العرب والمسلمون في المخيال الإسرائيلي
إسرائيل وما تملكه من إمكانيَّات وثقافة معلوماتيَّة، وتحكُّمها في التكنولوجيا والرقمنة، استطاعت أن تتحكَّم في مصائر العرب والمسلمين ليس بأسلحتها وصواريخها فحسب، بل بالتكنولوجيا الحديثة، وبهذا التطوُّر الرقمي استطاعت إسرائيل أن تؤثِّر في الشباب وتستهويهم بل تغريهم عن طريق الفضاء الأزرق ( الفيسبوك)، هي معركة امتزجت فيها الثقافة والسياسة والحرب وحتى الحب، الذي يعتبر الوسيلة الأكثر استعمالًا في عمليَّات غسل المخ، وإلهاء الشباب العربي، هي معركة قادها شاب اسمه مارك، بعبقريته أنشا فضاء أزرق، استقطب من خلاله الملايين من الشباب والكهول وحتى الشيوخ، بالإضافة إلى النساء والشابات، يتحكَّم في علاقاتهم وتواصلهم، يعاقبهم إن أساؤوا التصرُّف مع إسرائيل بتقييد حسابهم، ثمَّ يصفح عنهم ويغفر خطيئتهم.
في المخيال الإسرائيلي، الفضل يعود إلى العقل الإسرائيلي في تقريب العالم العربي من العالم الغربي والتطلُّع على حضارات وثقافات الآخر، في ظلِّ العولمة التي حوّلت العالم إلى قرية صغيرة، ممَّا مكَّنها من أن تحتلَّ المرتبة الثانية بعد الصين في الصناعة التكنولوجيَّة، استطاعت إسرائيل- وفي منظورها هي- أن تحقِّق التواصل الاجتماعي وتربط بين الشعوب في العالمين الغربي والعربي وخلق بينهم علاقة وروابط عربيَّة/ عربيَّة وعربيَّة/غربيَّة، ومكَّنت العرب من رسم وجودهم في الخريطة، لكن ما هو المقابل؟ المقابل طبعا هو عدم “معاداة الساميَّة”، وعدم المساس بإسرائيل، كما ترى إسرائيل نفسها مطوّرة العرب والفضل يعود إليها في رقيّهم، بيدها إحياؤهم وبيدها إبادتهم ومحوهم من الوجود، وهو ما تفعله مع سكَّان غزة وفلسطين، وبذلك تجبرهم على أن يُطَبِّعُوا ويكونوا تُبَّعًا لها، فتعاملهم بلغة الغالب والمغلوب، “و لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتهم”.
إنَّ إنشاء هذه الفضاءات الرقميَّة للتواصل الاجتماعي الغاية منه فرض عمليَّة التجسُّس على العرب والمسلمين وتتبُّع عوراتهم ومواقعهم وما هي مخطّطاتهم، وقد عملت إسرائيل كل ما وسعها لتحقيق أهدافها، ولم تتوقَّف عند هذا الحدّ فقط، بل اندسَّت في صفوفهم باسم البعثات العلميَّة، قام بها مستشرقون، تعايشت معهم لغاية في نفسها واكتشفت عاداتهم وتقاليدهم، كما تعلَّمت لغتهم نطقا وكتابة، وقد كان للمستشرقين دور في هذا، والمسلمون غافلون، هي عبارة عن “بروبغندا صهيونيَّة”، لطمس الهويَّة الإسلاميَّة بل القضاء على الإسلام ومحوه من الوجود، فالفكر الإسرائيلي يحاول وبشتَّى الطرق أن ينشر أفكاره منذ تواجده للقضاء على الأديان، حيث أطلقوا على أنفسهم اسم ” البناؤون الأحرار”، وهذان اللفظان لهما دلالة قويَّة في التأثير في الشباب (البناء والحريَّة) “ابنِ نفسك وعش حريتك”، أرادت الماسونيَّة أن تروِّج لفكرة أن البشريَّة مقيَّدة بشيء اسمه “الدين” ولابد من تحريرها من هذه القيود، والدفاع عن القيم الإنسانيَّة، وقد وضعت في بروتوكولاتها ( بروتوكولات حكماء صهيون) قواعد وبنود واستراتيجيات في استغلال الكراهية، وأصدرت القوانين لتحريم معاداة الساميَّة anti sémitism، هذا القانون الذي أضفى القداسة على إسرائيل والصهيونيَّة.
ما زاد في ضعف العرب والمسلمين وتشتّتهم في المخيال الإسرائيلي هو الصراعات الطائفيَّة والحروب الأهليَّة التي تقع بين الشعوب وأنظمتها المستبدَّة وتقاتلهم فيما بينهم ( أي عربي يقتل عربيًّا ومسلم يقتل مسلمَا)، وأرجعوا هذه الفتن إلى بداية ظهور البشريَّة والصراع بين قابيل وأخيه هابيل والذي انتهى بموت أحدهم، وكما يقال ” كفر المنجمون ولو صدقوا”، فإسرائيل عزفت على هذا الوتر لتشويه صورة الإسلام أمام الرأي العام الدولي، لا ضير إذن أن يقتل يهوديٌّ مسلمًا، طالما المسلم يقتل أخاه المسلم باسم الدين وبأبشع الطرق، فالحديث عن الفكر الإسرائيلي يعني الحديث عن الفكر الماسوني الذي تحركه الصهيونيَّة التي ازدادت شوكتها بفعل “التطبيع”، يقول داوود بن غريون: “نحن لا نخشى غير الإسلام”، ويقول شمعون بيريز : “لن نطمئن حتى يُغْمَدَ الإسلام سيفه”، ويقول إسحاق رابين: “الدين الإسلامي عدونا الوحيد”، هكذا ينظر خصوم الإسلام للإسلام، والمسؤوليَّة لا تتحمَّلها إسرائيل، طالما الأنظمة العربيَّة (وبدون تعميم) باعت دينها وارتمت في أحضان إسرائيل، من أجل المصلحة الذاتيَّة الضيِّقة، فكل شيء عندها للبيع، الأرض والعرض ومن عليها، المهم ان تنتفخ الجيوب والبطون، رضيت بالذلّ والهوان والعبوديَّة وسلَّمت رأسها للكيان الصهيوني، فكانت لها القابليَّة للاستعمار والاستعباد.
_________
علجيَّة عيش الجزائر
*المصدر: التنويري.