المقالاتحياة ومجتمع

نظرة مختصرة على قواعد الأسنى؛ في شرح أسماء الله الحسنى للإمام شمس الدين الأنصاري القرطبي(1)

استعراض للمفاهيم الأساسية والنهج الفكري (الجزء الأول)

اشتهر أبو عبد الله، محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فَرْح الأنصاري الخزرجي القرطبي (671 هـ) بفذّيّة مقدمة كتابه “الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته” ([1]) . إذ احتوت المقدمة على أربعين قاعدة، وضعها لتعمل كمنارة ترشد متن كتابه، وتضيء المنهج لاتخاذ موقف من نقاشات العلماء الذين عاصروه أو سبقوه، من أجل قبول أو رفض ما توصلوا إليه من زيادات في عدد أسماء الله الحسنى، التي تجاوزت التسعة وتسعين اسمًا.

إذ يقرّ القرطبي برواية البخاري ومسلم التالية والتي فيها ذكر لعدد أسماء الله الحسنى: أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا مِئَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ. الراوي : أبو هريرة | المحدث: البخاري | المصدر : صحيح البخاري، كما أخرجه مسلم (2677) باختلاف يسير.

ولكنه استدرك أن بعض العلماء اختلفت مناحيهم في ذلك فبعضهم زاد على العدد 99 ([2])، واختلفوا في ذلك الزائد.  عليه فإن التالي مختصر لقواعد القرطبي التي طبقها لتثبيت أسماء الله الحسنى وصفا وتأطير نهج زياداتها في كتابه “الأسنى”.

القاعدة الأولى: تسميات عديدة تسمي وتصف الله الواحد

ما ورد في “المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز” لابن عطية الأندلسي – ج 2 – الصفحة 480، ، وغيره أنه روي في سبب نزول قوله – تعالى – “ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها” (الاعراف 189)، أن أبا جهل سمع بعض أصحاب النبيء – صلى الله عليه وسلم – يقرأ فيذكر الله في قراءته ومرة يقرأ فيذكر الرحمان فقال أبو جهل : محمد يزعم أن الإله واحد وهو إنما يعبد آلهة كثيرة فنزلت هذه الآية . (الأسنى، 1)

القاعدة الثانية: أعداد أسماء الله لم ترد في آية

لم يذكر الله تعالى لأسمائه في كتابه عددا مسمى. (الأسنى، 1-2)

القاعدة الثالثة: دعاء الله بأسمائه قبل معرفتها محال (الأسنى، 3)

القاعدة الرابعة: في معنى أحصاها

روى الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين، يقول ﷺ: إن لله تسعة وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة”

الاجتهاد بالبحث والنظر والتفتيش عنها والإجتهاد بحفظها والاجتهاد بتفهمها والعلم بها لكي ينزل كل اسم منها منزلته من غير تفريط ولا إفراط. (الأسنى، 3-4)

القاعدة الخامسة: إحصاء الأسماء الحسنى والصفات لا يسقط التكليف (الأسنى،3-5)

القاعدة السادسة: أضراب أسماء الله (الأسنى،5-6)

اسم يختص به تعالى كقولنا: الله، الرحمن، غفار، صمد، متعال، سبوح، قدوس، إله،….

اسم لا يقتصر على الله كقولنا: عالم، قادر، متكلم، سميع، مدرك،موجود، باق….

أسماء تدل على ذات وفاعل كقولنا: خالق، رازق، باعث، محي، مميت، ….

أسماء تدل على ذات وصفة كقولنا:  حي، رحيم، قادر، مريد، سميع، ….

أسماء تدل على ذات ومعنى سواه كقولنا: شيء وموجود وقديم ومذكور ومعبود. فقولك شيء يدل على ذات ليس كمثله شيء. وكذلك موجود يدل على ذات ليس كوجوده شيء، ….

أسماء تدل على سلب شيء عنه. وهي التي دلت على سَلء[ ما لا يليق به سبحانه. أي تسلب من الذهن أضدادها. كالقدم تسلب عن الذهن الحادث، …. (الأسنى، 5-6)

القاعدة السابعة: مطلب أخذ أسماء الله الحسنى من النص والإتفاق

قال أبوبكر محمد بن الحسن ابن فُوْرَك الأنصاري الأصبهاني الشافعي الأشعري (ت. 406 هـ) : واعلم أن أسماء الله تعالى وصفاته عندنا مأخوذة نصا وتوقيفا لا يجوز أن تتعدى إلى ما لا يرد به نص. وقال أبو الحسن القابسي أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري القابسي المالكي (ت. 403 هـ) : أسماء الله تعالى وصفاته لا تعلم إلا بالتوقيف، والتوقيف كتاب الله وسنة نبيه والتفاق أمته وليس بالقياس في ذلك مدخل.

قال أبو جعفر النحاس، أحمد بن محمد بن إسماعيل المرادي المصري (ت 338  هـ ) في كتابه “تفسير القران” الشيئين لا يشتبهان لا شتباه أسمائهما في اللفظ (الله القادر مع إنسان وصف بالقادر) وإنما يشتبهان بأنفسهما أو بمعان مشتبهة فيهما ولو كان الأمر كما قالوا لاشتبهت الأشياء كلها لأنه يقع على كل واحد منهما شيء. وزاد ابن فورك أنه زعمت المجسمة أن الباريء سبحانه يسمى جسما على معنى أنه شيء أو على معنى أنه قائم بنفسه. تعالى الله على تسميتهم وقولهم. (الأسنى، 7-9)

القاعدة الثامنة: هل نقتصر على 99 اسما؟

يرى ابن حزم بإنحصار في التسعة والتسعين اسما. في حين ذهب أكثر الآخرون إلى أنه يجوز أن تكون له عز وجل أسماء زائدة عليها. فقد أخرج مسلم وغيره في حديث الشفاعة ” فأحمده بمحامد لا أقدر عليها إلا أن يلهمنيها الله” (الأسنى، 9-13)

القاعدة التاسعة: ما لا يجوز من التسميات

ذكر أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري (ت 324 هـ ) بعدم جواز أن يدعى الله بـ: المتمني، المشتهي، الحازم والفطن. لأن الفطنة والذكاء هو سرعة الفهم وإدراك الشيء، ولا يقال لرجل لقد فطن إلا وهو غير عالم ثم علم، وذلك لا يصح في حق الله تعالى. (الأسنى، 13-14).

القاعدة العاشرة: محظورات الاشتقاق

لا يجوز أن يشتق لله تعالى “من شر ما خلق” اسم ولا صفة ولا من قوله: هو الذي يصلي عليكم” الأحزاب 43. ولا يوصف بالغيظ ويوصف بالغضب وفي التنزيل: “فلما ءاسفونا” الزخرف 55. أي أغضبونا وفي حديث الشفاعة: “إن ربي قد غضب”. رواه أحمد في مسنده (9629). وورد في سنن ماجة والترمذي: أن النبي ص. قال: وامكر لي ولا تمكر علي”. فعلى هذا جائز أن يقال: يا خير الماكرين امكر لي ولا تمكر علي، كما يقال: يا خير الناصرين انصرني ولا تنصر علي. (الأسنى،14-17).

والله أعلم

 انتهى الجزء الأول – 4 رمضان 1445هـ


[1]  القرطبي، شمس الدين. (671 هـ). الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته. (عرفان الدمشقي، تحقيق). بيروت، لبنان: مطبعة المكتبة العصرية.

[2] ورد في مجموع فتاوى ابن تيمية الحراني ص 374 ج 6 موافقته على مبدأ الزيادة: “ثم قال هشام : وحدثنا الوليد حدثنا سعيد بن عبد العزيز مثل ذلك وقال : كلها في القرآن { هو الله الذي لا إله إلا هو } . . . مثل ما ساقها الترمذي لكن الترمذي رواها عن طريق صفوان بن صالح عن الوليد عن شعيب وقد رواها ابن أبي عاصم وبين ما ذكره هو والترمذي خلاف في بعض المواضع وهذا كله مما يبين لك أنها من الموصول المدرج في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الطرق ; وليست من كلامه . ولهذا جمعها ” قوم آخرون ” على غير هذا الجمع واستخرجوها من القرآن منهم سفيان بن عيينة والإمام أحمد بن حنبل وغيرهم ; كما قد ذكرت ذلك فيما تكلمت به قديما على هذا ; وهذا كله يقتضي أنها عندهم مما يقبل البدل ; [ ص: 381 ] فإن الذي عليه جماهير المسلمين أن أسماء الله أكثر من تسعة وتسعين . قالوا : – ومنهم الخطابي – قوله : { إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها } التقييد بالعدد عائد إلى الأسماء الموصوفة بأنها هي هذه الأسماء” .

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات