الدور التنموي للثقافة في العالم العربي
“الثقافة مجموعة من الغايات الكبرى التي يمكن للإنسان تحقيقها بصورة حرة وتلقائية، انطلاقا من طبيعته العقلانية وهي أعلى ما يمكن للطبيعة أن ترقى إليه”/ الفيلسوف الألماني عمانويل كانط
1- مقدمة:
تشكل الثقافة العمق الوجداني في حياة الشعوب والأمم، وإذا كانت التنمية في جوهرها تعمل على تعزيز مستويات العيش المشترك بين الناس، والنهوض بحياة الأفراد في المجتمع، فإن الجهود التنموية لا يمكنها أبدا أن تنفصل عن التكوينات الثقافية للمجمتع. فالثقافة تؤدي دورا محوريا في العملية التنموية، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان من المفكرين أو الباحثين في الميدان التنموي المعاصر.
ومن البداهة بمكان أن الباحثين يدركون اليوم – أكثر من أي وقت مضى – القوة الهائلة للثقافة بوصفها حاضنا طبيعيا للرموز والقيم والشعور بالانتماء والهوية، وقد برهنوا في كثير من الدراسات والأبحاث على قدرة الثقافة على إضافة أبعاد جديدة مميزة وفعالة في مجال الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المجتمعات المعاصرة. وهذا ما أكدته المؤتمرات العالمية في العقود الأخيرة ولا سيما مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة الذي عقد في جوهانسبرغ في عام 2002، وكذلك ما أسفرت عنه فعاليات مؤتمر ريو +20من تأكيد كبير على أهمية الثقافة التنموية في عملية النهوض الحضاري بالمجتمعات الإنسانية.
وإذا كان تحقيق الاستدامة يتمثل جوهريا في عملية الاستخدام الملائم لموارد الكوكب، فإن الثقافة يجب أن تكون فاعلة في صلب الاستراتيجيات الإنمائية، لأن الثقافة تشكل الحاضن الأساسي للعلاقات الاجتماعية بين الأفراد، كما تشكل الناظم الحيوي السلوكي لعلاقاتهم بالبيئة والموارد الطبيعية التي تحيط بهم. ومن المؤكد اليوم عبر التجارب العالمية أن المبادرات والنهج الإنمائية التي تأخذ الثقافات المحلية في الحسبان تحقق مزيدا من النجاح والتفوق في تحقيق الأهداف التنموية المرجوة. وهذا يعني في النهاية ضرورة إدماج الثقافة في السياسات والبرامج التنموية من أجل تحقيق الاستدامة التنموية والنهوض الحضاري بالمجتمع.
فالإنسان يشكل غاية التنمية ومنطلقها في جميع الشرائع التنموية المعاصرة، وهذا يعني أنه يجب على العملية التنموية أن تخاطب البعد العقلاني والأخلاقي في الإنسان. وهذا يُلزم التنمية، في أية صيغة أو تعريف تأخذه، أن تتخذ الإنسان غايتها بوصفه الكائن الأسمى في الوجود. فغاية التنمية تكمن في تفجير الطاقات الإنسانية الكامنة في الإنسان وتحقيق مطلق الازدهار والتكامل في شخصه الإنساني. ومن هذا المنطلق فإن تنمية الجوانب المادية والاقتصادية والأمنية تشكل الإطار الموضوعي لهذه الأنسنة الثقافية التي لا تكون، ولا يمكن أن تكون، إلا فعلا ثقافيا يتجلى في منظومة من القيم الأخلاقية والإنسانية التي تحقق التوازن بين الإنسان والوجود.
تشكل الثقافة الجدار الّذي تستند إليه أيّ عملية تنموية، ولا يمكن لأي محاولة تنموية أن تحقق أهدافها ما لم تنطلق من الثقافة وترتد إليها في صيغة تفاعل بين الغايات والوسائل، بين الإنسان كغاية ثقافية عليا، وبين متطلبات وجوده المادي والمعيشي، حيث تكون الثقافة منطلقا للعملية التنموية ترسم لها غاياتها وأهدافها من أجل التحضير لعملية بناء الإنسان في أكمل وجه وأبهى صورة. وقد أصبح اليوم من الصعوبة بمكان تحقيق نجاحات فعلية في مجال التنمية دون التركيز على البعد الثقافي للعملية التنموية، فثقافة التنمية تشكل مهمازا دافعا لانطلاق الحداثة والتقدم والحضارة، وهذا يعني أن الثقافة الحقيقية -أي ثقافة الانطلاق- تشكل الضمان الحيوي للعملية التنموية والحضارية برمتها.
2- في مفهوم الثقافة
لنأخذ الثقافة بأبسط تعريفاتها وأكثرها دلالة، أي الثقافة بوصفها طريقة في الحياة والوجود، أو بوصفها منهجا للعيش والنظر والتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه الإنسان جماعة كان أم مجتمعا ([1]). ومن ثمّ فإنّ الثقافة تعني ما أبدعه الإنسان عقلياً وفكريا وذهنيا في مجال تفاعله مع الكون. ولو تأملنا في الدلالة الحقيقية الجوهرية لمفهوم الثقافة لوجدناها كامنة في عملية الارتقاء الإنساني نحو أساليب عقلانية في التكيف والسيطرة على المجال الحيوي لوجوده. لقد انفرد الإنسان بالثقافة واتخذ من ملكة التفكير والتأمل والنظر منهجا في تكيفه مع الكون، وذلك على خلاف الكائنات جميعها ([2]). فالثقافة كما يعرفها كانط “مجموعة من الغايات الكبرى التي يمكن للإنسان تحقيقها بصورة حرة وتلقائية، انطلاقاً من طبيعته العقلانية، وبهذا تكون الثقافة في نظر كانط أعلى ما يمكن للطبيعة أن ترقى إليه”([3]). ويتضح أن هذا التصور الكانطي للثقافة يبرز الثقافة بوصفها حرية إنسانية وعقلنة وسموّا أخلاقيّا.
وتأسيساً على هذا التصور الكانطي للثقافة يمكننا القول إنّ تطور ثقافة الإنسان يرتبط جوهرياً بتقدم الجانب العقلي والوجداني في مجال تكيف الإنسان مع الكون عليه. وبعبارة أخرى الثقافة هي عقلنة الكون وأنسنته، وهذا يعني أن فعل الثقافة يتماهى مع فعل الأنسنة، والأنسنة وهي تعني هنا قدرة الإنسان على استحضار جانبه الإنساني من عقل وعاطفة ووجدان وحسّ في مسار تفاعله وتكيفه في الوجود. ووفقا لهذا التصور فإنّ تطور الثقافة – بل تطور الإنسان نفسه بوصفه منتجا للثقافة- ارتبط بتقدم الجوانب العقلية والوجدانية على الجوانب المادية والحسية والحيوانية في الإنسان. فالإنسان بعد أن عقلن الطبيعة عقلن ذاته أيضاً، وحاول أن يرتقي بها دائماً من صورتها الحيوانية الصرفة إلى صورة إنسانية عاقلة. وهذا يعني أن تقدم الثقافة كان رمزا لعملية انتقال الإنسان من عالم الضرورة إلى عالم الحرية، ومن الخضوع للحتمية الطبيعية إلى مجال الحتمية الاجتماعية، أو بعبارة أخرى من اقتصاد البطن إلى اقتصاد العقل والنفس.
وتأسيساً على ما تقدم يمكن القول إنّ الثقافة تعني الحضور الإنساني في الطبيعة، وانتقاله من عالم الضرورة والحتمية إلى عالم العقلنة والسيادة، إنها – على وجه أدقّ- عملية وضع الإنسان في مركز الكون بعد أن كان يدور في الهامش والأطراف؛ وهذا يعني أن تقدم الثقافة يتحدد بتقدم العقل والحرية والمعرفة الإنسانية. ووفقا لهذا التصور اقترن التقدم الحضاري للإنسان بتقدم الحضور الإنساني ذاته في مجال الحياة والطبيعة والمجتمع. وبناء على هذا التّصوّر عُدّ تقدّم الإنسان الحضاريّ رديفا لتقدّم الحضور الإنسانيّ ذاته واقتحامه لمجالات الحياة والطّبيعة والمجتمع. وذلك هو جوهر مفهومنا للثقافة، أي الثّقافة التي تعني حضورا ذكيا ووجدانيا للإنسان في الطبيعة والكون([4]).
وانطلاقا من هذه الرّؤية فإنّ تغييب العناصر الذاتية للإنسان أو أحدها في الثقافة هو إحالة على إيذان بـالانحدار والتشيؤ والاغتراب والاستلاب. ولو حاولنا التقريب المنهجي لهذه المسألة أمكننا القول إنّ تغييب الجانب الذاتي الحر في الإنسان (عقله وحريته ووجدانه) يدفع بالإنسان إلى دائرة الاغتراب والتشيؤ، وعلى خلاف ذلك كلما تقدم الجانب الحر الذاتي في الإنسان تقدمت الثقافة وازدهر الإنسان. ومن هنا فإنّ الثقافة الحقّ هي نوع من العقلنة التي تتجاوز حدود العلم والمعرفة الموضعية إلى أعماق الذات الإنسانية بما تمتلكه من مشاعر وقيم وجمال؛ ومن ثمّ فإنّ غياب أو تغييب العناصر الذاتية في الثقافة يؤدي إلى حالة من حالات تشيؤ الإنسان واغترابه واستلابه.
ويتّضح هذا الجانبُ أكثرَ إذا قلنا إنّ الثقافة في جوهرها عملية نهوض بالجوانب الإنسانية في الإنسان، وإن الثقافة التي ترهن كرامة الإنسان وحريته ثقافة مضادة معادية للإنسان تضع الإنسان في دائرة العبودية والقهر. ولم يغب هذا التّحدي الكبير عن شبكات التساؤل النقدي في البلدان الغربية حيث عملت المجتمعات الغربية على مواجهة هذه المشكلة وتحليل معطياتها. وقد توجب على المجتمعات الغربية أن تحدد موقفها من ثقافة الاستهلاك، ومن طغيان التقنية الحديثة السريعة ووضعية التّغير واغتراب الإنسان “في عصر الآلة التي تحول البشر إلى أشياء” ([5]). وكان الإحساس السائد في أوروبا هو أن الأزمة الحقيقية للثقافة هي التّحدي الذي يواجه به العلم المخصص روح الإنسان وخياله وملكاته الإبداعية ([6]).
3 – تعريف الثقافة
يعدّ مفهوم الثقافة Culture من أكثر المفاهيم تداولا وشيوعا، ومن أكثرها غموضا وتعقيدا ([7]) في الآن نفسه وهو المفهوم الذي أعيا جهود الباحثين الذين حاولوا تعريفه وتحديد ملامحه. لقد وقع كلكهونKluckhon على مئة وستين تعريفا للثقافة، وذلك منذ عدة عقود. ولفظة ثقافة Culture قديمة في اللغة الفرنسية، إذ ظهرت في القرن الثاني عشر، للدلالة على فعل العبادة، وبدأت تشير إلى فعل حراثة أرض وزراعتها في القرن السادس عشر([8]). ولكن هذه الكلمة بدأت تأخذ أبعادا اجتماعية، وتكتسب مضامين ثقافية، منذ بداية القرن الثامن عشر([9]). ويعد تعريف تايلورTylor للثقافة، في كتابه الثقافة البدائيةCulture primitive عام 1874، من أكثر تعاريف الثقافة شيوعا وتواترا في أدبيات الثقافة المعاصرة، وقوام ذلك التعريف أن الثقافة « كل يشتمل على المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات والتقاليد والاتجاهات والاستعدادات التي يكتسبها الفرد بوصفه عضوا في الجماعة»([10]). ويجمع الباحثون على أن التعريف الذي قدّمه تايلور يشتمل على عنصري البساطة والشمولية. وتظهر هذه البساطة وتلك الشمولية عند كيلباتريكKilbatrik الذي يعرف الثقافة بأنها “كل ما صنعته يد الإنسان وعقله من أشياء ومظاهر في البيئة الاجتماعية” ([11]).
ويعدّ تعريف كانط من أبرز التّعريفات ذات الصّبغة الإنسانيّة حيث يعرّف الثّقافة “بأنها مجموعة من الغايات الكبرى التي يمكن للإنسان تحقيقها بصورة حرة وتلقائية، انطلاقاً من طبيعته العقلانية، وبهذا تكون الثقافة في نظر كانط أعلى ما يمكن للطبيعة أن ترقى إليه” ([12]). فالسلوك عبارة عن ترجمة عملية للتصورات الذهنية المنبثقة عن ثقافة ما ([13]). فالفرد في أي مجتمع مغمور بتراث ثقافي يتجاوزه وهو التراث الثقافي للحضارة التي ينتمي إليها. وهو من خلال هذا التراث يدرك العالم ويحكم عليه، غير أن هذا التراث عندما يتجمد ولا يتجدد يسير نحو الضمور فالزوال، ويحول بالتّالي بين الفرد وإدراكه لذاته وغيره إدراكا كاملا، ومن هنا كانت هناك صلة دائرية بين تجدد المجتمع وتجدد الفرد، فكل منهما يجدد الآخر ([14]).
ولقد شكلت نماذج التعريفات الشمولية الواسعة ينبوعا رافدا تفرّعت عنه التعريفات التي تميل إلى الدقة والتخصص، وتنزع إلى التركيز على جوانب بنائية، أو وظيفية أو نفسية في مفهوم الثقافة الواسع. ومن هذه التعريفات يبرز تعريف كلكهونC.Klukhohn الذي يركز على الجانب السلوكي في الثقافة إذ يعرّفها بأنها:”طرق الحياة المختلفة التي توصل إليها الإنسان عبر التاريخ السافر والمتضمن، التي توجد في وقت معين، والتي تشكّل وسائل إرشاد موجهة لسلوك الأفراد الإنسانيين في المجتمع»([15]).
وتبرز القيمة التخصصية لتعريف كلكهون في إبراز جوانب معقدة في تعريفه للثقافة حيث يؤكد على الجوانب الصريحة أو الضمنية في الثقافة، وعلى أنها أسلوب حياة، كما يعطي أهمية للجانب التعليمي والإرشادي في بنيتها.
ويتصدر تعريف لنتونRalph Linton التعريفات المهمة للثقافة، وهو الذي يعرف الثقافة بأنها “ذلك التشكيل أو الصيغة من السلوك المتكسب ونتائجه، حيث يتقاسم أفراد المجتمع عناصره المكونة ويتناقلونها في إطار مجتمع محدد”([16]). فالثقافة في تعريف لنتون ليست مجموعة من المعارف فحسب، بل تشتمل على القيم وطرق الحياة، والتفكير الخاص بأفراد المجتمع كافة.
وقد عرّفت الثقافة في ديباجة الإعلان العالمي للتنوع الثقافي (2001)، بأنها “… نسق من الخصائص الروحية والمادية والفكرية والعاطفية المميزة للمجتمع وهذا يشمل الإبداعات الفنية والأدبية، وأنماط الحياة، وسبل العيش المشترك، ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات”. ومما لا شك فيه أن الثقافة ترتبط جوهريا بالطبيعة والتنوع البيولوجي القائم فيها، وكلاهما يشكّل المحور الأساسي للتنمية المستدامة. فالثقافة هي أرومة التنمية وتضرب بجذورها في الاقتصاد عبر صيرورة الزمان والمكان، ومن خلالها يمكن أن ندرك الكيفية التي يرتبط بها الشعب بالطبيعة ويعبر عنها، كما يمكن لنا أن نعي جيدا الوشائج التي تربط شعبا بالبيئة التي تحضنه والعالم الذي يعيش فيه بل والكون الذي ينتظم فيه، كما تترجم اتجاهاته وعقائده نحو مختلف أشكال الوجود والحياة على حد سواء.
ولا تقف فعاليّة الثّقافة في مساراتها المحلية بل تتجذر وتأخذ فعاليتها وتقوى في قلب المجتمعات العابرة للقارات، أي في عمق الحياة الثقافية للعالم على مختلف تشعباته وامتداداته. ويتم هذا التفاعل الثقافي في المستوى العالمي بتأثير التكامل الفعال بين التنوعات الثقافية والبيولوجية في العالم، وهو نوع من التفاعل الذي لا يمكن أن تنفصم عراه. وقد تشكل هذا التكامل الثقافي من خلال عمليات التكيف الثورية المستمرة بين الإنسان ووسطه الطبيعي عبر التاريخ.
ولهذا السبب، فإن الممارسات التقليدية القديمة المتعلقة بإدارة الموارد البيئية واستخدامها، بما في ذلك تقنيات المباني، تميل إلى أن تكون خضراء في تصميماتها – أي محافظة على البيئة بوجه عامّ- وهي بذلك تجسد نمطا أكثر استدامة من حيث استخدام الأراضي واستهلاكها وإنتاجها. وهذه الممارسات الثقافية تسهم أيضا في الأمن الغذائي والوصول إلى المياه، وذلك كله يأتي استنادا إلى المعارف والممارسات التي تطورت على مدى قرون من التكيف البيئي للإنسانية. ومن هنا فإن أيّ سياسة محلية تهدف إلى حماية البيئة الطبيعية وتحقيق التنمية المستدامة يجب عليها بالضرورة أن تأخذ بعين الاعتبار الخبرات الثقافية المتراكمة وأن تستفيد من التجارب الحيّة للمجتمعات الإنسانية.
فالثقافة في نهاية المطاف عملية تحول ذاتي للحياة، وهي حركة لا تنقطع ولا تتوقف عن تغيير ذاتها، وذلك من أجل الوصول إلى صيغ أكثر تقدما من صيغ الوجود والتكيف. والثقافة وفقاً لهذا التصور لا يمكنها أن تختزل إلى أبعادها المعرفية الموضوعية فحسب، إنها تتجلّى في كل الصيغ عبر تحولاتها الداخلية وتتجلّى في الوجدان الذاتي الأعمق لكل فرد في المجتمع، لتأخذ حضورها المميز في ذكائه ووعيه. إذ لا يوجد هناك فصل حقيقي بين الثقافة الحقيقية والحياة، لأن الحياة تكتسب دلالتها ومعناها الشّاملين في الثّقافة. والثّقافة أيضا لا يمكن أن تتجلى إلا في صورة الحياة في أعمق معانيها ودلالاتها. وعندما تكون الحياة حركة لا انقطاع فيها، وعندما تكون ذاتية التحول والتكامل فإنها هي الثقافة ذاتها. وهذا يعني بالضرورة أن أي نفي ممكن للثقافة الحقّة الحقّ (أو الحقيقيّة) يعني في الوقت نفسه نفيا للحياة ذاتها.
4- الثقافة والتنمية الإنسانية:
تشكل الثقافة في جوهرها قوة ديناميكية للتغيير، وهي ليست مجموعة جامدة متصلبة من الأشكال والصيغ التي تفرض صورتها وقيودها على الأفراد في المجتمع، بل هي حالة مستمرة من التّفاعل والتّناغم القائمين على أساس التغير التفاعلي المستمر في مختلف مستوياتها وعناصرها. فأفكار الناس وتصوراتهم ونظرتهم وأنماط استجابتهم نحو العالم تتغير – كثيرا أو قليلا – في إطاري الزمان والمكان، وهذا التغير يشمل مختلف أشكال التعبير الثقافي وأنماطه الاجتماعية.
فعصر العولمة يعرف بتسارعه الهائل، وتكاثفه على صورة تدفقات هائلة لرأس المال والعمل والإعلام والمعلومات، ويؤثر بقوة وعلى نحو متجانس في مختلف الثقافات المحلية وينحت فيها. ومع أن هذا التأثير يحقق نوعا من التكامل فيما بين الثقافات المحلية، ويوفر فرصا نادرة وجديدة لملايين الناس في مجال العمل، فإنه في الوقت ذاته يؤدي إلى تدمير المكونات الثقافية التي تتفرد بها الثقافات المحلية وتتمايز، كما أنه يفقد هذه الثقافات هويتها الخاصة وقدرتها على الاستمرار والمنافسة. وغالبا ما يكون هذا التأثير أكبر وأشدّ وأخطر إزاء ثقافات المجتمعات التقليدية التي تتعرض لصدمة الحداثة العالمية الجديدة المدمرة وفق نماذج ثقافية جديدة خارجية مختلفة تفرض نفسها بقوة صادمة لكل معايير الخصوصية الثقافية لهذه البلدان.
يتطلب تحقيق التوازن بين فوائد الاندماج في العولمة وبين حماية الطابع الفريد للثقافة المحلية نهجا دقيقا. وإذا كانت الثقافة تؤدي دورا حيويا في صميم السياسات الإنمائية فإن هذا الأمر لا يعني توظيف الثقافة بصورة تلقينية متحفظة بل يعني استثمار كل الإمكانات والموارد والمعارف والمهارات والمواد المحلية الإيجابية في محال تعزيز الإبداع وفرص التنمية المستدامة. وهذا يعني توظيف الجوانب الثقافية الإيجابية في الثقافة المحلية في اتجاهات التنمية والتطوير والتحديث المستدام. وهذا الأمر يقتضي العمل على الاعتراف بالتنوع الثقافي وتأكيد الأهمية الكبيرة للاستفادة من مختلف المعطيات الثقافية لهذه الثقافات في الحوار والتنمية والتفاهم والتطوير الإنساني.
لا يمكن للتنوع الثقافي أن يشكل منصة أو يكون ذريعة لمهاجمة حقوق الإنسان والانتقاص من قيمتها الحضارية التي رسختها القوانين الدولية وعظمت من أهميتها. والمعضلة التي تواجهها عملية تحقيق التوازن بين حماية الثقافات المحلية والحرص في الوقت نفسه على احترام حقوق الإنسان العالمية وتأكيد أهمية التنوع الثقافي تكمن في أنّ الثّقافات غالبا ما تنطوي على مضامين ثقافية تقليدية ترسخ العنف والقمع والاضطهاد وتؤصل لقيم وممارسات مضادة لعملية التنمية بحد ذاتها.
ومن الواضح أن حقوق الإنسان تتصف بالعالمية، وترتسم في القانون الدولي ولاسيما في ميثاق الأمم المتحدة، فحقوق الإنسان عالمية لجميع البشر والثقافات والمجتمعات بدون استثناء، ويضاف إلى ذلك أنّ جميع الاتفاقيات والعهود الثقافية والتربوية التي أبرمتها اليونسكو تستند إلى مبدأ العالمية الذي يؤكد نسقا متميزا من القيم العالمية تشدد على أهمية الاعتراف بالثقافات الأخرى وفهمها وترسيخ قيم التسامح فيما بينها على أساس الأخلاق العالمية المستمدة من مختلف الثقافات الإنسانية جمعاء.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ اتفاقيات حقوق الإنسان العالمية تؤكد أهمية الحقوق الثقافية في كل المجتمعات الإنسانية على حدّ سواء، وتشمل نسقا من الحقوق الثقافية مثل: حق المشاركة في الحياة الثقافية في المجتمع، وحق الممارسة الثقافية والتمتع بمضامينها، والحقوق التي تتصل بالإبداع الثقافي، وممارسة العقائد والأفكار، واحترام العادات والتقاليد، واحترام ثقافة الأقليات… الخ. ومع ذلك فإن هذه الحقوق الدولية في المجال الثقافي لا تأخذ طابعا مطلقا أو غير محدود ولاسيما إذا كانت الممارسات الثقافية تؤدي إلى انتهاك حقوق إنسانية أخرى. وضمن هذا التوجه فإن أيّة ممارسة ثقافية تنتهك أي حق من حقوق الإنسان تعدّ انتهاكا صارخا للكرامة الإنسانية وخروجا على مبدأ الحقوق الثقافية نفسها التي تكفل الحريات الإنسانية بمضامينها الثقافية لمختلف الشعوب والجماعات والأمم.
5- الثقافة والتجارب التنموية:
تأخذ التنمية طابعا ثقافيا جوهريا وهي لا تعدو أن تكون مسألة ثقافية في جوهرها وفي مسار صيروراتها التنموية. ويؤكد معظم المفكرين العاملين في مجال التنمية أن التنمية لا يمكن أن تختزل بما يتحقق في جوانبها المادية ولا يمكن للنمو الاقتصادي بصورته الجامدة أن يعبر عن حالة تنموية، فالتنمية لا تكون أبدا في زيادة عدد المصانع والشركات والنمو الاقتصادي أو وفرة الإنتاج وزيادة الاستهلاك، ولا تختزل بتعدد المباني وضخامة البنوك وعدد المستثمرين، بل هي قبل ذلك كله عملية ثقافية حرة منطلقة تهدف إلى إعداد الإنسان وتشكيله على صورة إنسانية بما في ذلك العمل على إطلاق كل القدرات التنموية الكامنة فيه في مسار تواصله مع العالم الذي يعيش فيه [17] .
فالتنمية في نهاية المطاف عملية ثقافية شاملة، ومنظومة متكاملة من الفعاليات الثقافية الاجتماعية التي تهدف إلى النهوض الحضاري في مختلف جوانب الحياة من أجل توفير الحياة الحرة الكريمة لجميع أفراد المجتمع في مجال الصحة والتعليم والدخل والرفاهية. وفي المقابل فإنّ الثّقافة هي أكثر من مجرّد عمليّة تنمويّة، فهي تهدف إلى تحقيق رفاهية الفرد وحريته وكرامته بشكل واسع. وهذا التفاعل يؤكد هذه العلاقة الصميمية الوجودية بين التنمية بوصفها ثقافة والثقافة بوصفها تنمية في الفرد والإنسان والمجتمع على حدّ سواء.
يقول دانييل باتريك موينيهانDaniel Patrick Moynihan إن «الثقافة هي التي تحدد وتقرر نجاح وتقدم المجتمع وليس السياسة»[18]. فالثقافة تتفاعل جوهريا مع التنمية وتشكل المناخ الحيوي لكل فعل تنموي. واعتاد ماكس فيبر ( Maximilian Carl Emil Weber) [19]أن يقول”إننا لو استطعنا أن نتعلم شيئا من تاريخ التنمية الاقتصادية فإن ذلك الشيء هو أن الثقافة هي التي تصنع كل التغيرات والاختلافات، ولذا يجب أن نأخذ دائما في الاعتبار الجوانب المادية والعمل الجاد المثابر والنظرة إلى المستقبل والاهتمام بالتعليم والقيم الأخلاقية”[20]. وقد أكد فيبر في كتابه الشهير “الأخلاق البروتستانتية والروح الرأسمالية” على أن القيم التنموية كانت ماثلة في الحركة البروتستانتية وحركة الإصلاح الديني في أوروبا في القرن السادس عشر. وبين في كتابه هذا أن البروتستانتية كفكر ومذهب تضمنت نسقا من القيم الحضارية التنموية الكبرى التي كان لها أكبر الأثر في نهضة أوروبا التاريخية، فالبروتستانتية تتضمن تأكيدا عميقا وجوهريا على قيم الإنجاز والمبادرة والأمانة والفردية والادخار والنجاح والربح والمغامرة والإيمان بالعلم والإحساس بالمسؤولية ورفض الخرافات وتأكيد دور المرأة وتعظيم القيم العقلانية والمعرفية. وفي ترسيخ هذه القيم تأكد النمو الاقتصادي غير المسبوق الذي شهدته أوروبا البروتستانتية بالدرجة الأولى. فالثقافة كما يرى فيبر تشكل المحدد الساسي لقدرة الأمة على التقدم والنمو والازدهار، وهي الحاضن الأساسي للقيم التنموية الباعثة على التنمية والتطوير والانبعاث الحضاري.
وتأسيسا على هذه الرؤية فإن الثقافة لا تؤدي دورا حيويا في إنجاز التنمية الشاملة بنجاح فحسب، بل تشكل جوهر العملية التنموية ومحورها بوصفها دينامية إنسانية غائية. وسبق لماكس فيبر أن أعلن عن هذه الغائية الثقافية؛ فلقد ذهب في إعلانه هذا أن القيم البروتستانتية كانت منطلق التنمية الاقتصادية الحديثة في أوروبا، وأن النهضة الحضارية في أوروبا تدين للقيم البروتستانتية التي حضّرت المجتمع الغربي لنهضته الصناعية عبر القيم الثقافية الجديدة التي أوجدتها في مجال العمل والزمن والمسؤولية والمغامرة والمطالعة والتثقيف.
ومهما يكن الأمر فإن التنمية تأخذ جوهرها في مضمونها الثقافي، حيث يرتهن نجاحها أو إخفاقها بالمضامين الثقافية السائدة في المجتمع، ولاسيما في منظومته القيمية أي في العادات والتقاليد السائدة فيه، وفي معايير الفلسفات التي تحدد موقف أفراده من الحياة والوجود. وتأسيسا على هذا التصور أرجع ماكس فيبر نجاح عمليات التحديث التي شهدتها أوروبا والعالم الجديد في عصر النهضة إلى القيم التي رسختها البروتستانتية كقيم: الفردية، والادخار، والنجاح، والربح، والمغامرة، والإحساس بالمسؤولية، والنظرة الائتمانية، وكانت هي القيم التي شكلت الجدار الاستنادي للتطور الاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته المجتمعات الأوروبية في عصر النهضة، وكانت مرتكزا للثورة الصناعية الكبرى وموئلا للنظام الرأسمالي الجديد.
ويؤكد المفكر الأمريكي المعروف هنتنغتون (Samuel Phillips Huntington)[21] في أطروحته حول صراع الثقافات على أهمية الثقافة ودورها الحيوي في تحديد مسارات التجارب التنموية في العالم. ويعزز تصوره هذا من خلال المقارنة بين تجربتي كوريا الجنوبية وغانا اللتين كانتا متشابهتين كثيرا في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مطلع السبعينات ولا سيما فيما يتعلق بالاقتصاد والمؤشرات التنموية، وبعد مرور ثلاثة عقود تحوّلت كوريا الجنوبية إلى عملاق صناعي وسجلت نفسها في مصاف الأمم المتقدمة، في حين لم تشهد غانا أي تغيير يذكر في أوضاعها الاقتصادية والتنموية. ويستنتج هنتغتون من خلال هذه المقارنة وجود تأثير كبير للثقافة المختلفة بين البلدين، ويرى أن العوامل الثقافية تركت أثرها عميقا في التباين الحضاري بين البلدين: “فالكوريون يؤكدون في ثقافتهم على أهمية الاقتصاد والجهد والتنظيم والانضباط والعمل الشاق والتعليم في حين تسود الغانيين ثقافة تتضمن قيما سلبية مغايرة. صفوة القول كما يرى هنتنغتون: أن الثقافة تؤدي دورا حاسما في التطور الحضاري والتنموي في مختلف البلدان “[22].
وقد وجدت أفكار فيبر وهنتنغتون صداها الواضح في أعمال عدد كبير من المفكرين الغربيين الذين أكدوا بقوة على أهمية العناصر الثقافية في العملية التنموية. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى المفكر الفرنسي آلان بيرفيت(Alain Peyrefitte) مؤلِّف كتاب “المعجزة في الاقتصاد” (Du Miracle en économie) [23] الذي يؤكد فيه على أن العبقرية الثقافية للأمة هي التي تحقق الإنجازات والحضارية للأمة، وأن المعجزات الاقتصادية قائمة على الإعجاز الثقافي للأمم والشعوب. وهذا يعني في منظوره أن التنمية لن تكون إلا في سياق حركة ثقافية تاريخية تفوق في أهميتها مظاهر الغنى والثراء الاقتصادي. وقد جاء في كتابه أن العناصر الثقافية بوصفها القوة الناعمة: كالدين، والثقافة، ودوافع العمل، والموقف تجاه السلطة، وردود الفعل التاريخية، وأخلاق الفرد والجماعة، والتربية والقيم تشكل المحور الأساسي لأي حضارة في تاريخ الإنسانية، وهي التي تحدد المسارات الإنتاجية، مثل الاستثمارات والإنتاج والتبادل والأرباح ومعدلات النمو. فالتنمية كما يرى بيرفيت لا تختزل في مواد أولية، ورؤوس أموال، وأيد عاملة، بل هي قبل كل شيء فعل ثقافي وممارسة ثقافية مواتية لحركة النمو الاقتصادي[24]. ونجد مثل هذا التأكيد على الثقافة بوصفها فعالية تنموية لدى الاقتصادي الياباني يوشيهارا كيونيو الذي يرى أن أحد أسباب تطور اليابان هو أنها تملك ثقافة مناسبة لذلك. فلقد علق اليابانيون أهمية على الصدق وقيمة العمل والانضباط والمثابرة والادخار للمستقبل واحترام وحدة المجتمع [25].
6- التعطيل الثقافي للتنمية:
إذا كانت التنمية عملية ثقافية تنموية بالدرجة الأولى فإن الثقافة ذاتها قد تشكل عائقا كبيرا أمام أي عملية تنموية. وهذا الأمر رهين بالقيم الثقافية الداخلية الفاعلة في الثقافة ذاتها. فبعض الثقافات – كما أوضحنا آنفا- تمتلك السمات التنموية وبعضها الآخر يعاني من حضور كثيف للقيم السلبية المناهضة للتنمية بكل المقاييس. فالثقافة المتشبعة بقيم التعصب والكراهية والتمييز العنصري وقيم الكسل والجمود ستكون بالضرورة ثقافة مناوئة للتنمية بكل أبعادها ومراميها.
وتبين الدراسات الجارية حول التجارب التنموية في مختلف أنحاء المعمورة أن البيئة الثقافية قد تمارس دورا سلبيا يعطل عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويضعف مسارها، وقد تشكل هذه البيئة نفسها مناخا مواتيا ومشجعا لنجاح العملية التنموية.
لقد مارست الثقافة التقليدية دورا سلبيا في عملية منح الحقوق السياسية للمرأة في كثير من البلدان العربية والإسلامية، حيث كان القرار السياسي بمنح المرأة حقوقها السياسية متقدما على الثقافة التقليدية السائدة في المجتمع، أي هذه التي تبخس المرأة هذه الحقوق. ولاحظنا أن صدور التشريعات الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة مرّ في أتون عاصفة كبيرة من الجدل السياسي والثقافي في كثير من البلدان العربية انتهت أخيرا بانتصار المدّ الحضاري لحقوق المرأة السياسية. ومع أن المرأة تتمتع اليوم بحقوقها السياسية تحت الضغوط السياسية للدولة، فإن الدراسات تبين أن وصول المرأة إلى المجالس النيابية والمناصب الوزارية ما زال يعاني من مقاومة كبيرة لثقافة استلابية راسخة ورافضة لحقوق المرأة في العمل السياسي التشريعي.
وفي هذا السياق يرى كثير من المفكرين أن هيمنة الثقافات التقليدية تعيق عملية التنمية الحقيقية وتؤدي إلى استمرار التخلف والجمود. وقد وصفت هذه الثقافات التقليدية بالغيبية أو القدرية أو السلبية أو الأبوية أو السلطوية أو التواكلية. ووفقا لهذا التصور فإن الثقافة التقليدية تشكل ثقافة الممانعة بامتياز بوصفها ثقافة جامدة منغلقة ومتشبعة بعناصر قيمية مضادة للتنمية كالتي أشرنا إليها مثل: التعصب والعصبية والجمود والسلفية والتقشف والتصوف، والتمييز الاجتماعي والإيمان بالسحر والخرافة.
ويؤكد الباحثون في ميدان الثقافة اليوم على وجود نمطين ثقافيين أحدهما يعزز النهضة التنموية والآخر يمانع ويعطّل التنمية بكل معطياتها. والثقافات المنطلقة تنمويا هي التي تؤكد على قيم العلم والعقلانية والإحساس بالمسؤولية ورفض كل أشكال التعصب والتمييز في المجتمع، وتمتلك قيما تدعم متطلبات تنمية المجتمع بكامل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. أما “الثقافة الممانعة للتنمية” فإنه غالبا ما تكون متشبعة بقيم سلبية مثل القيم المطلقة والغائية والحتمية.
وفي هذا الخصوص تميز حنا أرنت Arendt Hannah (1906-1975) في كتابها شرط الإنسان الحداثي([26])La condition de l’homme moderneما بين ثقافة الاستهلاك والثقافة الإنسانية التي تتميز بسموها الغائي، فالثقافات الاستهلاكية ثقافات مضادة للتنمية والحضارة والأنسنة وتؤدي في النهاية إلى حالة السقوط والانحدار الحضاري.
وفي هذا المسار يبين فوستر Foster Georgeفي أبحاثه حول الثقافات التقليدية وصدمة التغير التكنولوجي والحداثي أن ّ القيم والاتجاهات الثقافية التقليدية مثل: الكبرياء والكرامة والتمركز حول الذات، تشكل أخطر المعوقات في وجه النماء الحضاري لهذه المجتمعات ([27]).
ومثل هذه الرؤية نجدها أيضا عند جيفري ساكس الذي يرى أنّ للثّقافة دورا خطيرا في العملية التنموية، وأن البنية الثقافية قد تشكل عقبة عندما تحاول الحكومات القيام بمشاريع تنموية. ويذكر جيفري ساكس Jeffrey Sachs في كتابه القيم The End of Poverty أن بعض الثقافات تناوئ التقدم لدرجة أنه إذا أرادت الحكومات تنفيذ مشروعات للتنمية فإن المناخ الثقافي السائد كثيرا ما يقف ضد تلك المحاولات، ويضع العقبات التي تحول دون التنفيذ والإنجاز، وإن جانبا كبيرا من المعوقات يرجع إلى اعتبارات دينية[28].
وتجد هذه الفكرة صداها لدى لورانس هاريزون(Lawrence E. Harrison) في كتابه المعروف”التخلف حالة عقلية:- حالة أمريكا اللاتينية) (Underdevelopment Is a State of Mind: The Latin American Case )[29]في عام 1985. وبين هاريزون في هذا الكتاب بالمحاججة العلمية أن الثقافة السائدة في أمريكا اللاتينية هي العقبة الأولى في طريق التطور. “وعلى الرغم من عاصفة النقد الموجهة ضد التصورات الثقافية التي يقدمها فإن كثيرا من المفكرين والباحثين أخذوا تصوراته على محمل الجد، فاعترفوا بأهمية القرائن الفكرية التي يقدمها حول دور الثقافة في الحركة التنموية نهوضا أو تراجعا”[30].
ويرى عدد كبير من الكتاب الغربيين أن النمط الثقافي السائد في البلدان النامية يعيق عملية التنمية. يقول ميردال Gunnar Myrdal في هذا الخصوص: “إن اتجاهات السكان في الدول النامية نحو الحياة والعمل تعتبر معوقا للتنمية لما تتميز به من عدم احترام للنظام وانتشار الخرافات والحاجة إلى اليقظة والتكيف والطموح والاستعداد للتغيير والتجريب واحتقار العمل اليدوي والخضوع للاستغلال وعدم الرغبة في التعاون وغير ذلك”[31]. ومن أهم القيم التي ترسخها الثقافات التقليدية الممانعة للتنمية يمكن الإشارة إلى قيم التواكل والخضوع والاستسلام، وهيمنة قيم التعصب، والنظرة الدونية إلى المرأة، وفقدان روح المبادرة، وغياب قيم الإبداع والتجديد، وسيطرة الأفكار “الجبرية” التي تنكر حرية الإنسان، وطغيان مواقف التسلط والعدوان، وضعف الإحساس بقيمة الزمن ودورته المستقبلية. ومثل هذه القيم نجدها غالبا راسخة في المجتمعات النامية والمتخلفة، وفي هذا دليل قاطع على أن عملية التنمية لا تكون خارج سياقها الثقافي.
ويمكننا أيضا الإشارة إلى نسق آخر من القيم الممانعة للتنمية مثل: الإيمان بالحتمية، وتقديس الماضي، وتقديس رجال الدين والسلف، وحضور الطائفية، وحضور المقدس بضراوة، وحضور النزعة القطيعية وغياب الفردانية، وفاعلية الامتثال الاجتماعي، والعلاقات الانفعالية والعاطفية، والدور الكبير للأسرة، والطابع الأبوي للسلطة، والحضور المكثف لعلاقات الدم والقرابة، وضعف النزعة العقلانية.
وباختصار يميّز الباحثون بين نمطين من الثقافة، أحدهما يحضّ على التنمية ويعزز مسارها، في حين يكبح الآخر متطلباتها ويعرقل تقدمها. فهناك ثقافات دينامية تتميز بقدرة عناصرها على الحركة والتوالد والانتشار خارج إطارها الجغرافي، حيث تتميز بقدرتها على الإقناع والتحدي وتلبية حاجات الأفراد، وهناك ثقافات تقليدية، وهي ثقافات جامدة منغلقة مناهضة للتغيير متشبعة بعناصر قيمية مضادة للتنمية والتطوير، كالتواكل، والاتكالية والتعصب، والعصبية، والجمود، والسلفية، والقداسة والقدسية، والتقشف والتصوف، والتمييز العنصري والاجتماعي، والإيمان بالسحر والخرافة.
ويمكن القول باختصار إن العوامل الثقافية قد تأخذ مسارين متناقضين في الجوهر، فالثقافات الحديثة المرنة تنطوي على عناصر ثقافية دافعة إلى التنمية والتقدم، وهناك الثقافات التقليدية التي تتسم بالجمود، وهي تنطوي على مضامين ثقافية ممانعة للتنمية مناهضة للتقدم التنموي بكل أشكاله[32].
7-الثقافة فعالية تنموية:
يمكن القول من وجهة نظر سوسيولوجية إنّ النظريات التنموية المبكرة كانت تنظر إلى الثقافات التقليدية بوصفها عائقا في طريق الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية. ولكن الأمر لم يبق على هذه الحالة حيث شهدت تسعينات القرن الماضي تحولا كبيرا في هذه النظريات ولاسيما التي تركز على الأهداف الإنمائية الاجتماعية والتربوية بدلا من الأهداف الاقتصادية البحتة. وقد أدت التصورات الجديدة إلى ظهور مفهوم “مؤشر التنمية البشرية” (Human development index) الذي كان نتاجا للجهود المبذولة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ومع أهمية هذا التحول الجديد فإن السياسات الإنمائية الرئيسية ما تزال في كثير من الأحيان تستند إلى فلسفة واحدة يراد لها أن تكون صالحة لجميع المجتمعات في كل الأحوال.
وفي سياق آخر تجدر الإشارة إلى أن نشاط الأمم المتحدة في مجال بناء “الأهداف الإنمائية للألفية” ((MDGs)) أدى إلى حملة عالمية واسعة لم يسبق لها مثيل لتعبئة المجتمع الدولي في مجال العمل على وضع أهداف وأولويات واضحة ومشتركة في مجال التنمية المستدامة. وقد أسست هذه الجهود إلى تزايد الاعتراف بدور الثقافة وأهميتها في مجال التنمية، وعززت أهمية البحوث العلمية في مجال الكشف عن نسق العلاقات بين الثقافة والتنمية. وعلى الرغم من أهمية هذه الجهود وضراوة العمل في هذا الميدان فإن قياس المعايير الثقافية وتأثيرها في التنمية بقي خارج مؤشرات الأهداف التنموية للألفية ومؤشراتها، وذلك يعود إلى وجود عدد كبير من التحديات والصعوبات في مجال القياس الأمبيريقي الملموس للعوامل الثقافية وتأثيرها في العملية التنموية.
لقد تَبيّن للباحثين المهتمين بالشأن الثقافي والتنموي أن القصور في تنفيذ العديد من برامج التنمية يعود في جوهر الأمر إلى تغييب الخصوصيات الثقافية للثقافات المحلية في العملية التنموية، ولاسيما في مجال التنمية المستدامة التي ترتبط حيويا بالعناصر الثقافية للتنمية.
وتؤكد الأمم المتحدة في مسارات فعالياتها الحضارية أن جميع الثقافات والحضارات تسهم في إثراء البشرية، كما تؤكد في سياق ذلك على أهمية الثقافة التنموية ومساهمتها في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. ويمكن القول في هذا السياق إن الجمعية العامة للأمم المتحدة بدأت في العقود الأخيرة تولي دورا هاما وأساسيا للثقافة في العملية التنموية، وذلك بعد أن كانت النظرة إليها على أنها حالة جمالية غير مؤثرة في عملية التطور والتحول الإنمائي. ونعني بذلك أن النظرة إلى دور الثقافة كانت تعتبر ثانويّة في البداية. لكن هذه النظرة تطورت وبدأت تركز على الأهمية الحيوية للثقافة في أي فعالية تنموية ونهضوية. وشددت قرارات الجمعية العامة على أهمية الثقافة بوصفها عاملا مؤثرا في مكافحة الفقر وتوفير النمو الاقتصادي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة بما في ذلك الأهداف الإنمائية للألفية.
ويمكن للثقافة أن تكون فعالية تنموية عندما يتم الاعتراف فعليا بالخصوصيات الثقافية الخاصة بالمكان والمجتمعات المحلية، وعندما يتم التوظيف الأمثل للموارد الثقافية المحلية والاستفادة من منظومة المعارف والمهارات والخبرات الكامنة فيها. وهذا يعني أن تجاهل المضامين الثقافية للثقافات المحلية قد يؤدي إلى فشل العملية التنموية برمتها.
فالثقافة تمكّن أفراد المجتمع من الهيمنة على المصير، وتجعلهم أكثر قدرة على تحقيق التغيير الملموس في مجال التنمية الشاملة، وهذا يشكل أمرا بالغ الأهمية لتحقيق التنمية المستدامة في أكثر مساراتها الوطنية خصوصية وأهمية. علاوة على ذلك، فإن احترام وتعزيز التنوع الثقافي في إطار نهج قائم على حقوق الإنسان يسهل الحوار بين الثقافات، ويمنع الصراعات الداخلية، ويحمي حقوق الفئات المهمشة، داخل الدول وفيما بينها، مما يهيئ الظروف المثلى لتحقيق الأهداف الإنمائية.
من ناحية أخرى، فإن الثقافة بوصفها قطاعا من الأنشطة يشمل المعطيات التراثية المجردة والمجسدة تشكل بحد ذاتها محركا قويا للتنمية يترك بصمته في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية على نطاق المجتمع المحلي.
ومن هذا المنطلق يمكن القول إن الاستثمار في الموارد الثقافية وتشجيع الأنشطة والمعارف والمهارات التقليدية، التي يضعها البشر على مدى فترات طويلة جدا من التكيف مع البيئة، هي أيضا وسائل فعالة جدا لتعزيز الاستدامة البيئية ورأس المال الاجتماعي للمجتمعات المحلية.
فالقطاع الثقافي يشكل موردا اقتصاديا مستداما يتم فيه تمكين المجتمعات المحلية من التنمية الاقتصادية الخاصة، فعلى سبيل المثال: تبلغ نسبة الصناعات الثقافية أكثر من 3.4 %من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بحصة سوقية عالمية بلغت 1.6 تريليون دولار أمريكي في عام 2007. وتمثل الصناعات الثقافية والإبداعية واحدا من أسرع القطاعات نموا في الاقتصاد العالمي، حيث بلغ معدل النمو 13.9 في المئة في أفريقيا، و11.9 في المئة في أمريكا الجنوبية، و9.7 في المئة في آسيا.
فالصناعات الثقافية تتطلب استثمارات رأسمالية محدودة، لكنها فعالة في المستوى الاقتصادي. وفي الوقت نفسه فإن قطاع الثقافة يتيح الفرصة لتطوير وظائف محلية في جوهرها، تقوم على أساس تعزيز الاتصال بالبيئة المحلية وتنميتها.
وتبين الدراسات أن العوائد الاقتصادية للثقافة تأخذ خطا متصاعدا وملحوظا في مختلف مستويات التنمية الاقتصادية في مختلف أنحاء المعمورة. فالثقافة، التي تشمل كلا من التراث (المادي وغير المادي) والصناعات الإبداعية، تؤدي دورا حاسما بوصفها موردا لا يمكن تعويضه في مجال التنمية الاقتصادية.
إن الحفاظ على البيئة الحضارية التاريخية وإعادة استخدامها بشكل مناسب يسهم في تحسين نوعية حياة سكانها بطرق عديدة، ويعزز إحساسهم بالانتماء والتماسك الاجتماعي، كما يوفر بيئة ممتعة جذابة للسياحة العالمية، وهذا بدوره يخفف أيضا من التمدن المفرط، ويجذب السياح والزوار والاستثمارات الاقتصادية والسياحية المؤثرة في العملية التنموية.
ويمكن القول في هذا السياق إنّ الصناعات الثقافية والإنتاجات الإبداعية تشكل عاملا أساسيا من عوامل التجديد الحضاري، حيث إنها تعزز الصورة الحضارية للمجتمع وتساهم في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، كما أنها تحسن مستويات معيشة السكان، وتدعم الاستثمارات في الأنشطة الثقافية والاقتصاد الإبداعي وتعزز التنمية الحضرية المستدامة، كما تساهم سياسة التنمية القائمة على التراث الثقافي في التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف مع معطيات هذا التغير، لأن الحفاظ على النسيج القائم (الذي بني بالتقنيات التقليدية والمواد والمهارات المحلية) هو أكثر ملاءمة للبيئة من الهدم وإعادة البناء. ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، تقدر الطاقة المتجسدة في تشييد مبنى بمعدل يتراوح بين 15 و30 ضعف استخدام الطاقة الطبيعية وفق الآليات التراثية المعتمدة في عملية البناء.
ويمكن أن توفر التقنيات التقليدية لإدارة الأراضي مصدرا كبيرا للإلهام التنموي في استخدام المياه العذبة والمحافظة عليها على نحو مستديم، إذ يمكن إعادة إنشاء تقنيات الري التقليدية في مشاريع التنمية الحديثة وضمان استخدام أكثر احتراما للبيئة. لقد أدرك سكان الواحات الصحراوية، الذين يواجهون النمو السكاني وتدهور البيئة، ضرورة العودة إلى تقنيات الري التقليدية من خلال دعم الممارسات التي تحترم البيئة.
ويعد التراث العالمي في مجال البحار والحفاظ على المحيطات جزءا لا يتجزأ من صحة الكوكب، ويشكل جزءا هاما من تراث الإنسانية وثقافة المجموعات البشرية. وتعد المعارف التقليدية في إدارة موارد المحيطات طاقة حيوية تنموية تؤدي دورا رئيسيا في تمكين السكان من كسب أرزاقهم في المجتمعات المحلية المعنية.
وقامت منظمة اليونسكو، من خلال برنامجها الخاص بتنظيم المعارف التقليدية المحلية، بجمع ونقل المعارف والآراء المحلية للموارد المائية. وتشهد هذه المعلومات على معرفة السكان الأصليين الواسعة والدقيقة لأنواع الأسماك والحيوانات المائية في البحار، وتؤكد هذه المعارف عمق واتساع الثقافات المحلية بالبيئة الطبيعية، وهذا بدوره يشكل منطلقا يعتمد عليه من منطلقات التنمية المستدامة في المجال البحري على نطاق عالمي أوسع.
ويتضح دور الثقافة في المنعطفات الصعبة والتحديات القاسية التي يواجهها أي مجتمع، فعندما تضرب الكوارث الطبيعية والحروب المجتمعات الإنسانية وتمزقها، وعندما تؤدي مشاريع التحديث الواسعة النطاق والهجرة العابرة للحدود إلى اختلالات مفاجئة في بنية المجتمع، يبرز دور الثقافة المحلية النابضة بالحياة لتؤدي دورا هاما في إعادة بناء الإحساس بالمجتمع ووحدته، وهي بذلك تشكل ركيزة أساسية يعتمد عليها في عملية البناء الاجتماعي والثقافي أو الرمزي المضادة للكوارث الطبيعة والاجتماعية. ويمكن القول في هذا السياق إن الثقافة المحلية تشكل قوة حيوية في مواجهة المخاطر والكوارث قبل وبعد وقوعها، وتساعد في معالجة مختلف المشكلات والتحديات المرافقة لها والناجمة عنها. فالتراث الثقافي المتراكم عبر التاريخ غني بالفعاليات والخبرات والممارسات التي يعتمدها المجتمع في أزمنة الكوارث والحروب والتحديات الطبيعية، لأن هذا التراث يتضمن بالضرورة المعارف التقليدية المميزة الفاعلة المتراكمة عبر قرون من التكيف مع البيئة.
ويمكن الاستدلال على هذا الجانب في أحداث الزلزال الهائل الذي شهدته كشمير الهندية في عام 2009، حيث تمكنت المباني التقليدية من الصمود وحماية أرواح ساكنيها في وسط هذا الزلزال الفظيع. وعلى خلاف ذلك، تساقطت المباني الخرسانية المسلحة على ساكنيها فأزهقت أرواحهم وتناثرت أجداثهم بين الأنقاض في نفس المناطق المتضررة.
ونظرا للأهمية الكبرى للثقافة في العملية التنموية والنهضوية للمجتمعات الإنسانية بدأ المجتمع الدولي بتأكيد أهمية هذا الجانب ولاسيما بعد مؤتمر ريو +20، حيث بدأ التركيز على الثقافة بجوانبها المختلفة والعمل على دمجها في استراتيجيات التنمية المستدامة، ووفق هذا التوجه تعمل اليونسكو، ضمن نسق من الشراكة الفعالة مع الحكومات ووكالات الأمم المتحدة الشقيقة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، على وضع خطط مستنيرة للتنمية تأخذ بعين الاعتبار الأهمية الكبيرة للثقافة والثقافات المحلية في نجاح العملية التنموية واستمرارها. ويمكن النظر إلى دور الثقافة استنادا إلى الإجراءات الاستراتيجية الرئيسية التالية:
1- دمج البعد الثقافي في مفهوم التنمية المستدامة وفي أنماط قياسها وتحديد مستويات فعالياتها وجدواها، ومن ثم الالتزام بتشجيع المعارف الثقافية والممارسات العلمية التقليدية ودمجها في سياسات التنمية المستدامة، ولا سيما فيما يتعلق بالإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، والأمن الغذائي والحصول على المياه النظيفة.
2-أهمية المحافظة على التراث الثقافي الطبيعي وحمايته، وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال، وذلك من أجل تعزيز التنمية المستدامة في أبعادها الثقافية.
3- الاعتراف بالدور الهام للصناعات الثقافية والإبداعية، والسياحة المستدامة، ومختلف القيم الثقافية القائمة على التراث، من أجل التنمية المستدامة في مجالي الاقتصاد الأخضر والعمالة الخضراء، ومن ثم تحفيز التنمية المحلية، وتنمية الفرص التجارية، وتعزيز الإبداع والاندماج الاجتماعي.
4- التأكيد على أهمية العوامل الثقافية ومدى تأثيرها في أنماط الحياة والاستهلاك وسلوكات الأفراد، والقيم المتعلقة بالبيئة والطرائق التي نتفاعل بها مع بيئتنا الطبيعية. ومن هنا تبرز أهمية العمل الثقافي في ترشيد عادات الاستهلاك، والتشجيع على الإنتاج الأخضر المستدام الذي يحتاج إلى فعالية ثقافية قادرة على الوفاء بالمتطلبات الحيوية للتنمية المستدامة.
وفي هذا السياق يمكن القول بأن الاتفاقيات الثقافية السبع التي وقعتها اليونسكو تعد طاقة وأداة للتنمية المستدامة. وتهدف جميع الاتفاقيات السبع لليونسكو إلى حماية مختلف الجوانب الحضارية والإبداعية في الثقافات المحلية التي تتعلق بالتراث الإنساني المادي والمعنوي ولا سيما فيما يتعلق بتنوع أشكال التعبير الثقافي وتعدد الصناعات الإبداعية الذكية، ومن ثم إلى مكافحة الاتجار بالبشر والسلع الثقافية.
وترتكز هذه الاتفاقيات الثقافية بصورة واضحة على مبادئ حقوق الإنسان، كما تعتمد مجموعة من آليات التمويل والتعاون الحكومية والدولية، فضلا عن أدوات الرصد والتقييم. وهي في النهاية تعزز برامج بناء القدرات وغيرها من المبادرات الرامية إلى حماية الثقافة (بما في ذلك التراث الطبيعي) وإدماجها في استراتيجيات التنمية الوطنية والمحلية.
ومن الأمثلة على الكيفية التي تساهم بها الاتفاقيات الثقافية لليونسكو في التنمية يمكن الإشارة إلى ما يقرب من 1000 من ممتلكات التراث العالمي، وأكثر من 500 من المحميات الحيوية، التي توفر مختبرات مثالية لاختبار النهج المبتكرة القائمة على التراث الثقافي للتنمية المستدامة.
وفي إطار الدعم الذي يقدّمه الصندوق الدولي للتنوع الثقافي وآليات التمويل الأخرى، التي أنشئت في إطار اتفاقية اليونسكو لعام 2005، بشأن حماية أشكال التعبير الثقافي وتعزيز تنوعها، يقدم هذا الصندوق الدعم إلى البلدان النامية من خلال المشاريع الثقافية، وبعثات المساعدة التقنية التي تعزز التنمية الاجتماعية والاقتصادية عبر سياسات ثقافية جديدة.
ومن خلال هذا الصندوق تم تنفيذ ثمانية عشر برنامجا مشتركا للثقافة والتنمية في جميع أنحاء العالم بمبلغ إجمالي قدره 95 مليون دولار أمريكي، استفاد منها نحو مليون شخص بصورة مباشرة وسبعة ملايين بصورة غير مباشرة، وهي تستهدف بوجه خاص السكان الأصليين والنساء والشباب.
وتعطي هذه البرامج دليلا واضحا على أن الثقافة قطاع اقتصادي يولد الدخول؟ وفرص العمل، مما يسهم في القضاء على الفقر (الهدف الإنمائي الأول)؛ كما أن محتوى المناهج الدراسية المكيّف ثقافيا يسمح بتحسين نوعية التعليم وبناء المواطنة (الهدف 2). وبالتالي فإنّ الأنشطة الموجهة نحو الثقافة – مثل تنظيم المشاريع الحرفية – هي مصدر لتمكين المساواة لتحقيق المساواة بين الجنسين (الهدف 3 من الأهداف الإنمائية للألفية). ومن المؤكد أن هذا يتضمن منهجيات التوعية الصحية (الأهداف 4 و5 و6 من الأهداف الإنمائية للألفية)، وأن المعرفة الثقافية والتقليدية هي موارد لا تنضب من أجل البيئة المستدامة وسبل العيش (الهدف 7 من الأهداف الإنمائية للألفية). كما عززت برامج الأهداف الإنمائية للألفية التعاون بين الشركاء على الصعيدين الوطني والدولي، مما أسهم في بناء ملكية وطنية قوية من خلال عمليات تشاركية عالية.
ويتمثل أحد التحديات التي تواجه دور الثقافة في التنمية في قياس أثر الثقافة في العملية التنموية. ومن أجل تذليل هذه الصعوبات تولت اليونسكو قيادة مبادرتين هامتين تقدمان صورة قائمة على الأدلة عن دور الثقافة في التنمية. ويشمل ذلك وضع إطار للمؤشرات الثقافية التي تركز على الوزن الاقتصادي لقطاع الثقافة ودوره في التنمية، وتشمل هذه المؤشرات التماسك الاجتماعي، والمشاركة الثقافية، والحريات الفردية، والتعليم، والحكم، أو الوصول إلى وسائل الاتصال من بين أمور أخرى. وتوفر هذه المؤشرات معا صورة واضحة عن الواقع الإنمائي لمجتمع ما، ودور الثقافة في العملية التنموية الشاملة.
وتوضح مجموعة المؤشرات الكمية التي اعتمدتها اليونسكو من أجل قياس الفعالية التنموية دورَ الثقافة في التنمية المستدامة على المستوى الوطني، وتشكل هذه المؤشرات دليلا عمليا على دور الثقافة وأهميتها في تعزيز الاقتصادات الوطنية والنهوض بالسياسات الإنمائية الأخرى. ففي الإكوادور، على سبيل المثال، بلغت مساهمة الأنشطة الثقافية الرسمية والخاصة في الناتج المحلي الإجمالي 4.76 في المئة في عام 2010.
8- الممانعة الثقافية للتنمية في الوطن العربي:
حين ننظر إلى الثقافة العربية من منظور أنثروبولوجي، أي، بوصفها مجموعة قيم وتصورات ومفاهيم وعادات وتقاليد ومعتقدات ومعايير ورؤى وذهنيات ومواقف، سنجد بالتأكيد أن العناصر المعطلة للتنمية والمقاومة للنهضة تسود وتهيمن وتسيطر على العناصر الحافزة والميسرة للعملية التنموية وتبزها.
وتتمثل الأزمة التنموية الثقافية العربية في التناقض ما بين القيم والعادات والتقاليد ومتطلبات التنمية الشاملة، فالثقافة التقليدية، المشبعة بعناصر ثقافية مضادة للتنمية، تناهض أي فعالية تنموية وتتناقض مع معطياتها، لأنها تمثل نمطا من وعي التخلف في جوهرها وبنيتها الأنثروبولوجية، وهذا ناجم عن وضعية التخلف الفكري الراسخ في الحياة الاجتماعية التقليدية الذي يتبلور في نسق من القيم والعادات والتقاليد السلبية التي تعرقل مسار النماء الإنساني في مستوى الفرد والجماعة والمجتمع. ويمكن تفسير هذه الوضعية بما تركته عصور الانحطاط الطويلة من مفاهيم متخلفة ومن مقومات نفسية واجتماعية تحول دون التقدم، من مثل التواكل، والتفسير السحري للأشياء، وسيطرة الشكل والمظهر على المضمون والجوهر في شتى جوانب السلوك، وتعطيل دور المرأة، وسيادة التسلط والقسر، والأحجام عن العمل اليدوي، وغياب النزعة العقلانية، وغير تلك من أنماط السلوك السلبية في المجتمع[33].
ويعلن عدد كبير من المفكرين العرب في هذا السياق وجود هيمنة كبيرة لثقافة الممانعة في مختلف البلدان العربية التي، تتمثل في أنماط الثقافات التقليدية التراثية الماضوية العشائرية القبلية التواكلية، والتي تنطوي على عناصر ثقافية مضادة لعملية الأنسنة والتنمية بمختلف تجلياتها وتنوعاتها.
وفي هذا الصدد يقول أحمد مجدي حجازي: “في المجتمعات العربية نجد ثقافة غير مبدعة لا تقوى على خلق فكر اجتماعي مستقل قادر على التجديد برغم وجود مظاهر التحديث المادي مثل: زيادة أعداد المتعلمين، وتنامي ظاهرة الاستهلاك الترفي، بل إن قيم الثراء أصبحت قيما كمية لا نوعية، حيث أصبح الثراء سلطانا على الثقافة والمعرفة والقيم”([34]). فالشخصية العربية شخصية تقليدية محافظة نتيجة لهيمنة القيم الاجتماعية القبلية والعشائرية المضادة للحضارة والمدنية. وقد أدت عوامل التغير السريع إلى تشويه القيم الإيجابية في الشخصية العربية فتحول الكرم إلى تبذير، والرجولة إلى رفض لدور المرأة في المجتمع، والاعتدال إلى تطرف، والجدّ إلى الكسل، والتوكل إلى تواكل، وقوة العزيمة إلى مهادنة، والاعتماد على الذات إلى الاعتماد على الغير. ومثل هذا التصور نجده لدى علي خليفة الكواري الذي يقرّ بوجود أزمة قيم في الخليج العربي تتمثل بظهور قيم جديدة قوامها استشراء الروح الاتكالية، والانتهازية، والارتزاق، والمضاربة، والبطالة المقنعة، وشعور اللامبالاة، والانغماس في ماديات الحياة على حساب إمكانات السمو المعنوي والأدبي للأفراد والجماعات[35].
فالثقافات التقليدية العربية ما زالت تدور في فلك المحافظة والجمود الثقافي على الرغم من طفرات التنمية الاقتصادية، والحق يقال إن ظاهرة المحافظة ورفض التغير والتجديد من أخطر ظواهر التخلف وأعمقها لكونها ظاهرة يصعب تغييرها، ذلك أنها تضرب بجذورها في أعماق حياة الإنسان، إذ ترتبط بما ألفه الفرد وما عرفه وما تأصّل فيه، وبما ألف آباؤه وأجداده وعرفوه، وتحمل بالتالي جانبا من القدسية أو ضربا من نشوة الحنين إلى الماضي”[36]. والثقافة الخليجية كنموذج لثقافة عربية، تنطوي على مجموعة من القيم والمعايير والبنى الذهنية التي تناهض عملية التنمية ومنها: رفض العمل اليدوي والحر ولاسيما أعمال المخابز والمتاجر وخدمة الآليات وأعمال النظافة وغيرها([37]). فكيف تكون التنمية في مجتمع يرفض القيام بخدمة نفسه وأداء الأعمال الحيوية في مجال الحياة الاجتماعية؟
ويقول أحمد خضر أبو هلال مؤكدا الدور السلبي للثقافة التقليدية “الإنسان التقليدي يخضع للطبيعة، ولا يعشق التغيير بل يخشاه، إنه يؤمن بالسحر والغيبيات، ويرغب في الابتعاد عن السلطة وعن مراكز المسؤولية، إنه متواكل إلى درجة التخاذل ولا يبحث في المستقبل لأنه يعيش في الماضي وينعزل به([38]). وعلى خلاف ذلك فإن الإنسان في المجتمعات المتطورة نشيط يحب العمل وتحمل المسؤولية، ويخطط للمستقبل ويعتقد بإمكانية التحكم فيه، ويؤمن بالتغيير ويعشق المغامرة” ([39]).ومما لا شك فيه أن التكوين الثقافي للإنسان العربي التقليدي فرضته عوامل وظروف تاريخية ضاربة عميقة الجذور والأبعاد، وهذا يعني أن الثقافة السائدة في الغالب هي ثقافة ممانعة لعملية التنمية الحقيقية التي يجب أن تكون في هذه المراحل التاريخية من تطور المجتمعات.
فهذه الثقافة العربية التقليدية السائدة: “ثقافة خرافية تميل إلى الإعجاز أكثر من ميلها إلى العلم، وتميل إلى الاستسلام أكثر من ميلها إلى المنحى التحريري… والبرجوازية العربية تشيع هذا النمط الخرافي من التفكير وتساعد على بثه بهدف إضعاف الفكر العلمي لدى الطبقات الشعبية، فيسهل تخويفها والسيطرة عليها” ([40]).
وباختصار يمكن القول بأن الثقافات التقليدية السائدة في العالم العربي غرست نسقا من القيم السلبية المناهضة للتنمية مثل: الخضوع للأمر الواقع، القدرية، الاتكالية، القبلية، العشائرية، الطائفية، القبول بما هو قائم، وأن هذه الثقافات تعمل على تجريد الفرد من روح المبادرة، وتغييب حس المسؤولية، وإضفاء الطابع القدسي على أغلب جوانب الحياة، وتغييب الروح النقدية.
8- مفارقة النمو والتنمية:
شاع في العالم العربي – ولاسيما في الخليج العربي – عدد كبير من مظاهر التحديث الّتي اتّخذت صورة من التسابق في تشييد الأبراج العملاقة، وبناء منشآت ضخمة، ومَبان رائعة تأخذ أحدث أشكال وطراز العمارة الأجنبية الحديثة، وكذلك في التأسيس للمجمعات التجارية التي تفوق ما عداها في أوروبا وآسيا. لقد انطلقت هذه التغيرات الحضارية المادية الهائلة بوتائر متسارعة، دون أن يرافقها تنمية ثقافية وعقلية وذهنية في الكيان الاجتماعي. وهذا ولد شروخا وتصدعات كبيرة في بنية الحياة الحضارية بين ثقافة تقليدية ساكنة جامدة، وبين نمو مالي واقتصادي بنيوي هائل متسارع يتميز بالعمق والشمول. وأدت هذه الوضعية إلى انشطار كبير بين الوعي الاجتماعي والتقدم المادي، بين ثقافة تقليدية ونقلة حضارية مادية نوعية تفوق حدود الوصف من حيث قوتها وسرعتها وتقدمها، وأخذت الحضارة صورة مادية صنعية لا روح فيها ولا معنى أو دلالة إنسانية.
وإذا كان العلم يشكل وعيا بالحضارة، فإن النقلة النوعية للنمو الاقتصادي في العالم العربي لم تترافق حتى اليوم بتوطين العلم والمعرفة العلمية، أو بتكوين العقول والخبرات الوطنية المبدعة كما يجب، حيث بقي العقل الأجنبي هو مبتدأ هذه النهضة وخبرها.
ولو سألنا اليوم: من المهندسون والخبراء الذين قاموا بتشييد أبراج دبي والمآثر العمرانية في العالم العربي؟ لما تردد أحد بالإجابة بأن الخبرات والعقول هي خبرات وعقول أجنبية بامتياز، فهم ليسوا عربا أو خليجيين على الأغلب، فالأبراج والمنشآت صناعة أجنبية، ونحن نفخر بكل ما هو أجنبي ولا فخر. ويمكن أن نسوق في هذا الإطار مثالا يوضح هذه المفارقة بين برج دبي وبين برج إيفيل في فرنسا، فعندما تصعد إلى برج إيفيل ترى أن الفرنسيين يفتخرون بمهندسهم إيفيل أكثر بألف مرة من البرج نفسه ككيان مادي، أي إنهم يفخرون بالعبقرية الفرنسية في مجال الهندسة العمرانية، وليس ببرج إيفل نفسه. وقد خصصوا في البرج مكانا شامخا للمهندس وزوجته ومساعديه وظروف عمله وتاريخه، مكانا شامخا وضعوا فيه إشادة بالمهندس وزوجته … وذلك هو الجانب الأهم ربما في برج إيفيل، فهل نجد مثل هذا في الأبراج العربية التي تصدم الخيال بقوتها وعظمتها؟
لو كان الأمر في مساره الصحيح لوجب علينا أن نفخر بعدد العلماء والمبدعين والمفكرين من أبناء الوطن والمؤسسات العلمية والفكرية والأكاديمية الوطنية التي يمكنها أن تنهض بالتنمية الحقيقية وأن تتجاوب لمتطلباتها. ولو كان من فخر لكان علينا أن نعمل على توطين المعرفة والخبرات العلمية واستثمار بعض المال في بناء العقول والأدمغة والخبرات الوطنية التي تشكل مبتدأ النهضة وخبرها. لو كان علينا أن نفخر لكان علينا أن نفخر بعملية بناء الإنسان العربي والاستثمار في بنائه الثقافي على صورة الإنسان الفاعل المبدع المخطط المنتج المغامر الخلاق الذي يرسم الحضارة ويؤمن بالقيم الخلاقة المؤسسة للنهضة الإنسانية، وهنا تكمن روح الحضارة وعبقريتها.
9- تنمية مشوهة: صدام التحديث والحداثة.
عملت الدول العربية منذ عهد الاستقلال على تحديث مجتمعاتها وتنميتها. وشهدت هذه المجتمعات عملية تنموية اقتصادية وعمرانية لا مثيل لها، فرضتها عوامل متعددة أهمها الوفرة الاقتصادية المتمثلة في الثروة الطبيعية لهذه البلدان، ورخص اليد العاملة. واستطاعت هذه البلدان، ولاسيما الخليجية منها، خلال عقود قليلة أن تؤسس لعملية نمو عمراني واقتصادي واضحة المعالم، وأن تنتقل بمجتمعاتها – في مستويات التطور العمراني والمادي- عبر عملية حرق المراحل من مجتمعات بدوية صحراوية إلى مجتمعات تضاهي أحدث دول العالم عمرانا وبناء ومؤسسات لتختصر مسافات حضارية بلغت مئات السنين بمقاييس الحضارة الإنسانية، حيث أصبحت المنشآت الاقتصادية والمالية والتجارية تضاهي تلك الموجودة في باريس ولندن وروما. ولكن المشكلة هي أن هذه النقلة لم ترافقها نقلة حضارية فيما يتعلق بالحداثة الفكرية والثقافية، حيث بقيت الثقافات التقليدية البدوية المحلية والصحراوية تحتل مكان الأهمية والصدارة في الحياة الاجتماعية دون تغيير يذكر. بل وعلى خلاف ذلك كله فإن المؤشرات الثقافية تدلّ على أن حركة التجديد هذه إلى تحديث القديم وتطويره دون تغييره جذرياً، وما يراد بهذا القول إن ثمة قيما تقليدية ممانعة وجدت نوعا من التأصيل تحت ضغط مبررات أيديولوجية متعددة أبرزها قيم الانكفاء والانغلاق والعودة إلى النماذج الأصولية[41].
فالوطن العربي يعيش حالة تناقض وانشطار وجودي كبير، تتمثل في التصادم بين أحدث مظاهر الحياة الحضارية الغربية المتقدمة، وبين ثقافات تقليدية ما قبل صناعية تحكمها الروح القبلية السابقة للحضارة بمعاييرها وقيمها وتجلياتها المختلفة. وهذا يعني وجود بون شاسع بين روح الحضارة وكينونتها المادية. ومن الواضح أن هذا التناقض يمثل صورة المفارقة القائمة بين منتهى التقدم الحضاري ومبتدأه، حيث يأخذ هذا التناقض في وجهه الأول صورة ثقافة تقليدية من غير أسس مادية، ويأخذ في وجهه الثاني صورة حضارة مادية من غير أسس ثقافية حداثية. وهذا التناقض المزدوج يولد بالضرورة مشاعر التناقض الكبير والتصادم الثقافي الذي يؤسس لأزمة هوية تتسم بالعمق والشمول.
فالإنسان العربي يعيش خصوصياته الثقافية التقليدية حتى العظم في الوقت الذي يرفل فيه بمعطيات الحضارة الغربية حتى الثمالة، فنحن كما يقول علي حرب “عرب أو مسلمون فيما يتصل بالمقدسات والمحرمات؛ ولكننا غربيون فيما يتعلق باسـتيراد الأدوات والسـلع والصور والمتع التي توفرها أجهزة الفيديو وأفلام البورنو… أي في كل ما يتصل بمادة الحياة وأسباب الحضارة”([42]). فثقافة الحداثة تركز على العقلانية والفردية والإيمان بالعلم والقيم الديمقراطية، أما ثقافتنا التقليدية فهي ثقافة ما قبل الحضارة الزراعية، ثقافة البداوة، وهي ثقافة جمعية عاطفية ترفض مبدأ الفردانية وتستمد نسغ وجودها من الإيمان بالأساطير والخرافات والقيم التقليدية التي لا تتوافق مع قيم الحضارة المادية الغربية.
لقد عبر الكاتب والمفكر الكويتي عبد الله النفيسي خير تعبير عن هذا الانشطار وتلك الإشكالية في طبيعة العلاقة بين الحداثة والتحديث بين النمو والتنمية، حيث يقول: “في القبيلة تسود قيم قد لا تتماشى مع كينونة الدولة وتراكيبها، فقيم الدخالة والعصبية والفزعة والنخوة والفخر والهجاء والطاعة والنصر والحماية والحلف وغيرها من قيم القبيلة لا يمكن أن تتحمل فكرة الدولة العصرية وتواجدها “. وفي إشارة منه إلى واقع التطور في الكويت[43] يرى النفيسي – وهذا الرأي يعود إلى مرحلة الثمانينات من القرن الماضي ولكنه برأينا ما زال يحمل دلالة معاصرة تشمل معظم دول الخليج العربي إن لم يكن معظم الدول العربية التي ما زالت في طور الانتقال من كونها القبلي إلى كونها العصري في شكل الدولة- حتى الآن لم تحقق (بعض هذه الدول) العبور الكامل من القبيلة إلى الدولة[44].
إنه لمن البساطة بمكان القول إنّ التنمية الحقيقية تقاس بمدى حضور القيم الثقافية التنموية في سلوك الناس، ومدى تجليها في أنماط حياتهم ووجودهم. ووفقا لهذا المعيار يمكن القول إنّ ثقافة التنمية في مجتمعاتنا لا تأخذ موقع الهيمنة في الحياة العامة للناس، فأنماط السلوك ما زالت تستمد وجودها من ثقافات تقليدية قبلية إثنية أو طائفية وإقليمية في غالب الأمر. ويتمثل ذلك في ضعف الولاء للدولة وقيمها مقارنة بقيم الولاء للطائفة والقبيلة وغيرها من الولاءات الصغرى. وينبئا واقع الحال أن التنمية لم تنجز بعد كثقافة حياة ووجود وبقيت تنمية تنظيمية للحياة مرهونة بمؤسسات الدولة وقوانينها وممارساتها اليومية.
وهذا يعني أن التنمية الحقيقية في العالم العربي ما زالت في أمس الحاجة إلى دمج النبضة الوجدانية والروحية الحداثية في بنية الحياة المادية والاقتصادية. إن الانشطار بين الحضارة المادية وروحها يشكل التحدي التاريخي الأول الذي يواجه عملية تنمية وطنية حقيقية متكاملة وشاملة، حيث تعمل هذه التناقضات الكبرى، ما بين الثقافة التقليدية البدوية الشرقية والحضارة المادية الغربية، على توليد مشاعر القلق والضياع والتوتر في العمق الإنساني للإحساس بالهوية والانتماء. وأخيرا فإن المصالحة بين روح الحضارة وجسدها يشكل اليوم أحد أكبر وأهم التحديات التي تواجهها المجتمعات العربية، ولا تكون هذه المصالحة إلا بترسيخ ثقافة العقلانية والروح التنويرية التي يمكنها أن تشكل منطلق هذه المصالحة الحضارية مع الذات والوجود والهوية. وعلى هذا النحو فإن العرب مطالبون اليوم باستخدام الطاقة النقدية والعقلانية والديمقراطية، وتوظيف العلم والمعرفة العلمية، وتوظيف كل القيم الإنسانية الخلاقة في مواجهة تحديات التنمية وغيرها من التحديات الكبرى للمحافظة على الهوية والكينونة والوجود وتحقيق تنمية شاملة متكاملة.
فثقافة التنمية تحتاج إلى “عقل منفتح غير متعصب، ونقدي يقبل الاختلاف وينتج الاختلاف، ويسعى للاتفاق على أسس مقبولة عقلية وعقلانية، فنحن إذا محتاجون إلى تفتح فكري، إلى روح نقدية، ومحتاجون إلى فكر يحارب الإحباط الذي في أنفسنا أو الذي في نفوس بعضنا”([45]). إننا “بحاجة إلى التحديث والانخراط في عصر العلم والثقافة كفاعلين ومساهمين. كما نحن بحاجة أيضا إلى مقاومة ثقافة الاختراق وحماية هويتنا القومية وخصوصيتنا الثقافية من الانحلال والتلاشي تحت تأثير موجات الغزو الثقافي الذي يُمارس علينا وعلى العالم أجمع بوسائل العلم والثقافة. والوسيلة في كل ذلك واحدة هي اعتماد الإمكانيات اللامحدودة التي توفرها العولمة نفسها، أعني الجوانب الإيجابية منها وفي مقدمتها العلم والتقانة”([46]).
10- ثقافة الانطلاق:
رسخ في مختلف التجارب التنموية أن رأس المال وحده لا يمكنه أن يكون كافيا في العملية التنموية أو حتى في عملية الإنتاج ذاتها. وبات واضحا أن النشاط الذهني بمادته وقدراته المعلوماتية هو أساس الإنتاج في حين أصبح رأس المال مجرد عنصر من عناصره، وهو بذلك قد فقد عنصر الأولوية الرئيسية كما كان الاعتقاد في العصر الصناعي ([47]). وكان للاقتصادي الإنكليزي آدم سميث فضل السبق على معاصريه في الإشارة إلى أهمية رأس المال البشري ودوره في الدخل الاقتصادي القومي، وسبق له القول إن الرجل المؤهل علميا يمكن أن يقارن بإحدى الآلات المتطورة والحديثة والمكلفة في مجال الإنتاج والتوظيف والاستثمار ([48]). وهذا يعني أنه لا يمكننا أن نتحدث عن تنمية حقيقية دون الاستثمار في مناجم العقول وبناء البشر، وهو ما لا يتم دون التطوير الجذري للتعليم كي يصبح تعليماً منتجاً للمعرفة ومنتجاً للثقافة، وكي يكون سلاح الأمة التي تواجه به كل تيارات الغزو الثقافي ومحاولات التغريب وطمس الهوية وهو صمام الأمان في أمنها الثقافي ومستقبلها[49].
إن أخطر ما يمكن أن يستقر في العقل العربي هو الاعتقاد أن توفر المال والرجال يضمن في حد ذاته مستقبلا مشرقا للعالم العربي، وهذا يعني أن البلدان العربية في الخليج العربي وغيرها تحتاج إلى ترسيخ ثقافة تنموية جديدة تنهض بالإنسان والمجتمع، ثقافة تنموية تقوم على أنقاض الثقافة التقليدية المناهضة للتقدم والتنمية وتتجاوزها. فكل التّجارب النّهضويّة الإنسانية المعروفة تاريخياً بدأت بنوع من الثورة إلإيبستيمولوجية التي غيرت من نظرة الإنسان إلى نفسه ومجتمعه وإلى العالم من حوله، سواء تحدثنا عن النهضة الإسلامية أو النهضة الأوروبية أو النهضة اليابانية. ابتدأت هذه التجارب النهضوية بثورة إبيستيمولوجية غيرت من العلاقة الذهنية بين الكائن والمحيط الذي يعيش فيه، فكانت النهضة والإبداع والعقل الخطابي ([50]). لم تتم نهضة في التاريخ إلا وكانت مسبوقة بثورة إبيستيمولوجية غيرت من نسق القيم والمفاهيم والتصورات السائدة في تلك المرحلة أو في ذلك المجتمع.
وهذا هو حال الثورة الثقافية التي شهدتها الصين، في عصر ماوتسي تونغ في السبعينات من القرن الماضي، أي عندما أعلن ماوتسي الثورة على الثقافة التقليدية القديمة الممانعة لنهضة الصين وحركتها، وأسس لخارطة ثقافية جديدة تعلي من قيم العمل والجد والنظام وترفض قيم الاتكالية والهزيمة والكسل والقداسة والخرافة والسحر والشعوذة من أجل بناء ثقافة تنموية كبرى تمهد لعملية النهضة الحضارية الشاملة. وهذا هو حال الصين اليوم أمة تفوق الأمم في مدى قوتها وحضارتها وعظمتها.
ومن أجل بناء هذه الثقافة أي ثقافة الانطلاق، يمكن “للتعليم أن يلعب دورا كبيرا في تصحيح الخلل الذي يعانيه نسق القيم الراهن، وإرساء قيم تنموية واتجاهات مجتمعية تساعد المنطقة على مواجهة التحدي الذي أفرزه تصدع القيم المتعلقة بالعمل والإنتاج من تغييب الارتباط بين الحوافز والإنتاج، والجهد والإنتاجية، وتراجع القيم المعنوية والمجتمعية لصالح القيم المادية والفردية والأنانية ولاسيما نمط الإنتاج التفاخري الراهن”[51].
إن تغيير الذهنية لا يمكنه أن يكون تحولا شكليا يتم من الخارج، بل هو حالة تغير ذاتي تتم في داخل الجسد الاجتماعي، وهذا يعني أن إحداث التحول في داخل الذهنية لا يمكنه أن يكون تحولا في الثقافة بل هو تحول في داخل الثقافة نفسها. ومن أجل ذلك يجب البحث في الجذور الثقافية عن مفاتيح التغيير في الذهنية. إن تغيير الذهنية يعني تنشيط منطق ثقافي مضمر من أجل تعزيز طرق جديدة في التفكير عن طريق القيم والمشاعر.
إن الثقافة التي تقتضيها هذه المرحلة التاريخية هي الثقافة العلمية، ثقافة الانطلاق التي ترتكز على العقل والتجربة والحرية والقيم الإنسانية الخلاقة، إنها الثقافة التي تنطوي على قيم الحق والخير والعدالة والحرية، ثقافة الإيمان بقيمة العمل والإبداع والمغامرة، ثقافة الرفض لجميع مظاهر الترف والإسراف والمباهاة والاستهلاك والتملق والتزلف والتصنع والاستكبار والغش والخداع والواسطة والمحسوبية والفساد والمفاخرة والاعتزاز والفزعة والتعصب والانكسار واحتقار المرأة والمتعة، إنها ثقافة المواطنة والإيمان بالوطن، ثقافة العدالة والتضحية والمعرفة والإيمان بالعلم رفضا للخرافات والسحر، إنها باختصار ثقافة النهضة بل ثقافة الانطلاق في مواجهة ثقافة الممانعة والجمود والانغلاق.
إن تنمية حقيقية في العالم العربي يجب أن تأخذ اليوم توجهات ثقافية بالدرجة الأولى. فلقد، حققت هذه الدول انتصارات هائلة في مجال تراكم الثروة والمال، وانعكس ذلك على مختلف مظاهر الحياة في الصحة والدخل والتعليم والخدمات، ولم يبق أمام الشعوب العربية غير التنمية الثقافية، وهي تنمية في البشر والإنسان، وهي تنمية بشريّة في جوهرها، وتلك هي التنمية التي تشكل أسّ الحضارة الحقيقية ومنطلقها، وهذا كله لا يتحقق إلا بإرساء قيم العدالة والحق والخير والحرية والمساواة والإيمان بالقيم الإنسانية الخلاقة جميعها.
فالتنمية الحقيقية تحتاج إلى تثوير العادات والتقاليد لتنسجم مع معطيات التنمية ومتطلبات الحضارات ودواعي التقدم الإنساني، وهذا يتطلب تنمية الإحساس بالمسؤولية والإيمان بالوطن فوق كل الانتماءات، وبناء الإنسان على أساس من قيم التسامح والمواطنة، ورفض الطائفية والعشائرية والانتماءات الصغرى، والإيمان بقيمة العمل اليدوي والفكري والإنساني، والنظر إلى الكون بعقلانية راسخة وإيمان عظيم، وتلك هي صورة عامة لثورة ثقافية تنموية خلاقة تقتلع أورام التخلف وتطهر الثقافة الوطنية من أعشاب الثقافة المرضية التي تثقل على الحياة والوجود في الخليج العربي .
11- خاتمة:
يدعو عالم الذرة الباكستاني عبد القادر خان، المشرف على برنامج باكستان النووي، الدول الإسلامية للمزيد من الإنفاق في مجال الثقافة والتعليم حيث يقول “كنت أكرر دائما وما زلت أكرر بأن على العالم الإسلامي أن يتجه نحو الاستثمار في الثقافة والتعليم وفي رأس المال البشري إذا أراد أن يسترجع هيبته المفقودة وحماه المستباح. فالتعليم في الإنسان وتشكيل الإنسان وفقا لروح ثقافية جديدة يمثل رأس المال الذي يجب إنماؤه والسهر عليه بوصفه الثراء الذي لا يضاهيه ثراء في العالم المعاصر”([52]).
إن هناك علاقة وثيقة بين الثقافة والحياة والتنمية المستدامة، حيث يصعب الفصل بينهما، فالثقافة تنمية في محتواها وأهدافها وغاياتها، والتنمية ثقافة في مختلف تجلياتها، وفيما بينهما تكمن مهمة التربية التي تكرس هذه العلاقة في صورة وعي تنموي يرسخ كل أشكل الإدراك والسلوك والقيم التنموية في المجتمع. والثقافة لا يمكنها أن تحقق غايتها التنموية إلا من خلال التربية التي تؤصل لكل فعالية تنموية ممكنة في الحاضر والمستقبل. ولا يستطيع المجتمع المحافظة على تماسكه وأمنه من غير التفاعل الخلاق بين الثقافة والتربية والإنسان.
ومن هنا لا يمكن – والحال هذه – إحداث تنمية في أي مجتمع دون الانطلاق من ثنائية التفاعل بين الثقافة والتربية، ومن ثمّ فإنّ أي محاولة تنموية لا تأخذ بوشائج العلاقة بين التربية والثقافة لا يمكنها أن تحقق جدواها وحضورها الإنساني.
وما نود الإشارة إليه في هذه الخاتمة أن أخطر ما يواجه التنمية المستدامة اليوم يتمثل في حضور القيم الثقافية الطائفية والعنصرية وغياب حقوق الإنسان وتغييب قيم التسامح والسلام. فحضور هذه القيم السلبية يجعل من التنمية عملية مستحيلة. ومن المعروف أن الثقافات التعصبية تؤدي إلى تفجير الحروب والنزاعات الأهلية والصراعات الدولية، وهذه تؤدي إلى تدمير التنمية والقضاء على الحضارة ومقومات الوجود الإنساني. إن حربا واحدة كافية للقضاء على منجزات الحضارة الإنسانية التي اقتضى بناؤها وتطورها آلاف السنين. وهذا ما شهدناه في الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين أدّتا إلى تدمير حضارات ومدن ودول بكاملها. ويلاحظ الخبراء والباحثون أن الحروب الأهلية القائمة في الدول النامية تؤدي إلى تدمير الإنسان والبيئة والدول والحضارة. وهذا ما نشاهده اليوم في عدد من الدول العربية مثل سوريا واليمن والعراق وليبيا والصومال التي تعاني من ويلات الحروب الأهلية المدمرة لكل أشكال التنمية والحضارة والقيم الإنسانية النبيلة. ونحن في العالم العربي اليوم في أشدّ الحاجة لثورة ثقافية جديدة من أجل بناء ثقافة تنموية، تنطلق بنا جميعا إلى مشهد حضاري إنساني يسمو بالأفراد والمجتمعات إلى آفاق حضارية إنسانية جديدة.
وهنا يأتي دور التربية في التنمية على ثقافة التسامح والسلام وحقوق الإنسان والمواطنة. وتأسيسا على أهمية الحاجة إلى استكشاف أبعاد وأهمية التربية الثقافية على التنمية سنخصص الفصول المقبلة للبحث في التربية على قيم المواطنة والسلام والتسامح وحقوق الإنسان.
[1] – يكاد يقتصر مفهوم الثقافة في الدراسات العربية غير المتخصصة على الفكر ويتم استبعاد المكونات الأخرى. والسبب في ذلك أن علم الإناسة الذي أعطى لمفهوم الثقافة أهم مضامينه ما زال يحتل حيزا ضيقا في الدراسات العربية.
[2] – علي وطفة، علم الاجتماع التربوي وقضايا الحياة التربوية المعاصرة، دار الفلاح، الكويت، 1999.
[3] – Kant, critique de la raison pratique trad. J.Giblin. Paris, 1965.
[4] – وائل التل، أحمد الشعراوي، أصول التربية الفلسفية والاجتماعية والنفسية، دار اليازوري العلمية، عمان، 2008.
[5] – فؤاد زكريا، خطاب إلى العقل العربي، مجلة العربي، الكتاب السابع عشر، الكويت 1987.ص19.
[6] – فؤاد زكريا: خطاب إلى العقل العربي، المرجع السابق، ص19.
[7] – الطاهر اللبيبي، سوسيولوجيا الثقافة، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، 1987. ص: 6.
[8]– Madeline Grawitz: Lexique des sciences socialesDeuxième Edition, Dallos, Paris, 1983. p.93
[9] – Daul Robert, Petit Robert dictionnairealphabétique et analogique de la langue Francaise, Le rodert, Paris, 1980. p.436
[10] – Joseph sumpf, dictionnaire de la sociologie, Larousse, Paris، 1973. p.75
[11]– عبد الله الرشدان، علم الاجتماع التربوي، دار الشرق، جدة، 1985. ص 147.
[12] – Kant, critique de la raison pratique trad. J.Giblin. Paris, 1965.
[13] – تركي الحمد، الثقافة العربية أمام تحديات التغيير. دار الساقي، بيروت، 1993، ص55.
[14] – عبد الله عبد الدايم، التربية والقيم الإنسانية في عصر العلم والتقانة والمال، المستقبل العربي، السنة العشرون، العدد 230، نيسان /إبريل، 1998، (صص 64-86)، ص80.
[15] – إبراهيم ناصر و دلال محلس استيتية، علم الاجتماع التربوي، جمعية عمال المطابع التعاونية، عمان، 1984.ص 71
[16] -Gilbert Durand: les grands textes de la sociologie moderne, Bordas, Paris, 1969. p.78
[17]– عمر عبيد حسنة، المشاكلة الثقافية (مساهمة في إعادة البناء)، المكتب الإسلامي، بيروت، ط1، 1993، ص 100.
[18]– أحمد أبو زيد، الثقافة: الإنسان والتنمية، بحث منشور على موقع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، مهرجان القرين الرابع عشر.
www.kuwaitculture.org/qurain14/word/drahmed_bozed.doc
[19] – ماكس فيبر أو ماكسيميليان كارل إميل فيبر (بالألمانية: Maximilian Carl Emil Weber) (21 أبريل – 1864 – 14 يونيو 1920) عالم اقتصادي وأحد مؤسسي علم الاجتماع ومن أكثر أعماله شهرةً ( الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية )
[20]– أحمد أبو زيد، الثقافة: الإنسان والتنمية، ورقة قدمت في ندوة الثقافة والتنمية، ضمن فعاليات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت: مهرجان القرين الرابع عشر، هولدي إن 27، الكويت /11/2007.
[21] – صامويل فيليبس هنتنغتون (Samuel Phillips Huntington) (18 أبريل 1927 – 24 ديسمبر 2008) هو عالم وسياسي أميركي، وبروفسور في جامعة هارفارد. وقد عرف عالميا بأطروحته حول صراع الحضارات، والتي جادل فيها بأن الصراع الحضاري هو صراع وجودي بين الأمم والشعوب.
[22]– صمويل ب. هتاتون، الثقافات ودورها المؤثر، ضمن: لورنس إ. هاريزونو صمويل ب هنتجتون، الثقافات وقيم التقدم، ترجمة شوقي جلال، المركز القومي للترجمة، الطبعة الثانية، القاهرة، 2009. ص19
[23] – آلان بيرفيت، المعجزة في الاقتصاد: من المدن الفينيقية إلى اليابان، ترجمة بسام حجار، بيروت: دار النهار للنشر، 1997.
[24]– إبراهيم غرايبة، رأس المال الاجتماعي أهم موارد التنمية، موقع الإسلام اليوم، الثلاثاء 25 جمادى الأولى 1425 الموافق 13 يوليو 2004. http: //www.islamtoday.net/bohooth/artshow-43-3969.htm
[25]– لورانس إي. هاريسون، الثقافة والتنمية الاقتصادية، مركز الكوثر، http://www.siironline.org/alabwab/moghavama_alfaghr/023.html
[26] – Hannah Arendt, La Condition de l’homme moderne, Broché – 15 octobre 2002.
[27] – M. Foster George, Traditional culture and the impact of technological chang, Harper Row publisher, New York, 1962, pp 25-31
[28]– أحمد أبو زيد، الثقافة: الإنسان والتنمية، ورقة قدمت في ندوة الثقافة والتنمية، ضمن فعاليات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت: مهرجان القرين الرابع عشر، هولدي إن 27، الكويت /11/2007.
[29]– Lawrence E. Harrison, Underdevelopment Is a State of Mind: The Latin American Case, Madison Books Hardcover – March 15, 2000.
[30]– صمويل ب. هنتغتون، الثقافات ودورها المؤثر، ضمن: لورنس إ. هاريزونو صمويل ب هنتغتون، الثقافات وقيم التقدم، ترجمة شوقي جلال، المركز القومي للترجمة، الطبعة الثانية، القاهرة، 2009. ص20.
[31]– يحي حسن درويش، الجوانب الاجتماعية للتنمية والتخطيط، معهد التخطيط القومي، القاهرة 1988.
[32]– عبد الله عبد الدائم، المعوقات الاجتماعية والثقافية والنفسية للتنمية في العالم العربي، بحث مقدم إلى الندوة التي عقدها في القاهرة (من 4 – 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 1989) برعاية برنامج الأمم المتحدة في العالم العربي حول «آفاق استمرارية التنمية في التسعينات ودور برنامج الأمم المتحدة في العالم العربي».
[33]-عبد الله عبد الدايم، العرب والعلم بين صدام الثقافات وحوار الثقافات. المستقبل العربي عدد203، كانون الثاني/يناير، 1996، صص(21-33)ص33.
[34]-أحمد مجدي حجازي، أمية المثقف العربي: الإبداع وأزمة الفكر السوسيولوجي، المستقبل العربي، عدد 151، أيلول/سبتمبر، 1991(صص 97-113) ص 104.
[35]– علي خليفة الكواري، نحو إستراتيجية بديلة للتنمية الاجتماعية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1985، ص33.
[36]عبد الله عبدالدايم، فراغ نحو فلسفة تربوية عربية. الفلسفة التربوية ومستقبل الوطن العربي. مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1991? ص 254.
[37] علي عبد الله خليفة، التراث الشعبي والتغيرات الاجتماعية السريعة في الخليج، ضمن محاضرات الموسم الثقافي الثاني 85/1986، المجمع الثقافي، أبو ظبي، 1986.
[38]أحمد خضر أبو هلال، دراسة أنتروبولوجية لدور الجامعات العربية في تطوير المجتمع العربي: المؤتمر العام الثاني لاتحاد الجامعات العربية: الجامعات العربية والمجتمع العربي المعاصر 7-4 شباط 1973، صص(113-141)، ص133.
[39]أحمد خضر أبو هلال، دراسة أنتروبولوجية لدور الجامعات العربية في تطوير المجتمع العربي: المرجع السابق ص133.
[40] عبد الرحمن حمادي، أزمة الثقافة العربية المعاصرة، المعرفة السورية، السنة 20، حزيران/يوليو، 1981، (صص 192-225) ص203.
[41]-ماهر الشريف، رهانات النهضة في الفكر العربي، دار المدى، دمشق، 2000، ص149.
[42]– علي حرب، غزو ثقافي أم فتوحات فكرية، الفكر العربي، مج 14, ع 74، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1993، صص 63 – 79، ص64.
[43]-عبد الله النفيسي، الكويت: الرأي الآخر، لندن، 1978، ص 14.
[44]-عبد الله النفيسي، الكويت: الرأي الآخر، لندن، 1978، ص 14.
[45]– محمد عابد الجابري، مستقبل الثقافة العربية في ظل العولمة الثقافية، الكلمة، العدد 18، السنة 5، شتاء 1998، صص 137-138، ص 138.
[46]-محمد عابد الجابري، مستقبل الثقافة العربية في ظل العولمة الثقافية، المرجع السابق، ص 138.
[47] تركي الحمد، الثقافة العربية أمام تحديات التغيير. دار الساقي، بيروت، 1993، ص8.
[48]– Ali Watfa, L’interallié sociale dans l’enseignement supérieur français, université de Caen Comparée aux universités françaises, Thèse de doctorat, Université de Caen, Caen, 1988, P. 51.
[49]– كريم أبو حلاوة، دور الثقافة في التنمية البشرية المستدامة، موقع كتاب من أجل الحرية، الأربعاء, 26 مايو 2010 10:11،
http://iwffo.org/index.php?option=com_content&view=category&layout=blog&id=6&Itemid=7
[50]– تركي الحمد، الثقافة العربية أمام تحديات التغيير. دار الساقي، بيروت، 1993، ص77.
[51]-علي خليفة الكواري، نحو استراتيجية بديلة للتنمية الاجتماعية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1985، ص 100.
[52]– محمد عباس نور الدين، التمويه في المجتمع العربي السلطوي، قراءة نفسية للعلاقة بين الذات والآخر، المركز الثقافي العربي، بيروت، 2000، ص 124. (عن صحيفة الحياة تاريخ 19/5/1998، ص6)
*المصدر: التنويري.