المقالاتفكر وفلسفة

في معنى التجدُّد والفعل

دائما ينبري السؤال الجوهري: ما هو مفهوم الإسلام؟ وللإجابة على هذا السؤال يتوجّب أولا أن نتساءل: ما معنى الإسلام، أو بعبارة أدق: ما معنى الإسلام، أو بعبارة أدق: ما معنى الدين؟

وباعتقادنا لا يمكن التعامل مع تحديات معنى الإسلام ومفهومه من دون سبر معاني الحياة والإنسان المرتبطين معا. وقد يصح القول إن تعقيد الحياة وتطور الإنسان ومعارفه وعقله، يتطلب تجدد مفهوم الإسلام ليعالج التحديات، إذ لا يتحقَّق معنى التجدد إلا بالفعل، ليجدد الصراع مع المعنى وتجسيد تعدد طبقاته وتحديد مفاهيمه وتأطير أبعاده الضرورية المتعددة لقراءة الدين وحضوره في أبعاده الإنسانية والروحية والعقلية والمعنوية، وغالبا ما تكون متناغمة مع تعدد الخطاب القرآني كالنبوي والسرد القصصي والتسبيح والتهليل والتشريع وغيرها. ومتناسقا مع تعددية الأبعاد الكونية، كما تشير نظرية الأوتار إلى وجود 11 كوناً متوازيا. وهنا يطرح السؤال الأهم وهو: هل هناك ميتافيزقية واحدة، أم أبعاد ميتافيزقية متعددة تكون متداخلة ومتواصلة ومترابطة وقادرة على تنظيم النزعة الإنسانية للبشر وتعريف هوياتهم وزرع الثقة المطلوبة بينهم؟

يمكن تفسير تكامل الإسلام وشموليته وروحيته السامية عبر أبعاد وقراءات عدة، وليس من خلال قراءة واحدة تستعرض بعداً منفردا، كما ترى السلفية، ليس بشكلها الأيديولوجي السلطوي فحسب، بل المعرفي الذي يقيس الأمور عبر القراءة الحرفية، هذا في حال اقتناع السلفية بوجود ميتافيزقيا أصلا، فستقرأها بشكلٍ أحادي باعتبار ادعائها امتلاك كل الأجوبة لكل الأزمنة ولكل البشر، وذات وجهة حتمية واقعة المحال.

التراث السلفي والإسلامي التقليدي عبر التاريخ، كان بين المطرقة والسندان: مطرقة الدولة الإسلامية كالعباسية بشكلها التاريخي والمركبة لهيكلية سلطة يكون فيها الدين تابعاً للسياسة (عكس أوروبا حيث كان الملوك والأمراء والقياصرة في خدمة رجال الكنيسة) وسندان القراءة الحرفية للخوارج التي تبلورت مع الوثيقة القادرية لتمنح الإسلام صورة الاستبداد الثيولوجي السلطوي، والنتيجة الطبيعية لكل هذا، عدا بعض اللمحات القليلة الطيبة في تاريخ الأمة، عقل أسير للمفهوم، وليس مفهوماً أسير للعقل، الأمر الذي صاغ المعنى الواحد والأبدي للبعد الأحادي والدائم في قراءة الإسلام، وطريقة تفكير أحادية لإنتاج عقول أسيرة لقوالب الماضي الجامدة، مثل فيها الفهم المغلق للنصوص الدينية انساقا اجتماعية ظرفية تحولت لاحقا إلى قيود على النصوص، ولم يعد للآخرين تجاوز هذا الفهم، الذي تحول إلى قيد على حركة الواقع، ما قادر لاحقاً إلى جعل قراءة النص القرآني، حسب القراءة الخارجية أو القادرية، خاتمة لكل الكوامن.

وإذا كان فهمنا أحادياً فكيف نفسر نسبية الإنسان؟ كذلك إذا كانت القراءة مؤكدة وخالية من النسبية والعلمية، فما هو الفرق بيننا وبين كلمات الله المقدسة والمطلقة؟ وإذا كانت كل هذه الأمور معروفة سلفا والقضايا محلولة، فما سبب وجودنا على الأرض كخلفاء للخالق؟ كما أن السيادة المطلقة للحرف أو الكلمة، كما في النقل، على العقل القائم على حتمية الوقوع، فما معنى وجود الغيب وتجسيده للإدراك الرباني؟ وإذا كانت قراءتنا للنص منغلقة منذ قرون فكيف نحل معضلة النص القرآني المنفتح بطبيعته والمتعدد الأبعاد والطبقات ليجسد سرمديته وكماله.

المفهوم الأحادي يجعل الإسلام في عمقه فاقد الصلة مع الإنسان وسلوكه في روحانيته وأخلاقه الدينية بأشكاله المتنوعة وانعكاسات كل ذلك على ديناميكية الحياة، بينما نرى طبيعة الخطاب القرآني هي المناظرة وإثارة الأسئلة وغيرها ليشجع الإنسان على التساؤل والتعقل لمعالجة تحدياته وتلبية احتياجاته. والنص القرآني متحرر بذاته ليتسنى تحرير الإنسان، ليس في مادته فحسب، بل في عقله للوصول إلى تعددية المعنى أو مطلق المعنى المتعدد الطبقات، وليس المعنى المطلق، ما يجعل النص فاتحاً لكل الكوامن ومتناسقاً مع استمرار الزمان والمكان.

وتشكل تحولات الانتفاضات العربية طموحاً للتخلص من الاستبداد، لكن هذا التغيير لا يتحقق بتوفير الحرية للإنسان كما نادى بها القرآن، إذا لم يكن متلازماً مع معالجة حقيقية للفهم الواحد والمعنى الواحد الثابت والأزلي حتى لا يتم استبدال الاستبداد السياسي باستبداد اجتماعي وثقافي آخر، باسم الدين جزافا، مما تؤدي إلى إجهاض تلك الانتفاضات، حينها يكون قد تمّ إفراز مقاربة وسط حقيقية بين الخطين التاريخيين لتمثيل مفهوم الإسلام المتكامل وإطلاق طاقات وإبداعات الأمة.

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات