هذا كتاب قرأناه فشدّنا وأجاب عمّا انتظرناه منه (..) ولا نُغالي في شيء إن ذهبنا إلى أنّ كتابا في مثل قيمة «سوسيولوجيا التّربية: إضاءات نقديّة معاصرة» يصحّ فيه قولان للأديب التّونسيّ الكبير محمود المسعدي: «وإنّ هذا الكتابَ كالصّوت أو كالصّيحة في وادٍ به حاجة إلى ما يردّد صداه ويُسري فيه خَلجة الحياة.» و «وإنّ كلّ كيان لَجَهدٌ وكسبٌ منحوت». د. [1]خير الدين زرّوق .
مقدّمة:
إنّ مسؤوليّة المثقّف الّذي يدعوه موقعُه والتزامُه إلى أن يطرح القضايا ويوقظ وعي النّاس ويسائل معهم الواقع ويبحث عن الحلول هي مسؤوليّة كبيرة جسيمة، إذ ينبغي عليه أن يرصد تحوّلاتِ المجتمع ويتفطّن إلى ما ينشأ من صيرورات وأطوار وما يستجدّ من أوضاع تنطوي على إشكالات وتحدّيات. وهو في نشاطه المعرفيّ ذاك يستند إلى روافد فكريّة نظريّة وإلى دراية واسعة بالميدان. يستحضر باستمرار السّياقَ الحاضرَ، ولا يُغفل الالتفات إلى الماضي، وتكون له القدرة – والجرأة – ليتطلّع إلى المستقبل.
ليس لزومُ الأبراج العاجيّة للتّأمّل المجرّد والجلوسُ على الرّبوة للتّفرّج ولترقّب الانهيار القادم موقفين يناسبين المفكّر الحقّ، وليس التّسليمُ بهذه الحتميّة العدميّة وبانتفاء القدرة على منعها حلاّ يَركن إليه ويرضى به، فالمنتظرُ منه أن يشارك في الخوض في مسائل عصره وأزماته، بل أن يكون في الطّليعة والمقدّمة، فيمثّل للنّاس مرجعيّة وسلطة اعتباريّة مأتاهما حملُه لرسالة ومهمّة تاريخيّتين في التّوعية والتّحفيز والإصلاح.
ويثقُل العبء وتعظُم المسؤوليّة في العصور الّتي يَعصف بها الشّكّ وتكثر فيها الاهتزازات. فعالمنا المليء بوعود التّقدّم والازدهار والمزهوّ بما أنتجته الحداثة من وسائل مادّيّة سهّلت العيش هو كذلك محفوف بالمخاطر وتنتشر فيه الآفات. وقيمة الإنسان وإنسانيّته في تراجع وانحدار يبعثان فينا الحيرة والفزع ويدفعاننا إلى إعمال العقل والتّدبّر.
ويواجه المجتمع العربيّ، ككلّ المجتمعات السّائرة في طريق النّموّ، عولمة لا يجد فيها مكانه ولا دوره وتقضي عليه بأن يرتدّ إلى الهامش وأن يكون تابعا. إنّه يتخبّط في الأزمات وينشدّ إلى القيود والجمود، وتدلّ كلّ مؤشّرات التّنمية – في شتّى مناحي الحياة – على أنّه في أدنى التّرتيب وأنّ مساهمته في المعرفة ضئيلة لا تكاد تُذكر. وهو في الغالب محكوم عليه بمجاراة الآخرين الّذين سبَقوه إلى التّقدّم، يتلقّى بانبهار ما ينتجونه ويعجز عن التّطوير والإضافة.
وإنّ ما عليه العالم من سمات التّعقّد والتّحوّل والتّموّج والاضطراب، وما يغلب على المجتمع العربيّ من سمات الرّكود والتّخلّف والتّبعيّة، يؤكّدان مكانة التّربية ويُبرزان الحاجة إلى تعميق التّفكير وتجديد المقاربات لإدراك هويّتها الاجتماعيّة والإمكانات المتاحة لتكون دعامة أساسيّة وعاملا إيجابيّا في تحقيق التّنمية والعدالة. ويكون ذلك بتطوير الدّراسات والبحوث واتّخاذ وجهة عقلانيّة موضوعيّة في تناول المواضيع التّربويّة وشرحها للنّاس وتوعيتهم بها.
وإن تكن الكتابات العربيّة قليلة في هذا المجال فلا يعني ذلك غيابَ جهود تُبذل لتقديم عطاء متميّز. وفي هذا الاتّجاه، صدر مؤخّرا للمفكّر الدّكتور علي أسعد وطفة[2] كتاب يستحقّ أن نَطّلع عليه ونتمعّن فيه ونخُصّه بالدّراسة، وهو: «سوسيولوجيا التّربية: إضاءات نقديّة معاصرة».[3] ويتّصل موضوعُه – كما يدلّ عليه عنوانُه – بفرع مهمّ من علم الاجتماع العامّ ومبحث من أبرز مباحثه، هو علم الاجتماع التّربويّ. ويشير العنوان كذلك إلى صبغة الدّراسة الّتي ستكون نقديّة معاصرة.
ونهتمّ في هذا المقال بالكتاب المذكور، فنصِفُ بناءه ونعرض محتوياته، ونقدّم حوله قراءة نأمل أن تتيح لنا الوقوفَ على أهمّ أطروحاته واستجلاءَ قيمتِه ومكامنِ الإضافة فيه، وتساعدنا على رصد الآفاق الّتي يفتحها ويحثّ على ارتيادها.([4])
وتُصاحبنا مجموعة أسئلة نسعى إلى الإجابة عنها: ما حقيقة علم الاجتماع التّربويّ؟ وما صلتُه بالحقول المعرفيّة الاجتماعيّة والإنسانيّة؟ وأيّة وظيفة له في عالم يزخر بالتّحوّلات وتحكمه علاقات قوّة وصراع وتشتدّ أخطاره؟ وكيف يُعتبر تأصيلُ هذا العلم وتجديده شرطين ضروريّين لتطوير المؤسّسة التّعليميّة عند العرب ولتقدّمهم الحضاري؟
I – تقديم الكتاب:
يتألّف الكتاب – إضافة إلى إهداء ومقدّمة وخاتمة – من ثلاثة وعشرين فصلا تتوزّع على سبعة أقسام. وتُمثّل هذه الأقسام السّبعة محاور مرتبطة بالموضوع المدروس وجوانب أساسيّة فيه ينبري الباحث لشرحها ويُخضعها للتّفكير والتّحليل وينظر إليها بعين النّقد. وهي التّالية:
– القسم الأوّل: نشأة علم الاجتماع وتطوّره تربويّا (يضمّ أربعة فصول)
– القسم الثّاني: الثّقافة والإعلام والتّنشئة الاجتماعيّة (فيه ثلاثة فصول)
– القسم الثّالث: الدّيموقراطيّة وتكافؤ الفرص التّعليميّة (يشتمل على أربعة فصول)
– القسم الرّابع: الأيديولوجيا والتّربية (يتضمّن ثلاثة فصول)
– القسم الخامس: الاغتراب التّربويّ (فصوله ثلاثة)
– القسم السّادس: قسم التّعليم العربيّ والجامعيّ (يتكوّن من ثلاثة فصول)
– القسم السّابع: نماذج رياديّة (ذو فصول ثلاثة)
ويُستهلّ كلّ فصل بتصدير([5]) يتضمّن قولة لأحد المفكّرين أو الكُتّاب أو المشاهير (هؤلاء المشاهير هم: القدّيس أوغسطين، الرّئيس الأمريكيّ باراك أوباما، الممثّل جورج كارلين) أو للكاتب نفسه (وهذا شأن التّصدير في الفصل الثّالث، والفصل الحادي عشر، والفصل الثّالث عشر، والفصل الثّامن عشر، والفصل التّاسع عشر) ([6])
إنّ الكتاب ثمرة وعي بأنّه يَلزم التّجديدُ في مقاربة الظّواهر الاجتماعيّة، فـ «نظرا إلى تعقّد الظّروف الحضاريّة والتّاريخيّة للمجتمعات الإنسانيّة في عالم اليوم، يواجه علم الاجتماع تحدّيات جديدة راهنة مختلفة نوعيّا عن تلك الّتي عرفها خلال القرن العشرين.»([7]) ومن الضّروريّ كذلك إحلالُ البحث السّوسيولوجيّ في التّربية منزلتَه باعتباره يمثّل «أحد أهمّ العلوم الاجتماعيّة التّي تأخذ بأطراف العلاقة بين المجتمع والتّربية على نحو شامل وتعمل على تقصّي أبعاد هذه العلاقة وحدودها في ضوء المنهجيّات السوسيولوجيّة المتقدّمة ونظريّاتها المتجدّدة.»([8])
ويؤاخِذ الباحث على أهل هذا العلم من الدّارسين العرب تقصيرَهم في الابتكار واكتفاءَهم بتَرداد المقولات الغربيّة، وكذلك نظرتهم إلى الموضوع التّربويّ دون وصله بعلم الاجتماع العامّ، وهو ما يحول دون فهمه حقّ الفهم، فلا تُدرك أهميّته ولا يُكتشف ما ينطوي عليه من إمكانيّات لتطوير المنزلة الإنسانيّة. كما يوجّه سهامَ نقده إلى ما يغلب على الخطاب التّربويّ من شعارات ومقولات و«ينبغيّات»، إذ هي تصدر عن طروحات قاصرة عن تحقيق الإصلاح والتّغيير المنشودين.([9])
ومن مكامن النّقص، حسَب رأيه، أنّ «الحقيقة الاجتماعيّة للتّربية ما زالت، في إطار خصوصيّتها العربيّة، تشكو الغموض المعرفيّ.»([10]) لذلك يلزم أن يُراعَى الانسجامُ بين النّظريّات الكبرى في علم الاجتماع وتجلّياتها التّربويّة في مجال علم الاجتماع التّربويّ، فليس من فهم ممكن لقضايا هذا العلم بمعزل عن معرفة حقيقيّة بخلفيّته الفكريّة في علم الاجتماع العامّ. ([11])
إنّ إيقاع التّغيّر الاجتماعيّ سريع ومخيف والمشكلات آخذة في الازدياد والحدّة والخطورة، لذلك تبرز ضرورة مواكبة علم الاجتماع – والعربيّ منه على وجه الخصوص – لهذه الاتّجاهات الجديدة في حركة المجتمع والعالم.([12])
وإذا كان المُنجَز في هذا المجال هو دون ما يُنتَظر وما يُحتاج إليه، فإنّه من المتأكّدِ العملُ على تمتين الصّلة بين علم الاجتماع التّربويّ وعلم الاجتماع العامّ، ومن المشروعِ الطّموحُ، في مرحلة ثانية، إلى تأصيل علم اجتماع عربيّ تكون له القدرة على إثارة الأسئلة المرتبطة بالعصر، ومن ثَمَّ المساهمة في حلّها، وذلك عن طريق تشكيل الوعي العربيّ النّقديّ بالمسألة التّربويّة وبمختلف إشكالاتها ورهاناتها. لا بدّ، إذن، أن يسلك الباحث سبيلا تخالف المنحى الغالب على الدّراسات العربيّة، ويقتضيه ذلك أن يطيل الوقوف عند ماهيّة علم الاجتماع العامّ ونشأته، مع اهتمام كبير بمختلف مسائله ونظريّاته واتّجاهاته.
يتّجه الاهتمام في البدء إلى التّعريف بعلم الاجتماع وبيان تطوّره. ويُوطّأ لذلك بكشف أصوله التّاريخيّة، وبالإشارة إلى إسهام العرب المسلمين بأدب الرّحلة ووصف البلدان في التّمهيد لنشأته.([13]) ثمّ يُقدّم مفهومُ هذا العلم بشمول وتبسيط في آن واحد.([14]) وتُعرَض جهودُ المفكّرين الغربيّين الّذين كانوا سبّاقين إلى تأسيسه.([15]) ويتّضح من هذه المقدّمات أنّ علم الاجتماع قد ارتبط بصعود النّظام الرّأسماليّ الحديث، وأنّ المفكّر الفرنسيّ «إميل دوركهايم» كان له الدّور الرّياديّ العظيم في إرساء مقوّماته وإيضاح هويّته.
والموضوع الّذي يُعنَى به علم الاجتماع هو الإنسان كما يعيش ويفكّر ويرتبط بعلاقات حياتيّة ويخضع لشروط الانتماء الاجتماعيّ. إنّه يدرس المجتمعَ في حركته وتطوّره والإنسانَ في تفاعله مع ظروفه والمؤثّرات المحيطة به، وفي إبداعه للنّظم الفكريّة والمؤسّسات التّي تعبّر عن تطلّعاته وتستجيب لحاجاته في مكان وزمان معيّنين.
وتتجاوز الدّراسة الاجتماعيّة العَرَضيّ وما ظهر على سطح الأشياء والوقائع لتنفذ إلى باطنها وجوهرها وتُميط اللّثام عن عللها وأسبابها وأبعادها وتستنبط قوانينها الجامعة، وبذلك تتوفّر المعرفة اللاّزمة لتوقّع التّطوّر اللاّحق وللتّحكّم في المسارات المستقبليّة، وتتهيّأ الشّروط الموضوعيّة لتحقيق التّقدّم.
يفضي هذا التّتبّع لأصول علم الاجتماع ومبادئه إلى مرحلة ثانية يمضي فيها الباحث في تَعداد ما ينضوي داخل هذا العلم من مسائل، فتوفّر فصول الكتاب([16]) أطرَ تفكير في الحياة المعاصرة الّتي تتسارع فيها وتيرة التّغيّر والّتي تطرح على الإنسانيّة قضايا ومشاكل تتّسم بالتّنوّع وتفرض تأسيس خطاب معرفيّ وتربويّ يكون مناسبا لها ومسايرا.
وإنّه لمن الطّبيعيّ والضّروريّ البدءُ بتحديد علم الاجتماع العامّ – ماهيّة ومنهجا ومسائل – لإبراز الخلفيّة المعرفيّة الّتي يستند إليها علم الاجتماع التّربويّ، فهذا العلم الفرع مرتبط شديد الارتباط بالعلم الأصل، ومن دلائل ذلك أنّنا نظفر في أعمال «دوركهايم» و«جون ديوي» و«ماكس فيبر» و«كارل مانهايم» و«كارل ماركس» – وهم من مؤسّسي علم الاجتماع ومن ممثّلي أبرز تيّاراته – بالمقدّمات النّظريّة الأولى لنشأة النّزعة الاجتماعيّة في التّربية. وقد شهد الفكر السّوسيولوجيّ نموّا وازدهارا منذ النّصف الثّاني من القرن العشرين في محاولة للإحاطة بالأبعاد الاجتماعيّة للعمليّة التّربويّة وللكشف عن الرّوابط بين المدرسة والبيئة المحيطة بها في مظاهرها المختلفة. وكان دوركهايم، بالإضافة إلى شهرته عالما اجتماعيّا، من أوائل المفكّرين الكبار في التّربية. وإليه يعود الفضل في تأكيد طابعها الاجتماعيّ. وقدّم الباحث بتوسّع آراءه الّتي توضّح هذه الحقيقة،([17]) كما أورد تعريفات وأقوالا تبرز العلاقة الوثيقة بين الظّاهرة التّربويّة والحقائق الاجتماعيّة.([18])
وإن يكن علم الاجتماع التّربويّ مرتبطا بعلمه الأصليّ كلّ هذا الارتباط، فإنّه استطاع – بعد ذلك – أن يصير معدودا ضمن العلوم المستقلّة. وهو ما يجيز لنا أن نقول إنّ «سوسيولوجيا التّربية»([19])تَخَصُّص منبثق من علم الاجتماع ينشغل أصحابه بالتّربية باعتبارها ظاهرة اجتماعيّة، فينظرون إلى مُجمل العوامل والمؤثّرات الاجتماعيّة المحيطة بالفعل التّربويّ وبالمسار الدّراسيّ، ويفكّرون في الوسائل الّتي تطوّر أداء المؤسّسة المدرسيّة لتكون قريبة من المنتسبين إليها تلبّي حاجاتهم وتُعدّهم للنّجاح في واقع وعالم قانونُهما التّغيّر المستمرّ.
ولهذا المبحث صلات وثيقة بالعلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة (علم النّفس والفلسفة وعلم الاقتصاد والأنثروبولوجيا)، بما يجعلنا نرى فيه انفتاحا على حقول معرفيّة متعدّدة واستثمارا لمنطلقاتها ونتائجها.
نحن نعرف أنّ مفهوم التّربية يتعدّى الإطار التّعليميّ الضّيّق ليكون شأنا اجتماعيّا مركّبا، وهو معطى يتأكّد في عصرنا الرّاهن ويكتسب أبعادا جديدة. فقد أصبحت الظّاهرة التّربويّة اليوم مرتبطة بعلاقة جدليّة مع مسائل متنوّعة متولّدة في واقع ناشئ تحكمه عولمة زاحفة وتطغى عليه منتجات الثّورة الصّناعيّة الرّابعة. لذلك، فإنّ مقاربتها من منظور اجتماعيّ تعني ملامسة كلّ الأسئلة والإشكالات الّتي تتعلّق بمناحي وجودنا وبتصوّرنا الثّقافيّ وبموقعنا الحضاريّ. وفي الكتاب صدى واضحٌ لهذا الفهم. فهو يحلّل مفهوم التّربية بتفكيكه في مستوى أوّل إلى عناصره المكوّنة له، ويؤكّد في مستوى ثان ترابطَ هذه المكوّنات وتكاملَها، ثمّ يؤلّف بينها بما يُبرز هويّة التّربية في تعقّدها وثرائها وتعدّد وجوهها وبما يُثبت أنّها مسألة إنسانيّة حضاريّة. ويجعل هذا التّمشّي الرّؤية الّتي تقود الفصولَ رؤية يتقاطع فيها التّربويّ المحض مع الإنسانيّ بمعانيه الشّاملة، الاجتماعيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة. فما من مسألة أثيرت في موضع من المواضع – على امتداد الكتاب كلّه – إلاّ وكانت مشدودة إلى هذا النّظام ومنسجمة معه. وعلى هذا النّحو تتشكّل دراسة طابعها تربويّ سوسيولوجيّ، لها منطلق هو الوعي بمقتضيات العصر، ولها هاجس وهو أن تكون التّربية في عالمنا الرّاهن – وفي المجتمع العربيّ خصوصا – متغيّرة لتضطلع بدورها في تنشئة إنسان قادر على تغيير حياته وحياة الآخرين.
وقد سخّر الباحث مجموعة أدوات متكاملة وناجعة في تحليلٍ يستحضر مختلف الأبعاد ويحرص على التّوسّع والاستيفاء ويتحرّى الدّقّة والوضوح.
قارئ هذا الكتاب موعود بجولة معرفيّة طويلة تُريه حصيلة ما توصّل إليه الفكر والعلم في الأزمنة الحديثة بخصوص جوهر الإنسان وخصائصه ومحرّكات وجوده والوسائل المادّيّة والرّمزيّة الّتي يتّخذها لتكون حياته منظّمة وجديرة بمنزلته المميّزة في الكون. فليس من المستغرب، إذن، أن تَفرِض معارفُ العصر حضورها، إذ نجد – إضافة إلى المعلومات الأساسيّة بخصوص علم الاجتماع العامّ وعلم النّفس والفلسفة – معطيات أخرى مفصّلة ومعمّقة عن التّاريخ والسّياسة والعلوم الصّحيحة، مع إغناء التّحليل ودعمه بالإشارات المتواترة إلى المُنجزات الحديثة في مجال التّكنولوجيّات والثّورة الرّقميّة والذّكاء الاصطناعي. ويدلّ ذلك، من ناحية، على حرصٍ على المقاربة الشّموليّة النّسقيّة، ومن ناحية أخرى على إلمامٍ وشغفٍ بالبحث هما من شروط البحث العلميّ.([20])
إنّ طابع الاستيفاء الّذي يتسّم به الكتاب يجعل منه مرجعا لا غنى عنه لكلّ من يعنيه أن يعرف علم الاجتماع – من أهل الاختصاص أو من المُطّلعين طلبا للتّثقّف وتوسيع الآفاق – ولكلّ من يسعى إلى أن يتعرّف على أعلامه الرّوّاد وعلى نظريّاته. وهو كالموسوعة في هذا الباب. كما أنّه يوفّر للطّلاّب والقرّاء على حدّ السّواء عناصر أساسيّة في المعارف الأخرى الّتي اقتضى الخوضُ في علم الاجتماع التّربويّ عرضَ نتائجها واستدعاءها للاستفادة منها. وقد توخّى الكاتب أسلوبا تعليميّا واضحا، من نتائجه كثرة التّعريفات وهي ذات وظيفة حجاجيّة إقناعيّة.([21]) ومن موجبات الأسلوب التّعليميّ اللّجوء إلى الشّرح والتّفسير، والعناية الواضحة بترجمة المصطلحات. ونرى أنّه كان من الأفضل أن يضمّ الكتاب ملحقين: واحدا فيه ثبتٌ للمفاهيم والمصطلحات وآخرَ لأسماء الأعلام، مع التّنصيص على أرقام الصّفحات الواردة فيها تلك المفاهيم والمصطلحات والأسماء. فإنّ ذلك ممّا يعين على الإفادة ويوجّه في القراءة.
وكان المنهج الّذي توخّاه الباحث مزيجا مُحكَما من اتّكاءٍ على روافد نظريّة – تُشرح بتوسّع وتقرأ بتمعّن ونقد – وانغماسٍ في التّحليل الواقعيّ والدّراسات الميدانيّة. فعلى سبيل المثال، يتضمّن الفصل الحادي عشر (وهو عن تكافؤ الفرص التّعليميّة في جامعة الكويت: تأثير المستوى التّعليميّ للأبوين) نتائج دراسة ميدانيّة أجراها الباحث في جامعة الكويت سنة 2009 على عيّنة بلغت 3816 طالبا وطالبة. وهي تثبت حقيقة التّفاوت في فرص الانتساب إلى الجامعة، بمختلف كلّيّاتها وفروعها العلميّة، بما يجعل النّجاح فيها يتمّ وفق المتغيّرات الاجتماعيّة والثّقافيّة.([22])
وينقل الكاتب في موضع آخر ما رسخ في ذاكرته انطلاقا من تجربة شخصيّة في الدّراسة والتّدريس.([23]) ويصّرح على وجه الخصوص بجانبٍ آخرَ هو ألصقُ بالذّات. فقد نعَت علاقته بعلم الاجتماع التّربويّ الّذي انقطع لدراسته باستخدام هذه العبارات المفعمة بالوجدان، فيقول إنّ ما يربطه به هو: «حبّ متطرّف لعلم نذرت نفسي وحياتي في سبيله.»([24])
ليس الهاجس الّذي يلحّ على الباحث، فيوعز له التّأليف، هو فقط سدّ النّقص الّذي يعاني منه التّفكير العربيّ في حقل علم الاجتماع التّربويّ، بل كذلك الوعي بأهميّة هذا العلم وبخطورة دوره في حياتنا المعاصرة. وعلى قدر ما يكشف الكتاب سعة اطّلاع على معارف العصر وعلى جذورها التّاريخيّة وامتداداتها وكذلك على مجالات توظيفها وتطبيقها، فإنّه ينطوي على رؤية استشرافيّة للأبعاد والرّهانات. فبإمكاننا أن نتحدّث عن ملامح مشروع تربويّ اجتماعيّ حضاريّ يدعو إليه الكاتب ويعمل على أن يُقنع به المتلقّين وعمومَ النّاس.
II – سوسيولوجيا التّربية: رؤية للمدرسة وللمجتمع:
اغتنى الكتابُ باستحضار هذه الرّوافد والتّجارب والتّأمّلات وبهذا التّضافر بين النّظريّ والتّطبيقيّ، فبُنيت الفصول بنسق تحليليّ نقديّ. وكان فيها أنموذج لتوجّه علميّ سمّاه بعضُهم «المعرفة التّفكيريّة»، وهي تلك الّتي تقدّم رؤية مناسبة عن العالم وتسمح بالاستحواذ على الحقيقة في أعمق جوانبها.([25])لقد ظلّ الباحث يتابع الفكرة ويتعهّدها، حتّى نمت وتطوّرت بالتّدريج واتّضحت أهميّتها واكتملت أبعادها. وبُثّت الخلاصات الّتي توصّل إليها بعد تفكيك الموضوع إلى أجزائه المتعدّدة في ثنايا الكتاب وفي الخواتيم، وكانت متماثلة. وحين ننظر إليها نظرة تأليفيّة، نجد أنّ أهمّ ما فيها إلحاح على ضرورة أن نتّخذ علم الاجتماع التّربويّ منهجا يضمن تعديلَ النّظرة إلى التّربية بقصد بناء نمط تربويّ قادر على مواجهة المشاكل والتّحدّيات المستجدّة، والتّخطيط لتنشئة الإنسان المزوّد بأدوات علميّة تجعله قادرا على فهم واقعه وتغييره. ونتبيّن في ضوء ما تقدّم الأطروحة الرّئيسيّة الّتي ينافح عنها الكاتب، وهي تتمثّل في أنّ المدرسة ابنة عصرها ومجتمعها وبيئتها. وهذه حقيقة برهن عليها السّابقون في العلم، وما تزيدها تطوّراتُ عالمنا إلاّ سطوعا ورسوخا. فإذا كانت هذه هي ماهيّة المدرسة – متأصّلة في مجتمعها، مشدودة إلى المؤثّرات والمتغيّرات – فكيف يمكنها أن تستوعب حقائق الواقع وتتفاعل مع ظروف المحيط وتُساير تحوّلات العالم، فتُخرج منتسبيها من دور الطّرف السّلبيّ والتّابع إلى دور الطّرف الواعي والفاعل؟ يؤدّي هذا السّؤال إلى سؤال ثانٍ متلازم معه، ويمكن صوغُه بهذا الشّكل: ما هي الإمكانات الرّحبة الّتي يوفّرها علم الاجتماع التّربويّ للقائمين على الشّأن التّعليميّ حتّى يساعدَهم على الارتقاء به فيكونَ كما ينبغي له أن يكون، أي معاصرا ناجعا يرافق الإنسان في مسيرة الوجود ويتيح له تجربة رائعة خصبة؟
يَظهر في المقدّمة، وكذلك في المتن، أنّ الباحث يتّجه بخطابه إلى صنفين من الجمهور. أوّلهما مباشر قريب، ينضوي إليه طلبتُه وتلاميذُه وكلُّ صاحبِ موقع ودور في السّاحة التّربويّة، في المستويين المدرسيّ والجامعيّ. أمّا البعيد – والواسع – فهو مجموع النّاس المعاصرين. إنّهم، بتحديد أكثر دقّة، العرب المسلمون في هذا الزّمان. وأولئك وهؤلاء، على حدّ السّواء، معنيّون بهذا العلم ذي الصّبغة الشّموليّة الّذي لا يَفصل البحثَ في شأن المدرسة عن التّفكير في شؤون المجتمع.
لم يَغِبْ عن كلّ العصور والحضارات الوعيُ بأهميّة التّعليم في ضمان الرّقيّ والازدهار. ويغدو هذا المبدأ أشدّ وضوحا وتأكّدا في عصرنا الّذي يحمل لنا متناقضات ويمكن أن تُلخّصَه هذه المفارقة: تكثر فيه وسائل التّقدّم وتغلب عليه بواعث القلق. والمسألة التّربويّة هي في صميم التّفكير الإنسانيّ الّذي يتوق إلى نحت منزلة يجد فيها الكائن ما يُسهّل عيشَه ويُشعره بقيمته ومعناه وكرامته. ويضيف هذا الكتاب لبنة إلى هذا الصّرح الفكريّ ويمضي في هذا المسعى، فيرسم صورتين للتّربية: واحدة قديمة موروثة وثانية جديدة بدأت تخطو أولى خطواتها. كان للأولى على امتداد الزّمن الماضي مُطلق السّلطة والمكانة، وحان الوقت لتُطيح بها الثّانية فتحلّ محلّها. ما بين تلك الموجودة وهذه المنشودة رحلة طويلة لا تخفَى مشقّتها ووعورتها، ولكنّها مليئة بالوعود وتُغري مَن تحدّثه نفسه بالمغامرة بما سيظفر به حين يتمّها.([26])
والكاتب يخوضها ويصحب قرّاءه فيها، فيخصّص جهدا كبيرا ليهتمّ بأنموذج التّربية الأوّل وصفا وتحليلا ونقدا. إنّه يتصدّى له بعُدّته المنهجيّة والمفهوميّة ليبيّن المنطق الّذي يحكمه ويكشف عن الأسس الّتي تُسنده. فلا يصعب علينا أن ندرك أنّ الواقع المدرسيّ السّائد مفتقرٌ للنّجاعة وخالٍ من شروط النّجاح. وذلك لأنّ المدرسة، بما لديها حاليّا من نظم وأجهزة اشتغال ومضامين، هي مؤسّسة مُخلّة بدورها في تحرير الإنسان ومعطّلة لقواه وطاقته ومانعة لانطلاقته.
والأمثلة على ذلك كثيرة لا تكاد تُحصى. يسوقها لنا الباحث من موقع المُلمّ بالخلفيّات والأصول والمطّلع على الدّراسات والمُصغي للميدان والمُمتلئ بالتّجارب، فيحدثّنا حديثَ الخبير العارف عن نظام مدرسيّ أفلس وأخفق وخيّب الآمال في الأنفس الّتي حلمت به وفي الأعين الّتي كانت مشرئبّة إليه ومتعلّقة به.
إنْ خَطَرَ على أذهاننا السّؤالُ عن حال المدرسة كما نراها ونعرفها أتتنا الأجوبة غير متأخّرة وانثالت علينا حقائقُ لا يُجدي في شيء أن نتجاهلها أو نتصامم عنها. فوَفق ما تُوفّره لنا نتائج علم الاجتماع، وبالاستناد إلى ما يؤكّده الواقع المعيش، تتحدّد للمدرسة هويّة ووظيفة لا تتعدّيان التّعبيرَ عن الصّراع الطّبقيّ وإعادة إنتاج القيم المهيمنة. ويمثّل الفضاء المدرسيّ تربة خصبة للاصطفاء والتّمييز، والتّعليمُ بمحتوياته ووسائله هو مجال للعنف بكلّ أشكاله، ما كان منها فيزيائيّا جسديّا وما كان منها معنويّا رمزيّا.([27]) وهو يقوم على التّحكّم في المتعلّمين وتوجيههم باستخدام منهاج خفيّ ماكر يمارس عليهم القهر والقمع ويقوّي استلابهم ويجرّدهم من الإرادة والحريّة. ما أشبهَ سياسة هؤلاء الصّبيان والفتيان المقبلين على الحياة والموعودين بها بسياسة المخلوقات الحيوانيّة تُروَّض وتُقاد وتُقيَّد حركتُها. وفي هذا الاتّجاه، يُعتبر التّلقين من أبرز الآفات التّربويّة. ويتناوَلُ في الكتاب بمعناه الشّاملِ العميقِ. فهو في مستوى ظاهر صنوُ التّعليم البنكيّ، ذاك الّذي يتعامل مع العقول على أنّها عُلب وقوالب وأوانٍ ينبغي ملؤها بالمعلومات، ويعتمد على نقل المعارف المختزلة والمجتزئة بطريقة رتيبة ودون تساؤل ولا تمحيص.([28]) وهو في جوهره عنوانُ تصوّر ثقافيّ ترويضيّ.([29]) يحوّل التّلقينُ المدارس والجامعات إلى سجون تحيط بها أسوار وحواجز تعزلها وتنأى بها عن الحياة الطّبيعيّة. وليس المدرّسون الّذين يعملون داخل هذه المنظومة بقادرين على رفضها والثّورة عليها، لذلك يرضَوْن بأن يكونوا مجرّد أدوات لخدمتها بل يصيرون منتفعين منها. وهم بهذا المعنى – تماما مثل طلبتهم وتلاميذهم – من ضحاياها ومن الواقعين تحت سطوتها وجبروتها. فلا يُنتظر منهم إبداع ولا إنتاج ولا ريادة للإصلاح. وكيف يُتوقّع منهم ذلك وهم ممّن يستحقّون أن يقال فيهم: فاقدُ الشّيء لا يعطيه؟ فلا عجب، إذن، أن تكون الحرّيّات الأكاديميّة – الّتي أولاها الكاتب اهتماما فخصّها بالفصل الحادي والعشرين – في تلك الوضعيّة السّيّئة المزرية ولا عجب أن تتدهور مكانة الأستاذ الجامعيّ وتسقط إلى ذلك الحضيض.
وهذه الظّواهر التّربويّة هي من آثار التّنشئة الاجتماعيّة الّتي تُعلّم التّسلّط والتّرهيب والإخضاع، وتَضمُر فيها – إلى حدّ الغياب والاندثار- القيم الدّيموقراطيّة. وتتعاضد فصولُ الكتاب لتُفكّك بالتّدريج الآلة المُعقّدة لهذا «النّظام المدرسيّ البيروقراطيّ»، ([30]) وتكشف عن الأضرار الّتي يُحدثها كلّ عنصر من عناصره. ولم يتسنّ تحليلُ هذا الواقع المدرسيّ وبيانُ ما ينطوي عليه من خطورة إلاّ باستحضار منطلقات من علم الاجتماع ورصد تجلّياتها وتحقّقاتها العمليّة. وفي ذلك مزيدُ تأكيدٍ على الطّابع الاجتماعيّ للظّاهرة التّربويّة. وفيه، أيضا، دليل واضح على الحاجة في هذا العلم التّربويّ إلى المقدّمات والخلفيّات المعرفيّة يُستعان بها وتُوظّف أداة للفهم. وهكذا، فإنّ الواقعيّ والمُعايَن الملموس يثبت صحّة المقولة النّظريّة، فنرى بطريقة جليّة غربة المدرسة وعمق الهوّة الّتي تفصلها عن الحياة العصريّة المحيطة بها والّتي تحثّها على التّطوّر. ومزيّة هذه المقاربة السّوسيولوجيّة أنّها تُخلّص التّربية من الهالة المثاليّة التّي أضفاها عليها وجداننا ومخيالنا، وتُحدث تغييرا في إدراكنا لها.([31]) فلا نستغرب حين نعرف أنّ لها أزمة عميقة غير خافية. وهي ممّا ينتشر ويعمّ في كلّ البلدان، وممّا يشغل التّفكير الإنسانيّ منذ زمان. وليس التّفطّنُ إلى العلل الّتي تشكو منها المدرسة جديدا، ولم تنقطع المناداة بإصلاحها لتكون فضاء جاذبا يرغّب النّاشئة في الدّراسة ويزيّن لهم المثابرة والعمل ويعدهم بالمعنى.([32])
صورة التّربية السّائدة قاتمة وأوضاعها مزرية تبعث على الخيبة والأسى. وهو ما نستقيه من بطون الكتب ونقف عليه من ملاحظة الشّواهد الميدانيّة. وتتّخذ هذه السّمة عند العرب المسلمين بُعدا أكثر حدّة. وقد عُني الكاتب بأمر التّربية العربيّة ناظرا إليها في ضوء علاقتها بالثّقافة المهيمنة وقيمها الّتي تُوطّدها وداعيا إلى تطويرها. إنّه لا يتردّد في إبداء هذه الأحكام الجريئة الّتي لا مواربة فيها ولا لَبس :
– «التّربية العربيّة اليوم تعاني خللا وجوديّا قوامه الفساد الّذي انتشر في مختلف مفاصل الحياة التّربويّة.»([33])
– «التّربية العربيّة اليوم تعيش أسوأ لحظاتها التّاريخيّة.»([34])
– «التّربية العربيّة ما تزال تقليديّة في محتوياها ومضامينها، عتيقة في مكوّناتها ومظاهرها، محافظة في أسسها ومبادئها، خجولة في نتائجها ومردوديّتها، جامدة في توجّهاتها وآفاقها، متصلّبة في تغيّراتها وتحوّلاتها، ورافضة لأيّ تحديث أو تجديد.»([35])
تُنبئ هذه الأقوال بوجهة ثابتة سار فيها الكتاب، وهي التّصريح بما يشقّ قولُه وما يكون له وقع قويّ لدى المتقبّلين. فأكثرُ الحقائق إيلاما تلك المتعلّقة بوصف المؤسّسة التّعليميّة العربيّة، سواء أكانت مدرسة أم جامعة.([36]) إنّ أداءهما قاصر وفاشل لأنّهما عاجزتان عن التّلاؤم مع حركة التّطوّر، فـ «المؤسّسات التّربويّة العربيّة تشهد حالة سقوط حضاريّ وتراجعا مخجلا أمام التّحوّلات الهائلة في مجال الإعلام والمعلوماتيّة والمعرفة العلميّة.»([37])
وهذه المؤسّسة التّعليميّة موصولة بمحيط اجتماعيّ يؤثّر فيها على نحو سلبيّ ويعهد إليها بدور محدّد منمّط لا تخرج عنه. هل يمكن أن يكون الانتماء إلى ثقافة المنع والضّبط والتّجهيل وتغييب الوعي النّقديّ منتجا شيئا آخر غيرَ ممارسة التّسلّط والقهر على الأجيال الجديدة، وغيرَ السّعي لتعويد التّلاميذ والطّلبة على الخضوع والطّاعة؟ ([38]) ويُبنى على ذلك أنّه ينبغي ألاّ ينفصلَ التّفكيرُ في التّربية عن التّفكير في نقد الثّقافة العربيّة المعاصرة الّتي تنتمي إلى دائرة الثّقافات التّقليديّة المتّسمة بامتناعها عن التّغيير والانفتاح.([39])
تَربط بين التّربية والثّقافة في البيئة العربيّة علاقة وثيقة إنْ تأمّلناها وجدنا توازيا بين التّنشئة الاجتماعيّة والطّريقة المُتّبعة في التّعليم والغالبة عليه: كلتاهما تعتمد على الأساليب التّسلّطيّة المؤدّية إلى إلغاء الشّخصيّة الإنسانيّة وإفقادها الحريّة والتّوازن والثّقة بالنّفس، وكلتاهما تُشيع الخوف، وهو هادم ومعطّل ومعرقل. فهذا العمل الاغترابيّ يفعل فعله الدّؤوب الحثيث في قاعات الدّرس وفي كلّ منابر التّعلّم وفضاءاته، فيقوم بديلا عن العمل التّنويريّ. وهذه الحريّات الأكاديميّة، عوض أن تسمح بالإبداع وتفتح آفاق التّحرّر، تساهم في التّخلّف والتّأخّر من خلال نشر «المعرفة المدجّنة» «وهو شكل من المعرفة النّاعمة والمسالمة والمُغرقة في جماليّتها وشكلانيّتها والقائمة على الاجترار بلا كلل، والمُحلّقة في عوالم بعيدة جدّا عن معترك الحياة الحقيقيّة وأسئلة الواقع الحادّة والمزعجة.»([40]) وهذا الأستاذ الجامعيّ في البلاد العربيّة ممنوع من أداء دوره الرّائد معلّما للفكر والنّقد الجريء ومفروض عليه أن يقنع بمنزلة متواضعة، فتغيب عنده الرّوح العلميّة ويصير موظّفا أجيرا في المنظومة وتابعا خاضعا لها.([41])
وتصبح المدرسة في حالة ارتباط لا فكاك لها منه بالحياة القائمة الموروثة الّتي يُعاد إنتاجها، فتنشأ أجيال من المغتربين مسلوبي الإرادة وغير القادرين على أن يتحرّروا أو أن يكونوا طليعة في حركة تحرير غيرهم من الجماهير. أمّا الحياة الحقيقيّة الّتي ينبعث منها نداء الإبداع والحرّيّة فلا جسور تُمدّ بينها وبين المدرسة. وهو ضرب من الإجرام لفَت مبكّرا انتباهَ المفكّرين والأدباء فأدانوه. فنحن نسمع هذا الصّوتَ الغاضبَ المُستنكرَ يردّده ميخائيل نعيمه: «إنّها لَجريمة أن يحيا الطّالب في مدرسته حياة بينها وبين الحياة خارج المدرسة هوّة سحيقة. فلا عجب إذ ذاك أن تراه يخرج من المدرسة فلا يتمكّن في الحال من مدّ جسر يصل الحياتين. فيمضي يعاني الأمرّين في التّفتيش عن رزقه وعن مكانه في الأرض. ويمضي يقرع الأبواب ويحبّر الطّلبات، فلا يُنجده امرؤ القيس ولا الشّنفرى ولا النّابغة الذّبياني. ولا يجديه نفعا ما درسه من «تهافت الفلاسفة» و«تهافت التّهافت». وما أكثر ما يجده في النّهاية إمّا في محطّة للبنزين أو في حانوت حلاّق أو بقّال […] وما أسرع ما يتبخّر من ذاكرته جميعُ ما وعته في المدرسة من «ثقافة عامّة» كان منها أن قطعت صلتَه بالحياة العامّة.»([42])
تتعدّد مظاهر الاغتراب والاستلاب في الثّقافة والتّربية العربيّتين، وهي من الوجوه الّتي تتّخذها أحوالُ التّدهور والفساد والغشّ والخلل الغالبة على الواقع العربيّ، والعواملُ المولّدة واحدة. لكنّ الاكتفاءَ برصد هذه الآفات غيرُ مُجدٍ، بل لا بدّ من ردّها إلى أسبابها والكشف عمّا تُخفيه في البنى العميقة. وهو ما ينخرط فيه الباحث حين يجعل تفكيره يتوسّع وينحو إلى ما هو حضاريّ عامّ، فيفسّر الرّاهن والسّائد بأبعادهما المختلفة. ويتوصّل إلى أنّه ما من إمكانيّة لإحداث إصلاح تربويّ ذاتيّ، فالإصلاح التّربويّ الحقيقيّ هو الّذي يتمّ في سياق اجتماعيّ وثقافيّ وسياسي.([43])
ثمّ ينفذ إلى ما هو جوهريّ عميق، فيقول: «إنّ الأوضاع التّربويّة المتدهورة الّتي تشهدها المجتمعات العربيّة تعود إلى أمرين: يتمثّل أحدهما في الاختراقات الثّقافيّة الخارجيّة المنظّمة والمكثّفة التّي تستهدف ثقافتنا العربيّة. ويتمثّل الآخر في تتابع الإخفاقات الثّقافيّة والتّربويّة الّتي شهدتها السّاحة الدّاخليّة للمجتمعات العربيّة. كما يتمثّل في انهيار المؤسّسات التّربويّة والتّعليميّة […] هي غير قادرة ببناها ووظائفها الحاليّة وآليّات اشتغالها على مواجهة التّحدّيات التّي تفرضها العولمة أو استيعاب التّغيّرات الطّارئة عن المراحل التّاريخيّة المتعاقبة.»([44])
يتيح هذا الضّرب من التّحليل الرّبطَ بين الظّواهر ويساعد على أن تتأكّد الهويّة الأصليّة لعلم الاجتماع التّربويّ وعلى أن يُنظر إليه في ضوء علاقته بمجاله الأوّل. فما انتماؤه إلاّ إلى علم الاجتماع العامّ الّذي يبحث في التّفكير والوجود الإنسانيّين بمكوّنيهما الاجتماعيّ والثّقافيّ – الحضاريّ. وهو بحث يقوم على الانطلاق من وصف ما هو كائن لتَصوّر ما هو ممكن، بطريقة علميّة موضوعيّة فيها ملاءمة لخصوصيّة الموضوع.
لقد كان رسمُ حقيقة التّربية بتلك الصّورة السّلبيّة ممّا اقتضاه من الباحث سعيُه إلى إيقاظ الوعي وحرصُه على أن يشاركَه قرّاؤه في استكشاف السّبل الموصلة إلى تشكيل الأنموذج النّقيض البديل.
وبمثل الجهد السّابق المبذول في النّعت على مَواطن العلّة والخلل والقصور، سُخّرت الطّاقة المنهجيّة والمعرفيّة لبناء كيان تربويّ منشود أساسُه حسنُ التّفاعل مع الحاضر وإحكامُ الاستعداد للمستقبل. إنّ المدرسة الجديدة الّتي تقوم على أنقاض القديمة لهي الّتي تُمتّن روابطها مع الحياة المتطوّرة وتُعدّ النّاشئة لتفهم عصرها وتكون فاعلة فيه. ([45])
وما كان الاطّلاعُ على المعارف والأفكار والحديثُ عمّا يغزو حياتنا المعاصرة من منتجات تكنولوجيّة فائقة التّطوّر على سبيل التّرف الفكريّ، وما كانت الجولة الّتي دُعي إليها القارئ بقصد الإمتاع وإشباع الفضول، بل إنّ من وراء ذلك غاية بعيدة سامية. وهي تتمثّل في الحثّ على التّفكير والدّفع إلى الفعل. إنّ الإنسان – ذاك الّذي يُشيد الكاتبُ بإمكاناته – هو قادر، كما يثبت العلم، على استيعاب العالم المُعقّد وإدراك كلّ ظواهر العالميّة والعولمة والمعلوماتيّة ليكون له موقع الفاعل فيها لا مجرّد المتأثّر بها.([46]) وإنّ التّربية هي ضمانة النّجاح لهذا المشروع. فأيّة مدرسة تلبّي حاجتنا الحضاريّة وتملأ وجودنا الإنسانيّ وتُعطينا فيه أسبابَ الأمل ؟
لم نَعْدُ الصّوابَ حين اعتبرنا الكتابَ في جانب منه وصفا للموجود وتَعدادا لإكراهاته ومُعطّلاته، لكنّ الجانب الآخر البارز فيه – وهو الأهمّ – يتمثّل في رفض الواقع الماثل والنّظر في الإمكانات المتاحة لتغييره. وشرط ذلك أن نُحِلّ التّربية المنزلة الّتي تستحقّها، ونبنيَ معها علاقة جديدة تكون بمقتضاها «التّربية الّتي تخاطب في الطّفل العقل لا الذّاكرة، والنّشاط لا الجمود، والحرّيّة لا الإكراه، والغاية لا الوسيلة. وهي في نهاية الأمر تخاطب الإنسان في الطّفل، وتعمل على إنماء حواسّه الإنسانيّة.»([47])
ويُرفِد علمُ الاجتماع التّربويّ الكاتبَ في وضع دعائم النّظام التّربويّ الّذي يتطلّبه العصرُ وتطوّرُ الحياة الإنسانيّة. إنّ قوامَه رؤية يَدين بها وينخرط فيها جميع الفاعلين في الحقل التّعليميّ فيعملون على غرس الرّوح النّقديّة والإبداعيّة في نفوس التّلاميذ والطّلبة، وهو ما يعني الإطاحةَ بكلّ التّصوّرات المبرّرة للتّلقين والطّاعة والتّسليم والجمود، واتّباعَ أساليب تعليميّة تُعزّز في أنفس التّلاميذ الإرادة والجرأة.. هذه هي التّربية الدّيموقراطيّة الّتي تُخرج المعلّمين والمتعلّمين – على حدّ السّواء – من أسْر النّظم الرّسميّة المفروضة، ومن موقع المستهلك السّلبيّ إلى موقع المبادر والمبدع والنّاقد والمنتج.([48]) وتبعث في كلّ فرد مشاعرَ تُعلي فيه الجانبَ الاعتباريّ والتّقدير الذّاتيّ والثّقة بالنّفس.([49]) كما يجدر بالفاعلين التّربويّين والممارسين في الميدان أن يلاءموا طرائقهم مع سياق الثّورة الرّقميّة. وإذا تأسّست التّربية على هذه الفلسفة وسارت في هذا التّوجّه أمكن تجنّبُ الفشل المدرسيّ والرّسوب والانقطاع عن الدّراسة والانحراف والتّطرّف. وحين تدخل المدرسةَ برامجُ حديثة ومناهجُ متطوّرة تنفتح على محيطها ويعود إليها دورها الرّياديّ قاطرة تُحرّك المجتمع. وبذلك تنفلت من ضغط وإلزام خارجيّين يُجبرانها على إعادة إنتاج القيم السّائدة وتكريس الاصطفاء والتّفاوت. ويستطيع القائمون عليها أن يتحرّروا من التّقليد والجمود، فلا يكتفُون بتدريس المعارف وإلقائها إلقاء تعسّفيا مُسقطا،([50]) بل يساعدون على اكتساب طرائق التّفكير والمهارات الحياتيّة،([51]) ويعوّدون الصّغار واليافعين على التّعلّق بالدّيموقراطيّة والدّفاع عنها مكوّنا أساسيّا في الحياة الاجتماعيّة وشرطا ضروريّا للتّقدّم.
وتزخر صفحات الكتاب بتصوّرات محورُها التّفكير التّربويّ العلميّ الّذي من موجباته تأهيلُ المتعلّمين ليسايروا الإيقاع السّريع للحركة المعرفيّة ويطوّروا المهارات الّتي يحتاجون إليها في المسارات المهنيّة المختارة مستقبلا. وبذلك يستفيدون من المُنتجات التّكنولوجيّة ويوظّفون الـتّقانة في فهم القضايا وحلّ المشكلات.([52]) ولا تُقصى من هذا التّوجّه العلومُ الإنسانيّة (التّاريخ والفلسفة، خاصّة)، إذ لها دور في إحاطة التّطوّر العلميّ بسياج أخلاقيّ يحمي من كلّ انحراف وزيغ.([53])
إنّ «الاغتراب التّربويّ»([54]) – كما توسّع الكاتب في تحليله – هو رمز لفعل تربويّ لا يُمكّن التّلاميذ والطّلبة من اكتشاف طاقاتهم وقدراتهم، ويُسبّب معاناة الشّخصيّة من هامشيّة موقعها ومن وضعيّة يسودها القهر والقسر والإكراه وتحكمها علاقات التّسلّط. والمطلوبُ من التّربية العربيّة، في عصر العولمة والذّكاء الاصطناعيّ، أن تكون فعلَ تحرير وتنوير وتغيير. والسّبيلُ إلى تحقيق هذه المهمّة إرساءُ هذه المبادئ وجعلُها أسُسَ التّعليم في مرحلتيه المدرسيّة والجامعيّة: بناء العقل العلميّ / بناء العقل النّسبيّ / بناء العقل على مبدأ الاختلاف / بناء العقل على مبدأ التّغيّر / بناء العقل الكلّيّ / بناء العقل المعقّد / بناء العقل المستقبليّ الدّائم.([55]) وقد أوردها الباحثُ مُفصّلة ومُرتّبة وفق التّدرّج وأفاض في الحديث عن كلّ مبدأ منها. ثمّ خلص إلى أنّه «يجب إعدادُ الطّلبة لعصر متغيّر بعقل متغيّر وإيمان بالتّغيّر.»([56]) وتوصّل إلى هذا الاستنتاج: «إنّ المعرفة الحقّة هي تلك الّتي تُؤهّل البشر لمواجهة عالم شديد التّعقيد وسريع التّغيّر. إنّها معرفة الحياة، ومعرفة عن الحياة، وحياة قائمة على المعرفة.»([57]) وإدراكُ هذه الحقيقة مدخل مهمّ لتغيير النّظرة إلى المدرسة وتأسيس علاقة جديدة مختلفة معها، وهو ما يؤدّي، من ثَمّ، إلى تحسين أدائها.
وممّا يطّرد في الكتاب عرضُ مقترحات عمليّة دقيقة حول التّمشّيات المنهجيّة، وتقديمُ ما يُشبه البرنامجَ التّعليميّ المرتكزَ على دعائم والقابلَ للتّنفيذ. ويُلاحظ ذلك في مواضع كثيرة.([58]) وللجميع – من المنتسبين إلى المؤسّسة التّعليميّة، ومن المشرفين عليها وواضعي سياساتها ومساراتها – أدوارُهم في بناء الأنموذج التّربويّ المناسب لهذه المرحلة التّاريخيّة بما فيها من معطيات ثريّة ومتنوّعة، على المستويات الاجتماعيّة والمعرفيّة والفكريّة. إنّ الثّورة الصّناعيّة الرّابعة والطّفرات السّريعة في الإنتاج العلميّ والتّكنولوجيّ ذاتُ تأثير كبير في مجالات الحياة كلّها، ومنها مجال التّعليم. وهذه مقدّمة كبرى بدت لنا واضحة في قراءة الباحث للواقع التّربويّ موصولا بالخلفيّة الاجتماعيّة، واتّضح لنا أيضا ارتباطُ تلك المقدّمة بفكرتين تسيران بالتّوازي وتَحظيان بالقدر نفسه من الأهميّة. أولاهما الحفاظ على وجود المؤسّسة التّربويّة ووظيفتها في المجتمع، وثانيتهما الدّفاع عن ضرورة تجديدها.
لا نعدم في الكتاب حديثا عن إلغاء المدرسة. ونجد إشارات إلى آراء المفكّريْن «إيفان إليتش» (Ivan Illich 1926-2002) و«ألفين توفلر» (Alvin Toffler 1928-2016) واستشهادا ببعض أقوالهما في هذا الشّأن. إنّ بينهما اختلافا في المنطلقات، إذ لكلّ منهما رؤيته وسياق تفكيره، لكنّهما أثارا أسئلة على صلة ببقاء المدرسة وبتمسّكنا بها والحالُ أنّ دورها متراجع ونجاعتها مشكوك فيها. مثّل الأوّلُ تيّارا ينادي بإلغاء هذه المؤسّسة لأنّها تقوم بعمليّة التّرويض والتّطبيع ولضعف الصّلة بين الثّقافة الشّكليّة الّتي تُزوّد بها الأطفال والواقع الاجتماعيّ الّذي يعيشونه. وكانت للثّاني تصوّرات مندرجة ضمن بحثه في المستقبليّات ووظيفة التّربية في المجتمع ما بعد الصّناعيّ، مجتمع المعرفة والثّورة الرّقميّة والمعلوماتيّة.([59])
ومن الواضح، حسب رأينا، أنّ مقصد الباحث من إيراد هذه الفكرة عن انتفاء الحاجة إلى المدرسة هو التّنبيه إلى منزلتها الإشكاليّة في عصرنا. لقد باتت قاصرة لا تواكب التّطوّر، وهي تؤبّد التّلقين والقمع. ومن المشروع، إذن، التّساؤل عن استمرارها في هذه الأزمنة الحديثة المليئة بالمستجدّات والتّحدّيات.
ولا يُستغرب أن ينشأ تفكير حول هذا الموضوع، بل هو أمر مطلوب ومُلحّ. وقد شغلت أزمة التّعليم الرّاهنة وسبلُ معالجتها الدّارسين. فهذه مجلّة فرنسيّة مختصّة في مجال التّربية تورد ملفّا عن دور المدرسة في الحاضر وصورتها في المستقبل.([60]) ويرى كاتب أحد المقالات أنّ بمقدور المدرسة – متى تجدّدت – أن تتجاوز أزمتها في القرن الحادي والعشرين فتحدّ من تأثير ما ينافسها على عقول أبنائها من وسائل تكنولوجيّة حديثة.([61])
ويذهب كاتبُ مقالٍ آخرَ إلى أنّه يَلزم القائمين عليها والمدافعين عنها أن يُحسنوا تشخيص أدوائها ليقدّموا لها ما يناسب من علاج.([62]) إنّ المدرسة الّتي علينا تجاوزها وإلغاؤها هي تلك الّتي يكون التّعليم فيها معاديا للتّربية.([63]) وذلك أنّ التّربية تتوجّه في الأصل إلى عقل الطّفل وروحه، ولكنّ التّعليم الّذي نشهد انتشاره وسيادته يسير في اتّجاه مناقض فيعلي من شأن الذّاكرة والحفظ والتّلقين. ويجسّم مثلُ هذا التّعليم التّقليديّ التّلقينيّ، بصفة عامّة، مخالفة للطّبيعة وغربة عن العصر ومعاداة للإنسان وتحطيما لإرادته. للمدرسة مستقبل بشرط أن تثبت قدرتها على تقديم أجوبة مناسبة وإبداع حلول مبتكرة لتأسيس علاقة جديدة بالمعرفة والاستجابة للتّغيّر في طبيعة العمل وفي الأنشطة المهنيّة. يُنتظر منها أن تُجيد التّحاور والتّفاعل مع عولمة طاغية غير متراجعة، تحمل آمالا وتنطوي على مخاطر. ويقدّم لنا علم الاجتماع التّربويّ موجّهات تساعدنا في هذه السّبيل. فالمقاربات المستندة إلى هذا الحقل المعرفيّ تتيح لنا أن نفهم الاهتزازَ في النّماذج التّربويّة القديمة ممّا يجعلها مهدّدة بالزّوال، وتنبّهنا إلى ضرورة أن نُعيد تصوّرَنا لكينونة التّربية وهويّتها وأن نفكّر فيها ضمن علاقتها بالمجتمع والثّقافة حتّى تستعيد صورتها المشرقة في نفوسنا وعيوننا وحتّى تضطلع بدورها في كلّ أبعاده العلميّة والقيميّة والثّقافيّة.
لا حظّ ولا أمل للمدرسة في المحافظة على مكانتها إلاّ إذا اندمجت في سياق المجتمع الجديد، وتحوّلت إلى فضاء تنشأ فيه الرّوح النّقديّة الإبداعيّة وتزدهر. والتّربية العربيّة المعاصرة – مثلُ الثّقافة العربيّة المعاصرة – في مواجهة تحدّيات كبرى بعضها ذاتيّ على صلة بالموروث وبعضها آتٍ من التّأثيرات والاختراقات الخارجيّة.
حين نستهدي بمدخل سوسيولجيا التّربية، فننظر إلى المدرسة موصولة ببيئتها الاجتماعيّة والثّقافيّة والسّياسيّة، تَظهر لنا ظواهرها انعكاسا لما حولها وارتباطا به. لكن، نرى من زاوية أخرى أنّه بالإمكان أن تُوجَّه هذه المؤسّسة لنحت أنموذج تعليميّ ينشأ فيه المتعلّم واعيا بواقعه وبمكانه من عالمه وعصره، ومؤثّرا بصفة فعّالة وإيجابيّة في حياته وحياة الآخرين.
ليس الغرض من التّعليم في ضوء التّطوّرات والتّحوّلات الّتي نشهدها جمعَ المعارف وحشدَ المضامين، وليس المطلوب من المعلّم أن يكون مالك المعرفة والمتصرّف فيها والمانح لها، بل الأهمّ المُقدّم على كلّ ما سواه هو أن يكتسب المتعلّمون منهجيّة نقديّة تعينهم على بناء معارفهم بأنفسهم وعلى مواجهة وضعيّات الحياة وحلّ المشكلات الّتي تعترضهم. ويستند الباحث إلى تقارير الهيئات المختصّة ليؤكّد أنّ المصير العربيّ رهين بالطّريقة الّتي ستسلكها تربية الأبناء في القرن الحادي والعشرين. ثمّ يعدّد المبادئ الّتي ينبغي أن تراعيها رؤيتنا للإصلاح الحقيقيّ في مجال التّربية.([64]) إنّ شرط بقاء المدرسة والإبقاء عليها هو إدخال التّغييرات الجوهريّة العميقة على أدائها. ولا يتأتّى ذلك إلاّ إذا أقمنا تصوّرنا للتّربية على أساس فلسفيّ يضمن تحقيق الإنسانيّة في الإنسان ويسمح للطّفولة بأن تنمو في الطّفل.([65]) ونضيف أنّه من المهمّ أن يقع الاعتماد على الخيال ومَلَكة التّخيّل في إنجاز الأنشطة التّعليميّة وتقوية الدّافعيّة والتّرغيب.([66]) وممّا تتأكّد الحاجة إليه أيضا تدريسُ الأدب، ففي النّصوص الجميلة معنى يجده المتعلّم ونافذة يرى منها الحياة والعالم.([67])
كما يُطلب إلينا، بصفة عامّة، أن نُصحّح العلاقة بين التّعليم والتّربية. يَقضي المبدأ والمنطق بألاّ يتعارضا، وبأن يكون التّعليم خادما للتّربية بكلّ أبعادها ومحرّرا للفرد من حالة الاغتراب والقهر والخنوع، وأن يكون نقديّا وبنّاءً، فيعطي الثّقة والعزمَ لملاقاة المستقبل والتّفاعل الخصب مع إيقاعه السّريع وتحوّلاته وطفراته.
المجتمع العربيّ مدعوّ، إذن، إلى خوض معركة تحرّر والمدرسةُ ساحتُها. فالتّربية النّقديّة التّنويريّة ضرورة تاريخيّة في هذه المرحلة من الصّراع الحضاريّ وفي مواجهة ما يسِمُ الثّقافة من أميّة وتخلّف وتعصّب.([68]) ويُعتبر تجديدُ المدرسة جزءا من الثّورة الثّقافيّة الّتي على المجتمع العربيّ بأسره أن ينخرط فيها ليراجع ويصلح ويطوّر، وليتمكّن من بلوغ الحداثة. وهي «خطاب ثقافيّ جديد يقترح على الوعي العربيّ رؤية مختلفة للعالم والمجتمع والثّقافة متمايزة عن الرّؤى والتّصوّرات السّائدة.»([69])و«إبداع واقتحام يجذّف ببطولة ضدّ التّيّار كي يؤسّس للنّفس مكانا.»([70])
إنّه مجتمع يعيش في خضمّ تحوّلات، وإنّهم أفراد يجدون أنفسَهم في عالم يغزونا بتطوّره وبما يأتي معه من وعود وتهديد، وإنّه دور متعاظم تضطلع به المدرسة لتُرافق وتُواكب وتُلائم. وما كان لنا أن ندرك هذه الحقائق إلاّ من منطلق فهم عميق للتّربية ووقوف على هويّتها الإنسانيّة نحن مَدينون في اكتسابهما للعلم المختصّ. فالظّاهرة المدرسيّة والمسألة التّربويّة هما من تجلّيات المنزلة الاجتماعيّة القلقة ومن تبعات الإشكاليّة الحضاريّة المُمضّة. وحين نقرأ علم الاجتماع التّربويّ بتمعّن وتدبّر نمتلك مفاتيح هذه الأبواب.
وليس التّصدّي للإصلاح – الّذي من أجله كان هذا الكتاب – مجرّد اختيار فكريّ، إنّه امتثال لضرورة حياتيّة ووجوديّة. وعلى هذا الأساس، يغدو الاهتمام بالتّربية وبدورها في الخلاص واجبا أخلاقيّا. إنّها المرآة التّي تنعكس عليها الظّواهر الاجتماعيّة، وما تحجب حقيقتُها هذه قدرتَها على أن تكون سببا ودافعا للتّغيير. للكتاب فكرته المحرّكة الّتي لا يحيد عنها، وهي أنّ المؤسّسة التّربويّة – بكلّ من يؤمّها ويشرف عليها، وبكلّ ما يجري فيها وينظّمها – هي نتيجة للأحوال الاجتماعيّة الّتي تقع خارجها. لكنّ الرّهان الطّموح الّذي يسكن الباحثَ هو، في رأينا، أن تكون هذه المؤسّسة موجّهة للمعطى الاجتماعيّ ومؤثّرة في الأوضاع الحياتيّة. لا مراء في أنّ المدرسة تابعة، ولا مانع من أن تكون قائدة.([71])
لقد أثبت التّحليل أنّ المدرسة تفتح أبوابها للجميع، لكنّ فرص النّجاح فيها محدودة وعللُ ذلك معلومة. فكانت الأسئلة الّتي يجدر بنا طرحُها في انسجام مع تلك المنطلقات: كيف نجعل المدرسة رمزا للارتقاء الاجتماعيّ بحقّ؟ وكيف يمكن للمشروع التّربويّ المستنير أن يكون مقدّمة للمشروع الحضاريّ التّحرّريّ؟ ما الّذي يكفل تجسيم إرادتنا في الخروج من أوضاع الاستلاب والاستعباد والقهر للظّفر بمأمولنا في المساواة والرّخاء والدّيموقراطيّة والحياة الكريمة الآمنة؟
إنّ الكتاب الّذي أطال في وصف الواقع ومعطيات الميدان، ودَعَم ما قدّمه من أطروحات وآراء بجهاز نظريّ متين هو في جانب مهمّ من جوانبه دعوة إلى التّنبّه واليقظة، بل فيه حثّ على الفعل الّذي يُحوّل التّربية من صورة تمثّل الأزمة والتّدهور إلى طريق للأمل والحريّة والإبداع.
وإن تكن حقيقة الإنسان اجتماعيّة وإن يكن يمثّل ذاتا تُحدّدها ظروفُها، فلا شيء يحول دون تطوير شخصيّته المتحرّرة من كلّ الحتميّات. وتُسعفه التّربية بأدوات هذا التّحرّر وتمدّه بوسائل الخلاص.
وهكذا يظهر علمُ الاجتماع التّربويّ في خدمة الإنسان حاضرِه ومستقبلِه. يتحرّى – من ناحية – متطلّبات الموضوعيّة والعقلانيّة في وصف السّائد والموجود، ويُشيد – من ناحية أخرى – بالتّوق والتّطلّع إلى التّغيير ويُحلم الكائنَ بهما. فتتحقّق في الأنموذج الإنسانيّ المنشود التّنمية الحقيقيّة بمستوييها: «تنمية الظّروف المادّيّة للحياة وتنمية الجوانب الرّوحيّة والثّقافيّة»([72])
خاتمة:
نجني من قراءة «سوسيولوجيا التّربية» للدّكتور علي أسعد وطفة فوائد جمّة. نعرف أوّلا أنّ علم الاجتماع التّربويّ هو في عصرنا، المختلف تماما عن العصور السّابقة، من أهمّ العلوم الاجتماعيّة وأكثرها حضورا وتأثيرا. فالحاجة إلى استلهام مناهجه ومفاهيمه ومقولاته متأكّدة. ويؤاخذ الباحث على العرب تقصيرَهم وعَوَزَهم الفكريّ في هذا المجال، كما يلاحظ في المناهج الجامعيّة والتّعليميّة غلبة التّحفيظ والتّلقين وقلّة الاعتناء بتطوير الحسّ النّقديّ لدى الطّلبة، لذلك يطمح إلى أن يكون كتابه مسدّدا للنّقص ومؤسّسا لعلم اجتماع عربيّ واعد بثورة ثقافيّة عارمة تبدأ بتجديد النّظام المدرسيّ. ويكمن العدولُ عن المألوف في الطّريقة الّتي تُنُوولت بها المواضيع الاجتماعيّة والتّربويّة – فهي مختلفة عن السّائد في التّأليف وفي التّدريس – وكذلك في طرح الأسئلة الّتي تشجّع على التّفكير والبحث. ومن مقاصد هذا التّأليف تأهيلُ القرّاء – من الطّلبة خاصّة – ليكونوا قادرين على التّحلّي برؤية موضوعيّة في طَرق المسائل وعلى الخوض في لجّة هذا العلم، وليواجهوا ما ينبثق عن العصر من ظواهر ومشكلات معقّدة، وليكونوا، من ثَمَّ، رسلا ينشرون الوعي النّقديّ ويبثّون روح التّحرير والتّنوير.
وممّا نغنمه من مطالعة الكتاب أنّنا نظفر فيه باتّجاه في التّفكير الإنسانيّ لا ينحصر في دائرة مبحثه الأصليّ المخصوص بل يتعدّاه إلى المباحث الّتي له بها صلة، فيَبرُز على نحو جليّ تقاطع المجالات وتعدّد الاختصاصات، وتحصل للقارئ ثقافة ودراية بمعارف شتّى، من الحقول الاجتماعيّة والفلسفيّة والعلميّة والتّقنيّة. وقد سُخّرت هذه الرّوافد لإخراج التّربية في صورتها الثّريّة المعقّدة الّتي تتداخل فيها عدّة أبعاد وجوانب، ولإيضاح ما يرتبط بالمؤسّسة التّعليميّة – مدرسة كانت أو جامعة – من رهانات وما تفتحه دراستها من آفاق واسعة. فهي دعامة للتّقدّم الحضاريّ وتطويرُها شرط أساسيّ لبناء المشروع المجتمعيّ المرغوب فيه.
وقد جسّم الباحثُ أبرز الخصال المطلوبة في مجال البحث العلميّ، فبسط موضوعه بعمق ووضوح، وواجه قرّاءه وجمهوره بشجاعة ونزاهة، وحرّكه في معالجة القضايا طموح وعزم هوّنا أمامه الصّعاب. فأثمر الجهد المبذول في الكتابة انبثاق صوت قويّ جريء ينادي بتطوير الدّراسات في مجال علم الاجتماع التّربويّ ومن أجل بناء وعي تربويّ عربيّ. لم تكن السّبيل الّتي سلكها الكاتب مذلّلة. لكنّه أثبت إصرارا وتصميما على المسير ومضى في رحلته وكأنّه يتمثّل بقول ابن المقفّع: «مَنْ لَمْ يَرْكَبِ الأهْوالَ لَمْ يَنَلِ الرّغائبَ». أجاد القراءة والإنصات وبرع في التّحاور وأتقن وضع الأسئلة. نقل إلينا كثيرا من حيرته وقليلا من يقين بلغه. كشف لنا حقائق صادمة ورسم لنا صورة قاتمة، وما كان ذلك لإحباطنا وإنّما ليزيّن لنا النّقيض والبديل ويرغّبنا في أن نسعى إليه ونعمل على تحقيقه.
لا يُطلب من مثل هذا المثقّف المستنير أن يقتصر على الكتابة والتّأليف بغاية التّسجيل والوصف، بل يتعدّى ذلك إلى المساءلة والمراجعة والنّقد، ثمّ الابتكار والإبداع والتّأسيس. قد لا يُواتي ما يقوله الرّأيَ العامَّ وقد لا يوافق هوى الجمهور،([73]) لكنّه مدعوّ إلى الإصداع بما يراه حقّا – مهما كان ذلك مُرّا موجعا – وإلى اختطاط المسالك الصّعبة غير المُعبّدة واقتراح الرّؤى والمشاريع الجديدة الجريئة.
ولئن أقرّ الباحث في خاتمة مؤلّفه بأنّه كلّما تقدّم خطوة واقترح فكرة وضع نفسه في مواجهة أسئلة جديدة ومسارات متعدّدة وأبعاد عميقة، وبأنّ مشروعه غير مكتمل – لأنّ قضايا علم الاجتماع التّربويّ متجدّدة بتجدّد قضايا الوجود الاجتماعيّ والإنسانيّ -، ولئن كشف لنا جانبا من معاناته حين كان مُضطرّا لحذف بعض الفصول خوفا من التّطويل – ولأنّ مسائل التّربية أعظم من أن يُحاط بها في كتاب واحد -، فإنّ له مزيّة كبرى لا تُنكر، وهي توفّقه إلى غرس بذور لسوسيولوجيا تربويّة عربيّة مدعوّة إلى التّساؤل والتّجديد لتكون عونا على الإصلاح وباعثا للأمل. لا شكّ في أنّ العراقيل كثيرة، لكنّ عنصر القوّة المساعد هو ما ينطوي عليه علم الاجتماع التّربويّ من حيويّة فكريّة وما يمدّنا به من طاقة نقديّة ناجعة. تلك هي المنطلقات السّليمة لبناء نمط تعليميّ يستجيب لطبيعة المرحلة التّاريخيّة ولحالة المعرفة وإيقاعها في عصرنا وللبيئة العالميّة الملآى بالوعود والإكراهات. وهذا العلم المٌبشّر به يوقظ الوعي بالمشاكل ويٌخرج من أوضاع الجمود والقصور. والغاية الثّاوية هي أن تكون معرفة الحقائق الاجتماعيّة التّربويّة – معرفة علميّة نقديّة – هي المقدّمة الضّروريّة للإصلاح التّربويّ ولبلوغ التّنمية ولبناء المشروع الثّقافيّ الحداثيّ الدّيموقراطيّ.
أمّا وقد ظهر الكتاب على النّاس، فإنّه خرج من كاتبه إلى قارئيه. وبوجود الأطراف المتعدّدين تُتقاسم الأعباء والمهامّ وعليهم تتوزّع، فيصحّ العزم على إنجاز الفعل والمضيّ بالعمل إلى أقاصيه ومآلاته.
هذا كتاب قرأناه فشدّنا وأجاب عمّا انتظرناه منه وعمّا جال في خاطرنا، ثمّ كتبنا حوله هذا المقال آملين أن نعرّف به ونَفِيَه بعض دَينه علينا. ولا نُغالي في شيء إن ذهبنا إلى أنّ كتابا في مثل قيمة «سوسيولوجيا التّربية: إضاءات نقديّة معاصرة» وعطائه وإضافته لجدير بأن يصحّ فيه قولان للأديب التّونسيّ الكبير محمود المسعدي: «وإنّ هذا الكتابَ كالصّوت أو كالصّيحة في وادٍ به حاجة إلى ما يردّد صداه ويُسري فيه خَلجة الحياة.» و «وإنّ كلّ كيان لَجَهدٌ وكسبٌ منحوت».
*الدّكتور خير الدّين زرّوق: كاتب وباحث أكاديمي تونسي – متفقّد عامّ خبير في التّربية .
مراجع المقالة وهوامشها :
* – الدّكتور خير الدّين زرّوق: كاتب وباحث أكاديمي تونسي – متفقّد عامّ خبير في التّربية .
[2] – علي أسعد وطفة : باحث وأكاديميّ سوريّ مهتمّ بقضايا فلسفيّة وتربويّة، كتب مؤلّفات ودراسات ومقالات عديدة ومتنوّعة تتناول التّربية وعلم الاجتماع التّربويّ والتّنمية وتتّصل بمواضيع مجاورة. ويتولّى الدّكتور علي أسعد وطفة التّدريس في جامعة التّربية (كليّة التّربية) بالكويت، ويشرف على تأطير الطّلاّب والباحثين.
[3] – «سوسيولوجيا التّربية : إضاءات نقديّة معاصرة»، مكتبة الكويت الوطنيّة ومركز نقد وتنوير للدّراسات الإنسانيّة غرناطة، الطّبعة الأولى، 2024
يقع الكتاب في 722 صفحة
[4] – يعتبر النّاقد التّونسيّ محمود طرشونة : « أنّ أفضل تكريم لأيّ نصّ كان هو قراءته. ليست بالطّبع القراءة العاديّة الّتي لا تتجاوز الاطّلاع […] بل نقصد القراءة المتأـنّية المتأمّلة.»
راجع : تقديم رواية «وقائع المدينة الغريبة» لعبد الجبّار العشّ، طبعة دار الجنوب للنّشر، تونس، مارس 2017، ص : 11
[5] – يعتبر التّصدير (Épigraphe) من عتبات النّصّ(Les seuils) ، وإضافة إلى وظيفته التّمهيديّة فهو مساعد على قراءة المتن ومُطلع على وجهته.
ولفظة «العتبة» نسبة إلى كتاب «جيرار جينات» ( Gérard Genette ) ، وعنوانه بالفرنسيّة : « Seuils »
راجع :
Seuils , Collection « Poétique » , Éditions du Seuil , Paris , Février 1987
[6] – يحتوي الفصل السّادس عشر على تصديرين أوّلهما لأدونيس والثّاني للكاتب.
* كلّ قولة للكاتب واردة تصديرا هي مقتطفة من متن الفصل.
[7] – «سوسيولوجيا التّربية : إضاءات نقديّة معاصرة» ، ص : 13
[8] – المصدر نفسه، الصّفحة نفسها
[9] – ليس هذا النّقد محصورا في المقدّمة فقط بل هو منتشر في تضاعيف الكتاب، انظر على سبيل المثال : المصدر نفسه، ص : 536
[10] – المصدر نفسه، ص : 22
[11] – راجع المصدر نفسه، ص : 56
[12] – راجع المصدر نفسه، ص ص : 14 – 15
[13] – المصدر نفسه، ص ص : 33 – 36
* نجد وقفة خاصّة عند تأسيس ابن خلدون لعلم العمران البشريّ. راجع : المصدر نفسه، ص ص : 47 – 48
[14] – راجع المصدر نفسه، ص : 45
[15] – راجع المصدر نفسه، ص ص : 36 – 41 وص ص : 48 – 55
[16] – نذكر منها خاصّة الفصول : السّادس والسّابع والثّامن والتّاسع والعاشر والثّاني عشر والثّالث عشر والرّابع عشر والخامس عشر والسّادس عشر والسّابع عشر …
[17] – يعود إليه الفضل في اعتبار علم التّربية علما اجتماعيّا، المصدر نفسه، ص : 616 وما بعدها
وقد تواتر الحديث عن عطائه الفكريّ (في الفصلين الأوّل والثّاني، خاصّة. كما أفرد له الفصلُ الحادي والعشرون، باعتباره يمثّل أحد أهمّ النّماذج الرّياديّة).
[18] – المصدر نفسه، ص ص : 59 – 61
[19] – يوضّح الباحث أنّه يستخدم مصطلحَيْ «سوسيولوجيا التّربية» و«علم الاجتماع التّربويّ» على وجه التّطابق والتّماثل، وهو شأنه مع مصطلحَيْ «سوسيولوجيا» و«علم الاجتماع»، المصدر نفسه، ص : 42
[20] – نقد الباحثُ الأستاذَ الجامعيّ الحبيس في صورته التّقليديّة النّمطيّة.
وهو في كتابه يقدّم الأنموذج المضادّ المنشود. فالأكاديميّ المطلوب هو الباحث المُسائل الباني، والأستاذ هو المتنوّر المثقّف المبدع. راجع المصدر نفسه، ص : 475
وهذه الملامح المطلوبة هي ما يتوفّر لدى الباحث نفسه، فهو لا يكتفي بإطلاعنا على النّصوص المؤسّسة، بل هو يحاورها ويسائلها وينقدها ويضيف عليها ويؤكّد راهنيّتها. وكانت مواضعُ إعمال الرّأي عديدة. فمنها : نقد تناول السّابقين له. المصدر نفسه، ص : 390 وما بعدها
ومنها تخصيص الفصل الثّالث لعرض نقديّ للاتّجاهات الرّئيسيّة في علم الاجتماع التّربويّ وذلك ببيان خلفيّاتها الإيديولوجيّة، وهو نقد لا يستثني علمَ الاجتماع نفسَه : «ومن المؤسف حقيقة أن نعلن أنّ علم الاجتماع قد وُلد في رحم الأيديولوجيا الرّأسماليّة.» المصدر نفسه، ص : 89
[21] – التّعريف (la définition) من أساليب الحجاج، فعندما يُضبط حدّ لمفهوم يُراد تقديمه فذلك ممهّد للاتّفاق مع المتلقّي على منطلق مشترك، ممّا يساعد على الإقناع بمعناه.
راجع :
Jean-Jacques Robrieux, Rhétorique et argumentation, sous la direction de Daniel Bergez, 2è édition revue et augmentée , NATHAN / HER , Paris , 2000, p : 143 et pages suivantes
[22] – كما أحال على تجربة تربويّة مع طلاّب في كلّيّة التّربية بالكويت. راجع «سوسيولوجيا التّربية»، ص : 398
[23] – يخصّ الأمر أسئلة عن مفهوم الإيديولوجيا. المصدر نفسه، ص ص : 323 – 324
[24] – المصدر نفسه، ص : 628
وجدير بالذّكر أنّ للكاتب كتبا أخرى حول هذا الموضوع، وهو يحيل عليها كلّما دعت الحاجة إلى ذلك. راجع، مثلا : المصدر نفسه، ص : 163
[25] – راجع : نور الدّين شيخ عبيد، مقال التّقانة .. مقاربة ثقافيّة واجتماعيّة، ضمن مجلّة عالم الفكر، العدد 1 – المجلّد 40 ، يوليو – سبتمبر 2011، ص ص : 220 / 221
[26] – تحضر في خاتمة الكتاب صورة الرّحلة مع معجمها. وتوضّح هذه الاستعارة السّبيلَ الّتي قطعها الباحث والمجهودَ الّذي بذله في تتبّعه لموضوعه وفي سعيه إلى تأصيله وتوجيه اهتمام القرّاء للتّفكير فيه.
[27] – المصدر نفسه، ص ص : 360 – 366 و670
[28] – المصدر نفسه، ص ص : 452 – 455
[29] – المصدر نفسه، ص ص : 445 – 448
[30] – العبارة هي لعبد الحقّ منصف، راجع : رهانات البيداغوجيا المعاصرة، دراسة في قضايا التّعلّم والثّقافة المدرسيّة، أفريقيا الشّرق، الدّار البيضاء – المغرب، 2007، ص ص : 175 – 176
* في مثل هذه النُّظم تُنسى حقيقة جوهريّة تتمثّل في أنّ الإنسان هو محور التّعليم. وفي هذا المعنى يقول ميخائيل نعيمه (1889 – 1988) الأديب اللّبنانيّ المعروف بالتّأمّلات العميقة وبعيدة الأغوار :
« فلا بدّ من يوم تنقلب فيه مناهج التّعليم رأسا على عقب. إذ لا بدّ من أن يشعر النّاسُ بحاجتهم إلى أكثرَ من مهندسين وأطبّاء وقضاة ومحامين وشعراء وفنّانين وحاملي شتّى الشّهادات من الابتدائيّة حتّى الدّكتوراه. فالإنسان كان وسيبقى إنسانا من قبل ومن بعد أن كان ذا حرفة أو مهنة أو وظيفة. ومهمّته الأولى والأخيرة هي أن يعرف الإنسانَ.»
ميخائيل نعيمه، صوت العالم، مؤسّسة نوفل، بيروت – لبنان، الطّبعة التّاسعة، 2007، ص ص : 112 – 113
[31] – هذه هي العبارات المستخدمة في وصف خيبة الطّلاّب وهم يعلمون بحقيقة المدرسة : «لا أستطيع أن أنسى أبدا هذه الصّدمة الّتي ترتسم آثارها على وجوه الطّلبة في كلّ مرّة نشرح لهم فيها الوظائف الطّبقيّة والأيديولوجيّة للمدرسة. نعم إنّهم يصابون بحالة من الذّهول والاندهاش والتعجّب والاستغراب. ولا سيّما عندما يأخذون علما ولأوّل مرّة في حياتهم أنّ المدرسة ساحة للصّراع الطّبقيّ .» «سوسيولوجيا التّربية» ، ص : 406
[32] – نشرت صحيفة «لوفيغارو» (Le Figaro) الفرنسيّة نصّا لـ «فرديناند بويسون» (Ferdinand Buisson) يتحدّث فيه عن المدرسة الّتي تنفّر التّلاميذ وتبعث فيهم الضّجرَ. والنّصّ بعنوان : «الضّجر في المدرسة»
انظر :
L’ennui à l’école, In Le Figaro , du 14 janvier 2003
وانظر بشأن التّعريف بفرديناند بويسن وبعض آرائه :
Dictionnaire encyclopédique de l’éducation et la formation, Éditions NATHAN, Paris, 1994, p p ; 136 – 137
[33] – «سوسيولوجيا التّربية»، ص : 18
[34] – المصدر نفسه، الصّفحة نفسها
[35] – المصدر نفسه، ص ص : 524 – 525
[36] – يبرّر الباحث – بما يشبه الاعتذار – تصويرَهُ القاتمَ وإيغالَه في وصف ما هو سيّء. فذانك ضروريّان وهما غير باعثين، في رأيه، على الإحباط. يقول : «سرد التّحدّيات ووصف الوضعيّات الاغترابيّة لا يعني الاستسلام لقدر الهزيمة والعجز عن مواجهة التّحدّيات والخلود إلى الأحلام والأوهام. ومن المؤكّد أيضا أنّ هذه السّرديّات الحزينة لا تعني يأسا ولا قنوطا ولا تشاؤما مطلقا»، المصدر نفسه، ص ص : 20 – 21
[37] – المصدر نفسه، ص : 536
[38] – «أدّت التّربية العربيّة دورها التّاريخيّ في إنتاج وإعادة إنتاج الجوانب القاتمة في حياتنا الاجتماعيّة وغيّبت كلّ إمكانيّات التّقدّم وعرقلت كلّ عوامل الانطلاق إلى حياة أفضل» المصدر نفسه، ص : 523
[39] – المصدر نفسه، ص : 171
[40] – نادر كاظم، مقال المعرفة المُدجَّنة، سلطة الاستبداد والجامعة والجماليّة المفرطة، ضمن مجلّة فصول، العدد 81 – 82 ، ربيع / صيف 2012 ، ص : 138
[41] – «سوسيولوجيا التّربية»، ص : 465
يقول في هذا الشّأن أحمد صادق عبد المجيد : «والحرّيّة الأكاديميّة ليست حرّيّة الكلام أو التّدريس كما يرغب أعضاء هيئة التّدريس بالجامعةـ بل هي ممارسة لمهنة العلماء داخل المؤسّسة التّعليميّة وخارجها […] فالتّعليم في كلّ المستويات علليه مسؤوليّة تجاه المجتمع والمشكلات الّتي يواجهها. ومن ثَمَّ فإنّ الفكرة الرّئيسة للحرّيّة الأكاديميّة يجب ألاّ تعنيَ التّحرّر من المسؤوليّة تجاه الطّلاّب، ولكنّها مناخ ضروريّ للمعلّم والمتعلّم لتنمية التّفكير الإبداعيّ في القرن الحادي والعشرين.»
انظر : مقال الحرّيّة الأكاديميّة لدى أعضاء هيئة التّدريس في الجامعات العربيّة وعلاقتها بالقيمة العلميّةالمضافة واستشراف المستقبل التّكنولوجيّ ، ضمن مجلّة عالم الفكر، العدد 171، يناير – مارس 2017، ص : 284
[42] – ميخائيل نعيمه، سبعون، حكاية عمر 1889 – 1959 ، المرحلة الأولى 1889 – 1911 ، مؤسّسة نوفل، بيروت – لبنان ، الطّبعة الحادية عشرة، 2008، ص : 221
[43] – «سوسيولوجيا التّربية»، ص : 536 وما بعدها
[44] – المصدر نفسه، ص : 524
[45] – المصدر نفسه، ص : 637
[46] – المصدر نفسه، ص : 535
[47] – المصدر نفسه، ص : 432ا
[48] – يُنتظر أن تُعلّم المدرسة الدّيموقراطيّة وتربّيَ النّاشئة على مبادئها وقيمها، فيعرف التّلاميذ والطّلبة فضائلها ويسعون إلى نشرها في المجتمع. راجع : المصدر نفسه. ص ص : 247 – 253
[49] – وهي فكرة أكّدها «بنوا غالون» (Benoît Galand) عالم النّفس وأستاذ علوم التّربية البلجيكيّ.
انظر :
Benoît Galand, Réussite scolaire et estime de soi, In Sciences Humaines , Hors-série Spécial № 5 , novembre-décembre 2006, p p : 65 – 68
[50] – التّلقين أيديولوجيا تدميريّة : هذه العبارات واردة في العنوان الفرعيّ (Le Sous-titre) للفصل السّادس عشر.
[51] – «فالمعرفة لم تعد غاية التّربية وهدفها، بل أصبحت الغاية هي تمكين الأطفال والنّاشئة من تحديد مصادرها والوصول إليها وتصنيفها وتظيفها في حلّ المشكلات ومواجهة التّحدّيات.» «سوسيولوجيا التّربية»، ص : 538
[52] – نور الدّين شيخ عبيد، مقال التّقانة .. مقاربة ثقافيّة واجتماعيّة، مرجع مذكور، ص ص : 215 – 218
[53] – راجع «سوسيولوجيا التّربية»، ص ص : 597 – 600 وص ص : 618 – 622 وص ص : 627 – 629 وص ص : 636 – 637
[54] – الاغتراب التّربويّ وارد في عنوان الفصل الخامس عشر. وفي متن الفصل.
«يتجاوز الاغتراب ذاك الإحساس بالاستغلال الّذي تصوّرته الماركسيّة في النّظام الرّأسماليّ، فليس هو ذا طابع اقتصاديّ سياسيّ فقط بل هو شامل للمنزلة الإنسانيّة لأنّه يقوم على الإحساس بالقهر والغربة» ويخلص الباحث إلى أنّ ما سمّاه «الاغتراب التّربويّ» يلغي البعد الإنسانيّ في الإنسان. راجع المصدر نفسه، ص : 426 وص ص : 430 – 432
[55] – المصدر نفسه، ص ص : 539 و 541
[56] – المصدر نفسه، ص : 540
[57] – المصدر نفسه، ص : 542
[58] – من أمثلة ذلك العناية الّتي وُجّهت للتّربية الإعلاميّة : «لا يمكن الفصل بين وسائل الإعلام الرّقميّ الجديد ومكوّنات العمليّة التّربويّة» المصدر نفسه، ص : 208
فهي – بمساهمتها في تقوية الحسّ النّقديّ – ذات فضل في التّحصين من خطر الآفات. المصدر نفسه، : ص ص : 209 – 2013 و ص ص : 216 – 217
وتوجد إمكانات لتوظيف الثّورة الإعلاميّة في التّعلّم. المصدر نفسه، ص ص : 226 – 229
* كما نذكر مبادئ التّربية الدّيموقراطيّة، المصدر نفسه، ص ص : 244 – 253
* ونذكر الدّعوة إلى مواجهة التّطوّر التّكنولوجيّ بتوجّه تعليميّ يؤصّل البعد الأخلاقيّ، مع الاعتناء بتطوير التّعليم المهنيّ والتّقنيّ وتأهيل الطّلبة لمواجهة المتطلّبات الجديدة لسوق العمل والتّوظيف، إضافة إلى تطويع الوسائل التّربويّة التّعلّميّة للاندماج في العالم الافتراضيّ… راجع المصدر نفسه، ص ص : 597 – 604
* ونضيف إلى ما تقدّم أهميّة مراعاة معطيات التّجربة الحقيقيّة للحياة التّربويّة حتّى لا يبقى النّظريّ متعاليا غير قابل للتّطبيق. المصدر نفسه، ص ص : 391 – 393
[59] – راجع المصدر نفسه، ص ص : 283 و641 – 644
والسّؤال المستوحى من تفكير «ألفين توفلر» هو هذا : «إذا كان التّعليم الجديد سيحاكي مجتمع الغد فهل ينبغي أن يتمّ في مدرسة أصلا ؟» المصدر نفسه، ص : 644
[60] – هي مجلّة :
Le Monde de l’Éducation , № 349 , Juillet-Août 2006
وقد حملت هذا العنوان :
Penser les savoirs du XXIè siècle, crises de l’école et remèdes
[61] – Bernard Stiegler , La consommation impose sa loi , In Le Monde de l’Éducation, № 349 , Juillet-Août 2006, p p : 22 – 25
[62] – Régis Debray, Transmettre et partager, In Le Monde de l’Éducation, № 349 , Juillet-Août 2006, p p : 28 – 31
[63] – «تعمل المدارس والمؤسّسات التّعليميّة غالبا بطريقة تجعل التّعليم نفسه ضدّ التّربية وضدّ المجتمع»، «سوسيولوجيا التّربية»، ص : 440
[64] – المصدر نفسه، ص ص : 537 – 539
[65] – يستند الكاتب إلى ما أكّده بهذا الشّأن الفيلسوفُ الفرنسيّ «جان جاك روسّو» (Jean-Jacques Rousseau) في كتابه عن التّربية.
راجع :
Jean-Jacques Rousseau, Émile ou de l’éducation (Livre second), Introduction, bibliographie, notes et index analytique par François et Pierre Richard, Éditions Garnier Frères, Paris, 1964, p : 78
[66] – للتّوسّع حول هذا الموضوع :
شاكر عبد الحميد، الخيال من الكهف إلى الواقع الافتراضيّ، سلسلة عالم المعرفة، عدد 360، فبراير 2009، ص ص :
ص ص : 468 – 470
ويضيف هذا الباحث : «التّربية الخياليّة ضروريّة، التّربية عن طريق الخيال أمر ملحّ […] نقّحوا كتبكم من الحشو وفصولكم من الازدحام ومدارسكم من العشوائيّة […] كونوا أكثر مرونة وخياليّة، ابتعدوا قليلا عن التّقليديّة وعن النّمطيّة. اجعلوا الطّلاّب يُهرَعون إلى المدرسة لا يهربون منها. لا تجعلوا المدارس والجامعات أماكن للعقاب بل للثّواب، اجعلوها فضاءات للبهجة لا للحزن، لا تجعلوا عقول الطّلاّب مجرّد مخازن ومستودعات للمعلومات بل طاقات للتّجدّد والتّجديد والإضافة والإبداع.» المرجع نفسه، ص ص : 471 – 472 (ضمن فصل «الخيال والتّربية»)
[67] – اعتبر «تزيفتان تودوروف» (Tzvetan Todorov) أنّ الاطّلاع على الأدب مفيد للمرء في تجربة الحياة، فمن الضّروريّ أن تكون له منزلة مرموقة في برامج التّعليم.
انظر مقال :
S’ouvrir à l’immense domaine de l’être humain, In Le Monde de l’éducation, № 335 , Avril 2005 , p p : 20 – 22
[68] –«سوسيولوجيا التّربية»، ص ص : 517 و542
[69] – عبد الإله بلقزيز، العرب والحداثة، دراسة في مقالات الحداثيّين، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت – لبنان، الطّبعة الأولى، شبّاط / فبراير 2007، ص ص : 25 – 26
[70] – المرجع السّابق، ص ص : 31 – 32
[71] – من المؤكّد أنّ علاقة المدرسة بمجتمعها ومحيطها هي علاقة ارتباط وتأثّر وتفاعل. لكنّ في اشتغال المؤسّسة التّعليميّة هامشا من الاستقلال. ورأيُ الكاتب يأخذ هذه الجوانب بعين الاعتبار. وفي مواضع كثيرة من الكتاب ما يدلّ على ذلك. راجع «سوسيولوجيا التّربية» ص ص : 259 – 260 و270- 271
[72] – الصّديق الصّادقي العماري، التّربية والتّنمية وتحدّيات المستقبل، مقاربة سوسيولوجيّة، أفريقيا الشّرق، الدّار البيضاء – المغرب، الطّبعة الثّانية، 2015، ص : 152
[73] – على كلّ مَنْ يشرع في الكتابة أن يستعدّ لما يمكن أن يتعرّض إليه من نقد وتحامل وعليه أن يتوقّع ردودَ الفعل المعارضة الممكنة. يقول الجاحظ في هذا الصّدد :
«وينبغي لمَنْ كتب كتابا ألاّ يكتُبَهُ إلاّ على أنّ النّاسَ كلَّهُمْ له أعداءٌ وكلّهم عالم بالأمور وكلّهم متفرّغ له.»
انظر : كتاب الحيوان، الجزء الأوّل ، تحقيق وشرح عبد السّلام محمّد هارون ، دار الجيل – بيروت، 1996 ، ص : 88
*المصدر: التنويري.