الاصطفاء التربويّ أو دور المدرسة في اصطفاء النخب
قراءة في المعادلة الطبقيّة للتعليم
“الحكومات لا تريد شعبا يملك روحًا ناقدة، إنها تريد عمالا مطيعين، تريد أشخاصا أذكياء فقط بما يكفي لتحريك الآلات، وأغبياء بما يكفي لقبول الوضع الذي يعيشونه.” /جورج كارلين.
1- مقدّمة:
ينطوي الفعل التربويّ في تكويناته على فيض من الوظائف الخفيّة والأسرار المغلقة الّتي تأخذ طابعاً اجتماعيّاً وسياسيّاً مركّباً في تكويناته معقّداً في آليّات اشتغاله. فما نعرفه عن المدرسة ووظائفها يرتهن لرؤية مبسّطة قوامها أنّ المدرسة كيان تربويّ يجتمع فيه الأطفال والناشئة من أجل التحصيل والتكوين والإعداد للحياة. ويتضمّن هذا التصوّر البسيط بأنّ المدرسة مؤسّسة تربويّة تكرّس قيم العدالة والتكافؤ والمساواة بين الأطفال دونما تمييز مهما تكن عناصر هذا التمييز الاجتماعيّ الممكن. تلك هي صورة المدرسة في ظاهر الأمر، وتلك هي حقيقيّة من حقائقها. ولكنّ الدراسات السوسيولوجيّة تكشف اليوم عن حقائق خفيّة ومعقّدة في بنية الفعل المدرسيّ، وهذه الحقائق تتناقض مع الصورة المشرقة لمفهوم المدرسة ووظائفها.
فالمدرسة في وظيفتها الاصطفائيّة تترجم آليّة النظام الحياتيّ لمجتمع قائم على الاصطفاء والانتخاب، وهي بموجب هذه الوظيفة الاصطفائيّة تتبنّى نسقاً من القيم والمعايير الاجتماعيّة الّتي تتّصل بعمليّة تقويم التحصيل المعرفيّ والعلميّ والمهنيّ. ويتمّ هذا التقويم على أساس مناهج يفترض أنّها موضوعيّة، ومثل هذه العمليّة تقود إلى اصطفاء المتعلمين وتصنيفهم في طبقات وفئات مختلفة. فالمدرسة وكالة اجتماعيّة ترتهن وظيفتها بالأنظمة الاجتماعيّة الّتي تهيمن وتسود التي تقوم بتحديد وظائف المدرسة على مقاييس النظام الاجتماعيّ القائم. وهذا يعني أنّ المدرسة لا يمكنها أن تنفصل عن السياق الاجتماعيّ الّذي يحتضنها، ومن ثمّ فإنّ وظائفها لا يمكن في نهاية الأمر أن تتناقض مع الضرورات الوظيفيّة والاجتماعيّة للمجتمع الّتي توجد فيه. وهي غالباً ما تكون على صورة المجتمع الّذي يحتضنها. وتأسيساً على ذلك تلعب المدرسة دوراً اصطفائيّاً في مجتمع يقوم على الاصطفاء، وهي تمارس دوراً طبقيّاً في مجتمع تحرّكه نوازع الصراع الطبقيّ.
2- الإقصاء المدرسي والاصطفاء:
شكّلت الدور الاصطفائي للمدرسة موضوعا مركزيا في مجال علم الاجتماع التربوي الذي استطاع أن يستكشف الجوانب الخفيّة في وظائف المدرسة التي تقوم على تأكيد القيم والممارسات الطبقيّة في المجتمعات الإنسانيّة. فالمستقبل الّذي تعدّه المؤسّسة المدرسيّة لأطفال العمّال يختلف ويتعارض مع المستقبل الّذي تعدّه لأطفال الصناعيّين والتجّار في المجتمعات الرأسماليّة. ففي الولايات المتّحدة الأمريكيّة، وغيرها من المجتمعات الرأسماليّة، تضع المؤسّسات التربويّة شروطا مجحفة ومنظّمة ضدّ أطفال الفئات الاجتماعيّة الفقيرة: فمدارس الأحياء الفقيرة تفتقر إلى مختلف شروط الحياة المدرسيّة الّتي نجدها في مدارس الأحياء البرجوازيّة. ويتجلّى هذا التباين في مستوى التجهيزات المدرسيّة، وفي مستوى المعلّمين بين الأحياء العمّاليّة والأحياء البرجوازيّة. ومثل هذه المدرسة، لا يمكنها أن تجسّد مبدأ المدرسة الواحدة للجميع، المدرسة الّتي تقدّم تعليماً متكافئاً إلى جميع التلاميذ والطلّاب.
فالمدرسة الرأسمالية تسعى – وفقاً لقانونيّة المجتمع الرأسماليّ – إلى تحقيق الحدّ الأدنى من التحصيل الثقافيّ الّذي يسمح به مبدأ تقسيم العمل الحاليّ، هذا المبدأ الّذي أخذ أشكالاً عديدة في العقد الأخير من القرن العشرين المنصرم، ومن أجل تحقيق ذلك، ومهما تكن التصريحات، فإنّ المدرسة تحبط شريحة واسعة من الأطفال الفقراء وتحدّد لهم أنماطاً معيّنة متجنية من التعليم المدرسيّ وتحرمهم من توفير المناخ التربويّ المناسب لتحصيلهم المدرسي. وتسعى الأيديولوجيا التربويّة الرأسماليّة السائدة إلى إفقار الوسط الاجتماعيّ الّذي يعيش فيه أطفال الأوساط الشعبيّة (فقراء وعمّال وفلّاحون ومهمّشون)، وهي بالتالي تكرّس لديهم كافّة أشكال القصور والعجز والإعاقة. ويقينا فإن الأطفال الفقراء ليسوا معاقين أو قاصرين، ولكنّهم محرومين من الشروط المناسبة لنموهم، وهناك تباين كبير بين مفهومي الحرمان والإعاقة.
إنّ التعليم المهنيّ بأشكاله المتعدّدة يكرّس ويعدّ بشكل مسبق لأبناء الطبقة العاملة، وتسعى الطبقة المهيمنة في هذا المستوى إلى تقليص الطموح العلميّ والمعرفيّ عند أبناء العمّال، كما أنّها تسعى إلى تقليص درجة الطلب الموجّه إلى هذه المعرفة العلميّة لدى الفئات الاجتماعيّة الفقيرة. وهي بالتالي توظّف وكالاتها الاجتماعيّة ومؤسّسات الضبط الاجتماعيّ لتنفيذ هذه الغاية. إنّ الانتقال من التعليم المهنيّ إلى التعليم العامّ، أو من المعاهد الجامعيّة المتوسّطة والمهنيّة إلى الدراسات الجامعيّة طريق محفوف بالأخطار وشائك بالمصاعب. إنّ الحراك بين الفروع الدراسيّة يعتبر شذوذاً في عرف أرباب العمل: إذ لا يجب على العمّال تحصيل المعارف النظريّة غير الضروريّة، كما أنّه لا يجب عليهم التفكير في أمور لا تطلب منهم، ومن ثمّ فإنّ اتّساع معارفهم أمر يهدّد بالخطر. وهذا يعني أن أرباب العمل من الطبقة البرجوازية يدركون بدقّة خطر اتّساع معارف أبناء العمّال والطبقات المهيضة في المجتمع، ولذا فإنهم يرون أنّ المعرفة العلميّة في أفضل وجوهها يجب أن تكون من نصيب الخاصّة من الناس أي الطبقات الرأسمالية، وذلك ليس لأنّ هذه المعرفة العلميّة تمثّل أداة فعاليّة في السيطرة على الطبيعة والمجتمع، بل لأنها تمثل أداتهم في التفوّق وضمان هيمنتهم الطبقيّة.
فالمعرفة العلميّة تأخذ صورة ملكيّة وحيازة، ولا توجد في النظام الرأسماليّ السائد أسباب وجيهة تبرّر توزيع هذه الملكيّة العلميّة على أطفال العمّال الّذين يراد لهم أن يكونوا عمّال الغد. إنّ “اللاملكيّة” هي عمليّة متوارثة وحالها في ذلك لا يختلف عن حال الملكيّة، وبعبارة أخرى، يوجد هناك حرمان تربويّ بالمعنى الحقيقيّ لهذه الكلمة.
إنّ النظام المدرسيّ الرأسمالي القائم يسعى إلى إيجاد شرائح مدرسيّة أو متعلمين على المقياس، مقياس لأجل الأذكياء والمتفوقين، وواحد لهؤلاء الّذين يتعثرون في متابعة مسيرتهم المدرسيّة، وآخر لهؤلاء الّذين يرجى لهم مستقبل فنّيّ ومهنيّ. إنّ المدرسة بهذه المعنى نظام قد تمّ إعداده بشكل مسبق ليقوم بوظيفة دفع العدد الأكبر من الناس للعمل في مصلحة البعض الآخر وخدمته. ويحظى هذه النظام بشرعيّة ورسميّته. إنّه يترك للصعوبات والظروف الاجتماعيّة الصعبة أن تحدّد المصير الاجتماعيّ والمستقبليّ لشرائح واسعة جدّاً من التلاميذ والطلّاب والمتعلمين، ويترك لهذه الصعوبات أن تعمل على إقصاء عدد كبير من التلاميذ والطلّاب خارج أسوار المدرسة أو في المساقات المهنية.
ولا يمكن هنا إهمال الدور الكبير الّذي تلعبه الظروف الموضوعيّة الّتي تحيط بالأطفال، كالصعوبات الّتي يعانيها هؤلاء الأطفال على المستوى اللغويّ والثقافيّ.
فمنذ اللحظات الأولى لدخولهم إلى المدرسة يخضع الأطفال المهمشين إلى تأثير عمليّة اللامدرسيّة، ونعني بمفهوم “اللامدرسيّة” (Déscolarisation) منظومة من العمليّات التربويّة- النفسيّة الّتي تدفع الطفل إلى الإخفاق، كما وتضعه في مواجهة عدوانيّة مع المدرسة بمختلف رموزها وتجلّياتها. وتعتمد اللامدرسيّة هذه على نسق من عمليّات الازدراء والتهميش والتبخيس، وما نعنيه بالتبخيس هو جملة الآواليّات الّتي تدفع شخصاً ما إلى التقويم الذاتي السلبيّ لإمكانيّاته واستعداداته النفسيّة والعقليّة([1]).
لقد أدرك دوركهايم برؤيته المنهجيّة الرصينة أنّ المدرسة تؤدّي وظيفتين متعارضتين جوهريّاً متكاملتين وظيفيّاً، فهي تعمل على تحقيق الوحدة والتجانس بين منتسبيها في المراحل التعليميّة الأولى من جهة، وفي المقابل تعمل على توليد التباين والاختلاف بينهم في المراحل العليا والجامعيّة من جهة أخرى من جهة أخرى. فالوظيفة الأولى تهدف إلى تحقيق التجانس الفكريّ والأيديولوجيّ المشترك بين أفراد المجتمع لتحقيق وحدة المجتمع وتكامله. أمّا الوظيفة الثانية فهي وظيفة اصطفائيّة تعمل على توليد التنوّع والاختلاف والتباين وتكريس هذا التباين بين روّادها لاعتبارات طبقيّة وأيديولوجيّة تستجيب لوظائف اجتماعيّة مختلفة ناجمة عن تقسيم العمل الاجتماعيّ وتنوّع سلّم الطبقات الاجتماعيّة بدءاً من هذه الّتي تهيمن إلى هذه الّتي تخضع للهيمنة ([2]).
فالمدرسة تفرض على منتسبيها نوعاً من التجانس الثقافيّ الكبير في مستوى المعايير والقيم والاتّجاهات، ومع ذلك كلّه فهي تمارس دوراً اصطفائيّاً أي أنّها تميّز بين أعضائها على أساس الطبقة والجنس والعمر والانتماء ومستوى الدخل ومستوى الذكاء. ففي الوقت الّذي تقوم فيه المدرسة بتحقيق التجانس الثقافيّ بين هؤلاء الّذين ينتمون إليها، تعمل من جهة أخرى على التمييز والاصطفاء في صفوفهم، وهي تؤدّي هذه الوظيفة المزدوجة بوصفها وسطاً أخلاقيّاً منظّماً بحسب تعبير دوركهايم([3]).
إنّ إحدى الوظائف الأساسيّة للمدرسة هي إنتاج النظام الاجتماعيّ، أو على الأقلّ المساهمة مع المؤسّسات الأخرى في إيجاده على الصورة المثاليّة له. وهي تفترض بأنّ الفرد هو في الوقت نفسه سلبيّ وقابل للتشكيل بسهولة، ومن ثمّ يمكن للمدرسة انطلاقاً من هذه الرؤية أن تكيّف روّادها بالشكل الّذي يريده المجتمع.
فالمدرسة تترجم آليّة عمل وحياة المجتمع بصورة واقعيّة، وهي، عندما تؤكّد الجانب الفرديّ والهويّة الفرديّة في حياة الناس، تمارس وظيفة الاصطفاء الاجتماعيّ والتربويّ، ولكنّها عندما تعمل على طبع الأفراد بنظام أخلاقيّ واحد، فهي تعمل على تحقيق الوحدة والتجانس في الوقت ذاته.
تمارس المدرسة وظيفتها الاصطفائيّة عندما تترجم آليّة النظام الحياتيّ لمجتمع قائم على الاصطفاء، والّذي يعبّر عن جملة من الظواهر والوقائع والإجراءات العمليّة المؤثّرة في تحصيل الكفاءات العلميّة أو الأدبيّة. فالمدرسة تتبنّى نسقاً من القيم والمعايير الاجتماعيّة الّتي تتّصل بعمليّة تقويم التحصيل المعرفيّ والعلميّ والمهنيّ. وتعتمد في ذلك على أساس مناهج يفترض أنّها موضوعيّة، وهذه المناهج تؤدي إلى تصنيف المتعلمين في طبقات وفئات مختلفة تتناسب مع تقسيم العمل في المجتمع الطبقي. والمدرسة تعطي في سياق ذلك الأهمّيّة للتباين في الكفاءات المعرفيّة والعلميّة الحاصلة على أساس جملة المعايير الثقافيّة والنفسيّة والاجتماعيّة: كالعمر والجنس والطبقة الاجتماعيّة الّتي ينتمي إليها التلاميذ.
ويلاحظ في هذا السياق أنّ المدرسة تمارس دوراً في المراحل الأولى الابتدائيّة والإعداديّة يختلف في الدرجة والنوعيّة عن هذا الدور الّذي تمارسه في المراحل العليا من التعليم. فالدور الأساسيّ الّذي تمارسه المدرسة في المراحل الأولى هو دور وحدويّ يؤكّد أهمّيّة التجانس بالدرجة الأولى، وهذا يعني تحقيق التجانس الثقافيّ والاجتماعيّ والأخلاقيّ بين روّادها، وهذا بالطبع يعبّر عن حاجة المجتمع الملحّة إلى تحقيق مثل هذه الوحدة الثقافيّة كضرورة اجتماعيّة. ولكن هذا الدور يختلف في المراحل التعليمية العليا، إذ يتمحور حول وظيفة الاصطفاء والتقسيم الاجتماعيّ. ففي هذه المرحلة – أي في المستويات العليا من التعليم – تمارس المدرسة دوراً كبيراً في تعزيز الموقف الطبقيّ في مجال الحياة الاجتماعيّة، إذ تمارس نسقاً من المعايير المنظمة الّتي تؤدّي في نهاية الأمر إلى عمليّة فرز حقيقيّة بين التلاميذ والطلّاب على أساس انتماءاتهم الاجتماعية والطبقية. وهذا يعني أنّه أن المدرسة في المراحل الأولى للتعليم تكثف دورها في التأكيد على تحقيق التجانس، وعلى خلاف ذلك كلّما اتّجهنا صعوداً في السلّم التعليميّ يتعاظم الدور الاصطفائيّ للحياة المدرسيّة.
فالنظام المدرسيّ لم يوجد، على حدّ تعبير جاك هالاك (Jacques Hallak)” من أجل تلبية احتياجات المجتمع إلى اليد العاملة فحسب، وإنّما من أجل تطبيع أطفال المدارس وإعدادهم لقبول النظام السياسيّ والاقتصاديّ القائم على أسس اللامساواة الاجتماعيّة“ ([4]). ويمكن المماثلة في هذا السياق بين النظام المدرسيّ القائم والكنيسة، أوو لنقل بأن النظام ألمدرسي قد اصبح أصبح بديلاً للكنيسة في تعزيزه للأنظمة الاجتماعيّة القائمة. فالمدرسة، وفقاً لمنظور هالاك،” تقوم بدور مزدوج فهي تقوم بتلبية احتياجات النظام الرأسماليّ لليد العاملة من جهة، وإضفاء الشرعيّة على البنية الطبقيّة من جهة أخرى: وعلى هذا النحو يرى الرأسماليّون في اتّساع النظام التعليميّ امتداداً لسلطتهم ونفوذهم ” [5].
في عمله الشهير: “معاودة الإنتاج” (La reproduction) يرى بيير بورديو (Bourdieu) “أنّ بنيّة النظام المدرسيّ ووظيفته يعملان على ترجمة اللامساواة من مستواها الاجتماعيّ بشكل متواصل وفقاً لرموز متعدّدة، إلى اللامساواة في المستوى المدرسيّ” ([6]). وليس للمدرسة من مهمّة ” سوى تعزيز وتأكيد قيم الطبقة الاجتماعيّة السائدة والعمل على إعادة إنتاج العلاقات الطبقيّة القائمة ثمّ إعطائها طابع الشرعيّة في آن واحد “([7]).
3- الدعوة إلى إلغاء المدرسة:
ومما لا ريب فيه أن الانتقادات الموجّهة ضدّ المدرسة استطاعت أن تشكّل مخاض ولادة اتّجاه فكريّ جديد ينادي بإلغاء المؤسّسة المدرسيّة والمؤسّسات التربويّة الأخرى. ويعتبر المفكّر التربويّ إيفان إيليتش (Ivan Illich) من أبرز دعاة وممثّلي ذلك الاتّجاه. ينطلق إيليتش، وغيره من الداعين إلى إلغاء المؤسّسات المدرسيّة في هجومهم على المدرسة، من الأطروحة الّتي تقول إنّ الثقافة الّتي تبثّها المدرسة ثقافة شكليّة لا صلة لها بالحياة الاجتماعيّة أو بالواقع الاجتماعيّالّذي يعيشه أطفال المدارس. ويذهب إيليتش بعيداً في تصوّراته ليعلن مجدّداً إنّ “المجتمع الّذي يخلو من المدرسة سيخلو من العقبات الّتي تقف في وجه أبناء الفئات الاجتماعيّة المهيّضة(….) أنّ الدعوة إلى مشروع تربويّ متكافئ عادل ما هي إلّا حماقة وهراء برجوازيّين ([8]).
ويعدّ كلّ من بودلو (Baudelot) واستابليه (Estabelet) في كتابهما المشهور المدرسة الرأسماليّة في فرنسا (L’école capitaliste en France) من أبرز المتطرّفين المعاصرين في التأكيد على الدور الاصطفائيّ الطبقيّ للمدرسة، إذ يعتقدان أنّ المدرسة في فرنسا ليست سوى آلة برجوازيّة في خدمة الطبقة البرجوازيّة الفرنسيّة، وذلك لأنّ وظيفتها تكمن في دفع أطفال العمّال إلى الإخفاق المدرسيّ، وإلى مواقعهم الاجتماعيّة المحدّدة لضمان عمليّة استغلالهم وتكريسها. وأنّ المدرسة الرأسماليّة تعمل على ترجمة التباين الاجتماعيّ القائم بين الأفراد في المجتمع إلى تباين مدرسيّ يتجلّى في المستويات المختلفة للنتائج المدرسيّة. وفي المحصّلة يرى الكاتبان أنّ المدرسة تعمل على إعادة إنتاج علاقة الإنتاج الرأسماليّة وتعزيزها ([9]).
فالمدرسة، كما تبيّن الدراسات الجارية لا تمثّل، في أيّ حال من الأحوال ذلك المكان الّذي تتحقّق فيه الديمقراطيّة التربويّة، وذلك بحكم بنيتها الطبقيّة ووظائفها الإيديولوجيّة. وإذا كانت المدرسة تخضع الأطفال حقّاً لمعايير واحدة وقوانين واحدة، فإنّ الأطفال من حيث المبدأ يتباينون في قدراتهم الأوّليّة، أي قبل الدخول إلى معترك الحياة المدرسيّة، على خوض التجربة المدرسيّة والنجاح فيها.
وإذا كانت المدرسة تسعى إلى تحقيق التجانس الثقافيّ في إطار المجتمع فإنّها، كما يبيّن دوركهايم، تسعى إلى تحقيق التباين، في مرحلة لاحقة، وخاصّة في مراحل التعليم العليا. وتتجسّد اللامساواة التربويّة في أبعاد مختلفة أبرزها: تسرّب عدد كبير من التلاميذ خارج النظام المدرسيّ، وإخفاق عدد آخر، وتوجّه التلاميذ والطلّاب نحو فروع علميّة ودراسيّة متباينة الأهمّيّة على المستوى الاجتماعيّ.
لقد بدأت سهام النقد توجّه إلى المدرسة من كلّ حدب وصوّب بوصفها جهازاً إيديولوجيّاً يسعى إلى تكريس التفاوت بين التلاميذ وفقاً لمعايير الانتماء الاجتماعيّ والطبقيّ السائد في المجتمع. فالمدرسة على حدّ تعبير بورديو ” تترجم اللامساواة الاجتماعيّة إلى صيغتها المدرسيّة عبر صيرورة من العمليّات والأوّليّات المختلفة “ ([10]). وهي في عرف بودلو أداة في خدمة البرجوازيّة تعمل على دفع أطفال العمّال إلى الإخفاق واتّخاذ مواقعهم في مراكز الاستغلال الاجتماعيّ، وهي بالإضافة إلى ذلك كلّه تسهم في معاودة إنتاج العلاقات البرجوازيّة القائمة ([11]).
ولا يقف المفكّر الأمريكيّ إيفان إليتش عند حدود اتّهام المدرسة، بل يدعو إلى إلغائها؛ لأنّها أداة تسعى إلى تكريس التباين بين الناس اللامساواة بين الأطفال. وفي هذا السياق يقول إليتش” إنّ المدرسة الواحدة من أجل الجميع مجرّد وهم خالص” ([12]).
4- عمليّات الاصطفاء وعوامله:
في صلب عمليّة الاصطفاء المدرسيّ تجري عمليّات اجتماعيّة وثقافيّة بالغة الصعوبة والتعقيد، وتوجد في أصل هذه العمليّات الاصطفائيّة منظومة متكاملة من المتغيّرات، الّتي ترسم في إطار جدلها وتكاملها طابع واتّجاه ومضمون الاصطفاء الّذي يتمّ في قلب المؤسّسات المدرسيّة والتعليميّة.
ينطلق الاصطفاء المدرسيّ غالباً على فعاليّات النجاح والرسوب والترك والتخلّي والتوزّع في التخصّصات المدرسيّة. وكلّ صورة من هذه الصور الاصطفائيّة تأتي تحت تأثير مظلّة من العوامل والمتغيّرات الّتي تتدرّج في أهمّيّتها، وتتنوّع في طبيعتها لترسم الصورة الكلّيّة لحركة الاصطفاء التعليميّ واتّجاهاته.
ويشكّل الأصل الاجتماعيّ بمتغيّراته الأساسيّة منطلق الاصطفاء الاجتماعيّ في المدرسة. ويضاف إلى ذلك العامل الفرديّ الّذي يعدّ أيضاً من العوامل المثيرة للجدل، والّتي تؤدّي دوراً قد لا يقلّ أهمّيّة عن العوامل الاجتماعيّة في تحديد مستقبل الطلّاب وحياتهم المدرسيّة والمهنيّة لنتحدّث الآن عن الأصل الاجتماعيّ ودوره في عمليّات النجاح والإخفاق المدرسيّين [13].
4-1- الأصل الاجتماعيّ:
تؤكّد الأبحاث الميدانيّة والأمبيريقيّة الجارية، الّتي تتناول مسألة الأصل الاجتماعيّ والنجاح المدرسيّ، وجود علاقة ترابط قويّة وإيجابيّة بين النجاح المدرسيّ والأصل الاجتماعيّ للتلاميذ، ويلاحظ في مسار هذه النتائج، أنّه كلّما تمّ التدرّج في المستوى الاجتماعيّ للأطفال، ازدادت تصاعديّاً احتمالات نجاحهم المدرسيّ.
وفي هذا الصدد يشير كولمان (Colman) في أعماله حول مسألة تكافؤ الفرص التعليميّة، بأنّ الأصل الاجتماعيّ هو الوحيد الّـذي يظهـر تـأثيره بوضوح في مستوى النجاح المدرسيّ. وإنّه لمن الصعوبة بمكان استخلاص نتائج قطعيّة وواضحة فيما يتعلّق بتأثير العوامل الاجتماعيّة والمدرسيّة الأخرى، حيث تبدي نتائج الأبحاث في هذا الخصوص نوعاً من التذبذب الكبير الّذي يقفز أمام العيون بين دراسة وأخرى.
وتشير الدراسات الجارية في ميدان اللامساواة المدرسيّة إلى تدخّل منظومة من العوامل الاقتصاديّة والثقافيّة والاجتماعيّة في موازنة تحقّق العدالة التربويّة، ومن أهمّ النتائج الّتي تطرحها هذه الدارسات يمكن أن نسجّل المحاور التالية:
1 –غالباً ما يكون النجاح والتفوّق المدرسيّان من نصيب أبناء الفئات الاجتماعيّة الميسورة. وعلى خلاف ذلك، غالباً، ما يكون التسرّب والإخفاق في المدرسة من نصيب أبناء الفئات الاجتماعيّة الفقيرة.
2– يلعب مستوى دخل الأب وثقافته دوراً كبيراً في تحديد مستوى نجاح التلاميذ في المدرسة.
3 – يلعب الأصل الاجتماعيّ للأب دوراً متزايداً في كافّة عمليّات ومراحل التحصيل المدرسيّ.
4- تمارس مجموعة من المتغيّرات الاجتماعيّة دوراً كبيراً على مستوى تحصيل الأطفال مثل: حجم الأسرة، ودرجة تماسكها، ومستوى لغة الأسرة وطابعها، ومكان السكن الخ…
ويتمّ في المستوى السوسيولوجيّ، تحديد الأصل الاجتماعيّ للأطفال، بعدد من المتغيّرات مثل: مهنة الأبوين، ومستواهما الثقافيّ والعلميّ، ومستوى دخلهما. وتقاس درجة النجاح المدرسيّ بمعدّلات النجاح في امتحانات الشهادات المدرسيّة، أو من خلال الدرجات الّتي ينالها الطالب في عمليّة الانتقال من صفّ لآخر، أو بمدى الفترة الزمنيّة الّتي يتمّ فيها للطالب اجتياز المراحل الدراسيّة، أو بعدد مرّات الرسوب خلال تحصيله العلميّ.
هذا وتبيّن الدراسات والأبحاث الاجتماعيّة الجارية حول تكافؤ الفرص التعليميّة أنّ الأصل الاجتماعيّ للأطفال يؤدّي دوراً كبيراً في مستوى نجاحهم المدرسيّ. فأطفال الكوادر العليا (محامون قضاة أطبّاء مهندسون مدراء أساتذة)، يسجّلون نجاحاً مدرسيّاً مرتفعاً جدّاً بالقياس إلى أطفال الفلّاحين والعمّال الّذين يخفقون غالباً في الوصول إلى المراحل العليا للتعليم. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ النجاح المدرسيّ الّذي نعنيه هو نسبة النجاح المتوسّط لأطفال فئة اجتماعيّة محدّدة. وفي هذا السياق يمكن القول بأنّ أبناء الفئة الأولى يحوزون نجاحاً أفضل قياساً إلى المجموعات الأخرى.
ومن المهمّ في هذا السياق ألّا نقارن بين حالات فرديّة لنجاح أطفال ينتمون إلى هذه الفئة، أو تلك من أجل الوصول إلى نتيجة ما، أو الطعن في النتيجة العلميّة الّتي تقرّها الدراسات. وغنيّ عن البيان أنّ الواقع يبيّن وجود حالات لا حصر لها يكون فيها نجاح أطفال من الفئات غير الميسورة أفضل من نجاح أطفال الفئات الاجتماعيّة العليا أي المحظوظة اجتماعيّاً. وغنيّ عن البيان أيضاً أنّ عدد العباقرة والمفكّرين الكبار الّذين ولدوا في بيئات اجتماعيّة فقيرة قد يكون أكبر من عددهم في البيئات الاجتماعيّة الميسورة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الأبحاث تأخذ بالمعايير الإحصائيّة ذات الطابع الممثّل أو الجمعيّ. حيث تتمّ المقارنة كما ذكرنا منذ قليل بين متوسّط نسب النجاح للفئات الاجتماعيّة المهنيّة. كأن نقول على سبيل المثال وليس الحصر: أنّ نسب نجاح أبناء الأطبّاء أو المهندسين تصل إلى 70% وهذا يعني أنّه من كلّ مئة طالب ينتمون إلى آباء يمارسون مهنة الطبّ أو الهندسة ينجح منهم 70 طالباً في الامتحان. وقد لا تصل هذه النسبة إلى 30% عند أبناء العمّال.
ويتحدّد الانتماء الاجتماعيّ للأطفال والناشئة بعدد كبير من المتغيّرات والعوامل مثل: المستوى الثقافيّ للأبوين وعملهما، حجم الأسرة، مكان إقامتها، دخل الأسرة، القطاع الّذي يعمل فيه الأبوان… الخ.
وتقتضي المنهجيّة العلميّة عند دراسة العلاقة بين الأصل الاجتماعيّ والنجاح المدرسيّ ألّا نأخذ هذه العلاقة بصورة أحاديّة الاتّجاه، وهذا يعني أنّه يجب أن تؤخذ هذه العلاقة في إطار نسق من المتغيّرات الاجتماعيّة والفرديّة الأخرى المتدخّلة، والّتي يمكنها أن تؤدّي دوراً في تحديد مستوى النجاح المدرسيّ؛ وبعبارة أخرى يجب التأكّد من أنّ علاقة الترابط القائمة بين الأصل الاجتماعيّ والنجاح المدرسيّ هي علاقة حقيقيّة، وليست علاقة ترابط وهميّة أو خادعة. وهذا يجنّب الباحث من إطلاق تعميمات علميّة خاطئة.
إذ يجري أحياناً تفسير العلاقة بين الأصل الاجتماعيّ والنجاح المدرسيّ بصورة أحاديّة الاتّجاه مع أنّ هذه العلاقة قد تتحدّد بوجود علاقة بين هذين العاملين مع عامل ثالث لم يؤخذ بعين الاعتبار في الدراسة. ولنفترض بأنّ الانتماء الاجتماعيّ والنجاح المدرسيّ يفسّران عامل الوراثة. ومن جديد هنا يجري التأكيد على أهمّيّة العلاقة الدائريّة المتعدّدة الاتّجاهات في دراسة العلاقة بين الأصل الاجتماعيّ والسيرة المدرسيّة للأطفال روّاد المدرسة.
4-2-تأثير العوامل المدرسية:
في جدل العلاقة بين المتغيّرات الأساسيّة الحاكمة لعمليّة النجاح المدرسيّ يمكن التمييز من حيث المبدأ بين العوامل الاجتماعيّة والعوامل المدرسيّة، ويمكن دراسة طبيعة هذه العلاقة الّتي تقوم بين مجموعتي العوامل المشار إليها.
والسؤال الّذي يطرح نفسه هنا لماذا تلعب العوامل المدرسيّة دوراً أكثر أهمّيّة أحياناً من العوامل الاجتماعيّة في عمليّة الاصطفاء المدرسيّ؟ إنّ متابعة الدراسة في الفروع العلميّة والمؤسّسات التعليميّة الأكثر حظوة وأهمّيّة تخضع إلى عمليّة اصطفاء قاسية وجديد. وهذه التصفية تتمّ وفقاً لمستوى النجاح المدرسيّ السابق وبعض العوامل غير المدرسيّة كالأصل الاجتماعيّ. وهنا يشار إلى نوع آخر من العمليّات الاصطفائيّة النيّ تتنوّع وفقاً للحالات المختلفة الّتي يتمّ فيها الاصطفاء المدرسيّ. فهناك نسّق من عمليّات الاصطفاء الّتي يختلف بعضها عن بعض مثل: الاصطفاء الذاتيّ، والاصطفاء المركّز، والاصطفاء الطبيعيّ… الخ. فالنظام التعليميّ يتضمّن معايير اصطفائيّة مضمرة أو صريحة، ويترتّب على ذلك أنّه كلّما كانت الشبكات المدرسيّة والفروع العلميّة واضحة المعالم كلّما كانت المعايير الاصطفائيّة للنظام التعليميّ واضحة، وهذا يكون لصالح التلاميذ الّذين يتّحدون من أصول اجتماعيّة فقيرة.
في الحقيقة نجد بأنّ المعرفة الجيّدة لمبادئ العمل في النظام المدرسيّ ومعاييره يعطي للأفراد إمكانيّة الربط العقلانيّ بين الوسائل والغابات المرغوبة، ويتمّ هذا الربط عبر وضع إستراتيجيّة واضحة للمتابعة في المدرسة وفقاً لمبدأ المجازفات والنفقات والفوائد. فعندما تكون قوانين الحياة المدرسيّة، والعلاقة السببيّة بين الوسائل والغايات غير واضحة، فإنّ ذلك يؤدّي إلى المجازفة والمغامرة.
ولا بدّ من الإشارة في هذا الخصوص أيضاً إلى وجود عوامل أخرى، غير مدرسيّة أو اجتماعيّة، تؤثّر في مستوى النجاح المدرسيّ: كالعمر، والجنس ومكان الإقامة، والتركيب الاجتماعيّ للوسط المدرسيّ، وهي عوامل ترتبط مع العوامل الثلاثة الرئيسيّة والمشار إليها سابقاً.
4-3- الاصطفاء الذاتيّ
يشير مفهوم الاصطفاء الذاتيّ (Autosélection:) إلى قرار يتّخذه الطالب أو أسرته، أو كلاهما معاً، بالتخلّي عن متابعة التحصيل المدرسيّ نهائيّاً، أو العدول عن الدراسة في فرع علميّ معيّن والانتقال إلى فرع علميّ آخر. وغالباً ما يستند مثل هذا القرار على متغيّرات مدرسيّة واجتماعيّة مختلفة. ويمكن الإشارة في هذا الخصوص إلى الاصطفاء المكثّف( Sursélection) الّذي ينبّه إلى درجة عالية من المعاناة الاصطفائيّة العالية الّتي تواجهها مجموعة اجتماعيّة مدرسيّة (مثل أطفال العمّال أو الفلّاحين) حيث تخضع المدرسة روّادها ومنتسبيها لعمليّات اصطفائيّة تكون شديدة الوقع على بعض أبناء الفئات الاجتماعيّة الّتي تعيش وضعيّة اجتماعيّة صعبة ([14]).
ومن الآليّات الّتي تحدّد معالم الاصطفاء الذاتيّ يمكن الإشارة إلى ما يلي:
-قلّما يتّجه أطفال الفئات الاجتماعيّة للتسجيل في الفروع العلميّة الهامّة بالمقارنة مع أبناء الفئات الاجتماعيّة الميسورة.
– يترك أبناء الفئات الاجتماعيّة المتواضعة (فلّاحون وعمّال) المدرسة مبكّراً قياساً إلى أبناء الفئات الأخرى.
– عندما يكون الأطفال المنتسبون إلى المدرسة في عمر واحد ومستوى نجاح مدرسيّ واحد يلاحظ أنّ أطفال الفئات الاجتماعيّة المتواضعة يواظبون بدرجة أقلّ في متابعة دراساتهم في المراحل العليا.
– تبيّن الدراسات والأبحاث الّتي أجراها المعهد القوميّ للدراسات أو الأبحاث في فرنسا، ولا سيّما الأعمال الّتي قام بها جيرار وكليرك نتائج بالغة الأهمّيّة في هذا المستوى، ومنها هذه النتيجة العيانيّة:
إنّ طفلاً صغير السنّ (عمر مثاليّ) بسيرة مدرسيّة ممتازة (نجاح مدرسيّ ممتاز) سيكون له فرص أقلّ بثلاث مرّات للتسجيل في المراحل الجامعيّة إذا كان هذا الطفل يتحدّر من وسط عمّاليّ. وبعبارة أخرى، يكون للأطفال من الوسط الاجتماعيّ الجيّد ثلاث فرص إضافيّة للتسجيل في الجامعة بالمقارنة مع أطفال من وسط عمّاليّ وبافتراض تكافؤ الشروط والمتغيّرات الأخرى بين الأطفال جميعاً.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى وجود نظريّتين تحاولان أن تشرحا الاصطفاء الذاتيّ للأطفال بناء على ما يسمّى بالحدس الداخليّ اللاشعوريّ لإمكانيّات النجاح والإخفاق الدراسيّ في المستقبل.
ويعدّ المفكّر الفرنسيّ المعروف بيير بورديو (Bourdieu) أحد كبار الممثّلين لهذه النظريّة ([15]). قد يقول فالتلميذ أو الطالب لنفسه عندما يفكّر في متابعة تحصيله العلميّ وفق مونولوج داخليّ: إنّني أعرف جيّداً الصعوبات الّتي تعترض طريقي وأمثالي عندما أريد أن أتابع تحصيلي العلميّ في هذا الفرع، أو في هذا المستوى، نعم ما سيحدث أنّ المدرسة بقوانينها وصرامتها ستستبعدني كلّيّاً من الدراسة مستقبلاً، نعم سأخفق وسأفشل ولن أستطيع المتابعة، فلماذا إذن أجازف وأغامر بالوقت والجهد؟ أليس من الأفضل لي أن أبحث عن فرع آخر؟ أو عن شيء آخر؟
ويجيب الشخص المعنيّ نفسه بصورة حدسيّة عن هذه الأسئلة المرّة تحت مظلّة الظروف الصعبة الّتي يعانيها، وبتأثير الضوابط الّتي خبرها جيّداً في وسطه الاجتماعيّ، وعبر القوانين الحاكمة لطبيعة الحياة الاجتماعيّة والمدرسيّة الّتي تسود وسطه الاجتماعيّ، وبالطبع وانطلاقاً من هذا الحوار الصامت اللاشعوريّ أحياناً، الغامض في أحيان كثيرة، والّذي يأخذ طابعاً حدسيّاً في الأحوال كلّها، يستجيب الطفل التلميذ الطالب لإرادة سلبيّة تدفعه إلى التخلّي والترك المدرسيّ بعيداً عن أجواء المغامرة والمجازفة.
وعلى خلاف النظريّة الحدسيّة هذه تبيّن النظريّة العقلانيّة أنّ الاصطفاء الذاتيّ يتمّ على أساس محاكمات عقليّة بالغة الدقّة والخصوصيّة. ويعدّ المفكّر الفرنسيّ بيير بودون Pirerres Boudons من أشهر ممثّلي هذا الاتّجاه في مجال تحليل الاصطفاء المدرسيّ. فالتلميذ يقرّر هنا بصورة واعية ما يترتّب عليه في الشأن المدرسيّ. ومن ثمّ يدرس الظروف والعوامل والمتغيّرات المختلفة، ويقدّر إمكانيّة المتابعة أو أفضليّة الترك والتخلّي عن الدراسة. وهو في الأحوال كلّها لا يتّخذ قراره بناء على فرضيّة الحدس والاستبطان أو العفويّة الحرّة في اتّخاذ القرار. وهنا يبدو أنّ اتّخاذ القرار بالتخلّي أو الترك يعتمد على موازنة دقيقة تأخذ بعين الاعتبار المخاطر وحدود النفقات والعائدات، وغنيّ عن البيان أنّ مثل هذا القرار يتباين اتّجاهه ودرجته ومدى موضوعيّته بتباين عوامل ومتغيّرات عديدة أبرزها عامل المرحلة المدرسيّة الّتي يتّخذ فيها ولها القرار.
4-4- الاصطفاء الاجتماعيّ:
يؤكّد دوركهايم Durkheim E. مؤسّس علم الاجتماع التربويّ في كتابه التربية والمجتمع (Education et sociologies) على الهويّة الاجتماعيّة للمؤسّسات التربويّة. يقول في معرض ذلك إنّ “الأنظمة التربويّة ترتبط ارتباطاً عميقاً بالأنظمة الاجتماعيّة”([16]). وهو بذلك ينطلق من مقولته الشهيرة الّتي ينظر من خلالها إلى التربية بوصفها “ظاهرة اجتماعيّة في بنيتها وفي وظيفتها” ”([17]). وفي موضع آخر يقول دوركهايم أنّ التربية” هي قبل كلّ شيء الوسيلة الّتي يعتمدها المجتمع في تجديده المستمرّ لشروط وجوده الخاصّة ”([18]).
لقد كان لآراء دوركهايم، في تحديد طبيعة الصلة بين الظاهرة التربويّة والظاهرة الاجتماعيّة، أثر كبير في ولادة اتّجاه فكريّ آخر يرى أنّ” المدرسة ليست مسؤولة عن اللامساواة الاجتماعيّة والتربويّة وهي غير قادرة على التأثير في هذه المسألة أو تغييرها” ([19]). وفي سياق ذلك الاتّجاه الفكريّ يرى كريستوفير جينكيس (Jenkis Christopher) أنّ قدرة المدرسة على المساهمة في تحقيق المساواة مرهون إلى حدّ كبير بتغيّر عميق في البنى الاقتصاديّة والسياسيّة القائمة. وتجد آراء كريستوفي تعزيزاً لها في فلسفة المفكّر الفرنسيّ جورج سنيدر (Snyders George) الّذي يرى أنّ “اللامساواة الاجتماعيّة مصدر لكافّة أشكال اللامساواة التربويّة والمدرسيّة”([20]). وهو ينطلق في مقولته هذه من الأطروحة الماركسيّة المعروفة الّتي ترى “أنّ المدرسة في مجتمع طبقيّ لن تكون ولا يمكن أن تكون إلّا مدرسة طبقيّة” ([21]).
ويميل سنيدر إلى الاعتقاد باستحالة وجود المدرسة “اللاسياسيّة” الّتي لا ترتبط بمصالح طبقة اجتماعيّة تكرّس لخدمة جميع الفئات الاجتماعيّة دون استثناء، والّتي تسعى إلى تحقيق مبدأ الازدهار والتكامل في شخص الأطفال دون تميّز، هذه المدرسة ليست في نهاية الأمر سوى أكذوبة برجوازيّة هدفها خداع الجماهير” ([22]).
ونجد صدى مثل هذه المقولة عند هيتان رايمون (Raymon Huitin) في كتابه” فرص للجميع” (Des chances pour tous) حيث يميل إلى الدقّة الإمبيريقيّة في تحليل العلاقة بين وظيفة المدرسة الاصطفائيّة والبنية الطبقيّة للمجتمع. وفي معرض ذلك يشير هيتان إلى أنّ وظيفة المدرسة الاصطفائيّة تفرض على المؤسّسة المدرسيّة وفقاً لمعايير الطبقة السائدة في المجتمع” وهي بذلك تستبعد الأطفال الّذين يخفقون في سيرتهم المدرسيّة وتعزيز مسيرة هؤلاء الّذين يسجّلون سيرة مدرسيّة ناجحة، وذلك كلّه وفقاً لمعايير اجتماعيّة محدّدة بشكل مسبق” ([23]).
لقد كان لذلك التباين، في وجهات النظر حول دور كلّ من المدرسة والمجتمع في تكريس اللامساواة الاجتماعيّة والتربويّة، أن يغنّي المضمون العلميّ لجدل العلاقة بين التربية والحياة الاجتماعيّة على مستوى البنية والوظيفة. وبعبارة أخرى تكمن القيمة العلميّة لتباين هذه الاتّجاهات الفكريّة في إعطاء صورة كلّيّة متكاملة لطبيعة العلاقة بين النسق التربويّ في مختلف مؤسّساته التربويّة وإطار الحياة الاجتماعيّة في جوانبها السياسيّة والاقتصاديّة المتعدّدة. ويعود هذه التعارض بين الاتّجاهات الفكريّة إلى نوع من الغنى في مناهج البحث المستخدمة، وإلى نوع من تباين الحالات المدروسة، أو إلى نوع من التناقض في الخلفيّات الثقافيّة الإيديولوجيّة للباحثين والمفكّرين. ورغم ذلك كلّه نستطيع أن نلاحظ سمات من التجانس والوحدة في إطار ذلك التنوّع الفكريّ الكبير، وهنا تكمن الأهمّيّة العلميّة للجدل الدائر حول مسألة اللامساواة الاجتماعيّة.
وحين يتسنّى لنا أن ننطلق من إطار الوحدة والتجانس بين هذه الاتّجاهات، يمكن لنا أن نحدّد بعض المحاور المشتركة لذلك التنوّع الفكريّ. وفي هذا السياق يبدو لنا ضروريّاً أن نبرز بعض النقاط المشتركة الّتي تمثّل حصادنا الفكريّ لطبيعة العلاقة بين المدرسة والمجتمع:
1-المدرسة لا تمثّل عالماً منفصلاً عن الحياة الاجتماعيّة، وهي في كافّة أحوالها مؤسّسة اجتماعيّة تخضع لجدل العلاقات القائمة بين المؤسّسات الاجتماعيّة.
2- وإذا كانت وظيفة وبنيّة المؤسّسة المدرسيّة، مرهونة بالشروط الاجتماعيّة القائمة، فإنّ ذلك لا يتعارض مع هامش من الاستقلال النسبيّ الّذي تتمتّع به هذه المؤسّسة التربويّة، ويبقى مثل ذلك مرهوناً بمستوى وعي العاملين في الحقل التربويّ وطبيعة انتماءاتهم الاجتماعيّة وخلفيّاتهم الثقافيّة.
3- هذا ويمكن للمدرسة أن تؤدّي أدواراً متعدّدة ومتباينة، فهي قادرة على تكريس اللامساواة الاجتماعيّة التربويّة كما يمكن لها أن تسهم في تقليص اللامساواة الاجتماعيّة والحدّ منها، وذلك مرهون بجملة من الظروف الاجتماعيّة والسياسيّة القائمة.
5- في تفسير الاصطفاء المدرسيّ:
هناك مجموعتان من النظريّات الّتي تحاول تفسير طبيعة النجاح المدرسيّ وقضايا تكافؤ الفرص التعليميّة. هناك النظريّات الحتميّة (Déterminisme) التي يمثلها كلّ من باسيل برنشتاين (Bernstein)وبيير بورديو اللذين يؤكّدون الأهمّيّة القصوى لتاريخ الفرد وماضيه في تحديد مصيره المدرسيّ والتعليميّ. كما أنّهم يؤكّدون أهمّيّة ظروف الحياة الطبقيّة والاجتماعيّة في تحديد مستقبل الأطفال في المستويات المهنيّة والمدرسيّة أيضاً([24]).
وتأخذ المجموعة النظريّة الثانية بعين الاعتبار أهمّيّة الفرد ودوره في صنع المصير. ويطلق على أصحاب هذه النظريّة “الفردانيّون” (Individualistes) الّذين يرفضون حتميّة الظروف الاجتماعيّة، ويعتقدون أنّ الأفراد قادرون على صناعة مصيرهم المدرسيّ والمهنيّ تأسيساً على مبادراتهم وفعاليّاتهم الاجتماعيّة. ومن أهمّ الاتّجاهات الأساسيّة لهذه النظريّات يمكن الإشارة إلى مدرسة المفكّر الفرنسيّ (Boudon) الّذي لطالما يركّز في دراساته وأبحاثه على أهمّيّة العوامل المستقبليّة في تحديد مصير الفرد ومستقبله24. فإذا كان الماضي عند الحتميّين هو الّذي يحدّد ملامح المستقبل، فإنّ المستقبل عينه هو الّذي يرسم المصير عند الأفراد وفقاً لأنصار النظريّة الفرديّة. ومن هذا المنطلق يوجّه الفردانيّون انتقاداتهم الشديدة إلى الثقافويّين الّذين يعتقدون أنّ هدف الاصطفاء هو إعادة إنتاج البنى الاجتماعيّة القائمة وبأنّ المدرسة قادرة على فرض قوانينها على الأفراد.
ومع أهمّيّة هذه الرؤى ورصانتها وقدرتها على تقديم التفسيرات المناسبة لقضايا المدرسة، فإنّها لن تستطيع أن تفسّر لنا التغيّرات الجارية إطار الزمن، والّتي تتعلّق باللامساواة المدرسيّة للأفراد، والّذين ينتمون إلى الفئات اجتماعيّة مختلفة. إنّ نظريّة الفردانيّين تعكس اهتمامات الفرد الواحد واهتمامات الفرد الواحد لا يمكنها أن تنفصل عن عائلته والظروف الّتي تحيط به. إنّ العوامل الفرديّة وبدون شكّ تؤدّي دوراً أساسيّاً، ولكنّ تأثيرها يتميّز بالقوّة في المرحلة الأولى من سنوات الدراسة أكثر من المراحل اللاحقة. وعلى خلاف وضعيّة الفرد تكون الفئات الاجتماعيّة هي على الأغلب من طبيعة اقتصاديّة، وكلّما كان الوضع الاجتماعيّ للأسرة أكثر يسراً كلّما كانت احتمالات نجاح الفرد مرتفعة من أجل الوصول إلى مركز اجتماعيّ أو مدرسيّ مرتفع. إنّ الإخفاق غالباً ما يكون من شأن الأطفال الّذين ينتمون إلى واقع اجتماعيّ الأكثر تواضعاً.
إنّ علـم اجتمـاع المؤسّسـات الصغـرى “الميكروسوسيولوجيّ” (Microsociologie) يتناول المؤسّسة المدرسـيّة كمجتمع مستقلّ عن إطاره الاجتماعيّ العامّ، ولا يخلو ذلك من الأهمّيّة العلميّـة والمنهجيّـة لتحليل الظواهر التربويّة الّتي تتمّ في إطار المؤسّسة المدرسـيّة. وفي هذا المستوى من الدراسات السوسيولوجيّة المصغّرة يـذهب بعض الباحثين في مجال التربية وعلم النفس التربويّ إلى المبالغة في اتّهـام المدرسـة، وفـي تحميلهـا مسؤوليّة اللامساواة التربويّة وفقاً لعمليّات وفعاليّـات تربويّـة مـن شـأنها تكريس التفاوت والتباين بين أطفال المدارس وروّادها.
وعلى خلاف ذلك يميل بعض علماء الاجتماع في دراستهم السوسيولوجيّة الّتي تتميّز بالشـموليّة “المايكروسوسيولوجيّ” (Macrosociologie) إلى تجاهل ما يحدث في إطار المدرسة من عمليّـات تربويّـة وممارسات الّتي من شأنها تكريس التفاوت التربويّ، ويذهبون إلى التـأكيد عـلى الـدور الحاسـم لشـروط الحياة الاجتماعيّة غير المدرسيّة في إنتاج ظاهرة اللامساواة التربويّة.
ومـا بيـن دور المدرسـة ودور المجتمع، وما بين مسؤوليّة المدرسة مسؤوليّة المجتمع، في تكريس أو تقليص اللامساواة التربويّة، تدور المجادلات الفكريّة بيـن فـريقين مـن الباحثين. وبين هذين الاتّجاهين،
يبرز اتّجاه آخر يتميّز بالاعتدال، ويأخذ مكاناً وسطاً بين التيّارين السابقين، إذ يرى أصحاب الاتّجاه المعتـدل أنّ اللامساواة التربويّة هي مسؤوليّة المدرسة والمجتمع في آن واحد، وأنّ لكـلّ دوره، ولكـلّ منهمـا أهمّيّته فـي إنتاج اللامساواة التربويّة بين الناشئة.
6- خاتمة:
إنّ مسألة تكافؤ الفرص المدرسيّة تتدرّج في الإطار العامّ لمسألة المساواة. إنّ السياسات الاجتماعيّة تتّجه في أغلب البلدان نحو إيجاد حلّ لمسألة اللامساواة المدرسيّة بين المواطنين، وذلك عبر إعداد وسائط مدرسيّة متعدّدة، مثل برامج المساعدات الاجتماعيّة، ودروس التقوية والبرامج الإعلاميّة الممكنة.
في المدن اليونانيّة، في روما القديمة، وفي المجتمعات ما قبل الصناعيّة، حيث تكون التربية مهمّة من مهمّات الأسرة، يبدو الحديث عن التكافؤ في الفرص بين الأطفال دون معنى. ولكنّ هذه المسألة تختلف في إطار أنظمة اجتماعيّة لم تعد فيها الأسرة تشكّل وحدة الإنتاج الاقتصاديّة، كما أنّها قاصرة أيضاً عن توفير مكان النشاط المهنيّ لأطفالها. وهذا ما يجبر الأسرة على البحث في مكان آخر عن مصدر للدخل. وعلى هذا الأساس، فإنّ التدريب المهنيّ لا يمكن بعد أن يتمّم كما كان سابقاً في إطار العائلة. إنّ ذلك يصبح مسؤوليّة كافّة المؤسّسات، ويصبح منذ هذه اللحظة مسؤوليّة ربّ العمل والمؤسّسات الاجتماعيّة، ولا سيّما الدولة.
إنّ الأنظمة التربويّة للبلدان النامية تتباين بدرجة كبيرة، وذلك وفقاً لمعايير متعدّدة. فتكافؤ الفرص المدرسيّة لا يحمل المعنى نفسه الّذي نجده في البلدان ما قبل الصناعيّة، وذلك لأنّ اللامساواة التربويّة توجد في قلب الأنظمة التربويّة القائمة. بالتالي فإنّ المطالبة الاجتماعيّة بمدرسة واحدة من أجل الجميع يطرح مسألة التكافؤ في الفرص الّتي تحدّد بمجموعة من العوامل أهمّها:
1– تربية مجّانيّة وعامّة للأطفال جميعهم في سنّ المدرسيّة
2- نشر معرفة واحدة للجميع.
3-تحقيق التجانس في البيئة الاجتماعيّة والأخلاقيّة للوسط المدرسيّ.
4- المساواة في النتائج المدرسيّة : يجب أن يتاح للتلاميذ جميعهم الّذين ينتمون إلى أصول اجتماعيّة واحدة أو مختلفة فرصاً متكافئة في النجاح المدرسيّ.
إنّ كلّ نقطة من هذه المتطلّبات تستند إلى مقولة التعليم المجّانيّ في المدرسة الّتي تقلّص نفقات الدراسة للتلميذ الواحد إلى الصفر. واقعيّاً وفي عدد من الحالات يشكّل الطفل عنصراً في قوّة العمل ومصدراً للدخل بالنسبة لبعض العائلات، وهذا يعني أنّ الالتحاق المدرسة من شأن أن يشكّل خسارة اقتصاديّة، وقد عرفت أوروبا هذه الوضعيّة منذ قرن مضى، ولكنّ هذه الوضعيّة تمثّل اليوم واقع الحال في عدد كبير من البلدان النامية.
إنّ العمل على نشر معرفة متجانسة وواحدة بالنسبة للأطفال جميعهم مسألة على درجة قصوى من التعقيد. ففي واقع الأمر نجد أنّ من الصعوبة بمكان إيجاد مناهج دراسيّة صالحة للجميع. إنّ اقتراح منهج عامّ وواحد للجميع يعني بناء نموذج واحد من التلاميذ، ومن ثمّ فإنّ إعداد مناهج مدرسيّة متنوّعة يعزّز اللامساواة بين التلاميذ. لقد كان للتعليم الكلاسيكيّ أن يهيمن على التعليم الثانويّ، ولكنّ الإصلاحات المتلاحقة في غضون القرن التاسع عشر أدّت إلى ظهور فروع تعليميّة بدأت تعتمد أسساً جديدة ولا سيّما اعتماد العلوم والتقنيّات الحديثة الجديدة في التعليم المدرسيّ، وتأمين فرص مهنيّة للتلاميذ الّذين لا يستطيعون متابعة دراستهم الجامعيّة حيث يتمّ تدريب الطلّاب على تعلّم مهنة ضروريّة ومتوسّطة المستوى حين خروجهم من المدرسة، وإتاحة الفرصة للطلّاب الّذين لا يريدون الالتحاق بالدراسات العليا، فرصة أكبر لمتابعة الدراسة في فروع خاصّة متوسّطة المدى.
هوامش الدراسة ومراجعها:
[1] – Regardez : Ivan Illich, Une Société sans école, Paris, Seuil, 1971.
[2]– Regardez : Émile Durkheim, L’Éducation morale, Paris, Presses universitaires de France, réed. 1992 .
[3]– Regardez : Émile Durkheim, L’Éducation morale,Ibid..
[4] – Jacke Hallak, A qui profite l’école? P.U.F, Paris, 1974.
[5] – Jacke Hallak, A qui profite l’école, Ibid , p120.
[6] – Pierre Bourdieu & Jean-Claude Passeron, La reproduction, Paris.Minuit1970, P.192 .
[7] – Pierre Bourdieu & Jean-Claude Passeron, La reproduction, Ibid, p246.
[8] – Ivan Illiche, Une société sans école, Seuil, Paris, 1971 , P.26
[9] – Christian Baudelot et Roger Estable , L’école capitaliste en France, Paris, Maspero, 1971 .
[10] -Goerge Snyders , Ecole classe et lutte des classes, P.U.F, Paris, 1982,112.
[11] – Christian Baudelot et Roger Estable, L’école capitaliste en France, Op.cit.
[12] – Ivan Illiche, Une société sans école, Op.cit., P.26.
[13] – Raymond Boudon , L’inégalité des chances. La mobilité sociale dans les sociétés industrielles, Paris, Hachette, 1985.
[14]– Pierre Bourdieu & Jean-Claude Passeron, Les étudiants et la culture, Paris, Éd. de Minuit, 1966.
[15]– Pierre Bourdieu & Jean-Claude Passeron , Les étudiants et la culture, Paris, Éd. de Minuit, 1966
[16]– Émile Durkheim, Education et sociologie, Paris,. U.F. 1966 , P.86
[17] – Émile Durkheim, Education et sociologie , Ibid., P.87
[18] – Émile Durkheim, Education et sociologie , Ibid., P.82.
[19] – Jencks Christopher et et Marie Duru-Bellat , Sciences Po Paris., School and inquility saturday Revît et Washington post,17 avril 1972 ,In Gras A. , Sociologie de l’éducation: Textes fondamentaux, Paris, Larousse, 1974 , p.311 .
[20] – Jencks Christopher et et Marie Duru-Bellat , Sciences Po Paris., School and inquility saturday Revît et Washington post,17 avril 1972 ,In Gras A. , Sociologie de l’éducation: Textes fondamentaux, Paris, Larousse, 1974 , p.311 .
[21] – Goerge Snyders , Ecole classe et lutte des classes,ibid,p.29
[22] -Goerge Snyders , Ecole classe et lutte des classes , pp 30-31 .
[23] – Raymon Huitin, Des chances pour tous, Genčve, 1979, P.30 .
[24] Pierre Bourdieu & Jean-Claude Passeron, La Reproduction. Éléments pour une théorie du système d’enseignement, Paris, Éd. de Minuit, 1970.
________
*عليّ أسعد وطفة
كلّيّة التربية جامعة الكويت
*المصدر: التنويري.