المقالاتمنوعات

كيف تتلاقى التنمية الاقتصاديَّة والديمقراطيَّة في مبادرة حياة كريمة في صعيد مصر؟

مقدمة

تُعد التنمية الاقتصادية والاجتماعية والديمُقراطية من أهم القضايا التي تشغل بال صانعي القرار السياسي في جميع أنحاء العالم. فهي ضرورية لتحسين حياة الشعوب وتحقيق الرفاهية الاجتماعية. وقد ارتبطت التنمية الاقتصادية والاجتماعية ارتباطًا وثيقًا بالديمُقراطية والحريات. فيجادل عالم السياسة سيمور مارتن ليبست بأن الديمُقراطية والتنمية الاقتصادية مرتبطتان بشكل إيجابي. حيث تؤدي التنمية الاقتصادية إلى ثقافة سياسية أكثر ديمُقراطيةً، وتقلل من عدم المساواة، وتخلق طبقة وسطى أكبر، ودولة أقل استبداديةً، ومجتمعًا مدنيًا أكثر قوةً وتعدديةً.

ومن ناحية أخرى، يُجادل عالم الاقتصاد أمارتيا سن بأن التنمية تستلزم مجموعة من الحريات المترابطة، بما في ذلك السياسية والاقتصادية والاجتماعية والشفافية والأمن الشخصي. ويرى أن الحرية هي الغاية والوسيلة للتنمية. وفي سياق مشروع حياة كريمة في صعيد مصر، تُعد العلاقة بين الديمُقراطية والتنمية الاقتصادية ذات صلة وثيقة.[1] يهدف مثل ذلك المشروع إلى تحسين ظروف المعيشة للمواطنين المصريين، وخاصة الفئات الضعيفة في صعيد مصر، من خلال توحيد الجهود بين مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني وشركاء التنمية؛ وإرساء زخم انمائي. فصعيد مصر يتسم بارتفاع الفقر، ومحدودية فرص الحصول على الخدمات الأساسية، وارتفاع معدلات البطالة. وفي عام 2019، أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة “حياة كريمة”؛ بهدف تحسين نوعية الحياة في المجتمعات الريفية الأكثر فقرًا في إطار رؤية مصر 2030.[2]

مشروع حياة كريمة.. الماهية والجوهر

تُعد حياة كريمة مبادرة وطنية تهدف إلى تحسين حياة المواطنين المصريين، وخاصة الفئات الضعيفة، في أكثر من 1500 قرية في جميع أنحاء مصر. جوهر المشروع هو تحسين البنية التحتية الأساسية، مثل الطرق والمياه والصرف الصحي والكهرباء، وكذلك تحسين الخدمات الاجتماعية، مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية. حظيت المبادرة بدعم من الحكومة المصرية والقطاع الخاص والمؤسسات الدولية والإقليمية. ومن المتوقع أن تسهم المبادرة في تحسين حياة الملايين من المواطنين المصريين، وتحقيق التنمية المستدامة في مصر. أحدث مشروع حياة كريمة فرقًا كبيرًا في حياة الناس في صعيد مصر، من خلال برنامج بقيمة 60 مليون يورو يمتد من عام 2014 إلى عام 2019، ساعد الاتحاد الأوروبي وبرنامج الأغذية العالمي المجتمعات الريفية في 16 محافظة من أكثر محافظات مصر احتياجًا.[3]

مشروع حياة كريمة في صعيد مصر.. الإنجازات والأهداف

عملت مبادرة حياة كريمة منذ إطلاقها على تغيير الواقع الاقتصادي والاجتماعي، بل والارتقاء بذلك الواقع في كافة محافظات الدولة المصرية بشكل عام، وصعيد مصر بشكل خاص. وقد تجلي ذلك الارتقاء بالواقع من خلال تعزيز القطاعات المختلفة في صعيد مصر والبنية التحتية، وكذا الأفراد، والإيفاء بمتطلبات الوضع التنموي بشكل مرن في سياق الجمهورية الجديدة من خلال إتباع النهج التحفيزي.

التعليم

قام مشروع حياة كريمة ببناء 88 مدرسة في محافظة أسيوط، و87 مدرسة في محافظة سوهاج، بإجمالي 1,228 فصلًا دراسيًا، بتكلفة 430,2 مليون جنيه و436,2 مليون جنيه على التوالي.[4] أصبحت المدارس عنصرًا هامًا في المجتمعات المحلية وتستخدم “كمحاور” لتعزيز الأنشطة المجتمعية.

الصحة

شرعت حياة كريمة في توفير الخدمات الأساسية، بما في ذلك الخدمات الطبية والمستشفيات ووحدات الرعاية الصحية، في حوالي 1500 قرية من أفقر قرى الصعيد. بحلول نهاية عام 2022، تم الانتهاء من 90.2٪ من وحدات الرعاية الصحية في صعيد مصر. أطلقت المبادرة مشروع “ستر وعافية” الذي زود 320 ألف مواطن بمختلف الأجهزة الطبية المساعدة ووسائل الراحة. وكجزء من المرحلة الأولى من المبادرة، قدمت وزارة الصحة والسكان 58.9 مليون خدمة طبية لأكثر من 24.1 مليون شخص في 626 مجتمعًا.[5] مما يزيد من المساهمة في تحسين النتائج الصحية. فالسكان الأصحاء أكثر قدرة على المشاركة في العمليات الديمقراطية والمساهمة في التنمية الاقتصادية.

النقل والبنية التحتية

استثمرت الحكومة المصرية 350 مليار جنيه في مشروعات البنية التحتية، بما في ذلك بناء 7000 كيلومتر من الطرق، وإصلاح القطارات القديمة، وشراء قطارات كهربائية جديدة، وتجديد المحطات، وإنشاء 205 مجمعات خدمات حكومية، و776 مكتب بريد، و231 نقطة شرطة، و259 منشأة للطاقة والإضاءة. تم الانتهاء من 68٪ من هذه المشروعات في صعيد مصر. أنجزت المبادرة ٩٧% من مشاريع الصرف الصحي و90% من الوحدات الصحية في 33 قرية في سوهاج. ساعد هذا في توسيع نطاق الوصول إلى الخدمات الأساسية في المناطق الأكثر فقرًا، بما في ذلك الصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي. ساعد المشروع أيضًا في بناء البنية التحتية، مثل المياه النظيفة والصرف الصحي والطاقة والغاز والاتصالات والانترنت.

كما ساعدت المبادرة الرئاسية “حياة كريمة” في إنجاز العديد من مشاريع الصرف الصحي في جميع أنحاء صعيد مصر. يهدف مشروع الصرف الصحي الريفي المتكامل في صعيد مصر – الأقصر (IRSUE-LUXOR) الذي يموله بنك التنمية الأفريقي إلى زيادة تغطية الصرف الصحي المُحسَّن في المناطق الريفية وتحسين استدامة خدمات الصرف الصحي وأدائها على المستويين المحلي والوطني.[6] كما رعت الخطة 224 مشروعًا للصرف الصحي بتكلفة 15,6 مليار جنيه؛ مما أدى إلى زيادة تغطية خدمات الصرف الصحي إلى 33٪ من 22٪ في عام 2014.

إنجازات مشروع حياة كريمة على مستوى الأفراد

بالتوازي مع دور المبادرة المكثف في تعزيز القطاعات المختلفة والبنية التحتية في صعيد مصر، نجد مجهودًا مماثلًا على مستوى الأفراد. حيث تستهدف المرحلة الأولى، التي لا تزال قيد الانتهاء، القرى التي تتجاوز فيها معدلات الفقر 70 في المائة. والثاني للقرى التي يتراوح نطاقها بين 70 في المائة و50 في المائة. والثالث سيتألف من القرى التي تقل فيها النسبة المئوية عن 50 في المائة. تهدف المبادرة إلى توفير حياة كريمة للفئات الأكثر ضعفًا بشكل عام. وفقًا لخريطة الفقر، كان لمشروع حياة كريمة تأثيرًا كبيرًا على حياة الناس في صعيد مصر من خلال توفير فرص العمل، ومساعدة الفتيات اليتيمات في الزواج، وإعادة تأهيل أفقر القرى في مصر.[7]

وعلى صعيد التمكين الاقتصادي، تعاونت مؤسسة حياة كريمة والمجتمع المدني لرعاية 1200 مشروع بقيمة إجمالية قدرها 45 مليون جنيه. كما أبرمت المؤسسة اتفاقًا مع جمعية مصر الخير، وهي منظمة خيرية معروفة، لسداد ديون 2000 شخص وتمكينهم اجتماعيًا واقتصاديًا. وقد ساعدت مبادرة حياة كريمة في إعادة تأهيل وتدريب 85 مؤسسة، حيث تلقت النساء ما يقرب من نصف النقد المصرح به للعمل في الشركات المتوسطة والصغيرة في صعيد مصر.[8] بجانب تحديد عدد كبير من الأسر المؤهلة للمشاركة في برنامج تكافل وكرامة للدعم النقدي. بالإضافة إلى ذلك، وبالتوازي مع برنامج عمل مشروع حياة كريمة تم إطلاق برنامج التنمية المحلية في صعيد مصر (UELDP) في عام 2017 وتم تجريبه في محافظتي سوهاج وقنا. وقد أثار أنشطة أخرى واسعة النطاق مملوكة للدولة لمعالجة التنمية المستدامة والشاملة.[9]

وفي هذا السياق، فقد أشاد الرئيس السيسي بمواطني صعيد مصر المعروفين بشهامتهم العظيمة ولطفهم وكرمهم وإحساسهم العالي بالكرامة والفخر.[10]

الرؤية المستقبلية لمشروع حياة كريمة:

لتعظيم تأثير مشروع حياة كريمة، على الدولة المصرية مراعاة توافر عدة تدابير سيكون لها الأساس الحاسم في تعزيز استدامة مشروع حياة كريمة التنموي، وضمان محاكاة التجربة في عديد من الدول النامية عبر تطبيق النهج التحفيزي للمشروع:

  • استدامة التمويل: الالتزام المالي طويل الأجل ضروري لضمان استمرارية المشروع ونجاحه. يجب على الحكومات والمنظمات الدولية التعاون مع الدولة المصرية، لتأمين تمويل مستقر، لاسيما أن مثل ذلك المشروع يأتي في إطار خطة الدولة لتعزيز الوضع الاقتصادي، حقوق الإنسان المصري، وهو ما يُعبر عن مسمى المبادرة “حياة كريمة”.
  • تعزيز القدرات المؤسسية: سيؤدي تعزيز قدرات المؤسسات المحلية، كالمجالس المحلية إلى تحسين تنفيذ المشاريع واستدامتها. وينبغي إعطاء الأولوية لبرامج التدريب وبناء القدرات على نحو يعزز من ظهور مشاريع ديناميكية مستمرة تلبى متطلبات التنمية في محافظة الدولة المصرية.
  • المشاركة المجتمعية: مع زيادة مشاركة المجتمعات المحلية في عمليات صنع القرار، سيترسخ إدراك للمواطنين يضمن أن المشروع يلبي احتياجاتهم وتطلعاتهم الفريدة.
  • الرصد والتقييم: تعد آليات الرصد والتقييم الصارمة أمرًا حيويًا لتقييم فعالية المشروع وتحديد مجالات التحسين المستمر.
  • تشجيع تمكين المرأة: يجب أن يكون تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة محورًا رئيسيًا لتسخير الإمكانات الكاملة لسكان صعيد مصر.

الخاتمة

 يجسد مشروع حياة كريمة في صعيد مصر العلاقة التكافلية بين التنمية الاقتصادية والديمقراطية. ومن خلال الاستثمارات في التعليم والصحة والبنية التحتية، تهدف مصر إلى تمكين المواطنين وتعزيز النمو الشامل. ويسلط المشروع الضوء على أهمية تعزيز القدرات البشرية لعيش حياة كريمة، وبالتالي تعزيز المشاركة الديمقراطية والتقدم الاقتصادي. من خلال تبني رؤية مستقبلية تركز على الاستدامة والشمولية، يمكن أن يصبح مشروع حياة كريمة نموذجا لتغيير حياة الناس في صعيد مصر وخارجها. كما يتماشى هدف المشروع المتمثل في تحسين نوعية حياة المجتمعات الريفية في سياق رؤية مصر 2030 مع المواد 27 و176 و236 من الدستور المصري لسنة 2014، والذي يؤكد على أهمية التنمية الريفية وتنمية صعيد مصر. كما يوضح تأثير المشروع على السكان المحليين في صعيد مصر، وكافة محافظات الدولة المصرية إمكانات الجهود التي تقودها الحكومة لمكافحة الفقر، البطالة ومحدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية، وتعزيز التنمية الاقتصادية.


[1] الشيشي، رامز صلاح. “كيف تؤثر ديناميكيات الديمقراطية والتنمية الاقتصادية على بعضها البعض: علاقة جدليّة؟.” مجلة التنويري. ٢٥ يوليو ٢٠٢٣.https://bit.ly/3O9Bgnd

[2] United Nations Department of Economic and Social Affairs. “Decent Life (Hayah Karima): Sustainable Rural Communities.” Sustainable Development Goals Partnerships. Accessed July 25, 2023. http://bit.ly/451Zd6B

[3] “The European Union and WFP witness sustained impact of collaboration in upper Egypt.” World Food Programme. May 26, 2021. https://bit.ly/3DuVanD

[4] “Tens of schools built in Upper Egyptian governorates within Decent Life initiative.” Egypt Today. Accessed July 26, 2023. https://bit.ly/450dUab

[5] “Egypt’s Decent Life initiative: Improving lives in Upper Egypt.” Ahram Online. July 25, 2021. https://bit.ly/3OvzT3q

[6] African Development Bank. “GPN – Egypt – Integrated Rural Sanitation in Upper Egypt (IRSUE-LUXOR).” March 16, 2022. https://bit.ly/3YccWWq

[7] “Decent Life Initiative.” Presidency of the Arab Republic of Egypt. Accessed July 26, 2023. https://bit.ly/3Y5RgLr

[8] “Decent Life Project.” Ministry of Planning and Economic Development. Accessed July 26, 2023. https://bit.ly/477OiKi

[9] Department of Economic and Social Affairs. “Upper Egypt Local Development Program (UELDP).” United Nations. 2017. https://bit.ly/43G7yvF

[10] Egypt Independent. “Sisi: We Are Proceeding with Plans to Secure Decent Life for Citizens in Upper Egypt.” Egypt Independent. 26 July 2023, https://bit.ly/43MfD1Q
__________
*رامز صلاح الشيشي : كاتب وباحث سياسي.

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات