صدور العدد 17 من مجلّة “نقد وتنوير” الفصليَّة صيف 2023
تعلن هيئة تحرير “مجلّة نقد وتنوير” لقرائها الكرام ومتابعيها الأوفياء وسائر المهتمّين بالبحث العلميّ والعمل الثّقافي عموما عن صدور العدد 17 من المجلّة، وبه تدشّن سنتها الخامسة. وقد صدر العدد في 637 صفحة توزّعت على ثلاثة وثلاثين عملا بحثيّا، بين دراسات وأبحاث ومقالات ومراجعات لكتب… وانفتحت، كدأبها في كلّ عدد، على كثير من مجالات المعرفة، واستلهم كتّابها مقاربات ومناهج الحديثة متعدّدة. يكفي أن نشير على سبيل التّمثيل، لا الحصر، إلى بعضها:
-من الأعمال في الحقل الفلسفي ما بسط البحث في إحدى النّظريّات الفلسفيّة المعاصرة، فتتبّع تطوّرها، وأبرز النّقود التي وجّهت إليها (التَفاعُلِيَّةُ الرَمْزِيَّةُ بُنِّيَّةً ومَفْهُوماً وَإِشْكالِيَّة رُؤْيَة نَقْدِيَّة مُعاصِرَة)، أو حصر النّظر في مفهوم بعينه عند أحد فلاسفة الغرب المؤثّرين شأن (أكسيولوجيا الحقيقة عند ديكارت: معالم فلسفة بديلة)، و(التفكيكيّة ومضموناتها التّربويّة: قراءة في كتابات جاك دريدا)، و اتّجه بعض الباحثين إلى تمحيص بعض المفاهيم الإشكاليّة عند عدد من المفكّرين، ومن أمثلتها: (الهويّة والنظريّة الإجتماعيّة في الخيار الدّيكولونياليّ)، و (الحريّة في المنظور الليبراليّ: إشكالية حرية الاعتقاد بين “لوك” و”رولز”)، و(ثنائية الاعتقاد والفعل: صورتنا عن العالم بحسب ب. ف. ستراوسن)، و(المسؤولية الإيتيقيّة عند إيمانويل ليفيناس)، وطرحت بعض المقالات قضايا أقلّ تجريدا، فوصلت الفلسفة بالفنّ كالبحث في (جماليات الجسد وتوظيفاته في الفن: الفن الكناوي المغربي نموذجاً)، وفي ضرب من محاولة تعقّل الفنّ والنّظر فيه فلسفيّا، اقترح أحد الباحثين في مقال له وسمه بـ (ما لم يقله الفنّ) البحث في علاقة الفنّ والواقع، منطلقا من إشكاليّة أساسيّة هي: علاقة الفنّ ونسق الواقع وحدود الاتّصال والانفصال بينهما.
وفي الدّرس الحضاري، عكفت بعض الأعمال على التصوّف، فكان أن رصدت “طقس” الزّيارة الصّوفيّة من منظور تاريخيّ، وتتبّعت العاداتِ والطقوسَ فيها، وما لها من دلالات (زيارة” الضّريح بإفريقيّة مطلع العصور الوسطى)، ونظرت أخرى في ما أصاب التصوّف من تحوّلات في الوظيفة من الرّوحي إلى السّياسي الدنيويّ (التّصوّف: من التّكامل الوظيفي إلى الارتهان السّياسي). وتتبّع أحد الباحثين (مقوّمات بطولة النبيّ محمّد في الخطاب الاستشراقيّ)، واتّجه آخر إلى طرح إحدى أخطر قضايا العصر، وهي الإرهاب، وكيفيّة صناعته، ووسم مقاله بـ(صناعة التطرّف في خطاب أبي محمد عاصم المقدسيّ من خلال كتابه “وقفات مع ثمرات الجهاد” (الخلفيّات والأبعاد)). وجمع أحد الباحثين بين النّظر التاريخيّ والتأمّل الفكريّ في ظاهرة التّرجمة وما لها من دلالات وآثار، فكان مقاله: (التّرجمة والمترجمون في البلاد التونسيّة في القرن التّاسع عشر: جسور لاستكشاف الآخر واقتباس علومه).
وإلى جانب المباحث الفلسفيّة والحضاريّة حفل العدد السابع عشر بمقاربات أدبيّة توزّعت بين التّحليلات النّظريّة والمعالجات التّطبيقيّة، وبين النثر والشّعر قديما وحديثا. ومنها مقاربة شعريّة الألم وجمالياته في مقال (شعريّة الألم من خلال نماذج من أشعار الجاهليين) و(دور سيناريو الّسُّكْرِ والكسْرِ في انسجام المُتخيّل السّردي في قصيدة “يا ساحر الطّرف “ لأبي نواس)، و(شعريّة الأعلام في “مخطوط تمبكتو”، للمنصف الوهايبي قصيدة مسكيلياني مرتكزًا)… وفي الرواية انصرف أحد المقالات إلى دراسة (الفضاء الروائيّ بين الفانتازيا والواقع: فضاءات رواية فرانكشتاين في بغداد لأحمد سعداوي أنموذجا).
وتمحّضت إحدى الدّراسات إلى المعالجة النّظريّة الصّرف، إذ عمد أحد الباحثين إلى قراءة نقديّة خالصة لبعض المفاهيم، في محاولة لاستنطاقها من مناظير جديدة ومختلفة، تسائل تلك التي استقرّ عليها الدّرس النّقديّ، فكان مقال: (جوليا كريسطيفا ومفاهيم النص والتّناصّ: قراءة أخرى) الخ…
أمّا الدّراسات التربويّة والأبحاث الموصولة بالعمليّة التعليميّة، فقد حُظيت بحيّز واسع في هذا العدد. وكان بعضها ذا طابع “تقنيّ” ينشد سبل التّجويد والنّجاعة، فكتب أحدُهم في (تحويل القدرة من العربيّة المغربيّة الى اللغة الفصحى لدى تلاميذ السّلك الإعدادي: مقاربة لسانيّة ديداكتيكيّة)، واهتمّ آخر بمجال التّوجيه، فكان مقاله في (بناء الحياة كبراديغم للمواكبة التبصرية في مجال التّوجيه المدرسيّ: نحو منظور جديد للممارسات التّوجيهية بالمغرب). واهتمّ ثالث بالمدرّس نفسه لما له من أهميّة في العمليّة التعليميّة، فبحث في (المُدرّس والخِطَاب المهنيّ: الكفايَات بيْن الحَياة الفَصليّة والحَيَاة المِهنيّة). واختار أحد الباحثين النّظر في موضوع أكثر تخصيصا، إذ قصره على منهج/ مادّة تدريسيّة بعينها هي العروض وكيفيّة الارتقاء بطرائق تدريسه عبر الاستعانة بعلم حديث هو اللّسانيات، فكان مقاله: (اللّسانيات الحديثة وتدريس العروض العربيّ بالمغرب، درس الزّحافات في السّلك الثّانوي التّأهيليّ نموذجا). وتنبّهت إحدى الدّراسات إلى واحدة من أهمّ إشكاليات التّعليم، وهي التّعليم عن بعد الذي يُعدّ ثورة في العالم المعاصر، استثمرت فيها التّكنولوجيّات الحديثة وتقنيّات الاتّصال، وما ينبغي أن يصحبها من تشريعات وتغيّرات هيكليّة في النّظم الإداريّة التعليميّة. وقد صاغ الباحث عنوان مقاله في شكل سؤال يكاد يُبينُ عن جوابه، وهو: (التّعليم عن بعد في الوطن العربيّ: ضرورة أم اختيار؟ (في ضوء نتائج دراسة تطبيقيّة)) الخ…
ومن الدّراسات والبحوث ذات النّزعة القيميّة التّربويّة، نذكر مقال: (اللّامساواة المدرسيّة والتّوجيه التربويّ بالمغرب: مقارنة بين تلاميذ البكالوريا الدّولية وتلاميذ البكالوريا المهنيّة، مديرية سيدي قاسم نموذجاً)، وهي دراسة تنطلق ممّا هو تربويّ لتلامس أبعادا أخرى سياسيّة واجتماعيّة.
وانفتح هذا العدد على بعض المباحث التّاريخيّة، فكان مقال: (الإصلاحات الاقتصاديّة للدّولة الموحدية في عهد عبد المؤمن بن علي (527-558 هـــ/1133-1163 م)). وآخر عن جذور العسكريين اليونان في الجيش العثماني في الإيالة التونسيّة خلال القرن 19م .
هذا ما جادت به أقلام باحثين متميّزين كلّ في اختصاصه ومجال نظره، بعد أن غُربلت الأبحاث والدّراسات والمقالات…، ونُخلت على يدي أخصائيّين محكّمين من ذوي الخبرة. فلهم كلّ الشّكر والتّقدير، وللجنة التّدقيق اللّغويّ كلّ العرفان. والشّكر موصول للفريق التّقنيّ ولكلّ من مدّ يد العون نصحًا وتنبيهًا ومشورةً، ليشتدّ عود المجلّة، وترسخ قدمها، ويخرج هذا العدد على أكمل الوجوه، أو أدناها إلى الكمال.
ولا يسعنا في نهاية هذا الإعلان إلاّ أنّ نبسط يد الشّكر والعرفان لمن أثّث هذا العدد ولمن دقّقه لغويّا وحكّمه علميّا، ولمن أخرجه تقنيّا في هذه الحلّة البهيّة.
ملاحظة يمكن الاطلاع على المجلة وتحميلها جزئيا أو كليا على هذه الرابطة :
https://tanwair.com/archives/17547
____________
*بقلم مدير التّحرير/ د. امبارك حامدي.