المقالاتمنوعات

الذكاء الاصطناعي؛ عفريت يأبى العودة إلى الفانوس

شهد العالم تحولات وتطورات تكنولوجيَّة رهيبة في السنوات القليلة الأخيرة، مسَّت العديد من مجالات المعرفة، فأطلق على هاته المرحلة بالثورة المعلوماتيَّة أو بالانفجار المعرفي أو بحرب البيانات وغيرها من التسميات، وبغض النظر عن القدرة العسكريَّة، فقد أصبح من يمتلك المعلومة يمتلك سلاح السيطرة والتحكم والتأثير، وقد ساهم التطور التكنولوجي الذي طرأ على وسائل الاتصال وأنظمة الحواسيب في تنظيم وتسيير المعلومات،كاستخدام الرقائق السليكونيَّة لتحقيق سرعات فائقة في تخزين ومعالجة البيانات، وإستخدام اللغة الرقميَّة وكوابل الألياف البصريَّة لنقل المعلومة والصوت والصورة بدقة عالية؛ وبذلك نكون قد دخلنا عصر الثورة الصناعيَّة الرابعة.

هذا العصر التي أضحت فيها التكنولوجيا جزءًا لا يتجزأ من المجتمع بل من الإنسان نفسه؛ حتى أصبحت أجهزة الحواسيب والآلات تحاكي عمليَّة تفكير العقل البشري، وذلك من خلال انتقال أساليب الذكاء الإنساني إلى نظم البرمجة للحاسبات والآلات، وقد أدّى استخدام هاته البرمجيات والتطبيقات إلى ظهور نظم الذكاء الاصطناعي في العديد من جوانب الحياة كالصناعة والتجارة والاتصالات والصحة وغيرها من القطاعات، لكن التقدم السريع لتقنيات وأنظمة الذكاء الاصطناعي وتجاوزها للتوقعات البشريَّة؛ نتج عنه تزايد القلق حول مستقبل البشريَّة في ظل توقع خبراء بأنّنا سـنصل إلى مرحلة روبوتات وآلات تمتاز بمستويات ذكاء تفوق مستوى الإنسان؛ تمكنها من اتخاذ قرارات بشكل ذاتي، فهل سيتحكم الذكاء البشري في الذكاء الاصطناعي أم سينقلب السحر على الساحر؟

الذكاء الاصطناعي من خيال علمي إلى واقع:

كان الذكاء الاصطناعي في السابق مجرد مادة للخيال العلمي، تناولها المنتجون في أفلامهم الخياليَّة حتى منتصف الخمسينات من القرن الماضي، أين شرع العديد من العلماء في تبني نهج جديد لبناء آلات ذكيَّة من خلال اكتشاف نظريات رياضيَّة جديدة للمعلومات؛ واختراع الحواسيب الرقميَّة وتطور علوم الأعصاب، حيث في عام 1956 بدأت ملامح علم يهتم بأبحاث الذكاء الاصطناعي في الظهور؛ وذلك من خلال انعقاد أوّل مؤتمر في كليَّة دارتموث بالولايات المتحدة الأمريكيَّة، وكان من أبرز الباحثين الأمريكيين في هذا المجال الذين حضروا المؤتمر جون مكارثي ومارفن مينسكاي وهربرت سايمون وألين نويل؛ الذين أصبحوا فيما بعد قادة بحوث الذكاء الاصطناعي لعدّة عقود، فقاموا بتأسيس مختبرات للذكاء الاصطناعي في كل من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة كارنيجي ميلون وستانفورد، وقامت آنذاك وزارة الدفاع الأمريكيَّة بتمويل أبحاثهم، لكن سرعان ما تخلت الحكومة عنهم لفشلهم في تطوير مشاريعهم؛ فكانت الانتكاسة الأولى التي شهدها مجال بحوث الذكاء الاصطناعي، ومع بداية الثمانينات شهد هذا المجال اهتمامًا كبيرًا خاصة في الجانب التجاري؛ وذلك نظرًا لنجاح برنامج نظم الخبرة الذي يحاكي مهارات التحليل وذكاء الإنسان الخبير، لكن وبعد فترة وجيزة ومع انهيار سوق آلة  lisp machine ( إحدى لغات البرمجة المعروفة في مجال بحوث الذكاء الاصطناعي والتي إخترعها العالم جون مكارثي سنة 1958) عرفت البحوث انتكاسة أخرى، غير أنه مع بداية التسعينات شهد العالم ميلاد الثورة الصناعيَّة الثالثة والتي اتسّمت بتحّول تكنولوجيا المعلومات التناظريَّة إلى التكنولوجيا الرقميَّة، وكنتيجة للتطّور الواسع لهاته الأنظمة وتداخلها وتفاعلها مع بعضها البعض من خلال الخوارزميات؛ تم إفراز تقنيات الثورة الصناعيَّة الرابعة والتي من أهمّها الذكاء الاصطناعي؛ فأصبحت أبحاثه على درجة عالية من التخصص؛ منقسمًا بذلك إلى عدّة مجالات فرعيَّة ترتكز على فكرة أساسها أنّ الآلات الذكيَّة لها القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل.

 

أهميَّة الذكاء الاصطناعي في حياتنا:

إنّ الغاية الأساسيَّة من وجود الذكاء الاصطناعي هو تمكين الآلات على العمل والتفكیر مثل الدماغ البشري واستخدامها في العديد من المجالات؛ فقد أصبحت تطبيقاته تتغلغل في حياتنا وتزداد ترسيخاً؛ فنجدها مثلا في:

-القيادة الذاتيَّة للسيارات وتحليق الطائرات بدون طياّر.

-الصناعات العسكريَّة ككاسحات الألغام.

-الصناعات الاستراتيجيَّة كالمفاعلات النوويَّة لأغراض سلميَّة أو عدائيَّة.

– تفسير الصور والبيانات الزراعيَّة واستشعار جودة المياه.

-برامج الاتصالات السلكيَّة واللاسلكيَّة وشبكات الأنترنت ومنصات التواصل.

– التشخيص والعلاج الطبي.

-التعليم ومراكز البحث.

-تحليل البيانات الاقتصاديَّة والتنبؤ بالبورصات وتطوير أنظمة تداول الأسهم.

-المحاكاة المعرفيَّة كـالتعرف علـى الوجـوه أو البصمات (مثل نقاط المراقبة في المطارات أو مراكز التحقيق).

-التصاميم الصناعيَّة كصناعة السيارات ومختلف الآلات والأجهزة.

-التحكم بوسائل النقل والمواصلات كالسكك الحديديَّة؛

– الأقمار الصناعيَّة وأنظمة الملاحة في الفضاء.

-محركات البحث على الأنترنت كالعناقيد البحثيَّة لغوغل.

-أنظمة الحماية في البنوك والمؤسسات والمنازل.

-ألعاب الفيديو والكمبيوتر.

-الأجهزة الشخصيَّة كالهواتف والألواح الذكيَّة.

-الأنشطة الفنيَّة كالسينما والرسم والموسيقى.

ولعلّ آخر ما توصل إليه العقل البشري هو اختراعه للإنسان الآلي الروبوت صوفيا و روبوت الدردشة ” ChatGPT؛هذه عينة من بعض استخدامات الذكاء الصناعي في واقعنا اليوم، فبرامجه تتعّدد من مجال إلى آخر، تمس الفرد والجماعة على حد سواء؛ ميدانه كوكب الأرض والفضاء؛ أهدافه تتنّوع من التنمية والدفاع والأمن إلى التعليم والتثقيف والترفيه.

 إذاً تكمن أهميته أنّه يساعد الإنسان على آداء أعماله في فترة وجيزة مع خفض تكلفة الإنتاج إلى جانب توفير الراحة والرفاهيَّة له، باختصار يساهم في تطوير الحياة البشريَّة، وباعتبار أنّ أبحاثه ذات طابع تقني محض؛ فإنّه يؤثرأيضًا في ميادين العلوم الإنسانيَّة كعلم النفس وعلم الأعصاب وعلم الاجتماع وعلوم الفلسفة وغيرها من العلوم؛ إذ أتاح للعلماء الفرصة في فهم عمليَّة التفكير البشري.

 

تهديدات الذكاء الاصطناعي:

مع توسع قدرات الذكاء الاصطناعي وانتشاره ازدادت حدّة النقاش حول هاجس خروجه عن السيطرة، فقد أجمع العديد من العلماء والأكاديميين والفاعلين في الشأن السياسي والإقتصادي والإجتماعي على مخاوفهم من عدم التحّكم في التكنولوجيا مستقبلاً، بل وصل اعتقادهم بأنّها ستقضى على البشريَّة، فقد وقّع قرابة ألف خبير ومتخصص على عريضة يطالبون من خلالها بوقف مؤقت لتطوير هاته التكنولوجيا، ولعلّ من أبرزهم مالك تويتر وشركتا “سبايس إكس” و”تيسلا” إيلون ماسك، ومؤلف كتاب “سايبيينز” يوفال نواه هراري    ورئيس شركة “أوبن إيه آي” سام إلتمان و ممثل شركة “آبل” ستيف ووزنياك وخبراء من مختبر “ديب مايند” للذكاء الاصطناعي التابع لـ”غوغل“، ورئيس شركة “ستابيليتي إيه آي ” عماد موستاك، بالإضافة إلى  مهندسين من شركة “ماكروسوفت” وأكاديميين متخصصين في الذكاء الاصطناعي، كما حذر الأب الروحي للذكاء الاصطناعي بشركة “غوغل” جيفري هينتون من مخاطره عندما ترك منصبه مؤخراً،

وتتجلّى لنا هاته المخاوف بوضوح حين نرى بأنّ الآلات الذكيَّة التي تعيش معنا تفتقر للعاطفة وللإنسانيَّة وبالتالي تؤثر على قراراتها، كما أنّ استخدامها بشكل دائم ينعكس بالسلب على أدمغتنا كضعف الذاكرة والإدراك وتراجع العلاقات الإنسانيَّة (العزلة والانفصال عن البشر)، إلى جانب تزايد التهديدات الأمنيَّة على المستوى القومي كالهجمات السيبرانيَّة والتلاعب بالمعلومات واختراق الحسابات والمواقع الإلكترونيَّة والتجسس عبر برامج خاصة (مثل برنامج بيغاسوس)، أمّا على المستوى الداخلي فيكمن القلق في استخدام الحكومات لبرامج من شأنها تقييد حريَّة الأفراد ومراقبتهم وإنتهاك خصوصيتهم الشخصيَّة، أمّا إقتصاديًا فاليد العاملة مهدّدة بخسارة المزيد من فرص العمل، وتوجد  تهديدات جمّة لا يسعنا حصرها؛ ومن خلال ما سبق ذكره من مخاوف وهواجس؛ نطرح السؤال التالي: هل شعر عرّابو الذكاء الاصطناعي بالندم لاختراعهم الذي تجاوز خيالهم ؟ يجيبنا العالم البريطاني سيتوارت راسل على ذلكبقوله” إنّ البشريَّة قامت بخطأ في البداية لأنهّا لم تفكر في سبب الحاجة إلى اختراع الذكاء الاصطناعي”.

 للذكاء الاصطناعي دور في تحسين حياة الناس من خلال تقديم خدمات أكثر دقة وبسرعة فائقة؛ لكنّه قد يشكّل أيضًا تهديدًا للبشريَّة إن لم تكبح جماحه، وذلك بوضع إستراتيجات تقوم على أسس حوكمة وأخلقة التكنولوجيات الحديثة وتنظيمها ومُتابعتها ومُراقبتها والتحّكم فيها؛ فالذكاء الاصطناعي بمثابة ذلك العفريت الذي يتطلّع لتحقيق أُمنياتنا ورغباتنا ويأبى العودة إلى الفانوس؛ وقد أكّد ذلك السيناتور الأمريكي كوري بوكر حينما قال بأنّه “لا توجد طريقة لوضع هذا الجنّي في الزجاجة؛ إنّه ينفجر عالميًا”.
_________

 

قائمة المراجع:

1-الذكاء الاصطناعي:تأثيرات تزايد دور التقنيات الذكيَّة في الحياة اليوميَّة للبشر.

النقر للوصول إلى 20_371c98d6-6b55-4f40-8200-6ffcca032c25.pdf

2-مدخل إلى عالم الذكاء الاصطناعي

https://www.kutubpdfbook.com/book/%D9%85%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A/download

3-أفضل كتاب يشرح الذكاء الاصطناعي

https://www.rofofs.com/2021/04/learn-artificial-intelligence-basics-book-pdf.html

4-تاريخ الذكاء الاصطناعي

https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A-pdf

5-الذكاء الاصطناعي واقعه ومستقبله

https://www.ebooksar.com/%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A-pdf

6-مخاطر الذكاء الاصطناعي على الأمن ومستقبل العمل

النقر للوصول إلى RAND_PE237z1.arabic.pdf

7-الذكاء الإصطناعى يهاجم الذكاء الإصطناعى

https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D9%8A%D9%87%D8%A7%D8%AC%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D8%B4%D8%B1%D9%81-%D8%B4%D9%87%D8%A7%D8%A8-pdf

8-الذكاء الاصطناعي المستقبل الجديد

https://www.noor-book.com/%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B5%D8%B7%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-pdf

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات