الجامعات حواضن للحريات العامة لا قمعها .. قيود تطال العمل الطلابي داخل أسوار جامعات
الجامعات حواضن للحريات العامة لا قمعها
قيود تطال العمل الطلابي داخل أسوار جامعات
فريق الإعداد: ليندا عيد، هند العيسى، أروى التميمي
شكل2017 عام الانطلاق لحملة طلابية حقوقية داخل كلية البوليتكنك في جامعة البلقاء التطبيقية، مطالبين الإدارة الجامعية بحقوق طلابية ليست مصونة، كانت حملة “بولتكنك بلا حقوق” رامية إلى تنفيذ عدة نشاطات من شأنها تحقيق مطالب حقوقية للطلبة داخل حرم جامعتهم.
“طالبنا بحقوقنا، وبتخصيص ميزانية للاتحاد، وعدة مطالب لتساعد الطلبة خلال المرحلة الجامعة، كمراجعة للمواد على سبيل المثال وهو الوضع الطبيعي بالنسبة لاتحاد الطلبة في الجامعة ولكن لم نلق تجاوباً من قبل إدارة الجامعة ومن هنا أطلقنا تلك الحملة”، هكذا يقول الطالب أيمن عجاوي وهو رئيس الجمعية العلمية الطلابية.
أولى نشاطات الحملة، تنفيذ عدة اعتصامات في ساحات الجامعة لكن سرعان ما تعرض المنظمون إلى تهديد من قبل عمادة شؤون الطلبة لأكثر من مرة، “مع اصرارنا على الاعتصام بهدف تحقيق مطالبنا تم اعتقالي إدارياً لمدة أسبوعين في سجن الجويدة ولم تستطع عائلتي زيارتي في السجن كما أنه صدر بحقي قرار الفصل وإثنين من زملائي المشاركين معي في الحملة وَوُجه لأحدهم إنذار وذلك أيضا خلال تواجدي في السجن”، وفق عجاوي.
قدمت عائلة الطالب أيمن شكوى إلى المركز الوطني لحقوق الإنسان، باعتبار ما تعرض له ابنها هو اعتقال تعسفي، قام المركز الوطني بمتابعة القضية مما أسفر عن خروجه من السجن وعودته إلى الجامعة، هذا ما سرده أيمن عجاوي الذي تم اعتقاله لمدة أسبوعين بتاريخ 27/2/2017 على خلفية استمرار الحملة الطلابية التي تطالب بحقوق الطلاب في جامعة البولتكنك.
دبكة تتسبب بالفصل والإنذار
نجح الطالب محمد أبو رمان في الوصول إلى موقع نائب رئيس إتحاد الطلبة بعد نجاحه بالفوز عن مقعد كلية تكنولوجيا المعلومات في الجامعة الأردنية لعام 2015، حيث تعرض أبو رمان لعدة مضايقات نتيجة للعمل الطلابي، ويذكر محمد بأنه في أحد الأنشطة، قام بها طلب الإتحاد من عمادة شؤون الطلبة على اختيار يوم مناسب للتخريج لكن العمادة رفضت طلبهم دون سبب بل وثمة تضييق بات الاتحاد يتعرض له.
عند انتهاء الإرشاد الطلابي جاء قرار فصل الطالب محمد أبو رمان وزميله بشير الخطيب على خلفية الدبكة وردد خلالها هتافات لهم بأنهم كاونوا يهتفون “يا قائدنا الأول أحمد ياسين”، أنكر محمد ذلك أمام العمادة وقال أن هتافهم وقائدهم الأول هو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، لكن الجامعة تمكست بقرار فصل محمد وزميله في تشرين الأول من عام 2015.
خلالها، قام رئيس الجامعة اخليف الطراونة، بالرد على إحدى المنشورات المتعلقة بالحادثة على موقع الإلكتروني للجامعة الأردنية، “أولا قرار العقوبة جاء من عمادة شؤون الطلبة على مخالفات متكررة من وقت الإرشاد الطلابي وليس لها علاقة بالهتاف للقدس أو المقتومة كما يدعي الاتحاد الدليل أن الجامعة دعمت ولا زالت تدعم ولا زالت كل الوقفات الاحتجاجية ضد العدو الصهيوني ونصرة الأقصى ولن تستجوب أي طالب شارك في هذه الفعاليات وقد شارك اليوم وقبل ذلك آلاف الطلبة، وبعد كل المخالفات المنسوبة لهم تم طلبهم 3 مرات إلى لجان التحقيق ولم يلتزموا بالحضور كما ولم يلتزموا بتعليمات الجامعة”.
بموازة ذلك، لفت عميد شؤون الطلبة في الجامعة أحمد العويدي خلال مقابلة تلفزيونية له على إحدى القنوات بهذا الشأن بأنه لا يمكن قبول هتاف لأي جهة أخرى إلا للدولة الأردنية والقيادة الهاشمية.
بعد ضغط طلابي ونيابي تراجعت إدارة الجامعة عن قرارها، وألغت قرار الفصل وعادت إلى جلسة أخرى للتحقيق معهم، إلا أن الطالبين عادا وأكدا على موقفهما، ليتعرضا لاحقا إلى إنذار في فترة امتحانات الطلبة وانشغالهم بها فلا يمكنهم الاستمرار في الاعتصامات فقام محمد برفع دعوى على الجامعة الأردنية في المحكمة وتكللت القضية بالنجاح ورد قرار الفصل والإنذار.
جامعات حاضنة للحريات
يضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وهو إطار دولي عام، الحق في حرية الرأي والتعبير، وتخص المادة 19 منه على أن لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دون ما مضايقة والتعبير عنها بأية وسيلة ودون ما اعتبار للحدود”، فضلاً عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه الأردن بتاريخ 28/ 5/1975 وفي مواده ضمان الحق في المشاركة السياسية.
لا يوجد إنسجام بين الأطر الدولية والقوانين المحلية الناظمة للحريات العامة وبين القوانين الجامعية، حيث من المفترض أن تشجع الطلاب على الانخراط بالعمل الطلابي لا قمعها، هذا ما يلفت له المحامي عبد الله الشياب في حديثه مع فريق الإعداد.
ينتقد الشياب عدة قوانين من قبيل قانون البعثات العسكرية وقانون صندوق دعم الطالب، “كلاهما يطلب براءة ذمة من الأجهزة الأمنية ولا تعطي البراءة لمنتسبي التيارات الفكرية، بالتالي قد يُحرم الطالب الجامعي المنتمي للتيارات الفكرية من البعثات أو حتى المساعدات”.
بذلك يبدو أن ثمة تعارضاً مع أحكام المادة الرابعة على ألف من الدستور الأردني، التي تنص على أن للأردنيين الحق في تأليف الأحزاب والانتساب إليها.
نبذ الحريات تعني استدعاءً للعنف
عندما ينخرط الطلاب في التيارات الفكرية، قد يتعرضوا للكثير من المعيقات والتهديدات طوال فترة دراستهم، “عندما يتم التضييق على التيارات الفكرية وإبعاد الطلاب عنها بسبب قوانين الجامعات يتم إبعادهم الحواضن الجيدة لهم فكرياً وتستوعب طاقاتهم وعنفوانهم، ودفعهم للحواضن السيئة من عنف، مخدرات، لا أخلاق، تطرف”، وفق المحامي الشياب.
ثمة قيود تحتويها أنظمة الجامعات عموماً، وقد تصنف بـ”المقيدة” للعمل الطلابي، على ما يقوله المحامي الشياب، “هذا يؤسس إلى فكر لا يقبل الآخر، ويعتاد على القمع”.
إن قمع الحريات يدفع الشباب نحو تحقيق ذاتهم من خلال وسائل غير مشروعة ومن خلال اختراق القانون بل سيمتد هذا الاختراق ليصبح هناك منظومة قوانين قابلة للاختراق والتجاوز وبالتالي خلق مجتمعات غير آمنة ودفع الشباب بشكل جنوني للتطرف، كما يقرأ الأمر مدير مركز مستكة للتنمية والتدريب الطالب حمزه أبو الهيجاء.
حملة “ذبحتونا” لتعزيز الحريات
ثمة مبادرات خرجت قبل سنوات، من شأنها رصد الانتهاكات التي قد تقع في الجامعات والكليات الأكاديمية وتعمل على رفع الوعي الطلابي. حملة “ذبحتونا” التي أسسها الناشط الحزبي وطبيب الأسنان فاخر دعاس العام 2007 توثق الانتهاكات التي تطال الحريات الطلابية.
عضو لجنة المتابعة في “ذبحتونا”، معاذ قصراوي، يقول: “كلما كان انتشار العمل الطلابي منظم في الجامعات، كلما كان وصول الطلاب إلى مجتمع أكثر رقي وفاعلية، وفي حال التضييق على هذه الحريات فسينتج مجتمع غير منتمي”.
ثمة علاقة طردية بين وجود الحريات الطلابية وبين إيجاد مجتمع أكثر نضجاً وتقدماً وهذا ينعكس على مصلحة البلد وليس فقط الجامعات.
شبكة “دفاع” لأجل الوساطة
اجتمع قرابة 30 طالباً وطالبة من مختلف الجامعات الأردنية عام 2012م تمخض عنه تأسيس شبكة دفاع لرصد وتوثيق الانتهاكات التي تعرض لها الطلاب في الجامعات.
يقول المحامي راغب شريم، والذي يعمل منسقاً للشبكة، أنهم عندما يتلقوا شكوى تتعلق بانتهاك ما لحق من حقوق الطلبة، يقوموا بالتأكد من تفاصيل الحادثة ومن ثم محاولة حلها ودياً مع الإدارات الجامعية بما يعرض بالوساطة التي شأنها حل الإشكال وضمان الحق، لكن عندما يستعصي عليهم الحل، يقوموا بااللجوء إلى القضاء كَحل نهائي.
الأمن الإنساني يناهض التطرف
في دراسة للمركز الوطني لحقوق الإنسان، تم نشرها العام الجاري 2018 حملت عنوان “العلاقة بين حرية التعبير والأمن في الأردن” تركز على أن الأمن الوطني ضرورة حيوية للمجتمع والمواطن ولذلك جاء النص في القانون الدولي الإنساني على ضرورة احترامه واعتبار تهديده أحد مبرارت تقييد حقوق بعينها، لا سيما أبرز هذه الحقوق وهو الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي ولكن أسيء استخدام مفهوم الأمن القومي أو الوطني على مر السنين لفرض قيود واسعة غير مبررة على حرية التعبير.
إن استباب الأمن يشيع جو من الديمقراطية ويعزز حقوق الإنسان على صعيد الممارسة والفكر، وإذ كُـبتت الحريات وتحديداً حرية التعبير سيؤدي إلى الاحتقان لدى الأفراد ما قد يدفع بهم إلى التمرد والخروج على القانون وتقويض الأمن الوطني.
إحدى توصيات الدراسة، تطلب تعزيز ممارسة حرية الرأي والتعبير في الجامعات وعدم إيقاع عقوبات على الطلبة أو أعضاء الهيئة التدريسية بسبب التعبير عن آرائهم.
في الشأن ذاته يؤكد أستاذ الفلسفة في الجامعة الأردنية د.توفيق شومر، قمع الحريات يشجع اللجوء إلى أكثر المسارات تطرفاً، كما أنها تضع الطلبة ضمن دائرة الخوف وعدم المبادرة وبذلك يحد من فضاء ابداعهم، كذلك بالنسبة للأساتذة الجامعيين فأن القمع يحد من تقديم الأفكار كما يجب خوفاً من أن تفهم بشكل غير سليم.
هناك إشكالية ليس فيما يتعلق بمفهوم التطرف الواضح والصريح بل بعقلية يمكن تسميتها بالعقلية الناجية التي تعتقد بأن كل الفرق مصيرها النار إلا فرقة واحدة مصيرها الجنة وهذا التفكير موجود بجميع الإتجاهات سواء الاسلامي, الليبرالي, اليساري وغيرهم، يقول شومر.
يوثق المركز الوطني لحقوق الإنسان، في تقريره السنوي الرابع عشر لحالة حقوق الإنسان لعام 2017 عدة انتهاكات تعرض لها طلبة جامعيون على خلفية التعبير عن رأيهم، أحد أبرزها تعرض طلبة في إحدى كليات الهندسة التكنولوجية التابعة لجامعة العلوم التطبيقية في شهر أيار من عام 2017م إلى مضايقات أثناء اعتصامهم المفتوح احتجاجاً على قرارات فصل ثلاثة من زملائهم من الكلية، ليتم لاحقاً توقيف طالبين من الذين شاركوا في الاعتصام من قبل الأجهزة الأمنية وقامت الكلية باستدعاء نحو عشرة طلاب للتحقيق معهم وقد قام الطلبة لاحقاً بالاعتصام أمام مجلس النواب وأمام وزارة التعليم العالي للمطالبة برفع العقوبات عن زملائهم والإفراج عن الموقوفين، كما نظم أهالي الطلبة الموقوفين وقفة احتجاجية أمام مجمع النقابات المهنية، ويذكر أن المركز الوطني رصد عام 2016 وقوع 11 حالة انتهاك بحق الطلبة بسبب التعبير عن رأيهم.
قمع الأفراد يخلق اضطراباً
تشكل المرحلة الجامعية للطلبة بالمرحلة الأساسية لتشكيل وعيهم وحسهم الاجتماعي وتكامل ذلك مع شخصيتهم، لذا فإن قمع الطلبة ومصادرة حرياتهم العامة سوف يحد من إبداعهم وتطورهم.
ويعلق الطبيب النفسي رضوان بني مصطفى، بأن الإنسان هو نتاج جيانته الوراثية والبيئة التي يعيش بها لكن البيئة المحيطة سوف يكون لها أثراً، “نظام التعليم المتزامن مع مرحلة الطفولة يجب توافقه مع مفاهيم حرية الرأي والتعبير، لتنضج معه حتى المرحلة الجامعية وصولاً إلى جعلهم أحراراً في تفكيرهم”.
“فيما أنَّ قمع الحريات سوف يؤثر على قدراتهم وإبداعهم، ثم إلى ضغوطات نفسية قد تتحول فيما بعد إلى إضطرابات نفسية”، وفق الطبيب بني مصطفى.
بموازاة ذلك فإن المادة 15 من الدستور تنص على مسؤولية الدولة في كفالة حرية الرأي “ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ألا يتجاوز حدود القانون”، ولربما قد تكون جملة “ألا يتجاوز حدود القانون” هي ما تشكل “شرعية” لتضييق الحريات على جيل من طلبة.
للاستماع للتقرير الإذاعي
* تم إعداد التقرير ضمن مشروع ”دعم الاعلام في الأردن” الممول من قبل الاتحاد الأوروبي ومشروع UNESCO-UNCCT، بتنفيذ من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR ومكتب يونسكو عمان.