الثقافة الإنسانيَّة المعاصرة.. انحدار العقلاني ونهوض النزوي
علي اسعد وطفة
يعيش الإنسان المعاصر حالة اغترابيَّة تحت تأثير الطفرات الهائلة للتغيُّر والتحوُّل في مختلف جوانب الحياة ومكوّنات الوجود الاجتماعي والثقافي؛ وقد وصفت هذه التحوّلات الهائلة في المجتمع الإنساني المعاصر تحت عناوين مثيرة مثل ” ما بعد العولمة، وما بعد الحداثة، وما بعد المعرفة، وهذه العناوين ترمي في جوهرها إلى وصف التقدُّم الهائل في مجال الحياة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والتكنولوجيَّة.
وممَّا لا شك فيه أنَّ الاختراعات التي أبدعها الإنسان في العقود الأخيرة من الزمن تفوق اليوم حدود التصوُّر والتخيُّل، فنحن نعيش عصر الثورات العلميَّة الهائلة في كل المجالات: ثورة الميديا، وثورة الاتِّصال، وثورة الجينات، والثورة الرقميَّة،وثورة المعرفة، وغير ذلك كثير وهذه التسميات أيضا هي تعبير عن حالة الذهول البشري إزاء ما يتحقَّق من تقدُّمٍ علمي أقل ما يوصف بأنَّه هائل وكبير ومخيف أيضا.
وقد ابتدع المفكِّرون مفهوم النهايات كصيغة جديدة للتعبير عن حالة الذهول والاندهاش والانصعاق أمام ما هو قائم من تطوُّرات اقتصاديَّة وطفرات علميَّة تكنولوجيَّة، حيث بدأت الساحة الفكريَّة تفيض بخطابٍ يفيض ويتقطَّر برعب النهايات مثل: نهاية التاريخ، نهاية الأسرة، نهاية المدرسة، نهاية العلم، نهاية الحداثة، نهاية العولمة. وعلى الرغم من المضامين الفكريَّة لهذه النهايات إلا أنها تبقى تعبيرا عن حالة الذهول الإنساني أمام التطوّرات الهائلة في مختلف الميادين والاتِّجاهات الإنسانيَّة.
وفي دائرة هذه التحوّلات الصاعقة والمذهلة أفقيا وعموديّا بدأ الإنسان المعاصر يواجه حالة من التصدُّع الأخلاقي والوجداني، ووضعته في حالة من الذهول المستمرّ أمام ما يراه أمام ناظريَّة من تحوّلات تفوق حدود قدرته على التخيُّل والتصوّر. وإزاء هذه التموّجات الهائلة، والتغيّرات الفائقة في معاني الحياة ومعالمها، يجد المفكِّرون أنفسهم من جديد أمام سؤال الاغتراب الإنساني، الذي سبق طرحه في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من قبل مفكِّرين أمثال روسو وماركس وماركوز وسارتر وهيدغر. وتكاد أسئلة اليوم لا تختلف عن هذه التي فرضت نفسها بالأمس، ومنها: أين هو مكان الإنسان في خضم هذا التقدُّم والتحوُّل في مختلف تجلّيات الحضارة الإنسانيَّة المعاصرة؟ وأين هي الغايات البرغماتيَّة أو الأخلاقيَّة لهذا التقدُّم؟ وأين يقع الإنسان من دائرة هذا الغايات؟ وإلى أي حدّ يجد الإنسان المعاصر نفسه ودوره في في خضم هذه الصورة الجديدة للحضارة الإنسانيَّة؟
يكاد فرويد يكون معنا اليوم عندما وصف أوضاع عصره الاغترابيَّة في النصف الأول للقرن الماضي بقوله: “نحن نعيش في زمان شديد الغرابة والتعقيد! حيث عقد التقدُّم تحالفا أبديّا مع النزعة الهمجيَّة والبربريَّة”([1]). وها هي معاول التقدُّم الجديد بآليّاته الجديدة ومطارقه الضاربة تسحق الإنسان المعاصر وتشيّئه وتغتربه وتدمِّر معانيه الأخلاقيَّة والإنسانيَّة. فالتقدُّم الذي تحقّقه الإنسانيَّة اليوم يهدف وحاله كما هو في الأمس – إلى تحقيق الربح والمال والسيطرة والقوَّة والهيمنة والمنافسة، وفي هذه الدائرة من طغيان الغايات الماديَّة يتحوَّل الإنسان إلى وقود بشري يحترق ويُحرق في مواقد الرأسماليَّة المعاصرة أو الليبراليَّة الجديدة بعناصر قوّتها وجبروتها وهيمنتها،وفي هذا الزمن الليبرالي الجديد لعولمة طاغية ترتفع قيمة كل الأشياء وتنخفض قيمة الإنسان وحده.
وفي خضم هذه الصولة والجولة للتغيُّر الإنساني بثوراته وطفراته ونهائيّاته ومناحي قوته وجبروته يطرح السؤال الثقافي نفسه بقوة: أين هي الثقافة الإنسانيَّة وما دورها في خضم عصر مسكون بالتغيّر والتثوير؟ أي دور تمارس هذه الثقافة في المحافظة على صورة الإنسان الغائيَّة؟ وأين هو مكان الإنسان في الثقافة المعاصرة؟ وإلى أي حدّ يعيش في دائرة التشيُّؤ والاستلاب الثقافي؟ تلك هي الأسئلة التي تحاول مقالتنا هذه مقاربتها والإجابة عنها.
الثقافة بوصفها أنسنة وتجاوز
الثقافة كما يعِّرفها كانط ” مجموعة من الغايات الكبرى التي يمكن للإنسان تحقيقها بصورة حرَّة وتلقائيَّة، انطلاقا من طبيعته العقلانيَّة، وبهذا تكون الثقافة في نظر كنت أعلى ما يمكن للطبيعة أن ترقى إليه“([2]). ويتَّضح أنَّ هذا التصور الكانطي للثقافة يبرز الثقافة بوصفها حرّيَّة إنسانيَّة وعقلنة وسمو أخلاقي.
وتأسيسا على هذا التصوُّر الكانطي للثقافة يمكننا القول بأن تطوُّر ثقافة الإنسان يرتبط جوهريّا بتقدُّم الجانب العقلي والوجداني في مجال تكيُّف الإنسان وسيطرته على الكون. وعلى هذا النحو تكاون الثقافة بمعناها الإنساني الغائي جهد إنساني لعقلنة الكون وأنسنته، والأنسنة تعني هنا قدرة الإنسان على استحضار جانبه الإنساني من عقل وعاطفة ووجدان وحسّ في مسار تفاعله وتكيّفه في الوجود. ووفقا لهذا التصوُّر فإنَّ تطوُّر الثقافة – بل تطوُّر الإنسان نفسه بوصفه منتجا للثقافة- ارتبط بتقدُّم العقلي والوجداني على المادِّي والحسِّي والحيواني في الإنسان. فالإنسان بعد أن عقلن الطبيعة عقلن ذاته أيضا، وحاول أن يرتقي بها دائما من صورتها الحيوانيَّة الصرفة إلى صورة إنسانيَّة عاقلة. وهذا يعني أنَّ تقدُّم الثقافة كان رمزا لعمليَّة انتقال الإنسان من عالم الضرورة إلى عالم الحرِّيَّة ومن الخضوع للحتميَّة الطبيعيَّة إلى مجال الحتميَّة الاجتماعيَّة أو بعبارةٍ أخرى من اقتصاد البطن إلى اقتصاد العقل والنفس.
وتأسيسا على ما تقدَّم يمكن القول إنَّ الثقافة تعني حضور الإنساني في الطبيعة، وانتقاله من عالم الضرورة والحتميَّة إلى عالم العقلنة والسيادة، إنها بالأحرى عمليَّة وضع الإنسان في مركز الكون بعد أن كان يدور في الهامش والأطراف؛ وهذا يعني أنَّ تقدُّم الثقافة يتحدَّد بتقدُّم العقل والحرّيَّة والمعرفة الإنسانيَّة. والإنسان كما يرى كانط “ميّال بطبيعته إلى الحرّيَّة، بحيث أنه عندما يفقدها يكون مستعدّا لأن يضحي بكل شيء من أجلها” ([3]).ووفقا لهذا التصوّر الكانطي فإنَّ التقدُّم الحضاري للإنسان يجب أن يقترن بتقدُّم حضور الإنسان ذاته في مجال الحياة والطبيعة والمجتمع، وذلك هو جوهر مفهومنا للثقافة التي تعني حضورا ذكيّا ووجدانيّا للإنسان في الطبيعة وفي الكون. ولذا فإنَّ كانط يعلن مؤكّدا هذه الحقيقة الغائيَّة للإنسان.
وتأسيسا على هذه الرؤية الكانطيَّة للحريَّة يمكن القول إنَّ قيمة أيَّة ثقافة تكمن في مدى حضور الإنساني فيها وتقدّمه أو في مدى قدرته على صون حرّيّته وكرامته الإنسانيَّة. وفي أهمّيَّة هذه الحريَّة الإنسانيَّة يقول الأديب والفيلسوف الهندي طاغور في بداية القرن المنصرم “إنَّ الحضارة المادّيَّة ستخسر كل شيء إذا فقدت روحها، وأنَّ البشريَّة ستصبح مهدَّدة بالفناء في ظلّ جسد بلا روح وعندما تصبح الحضارة بلا قلب فإنَّها ستفقد أهمّ مقوّمات الحياة ([4]).
إنَّ تغييب الجانب الذاتي الحرّ في الإنسان (عقله وحرّيّته ووجدانه) يدفع بالإنسان إلى دائرة الاغتراب والتشيّؤ، وعلى خلاف ذلك كلما تقدَّم الجانب الحرّ الذاتي في الإنسان تقدَّمت الثقافة وازدهر الإنسان. إنَّ ” كل تقدُّم تشهده الحضارة هو خطوة على درب الحرّيَّة”([5])، وهذا يعني أنَّ التقدُّم يجب أن يكون غائيّا يناشد حرّيَّة الإنسان ويرفعها إلى مقام الغايَّة، ومن هنا فإنَّ الثقافة الحقَّة هي نوع من العقلنة التي تتجاوز حدود العلم والمعرفة الموضعيَّة إلى تخوم الذات الإنسانيَّة بما تمتلك عليه من مشاعر وقيم وجمال؛ وبالتالي فإنَّ غياب أو تغييب العناصر الذاتيَّة في الثقافة يؤدِّي إلى حالة من حالات تشيّؤ الإنسان واغترابه واستلابه. ومن أجل مزيد من التوضيح المنهجي نقول بأن الثقافة في جوهرها عمليَّة نهوض بالجوانب الإنسانيَّة في الإنسان، وأنّ الثقافة التي ترهن كرامة الإنسان وحرّيّته ثقافة مضادَّة معادية للإنسان تضع الإنسان في دائرة العبوديَّة والقهر. ولم يغب هذا التحدِّي الكبير عن شبكات التساؤل النقدي في البلدان الغربيَّة حيث عملت المجتمعات الغربيَّة على مواجهة هذه المشكلة وتحليل معطياتها. وقد توجَّب على المجتمعات الغربيَّة في حقيقة الأمر أن تحدِّد موقفها من ثقافة الاستهلاك ومن طغيان التقنية الحديثة السريعة ووضعيَّة التغيُّر واغتراب الإنسان “في عصر الآلة التي تحوِّل البشر إلى أشياء([6]).” وكان الإحساس السائد في أوربا هو أنَّ الأزمة الحقيقيَّة للثقافة هي التحدِّي الذي يواجه به العلم المخصّص روح الإنسان وخياله وملكاته الإبداعيَّة ([7]).
فالثقافة ليست عقلا مجرّدا أو مجرّد معرفة علميَّة فائقة بل هي طريقة في الحياة والوجود، إنها منهج للعيش والنظر والتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه الإنسان جماعة كان أم مجتمعا([8]). وبعبارة أخرى الثقافة هي ما أبدعه الإنسان عقليّا وفكريّا وذهنيّا في مجال تفاعله مع الكون، وتكمن دلالتها الجوهريَّة في عمليَّة الارتقاء الإنساني نحو أساليب عقلانيَّة في التكيُّف والسيطرة على المجال الحيوي لوجوده. لقد انفرد الإنسان بالثقافة واتَّخذ من ملكة التفكير والتأمّل والنظر منهجا في تكيّفه مع الكون وذلك على خلاف الكائنات جميعها([9]).
ثقافة الضياع والاغتراب :
لا يستطيع المفهوم الكانطي الذي انتهجناه للثقافة الإنسانيَّة بوصفها ثقافة غائيَّة أن يصمد في عصر العولمة أو في زمن الميديا والاتِّصال وهيمنة الصورة. فللعولمة ثقافتها الاستهلاكيَّة المحضة، حيث يفرض السوق ثقافة أداتيَّة تايلوريَّة ( نسبة إلى تايلور TYLOR (Edward Burnett) 1832-1917)([10]) أي بوصفها أي شكل من أشكال التكيُّف الأداتي أو صيغة من صيغ الحياة يعتمدها الإنسان في عمليَّة استمراره وتواصله. ووفقا لهذا التصوّر يتوجَّب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار مفهوم الثقافة الاستهلاكيَّة أو ثقافة السوق أو ثقافة العولمة وهي تسميات متعدِّدة لثقافة أداتيَّة نزويَّة تنتزع الإنسان كأداة وتسلبه الدلالة الغائيَّة. ومما لا شكّ فيه أنّ هذه الثقافة الاستهلاكيَّة السوقيَّة (نسبة على السوق) تتعارض وتتناقض مع مفهوم الثقافة الغائيَّة بدلالاتها الأخلاقيَّة أي الثقافة بوصفها أنسنة وعقلنة واستحضار وجداني للجانب الذاتي في الإنسان.
فالأنسنة أو الجانب الإنساني في الثقافة يمثِّل معيارنا في التصنيف والتحليل في اتِّجاه الكشف عن موقع الإنسان بين طرفي الأنسنة والتشيُّؤ بوصفهما مفهومين متناقضين بالدلالة والمعنى. فالأنسنة تعني استحضار الجانب الذاتي والعقلاني والوجداني في الإنسان، بينما وعلى النقيض من ذلك تماما يدل مفهوم “التشيُّؤ” كمرادف لمفهوم الاغتراب على تغييب الجانب الإنساني الذاتي للإنسان حيث يتحوَّل الإنسان وفقا لهذا المفهوم إلى كيان خامد هامد فاقد الإرادة والمعنى والدلالة، أي عندما يتحوَّل إلى مجرَّد كيان مادِّي أي إلى مجرَّد “شيء” يخضع لقوانين الأشياء.
بين مفهومين للثقافة:
وهنا يجب علينا أن نعلن أننا إزاء مفهومين للثقافة ومنهجين للحياة، فهناك ثقافة الأنسنة أو الثقافة الغائيَّة وفقا لمفهوم كانط، وهناك ثقافة العولمة أي ثقافة الاستهلاك والتسويق وهي ثقافة اغترابيَّة بالضرورة، لأنها ثقافة يتمّ فيها تغييب الجوانب الوجدانيَّة الإنسانيَّة في الإنسان واستحضار الجانب النزوي حيث تجعل من الإنسان نفسه مادَّة وشيئا مُستهلكاً ومستَهلكاً في دورة النزوة للتسويق الرأسمالي المدمّر. وبعبارة أخرى نحن أمام مفهومين للثقافة أحدهما يؤنسن، والثاني يشيِّء، أي يجعل الإنسان مجرَّد شيء يخضع لقوانين العرض والطلب، أحدهما يعلي من الإنسان شأنا غائيّا بينما يدفعه الآخر إلى دائرة التشيّؤ والاستهلاك. أحدهما يخاطب العقل والروح والقلب والضمير والوجدان والآخر يخاطب ثقافة النزوة واللذة والسرعة والومضة. الأول يخاطب العقل والروح والقيم والحاسَّة الخلقيَّة، أمّا الثاني فيخاطب الرغبة والميل واللذة والشهوة والسكينة والاستسلام والمخادعة.
وممّا لا شك فيه أنَّ هذين النمطين من الثقافة يعيشان جنبا إلى جنب مع فارق كبير يتمثَّل في زحف كبير لثقافة التشيُّؤ وانحسار أكبر في ثقافة الأنسنة والعقلنة. ففي عصر العولمة يجري النظر إلى أي شيء على أنه ثقافة، مثل: ثقافة البوب، والروك، وأقراص الليزر، وأشرطة الفيديو، وبرامج التلفزيون، وعمليّات التجميل، وتناول المخدّرات، والعنف والجنس، كل هذا يُثمّن ويقدّر على أنه ثقافة، وتلك هي العناوين الكبرى لمفهوم الثقافة في دلالته المعاصرة السائدة.
وفي ظل هذا التصوّر الجديد لمفهوم الثقافة، أصبح من الصعب جدا إعادة الاعتبار إلى المفهوم التقليدي لمفهوم الإنسان المثقَّف أو الثقافة الحقيقيَّة، حيث كان الإنسان المثقّف عنوانا لنموذج عقلاني وجداني معياري ويمثِّل إطارا مرجعيّا للتفكير التقليدي، وهو الإنسان المثقّف الذي كان قد تشكَّل في سياق تفاعله مع الآثار الفنيَّة والفكريَّة النموذجيَّة العليا للروح الإنسانيَّة، فتكاثفت في تشكّله المعاني الإنسانيَّة الرفيعة والخلّاقة الدالة على الطابع الإنساني.
ففي مراحل ما قبل العولمة، كان على المرء أن يحظى بنصيب كبير من الثقافة الفلسفيَّة، وأن يمتلك قدرا لا يستهان به من التربية الفنيَّة والأدبيَّة، وأن يحظى بمعارف أساسيَّة حول الدين والحقّ والخير والجمال، وأن يكون منفتحا على ثقافة الآخرين وأعمالهم الفكريَّة والفنيَّة، كي يستحق لقب الإنسان المثقّف. ومن الواضح اليوم في عالمنا المعاصر بأن هذه الصورة للإنسان المثقَّف أصبحت صورة نخبويَّة بامتياز تنطبق على عدد قليل جدا من الناس في المجتمع.
وبالمقارنة ما بين صورة الإنسان المثقَّف في العصور السابقة، هل يمكننا القول بأن الإنسان المثقَّف نادر وقليل الحضور في حياتنا المعاصرة؟ ألا يجب علينا في حقيقة الأمر أن نعيد النظر في مفهوم الإنسان المثقَّف بالمقارنة مع صورته المعاصرة؟ وهل يجب علينا أن نشعر بالقلق لاختفاء النموذج التقليدي لمفهوم الإنسان المثقَّف؟ أو هل يتوجَّب علينا أن نشعر بالقلق لتراجع مفهوم الثقافة ذاته بدلالاته الإنسانيَّة؟ هل يجب علينا أن نعتقد بأنَّ عالم ما بعد الحداثة قد أصبح عالما من غير ثقافة حقيقيَّة أو عالم يعاني من الأميَّة الثقافيَّة؟ والسؤال الجامع الممكن من هو الإنسان المثقَّف؟
ثقافة العولمة: اللذة والمتعة والنزوة
ترمز ثقافة التجاوز عند كانط وطاغور إلى رمزيَّة تخاطب العقل والوجدان معا في الإنسان، وهي سعي في الصعود إلى إشباع الملكات العليا في الإنسان: الجمال الحقّ الخير الواجب التفاني العقلنة اللذات العقليَّة والروحيَّة. أمَّا ثقافة التشيُّؤ فهي هذه التي تخاطب الميول البدائيَّة الأولى في الإنسان: الجنس الجوع العطش العنف العدوان التنافس المتعة اللذة. وهذه القيم المادّيَّة التي تدفع الإنسان إلى جحيم التشيُّؤ تتمثَّل اليوم في ثقافة العولمة التي تميت في الإنسان نوازعه العليا وتحيي فيه النوازع اللذويَّة الدنيا.
يتمثَّل جوهر العولمة ثقافيّا في عمليَّة اغتصاب ثقافي ينال من كرامة الإنسان ويستهدف إنسانيّته، وتتمثَّل هذه الثقافة في أنساق متنوّعة من الفعاليات المنظّمة الساعية إلى تشكيل الإنسان على منوال القيم والمعايير التي تحكم اتِّجاهات الحياة ومطالب السوق الرأسماليَّة الجديدة. إنها تهدف إلى بناء الروح الاستهلاكيَّة عند الإنسان وتنميطه في طرازات ذوقيَّة قيميَّة تحدّدها مطالب السوق الرأسماليَّة الجديدة. ووفقا لهذه المنهجيَّة يصف أحد المفكِّرين العرب ثقافة العولمة بأنها” فعل اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات، تعبير عن انسحاق الإنسان أمام سطوة الآلة والتقدُّم العلمي وتمركز رأس المال وانعدام القيم الإنسانيَّة والأخلاقيَّة وسيادة منطق الربح والفرديَّة والبقاء للأقوى من خلال تجارة السوق والمعلوماتيَّة والاستلاب الثقافي للشعوب والدول والقوميات”([11]).
تميِّز حنة أرنت Arendt Hannah (1906-1975) في كتابها شرط الإنسان الحداثي([12]) La condition de l’homme moderne بين عالمين حيث يعرض ما بين الأعمال الفنيَّة التي تنتسب إلى عالم غير زمني للثقافة وبين الاستهلاك في عالم ما بعد الحداثة. فعالم ما بعد الحداثة يمثِّل نهاية الثقافة الساميَّة وهيمنة الاستهلاك بوصفه ثقافة حيث يتمّ قياس الثقافة بمعيار الاستهلاك.
وفي عصرنا هذا أصبحت القيمة العليا هي القيمة الاقتصاديَّة بامتياز، فقيمة الأشياء، وقيمة الأشخاص تحسب اليوم بمعايير الاستهلاك وبالقدرة على الاستهلاك. وبالتالي فإنَّ لذَّة الاستهلاك هي معيار سعادتنا المعاصرة. ونحن اليوم لا نزهو، كهؤلاء الرجال ما بعد الحرب، بعملنا وثقافتنا، ولسنا من هؤلاء الذين تبهرهم الأيديولوجيَّات السياسيَّة وتسحرهم العقائد الفكريَّة، كما هو حال الأجيال المثقفة في الستِّينات، ولم نعد هؤلاء الذين تسحرهم شعارات الثورة والتقدُّم. نحن لا نريد تغيير العالم، بل نريد أن نحقِّق الفوائد ونستفيد. لقد تحوّلنا إلى أطفال المتعة الصناعيَّة، إنَّنا نعيش في عصر الدعاية والإعلان، والإعلان هو اليوم آخر معاقلنا حيث يتمّ تشكيلنا منذ نعومة أظفارنا تحت مطارقه وتأثيراته. وما تعلّمنا إيَّاه الإعلانات هو أن الحياة تعني الاستفادة والربح وتأكيد الذات. فالحياة أصبحت كالحركة في داخل صالات التلفزيون وقاعاته الفاخرة، وفي الكليب فيديو حيث كل شيء يكون على ما يرام، أو حيث كل شيء يمضي سريعا وخاطفا، حيث تكون الصورة سريعة جميلة برَّاقة خاطفة وفي المكان الذي يلهو فيه الناس ويستمتعون. لقد تمّ تعميدنا في مياه النزعة إلى اللذة وتمّ غمسنا في ماء الحياة القائمة على الربح والاستهلاك والإثارة. إنَّ هاجس الحياة اليوم هو اللهو واللذة والمتعة وقد أصبحت هذه معايير نموذجيَّة لنمط الحياة الثقافيَّة المعاصرة. وعنا يتساءل عبد الخالق عبد الله حول الهويَّة التي تعد بها العولمة معلنا بأنها هويَّة استهلاكيَّة مسطَّحة لا عمق فيها ولا معنى. إنَّها ثقافة السلعة والتسويق والربح، إنها توحِّد شباب العالم على قيم الاستهلاك واللذة، إنها ثقافة الأزياء، والمأكولات، و”البيتزا”، والمياه الغازيَّة، والأفلام الإباحيَّة، وأغاني “مادونا”، و”مايكل جاكسون”، وملابس الجينز، وماركات “كلفن كلاين”، و”بينيتون”، و”التيتانك”، وحرب النجوم”([13]).
لقد “أصبح المشروع الثقافي الغربي رهين الإمبراطوريات السمعيَّة والبصريَّة وسجين إرادتها؛ واستطاعت هذه الإمبراطوريات بما تمتلك عليه من نفوذ وقوَّة وسلطة، أن تأسر البشر وتسحرهم عبر ” تكنولوجيا الإثارة والتشويق ” وأن تعمل بصورة مستمرَّة متواترة على وأد حاسَّة النقد لدى المتلقّي الذي يجد نفسه في نهاية المطاف مروّضا على قبول جميع القيم الاستهلاكيَّة لثقافة العولمة دون اعتراض عقلي أو ممانعة نفسيَّة “([14]). هذا التأثير الترويضي على خطورته يتضاءل أمام المخاطر التي تتمثَّل في قدرة هذه التكنولوجيا على محاصرة البشر في واقع افتراضي لا صلة له بالحياة أو مع الحياة. وبالتالي فإنَّ هذا الواقع الافتراضي يضعنا أمام كابوس إنساني “يتحوَّل فيه الإنسان إلى رأس تنمو منه مجموعة من الأطراف الضامرة، ويتغذَّى ويتحرَّك بواسطة الآلة، هذا إذا ما كان لا يزال بحاجة للحركة، إذ من الممكن أن يكون الواقع كله قد آل إلى افتراضي، كما يتصوَّر فيلم الخيال العلمي ماتريكس (المصفوفة)([15]).
في العشرينات من القرن العشرين كانت ثقافة المتعة والاستهلاك ثقافة خاصَّة بفئة من أبناء الطبقة الاجتماعيَّة الثريَّة في أمريكا، ولكنها اليوم تحوَّلت إلى طابع ثقافي عام في مختلف مستويات الحياة الثقافيَّة الجاريَّة في مختلف المجتمعات المعاصرة. فما بعد الحداثة يمثَّل اليوم إمبراطوريَّة القيم الأداتيَّة، حيث تأخذ الأشياء قيمتها وفقا لمعيار الاستهلاك وتحقيق اللذة والمتعة. وهنا وفي دائرة هذه الثقافة الجديدة نجد معيارا واحدا قوامه أن قيمة كل الأشياء تنطوي في قابليتها للاستهلاك السريع وتوفير المتعة السريعة، وهذا المعيار ينسحب في جدواه على مختلف المظاهر بدءا من الكتب والأفلام والموسيقى مرورا بالعمل والإنتاج، وانتهاءً بكل مظاهر الحياة الثقافيَّة ومستلزماتها. فالأشياء ومن أجل أن تكتسب قيمتها يجب أن تكون وفقا لمعايير الاستهلاك القائمة مثيرة ممتعة سريعة وافية وقتيَّة وعابرة.
وعندما نركِّز اهتمامنا حول ما يجري حولنا سنجد حضورا صارخا لنزعة لذويَّة شبقيَّة متقدِّمة تلهبها دورة إعلاميَّة مسعورة دافعة إلى قيم الاستهلاك والمتعة والسطوة. وفي دائرة هذا الجنون الاستهلاكي والنزعة الرغبويَّة الشبقة يفقد كل نشاط أو فعل يعتمد على التأمُّل والتعقُّل والنظر والصبر والانتظار قيمته ودلالته ومعناه. وهذا يعني أن كل النشاطات الإنسانيَّة التي لا ترتبط بالاستهلاك واللذة والسرعة تصبح مدعاة للسخريَّة والازدراء والاحتقار. وهذا الانحسار القيمي يشمل اليوم كل صيغ التربية التقليديَّة وكل معاني الثقافة التقليديَّة القائمة على معايير إنسانيَّة سامية ومختلفة.
وفي هذا السياق يمكن القول بأنَّ ثقافة العولمة بوصفها مرحلة ما بعد حداثيَّة” تفيلق الفرد وتنظّمه في طرازات ذوقيَّة واستهلاكيَّة وغذائيَّة ورمزيَّة وترتفع السلعة فيها من قيمة استعماليَّة إلى قيمة رمزيَّة بحدِّ ذاتها فتقتنَّى لأجلها. وبكلام آخر فإنها تكيِّف الفرد وفق نمط واحد وبعد واحد وتتغلغل صنميَّة السلعة إلى تلك المناطق من الخيال ولنفس التي اعتبرت دائما منذ الفلسفة الكلاسيكيَّة الألمانيَّة معقلا أخيرا يستحيل اختراقه على المنطق الأداتي لرأس المال “([16]). وهذا وتعتمد ثقافة العولمة ” إغراءات لا تقاوم تجعل البعض يتقبل بسهولة ضغط العولمة، أو يطالب من تلقاء نفسه بإحدى منافعها الظاهرة”([17]). ومثال ذلك إغراءات الحاسوب التي تتمثل في برامج وألعاب ومعلومات مذهلة للعقل الإنساني. وهناك تأثيرات الصوت والصورة والأنترنيت والأغاني والأفلام المدمجة التي تسحر العقل وتستلب لبّ الإنسان بما تمتلك عليه من قدرة وسحر وشاعريَّة وإبداع. وهناك التكنولوجيا المذهلة التي تخلب العقل وتستلب الوعي بما فيها من غرائب وعجائب وهلوسة وهذا عداك عن سحر الصورة التلفزيونيَّة وقدرتها المدمّرة للعقل في استهواء النفوس والقلوب وتشكيل الأذواق.
الإعلام ثقافة اللذة والأحلام:
يتقلَّص الإنسان في ثقافة السوق والعولمة ” إلى بعده اللذوي الاستهلاكي، فتنحصر قيمته بما يستهلك، بينما يقوم الإعلان بوصفه: ” صناعة الموافقة وبيع الأحلام ” بتعطيل الميل العقلاني والحسّ النقدي، فتتخلَّق هويَّات جديدة مقطوعة الصلة بواقعها وتاريخها ومرجعيّاتها الثقافيَّة الوطنيَّة، وتتمركز حول “النحن الاستهلاكيَّة ” التي تبتكر نجومها وقيمها المتَّصلة بالربح والنجاح باعتبارهما البوابتين الرمزيّتين لامتلاك روح العصر والانتماء إليه”([18]).
فطفل اليوم يشاهد عشرات المحطَّات التلفزيونيَّة، يأكل سريعا، ويعيش سريعا، ويتحرَّك وفقا لمبدأ المتعة واللذة، تحصيله الدراسي بطيء ومتراجع، إن لم يكن معدوما. هذا الطفل سيكون من الصعب عليه أن يركّز انتباهه لأنه قد اعتاد على نوع من الحياة التي تعتمد الإثارة السمعيَّة البصريَّة المستمرَّة كما هو الحال في لعبة فيديو. وهو حتى في قاعة الصف يرغب في أن يفعل في القاعة ما يفعله متنقلا على شاشة التلفزيون أنه يريد الانتقال من محطَّة إلى أخرى، إنه يستهلك المعلومات بسرعة ويريد مزيدا من الاستهلاك وكأنه يشاهد محطّته التلفزيونيَّة المفضّلة، وهو في ذلك يريد أن يكون سلبيّا وغافيا وفي لحظة شرود مألوفة لديه. والتعليم بالنسبة إليه لا يختلف عن عمليَّة استهلاك الكوكا كولا، والمدرسة ما هي بنظره غير آلة توزّع المعرفة كما توزّع الآلة علب الشيكولا والكوكو كولا. والفرق الوحيد بين الكوكا كولا والمعرفة أن الأولى تتميَّز بلذّتها وقدرتها على الإمتاع والإنعاش أمّا الثانية أي المعرفة فإنها تمارس قهرا ومعاناة وإكراها. إن البحث عن المتعة الفوريَّة – التي ترتبط اليوم ارتباطا كبيرا بالجنس وما يجره من متعة زائفة – أصبح من الأمور المألوفة والعاديَّة. هذه السمات الثقافيَّة أصبحت صميميَّة في حياة الشباب والمراهقين. وقد تعزَّزت هذه المظاهر بحضور كبير لمفهوم الأنويَّة والذاتانيَّة المفرطة عند هؤلاء الشباب والمراهقين في رؤيتهم للكون والوجود. فالبحث عن المتعة والأمن تحوّل إلى نمط للحياة للشباب في مرحلة ما بعد الحداثة، وبالتالي فإن هذه الصورة التي تتمثَّل في طلب اللذة والمتعة واللهو تحتل مكانها السامق في الثقافة الحداثيَّة المعاصرة.
وفيما يتعلَّق بالمدرسة وبالثقافة التي تبثّها فإننا اعتدنا أن نسمع كثيرا من صيغ النقد التي توجه إليها والتي غالبا ما تكون مشحونة بطابع التهكُّم والسخرية والازدراء فيما يتعلَّق بالثقافة التقليديَّة التي تقدّمها للطلاب في مختلف المؤسَّسات التربويَّة القائمة بدءا من المدرسة الابتدائيَّة وصولا إلى الجامعة. ففي وسط هذا التعظيم للكسل والتواكل وتمجيد الانسحاب وغياب روح المواجهة وفي هذه الأجواء من الجمود يصبح من الصعب جدا على المدرسة أن تعلم الطلاب على التعلّم والنشاط والاندفاع والبحث والتقصّي والاكتشاف العقلي. لأن متطلّبات التحصيل العلمي بما يقتضيه من كشف وإبداع وذكاء يتطلَّب كل مقوّمات النشاط والفعل والمغامرة والانطلاق وهي قيم غائبة وسلبيَّة في الثقافة السائدة في عصرنا هذا.
وهنا يتوجَّب على المدرسة، الفصل بين الشروط المحيطة بالطالب، وبين متطلّبات العمل المدرسي، من أجل بناء القدرة على الإحساس بالجمال، وتكوين العقل النقدي والكشف عن الغنى الثقافي، وتأصيل الثقافة التي تغني الروح وتنهض بالإنسان والعقل. فعندما تتحوَّل القيم السلبيَّة والتفاهة في الحياة إلى ثقافة، فإنَّ العقل الإنساني يفقد دلالته وقيمته الأخلاقيَّة.
وفي مواجهة الانتاج الصناعي الضخم للذة والمتعة أين يمكننا أن نجد قيمة الثقافة الإنسانيَّة أو الروحيَّة؟ فنحن الآن نعيش في عصر حيث تأخذ الثقافة الروحيَّة مكانها في الحضيض دون قيمة أو اعتبار، إنها أشبه ببضاعة رخيصة بدون قيمة تذكر. وفي الوقت الذي تعرض فيه أحد الأعمال الفنيَّة ذات القيمة والأهمّيَّة على شاشة التلفزيون فإنه سرعان ما يتمّ التقليل من أهمّيته وذلك وفقا لمنطق الإعلام حيث يتمّ إخضاع كل شيء لقيم التشيُّؤ والابتذال والأداتيَّة.
لقد أصبحت البساطة والمتعة وثن مرحلة ما بعد الحداثة حيث تسود قيم التسلية واللهو والتوهّم والمخادعة. وهذه القيم لا تمتلك عمقا أو دلالة روحيَّة، ولا تحمل في ذاتها أي اعتبار للمقدَّس ذاته. فالصورة وإنتاج الوهم والاستعراض والفوريَّة والسرعة أصبحت قيم عليا مقدَّسة في دائرة الثقافة السائدة. فالقيم المحبَّبة للأفراد أصبحت القيم التي تتعلَّق بالصورة والمظاهر والتقليد والأوهام. وفي هذا السياق يناسبنا أن نتعرَّض لرأي فيورباخ Feuerbach (Ludwig) 1804-1872
في كتابه حول جوهر المسيحيَّة L’Essence du Christianisme. يقول فيورباخ “بدون أدنى شك يفضِّل مجتمعنا اليوم الصورة على الأشياء، الصورة على الأصل، تصوّر الحقيقة على الحقيقة نفسها، المظهر على الوجود… وما هو مقدّس بالنسبة إليه ليس سوى الوهم وما هو دنيوي هو الحقيقة. والمقدّس بالنسبة إليه يكبر كلما تصاغرت الحقيقة وكلما تصاعد الوهم. وبعبارة أخرى كلما تصاعد الخداع والوهم تصاعد لديه قيمة المقدَّس ورصيده”([19]).
هذا التصوّر الذي قدمناه حول الثقافة يصبح ضاربا وقاتما عندما نأخذ بعين الاعتبار الدور الكبير للإعلام في عالم ما بعد الحداثة ولاسيما الإعلام التلفزيوني. فالأطفال يعيشون حالة إدمان مذهلة، حيث تبيِّن الإحصائيات العالميَّة أن الطفل يجالس التلفزيون ساعتين ونصف يوميا تقريبا. والسؤال ما الذي يشاهده الطفل عبر الشاشة؟ إنهم يشاهدون تدفّقا هائلا من الإعلانات والصور. إنها تدفعهم بقوَّة إلى الشراء شراء الحلويات والألعاب وأدوات اللهو والتسلية دون انقطاع. وهم دائما غارقون في مشاهد الدم والعنف والقيم الساديَّة والإسراف الجنسي. إنَّهم يعيشون حالة من جنون الحضارة ويستغرقون في أعماق النشوة المبتذلة التي تجرّدهم من كل المعاني التي يسمو بها الإنسان والدلالات التي تنهض به.
وهذا ما تؤدّيه الثقافة الأداتيَّة القائمة التي تعطِّل ملكة التفكير عند الإنسان، وتفقده القدرة على التواصل بوحي من معانيه الإنسانيَّة. فالطفل يشاهد دون انقطاع هذا المدّ المستطير للدعاية والإعلان والصورة في مسلسلات تلفزيونيَّة لا تنقطع أبدا. وفي داخل العائلة يتذوَّق الأفراد هذا الرعب المنوِّم نفسه الذي يعطي الشعور بالمشاركة في شيء واحد هو البرنامج التلفزيوني. ومن ثم يذهب الواحد تلو الآخر إلى السوبر ماركيت بمطواعيَّة ضاربة من أجل شراء المواد التي ارتسمت في الإعلان التلفزيوني. ويستمرّ الجميع بمشاهدة رخائص الإعلام وتفاهات التلفزيون دون انقطاع، وتستمرّ الحياة بما هي عليه من تواطؤ هائل ومرعب بين الصورة والإعلان والدعايَّة والاستهلاك، وذلك لأن البقاء في جو البلاهة والابتذال والحماقة هو بقاء في دائرة العام والمشترك والثقافي بمعنى ثقافة العولمة وما بعد الحداثة، وهكذا يكون المرء مع الآخرين ولا يكون معهم إلا بالقيم الاستهلاكيَّة المبتذلة التي تحكمهم.
فالاستهلاك في عصر العولمة هو موضوع الإعلام وغايته، وتلك هي صورة الإنسان في عالمنا هذا هو شخص يستلقي مسترخيا على كنبته، وأمامه كأس كبير من الشاي أو القهوة أو الكولا التي تتموضع على طاولة صغيرة ملاصقة، وهو يشاهد سلسلة تلفزيونيَّة أو حلقة رياضيَّة. والسؤال هنا كيف يمكن له أن يمارس دورا تربويا وهو مجرَّد صورة نسخة طبق الأصل عن نموذج ثقافي استرخائي مبتذل يحيط به ويحتويه؟ ما نراه مرعب ومخيف وهنا يجب على الإنسان أن ينظر أمامه وأن يتبصَّر الخطر وأن يدرك رعب اللحظة، عليه أن يخرج من هذه الدائرة العدميَّة لا بل عليه أن يستيقظ وأن يستكشف آفاقا جديدة لوجوده وحياته المعنويَّة والروحيَّة.
وهنا يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أنَّ مصلحة المجتمع الاستهلاكي تتوافق مع الوضعيَّة الاستسلاميَّة ويعمل بقوَّة على تعزيزها. وفي دائرة هذه الوضعيَّة فإن التربية وبحكم الهيمنة الثقافيَّة تتَّجه إلى بناء سيكولوجيَّة الاستهلاك وتؤكِّد على بناء شخصيَّة المستهلك الطيع الذي ينصاع ويذعن لواعي الاستهلاك ومعطياته. وهنا يجب التشديد على أن الإذعان يوجد في صميم عمليَّة الاستهلاك فالاستهلاك والإذعان مترابطان بالضرورة في مجتمع استهلاكي.
وفي سياق المجتمع الاستهلاكي الإعلامي تجب الإشارة إلى تنوّع كبير في وظائف التلفزيون وقدراته في التأثير. حيث يمكن وضع تلفزيون في كل غرفة من غرف المنزل، وهنا تبرز أيضا خاصَّة التدامج الإعلامي والتفاعل التقني بين التلفزيون والوسائط الإعلاميَّة المختلفة حيث يمكن الانتقال بسهولة من التلفزيون إلى الفيديو إلى الحاسوب إلى الإنترنيت، والعكس صحيح، ويمكن تحقيق التدامج الوظيفي لهذه الوسائط دفعة واحدة ولأغراض متعدِّدة. وكل هذه الوسائط ترتبط بالصورة إنتاجا واستهلاكا على نحو بالغ التنوّع والامتداد. وهذا يسمح للفرد ودون حدود باللهو والتسليَّة والحلم والتخيُّل والاندماج السلبي وأن ينقطع به الأمر عن الحياة الحقيقيَّة والتواصل الحقيقي. فالفرد هنا يعيش بديلا للحياة الحقيقيَّة حياة افتراضيَّة في عالم افتراضي بديل عبر الصورة واللون والصوت وإيقاع والوهم.
وهذا كله يجعل الناس في دائرة ثقافة أخرى ليس قوامها قراءة في الأدب ومطالعة في الأعمال الفكريَّة الكبرى ليست ثقافة في شعر المتنبي وفلسفة ابن رشد أو في أشعار شكسبير وفلسفة نيتشه أو في جمهوريَّة أفلاطون. هذه الثقافة الاستهلاكيَّة ليس لها أيَّة علاقة مع الذكاء الحقيقي والمعرفة العلميَّة أو مع الأعمال الفكريَّة بطابعها الإنساني ليس لها علاقة مع الفكر والنقد والتحليل والنظر والتأمل ومع ذلك فهي ثقافة الاستهلاك والرضوخ والمتعة واللذة والضياع والخراب والوهم والاسترخاء والإدمان والسقوط والحسيَّة والشبقيَّة والانتحار. ولا يستطيع أحد أن يزعم بأن ثقافة ما بعد الحداثة هي ثقافة الفراغ بل هي ثقافة مشبعة بالصور، ملايين الصور والكلمات والشعارات والإعلانات والأصوات، وهي في مجموعها تشكِّل ذاكرة الإنسان ما بعد الحداثي كما تشكّل أحاسيس ومشاعر الإنسان المعاصر الذي المتخم بالصورة والإعلان والعفويَّة.
وبالتالي فإن هذه الثقافة تتَّسم بأنها ثقافة للأميَّة أو على الأقل أن تعزِّز الأميَّة بين صفوف أفرادها. فهناك كثير من الإحصائيّات التي تبيِّن حضور هذه الأميَّة حتى في الدول المتقدِّمة، وإذا كان الوطن العربي كما تقول آخر الإحصائيّات يضمّ بين جناحيه مئة مليون أمي (أي ثلث سكان العالم العربي) فإن بعض الإحصائيّات الغربيَّة تبيِّن على سبيل المثال أنَّ نسبة تتراوح بين 10-12% من الفرنسيِّين الذين لا يستطيعون تحرير شيكاتهم، وأن هذه النسبة تتزايد مع تزايد الأيام. وهذه النوع من الأمّيَّة يتقدَّم نحو الجامعة حيث نجد تراجعا كبيرا في مستوى اللغات في الجامعات وضعف اللغة الذي يعاني منه الطلاب يكاد يدهش المعلمين والمدرسين في هذه الجامعات. لقد بيّنت الإحصائيّات في هذا الميدان أن أكثر من 25% من الناس الذين يعيشون في الغرب لا يقرؤون أبدا وهم في الغالب يعتمدون على تلقِّي ثقافتهم من التلفزيون. حيث تسود ثقافة اللهو والتسلية والألعاب وقضاء أوقات الفراغ. وفي هذا السياق يلاحظ اليوم توجه واسع النطاق لإدخال الدعاية الإعلانيَّة في مدارس الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، وهناك في المجتمع الأمريكي يلاحظ انحدار المستوى التربوي.
فالحاسوب يأخذ مكانا كبيرا اليوم في المجتمعات المتقدِّمة، وعمليَّة الحوسبة تغطي مختلف فالنشاطات العقليَّة والإنسانيَّة ولاسيما في مجال الميكانيك والتقانة. والآلات تستطيع اليوم أن تفعل كل شيء بصورة أفضل من الناس. ويبقى هنا أن الناس هم في مسيس الحاجة لتحقيق نوع التثقيف الإنساني الأخلاقي الذي يمكن أن يتحقَّق عبر الثقافة العامَّة في المجتمع. والسؤال يمكن تعزيز هذا التوجّه الثقافي الإنساني مع أطفال التلفزيون أو أطفال ما بعد الحداثة حيث لا توجد هناك معايير ثقافيَّة يمكن الاستناد إليها؟ كيف نفعل ذلك في ظل غياب الحسّ النقدي والممارسة الحرّة للتفكير؟ كيف لنا ذلك مع غياب الثقافة ذاتها؟ كيف ونحن نعاني من عسر في القراءة؟ وكيف لنا ذلك في غياب الرغبة في التعلم والتثقيف؟ كيف يكون ذلك وكل شيء حول الفرد يدعوه إلى الكسل واللهو والاسترخاء؟ كيف يمكن تثقيف الفرد في مجتمع لا يعنى أبدا بعمليَّة التغذيَّة الفكريَّة والعقليَّة ولا يعمل على تنمية ذكاء الأفراد؟ والسؤال كيف يمكن الخروج من هذا الجمود الذي يدعو العقل إلى الخمول ومن هذه الثقافة التي تدعو إلى الهزيمة واللجوء إلى اللهو والاستجمام بدلا من القراءة والجدّ والكدّ والتعبّ الخلاق؟ والنظام التربوي في ظل هذه التناقضات غير قادر بالتأكيد على إخراجنا من هذه العطالة المرعبة للعقل والروح. وفي ظل هذه الوضعيَّة المحبطة لعالم يدعو إلى الكسل ويرفض قيم التحصيل والتثقيف حيث لا تبقى فرصة لغير قلَّة من الناس الذي يستطيعون تجاوز هذه الوضعيَّة المأساويَّة لثقافة مدّمرة.
ما بين الواقع والخيال:
يُحاصر ذكاء الفرد في مرحلة ما بعد الحداثة ويختزل في معرفة منقطعة عن الحياة فاقدة للدلالة الثقافيَّة، حيث يستطيل الخيال ويتمدَّد على حساب الحقيقة. لقد أصبح مجتمع ما بعد الحداثة – وفقا لتعبير غي ديبورد Guy Debord – مجتمعا استعراضيا بامتياز La société du spectacle ؛ حيث تتحوّل الحياة إلى نوع من التفاعل الاستعراضي للصورة واللون والحركة البصريَّة، ويتحوّل على لأثر كل ما هو مباشر وحيوي في الحياة إلى خيالي وتصوري وافتراضي.
فالعالم ما بعد الحداثي يعلِّب كل ما يوجد في التفكير في هيئة صور، ويعظِّم الأحداث مضاعفاً إياها بصورة ذهنيَّة وتخيليَّة منفصلة عن العالم الواقعي ومفارقة لمعالم الحقيقة الموضوعيَّة الحسيَّة الملموسة. والصور التي غالبا ما تلتقط لجانب منفصل من جوانب الحياة تجمع وتصهر في وحدة تيار متدفِّق للحياة، وتبقى الروح الحقيقيَّة لهذه الحياة المتخيَّلة غير واقعيَّة متوهّمة أو مزيفة. فالحقيقة المجزّأة تأخذ وحدتها في صورة عالم متوهّم – إن لم يكن مزيّفا – لا وجود له إلا في امتداد هذه الصور وتدفّقها. وهنا يمكننا وصف هذا العالم بأنَّه عالم مريض سوسيولوجيا، بمعنى أنه يتعارض مع دلالة الحياة التي تتوافق مع ذاتها، وتبرهن على وجودها بوصفها حياة حقيقيَّة غير متوهّمة أو متخيّلة. فالحياة فيما بعد الحداثة وكما أشرنا تأخذ حقيقة متدفِّقة من الصور والتشكيلات الافتراضيَّة. فالحياة الحقيقيَّة ليست أبدا جمعا ورتقا لتدفّق الصور بل هي علاقات اجتماعيَّة انفعاليَّة عفويَّة صميميَّة وحيويَّة بين الإنسان والواقع، بين الإنسان والحياة. وهذا الصورة تتوافق مع وصف مارك أوجيه في كتابه “حرب السلام” لغزو الصور الذي يداهم الكون حيث يقول ” إنّه غزو يشنّه نمط جديد من الخيال الذي يعصف بالحياة الاجتماعيَّة ويصيبها بالعدوى ويخترقها إلى حدٍّ يجعلنا نشكّ فيها، في واقعها وفي معناها وفي المقولات الخاصَّة بالذات والآخر التي تتولَّى تكوينها وتعريفها ” ([20]).
ومن أجل توضيح خطورة الدور الذي تلعبه الصورة في بناء واقع ثقافي أقرب إلى الخيال والوهم منه إلى الحقيقة يمكننا الإشارة إلى قصَّة المواطن الأمريكي جون ديفيس ” وهو رجل بلغ به التصديق حدّ الرعب، إذ صدَّق ما روَّج له الإعلام الأمريكي عن خطر صدام حسين، ولذا قرَّر الاختباء في أحد كهوف جنوب كاليفورنيا وأخذ معه زوجته وأطفاله، حيث عاشوا في الكهف عشر سنوات بعيدا عن أعين الناس وقد أحاط نفسه وعائلته بسياج من الشجر يخفي فتحات الكهف، وامتنع عن الاتِّصال بالحياة المدنيَّة حارما نفسه وعائلته من كل ضروريات الحياة الصحيَّة والمعاشيَّة، لخوفه الشديد من صدام وتصوره أنه سيأتي إلى كاليفورنيا في أقصى غرب أمريكا ويفتك بالناس هناك. لقد حدث هذا بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 واستمرَّ حتى منتصف العام 2001، حيث كشف البوليس الأمر وتمَّ إنقاذ العائلة من هذا الرعب المستفحل([21]).
لقد أدَّت هيمنة المعايير الماديَّة في الحياة الاجتماعيَّة إلى حالة من تراجع معايير الحياة الأخلاقيَّة، وإلى تحويل الإنسان إلى كائن مأخوذ بالربح والتملُّك والسيطرة والهيمنة. وبالتالي فإنَّ الانقلاب الكبير الذي يحدثه الاقتصاد يصل مداه عندما تتحوَّل الثقافة إلى ثقافة السوق أو عندما تتحوَّل الثقافة نفسها إلى منتج مميّز للتسويق الاستعراضي.
ثقافة الحياة: تقاطع الوجدان والعقل
ما الذي يعنيه مفهوم ثقافة بالدلالة الحقيقيَّة الحقّة للثقافة؟ أي ثقافة الأنسنة والتجاوز أو الثقافة الغائيَّة (ضدّ أداتية)، إنها تعني وكما أشرنا أعلاه عمليَّة تحوّل ذاتي للحياة وهي حركة لا تنقطع ولا تتوقَّف عن تغيير ذاتها، وذلك من أجل الوصول إلى صيغ أكثر تقدّما من صيغ الوجود والتكيُّف. والثقافة وفقا لهذا التصوُّر لا يمكنها أن تختزل إلى أبعادها المعرفيَّة الموضوعيَّة فحسب. إنها تتجلَّى في كل الصيغ عبر تحوّلاتها الداخليَّة لتتجلَّى في الوجدان الذاتي الأعمق لكل فرد في المجتمع، ولتأخذ حضورها المميَّز في ذكائه ووعيه. والسؤال هنا ما المشترك بين قراءة كتاب يصدمنا ويهزّ ذكاءنا وقلوبنا، وبين البهجة التي يضفيها سماع عمل موسيقي، أو بين فرحة الرسم وتصوير الروح الإنسانيَّة في هيئة أو شكل؟ إن الرابط الجوهري بين هذه المظاهر والفعاليات ليس شيئا آخر غير الشعور الخلاق بالحياة الإنسانيَّة في أعمق أعماقها وفي صلب ذاتيّتها.
إذ لا يوجد هناك فصل حقيقي بين الثقافة الغائيَّة (بمعناها الغائي الكانطي) والحياة، فالحياة تتجلَّى وتتكامل في الثقافة وكذلك هي الثقافة لا يمكن أن تتجلَّى إلا في صورة الحياة في أعمق معانيها ودلالاتها. وعندما تكون الحياة حركة لا انقطاع فيها، عندما تكون ذاتيَّة التحوُّل والتكامل فإنها هي الثقافة ذاتها. وهذا يعني بالضرورة أن أي نفي ممكن للثقافة الحقَّة يعني في الوقت نفسه نفيا للحياة ذاتها. فالطالب أو التلميذ الذي يبني تجربته المؤلمة عبر دراسته، ويستطيع مواجهة الصعوبات التي تعترضه في سبيل التحصيل، يمكنه أن يحقِّق امتلاكا حقيقيّا للمعرفة العلميَّة التي تلقّاها. ومع ذلك فإن الطالب يشعر بأنه غريب على المعلومات التي يتلقّاها وهو يعيش حالة ضجر رافضا ما يتلقاها خارجيا، حيث يتوجَّب عليه أن يستظهر أمورا غريبة عنه. فالمعلومات ليست معرفة حقيقيَّة لأنها تفتقر إلى العناصر الذاتيَّة الواعيَّة، والمعرفة هي غذاء حقيقي للذكاء عندما يستطيع الطفل أو الطالب أن يدمجها في ذاته ويتفاعل معها وجدانيّا لتصبح جزءا حقيقيّا من تكوينه الإنساني وهويّته، وهذا يعني أنه عندما يستطيع أن يجعلها جزءا من حياته الخاصَّة: أي عندما يفهمها ويدركها بصورة حقيقيَّة. وهذا يعني أن ما نفهمه وما ندركه بعمق يصبح جزءا من شخصيّتنا ومن تكويننا الإنساني.
فالعلوم الحديثة تنطلق من مبدأ الفصل بين الذاتي والموضوعي، وفي سياق ذلك يتمّ التأكيد على الجوانب الموضوعيَّة وإقصاء الجوانب الذاتيَّة للمعرفة. وتعمل هذه العلوم على فهم العالم من خلال الحقائق الرياضيَّة التي تسمح بعمليَّة القياس والتحديد. إنَّ التطوّر التقني الخالص للعلوم منقطعا عن الثقافة الإنسانيَّة يؤثِّر بالتأكيد في التعليم المدرسي والجامعي، فالطلاب لا يستطيعون فهم هذا التطوّر نفسه وذلك لأن تطوّر المعرفة يأخذ طابعا مجزّأً مشتّتا في غير ما سياق، وهذا يجعل هذه المعارف غامضة وغير واضحة المعالم. وهي في أفضل حالاتها غامضة ومنقطعة الصلة عن سياق الحياة ومتطلباتها. فالثقافة هي عطاء ذاتي للحياة، وهي في الوقت نفسه تُجدِّد فهمها لذاتها وتطوّر صيرورات تفاعلها مع الواقع الإنساني في دورة التواصل مع متطلبات العقل والوجدان. وبالتالي فإنَّ العلم عندما يتنكَّر للثقافة فإنه يؤدِّي إلى تدمير الإحساس والذكاء. ووفقا لهذه الصورة فإنَّ المعرفة العلميَّة (الأداتيَّة) المنقطعة عن أصولها الثقافيَّة تؤدِّي إلى الغموض والتصلُّب والجمود. وهنا يمكن القول بأنَّ أيَّة معرفة تنفصل عن الحياة تفقد قيمتها الإنسانيَّة، لأنَّ المعرفة التي ترتبط بالحياة والقيم هي وحدها المعرفة التي تحمل معنى ودلالة.
والفكر الفلسفي هنا هو الأكثر جدارة بتأصيل القيم الروحيَّة والنقديَّة في الحياة المدرسيَّة والاجتماعيَّة. ولكن وما يؤسف له اليوم أن الفلسفة الرسميَّة التي تبثّها الأنظمة القائمة تخضع نفسها الوضعيَّة لوضعيَّة التجزّؤ والانشطار والتفكّك والغموض، وتفقد روابطها الكليَّة والشموليَّة مع الحياة ومع الدلالات الفلسفيَّة للوجود ذاته، وتجد نفسها غير قادرة على تلبية النداء الفكري الحيوي لوجودها وصيرورتها.
هذه هي الحالة المعقَّدة والمحيّرة لعصرنا اليوم حيث يتمّ تعطيل الدلالات الثقافيَّة. إنّه العصر الذي يتمّ فيه تغييب الرؤى الشموليَّة والكليَّة للحياة، عصر التجزّؤ والانشطار في مختلف المجالات، ولاسيما في المجالات المعرفيَّة، إنه عصر الفصل بين الحقول المعرفيَّة وبين مستويات التفكير الاتّصالي، بل هو عصر الفوضى الفكريَّة حيث لا توجد أيَّة مصادر حقيقيَّة لتنميَّة الذكاء والفهم العميق للإنسان المعاصر: إنه عصر البربريَّة الجديدة. والبربريَّة لا تكون هي الأصل والبداية، بل تأتي انعكاسا لوضعيَّة ثقافيَّة تسبقها بالضرورة دائما. فالبربريَّة دمار لما هو قائم وليست بداية. وعلى خلاف ذلك فإنَّ الثقافة هي حالة أولى بالضرورة، وهنا يمكن القول أيضا إنَّ الأفعال المتوحِّشة في الحياة الاجتماعيَّة هي صيغ وأنماط ثقافيَّة محدَّدة ومعينة.
والسؤال هنا ما طبيعة البربريَّة التي نعيشها اليوم وكيف يمكننا التأثير عليها ومحاصرتها؟ وإذا كانت الثقافة وثيقة الصلة بالحياة وفقا للدلالة التي تكون فيها الثقافة تعبيرا عن فرح الحياة وبهجتها عبر الحسّ والذكاء، فما هي القوَّة التي تصدر عن الحياة والتي تؤدِّي إلى البربريَّة؟ فهل يمكن القول هنا بأن البربريَّة طاقة إنسانيَّة غير مستثمرة؟ وعلى خلاف ذلك يمكن القول بأن كل ثقافة هي عمليَّة تحرير للطاقة، وبالتالي فإن كل الصيغ التي توظّفها هذه الثقافة تجسِّد صورا وتجليات محدَّدة لهذا التحرير. وبالتالي فإن عدم قدرة الثقافة على تحقيق نفسها بوصفها تحرير وعدم قدرتها على توليد الطاقة الحيويَّة لهذا التحرير ينقلب على الثقافة ذاتها ويؤدِّي إلى ولادة صيغ التدمير الذاتي في داخل الثقافة عينها.
حدود الاغتراب في الثقافة العربيَّة: بين المطرقة والسندان
تواجه المجتمعات الإنسانيَّة ثقافة اغترابيَّة استلابيَّة مدمّرة تستهدف ثقافاتها المحليَّة والتقليديَّة. وقد بلغ هذا الاختراق الثقافي مداه في عالمنا العربي حيث تدفع الإنسان العربي إلى مزيد من الهامشيَّة والدونيَّة والانحدار. ومع دورة هذا الامتداد المدمِّر لثقافة الاغتراب يجد الإنسان العربي المعاصر نفسه في حصار القهر الثقافي والتشيّؤ والابتذال والضياع والانحدار والعطالة والجمود الوجداني.
وإذا كان الإنسان الغربي في حقيقة الأمر يعيش ثقافة اغترابيَّة واحدة هي ثقافة الحداثة العولمة وما بعدها فإن الإنسان العربي يعيش في ظل ثقافتين اغترابيّتين حيث يجد نفسه بين مطرقة ثقافة الحداثة وسندان الثقافة التقليديَّة التي تشكِّل بدورها ثقبا أسود يلفّ ويدمِّر كل المعاني النبيلة في الإنسان. فالثقافة التقليديَّة العربيَّة السائدة (أشدِّد على السائدة) كانت وما زالت نموذجا فريدا لثقافة التخلُّف بكل ما تعنيه هذه الثقافة من قدرة على مصادرة الوعي والحريَّة والكرامة. وغالبا ما وصفت هذه الثقافة بأنها ثقافة الطاعة والاستسلام والانصياع والغيبيَّة والاتّكاليَّة والقدريَّة، إنها كل ما حملنا إياه ماضي الظلام من خرافات وأوهام وتعصب وفئويَّة وعنصريَّة، إنها ثقافة الموت والعدم والإفناء، والتسلُّط والعدوان والقهر والمصادرة وتغييب كل القيم الديمقراطيَّة والإنسانيَّة في الإنسان.
ثقافتنا التقليديَّة تتَّصف بالعجز وتضع الإنسان العربي في حالة سلبيَّة دائمة وغيبوبة نقديَّة فائقة الوصف إنها ثقافة اغترابيَّة بامتياز حيث يتميَّز الإنسان العربي المعاصر بالسلبيَّة والدونيَّة والعجز والتواكل والانغلاق والتعصُّب، وقد لا نبالغ في القول بأننا تحوّلنا إلى مومياء إنسانيَّة في ظل الثقافة التقليديَّة التي تجرِّد الإنسان من قدرته على الانطلاق. والدليل القاطع على هذا الموات الروحي الذي نعيشه اليوم يتمثَّل في مواقف الشعوب العربيَّة إزاء قضاياها ومصيرها الإنساني حيث نجد الإنسان العربي غير قادر على المبادرة أبدا: دمر العراق وأبيدت مقوّمات وجوده فلن نسمع صرخة عربيَّة واحدة تدين الموت والقتل! وها هو اليوم كما الحال بالأمس يقتل الشعب الفلسطيني ويتعرَّض للإفناء، وتدمّر كل القيم الإنسانيَّة في أرض القداسة في فلسطين، فلا تهتز شعرة في جفن الشعوب العربيَّة ولا يختلج لها الوجدان وذلك بدءا من محيطها وانتهاء بخليجها، لأنها في حالة خدر اغترابي مذهل الحدود وفي حالة موات قصيَّة الأبعاد، لأنها في حصار الكفن الاغترابي لا حول لها ولا قوة. لقد أصبح الشعب العربي إزاء قضاياه المصيريَّة أشبه بالقطعان التي تغمض العين وتشيح بالوجه عندما تشاهد الخطر وهي تشعر بأن لا حول لها ولا قوة.
في ثقافتنا التقليديَّة ما زالت قضايانا الكبرى تتمثَّل في أضغاث أمور الحياة وصغائرها وفي هذا دليل كبير على حالة اغتراب ثقافيَّة مذهلة. قد هزَّني، وأنا أسّطر حروف هذه المقالة، مشهد ثقافي من مشاهد حياتنا الثقافيَّة المثيرة، إذ اجتمع فريق كبير من الباحثين والدارسين والمفكّرين وأصحاب الألقاب العلميَّة في موسم ثقافي مهيب في رأس السنة الميلاديَّة لعام 2008، وكان موضوعه الرئيس وقضيّته الكبرى هي: هل يجوز للمسلمين تبادل التحيَّة في رأس السنة الميلاديَّة؟ وبصورة أوضح هل يحقّ للمسلم أو يجوز له أن يعايد آخرا مسيحيّا كان أم مسلما بعبارة “كل عام وأنت بخير”؟ وما عقوبة ذلك في الآخرة والدين؟ وما هي ضوابط هذا القول وأحكامه؟ وقد بادر الفصحاء والمتكلّمين بخطب رنانة مُصقعة حول وجوب الامتناع عن تبادل التحيَّة في رأس السنة الميلاديَّة. تلك هي وأمثالها كثير هي القضايا الكبرى التي يناقشها مثقّفونا وعلمائنا ورواد الحركة الفكريَّة في بلادنا ممن ينتسبون إلى الثقافة التقليديَّة. وكم هي ندواتهم شبيهه بالندوات العلميَّة التي نجدها في الغرب، حول الثورات الرقميَّة، والجينات، والشيفرات الوراثيَّة، وغزو الفضاء وتدجين الإنسان، واختراق الزمن، وقضايا النسبيَّة، وابتلاع الضوء، والدورات الفلكيَّة، وامتداد الكون؛ وقابليَّة الكون للفناء!! أين هذه من ندواتنا الحامية حول دخول الحمام، وملاعب الشيطان، والنكاح من الخلف والأمام، وتفسير الأحلام، والقراءة في الفنجان، وشهادة المرأة والصبيان، وقضايا الزواج من الأنس والجان.
حال الثقافة التقليديَّة بمعناها الاستلابي لا يختلف كثيرا عن حال ثقافة العولمة، فكلاهما ينهل من معين القهر ويسعى إلى تفريغ الإنسان من معانيه الإنسانيَّة ومن مضامينه الأخلاقيَّة، كلتاهما تعمل على تخدير الإنسان وتحويله إلى وثن إلى شيطان، كلتاهما تعملان على تعليب العقل وتدمير ملكة النقد وإسقاط الحسّ الجمالي والانحدار بالإنسان. والإنسان العربي المعاصر الذي يعيش في دائرة هذه التقاطع المرعب لثقافتين مدمّرتين يتحوَّل إلى كيان موميائي اغترابي لا حول له ولا قوة، إنه يعيش تضاعيف اغتراب تتكامل فيه العناصر الاستلابيَّة والقيم الاغترابيَّة للثقافتين التقليديَّة والحداثيَّة. وغالبا ما تمتلك هذه القيم الاستلابيَّة على قوة جذب وتدمير، فهي أشبه ما تكون بالثقوب السوداء المدمّرة التي تعتصر نفسها وتلفّ ما يقع في طريقها بصورة أسطوريَّة، إنَّها ثقوب ثقافيَّة سوداء تبتلع الضوء والزمن وتلفّ أبعاد المكان والزمان، وتحوِّل إلى الإنسان في النهاية إلى مضغوطات استهلاكيَّة فاقدة للمعنى والدلالة.
وما يزيد القهر قهرا والاغتراب اغترابا أنَّ ثقافة العولمة التي تصول وتجول في عالمنا العربي ليست عربيَّة الصنع أو إسلاميَّة الهويَّة، بل هي ثقافة الآخر التي تداهمنا وتداهم وجودنا الإنساني لتحطِّم أركانه. وهكذا يقع الإنسان فريسة ثقافة الآخر المدمّرة التي فرضت عليه من عالم مختلف المعاني والدلالات وليس له صلة لها بعالمه إلا وفقا لدلالة التشيّؤ والاستهلاك. وقد يبدو هذا التصوّر مأساويّا ولكنها حقيقة التطوّر ذاته حيث أصبح الإنسان العربي لا يستطيع اليوم الانفصال عن النتائج المدمِّرة لثورات الآخر الهائلة التكنولوجيَّة والرقميَّة والافتراضيَّة. وبالتالي فإن “مأزق ثقافات العالم اليوم كما يقول وجيه قانصو ” لم تعد قادرة على الصمود أمام عقلانيَّة غربيَّة تكتسح وتبتلع كل ما حولها دون أن تميتها، أي عقلانيَّة تقتحم الحدود دون تصريح وتحدث خللا في التوازن النفسي والاجتماعي، لقد وقعت جميع الحضارات داخل عنق الزجاجة، فلا هي قادرة على إغلاق نوافذها أو صمّ آذانها على ما يحصل في العالم، ولا هي قادرة بتكوينها التاريخي ومعادلتها الفكريَّة أن تستمرّ وتقاوم وتستمر” ([22]).
وفي هذا السياق يرى بنجامين باربر في كتابه ” الجهاد ضدّ السوق الكونيَّة” بأنَّ الآثار التفكيكيَّة للسوق الكونيَّة ستؤدّي إلى مضاعفات وردود فعل عنيفة في داخل كل ثقافة، ومن ثم يؤكِّد أنَّ قيم السوق الكونيَّة العالميَّة سوف تنتصر في نهاية المطاف على الذين يتصدّون لمقاومتها. حيث يقول: ” إنّني أتنبّأ بأن المقاومة ستهزم في النهاية (إن لم يكن في أي وقت قريب) أمام السوق الكونيَّة. وهذا التنبّؤ يستند كليَّة تقريبا إلى القدرة الهائلة للثقافة الكونيَّة على التغلّب على كل ما يجابهها من ضيق الأفق الفكري ومحاولات الإبقاء على الكيانات الصغيرة. وهذا حتى الآن ما نراه أمام العين وما يقع أمام البصر، ففي ظل آليّات الهيمنة العالميَّة تحوّلت الثقافة الاستهلاكيَّة إلى آليَّة فاعلة لوضع الإنسان العربي في دائرة الاغتراب، ومن ثم تعليب قناعاته الوطنيَّة والأيديولوجيَّة والأخلاقيَّة والدينيَّة. وهكذا لعبت الثقافة العالميَّة الجديدة دورا كبيرا في تدمير البنى التقليديَّة للمجتمعات العربيَّة وحوّلت الإنسان إلى قيمة استهلاكيَّة.
فالثقافة الكونيَّة سمِّها ما شئت تزحف وتدمِّر وهي في زحفها هذا استطاعت ” أن تربك المنظومة التقليديَّة وتدخل الفزع حيث أفقدت المواطن العربي الثوابت الثقافيَّة التي يبني بواسطتها هوّيته، وذلك لأن الهويَّة تحتاج إلى مرجعيّات ثقافيَّة وقيميَّة واضحة وثابتة يعتمدها الفرد لبناء شخصيّته([23]). “فالاغتراب والفرديَّة والماديَّة والاستهلاك أصبحت سمات سائدة في مجتمعاتنا العربيَّة، حيث تحوّلت الثقافة العربيَّة إلى ثقافة سوقيَّة من نوع جديد، وأصبح كل شيء يخضع لقانون العرض والطلب، وكل شيء يمكن أن يباع ويشترى “حتى روح الإنسان نفسه““([24]). إنَّها ثقافة العولمة التي توصف بأنها عمليَّة غسيل حقيقيَّة للأدمغة على حدّ تعبير عبد الخالق عبد الله؛ وهي كما أشار “مارتن وولف” في الحقيقة تقتلع الإنسان وتدمِّر أعماقه الإنسانيَّة حيث يحاصر الفرد ويشعر بأنَّه أسير أفكار معلومة وقيم مرسومة، إنَّه طريد عالم غريب عليه يفيض عليه شعورا بالغربة والانسلاخ، أو العداء والعدوانيَّة على كل هذا الصخب العالمي الوافد ([25])..نعم هي الصورة قاتمة جدا فيما يتعلَّق بفعلها الاغترابي، فالثقافة الإنسانيَّة الغائيَّة التي يريدها كانط وطاغور وابن عربي والجاحظ وابن طفيل والحلاج غائبة والمعري والمتنبي غائبة غائبة، والإنسان العربي إن استطاع أن يفكّ ارتباطه بالثقافة التقليديَّة فإنه سيسقط في أوحال الثقافة الغربيَّة ثقافة العولمة والميديا إنه سجين المحبسين محبس الثقافة التقليديَّة ومحبس الثقافة الغربيَّة المعاصرة.
وأخيرا لن تنزلق مقالتنا هذه إلى تقديم الوصفة المعهودة لكيفيّات التقدّم والتجاوز؟ كيف يتمّ تجاوز ثقافتي الاغتراب والاستلاب والتشيّؤ والضياع في عالمنا العربي؟ ما استراتيجيات العمل والفعل في اتّجاه بناء الإنسانيَّة في الإنسان بعيدا عن كل أشكال القهر؟ تلك هي أسئلة المحال؟ والإجابة عنها غالبا ما تكون في تضاريس الصراع الإنساني نفسه من أجل الحقّ والخير والعدالة الإنسانيَّة. وحسبنا في هذه المقالة أننا أضأنا شمعة صغيرة بين ملايين الشموع تضيء أوجاعنا المرعبة في حالك الظلام. فالاغتراب اليوم هو قضيَّة إنسانيَّة شاملة تلف الكون بأممه وشعوبه وأعراقه وأجناسه. وإذا كان من قول في النهاية فإنّ الإنسانيَّة لن تألو جهدا في سبيل الحقّ والحريَّة والجمال والنضال الإنساني لم يتوقّف يوما ولن يقف اليوم فالنضال من أجل ثقافة التجاوز كان وما زال همسة الإنسانيَّة عبر الزمان والمكان. ونحن في عالمنا العربي أشدّ ما نحتاج فيه إلى حالة تنوير تدفعنا إلى دائرة النور بعيدا عن دائرة الاغتراب الظلام. يستمرّ النضال الإنساني وسيبقى في مواجهة جحافل الظلام وممّا لا شك فيه أنّ الإنسانيَّة تبدع وستبدع أساليب نضاليَّة جديدة تحاول وستحاول دائما العمل على تحصين ما بقي من إنسانيَّة الإنسان وكرامته.
[1] Sigmund FREUD, Moïse et le monothéisme, traduit par Anne Berman, Paris. Gallimard. P 75.
يدون بأن فرويد قد قال ذلك في عام 1938 أي قبل عام واحد على وفاته.
([2]) – المختار بنعبدلاوي، الثقافة العربيَّة ومعطيات الواقع الراهن والآفاق المنظورة، مجلة الوحدة، عدد غير مذكور، صص 44-50،ص 45.
Kant , critique de la raison pratique trad. J.Giblin. Paris , 1965.
([3]) – محمد بو بكري: التربيَّة والحريَّة، من أجل رؤيَّة فلسفيَّة، الفعل البداغوجي، افريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1997، ص38.
([4]) نقلا عن: مجدي عزيز إبراهيم، المنهج التربوي العالمي، أسس تصميم منهج تربوي في ضوء التنوع الثقافي، مكتبة الأنجلو مصريَّة القاهرة 2001، ص 232.
([5])عبد القادر القادري:حقوق الإنسان: الخطاب والممارسة، الوحدة، ضمن المجلس القومي للثقافة العربيَّة: حقوق الإنسان في الوطن العربي العددان 63-64، ديسمبر/يناير، 1990، صص(28-34)، ص29.
([6]) – فؤاد زكريا :خطاب إلى العقل العربي، العربي، الكتاب السابع عشر، الكويت 1987.ص19.
([7]) – فؤاد زكريا :خطاب إلى العقل العربي، المرجع السابق ،ص19.
([8]) – يكاد يقتصر ” مفهوم الثقافة في الدراسات العربيَّة غير المتخصصة على الفكر ويتم استبعاد المكونات الأخرى والسبب في ذلك أن علم الإناسة الذي أعطى لمفهوم الثقافة أهم مضامينه لا زال يحتل حيزا ضيقا في الدراسات العربيَّة”، انظر: المختار بنعبدلاوي، الثقافة العربيَّة ومعطيات الواقع الراهن والآفاق المنظورة، مجلة الوحدة، عدد غير مذكور، صص 44-50، ص 46.
([9]) – علي وطفة، علم الاجتماع التربوي وقضايا الحياة التربويَّة المعاصرة، دار الفلاح، الكويت، 1999.
[10] – Regarde: E. B. Tylor, La Civilisation primitive (Primitive Culture ), 2 vol., Paris, 1876
([11]) عبد الله أبو راشد، العولمة: إشكاليَّة المصطلح ودلالته في الأدبيات المعاصرة، معلومات دوليَّة، العدد 58، خريف 1998، صص 19-25، ص 23.
[12] – Hannah Arendt, La Condition de l’homme moderne, Broché – 15 octobre 2002
([13]) عبد الخالق عبد الله، عبد الخالق عبد الله، العولمة جذورها وفروعها وكيفيَّة التعامل معها، عالم الفكر، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ديسمبر 1999. صص 79-80.
([14]) عبد الإله بلقزيز، في البدء كانت الثقافة، دار إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1998، ص121.
([15]) – كفاح الفني، طفل الفضاء الافتراضي وهمهمات في أذن المستقبل ،التكنولوجيا أداة لصياغة الهويَّة في بعد معرفي تحرري، مركز القطان، موقع إليكتروني. http://www.qattanfoundation.org/pdf/1564_24.doc.
([16]) محمد جمال باروت، الدولة والنهضة والحداثة، مراجعات نقديَّة، دار الحوار، اللاذقيَّة، ط1، 2000، ص 129.
([17]) عبد الله الخياري، التعليم وتحديات العولمة، فكر ونقد، عدد 12، السنة الثانيَّة، أكتوبر، 1998، صص 45-82،ص 45.
([18]) مصطفى حجازي، حصار الثقافة بين القنوات الفضائيَّة والعوة للأصوليَّة، المركز الثقافي العربي، بيروت الدار البيضاء 1998، ص 157.
[19] –Ludwig Feuerbach, L’Essence du christianisme (Das Wesen des Christentums ), trad. J.-P. Osier, Maspero, Paris, 1968, rééd. 1982
[20]– عن: كريم أبو حلاوة، الآثار الثقافيَّة للعولمة حظوظ الخصوصيات الثقافيَّة في بناء عولمة بديلة، عالم الفكر، العدد الثالث، المجلد 29، يناير/ مارس 2001، (صص 171-202)، ص 184.
[21] – نقلا عن: عبد الله الغذامي، ثقافة الصورة: النخبة والجماهير، محاضرة ألقيت في القرين الثقافي في ندوة ” العصر العربي الجديد.. الواقع والتحديات ” في جدول أنشطة مهرجان القرين الثقافي العاشر من 3-22 -يناير 2004. المصدر الأساسي: نظر جريدة لوس انجليس تايمز 11/ 6/ 2001 والشرق الأوسط 12/6 /2001.
[22]– وجيه قانصو، عولمة الحضارات وحضارة العولمة، المنطلق الجديد، العدد الثالث، صيف- خريف 2001، صص 77-102، ص 92.
([23]) – أحمد شبشوب، التحولات الاجتماعيَّة وبناء الهويَّة لدى الشباب التونسي المتمدرس، فكر ونقد، س2 عدد 12، أكتوبر، 1998، صص 74-78، ص74.
([24]) – جلال أمين، ماذا حدث للمصريين؟ تطور المجتمع المصري في نصف قرن 1945-1995، القاهرة: دار الهلال، 1998، ص 283.
([25]) – عبد الخالق عبد الله،العولمة جذورها وفروعها وكيفيَّة التعامل معها، عالم الفكر، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ديسمبر 1999. صص 79-80.