هذا ما تبحث عنه مع إيناس الكيلاني “الموسم الثاني” – الآن يجب أن أتوقف
الآن يجب أن أتوقف
[soundcloud url=”https://api.soundcloud.com/tracks/326496652″ params=”color=ff5500&auto_play=false&hide_related=false&show_comments=true&show_user=true&show_reposts=false” width=”100%” height=”166″ iframe=”true” /]
يُروى أنّ ملكاً أرادَ أن يكافئ أحد رعاياه ذات يوم ، فناداه ثمّ قال له :
لقد كانت خدماتك للمملكة جليلة ، وتنمُّ عن إخلاصٍ ووطنيّةٍ كبيرين ، ولقد أحببت أن أكافئكَ بما لم أكافئ به شخصًا غيرك ، ومكافأتي لك ستكون استثنائية ..
قف خارج حدود القصر واتّجه يمينًا ؛ حيث الارض المملوكة للدولة ، ثم امضِ ما شاء لك أن تمضي ، وحيثما تتوقف فكلّ الارض التي قطعتها مشيًا هي ملك لك ، لا ينازعك فيها أحد .
خرجَ الرجل سعيدًا بتلك الفرصة التي منحها إياه الملك ، ثمّ بدأ في المضيّ إلى تلك الأملاك الموعودة .. أخذ يقطع الامتار عدوًا تارةً ومشيًا تارةً أخرى ، يجلسُ هُنيهةً ليستريح ؛ لكنّه يتذكر أنّ لحظات الراحة ربما تضيّع عليه أمتارًا إضافيّة يمكن أن يضيفها إلى ممتلكاته فيقوم متغلّباً على إرهاقه ؛ متشبثًا بأحلام الثراء التي تتحوّل إلى حقيقةٍ كلّما خطا خطوةً إلى الأمام .
دنت الشّمس من المغيب ، وبدت معالم المدينة في الغياب أمام ناظريه ، وبدأ جسده المُنهك في الصراخ طلباً للراحة والهدوء ، لكنّه كلّما أراد أن يستريح ؛ تذكّر أن الغد به متّسعٌ من الوقت للراحة ، وأن تلك اللحظات هي فرصتهُ الذهبية التي لا يجب أن يضيّعها في القعود والسّكون .
غابت الشمس ، ولا يزال صاحبنا يمضي مترنحًا ، وقد بدأت معدته الخالية في تذكيره بحاجته إلى مطعمٍ ومشرب ، وهي التي لم تذق طعمهما منذ الصباح الباكر ؛ لكنّه أكمل سيره ؛ فما أهميّة أن يجلس ليأكل ويشرب مُضيعًا جزءًا من ممتلكاته ؟ هكذا بات يحسبها ..
إن لحظة الراحة والطّعام والشّراب باتت تساوي الكثير من المال ، فليمضِ إلى منتهى جهده ، وبعدها فليرح الجسد المُنهك .
وباتت الامتار يجرُّ بعضها بعضًا ، والمسافات تتسع ، وكلّما اتسعت بدا الرجل شرِهًا في إضافة المزيد ..ولأنّ نواميس الاشياء هي الثابته ؛ فقد سقط الرجل من شدّة الجوع والعطش والتّعب ، ليُدرك حينها أن رجوعه إلى المملكة بات أمرًا صعبًا ؛ إن لم يكن مستحيلاً ، ويحتاج إلى جهدِ ومشقّة يليقان برجلٍ في قمّة نشاطه ، لا بشخصٍ منهك القوى .
لقد جرى وراء طموحه ، فلم يتسنّ له أن يعد العدّة لتلك الرحلة ، ولم يحمل من الزاد إلاّ القليل ، وطغى حلمه عليه ؛ فلم ينتبه إلى خطّ سيره ، أو يضع خطّة لكيفية رجوعهِ إلى المملكة ثانية .
وللمرة الاولى شعر الرجل بحجم المأزق الذي وضع نفسه فيه ، شعر بأنّ نهاية جميع الاحلام باتت قريبة ؛ لكنّها يا للفاجعة نهاية مريرة لم يتوقعها .
الآن يجب أن أتوقّف .. لماذا لم أقلها في القوت المناسب ؟ لماذا ؟
هكذا ردد في ألمٍ وحسرة ، قبل أن ينظر إلى الارض التي قطعها في سيره ، والتي باتت ملكاً خالصًا له ثمّ ابتسم في أسى قبل أن يغمض عينيه إلى الأبد .
أنيس منصور يذهلنا بحقيقةٍ مريرة عندما يقول : ” في معركة البحث عن لقمة العيش ، ننسى في كثيرٍ من الأحيان : لماذا نعيش ”
في ركضنا المتواصل من أجل جني أمتارٍ إضافيّة في رصيدنا البنكي ، والجلوس خلف مِقود السيّارة التي حلمنا بها ، والعمل من الصّباح الباكر إلى المساء الداكن قبل أن نسقط في غيبوبةٍ توهّل أجسادنا للدوران في الدائرة من جديد ، ننسى لماذا نعيش ..
إنّ الحياة ليست بروفة لحياةٍ أخرى ، وانسلالها من بين أيدينا يعني بأنّ أعمارنا تضيع ، وتذهب سدى ..
والذكيّ فقط ، هو من يمتلك القدرة – أمام إغراء المادّة وطغيانها – أن يكبح زِمام رغباته قائلاً بصرامة : الآن يجب أن أتوقّف .
تظلّ تفتّش عن فكرةٍ أو حكمةٍ تتوّج نورًا يهتدى به في شتّى الدروب وقد يكون ما قدمناه اليوم .. هو هذا ما تبحث عنه !