اجتماعالمقالات

سوسيولوجيا ابن خلدون ومناظراته العمرانية: قراءة نقدية معاصرة في العمران الخلدوني

مقدمة ابن خلدون

“أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمه أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب”. ابن خلدون

إن الاجتماع الإنساني ضروري ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: الإنسان مدني بالطبع؛ أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدينة في اصطلاحهم وهو معنى العمران وبيانه [1]

مقدمة:

شكلت عبقرية ابن خلدون[2] العمرانية طفرة معرفية أدهشت معظم الباحثين والمفكرين على مدى ستة قرون ونصف من الزمن، أي: منذ القرن الرابع عشر حتى اليوم. وقد تجلت هذه العبقرية السوسيولوجية في مقدمته المشهورة حول “علم العمران البشري” وهو العمل الفكري الذي أدهش المفكرين فأوقعهم في حالة من الصدمة الذهول، إذ وجدوا في هذه المقدمة نمطاً جديداً من تدفقات الوعي السوسيولوجي الفريد في عصر لم يكن فيه الوقت قد أزفّ لولادة السوسيولوجيا الحديثة، التي كتب لها أن تتلمس خطواتها الأولى في مطلع القرن العشرين. وأكثر ما يقال: بإن السوسيولوجيا الخلدونية في كتابه المقدمة وضعت ابن خلدون في العصر الحديث وجعلته من الآباء العمالقة الأكثر ألمعية لعلم الاجتماع ورواده من أمثال ماركس وأوغست كونت وإميل دوركهايم وماكس فيبر وهربرت سبنسر وسان سيمون. ويأتي مصدر هذا الإدهاش المعرفي أن ابن خلدون قد أسس علم الاجتماع ونحت اسمه “علم العمران” ورسخ منهجه وقوانينه وحدد موضوعاته وظواهره في القرن الرابع عشر الميلادي أي قبل ميلاد السوسيولوجيا المعاصرة بستة قرون ونصف، ويضاف إلى ذلك أنه قد أسهم بوضوح في تأسيس علم الاجتماع السياسي والتربوي والتاريخي استناداً على ما تضمنته المقدمة من أفكار وتصورات منهجية في هذه المجالات السوسيولوجية.

وقد تكون مقدمة ابن خلدون هذه من أكثر الكتب التي تناولها الباحثون والكتاب والدارسون العرب والأجانب بالدراسة والتحليل. ومن الواضح أن أطناناً من الكتب والدراسات قد باشرت ما تضمنته “المقدمة” من تصورات وأفكار ونظريات على مدى ستة قرون متواترة في التاريخ. ويمكن القول: إن الجدل والبحث والنظر في مقدمة ابن خلدون يشكل اليوم علماً قائماً بذاته يتبحر فيه الدارسون والباحثون دون انقطاع على مدى تتابع الأجيال وتعاقب المفكرين. وعلى الرغم من الكتابات التي أجريت حول المقدمة تفسيراً وشرحاً وتعليلاً ونقداً وهجوماً ودفعاً وإعجاباً خلال القرون المتعاقبة، ما زالت هذه الدراسات تتدفق دائماً لتبحث من جديد في مقدمة ابن خلدون. ولا ريب أن عدداً كبيراً من المؤلفات والأطروحات العلمية يظهر كل عام حول مقدمة ابن خلدون. والمدهش في الأمر أن المرء كلما قرأ في مقدمة ابن خلدون كلما ازداد شوقه وتطلعه إلى المزيد من القراءة في المقدمة وفيما كتب عنها.

ويجب علينا أن نعترف منذ البداية بأن دراستنا هذه عن ابن خلدون ومقدمته جاءت نتاجاً لشغف قديم متجدد أشبه بالإدمان الجميل الذي نشعر به قوياً وصارخاً في متابعة المقدمة والعودة إليها وقراءة كل ما يقع في اليد من مقالات ودراسات عن هذه المقدمة.

تأسيسه لعلم الاجتماع

إذا كان من الصعوبة بمكان تحديد اللحظة الأولى، التي يسجل فيها علم ما تاريخ ولادته الأولى وملامح حركته ومساره، فإن كثيراً من الباحثين العرب والفكرين الأجانب، يشيرون إلى المفكر العربي عبد الرحمن بن خلدون وإسهاماته في القرن الرابع عشر 1322-1406، بوصفه المؤسس الأول لعلم الاجتماع. ونحن نقرّ معهم “دون تعصب” بأن مقدمة ابن خلدون وكتابه في علم العمران قد شكلت المهاد الأول زمنياً لنشأة علم الاجتماع. ولكننا نقول: بإن العلم لا ينفرد بالواحد من العلماء أو بالفرد من المفكرين وما كانت لنظرية ابن خلدون وحدها كافية لتأسيس علم الاجتماع، ولكنها شكلت ينبوعاً متقدماً من ينابيع هذا العلم الذي جعل من ابن خلدون أحد كبار الآباء المؤسسين لعلم الاجتماع واسبقهم إلى هذا الميدان العلمي الرصين.

ويجب الإقرار بأن جانباً من عبقرية ابن خلدون التاريخية قد تجلت في سفره الخالد الموسوم بمقدمة ابن خلدون أو في كتابه الموسوم “علم العمران” الذي يشكل الجزء الأول من الموسوعة التاريخية الكبرى التي أبدعها ابن خلدون وعنونها ــ”كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر، في أيام العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر” [3] [4] وهو كتاب موسوعي يشتمل على مقدمة وثلاثة كتب موزعة في ثمانية مجلدات ضخمة[5].

ومن أجل مزيد من التوضيح فإن مقدمة ابن خلدون تشكل الكتاب الأول الموسوم “بعلم العمران” من موسوعته العلمية الضخمة الآنفة الذكر. وتتناول هذه المقدمة جميع ميادين المعرفة، وتتسم بالطابع الموسوعي، وقد صُنّفت المقدمة التي تشتمل على “الكتاب الأول” الموسوم “بعلم العمران” على أنها كتاب في علم العمران المكافئ لعلم الاجتماع اليوم، وقد خصصت الأجزاء الستة الأخرى للكتاب للبحث في أخبار العرب وأجيالهم ودولهم منذ بداية الخليقة إلى الزمن الذي عاش فيه ابن خلدون، بينما المجلد الثامن والأخير فهرساً للموسوعة بأكملها.

تتضمن المقدمة سفراً فريداً في “علم العمران البشري” الذي يتناول فيه ابن خلدون قضايا المجتمع وظواهره في العصر الذي عاش فيه أي في القرن الرابع عشر الميلادي. وقد تجلت عبقرية ابن خلدون السوسيولوجية في تناوله والمنهجي لمختلف الظواهر الاجتماعية للظواهر الاجتماعية في عصره وفي سعيه العلمي الموضوعي للكشف عن القوانين التي تخضع لها هذه الظواهر في نشأتها وتطورها وما يعرض لها من أحوال، وقد تكون هذه مقدمته في علم العمران شاهدا تاريخيا على جهوده الكبيرة في الكشف عن أهم القوانين الحاكمة للظواهر الاجتماعية في زمنه، ومن الأهمية بمكان القول أن لم يسبق لأحد من المفكرين في عصره العمل على استكشاف الطبيعة القانونية للظواهر الاجتماعية وخضوعها لقوانين ثابتة مطردة كالقوانين التي تخضع لها ظواهر الطبيعة وما تشمله من حوادث وسنن ونواميس، وتأسيسا على جهوده هذه يرى كثير من الباحثين أن يستحق أن يكون أحد أهم رواد علم الاجتماع في عصره وفي العصور اللاحقة. ويرى كثير من المفكرين العرب والأجانب أن تاريخ السوسيولوجيا الاجتماعية يشهد على أن ابن خلدون كان أول من أسس لعلم “العمران البشري” وهو العلم المكرس لدراسة المجتمعات الإنسانية وتحليل ظواهر نشأتها ونموها وسقوطها.

ولكن من المفارقات العجيبة في تاريخ العلوم أن علم الاجتماع الخلدوني “علم العمران” كان قد ولد قبل ستة قرون من الزمن على الولادة الرسمية لعلم الاجتماع في بداية القرن التاسع عشر. وعلى هذا النحو يمكن أن نقول: بإن علم الاجتماع ولد مرتين في زمنين متباعدين، مرة في القرن الرابع عشر على يد ابن خلدون، ومرة أخرى في القرن التاسع عشر على يد أوغست كونت ودوركهايم.

ومن المؤكد اليوم أن “علم العمران ” أو ما يمكن لنا أن نسميه بلغة العصر “السوسيولوجيا الخلدونية” قد ولد مبكراً جداً في غير أوانه؛ أي قبل ستة قرون ونصف تقريباً من ولادة علم الاجتماع في العصور الحديثة. وهذا يعني أن الظروف الاجتماعية لم تكن قد نضجت في ذلك الوقت لنشأة هذا العلم، والحاجة إليه لم تكن قد ظهرت بعد، ويرى علماء الاجتماع بعامة أن علم الاجتماع الحديث – تمييزاً له عن علم الاجتماع الخلدوني – ظهر تحت تأثير التطور الاجتماعي والحضاري الحادث في العصور الحديثة. وهذه المفارقة – الولادة المبكرة – تعود ربما إلى عبقرية ابن خلدون الذي استشرف التاريخ فأطل على إسقاطاته المستقبلية البعيدة ليؤسس لنا علماً اجتماعياً رصيناً في غير زمانه أو مكانه، وهنا تكمن الروح الألمعية العبقرية في فكر ابن خلدون الذي عرك الفكر التاريخي واستلهمه، وخاض في أعماقه، واستشرف دروبه وقيمه، وأدرك مسالكه في حالة عجيبة فريدة في تاريخ العلوم والمعارف. وهو لم يكتفِ بأنه منح علم الاجتماع تسميته العربية “علم العمران”، بل حدد له منهجه العلمي بدقة صارمة، واستطاع بحسه العبقري أن يقدم لنا رؤية تاريخية ثاقبة للمجتمع في مسارات تطوره ونمائه ومشكلاته. ومهما يكن الأمر فإن علم الاجتماع الخلدوني بقي أشبه بمنارة في التاريخ الفكري الاجتماعي. وهي منارة منفردة فريدة في زمن بعيد فريد.

لقد أطلق ابن خلدون على دراساته للظواهر الاجتماعية -علم العمران البشري – ولم يقف عند ذلك الحد، بل نادى بضرورة بناء هذا الجانب المعرفي وتطويره. والعمران البشري كما يريده ابن خلدون يتمثل في دراسة الاجتماع الإنساني وظواهره، ونقطة البداية التي ينطلق منها ابن خلدون هي ضرورة الحياة الاجتماعية. فالاجتماع الإنساني على حد قوله ضروري؛ أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية والعمران. ومن هذا المنطلق يرى “إن الاجتماع الإنساني ضروري، ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: الإنسان مدني بالطبع، أي لا بد له من الاجتماع، الذي هو المدنية في اصطلاحهم وهو معني العمران”.

ومن أجل أن نقدم تصوراً واقعياً لسوسيولوجيا ابن خلدون في كتابه “علم العمران” يمكن أن نستشرف القضايا الاجتماعية التي عالجها في هذا الكتاب، وهو الْكِتَابُ الأوّلُ من الموسوعة المعنون “بعلم العمران” الذي خصصه لقضايا الْعُمْرَانِ ومَا يَعْرِضُ فِيهِ مِنَ الْعَوَارِضِ الذَّاتِيَّةِ مِنَ الْمُلْكِ وَالسُلْطَانِ وَالْكَسْبِ والمَعَاشِ وَالصَّنَائِعِ وَالْعُلُومِ وَمَا لِذلكَ مِنَ الْعِلَلِ وَالْأَسْبَابِ. وقد تضمن الكتاب الأقسام الستة التالية [6]:

-الأول : العمران البشري وأصنافه

– الثاني : العمران البدوي والأمم الوحشية

– الثالث : الدول والخلافة والملك والمراتب السلطانية

– الرابع : العمران الحضري والبلدان والأمصار

– الخامس : الصنائع و المعاش والكسب

– السادس : العلوم واكتسابها

وتشكل هذه الأقسام عناويناً لموضوعات علم العمران الذي أسسه ابن خلدون ورسخ منهجيته في السادس: تناول مختلف القضايا التي عاصرها. ويمكن أن نلاحظ من خلال هذه العناوين أن هذه القضايا الاجتماعية تعود إلى ستة قرون منصرمة، وهي تعبر عن القضايا والمشكلات التي عاصرها ابن خلدون في القرن الرابع عشر.

ويقيناً بأن تناول هذه الموضوعات لا تستقيم بوصفها علماً إلّا بشروط الجدة والابتكار في الطريقة والمنهج والتحليل والتفسير، وهو المنهج الذي اعتمده ابن خلدون في تناول هذه الظواهر الاجتماعية ليستحق أن يكون علماً جديداً وليستحق ابن خلدون نفسه أن يكون مؤسساً له.

ولكي يكون “علم العمران” علماً اجتماعياً جديداً لا بد له أن يكون مستقلاً عن غيره من العلوم والفنون، وهذا ما يؤكده ابن خلدون في وصفه للعلم الجديد “علم العمران: “بقوله: وهذا هو غرض هذا الكتاب الأول من تأليفنا وكأن هذا علم مستقل بنفسه فإنه ذو موضوع وهو العمران البشري والاجتماع الإنساني وذو مسائل وهي بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال لذاته واحدة بعد أخرى وهذا شأن كل علم من العلوم وضعياً كان أو عقلياً” [7]. ويتابع ملحمة هذا لتأكيد الجدة والابتكار في تأسيسه لعلم العمران بقوله مرة أخرى: “واعلم أن الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة، وغريب النزعة غزير الفائدة … وكأنه علم مُستنبط النشأة، ولعمري لم أقف على الكلام في منحاه لأحد من الخليقة، ما أدري ألغفلتهم عن ذلك، وليس الظن بهم، أو لعلهم كتبوا في هذا الغرض واستوفوه، ولم يصل إلينا” [8]. وعلى هذه الصورة يحاول ابن خلدون أن يبرهن بأن “علم العمران البشري”، علم مستقل عن غيره وهو كما يراه مختلف عن سائر العلوم والفنون السائدة في عصره، ويتبدى هذا الاختلاف في منهجه وموضوعه ومجاله وهو علم يختص بالاجتماع العمراني البشري دون غيره من العلوم.

وفي هذا المسار يؤكد ابن خلدون أهمية التحديد الموضوعي لمعنى العمران وضرورته عبر رؤية تقوم على ركيزتين، تتمثل الأولى في مبدأ التعاون الضروري بين البشر الذي من غيره لا يمكن للحياة العمرانية أو البشرية أن تستقيم فالإنسان ضعيف في انفراده عن غيره وهو لا يستطيع العيش من غير المجتمع الذي ينتمي إليه، وهذا هو المعنى الذي يبديه أرسطو بقوله “الإنسان كائن مدني” إذ لا يمكنه العيش منفرداً لأنه في حاجة دائمة إلى الآخرين من بني جنسه لإشباع حاجاته والاستمرار في الحياة. وفي هذا السياق يقول ابن خلدون: “الأولى في أن الاجتماع الإنساني ضروري و يعبر الحكماء عن هذا بقولهم: الإنسان مدني بالطبع، أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدينة في اصطلاحهم وهو معنى العمران و بيانه” [9]، وهذا يقضي بأن يتعاون أفراد الجماعة في تحصيل عيشهم وضمان أمنهم ووجودهم، وعلى هذا الأساس يعرف ابن خلدون العمران بأنه:” العمران و هو التساكن والتنازل في مصر أو حلة للأنس بالعشير واقتضاء الحاجات لما في طباعهم من التعاون على المعاش (…) وهذا العمران إما أن ” يكون بدوياً، وهو الذي يكون في الضواحي و في الجبال و في الحلل المنتجعة في القفار وأطراف الرمال، ومنه ما يكون حضرياً وهو الذي يحدث التساكن في القرى والمدن والأمصار [10].

ويضرب لنا ابن خلدون مثالاً حياً على الضرورة الحيوية للاجتماع الإنساني في تحصيل أبسط الحاجات ولتكن وجبة من طعان فيقول:

” إن الله سبحانه خلق الإنسان وركبه على صورة لا يصح حياتها و بقاؤها إلّا بالغذاء وهداه إلى التماسه بفطرته، وبما ركب فيه من القدرة على تحصيله إلّا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غير موفية له بمادة حياته منه و لو فرضنا منه أقل ما يمكن فرصة و هو قوت يوم من الحنطة مثلاً فلا يحصل إلّا بعلاج كثير من الطحن، والعجن، والطبخ، وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلًا بصناعات متعددة من حداد ونجار وفاخوري، وهب أنه يأكله حباً من غير علاج فهو أيضاً يحتاج في تحصيله أيضاً حباً إلى أعمال أخرى أكثر من هذه من الزراعة والحصاد والدراس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل ويحتاج كل واحد من هذه آلات متعددة و صنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير، ويستحيل أن تفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد، فلا بد من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بإضعاف” [11].

ويفصل ابن خلدون في ضرورات الاجتماع ليرى بأن الحاجة إلى الدفاع عن الوجود تماثل الحاجة إلى الطعام التي لا تستقيم إلّا بالتعاون والتضافر بين أبناء البشر. ومثلما يحتاج الإنسان إلى غيره في إشباع حاجاته، فإنه يحتاج أيضاً الدفاع عن نفسه من غيره. ويرى ابن خلدون أيضاً أن المُلك يشكل ضرورة وجودية للمجتمعات الإنسانية، وإنه لابد للبشر من الحكم الوازع أو قيادة سياسية تضمن أمنهم ووجودهم، وعلى هذا الأساس يقرر بأن وجود حاكم يضمن أمن الناس ضرورة لا محيص عنها في الاجتماع الإنساني.

ويستفيض ابن خلدون في شرح ضرورة الاجتماع في الفصل الثاني عشر في وصف الضرورة التي تؤدي إلى حدوث العمران الاجتماعي فيقول: “إنك تسمع في كتب الحكماء قولهم إن الإنسان هو مدني الطبع، يذكرونه في إثبات النبوات وغيرها. والنسبة فيه إلى المدينة، وهي عندهم كناية عن الاجتماع البشري. ومعنى هذا القول، إنه لا تمكن حياة المنفرد من البشر، ولا يتم وجوده إلّا مع أبناء جنسه. وذلك لما هو عليه من العجز عن استكمال وجوده وحياته، فهو محتاج إلى المعاونة في جميع حاجاته أبداً بطبعه. وتلك المعاونة لابد فيها من المفاوضة أولاً، ثم المشاركة وما بعدها. وربما تفضي المعاملة عند اتحاد الأعراض إلى المنازعة والمشاجرة فتنشأ المنافرة والمؤالفة. والصداقة والعداوة. ويؤول إلى الحرب والسلم بين الأمم والقبائل” [12].

هذه الموضوعات والظواهر المجتمعية شكلت الموضوع الساسي لعلم العمران ومن أهم القضايا التي تناولها ابن خلدون قضايا “التوحش والتأنس والعصبيات، وأصناف التغلّبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك، والدول، ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب، والمعاش، والعلوم، والصنائع، وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعة من الأحوال، وهي كلّها مواد تشكّل موضوع علم العمران، التي بمعرفتها تساعد النظم السياسية وغيرها لتحقيق رعاية مثلى للشعوب التي تخدمها، وبذلك تضمن استقرارها واستمرارها”

ومن الملاحظ أن ابن خلدون اعتمد على المنهج البرهان والمنهج النقدي في تناوله لهذه الظواهر من منظور علم العمران إذ يقول: “ونحن الآن نبين في هذا الكتاب ما يعرض للبشر في اجتماعهم من أحوال العمران، في الملك والكسب والعلوم والصنائع، بوجوه برهانية، يتضح بها التحقيق في معارف الخاصة والعامة، وتُدفع بها الأوهام، وتُرفع الشكوك[13].

وقد صنَّف ابن خلدون مفهوم “العمران البشري” إلى ثلاثة أنماط من التجمعات البشرية تشمل: التجمع الطبيعي، والبدوي، والحضري، وأقام روابط شبه ضرورية في تحديد الأسبقية الزمنية في التحوّل والانتقال من نمط إلى آخر، كما هو واضح في تفسيره لنشأة الملك وتأسيس الدولة بوصفها كياناً سياسياً ” [14].

منهج ابن خلدون:

ولا يستقيم أمر التأسيس لعلم العمران من غير منهج يؤصله ويرسخ دعائمه ويمنحه صفة العلم الحقيقي، وقد أفاض ابن خلدون في شرح منهجه الذي يتجلى في أفكاره وتصوراته. ومن المتواتر لدى المفكرين والباحثين في معظمهم أن ابن خلدون اعتمد المنهج العلمي الاستقرائي في تناول ظواهر العمران. وقد عرف بمنهجه النقدي في تناول الروايات التاريخية التي لا تستند إلى أساس موضوعي. وقد أكد في تناوله للظواهر المدروسة أهمية[15] الملاحظة الموضوعية المباشرة للقضايا الاجتماعية التي يباشرها بالتحليل النقدي؛ واعتمد منهج التفسير الموضوعي لهذه القضايا وتحلیلها، واستخدام منطق الاستدلال والمقارنة. وأكد في مختلف أعماله أهمية قیاس الأخبار على الأصول القياسية المنطقية في ضوء التجربة والملاحظة، واعتماد مبدأ التشكيك والنقد على أصوله، وهو في هذا السياق يركز على أهمية دراسة الظواهر والنظم العمرانية في سیاق تطورها وفي سياق علاقتها بالظواهر الاجتماعية الأخرى المجانسة والمخالفة لها في سبيل التبصر العميق لأحوالها والاستكشاف العمراني لقوانينها.

وقد عرف عن ابن خلدون اعتماده المنهج النقدي في تناوله لأغاليط المؤرخين ورواياتهم وانتهى إلى تفنيدها منطقياً وعقلانياً ومن ثم رفضها، وقد بين أيضاً السبب في وجود هذه الأخطاء والأوهام والأغاليط، ورأى بأنها ناجمة عن حالة من التردي العقلي والذهني الذي تعززه التشيعات والولاءات العمياء للآراء والمذاهب والأخبار. وفي مواجهة هذا الزيف والبهتان الناجم القائم على أسبابه، يحض ابن خلدون على أهمية النظر والتمحيص والفحص والتدقيق في هذه الأخبار وتنقيتها وتصفيتها من شوائب المنطق فيها، ووضعها على محك العقل والنظر حتى يتبين صدقها من كذبها وصلاحها من فسادها وخيرها من شرها والحقيقة الماثلة فيها بدلاً من الوهم الذي يحيط بها.

وقد أوضح من جهة أخرى أن قبول هذه المغالطات والأوهام والأحاديث المغلوطة ناجم عن نفوس ضعيفة خامرها تشيّعٌ وأخذ بها ولاء أعمى لرأي أو نحلة، فسرعان ما تقبل ما يوافقها من الأخبار في الوهلة الأولى. وعلى هذا الأساس فإن هذه الميول العصبية والتشيعات العصبية والولاءات المرضية تغشى البصيرة وتعمي الأبصار وتقصي العقل عن فعالية التمحيص والنقد والشك المنهجي والرفض.

ويرى ابن خلدون أن من “الأسباب التي تؤسس لنشر الأوهام والأغاليط في الأخبار الثقة بالرواة والناقلين وتوهم الصدق في كل الأحوال… ومنها الذهول عن المقاصد، فكثير من الناقلين لا يعرف القصد بما عاين أو سمع، وينقل الخبر على ما في ظنّه وتخمينه، فيقع في الكذب.. ومنها الجهل بتطبيق الأحوال على الواقع” … ومنها ” تقرّب الناس في الأكثر لأصحاب التجلّة والمراتب بالثناء والمديح وتحسين الأحوال وإشاعة الذكر” [16]. وفي مواجهة هذا الضلال الفكري وغيره من انتشار الذهنيات الخرافية أراد ابن خلدون لعلم العمران أن يشكل قوة منهجية توظف في “إنقاذ علم التاريخ من الثغرات المنهجية الناجمة عن الجهل، وعدم استيعاب المؤرخين طبيعة الخبر التاريخي في حقيقته وملابساته، إضافة إلى انتشار ممارسات أخرى مقصودة اتّخذها المؤرخون وسيلة لتحقيق أغراضهم الشخصية بنقل وتمرير أخبار معينة وتمريرها دون تمحيص ونقد”[17].

وتأسيسا على ما تقدم يمكن القول: “إن أبن خلدون استطاع أن يبدع الحبكة المنهجية بين الباحث والموضوع والمنهج العلمي النقدي الذي اعتمده في دراسة الظاهر ضمن سياقاتها الزمانية والمكانية من حيث تطورها “والنواميس التي تخضع لها في هذا التطور واستخدم في أبحاثه القواعد التالية: الملاحظة والتجربة، التفسير والتحليل، المقارنة والقياس ” [18].

قانونية الظواهر الاجتماعية عند ابن خلدون:

لا يكون العلم علماً ما لم يبرهن على استكشاف القوانين السائدة في مجاله وميدانيه، وفي ضوء هذا المطلب لا يكون علم العمران علماً ما لم يبرهن على قانونية الظاهرة الاجتماعية. وفي هذا المسار حاول ابن خلدون أن يستكشف قوانين الظواهر والأحداث الاجتماعية في زمنه وقد أبلى بلاءً حسناً في هذا الميدان، إذ استطاع أن يقدم لنا تصورات مهمة عن القوانين الأولى التي تحكم المجتمع في مختلف مظاهره وتجلياته الاقتصادية والسياسية.

ويمكننا القول: إن ابن خلدون لم يترك تقريباً ظاهرة من ظواهر المجتمع في عصره إلّا وقد تناولها بالبحث والتحليل وهي في سياق ذلك يستكشف الظاهرة الاجتماعية، ثم يخضعها للملاحظة وينتقل إلى شرحها ووصفها، وبعد ذلك ينتقل إلى تفسيرها بأصولها وخلفياتها الاجتماعية، ثم يعمل في النهاية على تشكيل القانونية التي تحكمها. وتلك هي الحالة العامة لمختلف القضايا التي أوردها في مقدمته العمرانية.

مفهوم العصبية ونشأة الدولة وزوالها:

ويمكن لنا في هذا السياق أن نستلهم القانونية التي وضعها ابن خلدون لعمر الدولة في نشأتها وزوالها. ومن ملامح الإبداع السوسيولوجي الذي تميزت به المقدمة أن ابن خلدون كان أول من أشار إلى العصبية بوصفها القوة التي تولد الدول وتؤصل لنشأتها. وقد بين بوضوح أن الدول تقوى بالعصبية وتضعف بضعفها وتموت بموتها، سواء أكانت هذه العصبية دينية أم سياسية أم قبلية.

يشكل مفهوم العصبية أحد أهم ركائز النظرية الخلدونية في فهم المجتمع والدولة والحضارة عند ابن خلدون، ويعادل مفهوم العصبية عند ابن خلدون مفهوم الأيديولوجية الطبقية عند ماركس، ومفهوم الوضعية عند أوغست كونت، ومفهوم البنيوية عند دوركهايم، ومفهوم النمط المثالي عند ماكس فيبر. فالمجتمع في مختلف تحولاته هو عملية انتقال من البداوة إلى الحضارة ومن العصبية إلى الترف والانغماس في تُرُف الحضارة المادية وبطر النعم.

يرى ابن خلدون أن نشأة الدولة وقوتها لا تكون إلا بالعصبية ومنعتها وفي هذا يقول: “ولمّا كانت الرّئاسة إنّما تكون بالغلب وجب أن تكون عصبيّة (…) ليقع الغلب بها وتتمّ الرّئاسة لأهلها فإذا وجب ذلك تعيّن أنّ الرّئاسة عليهم لا تزال في ذلك النّصاب المخصوص بأهل الغلب عليهم إذ لو خرجت عنهم وصارت في العصائب الأخرى النّازلة عن عصابتهم في الغلب لما تمّت لهم الرّئاسة، فلا تزال في ذلك النّصاب متناقلة من فرع منهم إلى فرع، ولا تنتقل إلّا إلى الأقوى من فروعه، لما قلناه من سرّ الغلب؛ لأنّ الاجتماع والعصبيّة بمثابة المزاج للمتكوّن، والمزاج في المتكوّن لا يصلح إذا تكافأت العناصر، فلا بدّ من غلبة أحدها وإلّا لم يتمّ التّكوين، فهذا هو سرّ اشتراط الغلب في العصبيّة، ومنه تعيّن استمرار الرّئاسة في النّصاب المخصوص بها كما قرّرناه” [19]. وفي سياق آخر يقول ابن خلدون مؤكدا دور العصبية في نشأة الملك والمجد والسيادة: “وذلك أنّ الرّئاسة لا تكون إلّا بالغلب والغلب إنّما يكون بالعصبيّة كما قدّمناه فلا بدّ في الرّئاسة على القوم أن تكون من عصبيّة غالبة لعصبياتهم واحدة؛ لأنّ كلّ عصبيّة منهم إذا أحسّت بغلب عصبيّة الرّئيس لهم أقرّوا بالإذعان والاتّباع [20] .

ويمكن القول في هذا السياق: إن مفهوم العصبية في نظرية ابن خلدون يعادل مفهوم الحزب السياسي أو النقابات السياسية التي تعتمد في الوصول إلى السلطة. وهذا الأمر يجعلنا نقول: بإن ابن خلدون كان سباقاً إلى تأكيد العصبية السياسية في شكل التعصب القبلي، أو الديني، أو الطائفي، أو العرقي في تأسيس المجد السياسي للأمم والشعوب.

قانونية الدولة:

يربط ابن خلدون عمر الدولة واستمرارها في الوجود بقوة العصبية القائمة عليها، وبعملية الانتقال من البداوة إلى الانغماس في الحضارة. ويحدد عمراً لا يزيد على120 عاماً تقع في ثلاثة أجيال:

 الجيل الأول: يكون فيه الناس من أهل الدولة على خلق البداوة من خشونة وتوحش وبسالة وافتراس.

الجيل الثاني: يتحول أهل الدولة من البداوة إلى الحضارة، ومن التقشف إلى الترف، ومن الاشتراك في المجد إلى الانفراد به، فتضعف بذلك العصبية وتفقد عنفوانها وتضعف معها الدولة ومؤسساتها.

الجيل الثالث: يمثل الإغراق في التبذير والترف، وضعف الدولة بضعف عصبيتها وانكسارها، وبالتالي زوالها وفناؤها. وفي هذا يقول ابن خلدون: “إنما قلنا أن عمر الدولة لا يعدو في الغالب ثلاثة أجيال؛ لأن الجيل الأول لم يزالوا على خلق البداوة وخشونتها وتوحشها من شظف العيش والبسالة والافتراس والاشتراك في المجد، فلا تزال بذلك سورة العصبية محفوظةً فيهم فحدهم مرهف وجانبهم مرهوب الناس لهم مغلوبون، والجيل الثاني تحول حالهم بالملك والترفه من البداوة إلى الحضارة ومن الشظف إلى الترف والخصب ومن الاشتراك في المجد إلى انفراد الواحد به و كسل الباقين عن السعي فيه ومن عز الاستطالة إلى ذل الاستكانة، فتنكسر سورة العصبية بعض الشيء وتؤنس منهم المهانة والخضوع. وأما الجيل الثالث فينسون عهد البداوة والخشونة كأن لم تكن ويفقدون حلاوة العز والعصبية بما هم فيه من ملكة القهر ويبلغ فيهم الترف غايته بما تبنقوه من النعيم وغضارة العيش، فيصيرون عيالاً على الدولة، ومن جملة النساء والولدان المحتاجين للمدافعة عنهم وتسقط العصبية (……) فتذهب الدّولة بما حملت فهذه كما تراه ثلاثة أجيال فيها يكون هرم الدّولة وتخلّفها، ولهذا كان انقراض الحسب في الجيل الرّابع” [21].

ومثل هذا التصور الذي يقدمه ابن خلدون حول عمر الدولة يشكل طفرة جديدة في علم الاجتماع السياسي وفي علم الاجتماع بصورة عامة، إذ يكتشف ابن خلدون قانونية تشكل المجتمعات السياسية والدورة الزمنية لنشأة الدول وسقوطها. ومن المؤكد أن ابن خلدون استطاع أن يصل إلى هذه النظرية بناءً على نسق عميق ومتنوع من الملاحظات والدراسات التي ركزت على قيام الدول وسقوطها، وقد ساعده في هذا الأمر ترحاله في مختلف الأمصار والبلدان في عصره من المغرب إلى المشرق.

 موضوعية ابن خلدون: إشكالية البدو والحضر.

اتسمت النظرية الخلدونية بالطابع الموضوعي، ونعتقد كما يرى معظم المفكرين أن ابن خلدون توخى الموضوعية في أغلب ما كتبه في المقدمة. وقد أظهرنا أن المنهج العلمي الذي اعتمده كان نقدياً موضوعياً يعتمد على الملاحظة. ولكن بعض الباحثين اتهموا ابن خلدون بالتحيز ضد العرب رغم عروبته (نسبه العربي اليماني). ويبدو أن ابن خلدون قد أشار إلى بعض الملامح السلبية عند العرب بما يعد بمثابة الهجوم عليهم. وقد جاءت بعض الفصول في مقدمته التي تغمز من شأن العرب، ومنها ما جاء في الفصل السادس والعشرون في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب وقد جاء فيه أن “السبب في ذلك أنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوحش وأسبابه فيهم فصار لهم خلقاً وجبلةً وكان عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم وعدم الانقياد للسياسة وهذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له” [22]. وزاد ابن خلدون على ذلك بقوله عن العرب: بأن “طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران هذا في حالهم على العموم وأيضاً فطبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس وأن رزقهم في ظلال رماحهم وليس عندهم في أخذ أموال الناس حد ينتهون إليه، بل كلما امتدت أعينهم إلى مال أو متاع أو ماعون “[23].

وقد تواترت مواقف ابن خلدون من العرب في الفصل الرابع والعشرون في أن الأمة إذا غلبت وصارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء، والفصل الخامس والعشرون في أن العرب لا يتغلبون إلا على البسائط، وفي الفصل السادس والعشرون في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب، وفي الفصل السابع والعشرون في أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة، وفي الفصل الثامن والعشرون في أن العرب أبعد الأمم عن سياسة الملك، وفي الفصل التاسع والعشرون في أن البوادي من القبائل والعصائب مغلوبون لأهل الأمصار [24].

هذا النقد الاجتماعي للعرب كان مسار جدل بين الباحثين والمفكرين، إذ أعلن كثير منهم أن ابن خلدون تحامل على العرب في موقفه منهم، وهذا التحيز والتحامل هذا ينزع عنه صفة الموضوعية في مقدمته على نحو شامل. ولا نستطيع أن ننكر أن في أقوال ابن خلدون عن العرب كثير من المبالغة وكثير مما يفارق عين الصواب، ولا نريد أن نبرر هذه المبالغة التي جعلته دريئة للهجوم والنقد.

ولا نريد أن نأخذ بالرأي الساذج لتخمين لساطع الحصري الذي خمن بأن ابن خلدون كان يقصد الأعراب، ومع احترامنا لساطع الحصري الأعراب عرب أقحاح، ولو أن ابن خلدون يقصد الأعراب لما اختلف في الأمر شي فالعرب قوم كالأعراب إذا جاز لنا التمييز والفصل بينهما. ولكن نقول مع تحفظنا على تصورات ابن خلدون بأن كثيراً من آرائه كانت أفكار مغلوطة وشائعة عن العرب. ولا يستطيع أحد أن ينكر بأن العرب شيدوا حضارة عظيمة لا تغيب عنها الشمس حتى اليوم.

ويقينا أن ابن خلدون نفسه كان قد أبان كثيرا من فضائل أهل البدو في مقدمته التي يذكر فيها مسالبهم، وقد تضمنت المقدمة فصولاً في تمجيد البداة وإظهار فضائل البدو على الحضر ومنها [25]:

– الفصل الثالث: في أن وجود البدو أقدم من الحضر وسابق عليه، وأن البادية أصل العمران والأمصار مدد لها.

-الفصل الرابع: في أن أهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر.

-الفصل الخامس: في أن أهل البدو أقرب إلى الشجاعة من أهل الحضر.

-الفصل السادس: في أن معاناة أهل الحضر للأحكام مفسدة للبأس فيهم ذاهبة بالمنعة منهم.

-الفصل السابع: في أن سكنى البدو لا تكون إلّا للقبائل أهل العصبية.

-الفصل الثامن في أن العصبية إنما تكون من الالتحام بالنسب أو ما في معناه.

ومثل هذه الفصول كما تدل عناوينها تؤكد أن ابن خلدون اعطى للبداوة العربية ما تستحقها من السمات الإيجابية. فابن خلدون في هذه الفصول يفضل أهل البدو على أهل الحضر، وكثيراً ما أشار بأن الحضارة بما فيها من دعة وترف وسرف ودعة وخمول وكسل وجبن وذهاب للحمية للمروءة والحصانة، تؤدي إلى سقوط الحضارة وهذه صفات سلبية في الحضر. وفي هذا السياق نقول: بإن استكشاف مثالب البدو والحضر ومآثرهم كان يتم في سياقات مختلفة تقتضي من ابن خلدون هذا التقلب بين الأمرين. وابن خلدون في كل الأحوال لا يمدح ولا يقدح وإنما يصف ما يلاحظه وما يراه ويجده في الظواهر، وقد يخطئ ويصيب في ملاحظاته وفي منهجيات تناوله لهذا الأمر أو ذاك. وهذا يعني أنه يجب علينا ألّا نحمل ابن خلدون ما لا يحتمل من مواقف وجدانية فالمقدمة بحث في المجتمع وفي العمران، وفي هذا البحث قد نجد مواطن قوة ومواطن ضعف كثيرة.

وهذه المواقف المتضاربة في السلب والإيجاب، وفي تعاقب الوصف في مسارات السياق تجعلنا نقر بأن ابن خلدون كان موضوعياً في تناوله لقضاياه، ومن الطبيعي أن الموضوعية هنا أو في غير هذا المكان لا تكون على وجه الإطلاق. وهذا ويمكننا القول قولاً، قد يكون خارج مدارات التبرير، بأن المواقف السلبية لابن خلدون من العرب قد يشكل صيغة أخرى من الموضوعية الانعكاسية لعروبة ابن خلدون نفسه، فابن خلدون عربي الهوى والهوية والانتماء، وهو فوق ذلك مسلم، عالم، فقيه من فقهاء المسلمين، وقد احتل أعلى درجة في مراتب القضاء في مصر وعرف عنه أن رجل حكيم عليم راجح العقل ثابت الجنان، ولا ينتظر من عالم مفكر عربي مسلم الهوى والدين على هذا القدر من الحكمة والتدين والاتزان أن يهاجم العرب من وجهة نظر عنصرية أو أن يتحيز ضدهم في عمل علمي، ولا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم شرف العرب بانتمائهم إليهم. وما حسبنا إلّا أن ابن خلدون أراد أن ينتزع نفسه من التحيز والتعصب للعرب، فتناولهم بصورة موضوعية وهذه يمكن أن تحسب له لا عليه.

وكان حرياً بابن خلدون لو كان متعصباً أن يمجد العرب ويحمد أفعالهم ويرفع من مقامهم، وهذا الأمر لا يليق بمفكر أراد أن يؤسس علماً قائماً على الموضوعية والنقد والمنهج العلمي. وحسب ابن خلدون أنه تكلم في مقاطع وفصول عديدة وبصورة موضوعية جداً عن حياة البدو وفضائلهم، وقد أشار إليهم أنهم الأصل في أي تطور حضاري ممكن. وإذا لم يكن هذا الرأي على صواب فإننا نقول: بإنه لكل حصان هفوة ولكل حكيم هفوة. وقد وقع في جناح التعصب معظم المفكرين الغربيين المؤسسين لعلوم شتى وعلى رأسهم كانط في تعصبه العرقي ضد الهنود والأعراق غير الأوروبية من البشر.

وفي هذا السياق يقول محمد أحمد الزعبي مكبراً أهمية الجهود العلمية لابن خلدون في نشوء علم الاجتماع: «إن السوسيولوجيا التي جاء بها ابن خلدون في مقدمته الشهيرة لم تكن سوسيولوجيا مضمرة لا من حيث الشكل أو المضمون وإنما كانت سوسيولوجيا صريحة شكلاً ومضموناً» ([26]).

خاتمة –  بين  “علم العمران”  و ” علم الاجتماع “:

يجري القول العربي تعسفاً: بإن المفكرين الغربيين قد تجاهلوا عبقرية ابن خلدون وأنكروا فضله، كما أنكروا تسميته الأولى لعلم الاجتماع بـ “علم العمران”، وفي هذا بعض التجني والمبالغة والصدأ في القول. وقد نجزم في القول: إن المفكرين الغربيين قد أنصفوا ابن خلدون وكرموه وبجلوه وقدروه بما يستحقه من تبجيل وتقدير علمي. ويمكننا القول وعلى وجه اليقين: بإن الفكر الغربي ومفكريه لم ينكروا فضل ابن خلدون في ميدان التأريخ وعلم الاجتماع، وقد صدحت حناجرهم بالعرفان والتقدير لإنجازات ابن خلدون في علم العمران، وقد ترجمت مقدمته الملهمة إلى مختلف اللغات الأوروبية ولاسيما في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيران وغيرها كثير من البلدان. وقد أثارت مقدمة ابن خلدون وأعماله دهشة الغربيين وفضولهم وتقديرهم لهذا العمل السوسيولوجي الرائع الخلاق فاستحييوه واستلهموه وبنوا عليه في كثير من أعمالهم ودراساتهم. ويمكننا القول جزماً: بإن المفكرين الغربيين والأجانب لم يغمطوا ابن خلدون حقه في التكريم والتعظيم، وقد أولوه جلّ اهتمامهم الفكري ورصدوا عطاءاته وإبداعه في ميدان علم الاجتماع.

وما على المرء إلّا أن ينظر في شهادات كبار المفكرين الغربيين والشرقيين حول ريادة ابن خلدون للفكر الإنساني الاجتماعي في القرن الرابع عشر، حتى يرى مقدار التعظيم والتكريم الذي حظي به في الفكر العالمي. وها هو عالم الاجتماع البولندي لودفيغ جومبلوفيتش (Ludwig Gumplowicz) [27] يؤكد بالقول: إن ابن خلدون سبق الكثيرين من الفلاسفة فدرس الظواهر الاجتماعية بعقلٍ متزنٍ، وخرج من دراساته بآراءٍ عميقةٍ، وكان ما كتبه هو ما نسميه اليوم، علم الاجتماع”.

ويجاريه في هذا القول المؤرخ الشهير أرنولد توينبي ((Arnold Joseph Toynbee)) [28] الذي استطاع أن يدرك بعضاً من حدود العطاء الفكري لابن خلدون فقال في تقريظ المقدمة قوله المشهور:” إن مؤلف ابن خلدون هو أحد أهم المؤلفات التي أنجزها الفكر الإنساني (…) وهو الكتاب الذي استطاع فيه ابن خلدون أن يصوغ فلسفة للتاريخ، هي دون شك أعظم ما توصل إليه الفكر البشري في مختلف العصور والأمم”. وفي سياق آخر ترجمت شهادته على هذه الصورة: “ابتكر ابن خلدون وصاغ فلسفة للتاريخ، هي دون شك أعظم ما توصل إليه الفكر البشري في مختلف العصور والأمم.

ويجاريه في هذا القول المستشرق الفرنسي المعروف جورج مارسيه (Georges Marçais) [29] معلنا بالقول الصريح: “إن كتاب ابن خلدون يعد واحداً من أهم وأعمق المؤلفات التي أنتجتها العبقرية الإنسانية”

ولا يتردد المفكر الفرنسي إيف لاكوست (Yves Lacoste)[30] – الذي ألف كتابا حول ابن خلدون – في تقديم شهادته واصفاً كتاب ابن خلدون بالمعجزة العربية إذ يقول: “إنّ مؤلّف ابن خلدون الخارج عن المألوف، يعلن ولادة التاريخ بوصفه علماً، ويشكل هذا العمل العظيم ما يمكن أن يسمى بالمعجزة العربية “

ويتألق ابن خلدون في منظور المفكر الفرنسي روجيه غاوردي (Roger Garaudy) [31] الذي بظر إلى ابن خلدون على أنه منارة في تاريخ الفكر الاجتماعي وقد كتب يقول: “فيما يتعلّق بدراسة هيكل المجتمعات وتطوّرها، فإنّ أكثر الوجوه تقدّماً يتمثل في شخص ابن خلدون الفقيه والفيلسوف، الذي يضارع عمالقة النهضة عندنا بعبقريته العالمية منذ القرن الرابع عشر.

وفي رسالةٍ بعث بها مكسيم غوركي إلى المفكّر الروسي ديمتري نيكولايفيتش أنوشين عام 1912 قال فيها:” إنك تنبئنا بأنّ ابن خلدون في القرن الرابع عشر كان أول من اكتشف دور العوامل الاقتصاديّة وعلاقات الإنتاج. إنّ هذا النبأ قد أحدث وقعاً مثيراً وقد اهتمّ به صديق الطرفين (المقصود به لينين) اهتماماً خاصّاً”. وهو الأمر الذي أوحى إلى ليبنين بالقول تبجيلا في ابن خلدون “ترى أليس في الشرق آخرون من أمثال هذا الفيلسوف؟”.

وهذه الشهادات غيضُ فيضٍ من المقولات التي بجلت عطاء ابن خلدون وكرمت إنجازاته الفكرية التاريخية.

وبقي أن نقول: إن المفكرين العرب أقلّ اهتماماً بابن خلدون من غيرهم وأكثرهم ضجيجاً بالهجوم على المفكرين الغربيين واتهامهم بالعنصرية الفكرية ضد العرب وإهمال ابن خلدون. وعلينا أن نقول في هذا السياق: بإن اهتمام المفكرين الغربيين بابن خلدون يفوق اهتمام المفكرين العرب ولاسيما علماء الاجتماع منهم – إذا صحت التسمية- بأضعاف مضاعفة. فنحن العرب نجيد فن المناكفة العنصرية ضد المفكرين الغربيين فيما يتعلق بابن خلدون، والفرق بين اهتمامنا نحن المفكرين العرب بابن خلدون واهتمامهم به، أن اهتمامنا يأخذ طابعاً عنصرياً عروبياً مأزقياً، أما اهتمامهم بابن خلدون فيأخذ طابعاً علمياً معرفياً موضوعياً وأخلاقياً.

وتتمثل العقدة العربية في استنكار بعض المفكرين العرب تسمية الغربيين علم الاجتماع بعلم العمران وهو العلم الذي أصله ابن خلدون، إذ يقول القائلون من المفكرين العرب: لماذا لم يطلق الغربيون على علم الاجتماع تسمية ابن خلدون “علم العمران “إذ لطالما عين ابن خلدون هذا العلم باسمه الصريح “علم العمران”؟

والإجابة العلمية بسيطة جداً ولا تستحق هذه المناكفة وهذا الغضب الصريح، إذ لكل مفكر الحق في أن يسمي علمه بما يشاء من تسمية، وقد تردد أوغست كونت في تسمية هذا العلم بين الفيزياء تارةً وعلم الاجتماع تارةً أخرى. ولم يلق ماركس اهتماماً بالتسمية ولم يستخدم كلمة “علم الاجتماع” أبداً في كتاباته. ولم يكن اسم العلم هاجساً للمفكرين أمثال دوركهايم، أو هربرت سبنسر، ولم يتطرق أحدهم إلى التسمية، وهذا يعني أن هذا الضجيج والعجيج حول تسمية العلم لا معنى له، فابن خلدون أطلق عليه “علم العمران” وأوغست كونت أطلق عليه “علم الاجتماع ” وماركس وأنجلز أطلقا عليه “المادية التاريخية” وآخرون أطلقوا عليه تسمية “علم المجتمع” (ٍsocial science) وهذه التسميات تقودنا إلى العلم الذي يبحث في قوانين المجتمع، مهما تنوعت وتغيرت هذه التسميات ومن هذا المنطلق يجب على هذا الضجيج الإعلامي أن يتوقف، ويمكن للباحثين العرب إذا شاؤوا أن يطلقوا عليه علم العمران، وكان هذا الأمر ممكناً، ولكن المفكرين العرب جميعهم يستخدم علم الاجتماع، وهذا يعني أن علة التسمية في الأدب السوسيولوجي العربي قبل أن يكون في سوسيولوجيا الغرب. والسؤال لماذا لم يقم المفكرون العرب الأجلاء بتقدير ابن خلدون وتسميته العلمية قبل ألأجانب؟ ولماذا نستخدم نحن تسمية علم الاجتماع وليس علم العمران؟ وهو سؤال وجيه! فلما نلوم الغرب على فعل نمارسه وتسمية اخترناها بأنفسنا لعلم الاجتماع؟

والأمر المهم الذي يبرر ربما استخدام مفهوم “علم الاجتماع” هو أن عمل ابن خلدون قد ظهر مبكراً جداً في القرن الرابع عشر، وأن التسمية جاءت بلغة عربية، وهذه التسمية جاءت قبل ستة قرون ونيف من ولادة علم الاجتماع الحديث الذي انطلق من قضايا الغرب ومشكلاته. والسؤال هو لو أراد أوغست كونت أن يستخدم مفهوم ابن خلدون أو تسميته لعلم العمران فكيف يستطيع أن يترجم هذه التسمية إلى الفرنسية؟ كيف يمكن له أن يترجم تسمية “علم العمران “باللغة الفرنسية أو اللاتينية؟ أليس ممكناً أن تكون كلمة “السوسيولوجيا” (Sociology) أكثر الكلمات قرباً من تسمية ابن خلدون “علم العمران” فكلاهما يشيران إلى قضية واحدة وعلم واحد هو قوانين المجتمع. وهناك أيضاً أمر في منتهى الأهمية يدل على أن التسمية لا تأخذ بعداً قومياً أو عرقياً وذلك لأن تسمية “علم الاجتماع” سوسيولوجيا اعتمدت علمياً في كل البلدان شرقاً وغرباً دون تعصب للتسمية بوصفها فرنسية أم لاتينية.

ومن المهم جداً في تغييب تسمية “علم العمران” لعلم الاجتماع هي القطيعة التاريخية التي دامت ستة قرون ونيف، ومثل هذه القطيعة تقلل من مشروعية التسمية. ولو كان العرب استمروا في تطوير فكر ابن خلدون خلال هذه الفترة لكانت هذه التسمية هي الأصل في تسمية علم الاجتماع.

ويضاف إلى ذلك كله أن علم الاجتماع الخلدوني واكب القضايا الاجتماعية في القرن الرابع عشر، وهو بعيد المنال عن القضايا التي تناولها علم اجتماع القرن العشرين الذي واكب الثورة الصناعية، وعبر عن متطلباتها الحضارية، وعالج مشكلاتها وتحدياتها، والبون شاسع بين سوسيولوجيا القرن الرابع عشر والقرن العشرين الذي يمثل الثورات العلمية والصناعية في أوروبا والعالم. ومن أجل أن يكون العلم علماً يأخذ مداه ومساره وحضوره الكوني، يجب أن تتكاثف الدراسات والبحوث، وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور مئات بل آلاف من علماء الاجتماع في الغرب، وظهور نظريات كثيرة، وما زال الشرق العرب متكاسلاً في هذا المجال، إذ لا يوجد في أمة منظر سوسيولوجي ذو صبغة عالمية حتى اليوم، ولم تظهر أي بوادر إبداعية في هذا العلم حتى يومنا هذا.

وفي النهاية فإن للمفكرين العرب خيار التسمية، ولا يوجد ما يمنعهم من استخدام تسمية “علم العمران” لعلم الاجتماع، وإذا أرادوا ذلك عليهم الاستمرار في التسمية العربية والإبداع في المجال، ولكن عليهم قبل لوم الغربيين أن يلوموا أنفسهم، وأن يحققوا في ذواتهم العلمية وأن يدركوا تقصيرهم الإبداعي في هذا المجال.

مراجع البحث وهوامشه :


[1] – عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون ، (وهي الجزء الأول من تاريخ ابن خلدون المسمى ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) ، ضبط المتن ووضع الحواشي والفهارس الأستاذ خليل شحادة، مراجعة الدكتور سهیل زکار، طبعَة مُسْتَكمَلَة وَمُقارَنَة مَعَ عِدّة نسخ ومخطوطات ومذيلة بحَواشِي وَشَرُوح وَتمتاز بفهَارِسُ الموضوعات وَالأعلام والأماكن الجغرافية، بيروت :دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 2001. ص 54.

[2] – هو وليُّ الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خلدون الخضرميّ، وهو المكنّى بأبي زيد(1332 – 1406م عالم اجتماع ومؤرخ عربي تونسي المولد أندلسي الأصل، كما عاش بعد تخرجه من جامعة الزيتونة في مختلف مدن شمال أفريقيا، حيث رحل إلى بسكرة و غرناطة وبجاية وتلمسان، كما تَوَجَّهَ إلى مصر، حيث أكرمه سلطانها الظاهر برقوق، ووَلِيَ فيها قضاء المالكية، وظلَّ بها ما يناهز ربع قرن (784-808هـ)، حيث تُوُفِّيَ عام 1406 عن عمر بلغ ستة وسبعين عامًا و دُفِنَ قرب باب النصر بشمال القاهرة تاركا تراثا ما زال تأثيره ممتدا حتى اليوم ويعتبر ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع الحديث وأب للتاريخ والاقتصاد.

[3] – يتكون كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر م سبعة أجزاء وفهرس ويقع في 2208 صفحة من القطع الكبير. وتشكل المقدمة الجزء الأول أو الكتاب الأول من الموسوعة.

[4] – انظر: عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون – تحقيق سهيل عثمان ومحمد درويش – وزارة الثقافة، دمشق 1978.

[5] – عبد الرحمن بن خلدون، تاريخ ابن خلدون،” ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، مراجعة الدكتور سهیل زکار، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 2001.

[6] – أنظر: عبد الرحمن بن محمد ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، الجزء الأول، تحقيق عبد الله محمد الدرويش دمشق: دار يعرب، 2004.

[7] عبد الرحمن ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1993، ص، 29.

[8] عبد الرحمن ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، المرجع نفسه، ص، 29.

[9] – عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون مراجعة سهیل زکار، مرجع سابق، 2001. ص 54.

[10] – عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، مراجعة سهیل زکار، مرجع سابق، 2001.  ص 53.

[11] – عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون مراجعة سهیل زکار، مرجع سابق، 2001.. ص 54.

[12] – عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون مراجعة سهیل زکار، مرجع سابق، 2001.. ص 594.

[13] عبد الرحمن ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، ط1، بيروت، دار الكتب العلمية، 1993، ص، 31، 32.

[14] – صالح بن طاهر مشُوش (2012). علم العمران الخلدوني وأثر الرؤية الكونية التوحيدية في صياغته: دراسة تحليلية للإنسان والمعرفة عند ابن خلدون. ط. 1. فيرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2012. من موقع خطوة للتوثيقي والدراسات، 11 إبريل، 2019. http://bitly.ws/yVB2

[15] – میمونة مناصریة وأم الخیر بدوي، ابن خلدون والتأصيل النظري لعلم العمران البشري، مجلة آفاق علمیة السنة 1: عدد 12، 2020، صص 129-147. ص 138.

[16] – مقدمة ابن خلدون – اختيار وتحقيق سهيل عثمان ومحمد درويش – وزارة الثقافة، دمشق 1978 ج1: ص56-57.

[17] – صالح بن طاهر مشُوش (2012). علم العمران الخلدوني وأثر الرؤية الكونية التوحيدية في صياغته: دراسة تحليلية للإنسان والمعرفة عند ابن خلدون. ط. 1. فيرجينيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 2012. من موقع خطوة للتوثيقي والدراسات، 11 إبريل، 2019. http://bitly.ws/yVB2

[18] – دكتور محمد أحمد الزعبي – مجلة دراسات عربية عدد (9) تموز 1983ص77

[19] – عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، مراجعة سهیل زکار، مرجع سابق، 2001.  ص 164.

[20] – عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، مراجعة سهیل زکار، مرجع سابق، 2001. ص 165.

[21] – عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون مراجعة سهیل زکار، مرجع سابق، 2001. ص 213،214.

[22] – عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، مرجع سابق، ص 187.

[23] – عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، مرجع سابق، ص 187.

[24] – عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، مرجع سابق، صص -191187.

[25] – عبد الرحمن بن خلدون، مقدمة ابن خلدون، مرجع سابق، ص 152-159.

[26] – محمد أحمد الزعبي: علم الاجتماع العام والبلدان النامية، مطبعة دار الكتب، دمشق، 1989، ص 26.

[27]  – لودفيغ جومبلوفيتش (9 مارس 1838، كراكوف-20 أغسطس 1909، غراتس، النمسا والمجر ، هو عالم اجتماع بولندي. كان أيضًا قانونياً وعالمًا سياسيًا درس القانون الدستوري والإداري في جامعة غراتس.

[28]  – رنولد جوسف توينبي (Arnold Joseph Toynbee) ولد في 14 أبريل 1889 في لندن وتوفي في 22 أكتوبر 1975  وهو من أشهر المؤرخين في القرن العشرين .

[29]  – جورج الفريد مارسي (Georges Marçais)  مستشرق فرنسي معروف ، ولد في  مدينة رين الفرنسية في 11  مارس 1876 وتوفي في باريس 20 مايو 1962 .  

[30]  – جغرافي ومؤرخ، وهو مؤسس ومدير مجلة «هيرودوت» الشهيرة وأستاذ في الجامعات الفرنسية، وأحد أهم الاختصاصيين الفرنسيين في ميدان الجيوسياسة -الجيوبوليتيكا-. وإيف لاكوست هو أيضا مؤلف العديد من الكتب التي أصبح بعضها مرجعا في ميدانه مثل «قاموس الجيوسياسة» و«قصة أسطورة الأرض» وله كتاب شهير يحمل عنوان: «الجغرافية تخدم أولا في صنع الحرب». وتجدر الإشارة أيضا إلى أن «لاكوست» قد قدّم العديد من الدراسات حول منطقة المغرب العربي من بينها كتاب تحت عنوان: (المغرب، شعوب وحضارات)، وكتاب أيضا عنوانه: ” ابن خلدون” .

[31] – روجيه غارودي (Roger Garaudy) مفكر وفيلسوف فرنسي معروف وُلِدَ 17 في مرسيليا يوليو عام 1913 وتوفي 13 يونيو 2012.

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات