الصعوبات القرائيَّة عند متعلِّمي الأقسام الابتدائيَّة في مكوِّن القراءة
القراءة
تمهيد
في البداية لا بد من الإشارة أنّ المسألة اللغويَّة ظلَّت محورا للبحث المشترك، ومرجعا للاهتمام المتعدِّد، والعنايَّة المستمرَّة بين كثير من التخصّصات المعرفيَّة، والحقول العلميَّة سواء في الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة،أو في الثقافة الغربيَّة.
إذ شكَّلت اللغة شاغلا من شواغل الحقول المعرفيَّة المختلفة، واحتلَّت في المنظومة الفكريَّة الحديثة موقعا متميزا ومكانا خاصًّا، بحيث اعتبرت اللغة محورا للبحث المتعدِّد، وموضوعا للمقاربات المتنوّعة لكثير من الحقول المعرفيَّة والتخصّصات العلميَّة،خاصَّة الحقول التي تشتغل على ديداكتيك وتعليم اللغة العربيَّة،وتبعًا لهذا فقد نال منهاج اللغة العربيَّة الجديد في التعليم الابتدائي، وفي سياق الإصلاح الجديد الذي يعرفه قطاع التعليم في المغرب موقعا خاصا، ومكانا متميزا بفضل الغلاف الزمني المخصَّص له، وبفضل البناء والمنهج المركب للهندسة البيداغوجيَّة الجديدة التي حملها هذا المنهاج في مكوّناته ووحداته وعناصره.
ومن أبرز السياقات التي جاء فيها المنهاج الجديد، هو النتائج المقلقة التي أظهرتها التقويمات الدوليَّة والوطنيَّة،وأبانت عن واقع التراجع، وعن حجم الصعوبات والإخفاقات التي يعيشها المتعلِّم في تحصيله للتعلّمات الأساس في اللغة العربيَّة،وبالأخص حين يتعلَّق الأمر باستخدام وتوظيف المهارات المرتبطة بإنتاج النصوص أو بأنشطة التواصل الشفهي،وهي الصعوبات التي تحضر بشكل واضح في الأنشطة الصفيَّة الممارسة يوميا، وهو ما يدل و بشكل صريح على عدم امتلاك المتعلم للكفاية التواصليَّة والكتابيَّة في قطب اللغة العربيَّة بصفة عامَّة.
مع العلم أنَّ جهدًا كبيرًا بذل في إعداد هذا المنهاج الجديد للتعليم الابتدائي، ومتابعته في جميع المراحل التي قطعها سواء في مرحلته التجريبيَّة أو في مرحلة التعميم، سواء في الجانب البيداغوجي، أو في الجانب الديداكتيكي،وهو ما يظهر ويحضر في الوحدات والمكوّنات،وأنشطة التقويم والدعم التي أدرجت فيه، والهندسة الديداكتيكيَّة التي شيَّد وبني عليها، وتقوم هذه الهندسة على مراعاة الإيقاع الزمني، والنفسي والاجتماعي للمتعلِّم.
بحيث تمّ الاستفادة من نتائج البحوث والدراسات الميدانيَّة التي تشتغل على تعليميَّة وتدريس اللغة العربيَّة وفق المقاربات اللسانيَّة الجديدة، التي تنتمي إلى علم اللسانيات عامَّة واللسانيات التعليميَّة خاصّة، وهو علم جديد تتحدَّد مهمّته وموضوعه في تعلُّم و تعليم اللغات، والعناية بالطرائق السهلة في اكتساب اللغات بصفة عامَّة.
لكن رغم هذا الجهد المبذول في الإعداد والمتابعة للمنهاج الجديد، فإنَّ المتعلِّم ما زال يعاني من بطء في نماء كفايته اللغويَّة،وتعترضه صعوبات في تمكّنه من الكفايات التواصليَّة في قطب اللغات عامَّة واللغة العربيَّة بشكلٍ أخص،بحيث يجد هذا المتعلِّم صعوبات في إنجاز الأنشطة، والإجابة على التمارين المصاحبة للدروس،ما يعني أنَّ التغييرات والمراجعات العميقة التي مسَّت المناهج لم تحقِّق بعد الأهداف المحدّدة،وما زال المتعلِّم في القسم الابتدائي يعاني من عدد من الصعوبات في محوري: الكتابة و القراءة.
وهذا التعثر[1] في تحصيل التعلّمات الأساس، يكاد يعيشه المتعلِّم باستمرار وفي معظم الأنشطة الصفيَّة لأغلب المواد المدرسة، وبل يعيشه حتى في الأنشطة الموازية التي يمارسها وينجزها خارج الفصل الدراسي، والسبب في هذا التعثّر في التعلّمات الأساس حسب التشخيص والتقويم الوطني للتعلّمات هو”عدم انسجام ومناسبة البرامج والمقرّرات الدراسيَّة والطرائق التعليميَّة المعتمدة مع الحاجيات التربويَّة لهذا المتعلّم من جهة، وعدم توافق هذه الحاجيات مع المستجدات التربويَّة التي يعرفها حقل التربية والتدريس، ويمرّ بها مجتمع المعرفة في هذا العالم من جهة أخرى …”.[2]
- -إشكاليَّة “البحث”
انطلاقا من الممارسات الصفيَّة المباشرة التي زاولناها ومارسناها خلال تحمل مسؤوليَّة التدريس في هذا الموسم الدراسي : 2020/ 2021 ،فقد لاحظنا بشكل ملموس تراجعا كبيرا، وإخفاقا بيّنا في مستوى المتعلِّم في اللغة العربيَّة، إذ تحضر كثير من الصعوبات القرائيَّة في مكوِّن القراءة، بحيث يتعثَّر المتعلِّم في الفصل بين الحروف والمقاطع والحركات بقسميها الصغيرة والكبيرة، وهو ما يؤثِّر على مكتسباته في المعارف والمهارات المتَّصلة بالتعلّمات الأساس، لأنّ اللغة العربيَّة هي في أصلها هي لغة التدريس للمواد الأخرى المحمولة والمركبة في منهاج التعليم الابتدائي بصفة عامَّة.
حدود البحث
*الحدود الموضوعيَّة : الصعوبات القرائيَّة عند متعلّمي السنة الأولى ابتدائي.
الحدود الزمانيَّة : الموسم الدراسي: 2021-2021.
*الحدود البشريَّة: تمَّ اختيار عيّنة مركّبة من متعلمي التعليم الابتدائي ينتمون للقسم الأوَّل من التعليم الابتدائي عددهم من عشرين متعلّمًا ينتمون إلى المدرسة التي اشتغل وعمل فيها واختيار هذه العينة الضيِّقة يتناسب مع منهج دراسة الحالة.
منهجيَّة البحث
انطلاقا من هذا البعد المعرفي، وهو أنَّ طبيعة الموضوع ومضمونه هو الذي يفرض طبيعة المنهج، ونظرًا للبعد الإجرائي العملي لهذا البحث في معاينة الصعوبات القرائيَّة عند المتعلِّم، واقتراح حلول عاجلة لها.
فقد اخترنا منهجيَّة دراسة الحالة في هذا البحث، بحيث تتبعنا هذه العيّنة من التلاميذ الذي يعانون من الصعوبات القرائيَّة،مع التشخيص هذه الصعوبات بإرجاعها الى أسبابها.
مفاهيم ومصطلحات الدراسة
إنَّ تحديد المفاهيم، وتعيين المصطلحات في علوم التربية يعدّ عملا ملزما، ومسلكًا ملحًّا لكل دارس أو باحث يودّ مقاربة آية ظاهرة ثقافيَّة أو فكريَّة أو تربويَّة، في أي علم من العلوم، وفي أي تخصّص علمي،باعتبار أنّ لكل علم مصطلحاته الخاصَّة.
و تزداد أهميَّة تحديد المفاهيم في التربية، لأنَّ هذا التحديد للمفاهيم من شأنه أن يقرب مسافة التواصل بين المتدخّلين في العمليَّة التعليميَّة.
أهمّ المفاهيم التي وقفنا عندها هي: الصعوبات القرائيَّة، اللغة العربيَّة.
ورغم الاختلاف في تحديد صعوبة التعلم من حيث الدلالة الاصطلاحيَّة : فان صعوبات التعلّم بصفة عامَّة تعني أن المتعلّم لا يقدر على المتابعة وعلى الاستمرار مع أقرانه وزملائه في الفصل الدراسي الذي يتواجد فيه، وبعبارة أخرى: ” تتحدَّد صعوبات التعلّم في مجموعة من الصعوبات اللغويَّة والقرائيَّة التي من شأنها أن تجعل المتعلِّم في الفصل الدراسي أقل من مستوى تحصيل أقرانه،أو يكون مستواه الدراسي أقل من المستوى الدراسي العام لأقرانه الذي يتواجد معهم في الفصل الدراسي. يراجع في هذا الموضوع:1 [3]
إضافة إلى هذا، فإن صعوبات التعلّم في اللغة العربيَّة تعني أنّ المتعلّم لا يجيد القراءة ولا الكتابة، ويتعذر عليه التعبير الشفهي أو الكتابي في المستوى والقسم الدراسي الذي يتواجد فيه تبعا للأهداف المسطّرة في هذا المستوى.
خطّة البحث
إنَّ الخطَّة التي اخترناها لهذا البحث تتركَّب من العناصر الآتية:
1- الشقّ التمهيدي.
2-الشقّ النظري.
3-الشقّ التطبيقي العملي.تحليل وتفريغ الاستمارة.
4-ملاحق عامَّة.
5-فهرس الموضوعات.
6- فهرس المراجع والدوريات والمجلات والمواقع الالكترونيَّة المعتمدة.
–-الدراسات السابقة
من أهمّ الدراسات والبحوث التي قاربت هذا الموضوع المتعلِّق بالصعوبات القرائيَّة:
تعليم اللغة العربيَّة والتعليم المتعدِّد وهي ندوة من الندوات السنويَّة التي يشرف عليها معهد الدراسات والأبحاث للتعريب وصدرت أعمال الندوة ضمن منشورات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بالرباط سنة:2012.
-المنجز اللغوي للمتعلم المغربي إنجاز بحث مشترك لفريق من الباحثين من إصدار كليَّة اللغة العربيَّة بمراكش سنة2015..
-التعثر اللغوي عند المتعلم المغربي لمحمد بنعمر مجلة أبحاث تربويَّة اللبنانيَّة العدد-11-السنة2017.
التداخل اللغوي في حصة التعبير الشفهوي لمجموعة من الطلبة المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فرع صفرو 1018-2019.
-التواصل في العمليَّة التعليميَّة ملف خاص من انجاز مجلة فكر ونقد العدد:62.
إكراهات تدريسيَّة اللغة العربيَّة لغالي احرشاو محاورة محمد بنعمر
-التعدّد اللغوي: ندوة دوليَّة من إصدار كليَّة علوم التربية سنة2015..
– التعدُّد اللغوي ومضاعفاته على المتعلِّم المغربي بحث منشور في جريدة الأستاذ.
-التداخل اللغوي في نشاط التعبيرين الشفوي و الكتابي من التعليم الابتدائي- منطقة أم البواقي أنموذجا- الطالبة الباحثة ليلى قلاتي رسالة جامعيَّة بجامعة بأم البواقي الجزائر السنة 2020.
-تعثرات المتعلِّم في التعبير الشفهي لمجموعة من الطلبة المركز الجهوي لمهن التربية والتعليم وجدة الموسم التكويني :2019/2018.
توصيات:
أنهينا هذا البحث بمجموعة من التوصيات والاقتراحات التي نراها ضروريَّة، لأنَّ من شأن هذه التوصيات، أن تخفِّف من الصعوبات التي تعترض العمليَّة التعليميَّة في أبرز أطرافها وهو المتعلِّم في اكتسابه للغة.
[1] التعثرهو بط ء في نمو كفاية المتعلم في التعلمات الأساس أو هو عدم تحقق الهدف الإجرائي في منتوج المتعلم رغم ما يقدم من المعالجة وحصص الدعم المقدمة للمتعلم،أو هو تراجع مستوى المتعلم عن المستوى الذي ينبغي أن يكون فيه مقارنة مع أقرانه في نفس القسم و المستوى الدراسي.
[2]وزارة التربيَّة الوطنيَّة، مقدمة التدابير ذات الأولويَّة:المذكرة الإطار، إصدار مديريَّة المناهج والبرامج، المغرب،2015، ص12.
[3] ـ سيكولوجيَّة التأخّر الدراسي لعبد الرحيم طلعت حسن دار الصلاح الدمام 1402ه.
__________
*الدكتور محمد بنعمر.
*المصدر: التنويري.