خصخصة الدين وعولمة العداء
يرى هيجل “أن نظرتنا للدين تعكس ذواتنا أكثر مما تعكس حقيقة الدين نفسه”. وتعني مقولة هيجل, فيما تعني, أن قراءتنا للدين هي, في المحل الأول, قراءة إسقاطيّة وأننا “ذواتنا الجمعية أو الفرديّة”, تقرأ الكتب السماويّة, مثلا, بقدر ما تقرأنا. وهي فكرة تنطوي على مبالغة ظاهرة, وذلك حين نعلم أن التاريخ, قديما وحديثا, مافتئ يحدّث عن بناءات وضعيّة استثمرت ذاتيّا وأفرغت من مضمونها العقلاني.
ويشخص في هذا السياق النازيّة الألمانيّة التي يرى ميشيل فوكو أنها صدرت في ما أعلنته من مبادئ عن العقلانية الغربية. وهو لا يرى, كما سبق القول, أن النازية أفرغت المبادئ الغربيّة من مضمونها العقلاني أو الإنساني بل يذهب إلى أن العقلانية الغربيّة هي عقلانيّة إقصائيّة أساسا وأن الألمان امتازوا عن غيرهم من الأوروبيين بالصدق حين تمثّلوا مبادئ هذه العقلانيّة دون مواربة. وربما انطوى ذلك على بعض المبالغة أيضا.
لكنّه من الممكن القول أن ما دفع بالألمان إلى استثمار ما تنطوي عليه العقلانيّة الغربيّة من إقصائية واستخلاص أسوأ ما فيها من صور مرضيّة راجع إلى ما نزل في الأمة الألمانية من مظلوميّة تمظهرت في بنود اتفاقيّة فرساي. ويصحّ الأمر ذاته على ما نعيشه اليوم في عالمنا العربي. فنحن لا ننكر أن ثمّة فئة “داعش وأخواتها” خصخصت الدين وعولمت العداء لأهله ,لكن ذلك لا يتأصّل بالدين وإنما بالمظلوميّة التي أنزلها الغرب بهذا الصقع من العالم.