المقالاتفكر وفلسفة

فكر الحداثة بين عبد الله العروي وطه حسين

كيف نظر صاحب “الإيديولوجيا العربية..” إلى صاحب “الإيام”

استهلال:

“فليست حياة رجل من الناس آخر الأمر إلا سلسلة من المصادفات يتبع بعضها بعضا، وإلا أجوبة دقيقة أو غير دقيقة،  بهذه الأحداث أو تلك”./ (طه حسين مع أبي العلاء في سجنه).

قراءة في مسيرة صاحب “الأيام”.

من نافل القول إن الشخصيات النوابغ، تظهر في أوانها على مسرح التاريخ، لأن أسباب نجاحها تمهدت، فتم لها النجاح، وإما أن الحاجة إليها بلغت غايتها، وهي التي تظهر لتحقق تلك الحاجة، التي تبحث عن صاحبها.

والأثر الفني إنما هو نتيجة لما يكون من لقاء بين ذكاء بارع وموضوع من الموضوعات، والكاتب لا يخضع إلا للفكرة المطلقة، التي كونها لنفسه عن فنه..

أردت من هذه التوطئة أن تكون مدخلا وفاتحة لولوج عالم طه حسين (1889/1973) عميد الأدب العربي، وذلك للوقوف عند بعض محطات حياته الفكرية والأدبية الخصبة، ومساره الطويل، الذي تعرض فيه لصنوف شتى،  من العنت والقدح المبرح، وكان يواجه كل ذلك بإرادة قوية وشعور شديد المرارة، وعظيم الشرف (1).

يقول عن نفسه “أنا معلم يتكلف الأدب الخالص، حين يستريح من التعليم وحين يخلى بينه وبين الحياة، فلا يجد من العمل إلا أن يشعر ويتأثر، ويحاول أن يصور ما يجد من حسن أو شعور. فلا غرابة في أن تهبط بي صناعة التعليم إلى دقائق الحياة الإنسانية وتفصيلها، ولكني أعترف بأن التاريخ الأدبي كالتاريخ السياسي، يغلب فيه الظن ويكثر فيه الرجحان ويقل فيه اليقين، و ما أدرى أمن إنصاف الناس أن نقول فيهم بالظن، أو نأخذ في أمرهم بما نرجحه الآن وقد نشك فيه غدا، أو بما نرجحه نحن وقد يجحده غيرنا أشد الجحد وينكره أشد الإنكار؟

وأنا أعرف أن العلم يكلف أصحابه أهوالاً ثقالاً، ويحملهم من بعض الأمر على ما لا يحبون أن يحملوا عليه، فيضطروا أحياناً إلى هتك الأستار وفضح الأسرار، وإظهار الناس من أمر بعضهم على ما لا ينبغي أن يظهروا عليه، تلك تضحيات يتكلفها العلماء في سبيل الوصول إلى الحق..(2).

ويسترسل قائلا: الناس يصطنعون التحفّظ مع الأحياء، ولكنهم لا يصطنعونه مع الموتى، وإنما يهدرون من أمر الموتى في سبيل البحث ما لا يستطيعون أن يهدروه من أمر الأحياء، تبيح لهم القوانين ذلك وتدعوهم طبيعة العلم وحرية البحث إليه، وليس عليهم بأس أن يخطئوا فيضطرهم الخطأ إلى الظلم، لأن كل الناس يخطئ، ويصيب ولأن الوصول إلى الصواب قلما يتأتى إلا بعد التورط في الخطأ.. (3).

هكذا يعرّفنا الكاتب بأهم ملمح من شخصيته: الأديب الناقد في سفر متصل في طريق البحث العلمي والنقد الأدبي، لا يخاف من شيء ولا يصرفه عما أقبل عليه من البحث ابتغاء إظهار ما يعتقد – مصيبا أو مخطئا – أنه الحق.

المسار: من الأزهر إلى السربون.

التحقّق طه حسين بالجامع الأزهر سنة 1902. وتسجل بالجامعة المصرية الأهلية عند افتتاحها سنة 1908. تأثر بمناهج النقد التي درسها على المستشرقين في الجامعة:(نلينو 1882-1938) ولتمان (1875-1958) وإجنازيوجويدي (1844-1935) ودفيد سنتلانا (1855-1931).

وتأثير هؤلاء يتجلى بوضوح في رسالته حول (ذكرى أبي العلاء المعري) يقول بهذا الصدد “إن نالينو هو من علمنا كيف نشأ الأدب العربي، وكيف تطور، وما هي العلاقات التي قامت مند القرون الأولى بين الأدب والسياسة وبين الأدب والبيئة…، ومن دروسه تبدَّت للطلاب رؤية كاملة وجديدة للحضارة العربية..، ولأول مرة ألقي في روعنا الفرق بين الشعر التقليدي وبين الشعر الذي استحدثته السياسة الاسلامية في العراق، وبين النسب التقليدي القديم والغزل الذي استحدثه النظام الاجتماعي الاسلامي في الحجاز، وبين الغزل الذي  نشأ في حواضر الحجاز والغزل العذري الذي نشأ في البادية العربية، في الحجاز ونجد و العراق.

ولأول مرة عرفنا أن من الممكن أن ندرس الأدب العربي على أساس من الموازنة بينه وبين الآداب القديمة الكبرى، وأن الحياة الإنسانية تتشابه وتتقارب، مهما تختلف ظروفها ومهما يتنوع ما أختلف عليها من الخطوب..

ثم لأول مرة تعلمنا أن الأدب مرآة لحياة العصر الذي ينتج فيه، لأنه إما أن يكون صدى من أحداثها، وإما أن يكون دافعا من دوافعها فهو متصل بها، وهو مصور لها ولا سبيل إلى درسه وفقهه إلا إذا درست الحياة التي سبقته، فأثرت في إنشائه والتي عاصرته فتأثرت فيه، والتي جاءت في إثر عصره فتلقت نتائجه وتأثرت بها..، فللأدب مظهران: مظهر فردي له صلة بالأديب، ومظهر اجتماعي لأن الأديب نفسه ليس إلا فرداً من جماعة، متأثر بالجماعة التي يعيش فيها، وهو نفسه ظاهرة اجتماعية، فلا يمكن أن يكون أدبه إلا ظاهرة اجتماعية.

ويختم بقوله” كل هذا سمعناه وفهمناه في تلك الدروس التي كان الأستاذ (نالينو) يلقيها علينا حين كان هذا القرن في العاشرة من عمره..، فمن الطبيعي أن يحدث في نفوسنا أعمق الآثار وأبعدها مدى، وأن يطبع حياتنا العقلية بطابع النقد الحديث. وليس من شك في أن حقائق التاريخ الأدبي العربي، قد تغيرت منذ ذلك الوقت، في كثير من أنحائها وفي كثير من تفاصيلها..(4)

لقد تشكلت في سلك التعليم المدني بالجامعة شخصية طه حسين الثائرة على التقليد الأزهري..، ثورة جامحة لم يحسب لعواقبها حساب..

نال طه حسين شهادة الدكتوراه من الجامعة المدنية الأهلية المستقلة سنة 1914.. وكانت رسالته التي تقدم بها للجامعة تتمحور حول حياة وشعر وفلسفة وعصر الشاعر الفيلسوف “أبو العلاء المعري” (363ه/488ه) وتندرج دراسته ضمن منهجية إعادة  قراءة التراث وتفسيره طبقاً للنقد الحديث..، من منطلق أن كل بحث علمي يجدد أدواته المنهجية التي يعتمدها من أجل بناء نوع معين من المعرفة.

كان يرى أن أبا العلاء تأثر بالفلسفة “الإيبقورية”  فلاءم بينهما وبين البيئة الإسلامية، فكان شاعراً وفيلسوفاً ومعلماً وأديباً، يجمع هذه الخصال كلها على أحسن شكل وأجمل انسجام، فأخذ من الشعر خلاصته، ومن الفلسفة الإنسانية صفوتها، ومن علوم اللغة وأدبها ما لم يجتمع لأحد غيره من العلماء والأدباء، ابوالعلاء  كان نابغة الأدب العربي غير مدافع.

وقف عند أسلوبه ولفظه ومعناه، فأما معناه فقد رأى فيه إنتاج العقل الفلسفي وإنتاج الخيال الشعري وائتلاف بين هذين النوعين من الإنتاج.

كان أبو العلاء فيلسوفاً عميق الفلسفة ومفكراً دقيق التفكير مسرفاً في التواضع زاهداً في الدنيا بل معرضاً عنها..، إن الأصول الفلسفية والشعرية العلائية يوجد أكثرها في شعر أبي الطيب المتنبي حتى نستطيع أن نعده تلميذاً من تلامذته.

أتيح له أن يمتاز بشعره وعلمه وفنه وفلسفته، من جميع الذين سبقوه أو جاؤوا بعده من الأدباء..(5)

طه حسين وابن خلدون الرؤية والمنهج..

بعد نيله الدكتوراه من الجامعة أرسل في بعثه إلى فرنسا لدراسة التاريخ والفلسفة.. فالتحق بالسربون  سنة 1915  ومكث أربع سنوات في فرنسا نال خلالها إجازة في التاريخ وتقدم برسالة لنيل دكتوراه الجامعة حول فلسفة ابن خلدون الاجتماعية سنة 1917 وتزوج بالسيدة سوزان  برسو.

بخصوص الرسالة التي تقدم بها لجامعة السربون كان المشرف الفلسفي على الرسالة هو عالم الاجتماع الشهير(أميل دور كيم 1855/1917) صاحب كتاب “قواعد المنهج الاجتماعي” أما المشرف الثاني فكان كازانوفا أستاذ الأدب العربي بجامعة السربون وصاحب كتاب ” ابن خلدون عالم اجتماع عربي من القرن الرابع عشر”  الذي صدر سنة (1910) un sociologue arabe du XIV Siècle.

يذكر طه حسين في سيرته الجزء الثالث من الأيام أنه تطوع بهذه الرسالة لأنه سمع دروس الاجتماع التي كان يلقيها الأستاذ “دوركايم” فشغف بهذا العلم أي شغف وأراد أن تكون له مشاركة في هذا العلم بإشراف دوركايم و  بمشاركة مستشرق يحسن العلم بشؤون العربية والإسلامية.

إلا أنه لم يلبث أن روع بوفاة دوركايم، وكان محبا له وبه معجبا إعجاباً يوشك أن يبلغ الفتون.. (6).

أهم ما يستشف من تحليل طه حسين النقدي لفلسفة ابن خلدون الاجتماعية، أن المنهج الحديث يسمح لنا بتأريخ للظواهر الاجتماعية ويمكننا من فهمها فهماً صحيحاً، حظ الصواب فيه أكثر من حظ الخطأ..، ونصيب الوضوح فيه أوفر من نصيب الغموض، فهو يصقل الذوق ويقوم الميزان النقدي اللغوي، وفي التحليل يرد الآداب إلى مصادرها الأولى، ويرى أننا في حاجة إلى المنهجين القديم والحديث لتحسين استنباط التاريخ، بطريقة قادرة على بيان دقائق النصوص، وإظهار ما فيها من أسرار البلاغة.

فالباحث المجيد يخضع كل العناصر لقوانين البحث من أجل الوصول إلى روح الأمة وأطوارها المختلفة، فدراسة الشخصية التاريخية، الغرض منها أن نحيط إحاطة شاملة بجميع مكونات العصر روحه وفلسفته، لاستخراج العلل ومعرفة الأسباب التاريخية التي أثرت في تشكل الأحداث والأشخاص والمجتمعات.

إن أطروحة طه حسين عن فلسفة ابن خلدون تنتمي إلى تاريخ الفكر، والتاريخ الثقافي، سلط فيها الضوء على رؤية ابن خلدون إلى الدولة ووجوه الكسب والمعاش وأشكال الانتقال من البداوة   إلى التحضر، وذهب فيما يعتبره تشبعاً بروح البحث العلمي إلى التبخيس من دور ابن خلدون في الفكر الإنساني.

عاد طه حسين إلى مصر سنة 1919 متشبعاً بالمناهج الأدبية الحديثة والمنهج التاريخي الوضعي، وبروح العقلانية، الديكارتية التي تقدم الشك على اليقين، وحتى على الإيمان وبالنزعة التاريخية التي تقوم على إنكار صحة النصوص الدينية..

ويبدو أن تأثير دروس العلامة دوركايم، ونظريته الاجتماعية التي تعتبر التطور قائم على الوعي الجمعي، في المشاعر والمعتقدات والتضامن الاجتماعي الآلي، فأراد أن يطبق قواعد المنهج الاجتماعي على نظرية العمران البشري عند ابن خلدون، ما كان يرمى إليه دوركايم، هو فصل علم الاجتماع عن الفلسفة بهدف تحديد موضوعه ومنهجه، أما علم العمران الخلدوني فهو علم جامع يتناول كل ما له صلة بالاجتماع الإنساني والعمران البشري، ومن الخطأ في أصول البحث العلمي أن توزن بالموازين الفكرية العصرية..، بل يجب أن تقدر بموازينها الخاصة، لان الأوزان انما هي بمقاديرها في الميزان لا بمقاديرها  في انفسها زعما ودعوى، والحق أن لكل فن منهج ولكل علم طريقة.

ومنزلة الباحث إنما تقرر بملاحظة الآراء المبتكرة التي يسمو بها على معاصريه والحقائق الجديدة التي يضيفها في حركة الفكر الإنساني، ويرى علي عبد الواحد وافي (1901-1991) محقق مقدمة ابن خلدون في كتابه (عبد الرحمان ابن خلدون: حياته وآثاره ومظاهر عبقريته/ أعلام العرب) بأن أطروحة طه حسين تتميز أولا بانعدام العمق في درس المقدمة، درساً حيادياً وثانياً عدم ملاحظة تطور علم الاجتماع ملاحظة شاملة، ويظهر أنه كان منحازاً لرأي من الآراء المتضاربة في علم الاجتماع.

إن ريادة ابن خلدون لا يجوز إخضاعها لموافقته أو عدم موافقته لمذهب واحد من مذاهب علم الاجتماع، والملاحظ أن طه حسين لم يوفق في معظم النواحي التي عرض لها في رسالته إلى الوقوف عند جدة الفكر الخلدوني باعتباره راسماً لفلسفة التاريخ ومبتكراً لنظرية العمران البشري، فكان بحق عبقرياً خارقاً للعادة، تُلمس في آرائه في تطور الدول فلسفة منظمة في التاريخ والزمان، شأن كل فلسفة حقة في التاريخ، تدرس الظواهر الاجتماعية وتقدم شرحاً يمكن معه أن نفهم الحياة الاجتماعية، لأنه يبحث في أسباب الأحداث والقوانين التي تتحكم فيها.

كان العلامة ابن خلدون صاحب بديهة وبصيرة وصاحب منطق وحساب مع المجهول ومع الوقائع التي يحسها ويدركها.

الأستاذ الكاتب والأديب الباحث الناقد.

انخرط طه حسين بعد عودته في السلك الجامعي فشغل كرسي التاريخ القديم، ونشر سنة 1920 كتابه الشعر التمثيلي عند اليونان، وفي سنة 1921 نشر ترجمة لكتابة أرسطو نظام الأثينيين، وفي سنة 1925 أصبحت الجامعة حكومية فتولى فيها كرسي الأدب العربي ونشر في نفس السنة كتابه قادة الفكر (اليوناني) كما صدرت رسالته عن فلسفة ابن خلدون الاجتماعية تحليل ونقد (تعريب عبد الله عنان) سنة 1925.

العنوان الأصلي (Etude analytique et critique de la philosophie sociale d’Ibn khaldoun-1917)في العام التالي، نشر كتابه في الشعر الجاهلي الذي أثار ضجة كبيرة: وقد انتخب عميداً للآداب أواخر سنة 1936 حتى سنة 1939.

كان حريصاً طوال حياته الفكرية على أن تكون أفكاره لافتة للأنظار، بل ومثيرة للجدل، وقد خاض الكثير من المعارك والسجالات الفكرية والأدبية مع أعلام عصره.

كان يرى أن العلم يتجدد بالقراءة، وبالقراءة يتجدد الشعور بالقدرة على احتمال المشقة وريادة النفس على الاحتمال، ومن يريد أن ينتج أدباً يرقى أن يكون إنسانياً يجب أن يتقن العلم القديم والجديد معاً، ويقول بأن أشد شيئا  خطراً على الأديب أن يرضى عن إنتاجه ويظن أنه بلغ الغاية من المعرفة وبلغ الغاية من الأدب..(7).

وكان يرى أن الاختصام في الأدب شيء طبيعي، لا معنى للمناقشة فيه، فمذاهب الكتاب تختلف وقد اختصم الأدباء في الآداب على اختلافها، فالثقافة الجادة والأدب بمعناه الصحيح هي وسائل إلى التثقيف والتهذيب وإذكاء الطموح في النفوس إلى أعظم حظ ممكن من الرقي (8).

ومن رأيه بأن حقائق الديمقراطية، ليست مباشرة الحكم أو مباشرة المراقبة للحكام وإصدار القوانين التي تجري عليها أمور الحكم، وإنما حقيقة الديمقراطية وقوامها هو تحقيق العدل السياسي والعدل الاجتماعي، والمساواة في الحقوق والواجبات، والحرية الكاملة للفرد في حدود القوانين التي تكفل المصالح الحقيقية للمواطنين..(9).

لقد تبلور  لدى طه حسين خلال دراسته في فرنسا مشروع ثقافي يستهدف إخراج مصر من القرون الوسطى إلى العصر الحديث ..، و كان متأثراً  في ذلك بدرس لأميل دوركايم خصصه لفيلسوف المجتمع الصناعي “سان سيمون”..، يقوم على ان  الحكم الصالح المنتج هو الذي يحقق العدل، ويكفل رقي الشعب، ويتيح للإنسانية أن تتقدم إلى الأمام.

عاد طه حسين مؤمنا بالثورة، وبأن أعباء هذه الثورة تقع على المثقفين المستنيرين، فهم القادرون أن يقودوا الشعب..، إلا أنه وقع في سوء فهم للخلفية التاريخية لدعوة القيادة الفكرية هذه عند مؤسسي المدرسة الاجتماعية الفرنسية، ومحاولة نقلها لحل مشكلة مصرية، في حين أن مصر لم تشهد انقلاباً صناعياً ولم يقوض فيها المجتمع التقليدي ولم تنجز فيها طبقة وسطى قوية، تقوم بثورة شاملة على المجتمع القديم، بحيث لا يبقى لمثقفيها سوى أن يعكفوا على بناء الذهنية الحديثة وتخليصها نهائيا من رواسب الماضي..(10).

إن طه حسن استمد قناعته من إعجابه بفكر الأنوار الفرنسي واعتقاده الجازم بأن أصول الغرب الحديث تعود إلى “المعجزة اليونانية”، وأن اليونان هم الذين خلقوا الحضارة الحديثة، ولم يكونوا مدينين بشيء لأمم الشرق( لم يأخذوا عنهم  شيئا عقليا يذكر..)، فاليونان هم الذين ابتكروا الديمقراطية، وهي هذا الفكر السياسي الخصب الذي أحدث النظم السياسية المختلفة في المدن اليونانية، وهذا التطور هو الذي حقق حرية الأفراد والجماعات، ولم يعرف الشرق سوى نظام الحكم المطلق الاستبدادي.

ويرى الأستاذ “علي اومليل”  بأن رسالة طه حسين عن ابن خلدون لم تكن سوى مناسبة ليؤكد فيها اعتقاده بهذا السبق اليوناني الغربي في العلم والتنظيم السياسي، فمهما بلغ نبوغ ابن خلدون فلم يكن عنده أن يعرف سوى شكل واحد من نظم الحكم الاستبدادي..(11)، فعنده أن الذي أبدعه اليونان في العلم والسياسة والفن والأدب والديمقراطية هو أساس الحضارة الحديثة التي أصبحت عالمية وينبغي أن تحتذى.

نستنتج من كل ما سبق أن المسألة الثقافية هي الأساس في المشروع الثقافي لطه حسين انطلاقاً من إيمانه بعالمية الثقافة الغربية، وأن هذه الثقافة نسخت كل الثقافات والحضارات، وأصبحت هي  الحضارة  وعلى الجميع أن يتبناها..(12). من هنا جاء انخراطه بقوة في الدعوة إلى تغيير منهج البحث في الدرس وذلك بنقل المناهج الغربية الحديثة لفرضها على دراسة الأدب والتاريخ.

رغم انحياز المشروع الثقافي لطه حسين للنموذج الغربي خاصة الفرنسي، فإن مفهوم الثقافة عنده يجعلها شأن صفوة من المستنيرين الذين هم عدة المستقبل وقوام النهضة الحديثة وذخر الأدب الجديد.. (13). غايتها نشر الوعي وتثقيف العقول وترقية الذوق وتهذيب السلوك، والدعوة إلى الاندماج في الحضارة المعاصرة.

هذه خلاصة للتوجهات والخصال التي شكلت شخصية طه حسين وطبعت مذهبه في الحياة والتي تتلخص في الظمأ الشديد إلى طلب المعرفة ومغالبة الأحداث والطموح إلى اقتحام المصاعب في غير حساب للعواقب، والجهر بالرأي مهما عرّضه ذلك من خطوب، ثم الشعور بالتضامن الاجتماعي.. (14).

حاولنا أن تكون هذه الخلاصة مرآة تظهر فيها ملامح شخصيته الأدبية وتوجهاتها الفكرية والإصلاحية.

ولكي تكتمل الصورة التي ترسم مسيرة صاحب الأيام، ارتأينا أن نقدم شهادة الأستاذ عبد الله العروي في طه حسين، كما سجلها في العديد من مؤلفاته.

وقد اخترنا الأستاذ العروي باعتباره ممثلاً لفكر الحداثة والتنوير في الثقافة العربية المعاصرة التي يعتبر طه حسين أحد روادها من غير منازع.

الحداثة  بين طه حسين وعبد الله العروي.

لا شك أن بين عبد الله العروي وطه حسين وشائج وأواصر فكرية واتفاق على اتخاذ المناهج الحديثة في البحث العلمي في الأدب والتاريخ وفنونه، من أجل إحداث ثورة في الفكر والاجتماع..

ومن ثم فإن كلا الرجلين يرى أن الحداثة هي ثورة فكرية تعتمد أساساً على العقل وثورة سياسية في مواجهة الاستبداد السياسي.

ويرى  الاستاذ عبد الله العروي أن المفهوم يدور حول المفاهيم التالية: سلطة الفرد، حريته، عقله، تدبير لشؤونه، وهيمنته على الطبيعة، إذن مكونات هذا المفهوم المستنبط (بعد أن وقعت الحداثة: هي الفردانية والعقلانية، الحرية، الديمقراطية، العلمية أو العلمانية (بمعنى العلم الحديث) (15). في كل هذه المبادئ يتفق العروي  مع مذهب طه حسين، وكذلك في القضايا التي سبق ان تطرقنا  لها  مبسوطة في مشروعه  الثقافي.

ولعل فيما سنعرضه من آراء ولمحات للعروي عن طه حسين سيسهم في الكشف عن بعض الجوانب التي نحتاج إلى اجتلا ئها  لابراز مكانة طه حسين و تأثيره في الثقافة العربية المعاصرة.

صورة طه حسين في كتابات عبد الله العروي..

إن الباحث في مجمل كتابات الأستاذ العروي عن المواطن  التي تطرق فيها لطه حسين سوف يلاحظ ما يمحضه له من درجة الاعجاب والتقدير والمكانة الرفيعة التي وضعه فيها بين مفكري النهضة العربية، بل يمكن أن نستشف مدى تأثره بدعوته وأدبه ومنهجه النقدي.

بالرجوع إلى مؤلفات الأستاذ العروي سنجد أنه تحدث عن طه حسين في العديد منها بصورة من الصور ( تلميحا أو تصريحا)، أما يذكره من باب الإشارة والإحالة أو تناوله ضمن تحليله لمسألة من قضايا الفكر، والثقافة والاجتماع.

وسنقوم بجرد نحصر فيه مؤلفات العروي التي ورد فيها ذكر لطه حسين ثم نعرض للطريقة التي تناوله بها.

أول مؤلفات العروي كتاب الإيديولوجيا العربية المعاصرة  صدر بالفرنسية سنة 1967 وترجم إلى العربية وأعاد المؤلف صياغته باللغة العربية وصدرت طبعته التي أعدها المؤلف بنفسه سنة 1995 ذكر فيه طه حسين في عدة مواضع، و جاء ذكر طه حسين في كتاب أوراق الذي يتضمن السيرة الذهنية للمؤلف ( العروي) صدر سنة 1989 و هناك تأثر واضح  بكتاب طه حسين اديب.. وورد ذكر طه حسين في لجزء الثاني من خواطر الصباح (1974/1981) وكذلك في الجزء الثالث من خواطر الصباح (1982/1999) .وتطرق العروي لطه حسين  في كتابه مفهوم العقل الصادر سنة 1996.

ضمن أي سياق أو منهج تناول العروي طه حسين  وكيف نظر إلى مشروعه الثقافي..؟ نبدأ هذا الاستشهاد بكتاب “أوراق”(ط/2/1996) الذي يذكرنا بكتاب طه حسين “الأيام”  و كتاب “أديب” الذي صدر سنة 1935 و الكتابان من جنس السيرة والتراجم الأدبية.

وموضوع “أوراق” هو سرد للسيرة الفكرية (أو الذهنية) للمؤلف(العروي) بأسلوب روائي تحليلي، بحيث تصبح السيرة تعبير عن رحلة فكرية تصف عصر المؤلف وجيله ويتقمص فيها الكاتب شخصية الراوي الذي يتحكم بمسرح الأحداث وشخوصه، من خلال تحويل التجربة الذاتية إلى عمل فني تتعدد فيه الرؤى والظلال والاطياف ويمتزج الواقع بالمتخيل..، ويتجاور فيه “ما كان وما يمكن ان يكون وما لم يكن” .. فكل شيء مضمن في النص خاضع لسرد الروائي وتقنياته وأسلوبه، وتتداخل فيه الصور الصادقة بالصور الوهمية.

والقراءة إنما هي وسيلة للتذوق الفني تتيح للمتلقي فهم القيم الشعورية والتعبيرية التي يتضمنها العمل الأدبي.

وهكذا نجد أن البناء السردي ” “لأوراق العروي”   ملون بمقابسات تحيل إلى طه حسين مما جعل الراوي  يستدعيه  كأحد شهود النص “تقول هذه  الأوراق أكتب سيرة ادريس وأنا مقتنع أن السيرة مفهوم وهمي.

كتب أستاذك الشيخ طه سيرته ظنا أنه إذا تناسى ما تراكم في ذهنه من معلومات كشف عن جذوره، تصور أنه هو هو في جميع أطوار حياته يتكلم لغة واحدة ويعيش في وسط واحد. كتب كأنه لا أحد درس الذاكرة ومخادعها الكلام ومزالقه، كان لا أحد تدبر سيرة السابقين من أبطال وملوك ومن فرسان وتجار من علماء ورحالة. الفرد خلق مستمر وتفكك مستمر..” (ص 9/10).

ويقول في موضع آخر: “التعبير تصوير الذات عن ممانعتها للأشياء في التحرر منها والاستعلاء عنها، ومفهوم الذات كأصل لم يتبلور إلا لدى الرومانسيين، أرى فيهما خضوعا وانقيادا، لا أرى فيهما ذاتا أرى فيها درابة حرفة ثقافة لا أرى  فيهما تعبيرا..

” امرؤ القيس والمتنبي والمعري..،  أبطال أستاذك العميد هل من الصدفة أنه اختار هؤلاء دون غيرهم؟ أراد ان يكونوا لنا فعمد إلى” رمنسة” هؤلاء، جاعلا منهم أبطالا  ثائرين على الدهر والأعراف والعقائد..، كل أدب أذن  رومنسي؟ اقول  إن التعبير في الكتابة هاجس رومنسي وما سواه صناعة..” (ص22).

“ما هو صدق العبارة إذن؟ لم يتشكك أستاذك في صدق الشعراء الجاهلية ولا صدق شكوك المعري..تقول إن العبارة غريبة وبالتالي غير مرتبطة بالواقع البشري الزمني.”(ص23) هذه الفقرات من كتاب أوراق من الصفحات الأولى من الكتاب وهي دالة ومعبرة عن حضور  طه حسين وتأثيره الثقافي والأدبي في اهتماما  العروي وجيله..

خصص العروي لمسألة “التعبير عن الذات” فصلا في في كتابه الايديولوجية تطرق فيه لطه حسين وبسط فيه  رؤيته النقدية حول التعبير عن الذات،  في الأدب العربي الحديث.

محور الكتاب  وإشكاليته  الأساسية هي  البحث عن الذات، وخص مسألة التعبير بفصل بعنوان ” العرب والتعبير عن الذات، ذكر فيه أن العرب المحدثين حاولوا أن يؤلفوا أدبا حديثا بواسطة أشكال تعبيرية لم يألفوها وانبهروا بها أول ما زاروا اوروبا، ونعني ” المسرح والرواية” على وجه الخصوص، أدبا يكون على مستوى إنتاج الماضي الرفيع .

وقد بذلوا جهدا مكثفا و متواصلا حتى أصبح الأدب الحديث  يفوق حجما الأدب القديم، ومنذ بداية النهضة والعرب يبحثون عن الصيغة التعبيرية الملائمة للعصر الحديث  الذي يعيشون فيه، ويميز العروي في المجال الثقافي بين التعبير الفني وبين “الفوكلور” الذي يكرس الواقع المتخلف أما التعبير فهو بالعكس يهدف إلى جبر النقص من خلال التعبير ذاته..(16).

في  حقبة ثانية متأثرة بالبرجوازية الصغيرة تم نقد الإنتاج الأدبي باسم الفعالية والتزام، استهدف النقد بصورة  رئيسية شخصية  طه حسين عميد الأدب العربي وممثل الاتجاه اللبرالي في الجامعة والصحف، تركز النقاش حول دور اللغة العربية كوسيلة لأداء الأدبي، إن اللغة العربية حتى بعد أن صقلها وطوعها كتاب العهد الليبرالي، لا تزال غير مفهومة غير مفهومة لدى الجمهور، لا زالت لغة المثقفين تعبر عن هموم المثقفين لذا التصق بها التجريد،  فأصبح الفلاح إذا تكلم بها وصف  بالرجل المثالي المعروف بطيبوبته و نقاء طويته،  وحتى البؤس إذا وصف بأسلوب بليغ تحول إلى لوحة خلابة..(17).

وأصبح كل من يدافع عن اللغة المعربة فهو محافظ ثقافيا، لأنه محافظ اجتماعيا، هذا ما أكده  نقاد داعية التقنية، وأخذوا على كتاب  الفترة الليبرالية أنهم راهنوا بكل شيء على ذات الفرد فلم يحاولوا تصوير أبطال حقيقيين وإبداع حبكة محكمة  خاضعة لمنطق متميز.

مال الإنتاج الليبرالي إلى السيرة الذاتية، مرغما لا مختارا، لأن تجربة الكاتب الشخصية كانت وسيلته الوحيدة لهيكلة مادة حكيه، ومن المفارقات أن العهد الليبرالي لم يخلف رواية بورجوازية بالمعنى الكامل، كان مرجع النقد الليبرالي عند (حسين هيكل وطه حسين) هو روسو وديدرو..، أما النقد الواقعي فقد تأثر بالطبعيين الفرنسين والأميركيين ..، ثم وفي مرحلة ثالثة وأخيرة استعار النقد الملتزم  أسلحته من الماركسية الوضعانية ..(18).

الملاحظ  أن ما بسطه  الأستاذ العروي حول مسألة التعبير عن الذات اتسم بالاختزال والكاركاتورية، فأسقط   على  الأدب العربي  المقاربة  النقدية الماركسية مما أدى إلى اختزاله  في  صورة  صراع  ايديولوجي  بين النخب  المتهافته  على المناهج الأدبية الغربية الحديثة.

إن التفكير التجريدي لا يكفي فهو مجرد حيلة عقلية، لا تعني الأدب وقيمه الفنية  وصوره التي تشع بالمعاني، وتحس في فنها أن خلفها ثروة من التفكير والإحساس، ثم أن السياسة إذا أدخلت على  الأدب  لونته  بلونها، وإذا وزن به النقد أفسده.

وبالتالي فان التركيز على التيارات  المتمذهبة  يمينا أو يسارا ، لا يقدم بحال صورة حقيقية عن الأدب العربي الحديث  كتعبير فني يمزج بين القديم والجديد معبرا عن الشخصية العربية في الشعر والنثر والفلسفة، أن الآداب ليست إلا تعبيرا عن الحياة وتصويرا لها، فإذا  تغير المعنى تغيرت العبارة التي تؤديه.

لقد وثب الأدب العربي وثبة لم يكن القدماء يحلمون بها ولم تكن تخطر لهم على بال، وكل أدب يأخذ ويعطي ويتلقى الثروة من كل وجه، والمهم أن يحتفظ الأدب بشخصيته ويحرص على مقوماته ويحسن الموازنة بين عناصر الثبات والاستقرار وعناصر التحول والتطور.

والأدب الرفيع يأبى الفناء في أي قوة مهما تكن، فيقود الشعوب  إلى مثلها العليا من الخير والحق والجمال..(19).

والذي لا شك فيه أن مناهج كل علم أو فن تصدر عن طبيعة ذلك العلم أو الفن، فعندما ندرس الأدب العربي يجب أن لا نطبق عليه مناهج صاغها أصحابها لتطبيقها على غير أدبنا..، فالذي يبقى من دراسة للأدب العربي دراسة منهجية  هو النقد الفني الذي ينظر إلى النصوص ويحكم فيها من حيث الجودة الفنية وعدمها، ونظريات النقد الفني عند القدماء هي التي  أضفت على الأدب اسقلالية بموضوعه وبمناهجه..(20).

فالتصوير الفني هو قاعدة التعبير الأساسية المتبعة في جميع الأغراض، وكل ما عرفته العربية من فن القول، وهو الادأداة التي تصور المعنى الذهني وتشخيص النموذج الإنساني أو الحادث المروي، فهو تصوير باللون وتصوير بالحركة والإيقاع ونغم الموسقى والحس والخيال والفكر والوجدان، تصوير حي منتزع من عالم الأحياء، المعاني ترسم وهي تتفاعل في النفوس أو في مشاهد الطبيعة فتخلع عليها الحياة ..(21).

نستنتج من الوجهة المنهجية أنه  لكي ندرك خصائص فكرنا وأدبنا الحديث،  يجب أن  نبحث عن أصوله الجمالية العامة،  ونفحص مفاهيمه ونقيمها، و نلم بأغراض الأديب وتجربته الوجدانية.

أن الانبعاث الثقافي والتجديد الأدبي يتطلب  “إحياء التراث” و “استيعاب منطق الحضارة العصرية” وتحقيق “نبوغ يجمع بين الخصوصية والكونية”..، مما يستلزم حدوث ثورة تربوية كشرط أساسي لتهييئ الجو للإبداع الفكري ..(22).

لا ينبغي أن نهجر القديم لأنه قديم، وأن الجديد لا ينبغي  أن يطلب لأنه جديد، وإنما يهجر القديم اذا برئ من النفع وخلا من الفائدة، فإن كان نافعا مفيدا فليس الناس أقل حاجة اليه منهم إلى الجديد..(على هامش السيرة/1937ص ي).

هكذا يصبح النفع أساس الحكم على القيمة، أنه حكم يربط بين الفكر والواقع، بين العقل والعمل..(23).

مصر المريضة

يتحدث طه حسين في كتاب “المعذبون في الأرض” عن مصر “المريضة” فيقول بأنه لم يكد يستقر بالسفينة حتى علم أن مصر مريضة، وقد أصيب بالحزن على البلد الذي كان يراه أهلا للحرية والأمن، ثم ينظر فيجده خائفا يترقب، فهو حائر بين الحركة والسكون، وبين الكلام والصمت، وبين الشعور والجمود.

هذا البلد الذي  خلق للعزة ما زال مستذلا، والذي خلق للحرية، ما زال مستعبدا..، والذي خلق  للصحة،  مريض يفتك وباء الكوليرا بمدنه وقراه.

هذا البلد الذي كنا نظن أنه تجاوز طور البلاد المتأخرة العتيقة الجاهلة، التي تفتك بأهلها “الأوبئة”، عرضة للوباء بل مرتعا للوباء”..(24).

تطرق العروي في كتابه الايديولوجية العربية المعاصرة لمقالة مصر المريضة فأعاد صياغة  الفقرة السابقة هكذا ” وإذا به يصدم والباخرة تقترب من الاسكندرية بما كان يتخيل أنه عهد ولى إلى الأبد..، بأن مصر  بعد أن خاب أمل “اسماعيل” ومن أعقبه من  المصلحين أن يراها قطعة من أوروبا،  فقد ألم بها وباء الكوليرا وأقام بها. ويتذكر طه حسين مأساته  الشخصية ويملأ قلبه الحزن  والغضب  لما انحدرت اليه مصر..، حيث اجتاحها وباء الكوليرا وهو وصمة افريقية.

ويضيف العروي  معلقا بأن الكتاب العرب كلما حاولوا تشخيص عيوب وعلل  مجتمعاتهم ضمنوا ذلك التشخيص صورة معينة عن الغرب..(25).

مفهوم الثقافة

قبل أن نعرض لرؤية طه حسين وعبد الله العروي،  وتصورهما لمستقبل الثقافة، وبما أن الرؤية لم تتولد من فراغ بل هي نتيجة استلهام واستقراء لتراكمات وتجارب وطبائع لا بد من الرجوع اليها لأنها تشكل الأساس، الذي يربط الأجزاء في إطار الكل بالواقع الاجتماعي  الذي يؤسسه ويمدنا بصورة عن الظاهرة الثقافية وتجلياتها، ويسمح لنا بالوقوف عند مفهوم الثقافة ومعانيه الدلالية، فدراسة الفكر تنطلق من نظرة شمولية تحاول أن تقيم روابط بين عالم الفكر وعالم الواقع.

إن كلمة الثقافة معقدة ومركبة، توحي بالعديد من المعاني، وأفضل وسيلة للاقتراب من مضمون هذه الكلمة، في الخطاب المعاصر، هو العمل على إبراز دلالاتها في مرجعيتها الأصلية..، والانطلاق من هذه المرجعية سيمكننا من إعطاء مضمون محدد، لهذه  المقولة، بل يضعنا في قلب الإشكال المنهجي الذي يطرحه توظيف هذه المقولة، العصرية- الحداثية..(26).

إذا رجعنا إلى الأصل اللغوي لمفهوم الثقافة في اللغات الاوروبية الحديثة سوف نجد أنه مشتق من الطبيعة فكلمة (culture) تعني سكة المحراث القاطعة، الأمر الذي يعني أنها مستمدة من من العمل  في الزراعة..، فهذه الكلمة التي نشير بها إلى أرهف الأنشطة البشرية وأرقها، وإلى ما يسميه “فرنسيس بيكون” بتثقيف العقول وتسميدها.

من المرجح أن  هذه الكلمة، قدعلق بها الكثير من النعوت عبر رحلتها في الزمن حيث تبلور المفهوم من خلال النظر إلى الثقافة باعتبارها أفضل ما فكر فيه، ورؤية الأشياء على حقيقتها..

وتنطوي الخريطة الدلالية للمفهوم على تحول البشرية التاريخي من الوجود الريفي إلى الوجود الحضري، الذين تعهدتهم يد الحراثة بالصقل والتهذيب، فتحول سكان المدن إلى مثقفين لأنهم أصبحوا قادرين على تهذيب أنفسهم.

ثم أن الجذر الدلالي لكلمة (culture)هو (colere) في اللاتنية  ويعني أشياء كثيرة من الحراثة والسكنى إلى العبادة والحماية، وكان المعنى الذي يفيد السكنى تطور  من الكلمة اللاتنية (colonus) المستعمرة واشتقت منه كلمة ” استعمار’colonialisme) ونجد أيضا كلمة (cultus) التي اشتقت منها كلمة culte) وتعني  العبادة والتعالي أو التأله، شأن فكرة الثقافة في العصر الحديث ..(27).

وإذا كانت “الثقافة”  تستشف انتقالا تاريخيا بالغ الأهمية والخطر، فإنها تستبطن  أيضا عددا من القضايا الفلسفية الأساسية، فضمن هذا المصطلح الواحد  تتركز أسئلة الحرية والفاعلية والثبات والتغير والهوية ..، كما تعني  تعهد النمو الطبيعي بالعناية والرعاية وتشير إلى كل من التنظيم والنمو المعرفي، فالثقافي هو ما يمكن لنا أن نغيره ولكن للمادة التي تغير وجودها المستقل، مما يعني وجود ضرب من التفاعل بين ما هو منظم وما هو غير منظم، لأن الثقافة مسألة اتباع للقواعد  بحيث ينطوي اتباع القاعدة على فكرة التطبيق الخلاق لهذه القاعدة ..، وكلا من القواعد والثقافات يشتمل على فكرة الحرية. وإذا كانت الثقافة تغير من ههيئة الطبيعة إلا أنها ايضا  ذلك المشروع  الذي تضع له الطبيعة حدودا صارمة بين الصانع والمصنوع..(28).

فالثقافة اذن  تهذيب الملكات :” بين الملكات الرفيعة والملكات الوضيعة، وبين الإرادات والرغبة، وبين العقل والهوى”، لأن الطبيعة البشرية تحتاج دائما أن تهذب.

وقد تعقب ” وليامز ريمود” بعضا من تاريخ كلمة “الثقافة” المعقدة وميز ثلاثة من معانيها الحديثة الكبرى، و انتهى بأن هذه الكلمة خرجت من جذورها الأصلية  الممتدة في تربة العمل الريفي لتعني في البداية شيئا قريبا مما تعنيه كلمة (civility)” الكياسة” ولتغدو في القرن الثامن عشر مرادفا لكلمة (civilization)” حضارة” بالمعنى الذي يشير إلى سيرورة عامة من التقدم الفكري والروحي والمادي..، فالحضارة كفكرة تساوي بين آداب السلوك والاخلاق على نحو له دلالته ..(29).

ميدان الثقافة إذن هو الأدب والفكر..، والآداب مرتبطة بتاريخ الأمة وعاداتها وأخلاقها ، وكل ما تعد به الأمة ذات كيان قائممتميز، فدارس الأدب يحتاج إلى منهج، لمساءلة الفكر عن قيمة إنتاجه المعرفي، في ضوء المعطيات الجديدة الحاصلة على صعيدي الواقع والمعرفة، أو عند كل تحول نوعي في نظام الحوادث التاريخية والاجتماعية.

والهدف من هذا الفحص فهو تمكين الفكر من تصحيح نفسه وتصويب آليات عمله، بما يجعله أقدر على تحديد طاقته الإنتاجية،وأقدر على التكيف الإيجابي مع نوازل المعرفة والواقع ..(30).

وفي كل حال ينبغي تجنب  الغموض،لأنه يؤدي إلى الخلط في  فهم العصر وأفكاره ورجالاته وأحواله بوجه عام.

إن العالم دخل في مرحلة لا يمكن أن تحل فيها مشكلاته إلا على أساس نظم الأفكار ومن معاني الثقافة في القواميس  أن ثقف ثقافة صار حاذقا( فثقف الشيء حذقه وثقف الكلام فهمه.)

وبالعودة إلى العناصر النفسية والاجتماعية  للمشكلة، فإن الشيء لا يعد موجودا بالنسبة لشعورنا إلا عندما يلد فكرة تصبح برهانا على وجوده في عقلنا، فيكون له وجودا حقيقيا وحضورا، وحينئذ تنكشف شخصيته ويوضع له اسم يطلق عليه، تلك إذن هي عملية الإدراك عندما نريد أن نفهم الأشياء من الوجهة النفسية( أي ومن وجهة نظر الفرد.) أما من الوجهة الاجتماعية فعلينا أن نفرق بين الواقع الاجتماعي الذي لم يحدد أو يصنف  والواقع الاجتماعي المدرك المتحقق (اي المترجم إلى مفهوم.)، المدرك على أنه موضوع للدراسة والمعرفة ..

فتحقيق الشيء يتم بواسطة الإدراك الشعوري ثم يترجم إلى “اسم” وتحقيق الواقع الاجتماعي يتم بواسطة التصنيف ثم يترجم إلى “مفهوم”..، فالاسم اذن هو أول تعريف للشيء الذي يدخل في نطاق شعورنا و تصديق على وجوده، وهو بالتالي أول درجات المعرفة وأول خطوة نحو العلم ..(31).

كل هذا العمل يدخل في نطاق مفهوم التجربة، فإذا انتظم تبعا لقواعد الفكر، أخذ صفة العلم، فعملية التعريف تبدأ عندما يطلق الاسم على الشيء، وتنمو كلما أخذ الشيء معنى مركبا أي بعدما يصبح اسما  ثم فكرة أو مفهوما..

فكلمة الثقافة هي   مقابل لكلمة (culture) في اللغات الأوروبية وتعني(علم وأدب فهم، ادراك،  ثقف ..) والكلمات تدل على العمل و العلاقة المعرفية. من هذا المنطلق  تساءل الفكر عن مفهوم الثقافة بمقاربات مختلفة ومناهج متباينة، فاختلفت التعاريف،  باختلاف الزاوية التي ينظر منها إلى موضوع الثقافة.

من وجهة نظر الفكر الماركسي  (حول دور الأفكار في تطور المجتمع)، فإن حياة المجتمع المادية هي واقع موضوعي مستقل عن إرادة الناس، أما الحياة العقلية (culture) أي مجموع الأفكار الاجتماعية ( العقائد الدينية والمذاهب الفلسفية والجمالية..)، بمعنى كل ما يحدد الثقافة،فهي كلها انعكاس لهذا الواقع الموضوعي..(32).

الفكر الإسلامي يعتمد على أدوات ومناهج عقلية( مناهج مصطلح علم الحديث.) الذي يتضمن منهج تحقيق النصوص والروايات لإثبات صحتها، وعلم أصول الفقه الذي يتضمن أساليب  استخراج الدلالات من العبارات المستخدمة، ومن خصائص العقل أن يتأمل فيما يدركه  ويقلبه على وجوهه، ويستخرج منه بواطنه وأسراره،  ويبني عليها نتائجه وأحكامه، وهذه الخصائص تجمعها ملكة “الحكم”  وتتصل بها ملكة الحكمة، وتتصل كذلك بالعقل الوازع، إذا انتهت حكمة الحكيم به إلى العلم بما يحسن وما يقبح وما ينبغي أن يطلبه وما ينبغي له أن يأباه، ومن خصائص العقل الإنساني” الرشد” ووظيفة الرشد فوق وظيفة العقل الوازع  والعقل المدرك والعقل الحكيم،  لأنها استيفاء لجميع هذه الوظائف،وعليها مزيدا من النضج والتمييز بميزة الرشاد حيث لا نقص ولا اختلال.

ففريضة التفكير في القرآن تشمل العقل الإنساني، بكل ما احتواه من هذه الوظائف بجميع مدلولاتها..( العقل الوازع والعقل المدرك والعقل الحكيم والعقل الرشيد.)، ولا يذكر العقل عرضا بل يذكره مقصودا مفصلا، على نحو لا نظير له في كتاب من كتب الاديان..(33).

والتصوف الإسلامي يقوم  بتربية  الوجدان وتقويم السلوك وتهذيب الاخلاق و يعمل على صقل الذوق الجمالي لبلوغ مدارج الكمال.

أما مشكلة الثقافة من الوجهة التربوية،هي في جوهرها توجيه أفكار، والتوجيه هو  في الأساس قوة توافق في السير، ووحدة الهدف وتجنب الإسراف في الجهد، وحسن التدبير للملكات والطاقات الإنتاجية من أجل خدمة الهدف المنشود ثقافيا وحضاريا.

و‘ذا نظرنا إلى مشكلة الثقافة من الوجهة العالمية فإنها تعني  بالنسبة لكل ثقافة كبرى المساهمة الفعالة في صرح التقدم الروحي والعقلي للإنسانية.

إن الثقافة الإنسانية في هذا العصر العالمي على الخصوص،  شركة بين أمم العالم لا تقبل الانفصال أو الانقطاع، إنما يكون الأدب عالميا إذا اتسع لكل موضوع من الموضوعات الإنسانية المشتركة  التي يحسها أبناء كل أمة في الزمن الذي يعيشون فيه، وليس بالشرط اللازم  في الأدب العالمي أن يكتب باللغة التي يقرأها أبناء العالم أجمعين.

انما تكون العالمية بمقدار نصيبها من موضوعات الأدب في العصر الحديث وبخاصة تلك  الموضوعات التعبيرية، التي تصاحب الأمم الحية، في  كل  زمن ..، ضمن العلاقة بين الأدب القومي والأدب الإنساني.

الثقافة من هذا المنظور هي الأدب والأدب تعبير عن الحياة، فلا يستوعبه مذهب  ولا يستغرقه أسلوب ..(34). الأدب الإنساني هو أدب كل العصور والبيئات والأجيال، لأنه يلهم الناس ألوان الفن والإبداع.

خلاصة الرأي أن الثقافة منظومة من الأفكار والخطابات، تؤسس لسلطة معرفية تؤثر في تكوين الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية، التي تخضع لها الأجيال التالية ..إن الآداب والآراء على اختلافها وتباين منازعها، ظواهر اجتماعية.

كم من مفكر أو فيلسوف، كان له الأثر الأعظم، في ترقية بيئته و تهيئتها للتطور..، أو كان له أثر في تكوين أمة بأسرها، وفي تصوير النظم السياسية والاجتماعية التي خضعت لها هذه الأمة عصورا طوالا..، و جعلاها مصدرا للحياة العقلية المؤثرة في مسيرة الحياة الإنسانية..(35).

إن دور قادة الفكر، هو صناعة الأفكار، والتأثير في الواقع باتجاه تغييره،  نحو الأفضل، ومن ثم فإن التفكير العلمي على الطريقة الحديثة، يعبر عن ثورة الأفكار المجددة، التي انتشرت في العالم، من خلال  مدارس فكرية مختلفة.

منذ القرن الثامن عشر الاوروبي، تبلور وعي جديد للكاتب، باعتباره صاحب معارف جديدة يكون العلم الحديث مرجعيتها في إثبات  الحقائق، وهو ذو فكر فلسفي نقدي، لم يعد منفصلا عن العالم، بل يحلل به تحليلا نقديا  بنية المجتمع، ونظام السياسة ويعيد بناءهما، وقد أصبح يعي قوة الرأي العام، ويتحدث عنه، ويعول عليه ليدعم به سلطته الفكرية..(36).

ومن نافل القول بأن شرط المثقف في كل عصر،  أنه ابن “عصره” وأن طابع عصره يلازمه في تفكيره وعمله، كما يلازمه في  نظرته  إلى العالم من حوله، فلا يعيش الزمن الحاضر بعقل الزمن الماضي، ولا يترجم الواقع والحقيقة بلغة الوهم والخرافة ..(37).

إن الدور المعرفي المطلوب يكمن في المساهمة بأدوات القوة العلمية، في تقديم فهم أفضل للعالم،  في جوانبه المتعددة (سياسية، واقتصادية و اجتماعية وفكرية)، وكل معرفة هي حصيلة لحظة من التطور، في التركم الفكري وفي الواقع الموضوعي، حتى إذا نشأت معطيات جديدة في الفكر والواقع الموضوعي، التزم ذلك، –حكما- أن تقوم المعرفة إياها بالتكيف مع ذلك المتغير، وكل معرفة لم تستجب،للمتغيرات الجديدة،حكمت على نفسها بإعادة إنتاج وعي غير مطابق للواقع، مما ينأى بها عن مهمة إدراك موضوعي للأشياء، بل حكمت على نفسها بالزوال، و على ذلك لا تستطيع المعرفة، أن تحقق القدرة على التجدد والنمو الطبيعي، إلا إذا طورت آلياتها، وليست هذه الآليات، سوى المراجعة والتصحيح (38).

وننتهي بالبحث، أن الثقافة مجال صراع الافكار، ومعارك الأدب و الفكر، لا تحد بحدود، ترمي إلى  الاستحواذ على سلطة المعرفة، وذلك بإنجاز انفتاح كامل على المنظومات الفكرية الحديثة، والتزود بثمرات العلوم والآداب والفنون.

المعرفة الإنسانية لا تعرف الحدود،  وإنما هي متحركة أبدا، لا يدركها الركود إلا حين تصاب الحضارة الإنسانية بالا رتكاس،  وتجمد العقول فتكف عن الإبداع.

والحق أن ما سقناه حول مفهوم الثقافة إنما أردناه مدخلا لسؤال الفكر عن مستفبل الثقافة ومضامينها وإشكالياتها، في إطار البحث عن أهمية تجدد الثقافة في غير حدود، لأن الثقافة الشاملة هي التي يتم بها قوام الشخصية الإنسانية، الموفورة الحظ من العلم والأدب، ومن مطالب الأذواق ومطالب العقول.

الهوامش:

  1. طه حسين مع ابي العلاء في سجنه دار المعارف/.1962ص72.
  2. المصدر السابق ص22/23
  3. نفس المصدرص24/25
  4. كارلو نالينو تاريخ الآداب العربية من الجاهلية إلى عصر بني امية/دار المعارف 1954 انظر مقدمة طه حسين للكتاب ص7
  5. من كلمة لطه حسين في مهرجان الالفي لابي العلاء المعري (ط/2 دار صابر بيروت 1994ص19/20
  6. طه حسين الايام دار المعارف الجزء الثالث ص136
  7. طه حسين كلمات/2014ص10
  8. نفس المرجع ص17
  9. نفس المرجعص23
  10. على اومليل الاصلاحية العربية والدولة الوطنية المركز الثقافي العربي/1985ص124/125
  11. المصدر السابق ص130
  12. علي اومليل سؤال الثقافة المركز الثقافي العربي/2005ص21
  13. طه حسين في الشعر الجاهلي تقديم عبد المنعم تليمة /1997ص15
  14. طه حسين حب المعرفة والصبر على المكروه كتاب الهلالعدد48 مارس1955 ص44
  15. عبد الله العروي عوائق الحداثة منشورات اتحاد كتاب المغرب 2006ص11
  16. عبد الله العروي الايديولوجية العربية المعاصرة المركز الثقافي العربي 1995ص207
  17. نفس المصدر ص223
  18. نفس المصدرص225
  19. طه حسين الوان دار المعارف 1958ص32
  20. محمد مندور في الميزان الجديد الطبعة الثالثة ص181
  21. سيد قطب التصوير الفني في القران1960ص35
  22. عبد الله العروي ثقافتنا في ضوء التاريخ المركز الثقافي العربي1983ص206
  23. محمود امين العالم الانسان موقف 1972ص93
  24. طه حسين المجموعة الكاملة لمؤلفات طه ط/2/1983ص890/893
  25. الايديولوجية العربية المعاصرة ص37/38
  26. محمد عابد الجابري المثقفون في الحضارة العربية  منحة ابن حنبل ونكبة ابن رشد مركز دراسات الوحدة العربية 1995ص22
  27. تيري ايغلتون فكرة الثقافة المركز العربي للابحاث والدراسات 2019ص12
  28. نفس المصدر ص16
  29. نفس المصدرص22
  30. عبد الاله بلقزيز نهاية الداعية الممكن والممتنع في ادوار المثقفين المركز الثقافي العربي2000ص44/45
  31. مالك بن نبي مشكلة الثقافة ترجمة عبد الصبور شاهين دار الفكر1989ص21/22
  32. نفس المصدر ص32
  33. 33)           عباس محمود العقاد التفكير فريضة اسلامية دار الهلال ص6/7و انظر ايضا طارق البشري التجديد الحضاري الشبكة العربية للابحاث 2015الفصل الاول : نظرة تقويمية في حصيلة العقلانية والتنويرص33/65
  34. عباس محمود العقاد دراسة المذاهب الأدبية و الاجتماعية نهضة مصر1999ص22
  35. طه حسين قادة الفكر نهضة مصر2014ص13
  36. علي اومليل السلطة الثقافية والسلطة السياسية مركز دراسات الوحدة العربية1996ص9
  37. عباس محمود العقاد عبقرية الاصلاح والتعليم الامام محمد عبده شركة نوابغ الفكر2016ص11
  38. نهاية الداعية ص130
  39. ملحوظة هذا  المقال هو جزء من بحث في طور الانجاز حول دعوة الحداثة  عند طه حسين و عبد الله العروي.
    ___________
    *أحمد بابانا العلوي.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات