النظام التربوي في عالمٍ متغيِّر
هكذا نجحت المدرستيْنِ الألمانيَّة والعُمَانيَّة في تحقيق الإنماء التّربوي
رغم الأشواط التي لعبها قطاع التربية في الجزائر منذ الاستقلال إلى بداية التعدُّديَّة، غير أنه بداية من هذه الأخيرة بدأ يعرف تراجعًا، ولم يقدِّم مشروع إصلاح المنظومة التربويَّة أي تقدم بل انتهى إلى الفشل بعدما استنزف من الخزينة العموميَّة الملايير، باعتباره القطاع الثاني بعد وزارة العدل، وإذا قارنَّا المدرسة الجزائريَّة بدول أخرى نجد أن الجزائر في حاجة إلى تغيير سياستها التربويَّة ووضع إستراتيجيَّة جديدة للنهوض بهذا القطاع وتأطير المتمدرسين بشكلٍ جيِّد.
يشير خبراء تربويون إلى أهميَّة وضع التعليم في أولويات الحكومة، واعتنائها بشريحة واسعة من الأطفال والشباب وتدريبهم تدريبا يتفق مع متطلبات العصر، من أجل تحقيق الإنمائيَّة في مفهومها العام، وهذا من شانه أن تضع حدا للتسرب المدرسي، ويؤهلهم إلى التنقل إلى الجامعة عن جدارة دون اللجوء إلى الغش في الامتحان أو الرشوة واستعمال المحسوبيَّة، فإشكاليَّة التقدم أو التطور حصرها بعض الخبراء في مصطلح “الإنمائيَّة” في كل سياقاتها النفسيَّة الفلسفيَّة التاريخيَّة، إلى أن وصلوا إلى السياق التربوي الذي يعتبر عاملا مهما في نجاح المنظومة التربويَّة خاصة في الجزائر التي شرعت في جملة ممن الإصلاحات (القضائيَّة، الاقتصاديَّة، التربويَّة والإصلاحات السياسيَّة)، وأن تأخذ من هذه الإصلاحات معايير للتقدم، حيث اعتبروا أن القيمة الحقيقيَّة للدخل لا تكون في جانبها الاقتصادي، بل في تكوين العنصر البشري والتركيز على الموارد البشريَّة التي بدونها لن تكون تنميَّة اقتصاديَّة أو إنماءً اقتصاديا إن صح التعبير، لاسيما والكثير من المهتمين لا يفرقون بين التنمية الاقتصاديَّة والتنمية الاجتماعيَّة التي ترتكز أساسا على العامل البشري.
ففي وثيقة سقطت بين أيدينا، هي عبارة عن نشرة إعلاميَّة دوريَّة كانت تصدر عن المجلس الأعلى للتربية، اهتمت في عددها الثاني من شهر ديسمبر 1997 بالبحث التربوي وإصلاح النظم التربويَّة، في إطار ما سمته بـ: “النقلة التعليميَّة أو التحويل” la transposition didactique، ومداخل ومناهج تعليم العلوم وكل ما يتعلق بالتعليم القاعدي، مع فتح ورشات حول تعليميَّة اللغة العربيَّة واللغات الأجنبيَّة، وإجراء دراسات معمقة للواقع وإشكاليات المنظومة التربويَّة ودراسة مقارنة للنظم التربويَّة وكذا مضامين المناهج، وهذا مؤشر إيجابي على أن التعليم في عهدة الراحل هواري بومدين قفز قفزة نوعيَّة وأعطى ثماره، وقد أشارت الوثيقة إلى بعض النظم التربويَّة في العالم، من أجل استلهام منها ما يفيد في إصلاح النظام التربوي، ومنها المدرسة الألمانيَّة، وبحكم أن ألمانيا ذات نظام اتحادي فيدرالي فقد انطلق نظامهما من المبدأ الفيدرالي نفسه الذي يقوم على توزيع الصلاحيات بين الحكومة الاتحاديَّة والولايات الألمانيَّة، ويتحقق التعاون بين هذين الأخيرين في ميدان التربية والتعليم عن طريق لجنة خاصة تعرف باسم “لجنة الإتحاد للتخطيط التربوي والبحث العلمي”.
الفرق بين النظام التربوي الألماني والنظام التربوي في الجزائر
الإدارة المدرسيَّة في ألمانيا تخضع لنظام تربوي تحتل قمته وزارة الثقافة، كما أن سن الحد الأدنى والحد الأقصى للتمدرس في ألمانيا في الروضة يبدأ من الرابعة إلى سن السادسة، والصف التحضيري يبدأ من الخامسة إلى سن السابعة، قبل أن يلتحق الطفل إلى المدارس الأساسيَّة وهو التعليم الابتدائي وتقسم هذه المرحلة بدورها على 04 مراحل، الأولى من سن السادسة إلى الثامنة، المرحلة الثانية من السابعة إلى التاسعة، والمرحلة الثالثة من التعليم الابتدائي من سن الثامنة إلى العاشرة، ثم المرحلة الرابعة والأخيرة من سن التاسعة إلى الحادي عشر، ثم ينتقل التلميذ المدارس الرئيسيَّة الإعداديَّة، حيث يمر التلميذ على 06 مراحل أخرى من سن العاشرة إلى سن السابعة عشر، كما أن الموافقة على المناهج لابد أن تكون من قبل وزارة الثقافة المسؤولة على استخدام أي كتاب من الكتب المدرسيَّة.
الجانب الذي ركزت عليه المدرسة الألمانيَّة المراعاة في اختيار المناهج مواهب التلاميذ وميولهم وإمكاناتهم وخاصة في ميادين الرياضيات والعلوم الطبيعيَّة والتقنيَّة أو الفنيَّة، ولم تهمل المدرسة الألمانيَّة اهتمامها بالتربية الدينيَّة (في للوقت التي قامت حرب حول هذا المادة في الجزائر) والاقتصاد المنزلي، كما تركز على الجانب العمليَّة والتطبيقي أكثر ما تركز على الجانب النظري، وفيما يتعلق بنشر الكتب كل مدرسة لها لجنة تقوم باختيار دار النشر، كما أن بعض المواد في اللغة الألمانيَّة لها أكثر من كتاب، وهذا مؤشر على اهتمام ألمانيا بقيمها وهويتها، كما للمدرس كامل الحريَّة في التحرك في ضوء الأهداف، كما تؤخذ نتائج الواجبات المنزليَّة بعين الاعتبار، وتضاف إلى الامتحان الكتابي والشفهي في امتحان السنة الدراسيَّة.
المدرسة “العُمَانِيَّة” استثمرت في الإنسان كركيزة للتنمية
(المنهج التكاملي نموذجا)
هو عبارة عن تقرير للموسم الدراسي 2010-2011 أنجزته وزارة الإعلام سلطنة عمان، جاء في كتاب ضخم حول النهضة العمانيَّة والقفزة التي قفزتها السلطنة في كل ميادين الحياة (السياسيَّة، الاقتصاديَّة، التعليميَّة والجامعيَّة، الثقافيَّة والفنيَّة)، وتطور حضارتها، سلمت نسخ منها إلى رئيس الغرفة التجاريَّة الرمال لولايَّة قسنطينة، خلال زيارة وفد من سلطنة عمان إلى مدينة قسنطينة بداية السنة من أجل تبادل العلاقات الاقتصاديَّة بين البلدين، وقد سجلت مسيرة التعليم في سلطنة عمال حسب التقرير تقدما مطردا، وقد أولت التربية والتعليم اهتماما خاصا بتطوير العمليَّة التعليميَّة بالإستفاذة من تجارب الدول الأخرى من اجل الارتقاء بالإنسان العماني، حيث عملت على إدخال العديد من التغييرات، على رأسها المراجعة الشاملة للنظام التعليمي وأدائهن والذي اشتمل على مراجعة الأهداف والغايات المعمول بها، وتحديد ما يتلاءم مع الاحتياجات المعاصرة والمستقبليَّة، واعتبرت المدرسة العمانيَّة “المعلم” العمود الفقري في عمليَّة التعليم والتعلم، حيث تم تحديث برامج تدريب المعلمين.
وقد أولت وزارة التربية والتعليم بعمان موضوع التربية البيئيَّة أهميَّة كبيرة من خلال تضمين العديد من المفاهيم البيئيَّة في المناهج الدراسيَّة لمسايرة الاتجاهات البيئيَّة العالميَّة المعاصرة، ويأتي مشروع المنهج التكاملي استجابة للتقييم المستمر لمناهج صفوف التعليم الأساسي والذي يرتكز على تطوير القراءة والكتابة باللغتين العربيَّة والإنجليزيَّة، والمنهج التكاملي حسب التقرير هو دمج مواد التربية الإسلاميَّة واللغة العربيَّة والدراسات الاجتماعيَّة والرياضيات والعلوم والمهارات الحياتيَّة ليتم تدريسها من خلال مادة دراسيَّة واحدة تتكامل فيها المعارف والمهارات ولتحقيق جودة التعليم.
“مكتب ضمان الجودة” لتحقيق الأداء التربوي التعليمي للمدرسة
وفي ظل خطة الوزارة الرامية لتوفير خدمات التعليم للجميع وتحقيقا لمبدأ التنمية المهنيَّة المستدامة وتكوير برامج محو الأميَّة وتعليم الكبار بم يحقق الهدف الإستراتيجي وهو تحقيق تخفيض نسبة 50 بالمائة في مستويات محو الأميَّة بحلول 2015 وفقا لتوصيات مؤتمر التعليم للجميع الذي نظمته اليونسكو (دكار 2000 )، كما وضعت وزارة التعليم في عمان مخطط خاصا لتعليم المعاقين، لإحداث نقلة نوعيَّة في مجال رعايَّة هذه الفئات بما بتواكب مع أحدث التوجهات الدوليَّة الملائمة، بالإضافة إلى مشروع البوابة التعليميَّة الإلكترونيَّة، الذي من شانه يسعل على التلميذ العمليَّة التعليميَّة وتقديمها في شكل أكثر فعاليَّة وتشويقا، إضافة إلى هذه الجهود كعينة من الأمثلة، أسست وزارة التربية دائرة خاصة بالمديريَّة العامة للمدارس الخاصة تعني بضمان جودة التعليم في القطاع الخاص، وهذا يعني فرض الرقابة على القطاع الخاص في إطار ما سمته بـ: “مكتب ضمان الجودة” في الأداء التربوي التعليمي للمدرسة.
الهدف من هذا المشروع يضيف نفس التقرير تطوير أداء المدرسة الخاصة والارتقاء بها، ما يلاحظ أن هذه السياسات المنتهجة في كلتا المدرستين غير مطبقة في النظام التربوي الجزائري، وإن وجدت فهي غير خاضعة للرقابة خاصة في القطاع الخاص، إذا قلنا أن معظم المؤسسات التربويَّة في الجزائر بدون مدير وتفتقر إلى مفتشي التربية، كما أن المؤطرين من المعلمين وأعوان الرقابة بهذه المؤسسات في إضراب عن العمل أو في حركات احتجاجيَّة على مدار السنة، وهو ما سبب في تأخر تطبيق البرنامج الدراسي، وشجع كذلك على انتشار ظاهرة تقديم الدروس الخصوصيَّة، والغش الجماعي في الامتحان، الرشاوى، والمحسوبيَّة وما إلى ذلك، مثلما هو موجود في الجزائر.
إعداد علجيَّة عيش
*المصدر: التنويري.