خمس سنوات من التنوير؛ صدور العدد “العشرون” من مجلة نقد وتنوير
الدراسات الأدبية واللغويّة
“في المواجهة بين السيل والصخرة، يفوز السيل دائما، ليس من خلال القوّة، بل من خلال المثابرة.” /إتش جاكسون براون (كاتب أمريكي)
يسرنا هيئة تحرير ” نقد وتنوير” أن تزف إلى قرائها الكرام صدور العدد “العشرون” صيف (حزيران/يونيو) 2024 من المجلة ، وبه تتوّج مجلّة نقد وتنوير خمس سنوات من العمل المستمرّ والجهد المتصل في سبيل النّشر العلميّ والأكاديميّ المختصّ، استقبلت، خلالها، المجلّة مئات المقالات من شتّى الحقول المعرفيّة، حتّى باتت قبلة للباحثين الأكاديميّين، بما اكتسبت عندهم من ثقة ومصداقيّة تضاهي أعرق المجلاّت الأكاديميّة العربيّة. وما كان لشيء من ذلك أن يتمّ لولا جهود عشرات المحكّمين المختصّين وتفاني هيئة التحرير ولجنة التدقيق اللغويّ بالمجلّة، فضلا عن المتعاونين المتطوّعين.
كان نجاح المجلّة وإشعاعها، وما يزال، تغذية راجعة تحدو جهودنا نحو مزيد التجويد والارتقاء بمادّتها العلميّة. ولم ننفكّ، خلال ذلك، عن الاستفادة من الخبرة المتراكمة، والانفتاح على تجارب النّشر المختلفة، ومتابعة ما ينشر من نظريّات، وما يطرق من قضايا وإشكاليّات، وما يستجدّ من مناهج في المجال التداوليّ العربيّ والغربيّ على حدّ سواء، فننتقي ممّا يرد علينا من مقالات ودراسات وبحوث ما يكشف عن متابعة الباحثين لكلّ جديد وطريف في شتّى الاختصاصات إنشاءً وترجمةً وتقديما لمؤلّفات حديثة النشر.
وما هذا العدد الجديد من المجلّة سوى لبنة في صرح هذا البناء الذي نراها يرتفع مع كلّ عدد. وقد اشتمل على إحدى وثلاثين مادّة علميّة، توزّعت بين دراسات وبحوث ومقالات وتقديم كتب وموادّ مترجمة ومقالات بلغة أجنبيّة. ويمكن إعادة ترتيبها وفق الاختصاص كالآتي:
-الدراسات الحضارية والفلسفية: كان لهذين المجالين نصيب وافر من اهتمام الباحثين، وإن تباعدت المشاغل، فقد انصرف أحد الدّارسين إلى البحث في: الدراسات الاستشرافيّة البينيّة…” باحثا في تنوّع مناهجها وتعدّد تخصّصاتها. وتركّز اهتمام آخر على “…إشكاليّات الرمز الصوفيّ”، وهو حقل بحثيّ ما يزال يعد بآفاق واسعة للنظر لم تطرق بعد، وعكف أحد الكتّاب على تبيّن “الآثار النفسية الناجمة عن التطرّف الدينيّ والمذهبيّ”، في حيناهتمّ آخر بـ”أزمة المثقف العربي والتحــوّل الـديمقــراطــيّ”، واتّجه ثالث إلى النظر في “…النّظريات الحديثة في التنمية”. وكلّ منها منخرط في الرّاهن العربيّ كشفا للأدواء، والتماسا لسبل الخروج من الأزمة العربيّة الشاملة، وخاصّة منها ما يتّصل بكيفيّة تنظيم الفضاء العامّ. وقد اختار أحد الباحثين العودة إلى الماضي وإن كانت عودة لا تنفكّ عن الحاضر الراهن، ومدار المقال على “النّساء والقضاء في الحضارة العربيّة الإسلاميّة…” منوجهة نظر فقهيّة تاريخيّة. ومن المقالات التي انعطفت إل الماضي أيضا، نقف على ثلاثة منها متنوّعة في اهتماماتها بين الطبّ والفنّ والسياسة، وهي: “الطبّ الشّعبيّ في مواجهة الأوبئة والأمراض في الأندلس” و“خزف التّكسية في التراث المعماري المغاربي: قراءة تأويليّة في الأبعاد الوظيفية والرمزيّة” و “الصّراعات السّياسيّة في إفريقيّة، من مطلب القوّة إلى مأزق العنف”.
وفي منزلة أرقى من التجريد، هو أقرب إلى التأمّل الفكريّ والفلسفيّ تنتظم مجموعة من الدراسات والمقالات، منها: “التلقّي والتأويل في الفكر السياسيّ العربيّ المعاصر…”، وفيه بحث في وهْم التلقّي ومأزق التأويل، ومقال “التشخصن : من الكينونة الى الشخص”، ومداره على البحث في الشخصانيةالواقعيّة عند محمد عزيز الحبابي، واتّجه أحد الباحثين إلى إعادة طرح سؤال الفلسفة وماهيتها عند هيجل، فكان عنوان مقاله: (ما الفلسفة عند هيجل؟)، وتتصادى معه دراسة أخرى بحث صاحبها في علاقة “الفلسفة والعلوم الإنسانية راهنا”، وانصبّ نظره على التقاطعات المنهجيّة التوافقات الوجوديّة. واهتمّ أحد المقالات بمجال أضيق هو الفلسفة السياسيّة، ضمن مجال أكثر تحديدا وهوالسيادة، فكان العنوان: “تأويليّة السّيادة في الفلسفة السّياسيّة المعاصرة”، وليس بعيدا عن ذلك بحثُ أحدهم “في التقاء السياسيّ باللاهوتيّ، أو في أن إيروس ليس إلها”. وفي مقالين مغرقين في التجريد والنظر الفلسفيّ نقف على بحث في “تفكيك فينومينولوجيا التأسيس القصدي للمعنى”، ومقال موضوعه: “سبينوزا متجاوزا ديكارت، أفق الكوجيطو والكوناتوس”.
وفي باب الدراسات الأدبية واللغويّة: توزّعت الدراسات بين الشعر والنثر من جهة، وبين البحوث التطبيقيّة، والبحوث التنظيريّة من جهة أخرى، فمن التطبيقيّة في مجال النثر مقال: “التخييل والواقع…”، وقد أداره الباحث على سرد محمد حياوي أو الوطن واقعا وتخييلا (بيت السودان وخان الشابندر). ومنها في مجال الدراسات الشعريّة مقالان: الأوّل في “الشعر الشعبيّ التونسيّ…”، وما يواجهه من ممكنات بقاء وصمود في ظلّ الثورة. الرقميّة. والثاني في “منهج التبريزي في شرح قصيدة ”بانت سعاد” لكعب بن زهير “. ومن البحوث التنظيريّة في مجال النقد، مقال:”قراءات المعاصرين للنقد القديم: قراءة عصفور للقرطاجني نموذجًا”.
أمّا الدراسات اللغويّة، فمدارها على ثلاثة مقالات، هي: “الفوضى في ترجمة المصطلح الاتّصالي في البلاد العربية وسبل معالجتها”، والنّسيج اللّغوي براديغم نظريّة النّظم”، و”المعنى واللاّ-معنى في التّراكيب اللّغويّة. (دراسة في النّحو والدّلالة)”.
وفي نطاق متابعة ما تطرحه المطابع من بحوث مستجدة كان للقراءات وللترجمات نصيب معتبر ، إذ تمّ تقديم كتاب علم الاجتماع التّربويّ: «سوسيولوجيا التّربية: إضاءات نقديّة معاصرة» للدّكتور علي أسعد وطفة”، سعى فيه صاحب التقديم إلى بيان ما في الكتاب من استجابة لعالم متحوّل. مثلما تضمّن العدد خمسة نصوص مترجمة ينتظمها المشغل الفلسفيّ. وهي على التوالي: “ميشيل فوكو شارحا كتابه الأخير”، و“الرموز الدينية في الفضاء العام: حالة الإسلام في المجتمعات الحديثة”، و”نص بلا ضفاف”، و«صورة الفكر» أو كيف يمكن للسينما أن تساعدنا في تأسيس افتراضات فلسفية مسبّقة”، و“أعــــــــــــــــــــــداء الفلاسفــة”.
وفي خاتمة هذا التقديم لا يسع هيئة التحرير إلاّ أن تتقدّم بخالص الشكر والامتنان لكلّ من ساهم في إخراج العدد على أكمل صورة تحكيما وتدقيقا وإخراجا فنّيّا، ولكل من أثّثه بوافر المودّة والتقدير. هيئة التحرير
يمكن الاطِّلاع على المقالات وتحميلها من خلال الرابطة التالية
*المصدر: التنويري.