المقالاتحياة ومجتمع

الطلاق وشروطه في الفقه المقارن

الإسلام دين متكامل ختم الله به رسالاته، ووضع أحكامه الفقهية وفقا لما فيه مصلحة للعباد فأوجبه، وما فيه مفسدة حرمه، وما فيه مصلحة لا تصل إلى مرتبة الوجوب حث عليه وجعله مستحبا، وما فيه مفسدة لم تصل إلى مرتبة الحرمة جعله مكروها، وجعل الحكم الإباحة في بعض المسائل وترك فيها الاختيار للإنسان.

تشريع الزواج

من أجل استمرار حياة الإنسان بنسله ولفوائد أخرى نفسية وجسدية ودينية واجتماعية، حث الإسلام على الزواج وشرعه بعقد نكاح لفظي بين الرجل والمرأة متفق عليه بينهما وجعله «نصف الدين» وأن «النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني» كما ورد عن نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله الأخيار، فهذا رحمة من الله عز وجل ونعمة على عباده لما في ذلك آثار طيبة على الإنسان بحال قام الزوجين بواجباتهما، وقاما بمراعاة حقوقهما وعاشا حياة كريمة بطاعة الله فيها الألفة والتفاهم والمودة، كما أمرهما الله عز وجل:(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلكَ لآيات لقوم يتفكرون).

تشريع الطلاق

شرع الإسلام عقد النكاح بشروطه وبالاتفاق الحاصل بين الرجل والمرأة، شرط ألا يكون هناك أي خلل أو ظلم أو أذية وحرام نتيجة سوء العشرة وأسباب أخرى قد تدفع بهما أو بأحدهما لطلب الانفصال وفسخ العقد بينهما، فكما حلل الإسلام الارتباط والزواج، فقد حلل أيضا الطلاق مع كراهية شديدة ولوجود ضرورة بعد أن تسد أبواب الصلح بينهما وتستنفذ جميع الوسائل من النصح والتأخير وإعطاء فرص التفكير وغيره، يأتي في المرحلة الأخيرة اللجوء إلى ما وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار «إن أبغض الحلال عند الله الطلاق» على قاعدة «فإمساك بمعروف» أو «تسريح بإحسان» ليؤكد على حلية ومشروعية الطلاق ولكن الأفضل ومع الإمكان عدم حصوله بقدر المستطاع، وفي الحديث إشارة صريحة على الترغيب بعدم الإقدام على الطلاق لتسميته بأبغض الحلال عند الله عز وجل لما فيه غالبا من مفسدة إلا بحالة نادرة معينة.

الطلاق عند المذاهب الإسلامية

لا شك أن مسألة الطلاق حساسة جدا وهي تؤثر على الزوجين وأولادهما، بل على المجتمع كله لما ينتج من آثار سلبية عنه؛ لذا نرى اجتهادات فقهية في شروطه عند المذاهب الإسلامية، فمنهم من يسر الطلاق وسهله ومنهم من اشترط شروطا وقيده، ومنهم من وضع العوائق الكثيرة حتى يعطي الفرص ويردع الزوجين قبل وقوعهما في أبغض الحلال.

الطلاق اللفظي وشروطه

إن حل وفسخ عقد النكاح ورفع اليد عنه وفك الارتباط الزوجي، يسمى بالطلاق بين الرجل والمرأة ويحصل باللفظ الشفوي إجماعا وليس حصرا، ولكن وقع الاختلاف الفقهي المشروع بين المذاهب الإسلامية، بل بين علماء المذهب الواحد حول الأركان والشروط التي ينبغي استيفاؤها حتى يقع الطلاق الشرعي ويكون ناجزا.

الطلاق بالكتابة

الحنفية والمالكية والحنابلة وبعض الشافعية قالوا: يقع الطلاق بالكتابة مع تفصيل في المسألة.

بعض الشافعية والجعفرية قالوا: عدم وقوع الطلاق بالكتابة مطلقا لمن يقدر على النطق.

الطلاق ثلاثة بلفظ واحد

المالكية والشافعية والحنبلية والحنفية قالوا: الطلاق الثلاث بلفظ واحد في مجلس واحد يقع ثلاثا، واتفقوا جميعا على أن من قال لزوجته أنت طالق ثلاثا تقع الثلاث وخالفهم بعض علمائهم وخالفهم بعض علماء الحنابلة والظاهرية.

المذهب الجعفري: الطلاق ثلاثا بلفظ واحد لا يقع إلا واحد بالإجماع عندهم.

أركان الطلاق وشروطه

للطلاق أركان ثلاثة: الزوج المطلق، الزوجة المطلقة، والصيغة التي يقع بها الطلاق.

شروط الطلاق في الفقه

سنعرض شروط الطلاق في المذاهب الإسلامية والمذهب الجعفري وهو الأكثر بين المذاهب الفقهية تشددا في إجراء الطلاق من أجل إعطاء المجال للتراجع عن الطلاق لدفع المفسدة ورعاية الأسرة والحفاظ عليها وعدم انهيارها لأسباب قد تكون تافهة أو لمشكلة يمكن حلها أو إصلاح الحال أو نتيجة لتسرع وحالة غضب واتخاذ قرار خطأ.

المذاهب الأربعة: يقع الطلاق باللفظ الصريح وبالكناية إذا نوى الطلاق.

الجعفري: يقع الطلاق بلفظ طالق خاصة على وزن فاعل، فاسم المفعول كأنت مطلقة، والفعل كطلقتك، أو أنت خلية، وما إلى ذلك كله لغو لا يقع به طلاق، أما التعليق فهو بجميع أنواعه وأقسامه فاسد.

المذاهب الأربعة: لا يجب الإشهاد في الطلاق، وخالفهم بعض علماء أهل السنة كعطاء وابن جريج.

الجعفري: يشترط وجود شاهدي عدل يحضران مجالس الطلاق، حيث يسمعان إنشاء صيغة الطلاق معا، ولا يكفي الطلاق أمام كل منهما منفردا، ولا تكفي شهادة المطلق أو وكيله، وشرط صفة العدل هي الاستقامة على جادة الشريعة وعدم الانحراف عنها، حيث لا يفعل الشخص أي محرم ولا يترك أي واجب، هذا الشرط يعطي فرصة للتفكير والتراجع عن الطلاق.

المذاهب الأربعة: يقع الطلاق في فترة الحيض مع الحرمة.

الجعفري: يجب أن تكون الزوجة طاهرة من الحيض والنفاس أثناء الطلاق؛ فإذا كانت في حالة حيض فلا أثر لكلمة الطلاق وتبقى العلاقة الأسرية قائمة (باستثناء بعض الحالات)، وهذا عائق ثان يعطي الوقت الكافي للزوج في التفكير والمصالحة حتى تطهر المرأة.

المذاهب الأربعة: يقع الطلاق في طهر المواقعة مع الحرمة.

الجعفري: شرط في صحة الطلاق ألا تكون الزوجة المدخول بها في طهر المواقعة وإلا فلا يصح الطلاق، وعلى الزوج أن ينتظر حتى تحيض وتطهر حتى يطلقها قبل المواقعة، فيكون قد مر وقت طويل ويكون لدى الزوج مجال للتفكير ومدعاة للمصالحة، وأما إذا كانت مسترابة أي لا تحيض وهي في سن من تحيض فلا يصح طلاقها حتى يعتزلها من بعد المواقعة ثلاثة أشهر حتى تطلق.

المذاهب الأربعة: المشهور عن المالكية أن الطلاق لا يقع إلا باللفظ والنية، وبه قال الحنفية، وعند الشافعية والحنابلة أن لفظ الطلاق الصريح لا يحتاج إلى نية، واختلفوا في طلاق الغضبان غضبا شديدا فقال بعض المالكية، وبعض الحنابلة، والشافعية بوقوعه، وقال الحنفية وبعض المالكية، وبعض الحنابلة بعدم وقوعه.

الجعفري: يجب القصد في الطلاق، فلا يصح الطلاق مع الغضب الشديد الذي يسلب القصد وأن يكون عن اختيار لا عن إكراه فلايقع الطلاق بالإكراه.

كل هذه الشروط والاختلافات لها تبريرها ومستندها الشرعي وأدلتها الفقهية الاجتهادية المعتمدة التي تعطي مندوحة وسعة للمسلم في حياته (وما جعل عليكم في الدين من حرج).لا شك أن الطلاق بالعنوان الأولي أمر خطير ينبغي التوقف عنده والتأني فيه؛ لما فيه من تفكيك للأسرة التي تشكل نواة المجتمع.ولكن هذا لا يعني أن الطلاق بغيض على كل حال، ومهما كانت الظروف؛ فإن المغزى المتقدم أن يتأنى الناس في قرار الطلاق بعد استنفاذ كل محاولات الإصلاح الممكنة لبقاء العلقة الزوجية، ولكن شريطة أن تكون هذه العلقة سليمة؛ بحيث لا يلزم من بقائها ضرر أعظم من الطلاق نفسه.

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات