].

التراث والهويَّة :

التراث هويَّة ثقافيَّة بما ينطوي عليه من عناصر توحيديَّة إنه بوتقة مشكل للوعي والهويَّة، وهو في المجتمعات العربيَّة أحد أهم عناصر وحدتها وتكاملها سيكولوجيا وثقافيا. يقول الجابري في هذا الخصوص ” إنه بينما يفيد لفظ “الميراث” التركة التي توزَّع على الورثة، أو نصيب كل منهم فيها، أصبح لفظ التراث يشير اليوم إلى ما هو مشترك بين العرب، أي إلى التركة الفكريَّة والروحيَّة التي تجمع بينهم لتجعل منهم خلفا لسلف، وهكذا إذا كان “الإرث” أو “الميراث” هو عنوان اختفاء الأب وحلول الابن محله فإن التراث قد اصبح بالنسبة للوعي العربي المعاصر عنوانا على حضور الآباء في الآبناء، حضور السلف في الخلف، وحضور الماضي في الحاضر”[25]فالجابري يؤكد على أهميَّة التراث كعنصر توحيد للهويَّة عند العرب وينظر إليه على أنه الحي الحاضر في الوعي الذي يعطي للثقافة العربيَّة الإسلاميَّة عندما ينظر إليها بوصفها مقوما من مقوّمات الذات العربيَّة وعنصرا اساسيا من عناصر وحدتها. ووفقا لذلك ينظر الجابري إلى التراث ” لا على أنه بقايا ثقافة الماضي، بل على أنه تمام هذه الثقافة وكليتها: إنه العقيدة والشريعة واللغة والأدب والعقل والذهنيَّة والحنين والتطلعات، وبعبارة أخرى إنه في آن واحد: المعرفي والأيديولوجي واساسهما العقلي وبطانتهما الوجدانيَّة في الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة” [26]فالثقافة العربيَّة تراث وليست إرثا، لأن الإرث هو ما ينقل من الأب إلى ابنه، وما نرثه عن آبائنا، أما التراث فهو حضور الآباء في الأبناء، وهو ما يبقى حاضرا من السلف إلى الخلف([27]).

فالتراث والتراث الشعبي تحديدا الشعبي أحد أركان الهويَّة الثقافيَّة للشعوب والأمم، ويمكن القول إن التراث الشعبي يشكِّل المضمون الثقافي لهويَّة الأمة أو المجتمع، فالتراث هو المخزون النفسي لدى الجماهير والطاقة الحيويَّة الوجدانيَّة للأمّة الاجتماعي” ([28]). والتراث في النهاية “عبارة عن مجموعة من الحلول التي توصلت إليها الأجيال السابقة لبعض مشاكلها([29]). وهذا يعني أن التراث يجسد ثقافة المجتمع الحيويَّة الماثلة في العمق الإنساني فالعناصر التراثيَّة في الثقافة تشكل مركز الثقل في أيَّة ثقافة اجتماعيَّة أو هويَّة ثقافيَّة.

وما الهويَّة سوى تعبير ثقافي يجسِّد أعمق مكنونات الحياة الثقافيَّة والاجتماعيَّة إنها حالة من التشبّعات الثقافيَّة التراثيَّة في جوهرها التي يعرف بها مجتمع من المجتمعات ويتميز عن غيره. فالعادات والتقاليد والفولكلور والأزياء والعقليات هي تعبير هويَّة المجتمع الثقافيَّة. وما نريد قوله هنا أن التراث والتراث الشعبي تحديدا يشكل أعمق مكنونات الهويَّة وأكثر عناصرها دلالة وأهميَّة.

وليس غريبا أن نقول بأن التراث الشعبي يشكِّل وجدان الأمَّة والمجتمع كما يشكِّل الذاكرة الجمعيَّة للناس وهذا يعني من جديد أن التراث الشعبي تحديدا هو أكثر مناطق الهويَّة الثقافيَّة للمجتمع عمقا وأصالة ومركزيَّة. فالشعوب تعرف اليوم بفلكلورها وفنها الشعبي وأساطيرها وفنونها. فعلى سبيل المثال يمكن التعرُّف على هويَّة الشعب الإسباني اليوم من خلال موسيقى الفلامنكو Flamenco ورقصاتها وهي فولكور شعبي راقص كان مستهجنا في تاريخ الأندلس ولكنه اليوم أصبح أكثر معالم الهويَّة الإسبانيَّة الأندلسيَّة أهميَّة وجمالا. والمهم في هذا الأمر أن هذا الفلكلور الشعبي الذي كان منبوذا وأهله في الأندلس عشيَّة اندحار العرب المسلمين فيها وهزيمتهم أصبح اليوم عنوانا للهويَّة الأندلسيَّة تحديدا [30].

فالهويَّة يمكن رصدها بلكنة لسان محليَّة أو بلسان إقليمي أو غيره عالمي، أو بلباس محلي أو بلباس إقليمي أو آخر عالمي. وكذا يمكن رصدها بموروث شعبي من قصة قصيرة محليَّة أو أخرى إقليميَّة وثالثة عالميَّة، وهكذا إلى ما لا نهاية له من معالم الثقافة التي تتفاعل يومياً مع المحيط الثقافي المحلي والإقليمي ضمن نطاق الموروثات الحضاريَّة والمعطيات البيئيَّة وقوانين «الإهمال والاستعمال» الثقافي والأعراف المجتمعيَّة لتنتج بالضرورة مفرزات تعرف «بالهويَّة والتراث» [31].

وفي مجال التأكيد على أهميَّة العناصر التراثيَّة في تكوين الهويَّة الثقافيَّة في المجتمع يقول أمين المعلوف في كتابه الهويات القاتلة ” كل منا مؤتمن على إرثين: أحدهما عمودي يأتيه من أسلافه وتقاليد شعبه وجماعته الدينيَّة. والآخر أفقي يأتيه من عصره ومعاصريه، ويبدو لي أن هذا الأخير أكثر حسما وأهميَّة تتصاعد يوميا؛ ومع ذلك لا تنعكس هذه الحقيقيَّة على إدراكنا لذواتنا. فنحن لا نستند إلى إرثنا الأفقي بل إلى الآخر الذي هو إرثنا العمودي”([32]). وهذا يعني أن الإنسان عندما يريد أن يقف مع ذاته ويدرك صورته الإنسانيَّة الذاتيَّة استجابة لتساؤل الأنا والهويَّة يتجلى التراث والتراث والشعبي في عمق هذه الصورة محددا أساسيا لصورة الأنا والذات والهويَّة. وهذا يعني أن التراث يحفر مجراه في العمق السيكولوجي للإنسان والشعوب والجماعات الإنسانيَّة.

إن التراث الشعبي هو بصمة الهويَّة ووشم الانتماء الذي يميِّز شعبا ما ويحدِّد أعمق مشاعره وأحاسيسه وتصوّراته الإنسانيَّة. وعلينا أن نعتقد هنا بأن التراث الشعبي كامن في اللاشعور الجمعي وحاضر فيه حضورا لا يدانيه حضور إنه الخريطة الوراثيَّة للهويَّة الإنسانيَّة.

والفرق بين التراث الفكري والأدبي وبين التراث الشعبي أن التراث الشعبي يتغلَّل بصورة عفويَّة في الوجدان والضمير، ويشكل المناطق الأعمق في الضمير والوجدان، وعقليَّة شعب ما تتمثل في تراثه الشعبي الكامن في العمق. وهذا يعني في نهاية الأمر أن التراث الشعبي هو جذر الهويَّة وأسّها وبصمتها الوراثيَّة.

لقد بينت الدراسات أن تغيير المظاهر الماديَّة وتحقيق الطفرات النوعيَّة في التغيّر الحضاري باشكاله التمدينيَّة أمر ممكن في عقود وأزمنة قصيرة نسبيا، ولكن تغيير العقليات يحتاج إلى عشرات ومئات السنين. فالعقليَّة هويَّة تضرب جذورها في العمق اللاشعوري للإنسان والمجتمعات. وهنا تكمن أهميَّة التراث الشعبي بوصفه مشكلا ومؤسسا وصانعا للهويَّة فما هويتنا في نهاية الأمر أكثر من نواتج تفاعلنا مع التراث. فالتراث الشعب يتغلغل في أعماقنا منذ الطفولة ويحفر مجراه في مرحلة المراهقة والصبا والشباب ويتأصل ويتحول إلى طاقة ذهنيَّة وعقليَّة تحكم وجودنا وسلوكنا وكينونتنا النفسيَّة. ومن هنا يجب علينا أن ندرك الأثر الكبير والعظيم للتراف بوصفه مؤسسة لتشكيل العقول والضمائر والنفوس. فحكايا الجدات والأحداد تمثل فينا تتغلغل في أعماقنا، أهازيج الطفولة تحفر عميقا في نفوسنا وترتسم في مشاعرنا وذواتنا، الأفراح بما فيها من طقوس تنكأ الوجدان بقوتها وسحرها وعواطفها، أما طقوس الحزن والموت فهي تتوغل فينا تشكل في ذواتنا كل معاني القهر والحزن ومشاعره. عاداتنا تتحول فينا إلى طاقة وجود فترتسم في عقولنا وفي تكويننا الإنفعالي مسارات تأخذ مع الزمن صورة كيان نفسي واجتماعي لا تفلّه الأيام ولا تقهره السنون، وهذا هو الحال في أشعارنا الشعبيَّة وأهازيجنا الأدبيَّة: الزلغوطة والزفة والفرح والولوله إنها في أعماق الإنسان كامنة في سويداء الوجدان تعاند الأيام وقهر الزمان.

ومن أجل الدلالة على أهميَّة التراث الشعبي وقوّته على اختراق الجدران، يمكن الإشارة إلى أحداث كثيرة بعينها في مختلف البلدان ولكن أود هنا أن اقدم إشارة إلى أحداث فنيَّة في سوريا لنوع من الغناء والموسيقا الشعبيَّة الجبليَّة التي ظهرت في سوريا في الآونة الأخيرة وغناها مجموعة من المطربين الشعبيين المغمورين، وقد أثارت هذه الموسيقا البسيطة التراثيَّة وهذا الغناء الساذج الواقع الثقافي في سوريا وأثار جدلا كبيرا حيث استهجنه الفنانون والمثقّفون وهاجموه باعتبار أن هذه الأغاني تمتلك لغة هجينة فنيا وموسيقا مغرقة بسماتها الشعبيَّة (الزمر وأدوات بسيطة ) ومع كل الهجوم على النوع من الغناء التراثي إلا أن المفاجأة كانت أن هذه الموسيقا بكلماتها الشعبيَّة الجارحة أحيانا قد هزَّت الشارع السوري والخليجي والعربي وذلك أنها اثارت بكلماتها وبساطتها قيما وحكايا وتراثيات شعبيَّة بلديَّة ولكنا فرضت نفسها مؤثرا ثقافيا ساحرا ومؤثرا يمكن مقارنته بالفلامانكو الأندلسي الذي بدأ بأهازيج وأغاني تمثل ثقافة المنبوذين في الأندلي ولكنها في النهاية فرضت نفسها تراثا يعتز به الأندلسيون والإسبان وأصبح معلما من معالم ثقافتهم وهويتهم. فالناس يوجد لديهم حنين عميق دفين للحكايا الشعبيَّة، للتراث بكل ما يضج فيه من مفارقات وقيم ودلالات، وهذا الأمر يدفعنا إلى التذكير بقصة ألف ليليَّة وليلة التي بقيت زادا ثقافيا تطرب له العامة والخاصة في مختلف المجتمعات الإنسانيَّة، وهذا ينسحب على قصة علي بابا والأربعين حرامي التي ترجمت إلى مختلف لغات العالم وفرضت نفسها تراثا عالميا تداني ما لقصة ألف ليليَّة وليلة من أهميَّة وحضور.

فالتراث الشعبي يشكل نواة الهويَّة العربيَّة ويرسم حدودها، ومن هنا يجب الاهتمام بدراسة هذا التراث وحمايته وتأصيله وتعميق دلالاته في اتجاه بناء الهويات الوطنيَّة والثقافيَّة. وهنا أيضا يمكن القول بأن التراث الشعبي يوحد ولا يفصل كما هو حال الأيديولوجيا التراثيَّة والفكر الرسمي الذي يشكل في كثير من الأحيان عاملا من عوامل التفكك والاندحار.

وهنا اريد أن الإشارة إلى الدور العظيم الذي لعبنه القصص التراثيَّة الأسطوريَّة في مثل عنترة بن شداد، والزير سالم، وسيف بن ذي يزن، وتغريبة بني هلال، واقول هنا أن هذه القصص التراثيَّة ذات الطابع الأسطوري لعبت دورا هائلا لا يوصف في تشكيل الوعي الشعبي العربي وفي توحيده ايضا، وهذه القصص كانت وما زالت بين أهم العناصر في تشكيل الهويَّة العربيَّة من المحيط إلى الخليج. ولا بأس هنا من القول ” إننا نحمل في أعماق لاشعورنا، ثقافتنا الأصليَّة منذ بدايَّة تكونها عبر التاريخ، ومن هنا يمكن فهم ردود الفعل العنيفة أحيانا، التي قد يبديها شخص ما اعتقادا منه بأنَّ هويّته قد كانت موضوعا للتعريض بها وذلك عندما يجري الحديث سلبيا عن ثقافته”([33]). وهذا العمق اللاشعوري يمثل في نهاية الأمر جذر الهويَّة وإكسيرها وكينونتها الوجوديَّة.

التراث الشعبي يشكل نواة الهويَّة العربيَّة ويرسم حدودها، ومن هنا يجب الاهتمام بدراسة هذا التراث وحمايته وتأصيله وتعميق دلالاته في اتجاه بناء الهويات الوطنيَّة والثقافيَّة. وهنا أيضا يمكن القول بأن التراث الشعبي يوحد ولا يفصل كما هو حال الأيديولوجيا التراثيَّة والفكر الرسمي الذي يشكل في كثير من الأحيان عاملا من عوامل التفكك والاندحار.

التراث منطلق لا منغلق.

يضرب التراث جذوره في أعمق مضامين الهويَّة الثقافيَّة والوطنيَّة في المجتمعات العربيَّة، وهذا التراث يشكل منطلق كل محاولة تجد في طلب الهويَّة وتأصيلها والمحافظة على بنيان المجتمع وكينونته الإنسانيَّة. ونعتقد بأن إشكاليَّة التراث العربي فرضت نفسها في مختلف مناحي الحياة الفكريَّة والسياسيَّة على مدى القرن العشرين، وشكل مسألة التراث والهويَّة أخطر المشكلات التي واجهها العقل العربي منذ منتصف القرن التاسع عشر. وقد افرزت الحياة الفكريَّة والسياسيَّة موقفين متعارضين من التراث أحدهما كما يعلم الجميع يقف موقف الرفض الكلي لكل معطيات التراث العربي والإسلامي ويدعو إلى تبني شامل للثقافة الغربيَّة بكل مضامنها ومعطياتها، ويعد طه حسين من ابرز ممثلي هذا التيار في القرن الماضي حيث لا يرى في التراث إلا التخلف والاستبداد وقد عرف عنه قوله “إن استبداد الموروث أكثر ألوان الاستبداد استبداداً”.

وفي المقابل هناك الموقف الذي يتبنَّى التراث العربي والإسلامي بقضه وقضيضه رافضا كل أشكال التواصل مع الثقافة الغربيَّة التي يراها من منظور التهديد والخطر. وفي هذا يقول أحمد سليم سعيدان “هناك موقفان من التاريخ العربي أحدهما يتبرَّم منه ولا يجد فيه إلهاما أو طاقة حضاريَّة أما الآخر فإنه يتعصَّب له تعصّبا جاهليا ويأتي هذا الموقف كردِّ فعل على الغرب الاستعماري الذي يعرض تاريخنا على هواه أو كتمرّد عاطفي متشنِّج لا يستند إلى علم أو نهج فكري. ” ويبدو أن موقفنا من تاريخنا هو كموقفنا من تراثنا ولغتنا لا يقوم على دراسة متعمقة ولا يعالج بموضوعيَّة ولا يمثِّل اتجاها فكريا أو تربويا متطورا “([34]).

وبين هذه الموقفين تجلَّى موقف انتقائي يريد تحقيق التوالف بين قيم الحداثة والمعاصرة. وقد واجهت هذه المواقف الثلاثة انتقادات شديدة بوصفها مواقف عدميَّة تقود إلى نتيجة واحدة تتمثَّل في الانهيار والتصدع الثقافي الذي نشهده في هذه المرحلة من بدايَّة القرن الحادي والعشرين. كوفي هذا الصدد يقول محيى الدِّين صابر في موقف نقدي للمواقف من التراث إنَّ “تصور الاعتماد الكامل على التُّراث، وإعادة إنتاجه، لا يقل استحالة عن إلغائه وتجاهله … وأنَّ عمليَّة الانتقاء التُّراثي، والتشبُّث المطلق بالتُّراث، لمجرد أنَّه تُراث، موقف عاطفي أكثر منه موقفاً موضوعياً، ذلك أنَّه ينبغي وضع التُّراث في سياقه التَّاريخي والحفاظ على ثوابته وتطويرها، بما تأذن به طبيعتها، والانتفاع بمعطيات الثَّقافة المعاصرة، حتى لا يغترب المجتمع عن واقعه، أو يُصاب بانفصام الشَّخصيَّة فيعيش بطريقة، ويفكِّر بطريقة أخرى[35].

فالتراث نتاج عقلي أنتجته عقول بشريَّة وليس وحياً من عند الله تعالى ومن الطبيعي أن يتعامل معه الباحث – أي باحث – بوصفه نتاجا عقلياً ([36]). وتاسيسا على ذلك يرى المفكرون العرب ” أن التراث الإسلامي يحتوي على عناصر إيجابيَّة، يجب تنميتها والاستفادة منها في بناء الحاضر والمستقبل، كما يحتوي على عناصر سلبيَّة، بل مضرة أحيانا ومعيقة لكل أشكال التنميَّة وبالتالي لا بد من التخلص منها، كما لا بد من الانفتاح على الآخر والاستفادة من حضارته، ونقصد بالآخر العالم الغربي ([37]). ومهما يكن الأمر فإن التراث العربي الإسلامي يمثل عاملا مهما من عوامل وجودنا لأنه يشكل ثقلا نوعيا يمنع الجماعة من التحول إلى ورقة في مهب رياح الثقافات الواحدة ويعصمها من الجريان وراء كل بدعة ويحميها من محاولات طمس المعالم التي تميز الشخصيَّة العربيَّة المستقلة ([38]). فكثير من الباحثين المعاصرين يقفون موقفاً معاديا للتراث دون أن يخضعوا هذا التراث للدراسة ومن غير الاطرع على معطياته الإنسانيَّة ويقابل هذا تعصب كثير من الباحثين للتراث تعصبا مرضيا لكونه قد صدر عن الماضي ماضي الآباء والأجداد، وهذا يعني أنة اتخاذ موقف من التراث يجب أن ينطلق ويؤسس على البحث والدراسة والتقصي والفهم العلمي لهذا التراث دون تعصب أو ميل أو تحزب. ووفقا لمعطيات هذه الدراسات التراثيَّة المأمولة يمكن رفض بعض عناصر التراث أو قبولها تأسيسا على رؤيَّة علميَّة نقديَّة تمتلك الحجة والبرهان.

فالموروث كينونة حيَّة في نفوسنا وعقولنا وهي مفعمة بالقدرات والطاقات الإنسانيَّة الكامنة التي يمكن أن توظف وتستثمر في عمليَّة بناء الهويَّة والتنميَّة والوجود، وهذه الإمكانيات تحتاج إلى توظيف أنساق منهجيَّة تبتعد عن دائرة الخلاف والتوتر القائمة بين الاتجاهات والنزعات الفكريَّة المتضاربة حول مسألة التراث والحداثة. وذلك لأن الاهتمام بالموروث الشعبي أمر تفرضه الضرورة التاريخيَّة حيث يجب علينا أن نحافظ عليه ونقوم بتطويره عن طريق قراءته وتحليل مكوناته ورصد طاقته الخلاقة من أجل الحفاظ عليه وحمايته من الذوبان والتلاشي.

وفي هذا الأمر يقول بدر ملك ” ندرس التراث لا لننغلق فيه بل لننطلق منه، ندرس الماضي لا لننغلق في غفلة الأحلام بل لننطلق منه للأمام. نحتاج الحنين إلى المجد المؤثل عندما كانت حضارتنا منارة رائدة للعِلْمِ والعمل النافع فطابت في أوطاننا الحياة الكريمة، ولكن النظر للخلف يجب أن يكون بغرض التزود لنهضة شاملة قادمة بإذن وعون الله سُبْحَانَهُ. النكوص يعني التَّغني بماضينا العظيم والشرود عن حاضرنا الأليم. نعم، نُحِب أن نُربي أنفسنا على الافتخار بما سلف من إسهامات أسلافنا لنستلهم منها النَّجاح ولكن من دون أن نجهل الحكمة العربيَّة الأصيلة التي تقول[39]“:

لسنا وإِن أحسابُنا كَرُمَتْ
نَبْنِي كما كانتْ أوائِلُنا تَبْني
أبداً على الأَحْسابِ نتكلُ
ونَفعلُ مِثلَما فعلــــوا

” وفي الحقيقة إن التراث الإسلامي –مثل أي تراث آخر- يحتوي على عناصر إيجابيَّة، يجب تنميتها والاستفادة منها في بناء الحاضر والمستقبل، كما يحتوي لى عناصر سلبيَّة، بل مضرة أحيانا ومعيقة لكل أشكال التنميَّة وبالتالي لا بد من التخلص منها، كما لا بد من الانفتاح على الآخر والاستفادة منه.

بين مطرقتي الأصالة الحداثة .

إذا كان الموقف من التراث الحضاري للأمّة يقع في صلب التضارب والتجاذب بين الرافضين له والمؤيدين فإن التراث الشعبي الذي يشكل جانبا حيويا ومهمّا في بنيَّة التراث الثقافي للأمة يواجه رفضا مزدوجا من قبل الحداثيين والأصوليين معا. فالتراثيون أو الأصوليون ينتصرون للتراث الديني في غالب الأحوال وهذا لا يعني أنهم يناصرون أو ينتصرون للتراث الثقافي الشعبي بل يرفضون هذا التراث جملة وتفصيلا ويعملون على استئصال شأفته. ويضاف إلى ذلك أن التراث الثقافي الشعبي يواجه تحديات العولمة الثقافيَّة التي تعمل على تفكيكه وتدميره بوصفه مكونا للهويَّة الوطنيَّة والثقافيَّة للأمة. وهذا يعني أن الموروث الشعبي يواجه مخاطر ثلاثيَّة التكوين تتمثل في الحداثة والأصالة والعولمة. فالتيارات الحداثيَّة الأصوليَّة ترى المأثورات الشعبيَّة باعتبارها ضد العلم والحداثة، والأصوليون يرون في هذا التراث صورة لتكوينات ثقافيَّة مضادة للدين والقيم الإسلاميَّة. وغالبا ما يضعون هذا التراث في دائرة التراث الوثني المعادي للقيم الإسلاميَّة السمحاء وذلك لأنه يتضمن الأساطير والحكايات الشعبيَّة والعادات والتقاليد والفلكلور الذي يتنافر مع معطيات الشريعة السمحاء.

وفي هذا الأمر ترى الباحثة في التراث الشعبي أروى عبده عثمان أنه غالبا ما يقف الحداثيون والتراثيون في خندق واحد من حيث ” نظرتهم إلى التراث الشعبي بوصفه مجرَّد خرافات، وهروب من العلم والمعرفة، وأداة ماضويَّة (رجعيَّة)، وثقافة بدائيَّة متخلفة، وحفريَّة من حفريات الإنسان البدائي الأول، ومرد كل هذه النظرة الانتقاصيَّة التي ترى أن هذا المأثور ينتمي لثقافة الرعاع، والبدائيين” و”ثمة من يرجع سبب الانتكاسات والهزائم إلى الانغماس في التراث الشعبي، وجعله في التأثير على الشأن العام. وتصل الباحثة بعد ذلك إلى أن “كلا من الرأيين العلماني، والديني يرجعان إلى ثنائيتين متضادتين قاصمتين، إما نكون مع العلم لوحده الصرف بمعزل عن أمور محيطنا ودنيانا وثقافتنا فنتقدَّم ونشتري الدنيا، وإما أن نرجع إلى منابع الدين، فنشتري الآخرة” [40].

وتعلن الكاتبة اليمينة أروى عبده عثمان أسفها لأن القوى الدينيَّة المتطرِّفة تمكنت من الوصول إلى مناطق ريفيَّة جبليَّة بعيدة لنشر ثقافتها المعاديَّة للموروث الشعبي، ولم يكن لها من هم سوى نهي الناس عن الرقصات والغناء والبهجة التي تذهب عنهم عناء بؤسهم ووطأة معاناتهم، ونسيت أن تحدثهم عن همومهم وحاجاتهم إلى طرق وكهرباء ومياه نظيفة، وحيثما ذهبت تتقصى بقايا الموروث الشعبي من غناء ورقص وأزياء وحكايات كانت تجد أفكارا تحرض الناس ضدها وضد ما تناضل من أجله، وومثلما وجدت قرى أعالي هضبة تعز تجتر تحريم البهجة، وجدت أيضا مناطق في أقاصي صعدة حرم أهلها أنفسهم متعة الرقص بسبب تلك الأفكار التي احتكرت تفسير العالم لصالح قيمها الضيقة. تساءلت أروى بحزن وغضب معا: ما الذي يضرّ رجل الدين إذا اغترف قليلا من الثقافة الشعبيَّة؟ وماذا سيصيبه من أذى إذا استمع إلى أغنية[41]؟ وتخلص الكاتبة في ورقتها الموسومة “المأثورات الشعبيَّة بين المؤسسات: حكوميَّة ومجتمع مدني”، “أن المأثورات غائبة ومغيبة من قبل المؤسسات الحكوميَّة، بالرغم من موافقتها على بنود ووثائق اليونسكو، لكنها تظل وثائق تفتقر إلى التفعيل، ولا تحظى بأي قدر من الالتفات إلا إذا كان الأمر يتصل باستثمار سياسة النفعي والآني.

والهجوم على التراث الشعبي يتواتر في كثير من البلدان العربيَّة إلى حد تدمير بعض الكتب التراثيَّة حيث قامت وزارة التربيَّة والتعليم في فلسطين اعدام كتاب ” يا طير يا اللي طاير “ وهو كتاب تراثي فولكلوري وهذه القضيَّة تطرح من جديد سؤالا حول الموقف العقلاني من الموروث الشعبي.

فإذا كانت ” ألف ليلة وليلة ” وغيرها قد دُوّنت في عصر الخلافة العباسيَّة، مع ما تحويه من استعمالات للغة العامة، ومضامين جنسيَّة واضحة، فمن غير المعقول ومن غير المنطق أن يتم إعدام الحكايات الشعبيَّة العربيَّة في القرن الواحد والعشرين، في مناطق السلطة الفلسطينيَّة، وبأوامر من وزارة فلسطينيَّة، وبأيد فلسطينيَّة[42].

وإعدام كتاب ” يا طير يا اللي طاير ” هو تساوق مع ما فعلته حركة طالبان في أفغانستان عندما دمرت التماثيل البوذيَّة في بلادها، بحجة محاربة الوثنيَّة، وهم يتانسون مثلا ان المسلمين بدءا من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، مرورا بدولة الخلافة وحتى أيامنا هذه لم يدمروا التماثيل الفرعونيَّة في مصر على سبيل المثال، ولسبب بسيط أنها حضارة المصريين في مرحلة سابقة، ومع الفارق ما بين الفعلتين ” اعدام الكتاب وتدمير التماثيل ” حيث أن الحكايات الشعبيَّة الواردة في الكتاب بعضها يحمل مفاهيم دينيَّة، كبقيَّة موروثنا الشعبي[43]. وليس غريبا أن نجد أساتذة جامعيين ينادون بتحريم الاحتفالات الفولكلوريَّة معتبرين إياها خروجا عن الدين وهم يعترضون على استخدام استعمال مصطلح ” التراث الشعبي ” بكل ما يتضمنه من قيم ومعاني، وهذا يتم نتيجة جهل كبير بدلالة ومضمون ودور التراث الشعبي بوصفه الشيفرة الوراثيَّة للهويَّة الوطنيَّة والثقافيَّة.

وإزاء هذه المعضلة والمأزق الحضاري فإن ” المطلوب هو العثور على المعادلة الصحيحة بين الاحتماء بالتراث والانفتاح على النظام العالمي وهي مسألة تتضمن تحديات نظريَّة وتطبيقيَّة وتحتاج إلى انفتاح فكري وإلى جهود جماعيَّة من المثقفين العرب على مختلف اتجاهاتهم[44]. ومن المؤكد اليوم أن مشاكل الحاضر في ساحتنا الثقافيَّة الراهنة ترجع في جزء كبير منها، إن لم يكن معظمها إلى مشاكل الماضي([45]). وبالتالي فإن التحرر من التبعيَّة للآخر لا يمكن أن يتم إلا من خلال التحرر من التبعيَّة للماضي ماضينا نحن([46]). التحرر من التراث لا يعني الهروب منه وإلقاءه في سلة المهملات مثلما أن التحرر من ثقافة الغرب لا يعني الانطلاق من دونها ([47]).

عولمة التراث الشعبي :

تطرح العولمة نفسها نقيضا كليا للهويَّة فالعولمة تعني ذوبان الخصوصيَّة والانتقال من الخاص إلى العام، ومن الجزئي إلى الكلي، ومن المحدود إلى الشامل، ومن المتعّين إلى اللامتعين. وعلى خلاف ذلك، يأخذ مفهوم الهويَّة اتجاها متقاطبا كليا مع مفهوم الشموليَّة والعموميَّة، فالهويَّة انتقال من العام إلى الخاص، ومن الشامل إلى المحدود، ومن اللامتعّين إلى المتعين. فمفهوم الهويَّة يبحث عن التمايز والتباين والمجسد والمشخص والمتفرّد والمعيّن، أما العولمة فهي بحث لا ينقطع عن العام والشامل والمجرد والمتجانس واللامحدود.

والسؤال المركزي الذي يطرح نفسه في سياق هذه العلاقة هو: هل تعمل العولمة على تذويب الهويَّة وتفكيك التراث الشعبي وتهميشه؟ يذهب أغلب المفكرين والباحثين إلى الاعتقاد بأن العولمة فعل يقلص امتداد الكون في هويَّة واحدة متجانسة ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا. فالعولمة وفقا لهذا المنظور تعمل على بناء ثقافة واحدة وتسعى إلى تذويب الحدود والحواجز الثقافيَّة والفكريَّة والاقتصاديَّة بين الأمم، إنها سعي لبناء المجتمع الإنساني على مقياس الثقافة الواحدة والحياة الاقتصاديَّة الواحدة، وبالتالي فإن ثقافة العولمة هي ثقافة الشركات العابرة للجنسيَّة والقوميات والثقافات.

ويمثل هذا الاتجاه بجدارة الطيب التيزيني الذي يعرف العولمة ” بأنها نظام اقتصادي سياسي اجتماعي وثقافي يسعى إلى ابتلاع الأشياء والبشر في سبيل تمثلهم وهضمهم وإخراجهم سلعا”([48]). وهذا يعني أن هذا النظام يعمل باتجاه تفكيك الهويات والمؤسسات بهدف التمكين لهويَّة واحدة هي هويَّة “السلعة (…) كي يتسنى له الهيمنة غير المشروطة على العالم من خلال هويَّة سوقيَّة سلعيَّة كونيَّة عالميَّة”([49]). ففي دائرة العلاقة بين الغرب والعرب يميز التيزيني بين الغرب المتقدم العملاق وبين الواقع العربي المتخلف والتابع. ويتبين أن العلاقة بين العالمين هي علاقة غير متكافئة تسمح باختراق العالم الأول للعالم الثاني اختراقا يتسع باستمرار مع تعاظم قوة الغرب وتضاؤل قوة العرب. وفي إطار هذه العلاقة يتحول الطرف العربي إلى واقع مستباح بحيث يقوم الطرف الأول الذي هو الغرب بتفكيك معالم الطرف الثاني العربي وإعادة بنائها وفقا لمقتضيات السوق([50]).

فالحضارة الغربيَّة بامتدادها العولمي الجديد تهتدي بروح القوة، وهي الروح الفاوستيَّة التي ترى بأن الوطن، هو أي مكان في الأرض، يمكن السيطرة عليه بمنطق القوة والحرب. فالحياة وفقا لهذا العرف تجري وفقا لمبدأ الصراع والنزال من أجل السيطرة والسيادة. وهذا يعني أن الروح الغربيَّة الفاوستيَّة تتجسد في معاني الغلبة والصراع والتحدي والانتصار والقوة. وتلك هي الروح التي حدَت بفلاسفة الغرب الفاوستيين أمثال هيجل ونيتشة واشبلنجر وفيخته إلى تمجيد القوة وروح الحرب والانتصار، وهي التي دفعت اشبنجلر إلى الاعتقاد بأن الحرب هي الخالقة لكل ما هو عظيم وأن كل ما له معنى في الحياة قد ولد ونشأ عن النصر والهزيمة. وهذه الحضارة تسعى إلى هدم الحضارات القائمة وتذويب الخصوصيات الثقافيَّة في سبيل بناء ثقافة غربيَّة واحدة تكون لها السيادة والسطوة والهيمنة.

إن الخطر الأكبر في عمليَّة العولمة أنها تفرض من الخارج، فهي ليست نتاجا لتفاعلات بين الحضارات والمذاهب المتباينة على مستوى العالم ككل، وذلكم هو الأمر الذي يكشف بشكل أو بآخر، إن العولمة مرحلة معاصرة من مراحل الرأسماليَّة، أو كما يصفها منظرو ما بعد الحداثة بأنها مرحلة متأخرة من مراحل الحداثة في ظل ليبراليَّة جديدة أشار إليها البعض بأنها تمثل نهاية التاريخ. أو كما أشار إليها آخرون بأنها هجمة معاصرة للرأسماليَّة تستهدف تنميط العالم بالشكل الذي يخدم مصالح القوى الرأسماليَّة العالميَّة المسيطرة، وبالذات الشركات متعددة الجنسيات([51]). ومن هذا المنطلق تشتد نزعة المعارضة والمقاومة لثقافة العولمة التي تحاول أن تعمم نموذجها الحضاري وتفرضه على العالم بكل الوسائل الممكنة.

والتراث الشعبي بوصفه الروح الداخليَّة للهويَّة يواجه تحديات العولمة التي تعمل على تفككه واختراقه وتدميره وإفراغه من محتواه الإنساني. حيث تتجه عمليات إحياء التراث – التي تتمثل في تعزيز النشاطات الثقافيَّة التقليديَّة التي خبرها الآباء والأجداد- إلى تأكيد الخصوصيَّة الثقافيَّة وتأصيل الهويَّة التراثيَّة التقليديَّة للمجتمعات العربيَّة. ومع أهميَّة هذا الإحياء إلا أن هذه العمليات الإحيائيَّة تتم بروح عولميَّة بمعنى أنها تعزز ما هو عالمي في الوقت الذي أريد لها أن ترسخ الخصوصيَّة الثقافيَّة وتؤكد الهويَّة الذاتيَّة لهذه المجتمعات. ويمكن أن نقدم نموذجا عصريا لمثل هذا الاختراق الثقافي الذي تمارسه ثقافة العولمة في التراث ويتمثل نموذجنا هذا في سباق كأس دبي العالميَّة للخيول الذي أجري برعايَّة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في 27 مارس 1996. فالغايَّة من هذا المهرجان هي تأكيد خصوصيَّة الثقافة العربيَّة الأصيلة بقيمها التراثيَّة التي تتمثل في سباق الخيول وهو تقليد عربي قديم أصيل في التجربة والوعي والوجدان، بل هو في أصله نمط يومي من أنماط الحياة العربيَّة في القرون التي خلت. ولكن عندما نلقي نظرة إلى مختلف مظاهر هذا المهرجان نجد أن هذا المهرجان يأتي تأكيدا لمظاهر العولمة وبالتالي فإن هذا المهرجان بكامله لا يمت بصلة إلى التراث في عمقه: فالمشرفون على السباق، وحكامه، ومنظموه، ومديروه، والأطباء، والمعلقون جميعهم من الأجانب وليسوا من المواطنين أو حتى العرب، والأدهى من ذلك كله أن المتسابقين أغلبهم من الأوروبيين والآسيويين، ولا يفوتنا أبدا أن مدربي هذه الخيول والقائمين عليها من السائس والمدرب ومنظف الاصطبل هم من الأجانب بالمطلق. فما هي القيم التراثيَّة التي يعنيها مثل هذا السباق؟ هل يعزز قيما تراثيَّة مؤكدة للخصوصيَّة أم هذه التي تؤكد القيم العالميَّة؟ وهل يمكن لمثل هذه الطقوس أن تعزز وعيا بالتراث والهويَّة؟ أم أنها تؤكد وعيا بالعالميَّة وتأصيلا لقيم الثقافة العولميَّة الزاحفة؟ أليس من المدهش أنه وفي الوقت الذي نريد فيه أن نعزز تراثنا وهويتنا وخصوصيتنا تأتي جهودنا لتعزز مظاهر العولمة والاختراق الثقافي ([52]).

وعلى هذا المنوال تجري أغلب طقوسنا الثقافيَّة التي تأتي لتعزز العولمة وقيمها وأنماط الحياة الغربيَّة في الوقت التي أريد لها أن تعزز قيمنا الثقافيَّة ذات الطابع التراثي. ومثال ذلك أيضا رحلات التخييم التي تلجأ إليها أغلب الأسر العربيَّة في الخليج التي تخرج إلى الباديَّة وهناك تضرب خيما للعيش حينا من الدهر على طريقة الآباء والأجداد. ولكن في هذه الخيم نجد كل مظاهر الحضارة الغربيَّة من فيديو وتلفزيون وأطباق فضائيَّة وسيارات وأفخم الطعام الذي يستجلب من أشهر الفنادق والمطاعم… الخ. والسؤال ما الذي بقي من قيم التراث ومن مظاهره في هذه الطقوس. ومن أمثلة ذلك أيضا مظاهر المحاضرات والخطب التي تعدّ لتصب لعنتها على الغرب والحضارة الغربيَّة وتسعى لإحياء التراث والهويَّة والأصالة. ولكن من ينظر في الطابع العام لهذه المحاضرات سيجد أن كل مظاهرها وأدواتها ومفرداتها مستجلبة في الغرب ومصنعة بعقله وتبدأ هذه المظاهر من: الثياب التي يرتديها المحاضر، والمقص أو ماكينة الحلاقة والمشط الذي صفف به شعره وقص لحيته، إلى الميكرفون الذي يستخدمه في إيصال الصوت، وفي الكمبيوتر وأدوات العرض التي يستخدمها، وفي أوراق المحاضرة التي سجل عليها ملاحظاته إلى الساعة التي ينظر فيها وإلى الحذاء الذي يرتديه، والعطور المبخرة التي عطر بها نفسه، وفي السيارة التي تنظره خارجا لتقله إلى المنزل. وفي كل هذه المظاهر لا يبقى فيها من التراث إلا الشتائم واللعنات والسب والرجم الذي يصبه على الغرب ومنجزاته وعطاءاته الحضاريَّة. هذا المثال وغيره من الأمثلة التي سقناها تؤكد أن قيم الحضارة الغربيَّة تتغلغل في أعماق حياتنا الثقافيَّة وأننا في الوقت الذي نريد فيه إحياء تراثنا وتأكيد خصوصيتنا فإننا نفعل ذلك بأدوات غربيَّة عولميَّة ولا مناص من ذلك. وهنا يمكن القول مع عبد الخالق عبد الله ” لم يعد بالإمكان إجراء فصل تعسفي بين المحلي والعالمي وبين الخاص والعام وبين الذاتيَّة والعالميَّة، لقد تواصلت العالميَّة مع عالمنا الداخلي وأثرت على التصورات والمفاهيم والعادات والمتطلبات، كما أنها أثرت على السلوكيات والعلاقات والرغبات والطموحات ([53]).

إن دخول العولمة للمجتمعات سيفقدها حتماً جزءاً كبيراً من ذاكرتها الشفويَّة وهذا بدوره سيؤدي إلى كارثة تراثيَّة يمكنها أن تدمر أهم عناصر الهويَّة في مجتمعاتنا العربيَّة. وهذا يعني أنه يجب علينا المحافظة على الذاكرة التراثيَّة الشعبيَّة “وحمايَّة الثقافة الشفويَّة الأصيلة المتجددة التي تأخذ أشكالاً فنيَّة متعددة تبدأ من الحكايات والأساطير الشعبيَّة والأغاني الشعبيَّة سواء تلك الطقسيَّة كأغاني البحارة والحصادين أو أغاني الأمهات للأطفال، حكايات المعارك، والأزياء الفلكلوريَّة وأدوات الحصاد، والأدوات التقليديَّة التي يستخدمها الصنّاع وأرباب العمل، أدوات الحرب، التي تحتاج لذاكرة تحفظها كصورة قبل حفظها مادياً، وصولاً إلى نداءات الباعة المتجولين وحكايات الحارات، وهي التي تشكل بمجموعها نسقا من الموارد التراثيَّة المعرفيَّة الضروريَّة لبناء ثقافة المة وهويتها “ [54].

الهروب من العولمة؟ 

يمكن تشبيه العولمة بالمصباح والتراث الشعبي أي الهويَّة الشعبيَّة بالفراشة وفي علاقة الفراشة بالمصباح يجب على الفراشة ألا تقترب كثيرا فتحترق وألا تبتعد كثيرا فتموت من الصقيع ، وهذا يعني أنه عليها أن تحافظ على مسافة تمكنها من أن تحظى بالدفء دون ان تحترق ودون أن تموت من البرد.

إن تبني ثقافة العولمة يعني الذوبان فيها وبالتالي فإن الهروب منها إلى الأمام أو إلى الخلف يعني الالتحام بها. فإن أنت أقدمت عليها تعرضت للذوبان فيها وإن أنت هربت تعرضت للتجمد، وإنك إن هربت منها هربت إليها لأنها تحيط بالمجتمعات الإنسانيَّة من الأعلى الأدني ومن العمق إلى السطح وهي تعتمد في قوتها على قوة الضوء والصورة والومض والاختراق حيث تحيط بالكون الإنساني في صورة إشعاعات فتخترق الجدران والأعماق ولا تستطيع المجتمعات أن تهرب منها لأنها قد أصبحت قدرا ثقافيا. وبالتالي فإن أيَّة محاولة للهروب منها هي

ومن الجميل في السياق أن أقدم هذا النص التراثي ( من التراث الشعبي) وفيه حكمة التراث نفسها في يقول النص التراثي: ” بينما كان وزير شاب يتجول في سوق بغداد، التقى في طريقه بامرأة ذات نظرة مزعجة مرعبة وكأنها ملك الموت بنظرته المرعبة، فتأكد بأنها الموت الذي يبحث عنه. وذهب مذعورا إلى خليفة البلاد فحكى له ما رآه. وباقتناع الخليفة والوزير بأن موت هذا الأخير سيكون في بغداد، أصبح من الحكمة أن يغادر الوزير بغداد إلى مكان آخر. وهكذا نصحه أن يختار أحسن فرس في الإسطبل ويرحل إلى سمرقند. وعند آخر النهار خرج الخليفة ذاته إلى ساحة السوق والتقى بملك الموت الذي أخاف الوزير فسأله قائلا: ” لماذا أخفت وزيري هذا اليوم؟ وأجاب الموت” لم أرد تخويفه بل وببساطة فوجئت بلقائه هنا في بغداد لأن موعدي معه في سمرقند وسأنتظره هذا المساء هناك”([55]).

في هذه الرائعة الأدبيَّة إشارات وتلميحات بأن العولمة أصبحت قدرا ثقافيا وبأننا عنما نهرب من العولمة نلاقيها إلى حيث تريد هي، وهي تريد بالتأكيد تجميد ثقافتنا وتدميرها بفعل التجمد والتقلص والتصدع والانفجار. فالوزير الذي فرّ من الموت في بغداد واجه موته في سمرقند وكأنه كان يسعى إلى موته بإرادته وجهده وأن جهده في تجنب المصير لم يؤخر ولم يقدم. والعبرة أنه لا يمكن لإنسان أن ينفلت من مصائر الأقدار. وما كان على الوزير أن يسعى إلى تجتب المصير بل كان عليه أن يواجه ويتحدى لأن في المواجهة فرص أكبر للنجاة.

ويعلمنا التراث الشعبي كثيرا من الحكمة في مواجهة الخطر حيث يقول المثل الشعبي ” إذا واجهت الأسد فلا تهرب منه لأن الهروب يعني الموت المحتم وفي الوقوف أمامه بحذر دون مقتل الخوف فرصة للنجاة أكبر. وتفيد هذه الأمثلة أن الموقف الصحيح من العولمة تكون بالمواجهة النقديَّة وبامتلاك القدرة على المشاركة فيها إبداعا ونشاطا وحيويَّة لا هروبا منها أو هروبا إليها. وقدر المجتمعات التي تريد أن تحافظ على وجودها الثقافي أن تبتدع ديناميات جديدة ومبتكرة لمواجهة العولمة دون هاجس السيادة والنديَّة أو هاجس القضاء عليها كما يفكر البعض أو الهيمنة على حركتها ومسارها، وهنا يصح المثل الشعبي الذي يقول ” إذا نجوت من الأسد فلا تطمع في صيده “.

التراث الشعبي هويَّة ثقافيَّة إنسانيَّة جامعة، إنه التاريخ الذي يحيا بين جوانحنا ويتأصل في وجدان أمتنا نبضا بالحياة والحب والجمال والحكمة والعطاء الإنساني، إنه نواة الهويَّة الوطنيَّة ونسغ وجودها، منه ننهل حكمتنا ونستلهم فيض قدرتنا على الحياة نستجوب آفاقها الإنسانيَّة عبر الفن واللغة والقصة والشعر والأدب والأسطورة والتاريخ.

خاتمة:

التراث الشعبي هويَّة ثقافيَّة إنسانيَّة جامعة، إنه التاريخ الذي يحيا بين جوانحنا ويتأصل في وجدان أمتنا نبضا بالحياة والحب والجمال والحكمة والعطاء الإنساني، إنه نواة الهويَّة الوطنيَّة ونسغ وجودها، منه ننهل حكمتنا ونستلهم فيض قدرتنا على الحياة نستجوب آفاقها الإنسانيَّة عبر الفن واللغة والقصة والشعر والأدب والأسطورة والتاريخ، والتراث الشعبي كينونة فينا نصقله ويصقلنا وندفعه بأمانة إلى الأجيال التي تلينا إرثا إنسانيا ينير لهم دروب الحياة في مواجهة الحب والحياة والموت والفرح والأحزان. والتراث الشعبي لا نرثه بل نحن مؤتمنون عليه وديعة ثقافيَّة لأطفالنا وأحفادنا من بعدنا يضمن لهم هويتهم ويضفي على حياتهم معنى ودلالة وقيمة إنسانيَّة. وهنا وليس هناك يجب علينا أن نجدد فيه ونطور في فنونه وعلومه ونبدع في تقديمه للأجيال دفئا ثقافيا يمكنهم من الحفاظ على هويتهم ووجودهم. وإذا كنا لا نستطيع أن نجدد فيه فإنه يجب علينا حمايته من الاندثار والتداعي والسقوط وهكذا يجب علينا أن نعمل على تدوينه وتصنيفه كما يجب علينا تدريسه وتعليمه وتأكيد أهميته صونا له من الإندثار والهزيمة والاندحار.

وعلينا في هذا المستوى من أهميَّة الحفاظ على تراثنا وإحايئه أن نستفيد من تجارب الأمم الأخرى التي حافظت على تراثها وضمنت له أسباب الحياة و البقاء، فالفكر الأوروبي ” كان ولا يزال يتجدد من داخل تراثه، وفي الوقت نفسه يعمل على تجديد هذا التراث، تجديده بإعادة بناء مواده القديمة وإغنائه بمواد جديدة([56]). لقد أعاد الأوروبيون كتابة تاريخهم ن لقد رتبوا تاريخهم حسب العصور وجعلوا من كل قرن حقبة تتميز بخاصيَّة معينة، لقد عملوا على سد الثغرات وإبراز عناصر الوحدة تاريخهم الثقافي مبرزين منه ما يستجيب لاهتماماتهم مهمشين ما لا يستجيب، مستعملين المقص لإضفاء المعقوليَّة على صيرورته وتموجاته.

وأخيرا يمكننا القول أن الاهتمام بالموروث الشعبي يشكل ضرورة تاريخيَّة حيويَّة لأنه يشكل العمق التاريخي الحي لوجودنا وكنزاً ثقافيا ثرا لا يفنى لأجيال تريد أن تحقق وجودها وهويتها إذ لابد من العمل تنميَّة القيم الإيجابيَّة في هذا التراث والاستفادة منها في بناء الحاضر والمستقبل، ولا بد لنا في ذلك كله من الانفتاح على الآخر والاستفادة من حضارته وقيمه وعلومه الإنسانيَّة، وان نعمل على أن ننطلق من هذا التراث الخلاق لا أن ننغلق فيه.

هوامش الدراسة ومراجعها

[1] – محمد عابد الجابري،  التراث والحداثة ، مركز دراسات الوحدة العربيَّة، ط2 ، بيروت ، 1999 ، ص 21.

[2] – محمود السيد ، عصرنة التراث ، مجلة  التعريب ،  العدد العشرون ، كانون الأول ، ديسمبر، 2000 .

– [3]يوسف زيدان، مَـفْـهُـومُ التُّـرَاث، موقع إسلام أون لاين.

[4] – فهمي جدعان،  نظريَّة التراث  دار الشروق، عمان، 1985.

[5] – محمد عابد الجابري،  التراث والحداثة ، مركز دراسات الوحدة العربيَّة، بيروت ، 1991 ، ص 30.

[6] – محمد عابد الجابري،  التراث والحداثة ، مركز دراسات الوحدة العربيَّة، ط2 ، بيروت ، 1999 ، ص 23.

[7] -حسن حنفي ،  الجذور التاريخيَّة لأزمة الديمقراطيَّة في وجداننا المعاصر، ضمن مركز دراسات الوحدة العربيَّة، الديمقراطيَّة وحقوق الإنسان في الوطن العربي، بيروت،1986،( صص 175 – 190)، ص 176.

[8] -حسن حنفي ،  الجذور التاريخيَّة لأزمة الديمقراطيَّة في وجداننا المعاصر، المرجع السابق، ص 176.

[9] حسن حنفي ،  الجذور التاريخيَّة لأزمة الديمقراطيَّة في وجداننا المعاصر، المرجع السابق، ص 176 – 177.

[10] – الدكتور محمد رياض وتار ، توظيف التراث في الروايَّة العربيَّة المعاصرة ، من منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق – 2002 .

[11] – عبد الله فهد النفيسي ، التراث وتحديات العصر ، الربيعان للنشر والتوزيع ، ط1، الكويت ، 1986، ص 16. نقلا عن عماد الدين خليل ، موقف إزاء التراث ، مجلة المسلم المعاصر ، العدد التاسع ، ص 44.

[12] – عبد المجيد بوقربة ، في معنى التراث مستويات المفهوم ، مجلة فكر ونقد .

[13]–  أوهاج الحداثة، دراسة في القصيدة المعاصرة، د. نعيم اليافي – اتحاد الكتاب العرب، دمشق 1993 ص 50.

[14]-محمد قرانيا ، التراث والأصالة المعاصرة ملامح ونظرات، المعرفة السوريَّة،عدد390، آذار-نيسان،1996،صص(37-56)،ص38.

[15]– محمد قرانيا ، التراث والأصالة المعاصرة ملامح ونظرات، المرجع السابق ، ص38.

[16]– محمد قرانيا ، التراث والأصالة المعاصرة ملامح ونظرات المرجع السابق،ص38.

[17]– محمد قرانيا ، التراث والأصالة المعاصرة ملامح ونظرات، المرجع السابق ، ص39.

[18]– محمد قرانيا ، التراث والأصالة المعاصرة ملامح ونظرات، المرجع السابق ، ص39.

[19] – أحمد أبو زيد ، التراث الشعبي … التجدد الدائم رؤيَّة أنثروبولوجيَّة ، ضمن : مجموعة كتاب الثقافة العربيَّة والتراث ، منشورات دائرة الثقافة والإعلام ، الشارقة 1998، (صص 141-159) ص 144.

[20] – انظر : أحمد أبو زيد ، التراث الشعبي … التجدد الدائم رؤيَّة أنثروبولوجيَّة ، ضمن المرجع السابق ، ص 152.

[21] – انظر : بيدبا الفيلسوف ، كتاب كليلة ودمنة ، ترجمة  عبد الله بن المقفع ، تحقيق: سالم شمس الدين ، المكتبة العصريَّة للطباعة والنشر ـ بيروت ، 2003.

[22] – جميل السلحوت ، الموقف العقلاني من التراث ومجزرة الطير اللي طاير ، مجلة دنيا الرأي ، مجلة إليكترونيَّة، تاريخ 9/3/2007 . http://pulpit.alwatanvoice.com/content-78329.html

[23] – محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربيَّة، بيروت 1989، ص33.

[24] – محمود السيد ، عصرنة التراث ، مجلة  التعريب ،  العدد العشرون  كانون الأول ، ديسمبر، 2000 .

[25] – محمد عابد الجابري،  التراث والحداثة ، مركز دراسات الوحدة العربيَّة، ط2 ، بيروت ، 1999 ، ص 24.

[26] – محمد عابد الجابري،  التراث والحداثة ، المرجع السابق  ، ص 24.

[27] -محمد عابد الجابري،  إشكاليات الفكر العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربيَّة، بيروت 1989، ص23.

[28] -حسن حنفي ، من العقيدة إلى الثورة ، المجلد1، دار التنوير ، القاهرة ، 1988، ص7.

[29]– سيدي محمود ولد سيدي محمد ، التنميَّة والقيم الثقافيَّة،  المعرفة السوريَّة، عدد381، حزيران 1995، صص83-95،ص90.

[30] – فلامنكو (بالإسبانيَّة: Flamenco) هو نوع من الموسيقى الإسبانيَّة الأندلسيَّة ، الذي يقوم على أساس الموسيقى والرقص. الجذور العربيَّة للفلامنكو تظهر في طريقة الغناء من الحنجرة وفي جيتار الفلامنكو وتأثره بالعود، نشأت في أندلسيا في القرن الثامن عشر. ومصطلح فلامنكو يرجع في  أصله إلى كلمة عربيَّة تعني الفلاح الهارب  (Fallah Mengo = فلاح منجو) و هم الفلاحين الموريسكيون (أي العرب الإسبان المسلمون من أصول عربيَّة) الذين اصبحوا بلا أرض، فإندمجوا مع الغجر و أسسو ما يسمى بالفلامنكو كمظهر من مظاهر الألم التي يشعر بها الناس بعد إبادة ثقافتهم.

[31] – وليد أحمد السيد، ثنائيَّة التراث والمعاصرة : الماضي حين ينطوي وحين يتحرك في الحاضر ، جريدة الحياة ، 24/11/2007.

[32] – أمين المعلوف، الهويات القاتلة : قراءة في الانتماء والعولمة، ترجمة نبيل محسن، ورد للطباعة والنشر، دمشق ،1999، ص 92.

[33] –  غاستون ميالاريه، التعدديَّة الثقافيَّة والتربيَّة  في القرن الحادي والعشرين، ترجمة محمد الشيخ، فكر ونقد، س2 عدد 22، أكنوبر، 1998، صص 93-113، ص 101.

[34]– أحمد سليم سعيدان ،  مقدمة لتاريخ الفكر العلمي في الإسلام، عالم المعرفة ، العدد 131، الكويت ، 1988، ص 185.

– [35] صابر، محيى الدين، التراث ومستقبل الأمة، 2001، قامت المنظمة الإسلاميَّة للعلومِ الطِّبِيَّة (ومقرها دولة الكويت) بنشر هذه الدِّراسة على موقعها: موقع إسلام ست : http://islamset.com/arabic/aheritage/teb/index.html

[36]– نصر حامد أبو زيد، مات الرجل وبدأت محاكمته، أدب ونقد ص101 يناير 1994 (صص63-68)، ص65.

[37]– سيدي محمود ولد سيدي محمد،  التنميَّة والقيم الثقافيَّة، مرجع سابق، ص91.

[38]– محمد قرانيا ، التراث والأصالة المعاصرة، مرجع سابق، ص3.

[39] – بدر محمد ملك و لطيفة حسين الكندري ، تراثنا التربوي ننطلق منه لا ننغلق فيه ، مكتبة الطالب الجامعي،الكويت ، 2002، ص 25.

[40] – وضاح المقطري ، بحثا عن مستقبل للهويَّة : الموروث الشعبي: كيف يجيء الماضي في الحاضر، ولا يختطف المستقبل ، 4/2/2009 ، موقع يمان الإليكتروني ، http://yemenat.net/details.asp?id=3811&catid=13[40]

[41] – وضاح المقطري ، بحثا عن مستقبل للهويَّة ، المرجع السابق .

[42] – جميل السلحوت ، الموقف العقلاني من التراث ومجزرة الطير اللي طاير ، 9/3/2007, موقع دنيا الرأي ، http://pulpit.alwatanvoice.com/category-7.html

[43] – جميل السلحوت ، الموقف العقلاني من التراث ومجزرة الطير اللي طاير ، المرجع السابق .

[44] – عبد الله فهد النفيسي ، التراث وتحديات العصر ، الربيعان للنشر والتوزيع ، ط1، الكويت ، 1986، ص 18.نقلا عن السيد ياسين ، التراث وتحديات العصر ، بيروت ، 1985، ص 19.

[45] -محمد عابد الجابري،  إشكاليات الفكر العربي المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربيَّة، بيروت 1989، ص40.

[46] -محمد عابد الجابري،  إشكاليات الفكر العربي المعاصر ، المرجع السابق، ص43.

[47] -محمد عابد الجابري،  إشكاليات الفكر العربي المعاصر ، المرجع السابق، ص43.

-[48] الطيب التيزيني، الواقع العربي والألفيَّة الثالثة، ضمن : ندوة حوارات في الفكر، الواقع العربي وتحديات الألفيَّة الثالثة، مراجعة وتدقيق ناصيف نصار، مؤسسة عبد الحميد شومان، العدد 3، عمان، 2001، صص 17-42، ص 21.

[49]– الطيب التيزيني، الواقع العربي والألفيَّة الثالثة، المرجع السابق ، ص 21.

[50]– الطيب التيزيني، الواقع العربي والألفيَّة الثالثة، ، المرجع السابق ، ص 20.

[51]– أحمد مجدي حجازي، العولمة وتهميش الثقافة الوطنيَّة، مجلة عالم الفكر، الكويت : المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ديسمبر 1999، ص 139.

[52] -سليمان نجم خلف، العولمة والهويَّة الثقافيَّة : تصور نظري لدراسة نموذج مجتمع الخليج والجزيرة العربيَّة، المجلة العربيَّة للعلوم الإنسانيَّة، العدد 61، السنة 16، شتاء 1998، صص 53-91، ص 61.

[53] – عبد الخالق عبد الله، البعد العالمي للثقافة الوطنيَّة، دراسات، العدد 9، السنة 6، 1995، ص 207.

[54] – مهند صلاحات ، تراثنا … الأمانة التي نفرط بها حول ضرورة توثيق الذاكرة الشفويَّة ، الحوار المتمدن – العدد: 2029 – 2007 / 9 / 5   موقع : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=108119

[55]  محمد بو بكري، التربيَّة والحريَّة، من أجل رؤيَّة فلسفيَّة للفعل البيداغوجي، إفريقيا الشرق، بيروت، 1997، ص 111.

[56] محمد عابد الجابري: إشكاليات الفكر العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربيَّة، بيروت 1989، ص35.

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات