حوارية الإصلاح السياسي، الآفاق والتحديات
النائب العياصرة: الإصلاح السياسي أصبح ممراً إجبارياً للمرحلة القادمة
شارك النائب السابق وأمين عام الحزب الديموقراطي الاجتماعي، جميل النمري والنائب عمر عياصرة في ندوة حوارية عن الإصلاح السياسي وآفاقه.
بدأ النمري، حواريته مع نخبة من الشباب المشاركين، بالتساؤل عن سبب حالة الغموض التي تسود جهود الإصلاح السياسي في المملكة، وعن منهجية الحوار والإصلاح المطلوبين، مؤكدا أهمية إطلاق عملية إصلاح سياسي جادة وعميقة، يتحاور فيها أولاً أصحاب القرار بالدولة، ومن ثم يتحاور أصحاب المصلحة على المحتوى والمخرجات.
وقال النمري إن “حوار الهامش” لا فائدة ترجى منه، حيث يجب أن تُكون هناك آلية محددة ومعلنة للحوار حول الإصلاح السياسي، كما كان عليه الحال في لجنة الحوار الوطني عام 2011، مؤكدا ضرورة الابتعاد عن الارتباك والحوار القاصر في مناخ مأزوم.
وأكد أمين عام الحزب الديموقراطي الاجتماعي على ضرورة وجود إرادة سياسية ممكّنة لتجاوز “امتحان العوائق”، الذي عادة ما يُطرح كذرائع للاستنكاف عن المضي قدما في أي عملية إصلاحية جوهرية، الأمر الذي يمهد للديمقراطية التعددية المنشودة.
في السياق نبّه النمري إلى خطورة الاستمرار في “تجريف الحياة السياسية”، حيث أُجهِضت النخب السياسية والأحزاب، ولسان حال الغالبية الساحقة من الأردنيين تردد ما قاله المواطن التونسي بعبارته الشهيرة “هَرِمنا”. وأضاف “أنا من الذين هَرِموا فلي مايقارب الخمسين سنة بالعمل السياسي منها ثلاثين سنة في فترة الديمقراطية وعشرين أخرى في الجهود المضنية من أجل الإصلاح السياسي وما زلنا نراوح في المكان نفسه، لا بل نرى كل يوم تراجعا في نسبة النخبة السياسية بالدولة”.
ورفض النمري الإدعاءات التي ترى أنّ الإصلاح بمثابة قفزة في المجهول مشيرًا إلى امتلاك الدولة سياسيين ناضجين يطالبون بالإصلاح ويعرفون جيدًا المخاطر الخارجية والداخلية، ويَعون بشكل عميق الكُلَف ويعرفون أن الإصلاح السياسي والوصول إلى درجة أعلى من الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة التنفيذية وبرلمان حقيقي صاحب سلطات، لا يعني أننا سنحل جميع المشكلات الاقتصادية والإدارية والسياسية، وإنما نحن نغادر مربعا فاشلا إلى تجربة جديدة، فكما يقال “الديمقراطية تصلّح نفسها”.
بدوره، قال النائب العياصرة إن الإصلاح السياسي يحتاج إلى إرادة سياسية “ثقيلة الوزن” تٌجمع عليها الأدوات التنفيذية، مضيفًا أن الإصلاح السياسي اليوم قد أصبح ممرًا إجباريًا للجميع.
وتساءل العياصرة بقوله:”من الذي خوَّل مجلس الأعيان بإطلاق حوار حول الإصلاح، وهل من الصحيح فعل ذلك؟”، مؤكدًا أنه ولغاية الآن لا يوجد أدبيات واضحة يتفق عليها الجميع حول الحوار، ومازال الأمر ضبابيا تعتريه حالة فوضى في فهم آلية وإدارة عملية الحوار، مشككا في وجود إرادة حقيقية لإطلاق قاطرة الحوار.
واتفق العياصرة مع النمري في القول إن المنهجية والحوار حول الإصلاح السياسي يجب أن يبدأ من الحكومة، ثم ينتقل إلى المؤسسات التشريعية، التي تطلق، بدورها، حوارًا حول القوانين الناظمة للحياة السياسية.
وفيما يتعلَّق بعوائق الإصلاح السياسي، قال النائب العياصرة إن أصعب شيء في المشهد هو عدم وجود مجتمع سياسي بالشكل الذي كانت عليه الأردن في عام 2011، فقد أضعنا الفرصة، فاليوم ثمة مشكلة في بنية الأحزاب، وفي شكل البرلمان وفي عدم رغبة الناس بالمشاركة في الحياة السياسية، وهذه إشكالية كبيرة تحتاج إلى مراجعة، لذلك إذا سألتني من أين يبدأ الإصلاح، فإجابتي هي بتكثيف إنتاج نخبة تفهم الإصلاح وتتفق عليه، وتنطلق به قبل تشريع القوانين.
وقال عياصرة إن أحد مؤشرات حاجتنا للإصلاح هو مجلس النواب أو السلطة التشريعية، الذي يعد الطرف الأضعف في المقاربة السياسية الأردنية، ثم تأتي بعد ذلك السلطة التنفيذية أو الحكومة، بمعنى أن هناك إشكالية بكيفية إدار الدولة، مضيفا أنها “تُدار بالمياومة”، وحتى ملف السياسة الخارجية أصبح يُدار بالمياومة، بل كل ساعتين، بمعنى أن الأزمة تعمقت بشكل كبير وجذري، لكن هل سنذهب لوجبة إصلاح تصل إلى تلك الدرجة؟!
وأردف قائلا:”أتفق أننا نفتقد لرجالات الدولة، ويجب أن يكون هناك معارضة ذكية بنّاءة تفهم حدود الدولة وقدراتها، وكذلك ينبغي وجود ولاء ليس ديدنه الانبطاح في كل المشاهد؛ سواء الداخلية أو الخارجية، وبذلك يتحقق التوازن”.
أضاف النائب العياصرة، الذي يعد من جيل الشباب من النواب الجدد ” أن ثمة محددات للإصلاح السياسي تتعلق بالأردن وموقعه الجيوسياسي، وبطبيعة التركيبة الاجتماعية، وهذه المحددات يمكن أن تستخدم كفزاعات، ولكنها يمكن أن تتصالح مع المشروع الإصلاحي، وأرجو أن تتصالح مع المشروع الإصلاحي ونستطيع بذلك أن ننجز خطوة للأمام”.
وأضاف النائب العياصرة: إن كثيرا من المعطيات اختلفت منذ عام 2011 وحتى اليوم، حيث أضحت الأحزاب السياسية ضعيفة مقارنة بما كانت عليه سابقا، كما فقدت النقابات المهنية الكثير من أدوارها وأوزانها، بالإضافة إلى أن القوى الحراكية أمست مترددة في حوار المجال العام، فيما يفضل الرأي العام الهروب إلى فضاء وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يرتب على الجهات المعنية ضرورة استعادة الجميع في عملية الإصلاح السياسي.
وحذر العياصرة من الشعبوية التي تشكل خطرا على الحالة الأردنية، ويتمثل ذلك بالهروب الانفعالي للرأي العام الأردني إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وملامح حدّته، حيث أصبح جذريا ولم يعد نسبيا، بمعنى أنه لم يعد يقبل بأنصاف الحلول، ولا يرى إلا أبيضا أو أسودا، فلا وجود للرمادي، وهذا أمر مقلِق، سيما في حال اصطدام الإرادة بهذا الرأي العام، الذي أوصلته الدولة وسياساتها إلى مرحلة فقدان الثقة بها وبمؤسساتها، ونحن أمام استحقاق يحتاج إلى ذكاء وثِقَل أرجو أن نصل إليه، فاليوم هناك هِمة ورغبة من الشباب لكنهم لا يملكون مشروعا واضحا، حتى الأحزاب والسياسيين، والسؤال كيف نبدأ بخطوات حقيقية وصحيحة؟
وأشار العياصرة إلى ” أن أي إصلاح سياسي جديد سيحتاج إلى فترات طويلة حتى يتوثق الشباب أنه مشروع جاد وحقيقي، وليس مشروعًا التفافيًا وتسكينيًا، علما أن العلاقة مع هذه الفئة لا يكون عبر تقديم وجبات إصلاحية تتمثل بقانوني الانتخاب أو الأحزاب فقط، وإنما تقتضي إعادة توزيع منظومة الثروة والسلطة بطريقة صحيحة، بالإضافة إلى مقاربة جديدة تفكك مسألة غياب الثقة”.
جاءت الندوة ضمن برنامج من الندوات والحواريات التي يعقدها معهد السياسة والمجتمع بالتعاون مع صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية لخلق فضاء من الحوار السياسي وتبادل الخبرات والأراء بين جيل من السياسيين والمسؤولين والخبراء وجيل الشباب الناشط في المحافظات والمناطق المختلفة، كما صرّح منسق الحواريات في معهد السياسة والمجتمع، عبدالله الجبور، الذي أضاف أنّ الحواربات ستصدر خلال الأشهر القليلة الماضية في كتاب جامع بمناسبة المئوية.