كيف يمكن أن تنجح تجربة الزواج الثانية بعد الانفصال؟
على الرَّغم من أنَّنا مجتمع يقدِّس قيمة الأسرة، ويعلي من منظومة الزواج، إلا أنَّ السنوات الأخيرة تشهد نسبًا غير مسبوقة من الارتفاع في حالات الطلاق على مستوى الوطن العربي كلّه. قديمًا كان الطلاق يعتبر نهاية لفرص الارتباط خاصَّة بالنسبة للمرأة، التي كان -ولا زال- يتوقَّع منها التفرُّغ للأمومة وتربية الأطفال بعد الطلاق أو الترمُّل، حتى لو حدث هذا في سنٍّ مبكِّرة جدا. إلا أنه مثل كل تجارب الحياة، لا بد أن يحظى الفرد بفرصة ثانية للتجربة، وللنجاح بعد الفشل، وللصحبة والسكن اللذين لا يستطيع إنسان أن يحيا بدونهم.
لا شك أنَّ للزواج الثاني فوائد كبيرة على عدَّة أصعدة مثل الدعم النفسي والعاطفي، والاستقرار المادي، والمشاركة، والاحتفاء بالبدايات الجديدة، ولكن هل يمكن أن تنجح فرصة الزواج الثاني بعد تجربة زواج فاشلة؟
كيف يمكن أن تنجح تجربة الزواج الثانية بعد الانفصال؟
التعافي من التجربة الأولى
لا بد أن يمرَّ وقت كاف للتعافي من التجربة السابقة، ليس من الصحِّي أبدًا استبدال تجربة بغيرها أو شخص ببديل سريع له، هذا الانتقال العاطفي السريع غالبًا ما يكون محفوفًا بالمشكلات والاعتماديَّة النفسيَّة والأخطاء في التوقُّعات، كما أنَّه لا يبني أساسًا سليمًا للعلاقة، لذا فمن الأفضل أن يمرَّ وقت كاف قبل بدء علاقة جديدة، يتمُّ فيه التأكُّد من تجاوز التجربة الأولى ومشكلاتها وتأثيرها النفسي عليك.
التعرُّف على أخطاء الماضي
تحتاج هذه المرحلة إلى نظرة تحليليَّة عميقة وصادقة للتعرُّف على أخطاء التجربة السابقة. يمكنك الاستعانة بالورقة والقلم، أو بأحد الأصدقاء المؤتمنين، أو حتى الاستعانة بمتخصِّص نفسي لمساعدتك على تحليل التجربة السابقة والوقوف على أسباب فشلها، وما هي أخطائك فيها. حتى لو كنت تعتقدين أنَّك الطرف المظلوم في العلاقة، إلا أنَّه من المؤكَّد أنَّ أي شراكة بين طرفين يتحمَّل كل منهما جزءًا من مسؤوليَّة النجاح والفشل، لذا سيكون من المهمّ والمفيد لك قبل الإقدام على الزواج الثاني، أن تتعرَّفي على مواطن ضعفك وقوّتك في التجربة السابقة، وتعترفي بأخطائك فيها. نعدُّ هذه خطوة شديدة الأهميَّة في فهم أنفسنا وتجاوز تجاربنا المؤلمة، وتفسح مجالًا أوسع للتعلُّم والنضج في التجربة الثانية.
التمهيد النفسي للأطفال
في حالة وجود أطفال من الزواج الأوَّل، فلا بد من وجود مرحلة كافية من التمهيد والتجهيز النفسي لهم، يمكن أيضا الاستعانة بمتخصِّص نفسي ينصح بخطوات للتعامل معهم في هذه المرحلة وتمهيدهم وتجهيزهم لاستقبال التغيير المنتظر في حياتهم. ومن المهمّ أيضًا أن تتمّ مناقشة كل التفاصيل الخاصَّة بهم مع الأب، مثل المصاريف الماديَّة ومكان المعيشة وكيفيَّة قضاء الإجازات والمسؤوليَّات المشتركة المتعلِّقة برعايتهم.
في هذه المرحلة من المهمّ جدًّا احترام عقليَّة الأطفال ومشاعرهم، والتعامل مع آرائهم ومواقفهم بجديَّة واهتمام، الأطفال يتميزون بذكاء كبير، وصدق وبساطة في المشاعر، لذا يجب الانتباه لآرائهم وردود أفعالهم وأخذها محلّ اعتبار؛ لأنَّ هذه الخطوة سيكون لها تأثيرها الكبير على تكوين شخصيَّاتهم وتأسيسهم النفسي والعاطفي.
الاتِّفاق المسبق على النقاط الشائكة
هذه النقطة تساعدك في الوقوف على أرض صلبة ورؤية واضحة قبل الانغماس في تفاصيل الحياة الجديدة، من المهمّ جدا أن تحصري أهم النقاط التي تحتاجين للاتِّفاق عليها مع الزوج المستقبلي، بكل وضوح وصدق. سيكون من المفيد لكل منكما الحديث عن مواطن القلق والشكّ التي تخصّ إدارة العلاقة، مثل الإنفاق، ومكان المعيشة، ومسؤوليَّات المنزل، وإدارة الدخل، والعلاقة بالأهل، والمشاركة في رعاية الأطفال في حال وجود أبناء لك أو له من الزواج السابق، وغيرها من النقاط التي سيكون من المريح لكما مناقشتها بشفافيَّة والاتِّفاق عليها قبل خطوة الزواج.
ضعي يدك على دوافعك الحقيقيَّة
اسألي نفسك قبل الانخراط في الخطوة الجديدة، ما هي دوافعك الحقيقيَّة وراء هذه التجربة؟ ما هي الأسباب التي تدفعك للتعرُّف والارتباط من جديد؟ مصارحة نفسك بهذه الدوافع والأسباب، بل ومناقشتها مع الزوج المستقبلي، هي خطوات مهمَّة على طريق التأسيس الصادق للعلاقة. لا تتزوجي أبدا للانتقام من الزوج الأوَّل، أو لإثارة غيرته، ولا لاستعادة ثقتك بنفسك والتأكُّد من أنك مرغوبة أو محبوبة، أو للهروب من بيت العائلة، هذه الأسباب لا يبنى على أساسها بيت جديد، فلا تخدعي نفسك بأسباب واهية أو مثاليَّة، الفرصة الثانية هي حقّ لك، لذا واجهي نفسك بالأسباب الحقيقيَّة حتى تستطيعين تقييمها، ومن خلال أجوبتك يمكنك اتِّخاذ القرار ما إذا كان الشخص والظروف مناسبة أم لا.
لا تقعي بفخ المقارنة
يساعدك في هذا أن تقضي وقتًا كافيًا للتعافي من التجربة الأولى وتجاوزها، حتى لا تقعي فريسة للتوقُّعات الخاطئة والمقارنة بين زوجك الأوَّل وزوجك الحالي، سواء في طباعهم الشخصيَّة أو روتينهم اليومي أو متطلّباتهم في العلاقة، أو حتى في تفاصيلهم الخاصَّة. المقارنة بكل أسف قد تكون سببًا في تدمير العلاقة وتشويهها، وتحميلها بأقنعة غير حقيقيَّة، وهو ما يؤذي مشاعر كل الأطراف.
أمَّا فيما يخصّ قلقك وأفكارك المرتبكة حول تجربة الزواج مرَّة أخرى، فهذه مجموعة من الإجابات التي قد تساعدك في تفكيرك:
نعم يمكنك النجاح بعد الفشل.
ربما تطرحين على نفسك هذا السؤال وتتسائلين إذا كان بمقدورك النجاح في المحاولة الثانية؟ وغالبا سيكون هذا السؤال محمَّلا بالكثير من مشاعر القلق والتوتُّر والخوف والارتباك. لا توجد إجابة حاسمة على هذا السؤال. ولكن بشكل عام لا يمكن تعميم تجربة على أخرى، ولا يمكن استنتاج فشل تجربة من فشل واحدة سابقة. خاصَّة إذا كانت الظروف والعوامل مختلفة.
أنت تستحقّ.
لا يجب أن تتعاملي مع تجربة الانفصال على أنَّها خطأ يستحقّ العقاب، ولا يجب أبدا أن يكون العقاب هو الوحدة. فكل إنسان على هذه الأرض يحتاج ويستحقّ أن يكون له (زوج/زوجة) وعائلة تبادله الاهتمام والرعاية. فإذا لم تحظَي بالزوج المناسب مرَّة، فإنَّ هذا لا يعني عدم وجود زوج مناسب. ولكن يعني أنك لم تعثري عليه بعد، وتستحقين التجربة.
لا تقدِّمي تنازلات لا تستطيعين عليها
فكِّري جيِّدًا قبل أن تقبلي وضعًا غير مناسب لك. أو قبل أن توافقي على تقديم تنازلات أنت غير واثقة من تأثيرها عليك وعلى أسرتك. تمهَّلي فلا توجد فرصة أخيرة، ولكن الفرصة المناسبة تستحقّ الانتظار. لذا تأني جيد قبل أن توافقي على مستوى مادي أو اجتماعي غير مناسب لك. أو ظروف سفر ربما تضرّ أولادك، أو رعاية عدد كبير من الأطفال وهي مسؤوليَّة يجب أن تتأكَّدي من استعدادك لها. خذي وقتك الكافي قبل القيام ببطولات وهميَّة، كوني صادقة مع نفسك ولا تتحمَّلي ما لا طاقة لك به.
الصبر مفتاح النجاح
الزواج مثل أي مشروع يحتاج لكثير من الجهد والصبر. وهو البناء الذي يستحقّ الاستثمار فيه، هذا هو المكان الذي يسمح فيه لكل طرف بأن يكون على طبيعته. وأن يتلقى فيه الرعاية والشكر والتقدير لمجهوده ودعمه ووجوده، فلا تبخلي بالعطاء، وافتحي بابك لاستقبال الحبّ الذي تستحقينه.
الخوف من الوصم
ما زالت مجتمعاتنا العربيَّة في كثير من دوائرها توصم المرأة التي تفكر في الزواج مرة ثانية بعد الانفصال. لكن تأكَّدي أنَّه ليس في الأمر أي عيب ولا ذنب ولا خطأ. كوني واثقة من قرارك، خاصَّة إذا كنت متأكِّدة من اختيارك للزوج المناسب. ومن تأثير قرارك على أسرتك القريبة وأبنائك في حال وجود أبناء.