تعالَ، تعالَ لنكون معاً، مَن تكن، كافراً، وثنيا، أو مجوسيا. تعالَ، وإن تكن قد تبتَ مئة مرّة، يكفي أن نكون معاً. لأن هذا المحفل لا يؤمن باليأس والقنوط “. جلال الدين الرومي
1- مقدمة:
يصف الكواكبي المستبد بقوله: “هو من يتحكَّم في شؤون النّاس بإرادته لا بإرادتهم، ويحكمهم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه أنَّه الغاصب المتعدِّي، فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من النَّاس يسدُّها عن النّطق بالحقّ والتّداعي لمطالبته”. ” إنه ” عدوّ الحقّ، عدوّ الحّريّة وقاتلهما، وهو مستعدٌّ بالطّبع للشّر والمستبدّ: يودُّ أنْ تكون رعيته كالغنم درّاً وطاعةً، وكالكلاب تذلُّلاً وتملُّقاً. ومن أقبح أنواع الاستبداد استبداد الجهل على العلم، واستبداد النّفس على العقل، ويُسمّى استبداد المرء على نفسه، وذلك أنَّ الله جلّتْ نعمه خَلَقَ الإنسان حرّاً، قائده العقل، فكفَرَ وأبى إلا أنْ يكون عبداً قائده الجهل” [1]. والاستبداد -كما يقول في سياق آخر – هو ” أعظم بلاء؛ لأنَّه وباء دائم بالفتن وجَدْبٌ مستمرٌّ بتعطيل الأعمال، وحريقٌ متواصلٌ بالسَّلب والغصْب، وسيْلٌ جارفٌ للعمران، وخوفٌ يقطع القلوب، وظلامٌ يعمي الأبصار، وألمٌ لا يفتر، وصائلٌ لا يرحم، وقصة سوء لا تنتهي” [2].
لقد مارست الأنظمة العربية الشمولية الاستبداد السياسي مفهوماً وممارسة، في أكثر أشكاله ضراوة وتوحشاً، وبلغ هذا الاستبداد في بعض الدول أعلى مراتبه التي يصفها عبد الرحمن الكواكبي بأنه “حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية”. وقد أضفى الأنظمة على قادتها صفات القداسة والتعظيم، ووظف مختلف المؤسسات التربوية في ترسيخ هذه الصورة، ولاسيما المساجد والمدارس والنقابات والمؤسسات العسكرية ووسائل الإعلام، وتجسد ذلك في مقولات: القائد الخالد، والقائد الأبدي، والقائد الرسولي، والقائد الملهم والقائد التاريخي.
وعلى هذه الصورة بدأت الأنظمة السياسية العربية الشمولية بتغييب مفهوم الديمقراطية الاجتماعية والسياسية، والسؤال هو كيف يمكن الحديث عن ديمقراطية لا يوجد فيها غالبا إلا قائد واحد ينتخب على مدى الحياة، ويمتلك السلطات المطلقة في مختلف شؤون الحياة في الدولة والمجتمع. وهو كخليفة الله في أرضه، تمثلاً لقول معاوية: الأرض لله.. وأنا خليفة الله، فما أخذته فلي، وما تركته للناس فالفضل مني” ([3]). وتمثلا لقول أبو جعفر المنصور عندما خاطب الناس بقوله: ” أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة، وعنكم زاده، نحكمكم بحق الله الذي أولانا، وسلطانه الذي أعطانا، وإنما أنا سلطان الله في أرضه، وحارسه على ماله، جعلني عليكم قفلا، إن شاء أن يفتحني لإعطائكم وإن شاء يقفلني” ([4]). وهذا هو مطلق الاستبداد السياسي والاجتماعي الذي عرفناه في سورية. وأمام هذا الاستبداد تسقط كل قيم الديمقراطية وما ينطوي عليه هذا المفهوم من دلالات إنسانية تؤكد على الحرية وتداول السلطة.
لقد عملت أنظمة الاستبداد في بلادنا، بكل ما أوتيت من قوة، على تحويل المواطنين إلى رعايا وعبيد، إلى أفراد يدينون بالولاء الأعمى لنظام الفساد والقهر والاستبداد، والمواطنة في منظور النظام السياسي المستبد لا تعدو أن تكون ولاء المحكوم للحاكم ورضوخه لإرادة النظام، إذ يشكل الخضوع المطلق للحاكم المستبد مبتدأ المواطنة والإذلال خبرها ومنتهاها، وذلك هو حال الأنظمة التربوية في البلدان الاستبدادية التي تُدجن البشر على مفاهيم العبودية، وتلقنهم أساليب الخضوع والمذلة، وتدفعهم إلى تقديس رموز النظام، كما تدفعهم إلى تأليه الحاكم الصائر صنماً للعبادة، هذه الأنظمة علمتنا وما زالت تعلم أطفالنا، بأن كرامة المواطن تكون قبل كل شيء في الخضوع للحاكم وتقديس رموزه.
4- أيديولوجيا الاستبداد:
يقول جان جاك روسو: “لا يصير الحاكم المستبد قويا ولن يبقى قويا إلى الأبد، ما لم يحول سلطته إلى حق وطاعته إلى واجب”. ومثل هذه الفكرة لم تغب يوما عن النظام السياسي القائم، إذ عمل على توظيف كل الإمكانيات الاجتماعية والثقافية والإعلامية في الترويج للأيديولوجيا القمعية والاستلابية في المجتمع. ولم يكن عسيرا على النظام أن يجد من دعاة الثقافة من يبرر له هذا النمط الأيديولوجي القائم على القمع والاستبداد، ولنا في التاريخ البائس نماذج من المثقفين الذين كرسوا حياتهم لتبرير أفعال الطغاة وتزين وحشية أعمالهم، وقد عملوا بالوصية التاريخية لابن عبد ربه (860 – 940هـ) الذي يقول: ” إن الخليفة هو حمى الله في بلاده وظله الممدود على عباده (…) وإذا كان الإمام عادلا فله الأجر وعليك الشكر، وإذا كان جائرا فله الوزر وعليك الصبر ” ([5]). ولم يكن الأمر صعبا جدا على النظام السياسي الذي استطاع أن يوظف الفن والأدب والتعليم والشعر والإعلام والمؤسسات والنقابات والأحزاب، في تمجيد الحاكم الأوحد والحزب الأمجد، تكريسا لجميع المفاهيم الاستلابية التي تؤسس لاستمرارية النظام والمحافظة على جوهر الاستبداد والاستعباد. واحتلت مفاهيم القائد الخالد، القائد العظيم، القائد الملهم، القائد الرسولي، مكان الصدارة في هذه الأيديولوجية، تليها مفاهيم الحزب وتصوراته الأيديولوجية عن مفاهيم الوحدة والحرية والاشتراكية، التي شكلت الغطاء الشامل لمختلف الممارسات السلطوية المضادة للإنسانية والإنسان في سورية. وتحت ضغط هذه الأيديولوجيا الاستلابية تمّت مصادرة العقول وتدمير الوعي وتحويل المواطنين السوريين إلى قطيع بشري مستلب ومقهور. وفي غمرة هذه الممارسات الأيديولوجية المضادة للإنسان، أعلنت الحرب الشرسة الشاملة ضد كل مفاهيم الحرية والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، وفرضت على السوريين حالة عبودية أفقدتهم القدرة على التفكير الحر وممارسة الحياة الحرة الكريمة.
5-التدمير الممنهج للمنظومة التعليمية:
يضيء الكواكبي العلاقة المتناقضة بين العلم والاستبداد، فيرى أن الاستبداد نقيض العلم، وأن العلم نقيض الاستبداد وبأنهما لا يجتمعان إذ تكون العلاقة بينهما كالعلاقة بين الظلام والضياء أو بين الليل والنهار. يقول الكواكبي في هذا الشأن ” لا يخفى على المستبدّ، مهما كان غبياً، أنْ لا استعباد ولا اعتساف إلا مادامت الرّعية حمقاء تخبط في ظلامة جهلٍ وتيه ٍعماءٍ“. ويؤكد أصحاب الحكمة أن العقل والعبودية لا يجتمعان، وأن العقل كان دائما توأم الحرية فحيثما ازدهرت يزدهر، وحيثما يوجد العقل تتألق الحرية. ولذلك عرف الطغاة بميلهم إلى اغتيال العقل الإنساني أينما وجدوه، وإلى استئصال شأفة التفكير في شخص عرفوه. وعلى هذا الأساس يلعب اغتيال العقل عند الأطفال، في صورة التلقين والتعليم البنكي، دور السادن الذي يسهر على توليد منطق العبودية في عقول الأطفال والناشئة [6].
لقد أدركت الأنظمة السياسية هذا الأمر، فعملت بقوة هائلة على زراعة الجهل المقدس في العقول، وحول المؤسسات المدرسية إلى مؤسسات أيديولوجية بامتياز، تعمل على تمجيد سلطة الحاكم المطلقة ضمن هالة من الترهيب والتقديس على صورة الملك الجبار الذي يصفه الكواكبي بأنه: ” المعبود، وأعوانه هم الكهنة، ومكتبته هي المذبح المقدَّس، والأقلام هي السكاكين، وعبارات التعظيم هي الصلوات، والناس هم الأسرى الذين يُقدَّمون قرابين الخوف، وهو أهم النواميس الطبيعية في الإنسان، والإنسان يقرب من الكمال في نسبة ابتعاده عن الخوف، ولا وسيلة لتخفيف الخوف أو نفيه غير العلم بحقيقة المخيف منه، وهكذا إذا زاد علم أفراد الرعية بأنّ المستبدَّ امرؤٌ عاجز مثلهم، زال خوفهم منه وتقاضوه حقوقهم“. وعلى هذا الأساس تعمل المدرسة في إضفاء طابع التقديس على رأس النظام وما يحيط به، ومن أجل الوصول إل هذه الغاية يجب ترسيخ الجهل في الأجيال، وزراعة الخوف في النفوس، وتدمير العقل وكل أشكال العقلانية. والمدرسة هي المكان الأمثل لمثل هذه الممارسة الأيديولوجية الحمقاء، ومن أجل هذه الغاية وضعت المقررات القومية والوطنية التي تتحدث عن الطابع المقدس للرئيس والنظام، وترسخ معجزاته الوطنية، وتبدأ كل النشاطات بتحية القائد الخالد، وترديد الشعارات الحزبية منذ دخول المدرسة حتى لحظة الخروج منها، وتدور الدروس الوعظية والمحاضرات الشرفية ولا تتوقف أبداً عن مآثر ثورة الثامن من آذار القاتلة، والحركة التصحيحية المتخمة بالشعارات المزيفة. ويترتب على هذه المدارس الاحتفال وتعطيل الدوام في كل المناسبات التي تتعلق بأحزان القائد وأفراحه وأتراحه، إلى الدرجة التي تقلصت فيها أيام الدوام المدرسي إلى الحدود الدنيا، وفي بعض السنوات المكثفة بالأحداث القيادية قد يكون الانقطاع عن المدارس كبيرا جدا.
ويضاف إلى ذلك النشاطات الخاصة بطلائع البعث في الابتدائية، واتحاد شبيبة الثورة في الثانوية والإعدادية، والاتحاد الوطني لطلبة سورية في الجامعة، وهذه الاتحادات أصبحت مؤسسات سيادية في التعليم تفرض على الأطفال والطلاب المعسكرات الإلزامية على مدار السنة وخلال الفترة الصيفية، وجميع هذه النشاطات التي تمارسها هي ممارسات مضادة لقيم الحرية والكرامة وحقوق الإنسان، وتقوم على ترويض الأطفال وتطويعهم أيديولوجيا وسيكولوجيا على عبودية النظام السياسي ورموزه.
6-المناهج المدرسية و تصفية القيم:
استطاع الأنظمة العربية الشمولية أن تحدث تغييرا جوهريا في بنية المناهج، فعملت في البداية على تفريغها كليا من كل المعاني والدلالات التي تتمحور حول القيم الإنسانية، ومن ثم أعلنت الحرب ضد هذه القيم ولاحقا قامت بحملة واسعة لتغذية القيم الأبوية البطرياركية التي تعزز كل قيم التسلط والإكراه، والتفرد والتشويه للتاريخ والإنسان، وتغذية الأطفال والناشئة بأفكار شمولية إقصائية عنيفة تمجد الأيديولوجية البعثية بمطلقاتها الخارقة، وتعزز الولاء للفرد الطاغية وتضفي عليه القداسة، وتعمل على استلاب عقول الأطفال وترويضهم، وتناهض كل أشكال القيم الديمقراطية والتعددية والحرية والتسامح وتؤصل لدى الأطفال عقد التعصب القومي تارة، والحزبي تارة أخرى، وتشوه الحقائق التاريخية لتضع الأطفال في متاهات الضياع والانصياع والتطويع والترويض الأيديولوجي.
لقد تحولت المدرسة السورية إلى مؤسسة إنتاج وإعادة إنتاج الأمر الواقع، بكل سلبياته واختناقاته التعصبية لصالح النخبة المهيمنة ([7]). ويعبر خلدون حسن النقيب عن هذه الوضعية أفضل تعبير بقوله ” إن المدرسة العربية تسعى إلى (…) إحراز مبدأ الطاعة العمياء والمحافظة على قيم المجتمع ومعاييره التي ترسخ وضعية القهر الاجتماعي وتؤصل ضراوته. إذ إن جزءاً كبيراُ مما يتعلمه التلميذ لا علاقة له بمحتويات الدروس، وإنما يقصد به طلب الطاعة المطلقة وجعله يستهلك استهلاكا سلبيا كل التحيزات الدينية والقيمية والأيديولوجية التي يزخر بها أي مجتمع([8]). فالمناهج والكتب قد أغرقت بصور الرئيس الخالد وفاضت بالمناسبات التاريخية التي يحييها. فكل خطاب يجب أن يدرس في الجامعة ويشرح للتلامذة في المدارس وفي كل مناسبة من مناسبات حياته توجب الاحتفال والرقص والتصفيق على أنغام الطبول والمزامير. هذا عداك عن الصور والتماثيل التي تغطي الشوارع والأبنية والحارات… والحديث عن مجريات هذه الأمور التربوية يحتاج إلى مجلدات كبيرة. ويمكن أن نستخلص أن قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والثورة والنقد والمشاركة والتعدد والتسامح والسلام، هي مفردات غائبة في المناهج يقابلها مفردات التسلط والقهر والتمجيد بالفرد والترويض للإنسان والتطويع والتعصب، وكل الرموز المنافية للكرامة الإنسانية.
لقد تحولت المدرسة بمناهجها إلى مؤسسة معادية للإنسان لتؤدي دوراَ أيديولوجياً يتمثل في عملية إعادة إنتاج علاقات القوة والسيطرة، وترسيخ قيم الطاعة والخضوع التي تأخذ شكل العلاقة بين المعلمين والمتعلمين لتنميط علاقات الخضوع والسيطرة والهيمنة وترسيخها كنموذج ترويضي للعلاقة القائمة بين القاهرين والمقهورين في إطار الحياة الاجتماعية. وباختصار فإن المؤسسة التربوية السورية تقوم في ظل النظام الاستبدادي بعملية تنميط التربية والتعليم على القيم السلطوية المعادية لحقوق الإنسان، إذ لا يُسمح للمتعلم بإبداء رأي أو طرح فكرة تلامس الحياة الاجتماعية من قريب أو بعيد، ما يجعل التعليم المختطف في صميمه استغلالاً لإنسانية الإنسان لمصلحة السلطة المختطفة، التي تريد منه أن يكون إمعة كالببغاء عقله في أُذنيه، ومعتقلاً داخل النص الذي يكتبه المستبد كما يهوى.
7- الدور الاستلابي للجامعات!
حوّل النظام السياسي القائم الجامعات السورية إلى مؤسسات للقهر والاستبداد وإلى معتقلات للحرية، وعريناً للقهر وانتهاك الكرامة الإنسانية وتم تحويل الجامعات بأهدافها ومناهج عملها، ومضامينها التربوية، إلى أكثر مؤسسات الدنيا فتكاً بالعقل وهدماً للحريات وانتهاكاً للقيم، واغتيالاً للضمائر الحرة واتخذت صورة القوة التي تحاصر العقل والعقلانية، وغدت مؤسسات فاعلة اعتمدها النظام بوصفها أدوات لقهر الإنسان واعتقال حريته ومصادرة كرامته.. لقد أصبحت مقررات التربية على حقوق الإنسان، وكل ما يتعلق بقيم الحرية الإنسانية والديمقراطية حراماً بحرام، وجرماً يعاقب عليه العرف والقانون. وفي ظل هذا الاستبداد الكبير بدأ الطلاب يواجهون قيم الإذلال والعبودية والخضوع والإكراه والخشوع للحكام والمستبدين، وقد لا نبالغ في القول بأن النظام استطاع أن يفرغ هذه الجامعات من كل المضامين الأخلاقية والإنسانية في مناهجها وفي إعداد أساتذتها. ففي الجامعة نجد مؤسسات أمنية تمارس دورها في عملية القهر والترويض، فهناك فروع الحزب القائد والاتحاد الوطني للطلبة، ونقابة المعلمين، والحرس الجامعي والمعسكرات الجامعية، إضافة إلى مجموعات التشبيح السياسي، وكل هذه المنظمات والمؤسسات تُشكل طوقاً أمنياً وأدوات لممارسة كل أشكال القهر والإذلال والعبودية.. فأين المفرّ.. والسؤال هنا كيف يمكن لمثل هذه الجامعات أن تكون معقلاً للحرية ومنطلقا لقيم العقل والعقلانية؟ كيف يمكن لمثل هذه الجامعات أن تخرج جيلاً يؤمن بالحرية والكرامة وحقوق الإنسان وهو يتعلم في هذه الجامعة مقررات الثقافة القومية الاشتراكية؟ وليس غريبا أن هذه الجامعات من أكثر الجامعات تفريخا للمستبدين من المفكرين وفقهاء السلاطين؟ باختصار شديد فقد أصبحت الجامعات العربية فعليا مؤسسات للقهر والعبودية والإكراه.. أنها أدوات للهيمنة والسيطرة في أيدي النظام السياسي، وليس غريباً أن يقوم طلاب الجامعة بإخماد تظاهرات المحامين والحقوقيين في كثير من الحالات التي شهدناها في الربيع العربي. لقد تحول الطلاب في جامعاتنا الموقرة إلى عبيد وأقنان وأدوات خرساء ضد الثورة والحق والقانون.
لقد غُيبت الحريات الأكاديمية وما تتضمنه من حرية التفكير وحرية التعبير، ومنعت ممارسة أي نمط من هذه الحريات. واستطاع النظام السياسي تحويل عدد كبير من الأساتذة، في الأقسام العلمية في الجامعة، إلى مخبرين وموظفين أمنيين يرتبطون مباشرة مع أجهزة الأمن لمواجهة كل المظاهر الفكرية والنقدية في الجامعة، وليس خفيا أن قسم الدراسات الفلسفية في جامعة دمشق الذي كان يضم نخبة مميزة في العالم العربي من المفكرين وأصحاب المشاريع النقدية أمثال طيب تيزيني وصادق جلال العظم وخضر زكريا ونايف بلوز وعبد الكريم اليافي ويوسف سلامة، قد أصبح اليوم يقوم على نخبة من الأساتذة المخبرين الذي دفعهم النظام ليأخذوا مكان الفلاسفة والعلماء والمفكرين، وللقيام بأعمال التجسس على الطلاب وزملائهم في العمل الأكاديمي.
8- القيم الكونية- دلالات ومعاني:
يعرف كانط القيم ” بأنها مجموعة من الغايات الكبرى التي يستطيع الإنسان تحقيقها بصورة حرة وتلقائية، انطلاقا من طبيعته العقلانية، وعلى هذه الصورة يكون الإنسان العقلاني الحامل للقيم في نظر كانط أعلى ما يمكن للطبيعة أن ترقى إليه “[9]. وعلى هذا النحو يتجلى الإنسان بوصفه كائنا أخلاقيا أو على صورة شخص يحمل الإنسانيَّة في ذاته وهي أرقى صورة يتجلى فيها الإنسان في مملكة الطبيعة.
ويعرف زكي نجيب محمود القيم تعريفا أدبيا ينطوي في ذاته على جمال المعاني ورشاقة الدلالة بقوله: “تقوم القيم في نفس الإنسان بالدور الذي يقوم بـه الربان في السفينة يجريها ويرسيها عن قصد مرسوم وإلى هــدف معلــوم، وبالتالي فإن فهـم الإنسان على حقيقته ينطلق من فهم القيم التـي تمسـك بزمامه وتوجهه” [10]. وإذا كان مفهوم القيم يموج بالضبابية والصعوبة، فإن ذلك يعود إلى نشأته الفلسفية، ولا ريب أنه نشأ وترعرع في أحضان الفلسفة، وشكل ذلك بذاته ينبوعاً للإشكاليات التاريخية التي طرحهـا ذلـك المفهـوم فـي سـياق تطوره التاريخي. وبعيدا عن التعقيدات الفلسفية يمكن تناول الأبعاد الدلالية للمفهوم في سياق ثقافي، إذ يمكن لنا أن ننظر إلى القيم بوصفها ظاهرة ثقافية نفسية تحتل مكانها في عقول الأفراد، وتظهر على شكل سلوك في تصرفاتهم اليومية، وهي بالتعريف المبين: مجموعة من قواعد السلوك والقوانين تتوافق مع مثل عليا يرسمها المجتمع وتحددها الثقافة [11]. وهذا يعني أن القيمة: فكرة يؤمن بها الفرد ويدركها وينزع إلى تحقيقها، وهي فكرة تهدي السلوك وترشده إلى مراميه. وقد حظي موضوع القيـم باهتمـام كبير مـن قبـل علمـاء الاجتمـاع والعلـوم الإنسانية، ويتصدر دوركهايم E. Durkheim هذا الاهتمام الذي يتجلى في مختلف أعمالـه مؤكدا على أهمية القيم والمعايير فـي تماسـك المجـتمع، وضرورتها فـي عملية التغيير الاجتماعي موضحاً أنـه لا يمكـن فهـم الفعل الاجتمـاعي إلا بالاستناد إلى منظومـة القيـم الاجتماعيـة السـائدة في المجتمع.
فالقيم كما يعتقد السوسـيولوجي الفرنسي هـنري مونــدرا Henri Mondras تمثل نسقاً في التنظيم المعنوي الذي يوجه فعاليـات السـلوك الإنساني؛ وهي بالتالي تعكـس منظومـة احتياجاتنـا واهتماماتنـا [12]. وفي هذا السياق يعلن تالكوت بارسونزT. Parsons أن العقل الاجتماعي ينطـوي عـلى توجيه قيمي، وأن السلوك الإنساني يجري بوحي من نسـق قيـمي ينظمه ويحدد مختلف جوانبه وفعالياته المتنوعة. وفي هذا الخصوص يؤكد ألفـن Alven أيضاً على أهمية القيم ودورها في تنظيم السـلوك الإنساني، فهي معـايير أخلاقية وأفكار وأحاسيس تجريدية توجـه أفعـال الأفراد الـذين يعيشـون في إطار جماعـة ما [13].
وكثير من القيم يأخذ طابعا كونيا ولاسيما القيم الأخلاقية التي تتمثل في قيم الحق والخير والعدالة والجمال، ومنه قول النبي عليه الصلاة والسلام: “إنما أتيت لأتمم مكارم الأخلاق” وهذا يدل على الطابع الكوني للأخلاق وكثير من القيم. ويمكن تعريف القيم الكونية أو العالمية بأنها تمثل ما هو مشترك وعام وجوهري بين البشر في جميع المجتمعات في مختلف المراحل التاريخية. وقد نشأت بعض القيم الكونية الجديدة التي فرضها منطق الحياة مثل: السلام والتسامح والتفاهم وحقوق الإنسان، التي تجلت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الطبيعية والمدنية والاقتصادية والسياسية ومنها حقوق المرأة والأطفال.
ويمكن الإقرار بوجود أربعة مداخل لتعريف القيم الكونية وتحديها، وهي القيم التي تتسم بحضورها الإنساني زمنيا ومكانيا في مختلف أرجاء الأرض. يتمثل المدخل الأول في النظر إلى منظومات القيم الأخلاقية التقليدية التي أكدتها المجتمعات الإنسانية ورفعتها على أنها قيم عليا عبر التاريخ الإنساني من مثل: الحق والعدالة والحرية والمحبة والسلام والإحسان، وهي غالبا القيم الأخلاقية التي سادت في قديم الزمان وفي جديده وما زال الإنسان ينشدها في مساره الوجودي حتى اليوم ؛ لأنها تشكل المنظومة الأخلاقية العليا، وهي قيمٍ عابرةٍ للحدودِ والثقافاتِ، “يتَطَلَعُ إليها كلُّ البَشَرِ على اختلافِ ألوانهم ودياناتهم وثقافاتهم، كالتطلعِ إلى العدالةِ والحريّةِ والمساواةِ ؛ ولأنها قيمٌ مرتبطةٌ بالإنسان بوصفه إنسانا بغض النظر عن لونهِ وعرقهِ ودينهِ” [14].
ويتمثل المدخل الثاني في منظومة القيم الكونية الحديثة التي أقرتها معظم الشعوب المتقدمة، في صراعها من أجل الحرية والكرامة مثل: السلام والديمقراطية والتسامح والتفاهم العالمي، وهي القيم التي فرضت نفسها بوصفها قيماً إنسانية عالمية لتحقيق السلام والأمن العالميين. وتأخذ هذه القيم طابعا سياسيا اجتماعيا.
ويتضمن المدخل الثالث القيم الحداثية التي رسختها حركة الحداثة التي تتمثل في قيم الحرية والفردانية والعقلانية. ويتمثل المدخل الرابع في منظومة القيم التي تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي تتضمن الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية للمجتمعات الإنسانية جمعاء، وهي تركز على الحريات الطبيعية والمدنية والدفاع عن كرامة الفرد والجماعة، وإرساء دولة الحق والقانون، والحد من شطط السلطة، والدفاع عن الحقوق المدنية المشروعة، بما فيها الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
ويمكن القول بأن القيم الإنسانية الكونية شديدة التعقيد والتداخل تتشابك أنسجتها القيمية وتتداخل إلى درجة لا يمكن الفصل بين معانيها ودلالاتها. وتأخذ هذه القيم طابعها الكوني من خلال حضورها الإنساني في مختلف المجتمعات الإنسانية على مساحة الكوكب زمنيا وجغرافيا، مثل القيم الأخلاقية التي أشرنا إليها في المدخل الأول، وتأخذ هذه القيم طابعا سياسيا نضاليا من أجل الحرية والكرامة الإنسانية كما أشرنا إليها في المدخل الثاني، كما تتسم بطابعها الحضاري التطوري الذي أشرنا إليه في المدخل الثالث كالقيم الحداثية الضرورية لتطور المجتمعات الإنسانية وتقدمها الحضاري. وتتسم هذه القيم بالطابع الإنساني الحقوقي التحرري الذي يتجلى في المدخل الرابع؛ أي في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي شمل مختلف الحقوق الفردية للإنسان بوصفه إنسانا وللمجتمعات الإنسانية بوصفها مجتمعات إنسانية تسعى إلى امتلاك حريتها الإنسانية.
وغالبا ما تتجه القيم الإنسانية في بنيتها الدينامية إلى تحقيق التفاعل بين الأمم والشعوب إنسانيا، عن طريق ترسيخ قيم التسامح والسلام والتفاهم والاحترام المتبادل، وحق تقرير المصير وقبول الآخر، ونبذ التمييز القائم على أساس الجنس أو العرق أو المعتقد الديني، وتعمل هذه القيم على حل الخلافات والصراعات وتعميق الاتصال بين الشعوب والأمم على أساس الاحترام المتبادل[15]. وباختصار نقول: بأن القيم الكونية هي القيم العالمية التي تعبر عن هموم الإنسان وتطلعاته الإنسانية بوصفه إنساناً، وعن هموم المجتمعات الإنسانية وتطلعاتها بوصفها مجتمعات إنسانية. وهي في جوهرها، أي: القيم، تعمل على تحقيق السلام والأمن للمجتمعات الإنسانية بمفردها وفي مجموعها.
وتجدر الإشارة في هذا السياق أن القيم الكونيّةُ قيمٌ إنسانيه مشتركةٌ ساهمت فيها الإنسانية عن طريق الحوار واللقاء والتواصُل الإنساني، وهذه القيم لا يمكن أَنْ تُفرَضَ بأي شكل من أشكال القوة والعنف، ولا يمكننا في هذا السياق أن نُسّمِيَ قيم العولمةَ المتوحشةَ التي فرضتْ أنماطها الاستهلاكيّةَ على الشعوب قِيَماً كونِيَّة، والمهم في ذلك أيضا أن القيَمُ الكونيّةُ لا تتعارض مع ثقافاتِ الشعوب المحليّةِ والوطنية؛ لأن الحضاراتُ الإنسانية المختلفةُ تتعايش وتتحاور وتتفاعل على نحو تثاقفي إنساني [16]. فعلى سبيل المثال لا تتعارض قيم المواطنة المحلية مع قيم المواطنة العالمية؛ بل تعززها وترسخها وتؤصلها وعندما تتحقق المواطنة في بلد ما سيساعد ذلك على الاندماج الكوني لهذا البلد في الحضارة الإنسانية.
ومن المؤكد أن وظيفة القيم الكونية تتمثل في تحقيق التوازن والتلاحم المجتمعي داخل المجتمع الواحد وفيما بين المجتمعات الإنسانية، ضد كل أشكال الحروب العنصرية والنزاعات الأيديولوجية. وهذه القيم تبلغ من الاتساع ما لا يمكن لمقالة كهذه أن تحتويها، ولذا فإننا سنركز في تناولنا التربوي على بعض من هذه القيم نظراً لأهميتها في الظروف المأساوية التي يعيش الشعب السوري اليوم، في ظل الحرب الأهلية التي لم تبق ولم تذر، حرب أجهزت على الأخضر واليابس فأهلكت الزرع وجففت الضرع، إذ لا ضرع يحلب ولا زرع ينمو أو يجلب. ومن أهم القيم التي يجب على التربية أن ترسخها اليوم هي السلام ضد التعصب والطائفية، والتسامح ضد العداوة والبغضاء، والديمقراطية وحقوق الإنسان بوصفهما القيم الحيوية للحضور الإنساني في هذا العالم الذي يتحرك نحو السلام العالمي، وأخيرا القيم الحداثية الضرورية لتأكيد الحضور الثقافي للعقل والعقلانية في مواجهة الجهل والتخلف الذي ينخر في عظام ثقافتنا المتآكلة في ظل الطائفية والتعصب والعنصرية. وهذه القيم تشكل الركائز الحضارية التي يمكن للمجتمع السوري أن يتبناها في مسيرته الحضارية والإنسانية.
9- البداية – تسوية سياسية سلمية ديمقراطية:
لا يمكننا الحديث عن تربية على القيم، أو عن أي تربية إنسانية، بأي صيغة في ظل الأوضاع الحالية، التي تعيشها سورية في ظل الحرب والفرقة والتشرذم، وهيمنة كل أشكال العنف والعنصرية والطائفية والشقاق والفساد والاحتلال الأجنبي السافر لمختلف مظاهر الحياة والوجود الإنساني. فالشعب السوري يعيش حالة الشعب المقهور المكسور المعذب المهجر المفتون بالعنصرية والطائفية والخاضع لكل أشكال القهر والاستبداد في مختلف مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية اليومية. فالنظام يحكم بالحديد والنار في المناطق التي يهيمن عليها ويسيطر، والتيارات الظلامية تعيث فسادا أسطوريا في مناطق نفوذها. وعلى هذا النحو يعيش الشعب السوري في عالم مسموم ما بين مشرد ومهزوم وجائع ومظلوم، يعيش منكوبا مكسورا ما بين فكي الموت والعدم في مختلف المستويات الأخلاقية والإنسانية في ظل هذه الكوارث القائمة على الحروب والتدمير لكل مظاهر الحياة ومعانيها.
ولذلك فإن الحديث عن التربية على القيم الكونية لا يستقيم أبدا إلا في إطار تسوية ديمقراطية دولية، تقوم على مشاركة الشعب السوري في تقرير مصيره سلميا، والانتقال بالحكم من حكم عسكري ديكتاتوري إلى حكومة ديمقراطية تحمل في ذاتها مشروعا وطنيا للملمة الشمل وإحلال السلام ضمن مسارات التفاهم والتسامح؛ لتحقيق الوحدة الوطنية المدمرة والعودة إلى الحياة السياسية الديمقراطية. ومما لا شك فيه أنه لا يمكن أن يكون هناك حلّ في سورية، إلا من خلال التوجهات الديمقراطية السلمية وإسقاط الأنظمة الشمولية. وعندها يمكن البدء بمشروع سياسي تربوي اجتماعي يحض على القيم العالمية الكونية ويرسخه ويؤصلها.
وعلينا اليوم أن ننظر في تجربة ماليزيا بعد الحرب الأهلية التي أفنت البشر والشجر والحجر ومن ثم جاء مهاتير محمد ليقول “نحن في ماليزيا بلد متعدد الأعراق والأديان والثقافات وقعنا في حرب أهلية ضربت بعمق أمن واستقرار المجتمع؛ فخلال هذه الاضطرابات والقلاقل لم نستطع أن نضع لبنة فوق أختها فالتنمية في المجتمعات لا تتم إلا إذا حل الأمن والسلام، فكان لزاماً علينا الدخول في حوار مفتوح مع كل المكونات الوطنية، دون استثناء لأحد والاتفاق على تقديم تنازلات متبادلة من قبل الجميع؛ لكى نتمكن من توطين الاستقرار والتنمية في البلد، وقد نجحنا في ذلك من خلال تبني خطة 2020 لبناء ماليزيا الجديدة، وتحركنا قدما في تحويل ماليزيا إلى بلد صناعي كبير قادر على المنافسة في السوق العالمية بفضل التعايش والتسامح..
وقد ركز مهاتير محمد على ضرورة توجيه الجهود والطاقات إلى الملفات الحقيقية في المجتمعات والشعوب وهى الفقر والبطالة والجوع والجهل لأن الانشغال بالأيديولوجيا ومحاولة الهيمنة على المجتمع وفرض أجندات ثقافية وفكرية عليه لن يقود المجتمعات إلا إلى مزيد من الاحتقان والتنازع، فالناس مع الجوع والفقر لا يمكنك أن تطلب منهم بناء الوعى ونشر الثقافة، وقال: نحن المسلمين صرفنا أوقاتا وجهودًا كبيرة في مصارعة طواحين الهواء عبر الدخول في معارك تاريخية، مثل الصراع بين السنة والشيعة وغيرها من المعارك القديمة.
فالله كما يقول مهاتير محمد في وصيته إلى العرب: “إن الله لا يساعد الذين لا يساعدون أنفسهم”، ونحن المسلمين قسمنا أنفسنا جماعات وطوائف وفرق يقتل بعضها بعضًا بدم بارد، فأصبحت طاقتنا مُهدرة بسبب ثقافة الثأر والانتقام، والتي يحرص المتعصبون على نشرها في أرجاء الأمة عبر كافة الوسائل وبحماس زائد، ثم بعد كل هذا ذلك نطلب من الله أن يرحمنا ويجعل السلام والاستقرار يستوطن أرضنا!!! فذلك ضرب من الخيال في ظل سنن الله التي يخضع لها البشر، فلابد من أن نساعد أنفسنا أولا وأن نتجاوز آلام الماضي وننحاز للمستقبل[17].
فنحن هنا في ماليزيا قررنا أن نعبر للمستقبل وبمشاركة كل المكونات العرقية والدينية والثقافية دون الالتفات لعذابات ومعارك الماضي، فنحن أبناء اليوم وأبناء ماليزيا الموحدة نعيش تحت سقف واحد ومن حقنا جميعًا أن نتمتع بخيرات هذا الوطن، كانت هذه هي أهم الأفكار خرجت من فم المُبجل مهاتير محمد في المنتدى وفي الختام اقترح على الشباب العربي فتح قنوات التواصل مع قادة التجربة الماليزية المُبهرة؛ فماليزيا كما بدت لي في جعبتها أدوية متنوعة قد تصلح لمعالجة أمراض الذاكرة العربية التاريخية والمعاصرة [18].
وأخيرا وليس آخرا، ألم يحن الزمن بعد ليحظى الشعب السوري بنظام ديمقراطي بتعامل مع الناس بوصفهم مواطنين لا رعايا، وأحراراً لا عبيداً؟ ألم يحن الوقت ونحن في القرن الحادي والعشرين أن يُسمح للإنسان بممارسة حقوقه الإنسانية والمحافظة على كرامته؟ ألم يحن الوقت لإسقاط مفاهيم الاستبداد والقهر التي تنتشر كالنار في هشيم التربية الرسمية السورية المعاصرة؟ ألم يحن الوقت لهدم الأصنام الفكرية التي أكرهنا النظام السياسي على عبوديتها؟ ألم يحن بعد لإسقاط نظام العبودية بكل ما يشتمل عليه من معاني القهر والاستبداد؟
10- التربية على الديمقراطية قيمةً كونيةً:
يجب أن نعترف بداية بأن الديمقراطية لم تعد شأنا قوميا أو محليا؛ بل هي قيمة كونية إذ لا يستطيع شعب من الشعوب الانخراط في العالم ولا تستطيع دولة من الدول أن تنخرط في الحركة الكونية للعالم ما لم تتخذ صيغة ديمقراطية لحركتها ووجودها. فالدول الاستبدادية أصبحت اليوم أشبه بمومياء تاريخية منبوذة في العصر ولا يمكنها أن تكون محط ثقة واحترام دولي. وهذا يعني أن الانتماء إلى العصر وإلى الحضارة الإنسانية يتطلب الإيمان بالقيم الديمقراطية وممارستها سياسيا واجتماعيا. فالمؤسسات الدولية العالمية مؤسسات ديمقراطية، وحركة التاريخ تدور على عقارب الحركة الديمقراطية في هذه المجتمعات. وهذا يعني أن المجتمعات غير الديمقراطية هي مجتمعات خارج التاريخ وخارج دائرة الحضارة، وغالبا ما توصف بأنها حالة وحشية غريبة عن تكوين الحضارة الإنسانية وحركتها.
يعرف الفيلسوف الأمريكي جون ديوي الديمقراطية بأنها ” اشتراك أفراد المجتمع والأمة في مصالحها وهذه المشاركة الحقيقة يمكنها أن تتوفر، عندما توجد مظلة حقيقة لقيم التسامح وحقوق الإنسان ([19]). والديمقراطية باختصار هي عصارة تجربة إنسانية مديدة أنتجها العقل البشري ومارسها بأشكال مختلفة عبر مسيرة طويلة، هدفت دائما إلى الحفاظ كرامة الإنسان وقيمته وقيمه ([20]). وإنه لصحيح ” أن الديمقراطية بدأت عند اليونان وترعرعت فكرا وممارسة في أحضان حضارتهم، ولا تزال اللفظة تحمل الأصل اللغوي Demos و Kratia، أي: الحكم ؛ وهي تعني ” حكم الشعب “. لكنها تطورت تطورا بعيد المدى عما كانت عليه، إلى الحد الذي يمكننا معه القول: إنه ” لم يبق يونانيا منها سوى الكلمة“([21]). يعتمد مفهوم الديمقراطية في استخدامه المعاصر على مبدأين أساسيين ([22]):
الأول: هو نظام القيم المؤسسة على مبدأ الحرية بوصفها القيمة المحورية لدى الإنسان الفرد كما لدى الجماعة. والثاني: يكمن في النظام السياسي الذي يستلهم الحرية بوصفها مبدأً وقيمة اجتماعية عليا تخضع لها السلطة إذ تتأكد قيمة تداول السلطة وحقوق المعارضة والاختلاف، وتتنامى مشاعر الحرية على أنها أساس لنظام القيم المدني.
هذا وتشكل الديمقراطية الحاضن الوجودي لمختلف القيم الإنسانية العالمية، فالديمقراطية تتجذّر في تاريخ الإنسانية القديم وتسجل حضورها الكبير في تاريخ الإنسانية الحديثة. وتاريخ الإنسانية مكلل بالنضال من أجل الحريات السياسية، التي تنظر إلى الإنسان بوصفه كائنا سياسيا يصنع مصيره الاجتماعي والسياسي بحرية كاملة. والديمقراطية تمثل فيضا من القيم الإنسانية وجامعا من جوامع الحقوق الإنسانية، وقد جاء في خطبة الرثاء لبريكلس وصف بارع لمعنى الديمقراطية ودلالاتها في بلاد الإغريق القديمة، ويمكن لنا أن نستحضر هذه الصورة الساحرة لمفهوم الديمقراطية في قوله: “سمي دستورنا ديمقراطيا لأن الحكم عندنا في أيدي الكثرة لا الأقلية، وتكفل قوانينا المساواة في العدالة للجميع، وإن الرأي العام عندنا ليرحب بكل ذي موهبة في أي نوع من أنواع العمل، وإننا نتيح الحرية للجميع في حياتنا العامة (…) ونتمسك بالقوانين التي تحمي المظلومين، وأبواب مدينتنا مفتوحة على مصراعيها للعالم (…) إننا محبون للجمال في غير إسراف، وللحكمة في غير ضعف، ولا نرى في الفقر عارا” ([23]).
وليس نشازا أن نقول اليوم: بأن غياب الديمقراطية السياسية في سورية كان أحد الأسباب الأساسية لما يعيشه السوريون من فصول حياة مأساوية تحكمها علاقات التعصب والقهر والتسلط والعنف الدموي والاقتتال، وهذه الصورة المأساوية هي نتيجة طبيعية لغياب الديمقراطية وحقوق الإنسان على مدى نصف قرن ونيّف من الزمان. فالحروب، ولا سيما الأهلية والطائفية منها، تعود بصورة رئيسة إلى غياب الحياة الديمقراطية، وإلى غياب مفاهيم حقوق الإنسان في البلدان التي تندلع فيها. ومن يتأمل في وضعية هذه الحروب والنزاعات يجدها غاليا ما تكون في البلدان التي تغيب فيها القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي البلدان التي تخيم فيها أنظمة ديكتاتورية وشمولية تقوم على أساس قيم القهر والقوة والعدوان.
لقد بينت التجربة التاريخية أن أغلب البلدان الديكتاتورية والشمولية مرشحة لحروب أهلية وطائفية دموية لا مفر منها. ومثال ذلك ما يحدث في سورية والعراق واليمن وليبيا والصومال وغيرها من البلدان التي تعيش كابوس الأنظمة الديكتاتورية في الحكم، والتي تؤدي إلى تغييب كل المظاهر الحقوقية والإنسانية لدى المواطن السوري أو العربي. وهذا يعني أن البلدان الديمقراطية التي تسود فيها قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وقيم التسامح، هي البلدان التي تمتلك الحصانة السياسية والثقافية ضد قيم الحرب والفناء. ولذلك فإن طريق مختلف البلدان إلى السلام هو الطريق إلى الديمقراطية التي تعني العدالة والمساواة وقيم الحق والخير والأمن والسلام وحقوق الإنسان.
ومن هنا تبرز أهمية التحول الديمقراطي الذي أصبح أمل السوريين وحلمهم الأبدي الغائب في ظل الاستبداد وكابوس القهر السياسي الذي يعيشونه منذ أكثر من نصف قرن، ولا سيما منذ الانقلاب العسكري الأول في عام 1959. وقد حان الوقت كي ينعم السوريون اليوم بحكم ديمقراطي مدني لا إكراه فيه ولا تسلط ولا تعصب ولا دماء. إن أكثر الأمور إلحاحا وأشدها اقتحاما للوجدان السوري اليوم هي الكرامة الإنسانية المفقودة، والحريات المهدورة، ويتمثل جوهر هذه الكرامة في الديمقراطية وحقوق الإنسان السوري، ويقينا بأنه لا كرامة لإنسان أبدا ما لم يحظ بالحريات السياسية التي تؤهله في أن يكون مواطنا ديمقراطيا، والديمقراطية اليوم لم تعد ترفا ثقافيا أو سياسيا يترنم به أصحاب السياسة؛ بل هي ضرورة حيوية لنهضة السوريين والخروج بها من أزمتهم الخانقة ([24]).
ومن المعروف تربويا، أن المحافظة على النظام الديمقراطي من السقوط والعمل على صونه ورعايته يحتاج إلى ترسيخ ثقافة ديمقراطية في المجتمع. إذ ” لا يكفي أن يصدر دستور ديمقراطي لكي تتحقق الديمقراطية إذ لا بد أن يتلقى الناس تربية ديمقراطية وأن يتعودوا ممارسة الديمقراطية وأن تصبح الديمقراطية قيمة مستقرة في أعماق الناس ودخائل نفوسهم ([25]). وهذا الأمر سيكون أبدا رهن ممارسة تربوية خلاقة ومستمرة تضع القيم الديمقراطية في مكانها المقدس في المجتمع. وهذا يعني أن التربية على قيم الديمقراطية ستشكل الحصن الحصين للنظام الديمقراطي وممارساته الحيوية. وإذا كان مفهوم الديمقراطية يشكل لحمة واحدة لا يمكن أن تتجزأ ولا يمكن أن تنفصل عن مضامينها السياسية والاجتماعية، فإن التربية على القيم الديمقراطية تجسد منظومة الممارسات والعلاقات الحرة التي يمكن أن تؤصل في الأجيال، ولاسيما قيم المشاركة السياسية عبر صناديق الاقتراع، وتحقيق العدالة وحرية التفكير وقيم النقد والعدالة واحترام الآخر، وقبول مبدأ الاختلاف والمشاركة على مبدأ المساواة، كما يشمل ذلك كل القيم التي تؤكد على نماء الإنسان وتطورهن ويشمل ذلك العمل على تنمية الشعور بالكرامة والحرية والمشاركة والتنمية الذاتية والإبداع. وهذا يعني بالضرورة أن التربية الديمقراطية ستكون هذه التي تنمي عند الإنسان إحساسه بالوجود القائم على تمثل قيم الخير والحق والمشاركة والعدل والمساواة. وهذا يعني العمل على ” تنمية القيم الديمقراطية في السلوك، وتأكيد حق المواطنة في المشاركة، وحرية الفرد في إبداء الرأي والنقد ” ويتحقق ذلك بوسائل منها: توفير إدارة ديمقراطية بالمدارس، وتأسيس الحياة المدرسية على تقدير الفرد بوصفه قيمة عليا في ذاته، وتمكينه من مهارات المناقشة الحرة المنظمة، وتشجيعهم على حرية إبداء الرأي عن طريق المشاركة في إدارة الحياة المدرسية وإبداء الرأي والنقد الخلاق ([26]). وباختصار تقوم التربية الديمقراطية على تدمير القيم السلبية التي رسختها المدرسة في العهد الديكتاتوري والعمل على ترسيخ:
1- قيم الحرية من حرية القول والتفكير والتغير والممارسة.
2- قيم التواصل الاجتماعي التي تؤكد قيم قبول الآخر على مبدأ الاختلاف والتواصل مع الآخر على مبدأ الحوار والمشاركة.
3- قيم العدالة الاجتماعية والتي تتضمن قيم الحق والمساواة والكرامة الإنسانية.
ويمكن تعريف التربية الديمقراطية، بأنها: هذه التي تعمل على ترسيخ منظومة القيم الإنسانية، التي تقوم على مبدأ الحرية والمشاركة والتواصل والحق وقبول الآخر على مبدأ الاختلاف ورفض كل الصيغ والقيم المعادية للإنسانية والإنسان، وتحقيق طموحات الفرد في مجالات الابتكار والإبداع، وتعويد الطلاب على المناقشة الحرة المنظمة، وتشجيعهم على حرية الرأي، والنظر إلى الفرد بوصفه قيمة إنسانية عليا في ذاته ([27]). وفي المدرسة تعمل هذه التربية على ترسيخ القيم الديمقراطية التربوية عندما تطلق حرية الطفل ليسأل ويجيب، ليخطئ ويصحح خطأه، ليشارك في مجرى الدرس، وليعبر عن أحاسيسه ومشاعره (…) إنها تعني مراعاة حاجات الطفل وإقناعه، وليس قسره وإكراهه ” [28]. لأن الحرية ليست شيئا يودع في عقول الرجال، بل هي ممارسة أو استجابة واعية نحو العالم([29]). في الديمقراطية الاجتماعية كما في الديمقراطية الكلاسيكية كل شيء يستند إلى حقوق الإنسان، وهذه الحقوق هي حقوق اجتماعية يعترف بها لإنسان حقيقي في واقع ملموس، وليس لكائن تجريدي في عالم المثل([30]).
ولم يعد ممكنا الحديث عن تحولات ديمقراطية حقيقية في أي مجتمع، ما لم يترافق ذلك بالحديث عن تربية ديمقراطية. فالديمقراطية لا تتحرك في الفراغ، بل هي حقيقة تربوية تفرض نفسها في مختلف جوانب الحياة الديمقراطية في المجتمعات الحديثة. فالحديث عن مجتمع ديمقراطي هو نوع من الهرطقة الفكرية إذا لم يقترن ذلك بإنسان ديمقراطي. إذ لا يمكن لنا أن نتحدث عن ديمقراطية من غير ديمقراطيين. وهذا يعني أن الإنسان الديمقراطي هو الركن الأساسي في تكوين المجتمعات الديمقراطية. ومن غير الإنسان الديمقراطي فإن الحديث عن الديمقراطية هراء وهرطقة وعبث فكري.
11- التربية على المواطنة العالمية:
يحاول كثير من الباحثين الفصل بين المواطنة المحلية والمواطنة العالمية، وعلى خلاف ما يذهبون إليه نرى أنه لا يمكن الفصل بين المفهومين، إذ لا يمكن للمرء أن يتنكر لوطنه الذي يعيش فيه كي يكون مواطنا عالميا، ولا يمكن في المقابل أن يتنكر لعالميته كي يكون مواطناً محليا. فالمواطنة مواطنة وعندما تأخذ صيغتها الحقة فإنها ستكون مواطنة بلا حدود في عالم ما زال يتقلص في حدود القرية الواحدة. وهذا يعني أن المواطنة القومية تشكل جسر عبور إلى المواطنة العالمية، إذ لا يمكن للإنسان أن يكون عالميا قبل أن يكون وطنيا، فالانتماء إلى الأرض التي يعيش فيها الإنسان وحبه لها وتفانيه في تكريمها يشكل المنطلق الحيوي والمدخل الرئيس للمواطنة العالمية. لقد سبق لإدوارد لورنز عالم الأرصاد الجوية أن أعلن يوما في عام 1963 بأنه إذ رفرفت فراشة في أميركا ستسبب إعصارا في الصين، وقد أثارت هذه المقولة في البداية استغراب الناس وسخريتهم، ولكن الأحداث أثبتت أصالة هذه الرؤية، وهذا ما رأيناه بالأمس بأم العين وقد رأينا الخفاش الذي صفق بجناحيه في الصين فأحدث إعصاراً مدمراً في أميركا وأوروبا والشرق الأوسط، وفي مختلف أنحاء العالم. وهذا يعني أن العالم الذي نعيش فيه أرض واحدة متناهية الصغر بالمقاييس الكونية.
ومع التحولات الكونية الجديدة لم تعد المواطنة قيمة وطنية ضيقة في حدود الانتماء القومي، بل قد تحولت إلى قيمة عالمية كونية، نظرا للتطور الكبير الذي جعل من الإنسانية كيانا واحدا لا تنفصم عراه وتحول العالم إلى قرية واحدة صغيرة بحسب تعبير المفكر الكندي “مارشال ماكلوهن”. وهذا يعني أنه لا يستطيع الإنسان أن يكون عالميا، ما لم يؤسس هذا المواطنة على حبّ الأرض التي يعيش عليها بوصفها نتيجة طبيعية لحب الأرض الكونية والوطن بأبعاده الكوكبية.
تعرف المواطنة العالمية غالبا أنها ” القدرة على التعايش في مجتمع ديمقراطي تعددي منفتح والمشاركة في بناء مجتمع عادل ومنصف يوفق بين احترام الخصوصيات وتقاسم القيم[31]. فالمواطنة محبة الكوكب بوصفه وطنا والانتماء إليه وإلى شعوبه بوصفه ولاء للحياة والكرامة الإنسانية. ويقصد بالتربية على المواطنة العالمية ممارسة كل الفعاليات التربوي الممكنة لترسيخ قيم الحرية والاختلاف، واحترام الآخر لتكوين مواطن عالمي قادر على معالجة المشكلات، ضمن منظور عالمي وقادر على الممارسة النقدية لمختلف مظاهر الحياة والفكر والثقافة، في سياق الاحترام الكبير لحقوق الإنسان والحريات الفردية والاجتماعية.
لقد عمل نظام الاستبداد في بلادنا على تفريغ مفهوم المواطنة وكل القيم التي تتصل به من كل المعاني والدلالات الإنسانية، ومن ثم توجه إلى تحويل المواطنين إلى رعايا وعبيد، إلى أفراد يدينون بالولاء الأعمى لنظام الفساد والقهر والاستبداد. ومن الطبيعي جداً ألّا تكون المواطنة في منظور المستبد إلا ولاءً للحاكم ورضوخاً لإرادته، إذ يشكل الخضوع المطلق للحاكم المستبد مبتدأ المواطنة والإذلال خبرها ومنتهاها، ذلك هو حال الأنظمة التربوية في البلدان الاستبدادية التي تُدجن البشر على مفاهيم العبودية، وتلقنهم أساليب الخضوع والمذلة، وتدفعهم إلى تقديس رموز النظام، كما تدفعهم إلى تأليه الحاكم الصائر صنماً للعبادة، هذه الأنظمة علمتنا وما زالت تعلم أطفالنا بأن كرامة المواطن تكون، قبل كل شيء، في الخضوع للحاكم وتقديس رموزه [32].
وكم هي الحاجة اليوم وغدا إلى التربية على المواطنة التي تعني بناء الإنسان الحر الديمقراطي الذي يمتلك القدرة على المشاركة في الحياة السياسية مشاركة فاعلة وحيوية، ما يعني أن هذا الإنسان لا يولد في المصادفات التاريخية العابرة، ولا يوجد في فراغ اجتماعي؛ بل هو الإنسان الذي يجب على التربية أن تقوم بإعداده وتكوينه إنسانياً، للمشاركة الحرة في صنع المصير الاجتماعي للمجتمع الذي ينتمي إليه، مع التأكيد إنه من غير التربية الديمقراطية والتربية على المواطنة يتحول المواطنون إلى رعايا وأفراد رعاع، لا يمتلكون مصيرهم السياسي، وغير قادرين على المشاركة الاجتماعية، فالمواطنة تعني الممارسة الحرة للمواطن في شؤون الحياة العامة وفق أنظمة حرة يحددها القانون وترسمها الأعراف الديمقراطية في مجتمع جديد.
لقد دأب النظام السياسي في بلادنا على تربية مضادة لقيم الوطن والمواطنة، وهي تربية تقوم على تدجين البشر وترويضهم على مفاهيم العبودية، وتلقينهم قيم الخضوع والمذلة، ودفعهم إلى تقديس رموز النظام، وتأليه الحاكم الصائر صنما للعبادة. هذه النظام ما زال يعلم أطفالنا، بأن كرامة المواطن تكون قبل كل شيء في الخضوع للحاكم، وفي تمجيد نظامه وتقديس رموزه! وهذه التربية المأساوية أصبحت اليوم تربية بائدة ومرفوضة، في أنظمة أكل الدهر عليها وشرب، وقد حان الوقت لتربية جديدة، تنظف عقل الإنسان العربي من أوهام التسلط في نظام الاستبداد. لقد آن الأوان وحان الحين من أجل تربية جديدة تؤصل لرؤية جديدة للوطن والمواطن والعلاقة بين الوطن والمواطن بوصفها علاقة إنسانية، تسمو على كل أشكال القهر والمعاناة والاستلاب في أنظمتنا السياسية العربية.
ولا مندوحة لنا في وجوب القول بأن التربية على المواطنة قد أصبحت ضرورة حضارية لازبة لبناء المجتمعات الديمقراطية، وفي المحافظة على التقاليد الديمقراطية في المجتمعات الحرة؛ لأن التربية على المواطنة تعني بناء الإنسان الحر الديمقراطي، الذي يمتلك القدرة على المشاركة في الحياة السياسية مشاركة فاعلة وحيوية. وبالتالي فإن هذا الإنسان لا يولد في معترك المصادفات التاريخية العابرة، ولا يوجد في فراغ اجتماعي، بل هو الإنسان الذي يتوجب على التربية أن تقوم بإعداده وتحضيره إنسانيا، للمشاركة الحرة في صنع المصير الاجتماعي للمجتمع الذي ينتمي إليه وللعالم الذي يعيش فيه. وإننا لعلى يقين بأنه من غير التربية الديمقراطية والتربية على المواطنة سيتحول المواطنون إلى رعايا وأفراد ورعاع، لا يمتلكون مصيرهم السياسي، وغير قادرين على المشاركة في الحياة الاجتماعية أو في الشأن العام.
وإنه لمن الواجب علينا، في هذا المقام، أن نقول بأن الأنظمة الديكتاتورية رهّبت، وما زالت ترهّب، كل ما يمت بصلة إلى مفاهيم: المواطنة، والتربية الديمقراطية، والتربية على المواطنة، والتربية المدنية. وهي تصنف هذه المفاهيم في دائرة المفاهيم الحمراء وتعلن عليها حربا ضروسا لتنسف كل ما تنطوي عليه من تصورات وقيم ديمقراطية.
ويمكن القول في هذا السياق بأن التربية على المواطنة تأخذ مسارات أربعة رئيسة: التربية الأخلاقية، والتربية المدنية، والثقافة المدنية، والتربية السياسية؛ وبالتالي فإن كل جانب من هذه الجوانب الأربعة يمتلك غاياته وأهدافه المحددة. ولكن هذه الجوانب الأربعة تلتئم في غاية واحدة، هي تحقيق الحرية الداخلية للفرد أو تمكين الإنسان من تحقيق حريته الداخلية، وهذا يتحقق بتعزيز القيم الإيجابية للوطن.
تعمل الثقافة المدنية L’instruction civique على تزويد المواطن بمعلومات عامة عن الدولة ومؤسساتها، وهذه الثقافة تمكّن المواطن مبدئيا من المشاركة في الحياة العامة للمجتمع كما تمكنه أيضا من العمل والتكيف مع الآخرين في ظل القوانين والأعراف السائدة في المجتمع المدني. وهذا الأمر يتطلب معرفة بالمؤسسات الحكومية، والتقسيمات الجغرافية والإدارية في الدولة، ومعرفة الصيغ الدستورية للبرلمان والحياة الديمقراطية، والصيغ الحكومية القائمة. ومن الضرورة بمكان أن يتمّ تعميم مثل هذه الثقافة بصورة بسيطة وفعالة على جميع أفراد المجتمع.
التربية المدنية L’éducation civique: تمهد الثقافة المدنية للتربية المدنية، وتشكل التربية المدنية مرحلة لاحقة لما يسمى بالثقافة المدنية، في الثقافة يجب على الناشئة والأطفال والكبار معرفة مكونات المجتمع المدني وأصوله وفروعه. أما التربية المدنية فإنها تعمل على تكوين اتجاهات وقيم وفعاليات عند المتعلم بقضايا المجتمع المدني وشؤونه. فالتربية المدنية تعلم المواطن كيف يتكيف مع مؤسسات المجتمع، وكيف يمارس دوره فيها، وتحضّه على المشاركة في عمليتي التصويت والانتخاب، وتشجعه على ممارسة دوره السياسي في الإقليم الذي ينتمي إليه، وتعمل على تجاوز سلبية الممارسة الديمقراطية الجارية في المجتمع، كما أنها تجعله أكثر إيمانا بالمؤسسات الدستورية لبلاده، إذ يتوجب عليه أن يشعر باحترامها، وأن يشارك في الحياة الديمقراطية مشاركة فعالة وحيوية.
وعلى خلاف ما يسعى إليه بعض السياسيين فإن التربية المدنية تعني بناء الروح الوطنية civisme وليس الولاء السياسي Loyalisme وتميز بين مفهومي الولاء للسياسة والولاء للوطن. فالوطنية تعني حب الوطن والولاء له وهي حالة أخلاقية ووجدانية تدفع المواطن إلى العمل والتضحية في سبيل الوطن والصالح العام لأمته، وهي تختلف كثيرا عن الولاء الذي يعني وجود منظومة من الاتجاهات السلوكية التي تعمل في اتجاه الولاء لنظام سياسي محدد ([3]).
ويمكننا أن نقول في هذا المقام وباختصار شديد: إنه إذا كانت التربية المدنية تعمل على تأصيل القيم المدنية في عقل الفرد ووجدانه، فإن الثقافة المدنية تركز على تزويد المواطن بالمعرفة والمعلومات التي تتعلق بالوطن ومؤسساته. وفي الوقت الذي تقدم فيه الثقافة المدنية معلومات عن الوظيفة الاجتماعية للحياة السياسية، فإن التربية المدنية تساعد الفرد في فهم المؤسسات وآليات عملها وقبول القواعد والقوانين الحاكمة لها والمشاركة الفعالة في نشاطها الحيوي والديمقراطي.
والتربية السياسية في أكثر تعريفاتها عمومية تشير إلى كل ما له علاقة بإدارة الشأن العام في الدولة أو المجتمع، إنها فن الممكن فيما يتعلق بإدارة المجتمع وتوجيه مساره. فالسياسة العامة في المجتمع معنية بضمان الحرية والكرامة للمواطن أي مواطن في المجتمع. وإذا كانت السياسة تعنى بالأفراد وتوفر لهم احتياجاتهم المدنية، فإنه يتوجب على الأفراد بالمقابل الإخلاص والولاء للقيم الديمقراطية في المجتمع ولاسيما ما يتعلق منها بالشأن العام. فالنشاط السياسي يجب أن يهتم بمعالجة الشأن العام وحمايته، وبالتالي فإن الحكم يجب أن يتجه إلى تحقيق الغايات العليا للمجتمع. والسياسة في هذا الاتجاه يجب أن تعمل على توجيه الحياة توجيها غائيا واستراتيجيا، وهذا يعني تبني خطوات ممنهجة بعيدة أو قصيرة المدى في اتجاه تحقيق الغايات العليا العامة للمجتمع، كما يجب على السياسة أن تعتمد نظاما ديناميا تكتيكيا آخر، يساعدها في مواجهة مختلف الاحتمالات والمصادفات والمفاجآت السياسية وما أكثرها في عالم السياسية.
لقد أصبح واضحا اليوم أن المشاركة السياسية للمواطن في الشأن العام شرط أساسي في أصل المواطنة ذاتها. وهذا يعني أن المواطن يفقد الخاصة الجوهرية لصفته كمواطن خارج دائرة المشاركة الحقيقية في الشأن العام لوطنه ومجتمعه. وبالتالي فإن دور المواطن لا يقتصر على المشاركة في انتخابات النواب والممثلين في المجالس السياسية؛ بل يتوجب عليه أن يراقب وأن يعطي رأيه في مختلف مجريات الحدث السياسي لأمته ووطنه. والمواطن لا يمكنه أبدا أن يمارس دور المواطنة الحقّة ما لم يكن مزودا بالمعرفة الضرورية للمشاركة الحيّة النقدية في الشأن العام.
وتأسيسا على ما تقدم فإنه كلما كان المواطن أكثر ثقافة كلما كان أكثر تأثيرا في الحياة السياسية، وبالتالي فإن المشاركة الفعالة للمواطن في الحياة السياسية تتطلب درجة أكبر من التربية السياسية. وبالنتيجة فإن التربية السياسية الحقّة تستطيع أن تولد مشاركة فعالة للمواطنين في الحياة السياسية.
فالتربية على المواطنة تقتضي بالضرورة تربية سياسية مدنية، تقوم بتزويد المواطنين بمعلومات هامة حول المعضلات والمشكلات السياسية القائمة، وهي بهذا المعنى تبدو مرحلة ما بعد مدرسية. فمفهوم المواطنة الذي يشتمل على الوضعية القانونية للمواطن يؤكد مسؤولية كل مواطن في الدولة. أو على الأقل بناء حس المسؤولية، وهذا يتطلب أن يعمل المواطن على تقييم دوره بصورة مستمرة في الحياة السياسية. وهذه السمة قد تكون متكافئة بين المواطن العادي والمواطن السياسي. وهذا يعني أن التربية السياسية تكون ضرورية للمواطن البسيط وللمواطن السياسي دون تمييز. ولكن هذه التربية قد تكون مختلفة في حالات محددة ومعينة. وفي هذا المقام يمكن القول أنه لا بد من وجود تربية سياسية بحدود معينة تسمح للمواطن غير السياسي بممارسة واجباته السياسية بصورة عفوية وبسيطة.
قد بينا أعلاه بأن التربية على المواطنة يجب أن تتحقق من خلال التربية الأخلاقية والتربية المدنية والتربية السياسية. وهذا يعني أن التربية على المواطنة هي حصاد تفاعل عميق وتكامل شامل بين مختلف المستويات من التربية. وهذا يعني أيضا أن الغايات المتنوعة التي تسعى إليها هذه الصيغ التربوية متكاملة في جوهرها وكيانها ومضامينها.
12-التربية على التسامح:
أنهكت الحرب الأهلية السوريين على مدى السنوات العشر العجاف، دمرت فيها النفوس وانتهكت القيم والأعراض، وسفكت دماء الأبرياء والأطفال. ومما لا شك فيه أن هذه الحرب بويلاتها قد أدت إلى انفصام وانشطارات في بنية المجتمع السوري طائفيا وعرقيا ودينيا، واستطاعت أن تولد الأحقاد الطائفية والكراهية وقيم الثأر بين الطوائف المتحاربة، وقد يعرف العارفون بالأوضاع السورية أن الطائفية بلغت أوج قوتها بين الطوائف، وهي أداة تدميرية تمارس تفتيتها لكل ما هو بنّاء حتى تصل إلى بنية المجتمع فتفجرها وإلى الفرد نفسه فتشطره ([33]). ومع هذا الإرث الكبير من الأحقاد بين الطوائف والأديان والإثنيات لا يمكن للجروح الانشطارية أن تلتئم، والأحقاد أن تندمل، إلا بإطلاق موجة ثقافية تربوية تسامحية تمتلك قوة الإعصار لتمكين المجتمع من استعادة وحدته الوطنية، وهنا يأتي دور التسامح بوصفه فكراً وثقافة وفلسفة مجتمعية تمكن المجتمع من تحقيق السلام والأمن، والوحدة القائمة على المواطنة والتلاحم الوطني والتعايش السلمي.
ومن أجل هذا التعايش على مبدأ التسامح يتوجب على المربين وصناع السياسة التربوية، العمل معا على بناء استراتيجيات متقدمة لترسيخ دعائم التسامح والسلام في عالم يفيض بالتنوع والاختلاف، إذ يبرز التسامح بوصفه المبدأ الضامن للحياة الإنسانية والديمقراطية التي تقوم على الأمن والسلام والمحبة والقبول على مبدأ الاختلاف. وفي هذا المدار يتوجب على التربية أن تركز على بث المعارف التسامحية وبناء المهارات التربوية الضرورية لهذه الغاية، وذلك من أجل بناء الحياة الاجتماعية وتأصيل مقوماتها الإنسانية[34].
لقد نظر كل من لوك ومنتسكيو وروسو وفولتير إلى التسامح بوصفه ركيزة للنظام الديمقراطي ومنهجا أساسيا للخروج من دائرة الصراع الدموي الذي عاشته أوربا في ظل الحروب الدينية[35]. ويعد الفيلسوف الفرنسي فولتير Francois Marei Voltaire (1694 ـ 1778) فيلسوف التسامح بحق لأنه ارتفع بالتسامح واقترب فيه من المفهوم المعاصر، إذ وضعه في صيغة المبدأ الطبيعي وكأساس للقول بحقوق طبيعة للإنسان. يقول فولتير في هذا الخصوص: كلنا ضعفاء وميالون لقانون الطبيعة، والمبدأ الأول الطبيعة هو التنوع وهذا يؤسس للتنوع في مجال الحياة الإنسانية، وقبول هذا التنوع حق أساسي للوجود.
يكتسب فن التسامح طابع الأولوية والأهمية في التربية المدنية المدرسية وفي التربية الأسرية أيضا، إذ تتمحور هذه التربية في ترسيخ المفاهيم الأساسية لمبدأ قبول الآخر والإيمان بضرورة وجوده وأهميته. فتعليم المهارات الاجتماعية التي تؤسس لفن التسامح ينبغي أن يشمل المستويات العقلانية والعاطفية والعملية. وهذا الفن يقوم على معرفة دقيقة وموضوعية لمفهوم التسامح، كما ينطلق من امتلاك متقن لمهارات التسامح نفسه بوصفه فنا وطريقة ومنهجا، وهذا الامتلاك للمفهوم والمهارة يمكّن الأفراد بالضرورة من ممارسة التسامح الحقيقي في مجتمع متنوع يمتلك عوامل الاختلاف والتباين. فهناك عوامل متعددة ومن أهمها ضرورة المعرفة المعمقة لمفهوم التسامح بدلالاته ومعانيه، ومن اكتساب القدرة على السلوك التسامحي، ومن ثم امتلاك القدرة على توظيف هذه المعرفة، وهذا السلوك في مواقف خلافية تتطلب ممارسة التسامح[36].
فالتربية على التسامح لا تقف عند حدود بث المعلومات والتعريف بالمهارات التي تساعد على اكتساب المعرفة العملية في مجال ممارسة التسامح، بل ومن أجل ترجمة هذه المعلومات وهذه الخبرات إلى مجال الفعل والممارسة، إذ يتوجب على التربية أن تبني إحساسا كبيرا بالتسامح وتشبعا بمعانيه، كما يتطلب ذلك إحساسا أصيلا بالهوية؛ لأن امتلاك هذا الشعور بالهوية المتماسكة يمكن الفرد المعني من تقدير الآخرين وهذا التقدير يشكل مرتكزاً لتقدير الذات ومدخلا أساسيا من مداخل التسامح الإنساني.
وإذا أردنا في حقيقة الأمر بناء استراتيجيات ضرورية لتعليم التسامح بطريقة فعالة، فإن المربين يحتاجون بالضرورة إلى بناء مناهج تعليمية متطورة ومتخصصة لترسيخ فضيلة التسامح، إذ يمكن لهذه المناهج التعليمية أن تجعل من مهمة تعليم التسامح أمرا سهلا وميسورا وقابلا للتطبيق تربويا، ويمكن للمدرسين اعتمادها ببساطة في مجال عملهم التربوي، لتحقيق الغايات والأهداف التربوية للتسامح. فالتعليم يحتاج بالضرورة إلى استراتيجية عملية تمكن من بناء المهارات والقدرات التسامحية عند المتعلمين. وهذا المنهج يجب أن يتضمن تحديدا لمختلف المعايير العملية للفعاليات التطبيقية الممكنة في مجال التسامح، بصورة تتصف بطابع الديمومة والاستمرار. وما أجمل أن يتمثل السوريون في هذه المرحلة نداء الشاعر:
أَضِيئـوا بالـحـبِ قُـلـوبَـكُـم ْ…. . إنَّ القلوبَ حينَ تُحِبُ تُضـاءُ
و قُـولُـوا لمنْ تُـحِبـوا سَـلامَـاً… . فَقَـوْلُ المحبِ للـمُحبِ شِفَـاءُ ا
النـاسُ مَـوتَـىٰ في هَجْـرِهمْ… …. وأهلُ المحبةِ في حُبِهمْ أَحياءُ
13- التربية على السلام بأبعاد كونية:
ما زال السلام، بمعانيه المضيئة ودلالاته الحضارية الفريدة، الكلمة “الحلم” التي تدغدغ عواطف البشر وتهزّ مشاعرهم وتناشد أحلامهم. وتاريخ الحياة الإنسانية لا يعدو أن يكون في جوهره إلا سعيا تاريخيا من أجل الأمن الوجودي ضد العنف والحرب والدمار والعدم. فالسلام كلمة تحمل في ثناياها أجمل المعاني الخلاقة ويشكل بذاته البوتقة التي تحتضن أنبل المعاني التي تتمثل في الحب والأمن والحياة والسعادة والرحمة والتسامح، وما هذه الكلمات إلا ومضات أنسنة تتوهج في ضياء السلام الإنساني. والسلام هنا يشكل مفهوما كونيا لا تقف عند حدود السلام بين البشر، في رفض العنف والحروب؛ بل يتجاوز ذلك كله ليكون سلاما مع النفس والطبيعة والبيئة والأحلام.
ويتجلى السلام الإنساني بوصفه مشروعا تربويا اجتماعيا إنسانيا يقوم على مبادئ العدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان وحقوق الأمم والشعوب في إطار التضامن الدولي والإنساني. وهذا المشروع يناهض مختلف أشكال العنف والعدوان، من مثل: العنف المسلح، والعنف الاقتصادي، والعنف ضد الطبيعة، والعنف السياسي، وهي أمور تتعارض كليا مع مشروع السلام وتناقضه. فالتربية على السلام والعدالة، تتطلب اليوم إيجاد طرائق جديدة لتحقيق مختلف عناصر السلام عبر الوعي والممارسة القائمة على تفكيك السياسات الاجتماعية والبيئية والكشف عن آفاق جديدة نحو السلام الحقيقي.
لقد شكلت الفترة التاريخية، ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، مرحلة هامة من مراحل تطور حركة التربية على السلام على مستوى المفهوم والممارسة، إذ شهدت هذه المرحلة ظهور إشكاليات وتساؤلات أساسية ما زالت تحتفظ بأهميتها وحضورها الاستراتيجي حتى المرحلة الراهنة. لقد شكلت هذه الفترة المهاد الأساسي لولادة مفهوم التربية على السلام وتطوره، ومن ثم تطوير المناهج والأساليب والنظريات الموجهة لهذا النمط الجديد من التربية على قيم السلام بأبعاد كونية، ولكن وفي هذه الفترة نفسها ظهرت إشكاليات تربوية من نمط جديد تتعلق بأهمية تحقيق التوازن ما بين القيم الوطنية والقيم العالمية، وتحديد أبعاد المناهج التربوية التي يجب أن تعتمد في مختلف مستويات التعليم من أجل التربية على السلام وتأصيل قيمه.
ويؤرخ لحركة التربية على السلام بالجهود الكبيرة التي بذلتها المنظمة العالمية للتعليم في مرحلة الطفولة المبكرة (OMEP) (Organisation Mondiale pour l’Education Préscolaire) ([1]) في أعقاب الحرب العالمية الثانية إذ قامت هذه المنظمة بتأصيل مفهوم السلام وترسيخه في التربية المبكرة للأطفال في مواجهة العنف والحرب والتعصب والتطرف، وارتسم شعارها وهدفها في العمل على تحقيق السلام العالمي عبر التربية والتعليم. وقد أعربت رسميا عن هذا الهدف في قوانينها وأنظمتها وممارساتها التربوية، وأكدت على أهمية السلام بوصفه غاية إنسانية كبرى منذ نشأتها حتى يومنا هذا، وبقيت هذه الغاية (ترسيخ السلام بالتربية ) هدفا حيويا في مناهجها وأساليب عملها. وقد كرست هذه المنظمة نفسها لتعليم الأطفال منذ الولادة حتى الثامنة من العمر من أجل العمل على غرس روح السلام ومبادئه في نفوس الأطفال. وقد أوجدت المنظمة حقل مشاركة فعلية بينها وبين منظمة اليونيسكو، وساهمت في مجال اختصاصها، وأعلنت نفسها مدرسة سلام عالمية تعزز المسار التربوي وترسخ الإجراءات التثقيفية من أجل التفاهم الدولي وتحقيق السلام العالمي.
وقد شهد مفهوم التربية على السلام تناميا كبيرا في مناهجه ومجالات استخدامه. وبدأ هذه التنامي الكبير مع ولادة الحركة العالمية للتربية على السلام ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، وقد تركزت الجهود في البداية على فكرة التعاون الدولي من أجل تعزيز التربية على السلام، ولكن ومع نشأة الأنظمة الاستبدادية العرقية من مثل: النازية والفاشية بدأ الاهتمام بحقوق الإنسان يأخذ أولية وأهمية تفوق ما حظي به مفهوم التربية على السلام.
وقد شهدت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية حدثا بارزا في هذا الميدان تمثل في اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 في هيئة الأمم المتحدة الذي تضمن اعترافا واضح المعالم بالمبادئ العامة لحقوق الإنسان وشموليتها في مختلف المستويات. وقد شكلت وحدة الرؤية إلى حقوق الإنسان التي تضمنها الإعلان العالمي – شرطا جوهريا للمحافظة على الأمن والسلام في مجال التربية على السلام، وعززت فكرة قوامها: أن السلام لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال التربية العالمية على السلام، وهذا بدوره شكل ركنا أساسيا للعمل على دراسة وتقصي مختلف الجوانب الإشكالية لمسألة التربية على السلام في بعدها العالمي.
لقد أصدرت منظمة اليونيسكو وثيقة دولية في عام 1974 أكدت فيها على مفهوم السلام وعلى صلات التفاعل بين مكوناته، كما أكدت على أهمية التربية على السلام بأبعاد عالمية، وتضمنت هذه الوثيقة تأكيدا على أن التربية بأبعاد عالمية تنطوي على دلالات متنوعة متكاملة مثل: التعاون الدولي والسلام والتفاهم الإنساني، إذ جرى التركيز على مفهوم التربية على التفاهم الدولي الذي فرضته أحداث الحرب الباردة وملابساتها الفكرية، وتصدر هذا المفهوم التوصيات التي خرجت بها هذه الوثيقة في عام 1974. ومن أجل خفض أجواء التوتر الناجمة عن الحرب الباردة نادت الوثيقة بمبدأ بناء العلاقات الودية بين الشعوب والدول، التي تنهج نهوجا سياسية مختلفة. وقد بينت التجارب الإنسانية أن هذا النضال الإنساني من أجل السلام لن يحقق غايته ولن يصل إلى أهدافه، من غير فعالية تربوية ترعاه وتوجهه نحو مآلاته الإنسانية. ومن هذا المنطلق بدأ المجتمع الإنساني يناشد السلام ويسعى إلى تحقيقه من خلال التربية والتعليم.
فالسلام لا يقتصر على غياب الحرب أو تغييب العنف، وإنما يتمثل في مشروع مجتمعي إنساني يقوم على العدل واحترام حقوق الإنسان، بما فيها حقوق الشعوب والأمم، وعلى هذه الصورة يتجلى السلام في صورة عقيدة إنسانية تقوم على مبادئ العدل والمساواة والاحترام المتبادل والتعاون بين جميع أفراد المجتمع والجماعات الإنسانية بلا استثناء. فالسلام وفقا لهذه الصيغة الإنسانية يتجاوز مفهوم الحرب والصراعات، سواء في العلاقات الشخصية أو الشخصية أو الاجتماعية إلى حدود وأبعاد إنسانية مترامية الأطراف، وعلى هذا النحو فإن السلام يتمثل في القدرة على مواجهة الصراعات وتغييب العنف والكشف عن أسبابه، وفي القدرة على مقاومة الظلم والاضطهاد، ومواجهة الأنظمة الاستبدادية القائمة، إنه نظام معقد من القيم الإنسانية يقوم على حرية التساؤل وفعالية المقاومة وفرص التفاوض، وإحلال قيم الحوار والتفاهم، وصولا إلى تعزيز القيم الذاتية في صيغة إنسانية خلاقة تقوم على السلام والتسامح والمحبة والإيمان بالإنسان كغاية كلية.
لقد أكدت اليونيسكو أن كل سياسة تربوية يجب أن تشتمل على بعد دولي وأن تتضمن رؤية عالمية، كما يجب أن تتضمن وعيا بأهمية استقلال الشعوب والأمم. وقد ارتبط هذا التوجه بالعولمة التي تمثلت بمنظومة من عمليات متكاملة ذات طابع سياسي واقتصادي وثقافي. ويضاف إلى ذلك أن الوعي بآليات هذه العولمة وفعالياتها، أصبح ضرورة من ضرورات العولمة ذاتها. ووفقا لهذه الصيرورة أصبحت مسألة التربية على حقوق الإنسان والتربية على حماية البيئة تشكل بعدا أساسيا من أبعاد التنمية المستدامة، وقد شكلت هذه التربية ضرورة حيوية تتيح للأفراد والشعوب تعرف شروط وجودهم وتطورهم في دوائر التفاعل الإنساني العالمي بين الشعوب والأمم. وهذه التربية يجب أن تتجاوز وتسمو فوق كل عوامل الاختلاف بين المجموعات البشرية التي تعيش في شروط بيئية وإنسانية مختلفة، والتي تمتلك على رؤى متباينة فيما يتعلق بأولوياتها وعوامل نموها.
فالوصول إلى اتفاق كوني حول بعض القيم العالمية أمر ممكن تحقيقه في نهاية الأمر، وهذا مرهون بإزكاء تربية ضرورية تمكن الفرد من التعرف على طبيعة الحاجات المشتركة بين مختلف الشعوب. وهنا تبرز أهمية التربية التي تعرف الأجيال بعوامل التجانس بين الشعوب والأمم فيما يتعلق بمصالحها وطموحاتها وقيمها، إذ تبرز أهمية هذا التعاون الدولي في مجال التربية على السلام، والتكامل بين الشعوب والأمم في الوثيقة الصادرة عن المكتب العالمي للتربية التي حددت بوضوح كبير مقاصد التربية بأبعاد عالمية.
فاحترام حقوق الإنسان يشكل في واقع الأمر فتحاً إنسانياً في مجال السلام والتربية على السلام. والسؤال هو: كيف يمكن بناء السلام وتعزيز أواصره دون معرفة حقيقية بالآخر وحقوقه؟ ومن غير معرفة متبادلة وفهم متبادل بين الأمم والشعوب؟ وكيف إذن يمكن البحث عن السلام في الوقت الذي تندفع فيه الأمم إلى التسلح واكتناز السلاح؟
وتؤكد البحوث المعاصرة على ولادة متعثرة للاتفاقيات الدولية حول معايير التربية الدولية، وهو مفهوم ينطوي على بعد عالمي وإنساني، كما يلاحظ من مسماه، إذ يتضمن نوعاً من التعقيد والصعوبة عندما يتعلق الأمر بالجوانب التطبيقية والوسائل الممكنة التي يمكن اعتمادها في تحقيق التربية على السلام بأبعاد عالمية.
فالتربية العالمية تنطوي على أهداف تتمثل في تحقيق التناغم والسلام العالمي في مختلف أنحاء المعمورة، وفي مختلف الأزمنة، وهي في الوقت نفسه تسعى إلى بناء مناهج تربوية فعالة لتحقيق هذه الغاية التسامحية. وهذا يعني أن هذه التربية تسعى إلى استئصال العدوانية والكراهية، وبناء أجواء إيجابية تؤكد أهمية الاختلاف والتباين الثقافي والإنساني بوصفه عنصراً أساسياً في الوجود الإنساني، وهذا يتضمن الإيمان بالاختلاف على أنه ضرورة من ضرورات الحرية الإنسانية ذاتها. ولهذه الغاية فإن التغيير لا يجب أن يأخذ منحى واحداً واتجاهاً أحادياً، وذلك من أجل السماح لثقافات إنسانية أخرى بالحضور والمشاركة على مبدأ التنوع.
هذه الرؤية التي تؤكد أهمية البعد العالمي للوجود الإنساني تؤكد في الوقت نفسه أهمية التربية العالمية ودورها في تأصيل التربية على التسامح والسلام وحقوق الإنسان والديمقراطية، التي تبناها المؤتمر العالمي للتربية في عام 1994 إذ جاء في هذا المؤتمر بأن الاستراتيجيات التربوية يجب أن تأخذ بعداً عالمياً منظماً وموجهاً ومؤسساً على عدد كبير من العوامل والمتغيرات العالمية.
14-خاتمة:
عندما يسألون الألماني: لماذا بلدكم جميل وعظيم؟.. فإنه يجيبهم: إننا خرجنا من الحرب لنتعلّم كيف ندفن الثارات، ونجعل من بلادنا وطناً حدوده السماء.. تعلّمنا كيف نغادر عصر البكاء على الأطلال، ونبني خراب الحروب، ونستبدل الثكنات بناطحات السحاب. وعلينا نحن السوريين اليوم أن نحذو حذو الألمان فيما بعد الحرب، علينا أن نخرج من الحرب ونغادر زمن البكاء على الأطلال والأخذ بالثارات ونستبدل الثكنات بالمصانع والإنجازات.
لقد تناولنا في هذه المقالة المتواضعة البنية القيمية التي يجب على السوريين أن يتبنوها في السياسية والتربية؛ كي نستطيع أن ننتقل من أجواء الحرب والاقتتال إلى أجواء المحبة والسلام والحرية. وما أحوجنا اليوم إلى مشروع تربوي سياسي اجتماعي اقتصادي يرسم للوطن حدود المستقبل، وآفاق الحياة الحرة الكريمة. وفي المستوى التربوي الذي ركزنا عليه يجب علينا جميعا أن نؤسس مشروعا تربويا عظيما وجبارا، يأخذ على عاتقه تجاوز الصراع الثقافي والعرقي والديني والتعصب بمختلف أشكاله الطائفي والمذهبي والعرقي والوطني. ولزاما على التربية أن تنهج نهج النبي الأكرم في قوله: “لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي… إلا بالتقوى”[37] وكم هو جدير بالمشروع التربوي الجديد لسورية الجديدة أن يأخذ بقوله تعالى ” يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ([38]).
ما أحوجنا اليوم إلى مشروع تربوي شامل بمنهجياته وأهدافه واستراتيجياته، مشروع يركز على القيم الكونية: قيم التسامح، والسلام، والديمقراطية، والمواطنة، وحقوق الإنسان، وهي القيم الأخلاقية الروحية التي يمكنها أن تفجر في المجتمع السوري قدراته الحضارية المتدفقة، وأن تنتقل بالإنسان السوري والمجتمع إلى حالته الحضارية التي عرفناها عبر التاريخ.
فسوريا اليوم جديرة بالنهضة بالعودة إلى منارات تاريخها الحضاري المشرق، وكيف لا وهي سورية التي تعوم على 6000 سنة من الحضارة الإنسانية، سورية الحاضنة لأقدم الحضارات وأعرقها على وجه الأرض، سورية وطن البشرية الأول، وطن المنجل الأول والمحراث الأول، فيها عرفت أقدم أبجديات الكون في أوغاريت، وأقدم الألحان الموسيقية في الأرض، هي سورية التي عرفت في تاريخها أكثر من 40 حضارة تعاقبت على مدارجها وارتسمت على سفوحها، نعم هي سورية التي احتوت على 4500 موقع أثري حضاري، تألقت فيها مملكة ماري وأيقونة أوغاريت التي تعد واحدة من أهم المواقع الأثرية وأكثرها شهرة في العالم، نعم هي سورية السومريون والأكاديون والكلدانيون والكنعانيونوالآراميون، والفينيقيون، سورية مملكة الحب الأبدي.
هي سورية وطن الإنسان الأول المخضبة بالحسن والجمال، والعبقة بأريج الحضارات، فيها نَبَت ياسمين المحبة ونهضت باسقة شجرة السلام، وهي جديرة اليوم أن تنفض عن نفسها غبار الزمن، وأن تلملم جراحها وتعود إلى أريج المجد، لتعبق من جديد بحضارة الحب والتسامح والخصب، وهذا ليس غريباً على وطن عشتار إلهة الخصب والحب والجمال وأبينا بَعْل إله الحب والسلام.
نعم هي سورية الخصب والجمال والحب والسلام، وكيف لا تكون وقد قال فيها العالم الأثري شارل فيرلو “لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان؛ وطنه الأم و سورية “. ولا ريب أن سورية ستغسل عن نفسها أدران الاستبداد وعار التعصب والهزيمة، وتعود لتتوهج من جديد نجماً مضيئاً في فضاء الحضارة الإنسانية. فتعالوا أيها السوريين نغني أنشودة السلام العبقرية الخالدة التي صاغ إيقاعها الأبدي جدنا الأقدم “بَعْل” لنردد معه: ” حطم سيفك وتناول معولك واتبعني لنزرع السلام والمحبة في ربوع الأرض أنت سوري وسورية مركز الأرض “، نعم هذه هي رسالة جدنا الأكبر بَعُل قبل 5000 سنة من الميلاد، الرسالة التي ارتسمت خلوداً في التاريخ وتخليداً للسلام وتأبيداً للمعاني الإنسانية، تلك هي رسالته التي نقشت على حجر من الصوان في مدينة أوغاريت الحاضنة لأقدم أبجديات التاريخ. ونعاهدك أيها الجد الأكبر بأننا نحن أبناءك السوريين سنحمل المنجل ونتناول المعول ونكسر الخناجر والسيوف، لنصنع سلامنا الأبدي، ونعود إلى الضوء بعد أن غرقنا لوهلة في الظلام، ونعاهدك أمنا عشتار بأننا سننفض عن جلودنا عار المذلة وأدران الهوان وننهض على إيقاعات الخصب والحب والجمال، وعذراً إنها كانت لحظة غافلة في التاريخ وستمضي بإذن الله. وما أجمل أن تأخذ التربية في سوريا بالمنهج التسامحي الخالد لابن عربي الذي يقول عقَد الخلائق في الإله عقائداً وأنا اعتقدت جميع ما عقدوا، وما أجمل القول وأنبل المعاني عندما ينشدنا شعرا ملائكيا في عظمى التسامح ليقول:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي —-إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة —- فمرعى لغزلان وديرٌ لرهبان
وبيتٌ لأوثان وكعبةُ طائفٍ—- وألواح توراة ومصحفُ قرآنِ
أدين بدين الحبِّ أنّى توجهت—-ركائبه فالحبُّ ديني وإيماني
15- مراجع الدراسة:
– Pierre Gauchotte: Le Pragmatisme ,que sais je , P.u.f.,1992, P57.
– Emmanuel Kant , critique de la raison pratique, trad Traduction française par François Picavet et introduction de Ferdinand Alquiém, Paris: PU , 2016.
– Mondras Henri & Michel Forse; «Le changement social» Armand Collin, Paris, 1983.
– أحمد الأمين، إعادة بناء العقلية العربية: مقدمات من أجل بناء المجتمع المدني وإقامة الديمقراطية، دراسات عربية، العدد 1/2، نوفمبر/ ديسمبر، دار الطليعة، بيروت، 1998، صص( 2- 12).
– أحمد بن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، الجزء السادس، دار الكتب العلمية، 1983.
– إسماعيل صبري عبد الله، المقومات الاقتصادية والاجتماعية للديمقراطية في الوطن العربي، ضمن مركز دراسات الوحدة العربية، الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، بيروت،1986،( صص 105-78).
– الفرد زيمرن، الحياة العامة اليونانية في أثينا في القرن الخامس، ترجمة عبد المحسن خشاب، القاهرة، 1958.
– إمام عبد الفتاح إمام، عالم الفكر، الكويت، المجلد 22، العدد 2، تشرين أول / أكتوبر، 1993.
– باولو فرايري، تعليم المقهورين، ترجمة يوسف نور عوض، بيروت، دار القلم، 1980.
– بو علي ياسين، على دروب الثقافة الديمقراطية حوران للنشر، دمشق، 1994. ص 206.
– حسن العطار، القيم الإنسانية وأثرها في الإنسان والمجتمع، إيلاف، 28/مارس /2020. http://bitly.ws/bYCo
– خلدون حسن النقيب، المشكل التربوي المشكل التربوي والثورة الصامتة، دراسة في سوسيولوجيا الثقافة، المستقبل العربي، عدد 174، آب/ أغسطس، 1993، (صص 67-86).
– دوغلاس ري وآخرون، تعليم حقوق الإنسان من منظور دولي، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الكويت، 1998.
– زعيم الخير الله، أَلْقِيَمُ أَلْكَوْنِيَّةُ وَالْخُصُوصِيّاتُ الثَّقافِيَّةُ، بريس، 18/1/20221. http://bitly.ws/bYE6
– زكي نجيب محمود، فلسفة وفن، الأنجلو مصرية، القاهرة، 1963.
– سيدي محمود ولد سيدي محمد، التنمية والقيم الثقافية، المعرفة السورية، عدد381، حزيران 1995، صص83-95،ص89.
– صابر جيدوري، تنمية قيم المواطنة لدى طلاب جامعة طيبة، شؤون اجتماعية، العدد 116، سنة 2012، السنة 29.
– صبيحي الصالح، الإسلام ومستقبل الحضارة، دار الشورى، بيروت 1982.
– عبد الهادي عباس، حقوق الإنسان، ج1، دار الفاضل، دمشق، 1995.
– علي اسعد وطفة، التربية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، جامعة الكويت، دار السياسة، الكويت، 1998.
– علي أسعد وطفة، في مضارب الاستبداد ونوازع الاستعباد: الكواكبي شاهدٌ على العصر، مؤمنون بلا حدود، 3 سبتمبر، 2019. http://bitly.ws/c5fs
– علي أسعد وطفة، لماذا تخرج المظاهرات من الجوامع وليس من الجامعات؟ مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية 2011. http://bitly.ws/c2WK
– علي الدين هلال، الديمقراطية وهموم الإنسان العربي المعاصر، ضمن مركز دراسات الوحدة العربية، الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، بيروت،1986،(صص7-21)
– عمر محمد خلف، ديمقراطية التعليم العالي في الدول العربية، مجلة اتحاد الجامعات العربية، عدد21، مارس/آذار، 1986، صص(81-104).
– مائسة محمد حامد الأفندي، المؤثرات الاجتماعية والاقتصادية لتعليم المرأة»، دار العلوم، الرياض، 1983.
– محمد عصفور، ميثاق حقوق الإنسان العربي ضرورة قومية مصيرية، ضمن مركز دراسات الوحدة العربية، الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، بيروت،1986،( صص 215 – 245).
– مصطفى دحماني، فضح الزمن الأصولي: قراءة تحليلية نقدية لبعض مفاهيم الحركة الإسلامية المعاصرة. دراسات عربية عددم7/8 أيار حزيران 1994.
– ناجي البكوس، محمد الطالبي، عبد الفتاح عمر، دراسات في التسامح، المعهد العربي لحقوق الإنسان، تونس، 1995، ص 16.
– نصر حامد أبو زيد، دوائر الخوف: قراءة في خطاب المرأة، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1999.
– ياسر كمال الغرباوي، وصية مهاتير للعرب.. السكة من هنا، مدونات 22/3/2020. http://bitly.ws/c7R6
-سعيد إسماعيل علي، فلسفات تربوية، عالم المعرفة، عدد 198، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، يونيو/حزيران، 1995.
-مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في البلاد العربية، تأملات في مستقبل التعليم في المنطقة العربية خلال العقدين 1980-2000، مجلة التربية الجديدة، العدد 21، 1981،ص107.
[1] – علي أسعد وطفة، في مضارب الاستبداد ونوازع الاستعباد: الكواكبي شاهدٌ على العصر، مؤمنون بلا حدود، 3 سبتمبر، 2019. http://bitly.ws/c5fs
[2] – علي أسعد وطفة، في مضارب الاستبداد ونوازع الاستعباد، المرجع السابق.
[3] – عبد الهادي عباس، حقوق الإنسان، ج1، دار الفاضل، دمشق، 1995، ص 175.
[4] -عبد الهادي عباس، حقوق الإنسان، المرجع السابق، ص 175.
[5] – أحمد بن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، الجزء السادس، دار الكتب العلمية، 1983، ص5.
[6] -سعيد إسماعيل علي، فلسفات تربوية، عالم المعرفة، عدد 198، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، يونيو/حزيران، 1995،ص204.
[7] – خلدون حسن النقيب، المشكل التربوي المشكل التربوي والثورة الصامتة، دراسة في سوسيولوجيا الثقافة، المستقبل العربي، عدد 174، آب/ أغسطس، 1993، (صص 67-86)، ص 83.
– [8] خلدون حسن النقيب: المشكل التربوي والثورة الصامتة، مرجع سابق، ص 70.
[9] – Voir: Emmanuel Kant , critique de la raison pratique, trad Traduction française par François Picavet et introduction de Ferdinand Alquiém, Paris: PU , 2016.
[10] – زكي نجيب محمود، فلسفة وفن ، الأنجلو مصرية، القاهرة، 1963 (ص64).
[11]– سيدي محمود ولد سيدي محمد، التنمية والقيم الثقافية، المعرفة السورية، عدد381، حزيران 1995، صص83-95،ص89.
[12] – Mondras Henri & Michel Forse; «Le changement social» Armand Collin, Paris, 1983.
[13] – مائسة محمد حامد الأفندي، المؤثرات الاجتماعية والاقتصادية لتعليم المرأة»، دار العلوم، الرياض، 1983، (ص90 ـ 95).
[14] – زعيم الخير الله، أَلْقِيَمُ أَلْكَوْنِيَّةُ وَالْخُصُوصِيّاتُ الثَّقافِيَّةُ، بريس، 18/1/20221. http://bitly.ws/bYE6
[15] – حسن العطار، القيم الإنسانية وأثرها في الإنسان والمجتمع، إيلاف، 28/مارس /2020. http://bitly.ws/bYCo
[16] – زعيم الخير الله، أَلْقِيَمُ أَلْكَوْنِيَّةُ وَالْخُصُوصِيّاتُ الثَّقافِيَّةُ، المرجع السابق.
[17] – ياسر كمال الغرباوي ، وصية مهاتير للعرب.. السكة من هنا ، مدونات 22/3/2020. http://bitly.ws/c7R6
[18] – ياسر كمال الغرباوي ، وصية مهاتير للعرب.. السكة من هنا ، مدونات 22/3/2020. http://bitly.ws/c7R6
[19] Pierre Gauchotte: Le Pragmatisme ,que sais je , P.u.f.,1992, P57.
[20]– أحمد الأمين، إعادة بناء العقلية العربية: مقدمات من أجل بناء المجتمع المدني وإقامة الديمقراطية، دراسات عربية، العدد 1/2، نوفمبر/ ديسمبر، دار الطليعة، بيروت، 1998، صص( 2- 12). ص 8.
[21] – إمام عبد الفتاح إمام، عالم الفكر، الكويت، المجلد 22، العدد 2، تشرين أول / أكتوبر، 1993، ص 7-8.
[22] – أحمد الأمين، إعادة بناء العقلية، مرجع سابق، ص 9.
[23] – انظر: الفرد زيمرن، الحياة العامة اليونانية في أثينا في القرن الخامس، ترجمة عبد المحسن خشاب، القاهرة، 1958.
[24]– علي الدين هلال، الديمقراطية وهموم الإنسان العربي المعاصر، ضمن مركز دراسات الوحدة العربية، الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، بيروت،1986،(صص7-21)ص 8.
[25]– إسماعيل صبري عبد الله، المقومات الاقتصادية والاجتماعية للديمقراطية في الوطن العربي، ضمن مركز دراسات الوحدة العربية، الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، بيروت،1986،( صص 105-78)، ص 119.
[26]– ، مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في البلاد العربية ، تأملات في مستقبل التعليم في المنطقة العربية خلال العقدين 1980-2000، مجلة التربية الجديدة، العدد 21، 1981،ص107.
[27]– عمر محمد خلف، ديمقراطية التعليم العالي في الدول العربية، مجلة اتحاد الجامعات العربية، عدد21، مارس/آذار، 1986، صص(81-104)،ص100.
[28]– بو علي ياسين، على دروب الثقافة الديمقراطية حوران للنشر، دمشق، 1994. ص 206.
[29] – باولو فرايري ، تعليم المقهورين، ترجمة يوسف نور عوض، بيروت، دار القلم، 1980، ص58.
[30]– صبيحي الصالح، الإسلام ومستقبل الحضارة، دار الشورى، بيروت 1982، ص210.
[31]– صابر جيدوري، تنمية قيم المواطنة لدى طلاب جامعة طيبة، شؤون اجتماعية، العدد 116، سنة 2012، السنة 29، ص 82.
[32] – علي أسعد وطفة، لماذا تخرج المظاهرات من الجوامع وليس من الجامعات؟ مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية 2011. http://bitly.ws/c2WK
-[33] نصر حامد أبو زيد، دوائر الخوف: قراءة في خطاب المرأة، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1999، ص 56.
[34] – انظر: دوغلاس ري وآخرون، تعليم حقوق الإنسان من منظور دولي، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الكويت، 1998.
[35] – ناجي البكوس، محمد الطالبي، عبد الفتاح عمر، دراسات في التسامح، المعهد العربي لحقوق الإنسان، تونس، 1995، ص 16.
[36] – علي اسعد وطفة، التربية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، جامعة الكويت، دار السياسة، الكويت، 1998. انظر الفصل السابع: المنطلقات التربوية لتأصيل حقوق الإنسان في الوطن العربي (صص 211- 286)..
[37] – رواه الإمام أحمد بن حنبل في (باقي مسند الأنصار – ورقمه 22391) .
[38] – سورة الحجرات، الآية 13.
____________
*علي أسعد وطفة – كلية التربية – جامعة الكويت
*المصدر: التنويري.