تحمّل المسؤولية

المسؤولية الصحفية: التزام لا خيار
تحمل الصحفيين للمسؤولية ليس أمرًا اختياريًا، بل ضرورة تفرضها طبيعة العمل الصحفي ذاته. فالعمل ضمن مؤسسة إخبارية يستدعي تحمّل مسؤولية مهنية وأخلاقية تجاه جمهور المؤسسة على وجه الخصوص، والمجتمع على وجه العموم. ويمكن القول إن أي ممارسة صحفية تفتقر إلى الشعور بالمسؤولية المجتمعية، لا تتجاوز كونها مجرد وسيلة ترفيهية تفتقد عمق الرسالة الإعلامية.
بي بي سي: نموذج للمساءلة والمسؤولية
تُعد هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) مثالاً حيًّا لمؤسسة إعلامية تتحمل مسؤولية مضاعفة تجاه جمهورها، لا سيما وأن تمويلها يأتي من المال العام، عبر ضريبة التلفزيون المفروضة في المملكة المتحدة. من هذا المنطلق، فإن على كل صحفي في بي بي سي أن يكون مستعدًا دومًا لتحمل تبعات قراراته أمام الجمهور.
وعلاوة على ذلك، تقع على عاتق صحفيي بي بي سي مهمة تلبية احتياجات جمهور متنوع من حيث الاهتمامات والثقافات والخلفيات المعرفية، فضلًا عن تفاوت درجات التفاعل مع الأخبار اليومية.
كيف تطبق بي بي سي مفهوم المسؤولية؟
تعمل المؤسسة على تحقيق هذا الالتزام من خلال:
- تقديم الأخبار والمعلومات بأسلوب واضح ومناسب لطبيعة المنصة.
- احترام وعي الجمهور وعدم التقليل من شأنه.
- تفسير الأحداث وشرح سياقاتها وأهميتها بطريقة تساعد المتلقي على فهمها والتفاعل معها.
- تحمل المسؤولية أمام الجمهور عن القرارات التحريرية والاختيارات الصحفية.
- تصحيح الأخطاء فور اكتشافها، والاعتذار عنها عند اللزوم.
المسؤولية ليست خضوعًا
تحمل المسؤولية لا يعني إرضاء الجمهور أو تقديم محتوى يتوافق دائمًا مع توقعاتهم، كما لا يعني تجنّب اتخاذ قرارات صعبة. بل يتمثل في القدرة على اتخاذ قرارات تحريرية وشرح مبرراتها بشفافية، حتى لأولئك الذين يختلفون معها، بشرط أن تكون هذه المبررات متوافقة مع القيم الأساسية لبي بي سي.
الخطأ… والاعتذار
لا توجد مؤسسة إخبارية معصومة عن الخطأ. فطبيعة العمل الصحفي، خاصة في ظل ضغوط السبق الإخباري وسرعة النشر، قد تقود أحيانًا إلى تقديرات خاطئة أو استنتاجات متسرعة. إلا أن الاستعداد للاعتراف بالخطأ وتقديم اعتذار واضح وسريع يمثل حجر الأساس في بناء الثقة مع الجمهور والحفاظ عليها.
التعلم من الخطأ… شرط للتطور
الصحفي، شأنه شأن أي مهني آخر، يتعلم من أخطائه. لكن هذا لا يتحقق دون الاعتراف بها وتحمل تبعاتها. وحين يرتكب صحفي من بي بي سي خطأً، فإن المتلقي – كممول للمؤسسة – يتوقع تفسيرًا صادقًا، وإن استدعى الأمر، اعتذارًا رسميًا.
في السياقات الإخبارية الحية أو عبر الإنترنت، يجب تصحيح المعلومات الخاطئة فور التحقق من الخطأ. فالجمهور يدرك أن المعلومات تتبلور تدريجيًا، ويقدّر الحرص على المصداقية. ومع بقاء المحتوى الإخباري متاحًا على الإنترنت لفترات طويلة، فإن الأخطاء التي لا تُصحح قد تتحول إلى إرث دائم.
التعامل مع الشكاوى: منهج مؤسسي
عند تلقي شكوى، من الضروري اتباع الإجراءات المؤسسية المعتمدة للتعامل معها، وذلك لحماية الصحفي والمؤسسة من تكرار الإشكاليات نفسها.
ويجب على الصحفي أن:
- يتعامل مع الشكوى بهدوء واحترام، بغض النظر عن أسلوب المشتكي.
- يتجنب الرد المتسرع، خصوصًا عبر البريد الإلكتروني أو المكالمات الهاتفية.
- يُبقي المشتكي على اطلاع بالمستجدات ويحدد إطارًا زمنيًا للرد.
- يعترف بوضوح وصراحة إذا ثبتت صحة الشكوى، ويوضح الإجراءات التصحيحية التي ستُتخذ.
- يدافع عن موقفه بثقة إذا كانت الشكوى قائمة على اختلاف مشروع في الرأي أو مغلوطة.
- يحتفظ بتوثيق دقيق لكل ما يرد في الشكوى، تحسبًا لإمكانية التصعيد.