” الفقر لا يصنع ثورة؛ إنَّما وعي الفقر هو الذي يصنع ثورة. الطاغية مهمَّته أنْ يجعلك فقيراً؛ وشيخ الطاغية مهمَّته أنْ يجعل وعيكَ غائباً”. كارل ماركس. وينطلق نزار قباني في دعوته للثورة الثقافية والتربية إذ يقول: ” نريد جيلا غاضبا، نريد جيلا يفلح الآفاق، وينكش التاريخ من جذوره، وينكش الفكر من الأعماق، نريد جيلا قادما، مختلف الملامح، لا يغفر الأخطاء… لا يسامح، لا ينحني لا يعرف النفاق، نريد جيلاً شامخاً عملاقا”.
1- مقدمة:
يفيض مفهوم الثورة بمعانيه السياسيّة، ويتدفّق برمزيّته الأخلاقيّة ويتجلى في صيغة رفض شامل لكلّ أشكال الظلم والإذلال والعبوديّة والقهر الّذي يمكن أن يقع على أبناء الأمّة والشعب. فالثورة غالباً ما تكون ثورة المظلوم ضدّ الظالم، والمغلوب ضدّ الغالب، والمقهور ضدّ القاهر، طلباً للعدالة الاجتماعيّة، وصوناً للحقوق الإنسانيّة، ورفضاً لكلّ أشكال التعنّت والتغلّب والقهر. وإذا كان التاريخ الإنسانيّ كما يرى ماركس وأتباعه هو تاريخ الصراع بين الطبقات الغالبة والمغلوبة، أو تاريخ الصراع بين الظالمين والمظلومين كما يرى ماركوز، فإنّ الثورة بمعانيها المختلفة، ودلالاتها المتنوّعة، كانت وما زالت سبيل الشعوب المظلومة إلى الحرّيّة والكرامة نبذاً لكلّ أشكال الظلم ورفضاً لكلّ تجلّيات العبوديّة والقهر.
والثورة، كما يعلّمنا التاريخ، كانت دائماً وأبداً السبيل الأوحد لخروج المظلومين من دائرة العبوديّة والقهر إلى فضاءات الحرّيّة وأفنية والعدالة. وما التاريخ الإنسانيّ في أكثر صوره تشويقاً وإثارة إلّا تاريخ الثورات المترامية في تضاريس الزمان وأطراف المكان. ونظراً لأهمّيّة الثورة وسحرها المبيّن في حياة الشعوب يعدّ مفهوم الثورة من أكثر المفاهيم السياسيّة والاجتماعيّة استخداماً وتواتراً وحضوراً وأهمّيّة وتشويقاً في الفكر السياسيّ والاجتماعيّ في تاريخ المجتمعات الإنسانيّة، وما زال هذا المفهوم يثير جدلاً واسعاً بين المفكّرين والباحثين فيما يتعلّق بدلالاته وإسقاطاته الّتي تتّصف بالغنى والتنوّع والثراء. ونظراً للتعقيد الشديد في طبيعة هذا المفهوم، وفي اتّساع دلالاته وتنوّع معانيه وتقاطع توظيفاته صعب على المفكّرين والعلماء بناء تعريف علميّ جامع مانع يكفي الباحثين مغبّة البحث المتواصل عن مضامينه المعقّدة ودلالاته المترامية في العمق الأطراف. فكلمة الثورة، بما تنطوي عليه من دلالات وأفكار وتصوّرات، حاضرة في مختلف مستويات الكلام والمواقف والإشارات، وتطلق على عدد كبير واسع من الحوادث الّتي تتّصف بالعنف والشدّة بهدف التغيير، وهي تتداخل على نحو فريد مع عدد كبير من مفاهيم التمرّد والعصيان والانقلاب والمقاومة والخروج والهوجة والانتفاضة على النظام في أيّ موقف من المواقف الّتي تنزع إلى إحداث تغيير مقصود أو غير مقصود.
2- الأصل اللغوي :
وكلمة ثورة في اللغة العربيّة، جاءت اشتقاقاً من الفعل يثور، ثار، ثورة، وتعني في الأصل الهيجان، أو اشتداد الغضب والاندفاع العنيف: ثار أيّ هاج، ثارت أعصابه أي فقد السيطرة على أفعاله. وجاء في لسان العرب أنّ الثورة كلمة تشتقّ من الفعل ثار الشيء ثوراً وثؤوراً. وتثور هاج. وجاء في تاج العروس الثور: الهيجان. وثار الشيء هاج، ويقال للغضبان أهيّج ما يكون: قد ثار ثائره وفار فائره إذا هاج غضبه. الثور: الوثب وقد ثار إليه إذا وثب. وثار به الناس، أي: وثبّوا عليه. وجاء في الصحاح: ثار الغبار يثور ثوراً وثوراناً، أي: سطع. ومن الواضح بمكان أنّ كلمة الثورة في الاشتقاقات العربيّة لا تحمل مضموناً اجتماعيّاً واضحاً، بل تشير إلى كلّ فعل يتضمّن طابع الفجائيّة والحركة والسرعة، ويؤدّي في الوقت ذاته إلى حالة من الفوضى والتغيير في طبيعة الأشياء: كثورة الغبار، وسطوع الضوء. وباختصار، تعني كلمة “ثورة” في اللغة العربيّة القديمة الهيجان والوثوب والسطوع، وجاءت من الفعل يثور ثار ثورة. وهي ترمز في الأصل إلى شدّة الغضب والاندفاع العنيف: ثار أيّ هاج، ثارت أعصابه أي فقد السيطرة على أفعاله. ويتّضح تاريخيّاً أنّ العرب استخدموا لفظة «الثورة» بمعنى الغضب والهوجة والتمرّد والانتشار والهياج والعصيان.
والعرب القدامى كانوا يطلقون تسميات مختلفة “غير الثورة” على الفعاليّات ذات الطابع الثوريّ، مثل: الخروج، و”القومة”، و”الهوجة”، والتمرّد، والفتنة، والعصيان، والانتفاضة. وقد أطلق السوريّون على الثورة الحلبيّة سابقاً (قومة حلب)، وهي ثورة قامت ضدّ الأغنياء وسطوة الفقر والتجنيد والأوضاع الاجتماعيّة المأساويّة عام 1850؛ كما أطلقوا على الحركات الفلاحيّة كلمة (العامّيّات)، ومنها عامّيّة كسروان في جبل لبنان.
وفي هذا الصدد يقول عزمي بشارة ” أن أقرب كلمة إلى مفهوم الثورة في اللغة العربيّة هي “الخروج”، بمعنى الخروج لطلب الحقّ. فالخروج هنا بداية ليس خروجاً على الجماعة، ولا حتّى على السلطان، بل هو “خروج إلى”، أي: خروج الناس طلباً للحقّ والعدالة ورفضاً للظلم والقهر، إنّه خروج طلباً لإحقاق حقّ أو دفع ظلم” (بشارة،2011،8).
لقد وجدت كلمة ” ثورة” منذ البدء في الجذور اللغويّة للمعجم العربيّ، ولكنّ هذه الكلمة تنأى في جوهر الأمر عن أيّ مضمون سياسيّ واجتماعيّ، وتدور في معاني الهيجان والتمرّد والعصيان والثأر. ويمكن القول بأنّ العرب تلقّفوا المضمون السياسيّ لهذا المفهوم من أدبيّات الثورة الفرنسيّة وغيرها من الثورات الحديثة في الغرب والشرق على حدّ سواء. وفي حقيقيّة الأمر تعرف العرب هذا المفهوم ودلالاته الحيويّة في نهايات الدولة العثمانيّة وبدايات المرحلة الكولونياليّة. وكانت ثورة الشريف الحسين بن علي تعبيراً عن الحراك الشعبيّ الثوريّ ضدّ مظالم الإمبراطوريّة العثمانيّة. ولعلّها كانت الثورة الوحيدة في ذلك الوقت الّتي وضعت في مقدّمة أهدافها تحرير البلاد أوّلاً من الهيمنة العثمانيّة (عودة، 2011). ويمكن القول في هذا السياق: إنّ العرب استخدموا مفهوم الثورة لأوّل مرّة في تاريخهم الحديث عندما أطلقوا اسم (الثورة العربيّة الكبرى) على ثورة الشريف حسين بن علي وهي الثورة قادها الشريف نفسه عام 1915 ضدّ الخلافة العثمانيّة في تحالف أكيد مع بريطانيا الّتي كانت تخوض آنذاك حرباً ضدّ الدولة العثمانيّة.
تأسيساً على هذا التصوّر يمكن القول إنّ استخدام كلمة الثورة حديث نسبيّ في الثقافة العربيّة، وقد استخدمت لوصف الحركات الثوريّة العربيّة الّتي اندلعت ضدّ الاستعمار الغربيّ، فسمّيت الحركات المسلّحة المناهضة للاستعمار العثمانيّ والفرنسيّ والبريطانيّ والإيطاليّ ثورات التحرير، ومنها الثورة السوريّة الكبرى والثورة الجزائريّة والثورة الفلسطينيّة والثورة العراقيّة وثورة عرابي في مصر وثورة الخطابي في المغرب وثورة عمر المختار في ليبيا وغيرها من الثورات الّتي اندلعت في مختلف أنحاء الوطن العربيّ كما هو الحال في اليمن والسودان والعراق.
لقد استخدم العرب لفظة “ثورة” بمعنى الغضب والهياج، ولم تستخدم هذه الكلمة كمصطلح سياسيّ واجتماعيّ بمعنى التغيير الجذريّ والانقلاب والتمرّد وتغيير النظام إلّا في العصر الحديث. وعلى هذا الأساس، فإنّ مفهوم الثورة بمضمونه الحديث نشأ في البلدان العربيّة مع حرب التحرير ضدّ الاستعمار العثمانيّ في البداية، ومن ثمّ في أتون النضال ضدّ كلّ أشكال الاستعمار الأجنبيّ. وأخيراً قفز هذا المفهوم ليجد نفسه أداة جاهزة بأيدي نخبة من السياسيّين من ذوي الخلفيّات العسكريّة والمتطلّعين للوصول إلى سدّة ” الحكم”. وظلّ مفهوم ” الثورة” مجرّد استعارة عسكريّة لمفهوم الانقلاب. فسمّي انقلاب 23 يوليو 1952 بمصر ثورة ضدّ النظام الملكيّ، وانقلاب 14 تمّوز 1958 في العراق ثورة ضدّ النظام الملكيّ أيضاً، والانقلاب البعثيّ في سوريا عام 1963 ثورة ضدّ النظام الإقطاعيّ، ثمّ توالت التسميات في ليبيا وسوريا والعراق”(عودة، 2011).
3- مفهوم الثورة في ضوء الثقافة الغربيّة.
يعود استخدام كلمة ثورة (Revolution) في الثقافة الغربيّة إلى نيكولاس كوبرنيكوس (Nicolaus Copernicus :1473-1543) الذي استخدمه في عنوان كتابه المشهور (ثورة الأجرام الفلكيّة) (De revolutionibus orbium coelestium)، ويقابل هذه المفهوم اللاتينيّ بالفرنسيّة. (Des révolutions des orbes célestes). قد نشر هذا الكتاب في عام 1533. وفي هذا الكتاب يكتشف كوبرنيكوس أعظم ثورة فلكيّة في التاريخ إذ يبيّن بأنّ الشمس هي مركز المجموعة الشمّسيّة، وليست الأرض كما كان الاعتقاد سائداً في عصره. وقد بيّن كوبرنيكوس بطريقة عبقريّة أنّ الأرض هي الّتي تدور حول الشمس وليس العكس. وكانت هذه النظريّة أكبر ثورة في تاريخ العلم والفلك في مختلف العصور (Bardet , 1991).
وكلمة ثورة – كما وردت في الأصل الفلكيّ – تعني “دورة ثابتة متحرّكة تتجلّى في الحركة الاعتياديّة الحتميّة للنجوم والأفلاك السماويّة”. وقد شاع استعمال هذا التعبير الفلكيّ بعد أن أطلقه كوبرنيكوس على الحركة الدائرة المنتظمة والمشروعة لنجوم حول الشمس. ولمّا كانت هذه الحركة لا تخضع لسيطرة الإنسان ولتحكمه فقد تضمّنت الثورة معنى الحتميّة التاريخيّة الّتي تتجاوز إرادة البشر وقوّتهم. وقد استعمل هذا الاصطلاح لاحقاً للدلالة على التغيّرات المفاجئة والعميقة الّتي تحدث في النظم السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وقد كانوا قبل ذلك يستعملون تعبيرات أخرى مثل التمرّد والعصيان والفتنة وغيرها.
وفي هذا الصدد تقول حنّا إرندت- في إشارة منها إلى الأصل الفلكيّ لمفهوم الثورة-: “إنّ الثورة هي الفكرة الّتي استحوذت على الثوريّين، وهي أنّهم وكلاء في عمليّة تقضي على عالم قديم، وتأتي بعالم جديد. فحين نزلت الكلمة من السماء إلى الأرض لأوّل مرّة وأدخلت في الاستعمال لتصف ما يحدث على الأرض بين الناس بدت بوضوح كمجاز أو استعارة تحمل فكرة الحركة الأزليّة لتقلّبات المصير الإنسانيّ صعوداً أو هبوطاً والّتي شبّهت بشروق الشمس وغروبها منذ الأزل. وتعني في المصطلح المجازيّ إشارة إلى حركة تدور عائدة إلى نقطة ما محدّدة مسبقاً، فترتدّ إلى نظام مسبق التكوين (أرندت،2008،58). وهذه الحركة كانت تعني الأمر الّذي لا يقاوم، وتشير ضمناً إلى الحركة الدائريّة للنجوم الّتي ترتسم في مدارات مسبقة محدّدة خارج نطاق قدرة الإنسان وقوّته(أرندت،2008،64). ومن ثمّ فإنّ فكرة (الحركة الّتي لا تقاوم) سرعان تحوّلت إلى نطاق المفاهيم الثوريّة بمعنى التغيير الثوريّ الّذي لا يقاوم. وقد شبهت الثورة بالبركان الّذي يقذف الحمم، ولا يمكن إيقافه، وكما سمّاها روبسبير زعيم الثورة الفرنسيّة 1789 (العاصفة الثوريّة )، أو كما شبّهها فورستر (بالثورة الّتي تلتهم أبناءها) (أرندت،2008،64).
4- تعريف الثورة :
وهناك عدد كبير من التعريفات الّتي قدّمت لمفهوم الثورة في الثقافة الغربيّة، ومنها تعريف كرين برنتون الّذي يتناول مفهوم الثورة في كتابه الموسوم “تشريح الثورة” ثمّ يعرفها بقوله “إنّها عمليّة حركيّة ديناميّة تتميّز بالانتقال من بنيان اجتماعيّ إلى بنيان اجتماعيّ آخر”( كرايزن،1975،31).
ويورد بيتر أمان تعريفاً آخر للثورة يرى فيه أنّ الثورة ” انكسار مؤقّت أو طويل الأمد لاحتكار الدولة للسلطة يكون مصحوباً بانخفاض الطاعة “(الطيّب، 2007،99). كما يعرفها يوري كرازين ماركسيّاً بقوله” إنّها قفزة من التشكيل الاقتصاديّ والاجتماعيّ البالي إلى تشكيل أكثر تقدّماً” (كرايزن،1975،41).
وفي التعريف القاموسيّ، عرف قاموس (شامبر) الموسوعيّ للّغة الإنجليزيّة الثورة بأنّها “تغيير شامل وجذريّ بعيد المدى في طرق التفكير وفعل الأشياء”. وللثورة تعريف أساسيّ تقليديّ قديم ظهر مع انطلاق الثورة الفرنسيّة، ويأخذ صورة انتفاضة يقوم بها الشعب تحت قيادة من النخب السياسيّة المثقّفة لتغيير نظام الحكم بالقوّة (لطفي، 2012). وفي هذا السياق يعرف “أيرك هوبزباوم” الثورة في ضوء الأوضاع الأوروبّيّة بين زمني الثورة الفرنسيّة عام 1789 وكومونة باريس 1484 بالقول “إنّها تحوّل كبير في بنية المجتمع”(صديقي،2012).
والتعريف التقليديّ الأبرز للثورة وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسيّة، عندما قام الشعب الفرنسيّ – بقيادة نخبة وطلائع من مثقّفيه- بتغيير نظام الحكم وإحداث الانقلاب الثوريّ العظيم في أوروبا. والمفهوم الدارج أو الشعبيّ للثورة يتمثّل في انتفاضة الشعب ضدّ الحاكم الظالم. وقد تكون الثورة شعبيّة مثل الثورة الفرنسيّة عام 1789، أو مثل ثورات أوروبا الشرقيّة عام 1989 كثورة أوكرانيا المعروفة بالثورة البرتقاليّة في نوفمبر 2004، وقد تكون عسكريّة تأتي بفعل الانقلابات العسكريّة كما حدث في مختلف البلدان العربيّة، وفي مختلف أصقاع أمريكا اللاتينيّة في حقبتي الخمسينيّات الستينيات من القرن العشرين، وقد تكون حركة مقاومة ضدّ مستعمر ما مثل الثورة الجزائريّة وثورة المختار والخطابيّ والثورة الثوريّة ضدّ المستعمر الفرنسيّ(الموسوعة العربيّة الحرّة،2011).
وعلى هذا المنوال ظهرت تعابير ثوريّة جديدة مثل: الثورة الديمقراطيّة، والثورة العلميّة، والثورة السلميّة، والثورة الرقميّة، وثورة الأنفومديا، والثورة الصناعيّة، والثورة الزراعيّة، حتّى أصبح مفهوم الثورة يغطّي مختلف أشكال التغيير العميق في أيّ جانب من جوانب الحياة الاجتماعيّة والعلميّة في المجتمعات الإنسانيّة.
5- مفهوم الثورة في ضوء الفكر العربيّ المعاصر:
اهتمّ المفكّرون والباحثون العرب بقضايا الثورة وإشكاليّاتها، وعملوا على استجلاء مختلف جوانبها الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة، واستطاعوا في سياق أعمالهم ونشاطهم الفكريّ في مجال الثورة تقديم تصوّرات مهمّة وجديدة فيما يتعلّق بمفهوم الثورة ودلالته. وقد اهتمّت الحركات السياسيّة العربيّة بمفهوم الثورة، فعملت على توصيفه وتحديد معالمه ورسم الحدود الفاصلة بينه وبين المفاهيم المتداخلة معه والمجاورة له، ومن أهمّ التعريفات الّتي قدّمت للثورة ما ورد في الميثاق المصريّ عن الثورة: “إنّ الثورة عمل تقدّميّ شعبيّ، أي: حركة الشعب بأسره، يستجمع قواه ليقتحم جميع العوائق والموانع الّتي تعترض طريقه لتجاوز التخلّف الاقتصاديّ والاجتماعيّ وصولاً لتحقيق غايات كبرى تريدها الأجيال القادمة. ولم تكن الثورة نتاج فرد أو فئة واحدة، وإلّا كانت تصادماً مع الأغلبيّة. وتتمثّل قيمة الثورة الحقيقيّة بمدى شعبيّتها، وبمدى ما تعبّر عن الجماهير الواسعة ومدى ما تعبّئه من قوى هذه الجماهير لإعادة صنع المستقبل وفرض إرادتها” (السكران، 2011). ويتضمّن هذا التعريف طابع الشموليّة والعمق للثورة بوصفها شاملة جذريّة تتجاوب مع تطلّعات الجماهير وطموحاتهم في التغيير والتطوّر نحو الأفضل.
يرى محمّد ددّه أنّ مفهوم الثورة يتحدّد بمستويات ثلاثة، تبدأ بتحديد الغايات والأهداف كنقطة انطلاق يتّفق عليها أرباب الثورة، ثمّ تتّخذ هذه الأهداف مرجعيّة يحتكم إليها عند الاختلاف، ثمّ تحديد الوسائل الممكنة لتحقيق الغايات، وتنتهي هذه الخطوات بعمليّة خلق السبل الكفيلة بحماية مكتسبات الثورة والمحافظة على كيانها وهويّتها ومآلها (ددّه،2011).
ويتعرّض خير الدين حسيب لمفهوم الثورة فيقول: “هناك تعميم خاطئ ومبالغ فيه في إطلاق تعبير الثورة على جميع الأحداث الّتي جرت في بعض البلدان العربيّة، وغالباً ما يستخدم تعبير الثورة خارج الدلالة الصحيحة لهذا التعبير، إذ غالباً ما توظّف كلمة ثورة لوصف أي انقلاب عسكريّ أو انتفاضة شعبيّة مؤقّتة تقود إلى تغيير محدود في نظام الحكم السائد. بينما المعنى الدقيق للثورة هو أنّها مجمل الأفعال والأحداث الّتي تقود إلى تغييرات جذريّة في الواقع السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ لشعب أو مجموعة بشريّة ما وعلى نحو شامل وعميق على المدى الطويل، ينتج عنه تغيير في بنية التفكير الاجتماعيّ للشعب الثائر، وفي إعادة توزيع الثروات والسلطات السياسيّة” (حسيب،2011، 128). وتجب الملاحظة هنا أنّ كثيراً من المفكّرين يركّزون على أهمّيّة” التغيير الشامل والجذريّ في المجتمع، ولا سيّما في مجال توزيع الثروة وعمليّات الإنتاج في المجتمع.
والمقصود بالثورة كما يرى عزمي بشارة “هو تحرّك شعبيّ واسع خارج البنية الدستوريّة القائمة، أو خارج الشرعيّة، يتمثّل هدفه في تغيير نظام الحكم القائم في الدولة. والثورة بهذا المعنى هي حركة تغيير لشرعيّة سياسيّة قائمة لا تعترف بها، وتستبدلها بشرعيّة جديدة. والضرورة هنا تقتضي التعميم لاستحالة الوصول إلى صيغة عمليّة تحدّد مراحل الثورة، لأنّ الثورة هي صيرورة يصعب الإشارة إلى نقطة بداية ونهاية لها، وهي تنطلق من حاجات يمكن تحديدها، ولكنّها أثناء اندلاعها قد تنتج حاجات وسلاسل مطلبيّة لا علاقة لها بالشرارة الأولى الّذي أنتجها وضع يتّسم ب”القابليّة الثوريّة” (بشارة، 2011، 22). و”القابليّة للثورة” هي الوعي بأنّ وضع المعاناة هو حالة من الظلم، أي الوعي بأنّ المعاناة ليست مبرّرة، ولا هي حالة طبيعيّة معطاة، ووعي إمكانيّة الفعل ضدّه في الوقت نفسه (بشارة،2011). فالثورة في النهاية كما تعرفها الموسوعة العربيّة: “أسلوب من أساليب التغيير الاجتماعيّ تشمل الأوضاع والبنى السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة. وعمليّة التغيير لا تتبع الوسائل المعتمدة في النظام الدستوريّ للدولة، وتكون جذريّة وشاملة وسريعة، تؤدّي إلى انهيار النظام القائم وصعود نظام جديد”.
وفي هذا السياق يرجّح بعض الباحثين العرب، وفي طليعتهم عبد اللّه النفيسي، أنّ الثورات العربيّة اندلعت، وانطلقت تحت تأثير منظومة متكاملة من العوامل والمتغيّرات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ومن أهمّها: الطغيان السياسيّ والاستبداد الأمنيّ واحتكار القرار السياسيّ من قبل الأنظمة القائمة. ومن جهة ثانية يرى بعض المفكّرين أنّ سوء توزيع الثروة يشكّل أحد عوامل الثورة حيث يؤدّي ذلك إلى وجود طبقة غنيّة فاحشة الغنى والثراء يقابلها طبقات فقيرة لا تملك غير الألم والجوع والمعاناة. ويشدّد بعض الباحثين تأثير التبعيّة الّتي يعيشها العالم العربيّ في دائرة علاقته بالعالم الخارجيّ، “فالأنظمة العربيّة تعتمد على التحالف مع الأنظمة السياسيّة في العالم الغربيّ، وهو التحالف الّذي يضمن لهذه الأنظمة أمن الوجود والاستمرار”(النفيسيّ، 2011).
6- إضاءة سوسيولوجيّة:
لم يكن في مقدور الفلاسفة وعلماء الاجتماع أن يغفلوا النظر إلى قضيّة الثورة بوصفها قضيّة وجوديّة صميميّة في الحياة الإنسانيّة، وقد كان على الفلاسفة أن يتأمّلوا في حقيقيّة التغيير الثوريّ في العالم، وأن يستبصروه على نحو فلسفيّ، ومن الصعوبة بمكان أن تغفل الفلسفة قضيّة الثورة والتغيير الثوريّ في المجتمع. وقد لا نبالغ في القول بأنّ مسألة الثورة تأخذ مكانها في صميم القضايا الفلسفيّة، وتشكّل قطب الرحى في مداراتها المتنوّعة. ولا يمكننا في هذا المسار أن نتناول الرؤى والتصوّرات الفلسفيّة للثورة في مجملها إذ لا بدّ لنا أن نقف على بعض الخيارات الفلسفيّة المعبّرة في هذا المجال الثوريّ.
ينظر جون لوك (1632-1704) إلى الثورة بوصفها ظاهرة اجتماعيّة طبيعيّة تعبّر عن الحركة الطبيعيّة لتطوّر المجتمع والتاريخ الإنسانيّ، وهي تندلع عادة إذا توفّرت لها الشروط المواتية لحدوثها، وهي في كلّ الأحوال ممارسة اجتماعيّة مشروعة أخلاقيّاً واجتماعيّاً، ويجب على الشعب أن يثور ضدّ الحكومات الّتي لا تمثّله خير تمثيل ولاسيّما هذه الّتي انحرفت عن الطريق السويّ في الحكم (السكران،2011).
وقد ذهب كارل ماركس (1818-1883) إلى أبعد من ذلك في فهمه للثورة، فنظر إلى الثورة كضرورة تاريخيّة، ووجد فيها صورة لقانونيّة المجتمع، والثورة كما يراها وسيلة المجتمع في تجاوز ذاته وتحقيق المصالحة الداخليّة بين التناقضات الفاعلة في أحشائه، كما إنّ الثورة تشكّل أداة المجتمع في إيجاد الحلول للمشكلات والتحدّيات الّتي تواجهه. ووفقاً لهذا التصوّر، فإنّ الثورة الاجتماعيّة والسياسيّة هي الناموس الطبيعيّ للمجتمع، وهي الطاقة المحرّكة لوجوده انتقالاً به من حالات أقلّ تطوّراً إلى حالات أكثر عمقاً وأكثر تقدّماً في مختلف التجلّيات السياسيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة والفلسفيّة للحياة الاجتماعيّة.
وباختصار يمكن القول إنّ الماركسيّة تشكّل بذاتها نظريّة ثوريّة، فالثورة حتميّة ضروريّة حيويّة لتطوّر المجتمع وتجاوز مواطن ضعفه وقصوره، وهي المحرّك التاريخيّ لتطوّر المجتمع من نظام اجتماعيّ إلى آخر. وقد شكّلت الماركسيّة بذاته نظريّة ثوريّة تبنّتها القوى الماركسيّة في تحقيق الثورة البلشفيّة في روسيا البيضاء عام 1917 وللثورة الثقافيّة والاجتماعيّة عند ماوتسي تونغ في الصين. من هنا يمكن الاستنتاج بأنّ جون لوك وكارل ماركس يؤكّدان كلاهما على مشروعيّة الثورة وضرورتها في عمليّة التغيير وتحقيق العدالة الاجتماعيّة (السكران،2011).
وفي هذا السياق يرى ماركس في مقدّمته «مساهمة في نقد الاقتصاد السياسيّ» أنّه في مرحلة معيّنة من مراحل تطوّر المجتمع تدخل القوى المنتجة في تناقض مع العلاقات الإنتاجيّة، وذلك عندما تتحوّل هذه علاقات الإنتاج هذه إلى عوامل تعيق تطوّر المجتمع، وتعرقل مساره، عندها يحدث الصراع بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، ويتحوّل هذا الصراع إلى ثورة يتمّ فيها تدمير علاقات الإنتاج القديمة وبناء علاقات إنتاج جديدة تواكب مستوى تطوّر قوى الإنتاج الجديدة، وعليه فإنّ الصراع بين القوى المنتجة الجديدة وبين العلاقات الإنتاجيّة القديمة يشكّل الأساس الموضوعيّ الاقتصاديّ للثورة. وعلى هذه الصورة حدث تطوّر المجتمع من المجتمع العبوديّ إلى المجتمع الإقطاعيّ، ومنه إلى المجتمع البرجوازيّ انتقالاً إلى المجتمع الاشتراكيّ. وتشير النظريّة «الماركسيّة اللينينيّة» إلى أهمّيّة الحزب الثوريّ ودوره في توحيد القوى الثوريّة وتنظيمها، وأهمّيّة العوامل الذاتيّة في توعية الجماهير وقيادتها. وتشكّل وحدة الظروف الموضوعيّة والذاتيّة، عند لينين، القانون الأساسيّ للثورة. وباختصار فإنّ الثورة تعني تجاوزاً للصراع وإحداث التغيير الاجتماعيّ من منطلق هدم القديم وبناء الجديد.
7- البعد الفلسفي:
وفي هذا السياق يعلن جان جاك روسو (1712-1788) في كتابه (العقد الاجتماعيّ) أهمّيّة الثورة وضرورتها لتحقيق العدالة الاجتماعيّة وبناء الدولة على أساس العقد الاجتماعيّ، فالحاكم الطاغية استولى على الحكم بالعنف والقوّة، وعندما يتمادى في طغيانه تندلع الثورة الّتي تطيح بالحاكم، ولمّا لم يكن بدّ من وجود حاكم يرعى الشعب فإنّ أهل المدينة يختارون حاكماً من بينهم على أساس العقد الاجتماعيّ السياسيّ الّذي يضمن للشعب الحرّيّة، ويحقّق العدالة بين الحاكم والمحكوم، وعلى هذا فإنّ الشعب مخوّل دائماً بالثورة عندما يخرق الحاكم شروط العقد السياسيّ مع الشعب.
وعلى خلاف روسو وماركس ولوك يرى الفيلسوف الألمانيّ هيجل (1770-1830) أنّ الثورة ظاهرة اجتماعيّة استثنائيّة تتعرّض مع طبيعة التطوّر السياسيّ للدولة، ولذا يقرّر بأنّ الثورة انقطاع في عمليّة التطوّر الطبيعيّ وخرق لقانونيّته الأصيلة المتمثّلة في الدولة والثورة وفق هذا التصوّر الهيجليّ لا تحدث إلّا نادراً في المجتمع، ومن المؤكّد أنّ هذه الفكرة تتناغم مع التوجّهات السياسيّة المحافظة لهيغل فيما يتعلّق برؤيته للدولة ولتطوّر المجتمع الإنسانيّ.
وغالباً ما يربط المفكّرون والفلاسفة الكبار بين الثورة والحرّيّة، وهذا هو حال كوندورسيه الّذي يقول: “إنّ كلمة ثورة لا تنطبق إلّا على الثورات الّتي يكون هدفها الحرّيّة” (Condorcet,1948). وتلك هي الغاية الّتي تعلنها حنّة أرندت للثورة إذ تقول: إنّ القضيّة الّتي تشكّل حقيقة السياسة هي قضيّة الحرّيّة في مواجهة الاستبداد ” وهي تريد بذلك أن تقول بذلك أنّ الثورة هي الحرّيّة” (أرندت،2008، 57).
فالثورة هي “حصيلة تفاعل جدليّ بين الاستقراء والتأمّل الفكريّ من جهة، وبين الممارسة والفعل من جهة أخرى. وقد شهد مفهوم الثورة تحوّلات عديدة أكسبته معاني متضافرة فمن ن دلالته على عودة الشيء إلى الدلالة على معنى التحوّل المفاجئ ثمّ القطيعة وإعادة التأسيس” (القيّ،2011). ويبقى معنى القطيعة طاغياً على دلالة المفهوم كما يرى فرانسوا شاتليه في قوله: “تحيل كلمة ثورة على معنى القطيعة، وهذا هو المعنى الدارج للكلمة حاليّاً. وفي رحاب هذا التصوّر تأسّست فكرة الثورة من أفلاطون إلى ماوتسي تونغ مروراً بـ روبسبير وماركس وتروتسكي” (Francois,1996,1075).
ومن المناسب في هذا السياق الإشارة إلى المنظومة الفكريّة لكلّ من «سينموند نيومان» و«كرين برينتون». فالثورة كما يريانها تحدث دون مقدّمات، باعتبارها طفرة في مسار التطوّر التاريخيّ، وهي تحدث تحت تأثير أزمات وإكراهات وضغوط يؤدّي تفاعلها إلى تغيير أساسيّ في التنظيم السياسيّ والبنيان الاجتماعيّ والاقتصاديّ. والثورة وفقاً لهذا التصوّر تشكّل انكساراً رئيساً في المسار العامّ لتطوّر المجتمع. وهي في جوهرها تهدف تحرير الإنسان من المعاناة الوجوديّة للظلم والقهر، وكلّ أشكال الاستلاب والاغتراب، والثورة في كلّ الأحوال ترمز إلى القوى الاجتماعيّة الفاعلة في التاريخ الّتي تفعل فعلها في تحقيق أعظم الإنجازات الحضاريّة للمجتمعات الإنسانيّة.
ومن الأهمّيّة بمكان أيضاً الإشارة إلى النزعة السيكولوجيّة بزعامة «غوستاف لوبون» الّذي ينظر إلى الثورات بوصفها انفجارات سيكولوجيّة اجتماعيّة، وهي إذ تحدث يأتي حدوثها تحت تأثير انفعالات جماهيريّة لاشعوريّة مدمّرة يكون فيها اللاشعور الجمعيّ المحرّك الأساسيّ والفاعل الحيويّ الّذي يفسّر قيام هذه الثورات وانطلاقها.
يقول غاندي في هذا الخصوص: “يصبح العصيان المدنيّ واجباً مقدّساً عندما تصبح الدولة فاسدة أو غير شرعيّة. والمواطن الّذي يتعامل مع دولة كهذه فهو شريك في فسادها وفي عدم شرعيّتها“. وقد كتب إريك هوفر مرّة يقول: «يحسب الناس أنّ الثورة تأتي بالتغيير، لكنّ العكس هو الصحيح». ومن المؤكّد أنّ التغيير يبدأ في المجتمع ويتراكم ثقافيّاً وإنسانيّاً وأخلاقيّاً، ويؤدّي في النهاية إلى الإحساس بضرورة الثورة وحتميّتها، وأنّ الثورة الّتي تنطلق لن تتوقّف حتّى تصل مداها وتؤتي أكلها وتحقّق أهدافها وتنجز غاياتها.
وقد حاول روجر بيترسن، مؤلّف كتاب المقاومة والتمرّد، عند دراسته لسلوك ثورات في أوروبا الشرقيّة، الإجابة عليّ سؤال: كيف يستطيع الناس العاديّون التمرّد على أنظمة قويّة ووحشيّة عنيفة؟ يقول الكاتب في تفسيره النظريّ لذلك: “إنّ الثورة تبدأ عليّ شكل احتجاجات، وهذه الاحتجاجات تأخذ بعداً شعبيّاً، فتكسر حاجز الخوف، أو ينسى الناس الخوف، ومن ثمّ تتحوّل إلى غضب شعبيّ عارم يطلق عليه “ثورة” (صديقي،2012).
ويحدّد جول مونيرو Jules Monnerot “ثلاثة مراحل للثورة: في المرحلة الأولى يتداعى النظام القائم وينهار، وقد يكون نظاماً سياسيّاً أو اجتماعيّاً أو اقتصاديّاً أو نظاماً قيّميّاً أو نظاماً معرفيّاً. ويطلق مونيرو على المرحلة الثانية الغليان الثوريّ أو إرادة التغيير، ولهذه المرحلة خصائص وسمات، ومن سمات الغليان أن تكون الثورة عنيفة وفوضويّة أحياناً، ومن سمات الفعل الثوريّ أن يكون نوعاً من التغيير الجذريّ الراديكاليّ يقوّض ما هو قائم، ويقلّب معطياته ويهدمه هدماً تامّاً” (القيّ،2011). ويقول جون منرو في هذا السياق: “إنّ الثورة هي الّتي تضفي الطابع الثوريّ على الحراك الاجتماعيّ الحاصل، ومن غير لا تكون الثورة ثورة حقيقيّة “. وتوصف المرحلة الثالثة بأنّها مرحلة التأسيس وإعادة البناء حيث تقوم الثورة ببناء نظام جديد مختلف كلّيّاً عن القديم، وقد يناقضه على نحو شامل”(القيّ،2011).
8- عنّف الثورة وسلّمها:
عرفت الثورات تاريخيّاً بعنفها ودمويّتها، ويلاحظ المؤرّخون أنّ أغلب الثورات الّتي حدثت في التاريخ كانت ثورات مسلّحة ودمويّة. وانطلاقاً من هذه التجربة التاريخيّة لا يستطيع الناس تصوّر الثورة من غير عنف ودم وصراع مسلّح حتّى أصبح العنف المسلّح سمة من سمات الثورة. ولكنّ بعض التاريخ الحدّيّ يعلّمنا اليوم أنّ الثورة يمكن أن تأخذ طابعاً سلميّاً.
ويعدّ المهاتما غاندي رائد النزعة السلميّة في النضال من أجل الحرّيّة والكرامة، وقد رسّخ منهجاً فكريّاً فلسفيّاً أصيلاً للثورة السلميّة في العالم واستطاع أن يبني فلسفة إنسانيّة للسلام قادرة على أن تنير دروب الشعوب المظلومة والمغلوبة على أمرها في نضالها من أجل الحقّ والحرّيّة والسلام. واستطاع غاندي أن يجترح أساليب نضاليّة رائعة في النضال السلميّ مثل: العصيان المدنيّ، الصيام حتّى الموت، مسيرة الملح، واشترط في مختلف وسائل النضال ألّا تسيل قطرة دم واحدة في نضاله ضدّ الاستعمار الإنكليزيّ للهند. واستطاع عبر هذه الوسائل أن يحرّر الهند بثورة سلميّة عظيمة لم يسبقها مثيل في تاريخ النضال السياسيّ.
يقول غاندي في تعريفه للثورة السلميّة «يمكن لمجموعة صغيرة من الشجعان بعزيمتها وإيمانها أن تغيّر مجرى التاريخ» وكان يؤكّد دائماً “بأنّ أعتى نظام سياسيّ يمكن إسقاطه من دون سفك قطرة دم واحدة”. ويتّضح هذا الأمر في قول الفيلسوف البريطانيّ برتراند راسل الّذي رفض الاشتراك في الحرب العالميّة الأولى: “إذا استعمل شعب بأسره المقاومة السلبيّة بإصرار وإرادة عازمة وبالقدر نفسه من الشجاعة والانضباط اللّذين يظهرهما الآن في الحرب، فبإمكانها أن تحقّق حماية أكبر وأتمّ لكلّ ما هو جيّد في الحياة العامّة ممّا تستطيع أن تحقّقه القوّات البرّيّة والبحريّة وبدون أيّ من تلك المجازر والخسائر ومشاهد القسوة الّتي ترتبط بالحرب الحديثة”(وطفة، 2013، 9).
لقد أوضح غاندي، في كثير من المواقف والرؤى والاتّجاهات، أنّ اللاعنف ليس عجزاً أو ضعفاً أو استسلاماً أو هزيمة بل هو كما يقول: “أعظم قوّة متوفّرة للبشريّة، إنّه أقوى من أقوى سلاح دمار صمّم ببراعة الإنسان”. وهو بذلك يوضّح بأنّ اللجوء إلى العنف قد يكون مبرّراً ومشروعاً في حالات معيّنة حيث يقول:”إنّني قد ألجأ إلى العنف ألف مرّة إذا كان البديل القضاء على عرق بشريّ بأكمله”. فالهدف من سياسة اللاعنف في رأي غاندي هي إبراز ظلم المحتلّ من جهة وتأليب الرأي العامّ على هذا الظلم من جهة ثانية تمهيداً للقضاء عليه كلّيّة أو على الأقلّ حصره والحيلولة دون تفشّيه(وطفة،2013، 10).
وفيما يتعلّق بطبيعة الثورة يمكن التمييز اليوم بين اتّجاهين أساسيّين: يرى أصحاب الاتّجاه الأوّل أنّ الثورة يجب أن تكون ثورة مسلّحة، وأنّ الثورة لا يمكن أن تتمّ إلّا من خلال القوّة واستخدام العنف. أمّا أصحاب الاتّجاه الثاني فيرون أنّ الثورة يمكن أن تحدث على نحو سلميّ لا عنف فيه ويمكن للنضال السياسيّ الخالص أن يؤدّي إلى نتائج فعّالة في التغيير السياسيّ، وهم بذلك يعتقدون ألّا حاجة إلى ممارسة العنف والقوّة في عمليّة التغيير لأنّ العنف يؤدّي إلى نتائج وخيمة في غالب الأحيان.
ويمثّل فرانتز فانون الاتّجاه الأوّل: إذ يؤمن بدور العنف في الثورة، فيقول: “العنف وحده، العنف الّذي يمارسه الشعب، العنف المنظّم الواعي الّذي ينير قادة الثورة، هو الّذي يتيح للجماهير أن تحلّل الواقع الاجتماعيّ، وأن تملك مفتاحه. ودون هذا النضال القائم على العنف، ودون هذه المعرفة النابعة من النضال، لا تكون الثورة إلّا ثمّة تهريج” (فانون 2010، 139). فالثورة كما يرى فانون يجب أن تكون عنيفة، وأن تقترن بالعنف تقترن بالعنف، ومن غير العنف لا يمكن للثورة أن تكون ثورة، وهذا هو أغلب حالات الثورات في التاريخ الإنسانيّ.
ويمثّل الاتّجاه الثاني إيفرز تيلمانة عندما يقول: “إنّ العنف ليس آلة تتّصف بالكمال. إنّه يعجز، أوّلاً، عن حلّ التناقضات الاجتماعيّة فيكبتها، فتميل إلى التفاقم. وهو يبقى، ثانياً محدوداً، بما هو سلطة مكثّفة للطبقة السائدة، بالسلطة المضادّة للطبقات الخاضعة”( تيلمان،1986، 23). وهذا ما يذهب إليه جاك ووديز إذ يؤكّد أن تبني العنف بالمطلّق وجهة نظر ضيّقة وبالغة الخطر سياسيّاً( تيلمان،1986، 23).
ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى رأي المفكّر الماركسيّ غرامشي الّذي يؤكّد أهمّيّة العمل السياسيّ وحيويّته في تغيير الأوضاع القائمة، وهو يعطي العامل السياسيّ والثقافيّ أولويّة وأهمّيّة على العامل الاقتصاديّ في حدّ ذاته، وقد عبّر عن هذه الرؤية بقوله:” يمكن استبعاد أن تكون الأزمات الاقتصاديّة بحدّ ذاتها سبباً في أحداث أساسيّة، فهذه الأزمات يمكنها فقط أن تخلق التربة الأكثر صلاحيّة لنشر طرق معيّنة للتفكيـر، ولطرح وحلّ المسائل الّتي تتداخل في كلّ التطوّر الجاري في حياة الدولة” (غرامشي، 1972، 152).
وباختصار يمكن القول: إنّ منهج غاندي للنضال السلميّ قد تحوّل إلى أداة نضاليّة في متناول الشعوب المظلومة والمغلوبة على أمرها من أجل العدالة والحقّ والمساواة. وهكذا فإنّ مفهوم اللاعنف قد سجّل حضوره في التاريخ الإنسانيّ قوّة هائلة تستلهمها الشعوب المظلومة كطاقة ثوريّة من أجل العدالة والحرّيّة. لقد أطلق غاندي قوّة فكريّة إنسانيّة هائلة لتحرير الشعوب، وهذا ما حدّا بـ رومان رولاند بأن يشبه فكر غاندي بتسونامي هائلة انطلقت من أعماق الشرق، ولكنّها لن تسقط إلّا عندما تغمر العالم برمّته(Gandhi,1924). لقد نجحت الثورة السلميّة في السنوات الأخيرة في شيلي وجنوب أفريقيا وبولونيا والمجر وبورما وأوكرانيا وجورجيا. وكذلك استعمل اللاعنف لإسقاط نظام الطاغية سلوبودان ميلوسوفيتش في صربيا. وقد مارست فلسفة اللاعنف تاريخيّاً دوراً هائلاً في نضال الشعوب ولاسيّما عندما طبّقت ببراعة وذكاء ولم يكن أدلّ على قوّتها إلّا القمع الّذي استخدمه الخصوم في مجابهتها ومواجهتها (درويش 2011).
9- المفهوم الشامل للثورة:
خرج مفهوم الثورة من عقاله السياسيّ، وحطّم زنزانات الاشتقاق اللغويّ ليأخذ طابعاً اجتماعيّاً شاملاً يغطّي مختلف جوانب التغيير في الحياة الإنسانيّة والمجتمعيّة. ومن هنا يجري تعريف الثورة الاجتماعيّة الشاملة بأنّها حالة من التغيير الشامل السريع المفاجئ الّذي يشمل مختلف جوانب الحياة الاجتماعيّة سياسيّاً واقتصاديّاً وثقافيّاً من أجل إعادة بناء الحياة على نحو آخر يتّصف بالعمق والشمول والجذريّة.
وضمن هذا المجال عرفت موسوعة علم الاجتماع “الثورة” بأنّها:” التغييرات الجذريّة في بنية المؤسّسات السياسيّة والاجتماعيّة، وهي تلك التغيّرات الّتي تؤدّي إلى تحوّلات جوهريّة في المجتمع بحيث يتمّ تبديل الأنماط القديمة للحياة والوجود بأنماط جديدة تتوافق مع مبادئ وقيم الثورة وأهدافها. وقد تكون الثورة عنيفة دمويّة، ويمكن أن تأخذ طابعاً سلميّاً، ومن سماتها أنّها فجائيّة سريعة وخاطفة” (الأسود، 2003، 47).
وفي هذا السياق يعرف كرين برنتون الثورة في كتابه(تشريح الثورة): بأنّها عمليّة ديناميّة تؤدّي إلى الانتقال من بنيان اجتماعيّ إلى آخر “(كرايزن،1975، 3). وجاء في المعجم الفرنسيّ للعلوم الاجتماعيّة أنّ الثورة تعني ” تغييراً جوهريّاً يتميّز بعنصر العنف والمفاجأة يؤدّي إلى تحوّل في بنية السلطة وتغييرها ببنية جديدة من العلاقات السياسيّة والاجتماعيّة المختلفة نوعيّاً عمّا كانت عليه في النظام السابق” (Grawitiz, 1983, 319).
وقد تكون الثورة شعبيّة مثل الثورة الفرنسيّة عام 1789، أو مثل ثورات أوروبا الشرقيّة عام 1989، أو كثورة أوكرانيا الّتي عرفت بالثورة البرتقاليّة في نوفمبر 2004. وقد تكون الثورة عسكريّة تتمثّل في الانقلابات الّتي شهدتها أمريكا اللاتينيّة في حقبتي الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين: وقد تأخذ حركة مقاومة شعبيّة ضدّ المستعمر مثل الثورة الجزائريّة ضدّ الفرنسيّين والثورة الفلسطينيّة ضدّ العدوّ الصهيونيّ(لطفي، 2012).
في الأصل نشأ مفهوم الثورة في حاضنه السياسيّ، وقد لاحظنا ذلك في آراء كلّ من ماركس وهوبز وأنجلز وهيغل وروسو وجون لوك. فالثورة تغيير سياسيّ بامتياز يتضمّن إحداث تحوّل جوهريّ وعميق في المؤسّسات الدستوريّة، وفي الممارسة السياسيّة الاجتماعيّة. وقد عرفت الثورة بصورة عامّة بأنّها فعل سياسيّ يؤدّي إلى التغيير في الواقع الاجتماعيّ تغييراً جذريّاً، وهذه الثورة تحدثها قوى اجتماعيّة غاضبة وناقمة على الأوضاع الراهنة من أجل تحقيق نسق من الطموحات والتطلّعات الّتي تتعلّق بالحرّيّات العامّة والحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة. ونجد هذا الفهم السياسيّ للثورة كامناً في نظريّة الفيلسوف اليونانيّ العريق أرسطو طالي الّذي ميّز في كتابه (السياسة) بين شكلين من أشكال التغيير السياسيّ يتجلّى أحدهما في التغيير الكامل للدستور وصياغة دستور جديد، ويتمثّل الآخر في التعديل على دستور قائم وموجود. وهذا يعني أنّ الانتقال من دستور إلى آخر يشكّل صورة للثورة السياسيّة بكامل أبعادها.
وعلى هذا الأساس يمكن القول بأنّ “لكلّ شعب ثورتان: ثورة سياسيّة يستردّ بها حقّه في حكم نفسه بنفسه من يد طاغية فرض عليه، أو من جيش قد أقام في أرضه دون رضاه. وثورة اجتماعيّة تتصارع فيها طبقاته، ثمّ يستقرّ الأمر فيها على ما يحقّق العدالة لأبناء الوطن الواحد” (السكران،2011) .
ومن الواضح أنّ العلاقة بين الثورة السياسيّة والثورة الاجتماعيّة يجب أن تكون عميقة وجوهريّة، إذ لا بدّ للشعب عندما يريد إحداث صيرورة اجتماعيّة بمعنى التغيير الجذريّ في المجتمع أن يمتلك زمام السلطة السياسيّة، وهذا يعني أنّ الثورة السياسيّة تتقدّم على الثورة الاجتماعيّة، وتنطوي عليها في آن واحد، فالنظام السياسيّ هو وحده الّذي يستطيع أن يوجّه حركة المجتمع وفعاليّاته. وعلى هذا الأساس يمكن القول: إنّ الثورة السياسيّة تشكّل منطلق الثورة الاجتماعيّة، وفي هذا السياق فإنّ الثورة السياسيّة تفقد معناها ودلالتها إذا لم ترافقها ثورة اجتماعيّة ثقافيّة أخلاقيّة شاملة في المجتمع والدولة، وهذا يعني أنّ التغيير السياسيّ الّذي لا يكتمل اجتماعيّاً لا يعدو أن يكون انقلاباً سلطويّاً مفرغاً من دلالته الثوريّة. فالثورة تعني مرحلة مغايرة لما كان قائماً، وانقطاعاً تامّاً عمّا كان موجوداً، وهذا الانقطاع لا يعني تغيير النظام الحاكم فقط، بل تغيير القيم والمفاهيم والأفكار السائدة الّتي ثار الناس في وجودها.
10 – بين الثورة والانقلاب:
يروي مؤرّخو الثورة الفرنسيّة، أنّه عندما سقط سجن الباستيل في باريس في 14 يوليو 1789، جاء حاجب الملك ليانكورت ليخبر جلالة الملك لويس السادس عشر بأنّ الباستيل قد سقط، وعندها قال له الملك “إنّه تمرّد”! فصحّح ليانكورت قائلاً: “كلّا يا صاحب الجلالة، إنّها ثورة!”، وفي التعقيب على هذه الحادثة يرى المؤرّخون أنّ لويس السادس عشر عندما قال إنّ اقتحام الباستيل هو تمرّد كان يؤكّد سلطته، وعلى مشروعيّته في السلطة ومشروعيّة الوسائل المختلفة الّتي يمتلكها يديه لمواجهة المؤامرة والتحدّي الواقع على سلطانه، وعلى خلاف ذلك عندما قال ليانكورت بأنّها ثورة فكان يعني أنّ شرعيّة الملك قد سقطت حينها، فالثورة تعني إرادة جماهيريّة كبيرة وشرعيّتها تفوق شرعيّة الملك وكلّ الأنظمة القائمة.
تتشاكل مفاهيم الثورة والانقلاب والتمرّد تشاكلا فريداً في مدى تعقيده وتداخله. ومع ذلك استطاع الباحثون التمييز بين هذه المفاهيم بوضوح وجلاء، فالانقلاب يهدف إلى الاستئثار بالسلطة دون إحداث تغيّرات سياسيّة اجتماعيّة أو اقتصاديّة أو قانونيّة شاملة وعميقة، وبعبارة أخرى، الانقلاب هو قيام السلطة الحاكمة أو جزء منها بتغيير نظام الحكم القائم بطرق غير شرعيّة، مثل قيام أحد الضبّاط الكبار بالإطاحة برئيس الجمهوريّة وتنصيب نفسه رئيساً أو حاكماً للبلاد أو عندما يقوم بتعطيل البرلمان أو الانفراد بالسلطة حيث يقوم الجيش أو بعض وحداته بالإطاحة بالحكومة القائمة والاستئثار بالسلطة (السكران 2011). وبعبارة أخرى، الانقلاب هو انتقال السلطة بين أطراف النظام الواحد، ويكون هذا الانتقال “باستخدام وسائل العنف الرسميّة دون إحداث تغيير في وضع القوّة السياسيّة في المجتمع، أو في توزيع عوائد النظام السياسيّ أي أنّه تغيير في أوجه حال الحكّام دون تغيير في أحوال المحكومين والانقلاب نوع من أنواع التمرّد” (الأسود، 2003، 47)، أمّا الثورة، على خلاف الانقلاب، هدفها إحداث تغيير جذريّ في النظم والأوضاع القائمة على نحو شامل جذريّ شامل عميق ومتكامل في جوهره. ويفرّق الباحثون بين الثورة، وبين الانقلاب على أساس أنّ الثورة تهدف إلى إحداث تغييرات جوهريّة في النظام السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ. بينما يهدف الانقلاب إلى إعادة توزيع السلطة السياسيّة بين هيئات الحكم المختلفة أو الأشخاص القائمين به.
إنّ التمايز الجوهريّ بين مصطلحات الانتفاضة والتمرّد والانقلاب من جهة ومصطلح الثورة من جهة أخرى يكمن في الآنية وردّ الفعل المباشر الّذي تتميّز به مفاهيم الانتفاضة والانقلاب، وهذا لا يفضي إلى تغيير فعليّ وحقيقيّ في بنية المجتمع والدولة، فيما تفضي الثورة إلى تغيير بنيويّ شامل جذريّ يضرب في البنية الأساسيّة للمجتمع، ويؤدّي إلى تغيير عميق وجوهريّ في القيم والأفكار والعادات والذهنيّات،ت ويؤدّي إلى بناء عالم جديد مختلف بكلّ مقوّمات وجوده وكينونته (الحلو، 2011). فالانقلاب العسكريّ فهو قيام أحد العسكريّين بالوثوب للسلطة من خلال قلب نظام الحكم، بغية الاستئثار بالسلطة والحصول على مكاسب شخصيّة من كرسيّ الحكم (الموسوعة العربيّة الحرّة، 2011).
الثورة نتاج أوضاع اجتماعيّة مركّبة تراكميّة يتداخل فيها السياسيّ بالاجتماعيّ، ويتراكب في ديناميّاتها الثقافيّ بالاقتصاديّ، ويتشاكل في أعماقها الأخلاقيّ بالوجدانيّ. ومن الطبيعيّ أن تلعب هذه العوامل مجتمعة ومتفرّقة الذاتيّة منها والموضوعيّة دورها في اندلاع الثورة وانطلاق شرارتها. وفي كلّ الأحوال تنضج لحظة الثورة مع نضج عواملها ومتغيّراتها الجوهريّة المتداخلة اقتصاديّاً وسياسيّاً وثقافيّاً واجتماعيّاً. ومن ينظر في طبيعة هذه العوامل سيجد أنّ كلّ متغيّر يلعب دوره في تنمية الآخر وتشكيله ـ فغياب العدالة الاقتصاديّة يؤدّي إلى الإحساس بالظلم، والشعور بالظلم يغذّي ثقافة الثورة، وثقافة الثورة تؤجّج الإحساس بوجدانيّاتها ثمّ تأتي اللحظة المناسبة، وتنضج هذه العوامل لتنطلق الثورة، وعندها لا يمكن لأحد إيقافها.
لقد شكّل الهاجس المعرفيّ للثورة موضوعاً فكريّاً فلسفيّاً للتفكير في أسباب الثورة ومتغيّراتها، وفي هذا المسار نجد أنّ الفيلسوف الإغريقيّ أرسطوطاليس كان من أوائل المفكّرين الّذين اهتمّوا بقضيّة الثورة، وبحثوا عن أسبابها، وقد أفرد الفصل السابع من كتابه (السياسيّة) للبحث في عوامل الثورة وأسبابها، وهو في هذا الكتاب يؤكّد جوهريّة العامل اللامساواة في عمليّة انفجار الثورة، ومن الطبيعيّ أن تؤدّي اللامساواة إلى الظلم الّذي يؤدّي شعوره المرّ إلى الثورة، وهكذا فإنّ أرسطو يبحث في متوالية الثورة الّتي تبدأ بغياب العدالة ثمّ الشعور بالظلم الّذي يشعل فتيل الثورة الاجتماعيّة الجامحة. ولو أخذنا برأي أرسطو لقلنا أنّ الظلم أيّاً كان نوعه يشكّل الرافعة الحقيقيّة لكلّ أشكال الثورات في التاريخ (الطاهر، 2003).
وإذا كان أرسطو يؤكّد البعد السيكولوجيّ الناجم عن الشعور بالظلم وغياب العدالة، فإنّ المفكّر الاشتراكيّ الطوباويّ سان سيمون يركّز على أهمّيّة العوامل الاقتصاديّة الخالصة، وينطلق من مقولة الصراع بين الطبقات الاجتماعيّة بين من يملك وبين لا يملك بين العامل وأرباب العمل، وهذا هو لبّ النظريّات الماركسيّة واليساريّة الّتي ترى في الصراع الطبقيّ، وهو بالتأكيد صراع اقتصاديّ جوهر الثورة ومنطلقها الأساسيّ(الكياليّ، 1979، 871). ويمكن القول في هذا السياق أنّ عوامل الثورة متكاملة متشكّلة تلعب فيها العوامل النفسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة دوراً متكاملاً في إنتاج الفعل الثوريّ، وتحدّد اللحظة التاريخيّة لانطلاقة الثورة.
11- نجاح الثورة أو إخفاقها:
قد لا تحقّق الثورة غايتها تحت تأثير مجموعة من الظروف الخارجيّة والداخليّة، ويعلّمنا التاريخ أنّ بعض الثورات قد أجهضت وبعضها خطف، وبعضها قد انحرف عن مساره، وبعضها سقط تحت تأثير ما يسمّى بالثورات المضادّة. وعوامل سقوط الثورة وإخفاقها متعدّدة تعود إلى ظروف تاريخيّة ومجتمعيّة متعدّدة ومتنوّعة، ومن أهمّها: عدم نُضْج الثورة، أن تتعرّض الثورة لمؤامرات تفرضها قوى كبيرة في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة. ومهما يكن فالمراحل الأولى من الثورة خطرة جدّاً، وهي تشبه إلى حدّ كبير عمليّة الوقوف على الرأس، وتحتاج أن تحقّق التوازن من أجل الوقوف على القدمين مجدّداً. فالثورات موجات متدافعة ” ولا يحكم على الثورة، نجاحاً أو فشلاً، بمجرّد تقييم موجة واحدة لها. وفي الغالب الأعمّ تكون الموجة الأولى للثورة هي الأسهل، ولاسيّما في الثورات الشعبيّة، الّتي تشهد حضوراً جماهيريّاً طاغياً، وزخماً ظاهراً، بما يجعلها تمتلك قوّة دفع هائلة، تجرف أمامها أيّ عقبات أو عثرات ترمي إلى إعاقة التقدّم الثوريّ، وتعطيل الثوّار عن بلوغ هدفهم الأساسيّ الأوّليّ، وهو إسقاط النظام الحاكم”(حسن، 2012).
وقد “تخفّق الثورات لأسباب متعدّدة، أوّلها أن يتمّ إجهاضها من البداية، سواء عن طريق تدخّل مباشر وشامل من السلطة الحاكمة، أو بتراجع القائمين عليها مبكّراً لعدم وجود احتضان شعبيّ لها، وغالباً ما يصعب في هذه الحالة الفصل بين الثورة والانتفاضة المؤقّتة أو الجزئيّة. هناك أيضاً أسباب ذاتيّة أخرى قد تسمح باندلاع الثورة لكن تحول دون اكتمالها أو على الأقلّ تعطّلها. من أهمّها: افتقاد القيادة أو الأهداف الواضحة أو مقوّمات الاستمراريّة. وأخيراً هناك سبب جوهريّ ومباشر هو التضييق على الثورة وخنقها سواء من جانب قوّة داخليّة أو خارجيّة، ما يحول دون نضج الثورة واكتمال مسيرتها، بل ربّما يؤدّي إلى الانقلاب عليها لاحقاً استغلالاً لفقدانها التأييد الشعبيّ؛ ومن ثمّ الحماية والشرعيّة” (راشد، 2010).
12- خصائص الثورة:
تتمحور النقطة الّتي تتقاطع فيها مختلف النظريّات والاتّجاهات الفكريّة للثورة بأنّها تغيير جوهريّ انقلابيّ شامل سريع وخاطف في مختلف الأوضاع الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة للمجتمع. ويمكن انطلاقاً من مختلف التوجّهات والنظريّات الّتي تناولت مفهوم الثورة أن نميّز عدّة خصائص في العمليّة الثوريّة:
الخصوصيّة: فلكلّ ثورة خصوصيّتها وتفرّدها، ولا يمكن لثورة أن تتطابق مع ثورة أخرى فلكلّ ثورة بصمتها الخاصّة فيما يتعلّق بزمانها ومكانها وظروف انطلاقها.
الانتشار: فالثورة سرعان ما تنتشر جغرافيّاً، فتنطلق في الجوار، وبمعنى آخر تصدر الثورة نفسها، فسرعان ما تنتشر في الحيّز الجغرافيّ، وهذا هو حال الثورة الفرنسيّة 1789 وثورة الطلّاب في مايو 1968 الّتي انتشرت في كلّ أنحاء أوروبا، وهو حال الثورة البلشفيّة الّتي انتشرت في بلدان الاتّحاد السوفييتيّ سابقاً، وفي دول أوروبا الشرقيّة. وهذا هو حال ثورة الشباب العربيّ الّتي انتشرت من ربوع تونس إلى مختلف أقطار العالم العربيّ فيما سمّي بالربيع العربيّ.
التراكم: وتتميّز الثورة بمبدأ التراكميّة حيث تتراكم عواملها عبر الزمن ولفترات طويلة،ة فتتحوّل التغيّرات الكمّيّة إلى كيفيّة، وتنفجر الثورة بعد نضج الظروف المواتية لها(صديقي،2012).
الجماهيريّة: تعبر الثورة عن تطلّعات الشرائح الأوسع من المجتمع، ولذا فإنّ الثورة يجب أن تكون جماهيريّة، لأنها تقوم ضدّ فئة قليلة استحوذت على السلطة والقوّة والثروة في البلاد.
الراديكاليّة: غالباً ما تأخذ الثورة طابع التغيير الجذريّ العميق في مختلف مكوّنات المجتمع، وهي تتجاوز حدد الإصلاح لتحدث تغييراً جوهريّاً جذريّاً انقلابيّاً في بنية المجتمع سياسيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً.
الفجائيّة: الثورة غالباً ما تكون سريعة خاطفة ومفاجئة غير متوقّعة كما حدث في تونس، وفي مختلف الأقطار العربيّة في الآونة الأخيرة وقد فاقت الثورات العربيّة حدود التوقّع، وكانت سريعة خاطفة ومفاجئة وسريعة الانتشار بين الجماهير.
الشموليّة: الثورة غالباً ما تكون شاملة لمختلف جوانب الحياة والوجود سياسيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً، فالتغيير يكون شاملاً حاسماً لمختلف مكوّنات الحياة الثقافيّة والاجتماعيّة حيث تؤدّي إلى تغيير المنظومات الأخلاقيّة والثقافيّة، وتؤدّي إلى تغيير الذهنيّات والعقليّات والدساتير والبرامج والقوى السياسيّة (الطيّب، 2007، 100). الشموليّة: فالثورة تأتي في النهاية بأنظمة اجتماعيّة وسياسيّة جديدة تقوم على أنقاض الأنظمة الاجتماعيّة والسياسيّة القديمة.
13- خاتمة – نماذج ثوريّة:
من بين الثورات العالميّة المذهلة، تعدّ الثورة الفرنسيّة 1789، الّتي أسقطت التيجان في أوربا وهزّت عروشها، من أكثر الثورات في التاريخ السياسيّ أهمّيّة وخطورة، وما تزال هذه الثورة توصف بأنّها أكثر أحداث القرن الثامن عشر إدهاشاً وذهولاً، وما زالت هذه الثورة تطرح على الباحثين والدارسين أسئلة كثيرة، وما تزال بعض قضاياها تشكّل موضوعاً للبحث والتحليل والدرس حيث بقيت بعض جوانب هذه الثورة التاريخيّة المذهلة عصيّة على الفهم والتحليل. ويذهب عدد كبير من المفكّرين إلى الاعتقاد بأنّ العالم بعد الثورة الفرنسيّة يختلف عما قبلها. وتعدّ هذه الثورة من أكثر الثورات في التاريخيّة دراميّة وأهمّيّة، وتشكّل نموذجاً حيّاً لفهم طبيعة الثورات السياسيّة وفهم قانونيّاتها.
ويسجّل التاريخ مرّة جديدة نموذجه الثوريّ في الثورة البلشفيّة الروسيّة عام 1917، الّتي شكّلت نموذجاً آخر مذهلاً لطبيعة الحراك الثوريّ الّذي شهدته روسيا ومن ثمّ الصين، وجمع دول الاتّحاد السوفييتيّ سابقاً، وكان لهذه الثورة تأثير في تغيير وجه العالم وظهور الدول الماركسيّة كقوّة كونيّة في مختلف مستويات الوجود الاقتصاديّ والسياسيّ والاجتماعيّ.
ومن أبرز الثورات الحديثة نسبيّاً ثورات الطلّاب في أوروبا عام 1968 الّتي بدأت بمسيرة الطلّاب الحاشدة في ميدان جروفنر بلندن في 17 مارس سنة 1968، وامتدّت إلى «ربيع براغ» في تشيكوسلوفاكيا، ثمّ اشتدّت أواصرها في انتفاضة مايو 1968 بباريس، وفي باريس هذه “كان الطلّاب هم النار والنور، التحموا بالشارع فانطلق صوت جيل جديد يعلن رفضه لكلّ شيء: الاستبداد، القهر، والاستبعاد، وتوحّش رأس المال، والنفاق الاجتماعيّ، والجمود العقائديّ. ومن ميكسيكو سيتي وبوينس آيرس إلى براغ، مروراً بباريس، دفعت فكرة البحث عن الغد الأفضل الأجيال للحلم” (محسن، 2011).
في فيلمه الشهير ” العصور الحديثة” Modern Times، الّذي عرض لأوّل مرّة في عام 1936، يصوّر لنا الممثّل الكوميديّ الأمريكيّ المشهور شارلي شابلن وضعيّة الاستغلال القهر والعذاب الّذي يعانيه الإنسان العامل في داخل المصنع ولاسيّما فيما يطلق عليه خطّ التجميع. وفي هذا الفيلم لا نجد أيّ إشارة إلى العبوديّة الاستهلاكيّة الّتي يعانيها الإنسان خارج المصنع.
وبعد ثلاثين عاماً اندلعت ثورة الشباب في أوروبا عام 1968، وكانت هذه الثورة تعبيراً عن حالة القهر وتعبيراً عن الثورة ضدّ ما تتعرّض له آدميّة الإنسان، وكانت هذه الثورة تعبيراً عمّا يجري للمستهلكين خارج المصنع من تنميط ينذر بتحوّل كلّ منهم إلى الإنسان ذي البعد الواحد (One dimensional Man) كما يسمّيه هيربيرت ماركوز (Herbert Marcuse وبعد مرور ثلاثين عاماً أخرى “شهدت الإنسانيّة أعنف مظاهر الخطر والقهر الإنسانيّ، وبدأ هذه المرّة الخطر التكنولوجيّ يتحرّك بعيداً ليتجاوز كلّ الحدود والخطوط والممنوعات،إنّه اليوم يتحرّك ليدمّر أعمق أعماق الإنسان، إنّه يهدّد شعوره وأعماقه الواعية واللاواعية الشعوريّة واللاشعوريّة إنّه يمارس قهراً على المخّ والتفكير عند الإنسان. وتتمثّل هذه الثورة التكنولوجيّة المدمّرة فيما يطلق عليه اليوم ” ثورة المعلومات ” والأنفوميديا. وهذا يعني في نهاية الأمر أنّ التهديد هذه المرّة ينال من الإنسان بوصفه كائناً عاقلاً يمارس ملكة التفكير وكائناً يمارس فعّاليّة المشاعر والأحاسيس الإنسانيّة” (أمين،1998). ويرى كثير من الباحثين بأنّ ثورة مايو 1968 كانت في جوهرها ثورة ضدّ الظلم وضدّ التقاليد البائدة العمياء الموروثة عن العصور الوسطى، وهناك من يرى بأنّها كانت ثورة حقيقيّة ضدّ الصورة الأبويّة المهيبة في داخل العائلة، وضدّ سلطة أرباب العمل الطاغية في المصانع والمعامل كما كانت ضدّ سلطة المعلّمين والمدرّسين العمياء في المدارس والمؤسّسات التربويّة.
وأخير نقول: إن الثورة التي لا تنمو وترعرع في بوتقة الحرية ولا تنطلق من منصة ثقافية تنويرية تضيء لها الطريق لن تكون إلا مجرد نزوة تمردية عابرة محكوم عليها بالفشل والإخفاق، وكل حركة تغيير ثوري لا تنطلق من البعد الفكري والثقافي لا يمكن أن تكون ثورة حقيقية، وذلك لأن الثورة الحقيقية لا بد لها أن تختمر في رحاب نظرية ثورية عميقة الأبعاد ضاربة الجذور في الوعي الثوري ومن غير ذلك لن تكون “الثورة المزعومة ” إلا فقاعة تمردية تسقط وتتلاشى في طيات الزمن مهاوي الفشل.
14- ملخص الدراسة
تتناول الدراسة مفهوم الثورة من منظور سوسيولوجي، وتضئ الجوانب المختلف لهذا المفهوم في تجلياته ضمن الثقافتين العربية والغربية. تنطلق الدراسة من إضاءة حول الدلالات اللغوية الاشتقاقية للمفهوم بين اللغتين العربية والإنكليزية وتوضح طبيعة التباين بين دلالات الثورة في كل من الثقافتين العربية والغربية. ومن ثم تقدم المقالة إطلالة للمفهوم وفقا لأهم النظريات السوسيولوجية الحديثة. كما تتناول قضايا التشاكل بين مفهوم الثورة والمفاهيم المتداخلة وتحاول الفصل بين هذه المفاهيم على نحو منهجي وتاريخي. ثم تتطرق المقالة لعدد كبير من الجوانب الأساسية في المفهوم مثل العلاقة بين سلمية الثورة وعنفها، وتحدد ملامح المفهوم الشامل للثورة، وتفصل بين مفهومي الانقلاب والثورة، وتبحث في وجوه نجاح الثورة وفشلها، وتبرز أهم الخصائص الأساسية في مفهوم الثورة، وتقدم صورة عن النماذج الثورية التي عرفتها الإنسانية في التاريخ الحديث كالثورة الفرنسية 1789 وثورة الطلاب في مايو 1968 وكومونة باريس 1848 والثورة البلشفية عام 1917.
الكلمات المفتاحية: ثورة، الربيع العربي، نظرية الثورة، الانقلاب، إخفاق الثورة، إجهاض الثورة.
_________
مراجع الدراسة وهوامشها:
– العربي صديقي، زلزال استراتيجي يضرب أركان العالم، الأوان، الأربعاء 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2012: http://www.alawan.org/
– الموسوعة العربية الحرة، (ثورة): https://bitly.ws/3fKc8
– إيفرز تيلمان، السلطة البرجوازية في العالم الثالث: نظرية الدولة في التشكيلات الاجتماعية المتأخرة اقتصاديا، ترجمة: ميشيل كيلو، الطبعة1، دمشق، سنة 1986، ص 23.
– جابر السكران، سياسية: الثورة.. تعريفها.. مفهومها.. نظرياتها، الجريدة، انظر Page Not Found (aljaredah.com)
– جاك ووديز، نظريات حديثة حول الثورة، ترجمة: محمد مستجير مصطفى، الطبعة2، دار الفارابي، بيروت، سنة 1986،ص23.
– حنة أرندت، في الثورة، ترجمة عطا الله عبد الله، مراجعة رامز بو رسلان، بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2008. ص 58.
– خير الدين حسيب، حول “الربيع” الديمقراطي العربي: الدروس المستفادة، ضمن مجموعة من الباحثين، الربيع العربي.. إلى أين؟ أفق جديد للتغيير الديمقراطي، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة كتب المستقبل العربي، العدد 63، أيلول سبتمبر 2011. صص 125- 144. ص 128.
– سامح راشد، رؤية لمسار الثـورات العربية، مجلة شؤون عربية، جامعة الدول العربية – الأمانة العامة، العدد 150، 2012، (صص 88-100).
– شعبان الطاهر الأسود، علم الاجتماع السياسي قضايا العنف السياسي والثورة. القاهرة: الدار المصرية اللبنانية .2003.
– صبحي درويش، هل نحن بحاجة إلى غاندي جديد. http://www.ashreah.net/vb/showthread.php?t=1156
– عبد الله النفيسي، ثورة الشباب في العالم العربي الثورة: موجة التغيير الشعبي في الوطن العربي المصدر: جريدة آفاق الجامعية الأحد – 3 إبريل نيسان، 2011.
– عبد الوهاب الكيالي، الموسوعة السياسية. بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الجزء الأول .1979،
– عزمي بشارة، في الثورة والقابلية للثورة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، آب /أغسطس 2011.
– علي اسعد وطفة، الثورة السلمية في منظور غاندي، اللاعنف ضد العنف منهجا ثوريا، مركز الرافدين للدراسات والبحوث، يناير كانون الثاني 2013.
– عمار علي حسـن، الثورات العربية مهمة صعبة ومصير غامض، شؤون عربية عدد 147، صيف 2011، صص. 32-40.
– غرامشي أنطونيو، فكر غرامشي: مختارات، تحسين الشيخ علي، الطبعة1، دار الفارابي، بيروت، سنة 1972، ص152.
– فرانتز فانون، معذبو الأرض، ترجمة: سامي الدروبي و جمال الأتاسي، الطبعة 2، دار الطليعة، بيروت، سنة 2010.
– كرم الحلو، في مفهوم الثورة في فكرنا العربي وتصوّرنا لها، عن ملحق تيارات – جريدة الحياة 25/9/2011 .
– محمد دده، الحراك الجماهيري العربي: ثورة أم صناعة لفرصة سياسية، ضمن مجموعة من الباحثين، الربيع العربي.. إلى أين؟ أفق جديد للتغيير الديمقراطي، مركز دراسات الوحدة العربية، سلسلة كتب المستقبل العربي، العدد 63، أيلول سبتمبر 2011. صص 39- 52.
– مرشد القي، قراءة في قراءات الثورة الفرنسية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة تشرين الأول / أوكتوبر 2011.
– مصطفى محسن، ثورات الربيع العربي وأسئلة الفكر السوسيولوجي، مغرس، 30/10/2011: http://www.maghress.com/zapress/10124
– مولود زايد الطيب، علم الاجتماع السياسي. ليبيا: دار الكتب الوطنية .2007.
– ناظم عودة، متى تعرّف الفكر العربي على مفهوم الثورة، الحرية. http://ha3imna.babyme.org/t357-topic
– وفاء لطفي، الثورة والربيع العربي: إطلالة نظرية. انظر الرابطة: مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية، 12/5/2012. انظر الرابطة. http://www.asharqalarabi.org.uk/markaz/d-21-05-2012.pdf
– يوري كرازين، علم الثورة في النظرية الماركسية، ترجمة سمير كرم، بيروت: دار الطليعة، 1975.
-جلال أمين، العولمة والهوية الثقافية والمجتمع التكنولوجي لحديث، ورقة مقدمة إلى مؤتمر ” العولمة وقضايا الهوية الثقافية ” الذي نظمه المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة في الفترة بين 12-16 نيسان /إبريل 1998.
– Chattlet Francois, Encyclopdia Universalis , revolution , ORPUS 19, France S.A. 1996 .
– H. Marcuse: Raison et Révolution (…), Ed. Minuit, Paris, 1968.
– Jean-Antoine-nicolas de Cariatat Condorcet , Oeuvres de Condorcet , 12 Tomes , Publie par A. Condorcet O. Conor , et M.F.Arago (F.Genin et Isambert , Paris: F. didot freres , 1947-1849) , Tom 12: Sur le sens du mot Revolutionnaire.
– Jean-Pierre Bardet, Autour du concept de Révolution: Jeux de mots et reflects culturels,In: Histoire, économie et société. 1991, 10e année, n°1. Le concept de révolution. pp. 7-16.
– M. K. Gandhi, La Jeune Inde (articles de Young India , 1919-1922), trad. H. Hart, Paris, 1924.
– Madeleine Grawitiz, Lexique des sciences socials. Dalloz. 1983.
_____________________
*د.عليّ أسعد وطفة/ جامعة الكويت كلية التربية.
*المصدر: التنويري.