“الصراعات هي جزء لا يتجزأ من التطور الإنساني، ومن خلالها يتم تحقيق التغيير والتقدم” – كارل يونغ
“الصراعات لا تخيفنا، فالحياة نفسها تحمل الصراعات، وما يتعلق بها هو كيفية التعامل معها” – مايا أنجيلو
1- مقدمة:
تتصف الدراسات الجارية حول نظرية الصراع الاجتماعي عند كولينز بندرتها وتتميز بغموضها، وهي على قلتها- إن وجدت – تُقدم لنا على صورة معلومات تراكمية مجتزأة، خارج سياقها التاريخي وبعيداً عن أطرها الأيديولوجية، كما أنها تُقدم منفصلة عن السياق التاريخي للنظريات السوسيولوجية بتياراتها المختلفة، واتجاهاتها المتنوعة. ولا مبالغة في القول إن الباحثين المهتمين غالبا ما يقدمون نظرية كولينز بطريقة مجتزأة منفصلة حيناً ، وبصورة متكسرة في معظم الأحيان. وتبين ملاحظاتنا ، في هذا المسار ، أن كثيراً من الباحثين يستعرضون نظرية كولينز دون خوض نقدي في عمق المفاهيم التي تنطوي عليها، ودون إجراء تحقيق علمي رشيق حول الترابط الحيوي القائم بينها وبين الاتجاهات الفكرية السوسيولوجية الكلاسيكية القديمة والجديدة المعاصرة. ويمكن القول بصيغة أخرى: إن معظم الدراسات الجارية حول نظرية كولينز لا تمتلك شروط الرؤية العلمية النقدية، وهي على قلتها وغموضها أيضاً، تعاني من التجزؤ والاستعراض السطحي، دون خوض في العمق الفكري لما قدمه هذا المفكر الكبير لعلم الاجتماعي ولاسيما في مجال نظريته الصراعية.
وقد تعود ندرة البحوث الجارية حول نظرية وانخفاض مستوياتها إلى حداثتها نسبياً، فـ كولينز ينتمي إلى عمالقة الجيل الرابع أو الخامس من علماء الاجتماع المعاصرين، وما يزال إنتاجه العلمي حديث العهد إذ يمثل الوجه الأحدث للمنظرين في سوسيولوجياً الصراع في النصف الثاني من القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين.
وقد لا نخفي أمراً أننا – نظرا لمعطيات الحداثة في الإنتاج الفكري لكولينز، ونحن من جيل واحد – لم نكن على دراية حقيقية في البداية بأهمية نظريته ومكانتها الكبيرة في علم الاجتماع الصراعي، ولكننا ما أن بدأنا باستطلاع المعالم الفكرية لهذا المفكر حتى بدأنا بإدراك الأهمية الكبرى لنظريته، التي تمثل في حقيقة الأمر ومضاً فكرياً إبداعياً معاصراً في مجال السوسيولوجيا المعاصرة، ولاسيما في مجال نظريات الصراع الاجتماعي. وقد تكشف لنا أثناء المتابعة والتحليل أننا إزاء عالم اجتماع معاصر كبير أشبه بالمارد الذي استطاع أن ينفلت بقوة خارج مدار التيارات السوسيولوجية الكبرى، وأن يخوض خوضاً مبتكراً في استكشاف آفاق جديدة في علم الاجتماع، ليقدم للفكر السوسيولوجي المعاصر رؤى وتصورات فارقة تجاوزت الأبعاد الأيديولوجية للنظريات الكلاسيكية الكبرى السائدة في الحقل السوسيولوجي.
وبعد أن تمّ لنا استشراف معالم السوسيولوجيا الإبداعية لكولنز، امتلكنا شعور قوي بأهمية تقديمه للباحثين والكتاب والطلاب العرب – ما أمكننا ذلك – بصورة تليق بعطائه الفكري المميز، وقد عقدنا العزم على أن نقدمه في هذه المحاولة – التي نرجو لها أن تكون واضحة عميقة وسياقية في الآن الواحد- آملين أن تكون هذه المحاولة في المستوى المطلوب الذي يتيح للباحثين والقراء المهتمين فهما أفضل وأعمق لأحد أهم منظري الصراع الاجتماعي المعاصرين وأكثرهم حداثة وعاصرة. ويقينا أننا لا نزعم أن دراستنا هذه سنقدم رؤية نقدية لأعماله، وذلك لأن غاية هذا العمل تتمثل في تقديم رؤية استكشافية واضحة لنظرية كولينز ضمن أبعادها السوسيولوجية وفي سياق الظروف والمعطيات الفكرية للعصر الذي نعيش فيه.
2-لمحة تعريفية:
ولد راندال كولينز (Randall Collins) في نوكسفيل بولاية تينيسي (Knoxville, Tennessee) في 29 يوليو 1941. كان والده موظفاً في المخابرات العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية ثم انتقل للعمل في وزارة الخارجية، وقد أتاح له هذا الأمر أن يمضي سنواته الأولى في أوروبا الغربية. وفي مرحلة البلوغ انتسب كولينز إلى مدرسة إعدادية في نيو إنجلاند، وبعد ذلك درس في جامعات هارفارد وكاليفورنيا وبيركلي، ومكنه ذلك من الاطلاع على النشاط الفكري لكل من هربرت بلومر وإرفينج جوفمان – الأستاذان في بيركلي آنذاك.
ويعد راندال كولينز اليوم واحداً من أكثر علماء الاجتماع إنتاجاً فكريا في العصر الحديث. ويمكن القول بأنه استطاع أن يأتي على التراث الفكري السوسيولوجي الكلاسيكي والحديث كله في مختلف تياراته واتجاهاته الكبرى، وأن يستلهمه في بناء نظريته السوسيولوجية على أسس معرفية تتسم بدرجة كبيرة من الموضوعية والقدرة النقدية الفائقة، وقد مكنه ذلك من تحقيق درجة كبيرة من الاستقلال الفكري الذي أهله ليكون أحد أهم رواد علم الاجتماعي في العصر الراهن.
ومع أهمية الطابع الطباع الإبداعي المستقل لكولينز لم يخف أبدا أنه استوحى أفكار ماكس فيبر في الفعل الاجتماعي واستلهم كل من كارل ماركس في الصراع الطبقي، وإيميل دوركهايم في الفكر الديني والتضامن العضوي، وإيرفينغ غوفمان قي مدخله المسرحي، واستطاع في نهاية الأمر أن يتجاوز ملهميه جميعهم ليقوم بتشييد نظريته الصراعية التي تشكل إنتاجاً سوسيولوجياً إبداعياً فريداً في العصر الحديث ، وقد تضمنت هذه النظرية رؤى سوسيولوجية جديدة بعيدة عن التأثير الفكري لرواد الفكر السوسيولوجي الذين استوحاهم واستلهمهم ثم تجاوزهم في تشييد مملكته الفكرية [1].
تركزت اهتمامات كولنز العلمية حول الصراع الطبقي ولاسيما حول أطياف تجلياته في مجال التفاعلات الطقوسية الحيّة. وكان كما يبدو شغوفاً بالتعرف على الكيفيات التي تتم فيها عملية تماسك المجتمعات والقوى الفاعلة في تفكيكيها من خلال السلوكيات ذات الدوافع العاطفية بدلاً من السلوكيات العقلانية. ويمكن القول إنه كرس جهوده العلمية لاستكشاف المضامين الحقيقية لظاهرة الصراع محاولاً إيجاد الروابط المجهولة بين السياق الكلي والمستوى الجزئي للتفاعل بين الأفراد والمؤسسات.
يُصنف راندال كولينز اليوم – كما سبقت الإشارة – بوصفه أحد أكثر علماء الاجتماع المعاصرين نفوذاً وتأثيراً وأغزرهم إنتاجا[2]. وقد نشر مجموعة كبيرة الكتب التي تدور في فلك قضايا حيوية، منها: كتابه التربوي الموسوم بـ “المجتمع التبادلي” (The Credential Society,1979)[3]، وعلم الاجتماع التاريخي، بما في ذلك توقعه لسقوط الإمبراطورية السوفيتية في كتابه (في نظرية علم الاجتماع الفيبري) (In Weberian Sociological Theory, 1986) [4]، وفي مجال علم اجتماع الصراع (علم اجتماع الصراع، 2009 [1975]) (Conflict Sociology, 2009 [1975])[5]، ويتناول وديناميات المشاعر الجماعية والتضامن ضمن كتابه (سلاسل طقوس التفاعل، 2004) (Interaction Ritual Chains, 2004) [6]، ثم في القيادة الكاريزمية (نابليون لم ينام أبداً، 2015) (Napoleon Never Slept, 2015)[7]، وفي النظرية الاجتماعية (البصيرة الاجتماعية، 1982) (Sociological Insight) [8]، و (أربعة تقاليد اجتماعية، 1994) (1982Four Sociological Traditions, 1994) [9].
حصل كوينز على جائزة الكتاب الأكاديمي المتميز من الجمعية الأمريكية لعلم الاجتماع عن كل من علم اجتماع الفلسفة: نظرية عالمية للتغيير الفكري (1998) (The Sociology of Philosophies: A Global Theory of Intellectual Change (1998)) [10]و (العنف: نظرية علم اجتماع الوحدات الصغرى -الميكروسوسيولوجي، 2008 ) ( Violence: A Micro-sociological Theory,2008)
بالإضافة إلى ذلك، نشر عدد كبير من المقالات في مجلة علم الاجتماع الأمريكية، والمجلة الأمريكية لعلم الاجتماع، والمجلة البريطانية لعلم الاجتماع، ونظرية علم الاجتماع. إلى جانب كتاباته الأكاديمية الغزيرة، أعاد كولينز إحياء أعمال ماكس ويبر دوركهايم إذ عمل على ربط نظرياتهم بالرؤى الاجتماعية المعاصرة [11].
وفي هذا السياق، يرى جون سكوت أن كولنز لم يكن من علماء الاجتماع الذين يجارون اللحظة الراهنة أو الموضة الفكرية، ولم يكن من هؤلاء المفكرين الذي يجارون التيارات الفكرية الحداثية ويركبون أمواجها، مثل: تيارات ما بعد الحداثة، أو الاتجاهات البنيوية التفكيكية، التيار النسوي الأكاديمي، أو التيارات الإثنوميتودولوجية (L’ethnomethodologie)[12]، ويستمرون في التماهي بها إلى أن تصبح بالنسبة لهم تقليدية واهنة. ولذا فإن معظم علماء الاجتماع المعاصرين لم ينتجوا نظرية سوسيولوجية إبداعية أصيلة، وذلك لأنهم اكتفوا بالدوران حول مركزية النظريات السوسيولوجية، ولم يحاولوا الخروج من مدارات استقطابها ، ولم يتجاوزوا حدود الشرح والتفسير للنظريات السائدة في هذا الميدان .
أما أعمال راندل كولينز- كما يصفها سكوت- فهي مختلفة تماماً، لأنها قد تميزت بالأصالة، واشتملت على عناصر قوتها وتماسكها خلال أربعة عقود من العمل المتواصل، كرسها في البحث السوسيولوجي الإبداعي المعمق، القائم على توليد أفكار جديدة وتصورات مبتكرة في مجال السوسيولوجيا بعامة، وفي مجال نظرية الصراع على وجه الخصوص[13]. ومن هذا المنطلق رفض كولينز الانطلاق من كلاسيكيات علم الاجتماع، بوصفها مجرد نماذج للتفكير الإبداعي، وبدلا من ذلك عمل على توظيفها منهجيا في مجال البحث عن جوهر القضايا والظواهر الاجتماعية القائمة والكشف عن أسرارها الكامنة والظاهرة، والعمل على رصد مختلف الروابط التي تجمع بينها: بين الجزئي والكلي، كما بين الكمي والنوعي، بين الظاهر والباطن كما بين الخاص والعام، ونظر إليها في النهاية بوصفها تجسيداً للصراع الاجتماعي من جهة، وصيغة من صيغ التكامل والتضامن في المجتمع من جهة أخرى [14].
ويمكن القول اختصاراً: إن الصراع الاجتماعي يشكل محور السوسيولوجيا الكولينزية (نسبة إلى كولينز)، وإن أعماله ارتقت نموذجاً لنظرية جديدة في هذا المجال. ومن الواضح أنه استطاع أن يستوعب النظريات السابقة وأن يتمثلها ويتجاوزها إلى تشكيلة جديدة من التصورات الحيوية الإبداعية في مجال النظر إلى ظاهرة الصراع الاجتماعي واستيعابها. وبعبارة أخرى ، استطاع كولينز أن يتمثل مختلف التيارات السابقة في علم الاجتماع الصراعي بدءا بـ كارل ماركس، وماكس فيبر، مروراً بجورج سيمل وانتهاء بـ لويس كوزر ورالف دارندورف، واستطاع في الوقت ذاته أن يتجاوزهم جميعاً في عملية تشييد نظريته الصراعية الإبداعية [15].
حصل كولينز على درجة الدكتوراه في جامعة بيركلي عام 1969. وقام بالتدريس في عدد من الجامعات الأمريكية، أهمها جامعات فيرجينيا وكاليفورنيا وسان دييغو، وعمل أستاذاً زائراً في عدد من الجامعات الأخرى ولاسيما في جامعات شيكاغو وهارفارد وكامبريدج كما في جامعات أوروبية مختلفة، ولم يفته العمل كأستاذ زائر في بعض الجامعات اليابانية والصينية، وهو حالياً يعمل أستاذاً في جامعة بنسلفانيا.
3- منطلقاته الفكرية ومؤثراته:
استقطب مفهوم الصراع اهتمام كولينز بوصفه قضية مركزية في كلاسيكيات الفكر السوسيولوجي وفي اتجاهاته الحديثة والمعاصرة على حدّ سواء . ويرى كثير من النقاد ، أن نظرية الصراع الاجتماعي حاولت أن تفرض نفسها وريثاً شرعياً للماركسية والوظيفية في آن واحد . وفي سياق هذا التحرك الفكري المتجدد شكل مفهومي الصراع والتوازن محوراً للصراع الفكري المحتدم الذي بدأ بين التيارات الماركسية والوظيفية والفيبرية (نسبة إلى ماكس فيبر) ، وانتهى ليشكل مثار جدل أيديولوجي مستمر في السوسيولوجيا المعاصرة حتى يومنا هذا.
لم يستطع كولينز أن يقف بعيداً عن معترك الصراع الأيديولوجي العنيف بين مختلف التيارات السوسيولوجية حول نظرية الصراع، وقد تمكن أن يصول ويجول في عمق الجدل الدائر حول هذه القضية، وان يمسك بزمام أمرها بالمبادرة إلى تقديم تصورات إبداعية فائقة في هذا الميدان، وقد أراد لتصوراته هذه أن تكون خارج السياق الأيديولوجي المكلوم بتحيزاته المعرفية، وقد آلى كولنز على نفسه – كما يبدو لنا – أن يبنى نظريته على أسس موضوعية غير أيديولوجية غايتها الفهم الأعمق لأبعاد هذه الظاهرة بكل ما تنطوي عليه من إشكاليات وتمثلات فكرية.
وفي معترك المناظرات الفكرية الساخنة حول قضايا الصراع الاجتماعي، وضع كولينز كتابه المشهور سوسيولوجيا الصراع عام 1975 (Conflict Sociology)، وقد ضمنه مختلف توجهاته الفكرية الجديدة. وهو عين الكتاب الذي وَصَفه بتواضع علمي رصين قائلا: ” تشكل مساهمتي الرئيسية في نظرية الصراع ] مجرد [إضافة جزئيةّ إلى تلك النظريات الكبرى، وقد حاولت بشكل خاص أن أثبت أن التقسيم الطبقي والتنظيم متأصلان في تفاعلات الحياة اليومية“[16]. وقد أوضح كولينز وأكد مراراً بأن ” تركيزه على الصراع لم يكن أيديولوجياً بالمعنى السياسي للكلمة، وأن تناوله للصراع الاجتماعي كان نوعاً من الدراسة العلمية لظاهرة مركزية متأصلة حضارياً في الحياة الاجتماعية” [17].
استعرض كولينز في كتابه (سوسيولوجيا الصراع) مختلف النظريات السوسيولوجية القائمة في مجال الصراع الاجتماعي ، وذلك منذ البدايات الأولى لنشأتها حتى لحظة صدور كتابه الآنف الذكر ، وقد عمل في هذا الكتاب على مناقشة مختلف النظريات الصراعية، بما انطوت عليه من فرضيات وتصورات ومفاهيم ودراسات، ومن ثم اشتغل على تحليل ظاهرة الصراع نفسها إمبيريقيا ونظريا في مختلف أبعادها وتجلياتها السوسيولوجية، وانتهى إلى بناء نظريه الصراعية الخاصة به، واستطاع في النهاية أن يجعل من هذا العمل (سوسيولوجيا الصراع ) سفراً فكرياً في مجال الصراع الاجتماعي .
يعلن كولينز في كتابه “سوسيولوجيا الصراع” التزامه بتطوير نظرية متكاملة في الصراع الاجتماعي، ولذا نراه ينتقل من المظاهر الجزئية للصراع إلى مستوياته الأكثر شمولاً في المستوى الاجتماعي. وينطلق بداية من الإقرار بأن الصراع متأصل في بنية المجتمع في مختلف مستوياته، ومن ثم يبدأ بتحليل عوامل هذا الصراع وأسبابه ومتغيراته، مؤكداً في سياق هذا التحليل على أنه يعود في أسبابه الأولى إلى اللامساوة في مستوى توزيع موارد الحياة القيّمة والنادرة في مختلف مستويات الحياة الاجتماعية، ولا سيما في مستوى موارد القوة والسلطة والرفاهية المادية.
وتأسيساً على هذه الرؤية ينطلق كولينز في تطوير نسق من الفرضيات والمقولات والمقترحات حول بنية الصراع وعوامله ومتغيراته في مختلف مستويات الوجود الاجتماعي، ويبحث في العمليات الصراعية، التي تبدأ من المواجهات الحسية الآنية (وجهاً لوجه) ، ليؤكد وجودها أيضا في المستويات الكلية العليا في المجتمع ، أي : في مستوى المنظمات والظواهر الكبرى، مثل: الدين، والجنس والدولة، والسياسة، والأيديولوجيا القائمة في بنية المجتمع وتكويناته.
ويبين لنا كولينز في أبحاثه العديدة أن اهتمام الأفراد يتمحور بقوة حول ظاهرة اللامساواة في توزيع الموارد فيما بينهم، وأن سلوكهم يتحدد وفقاً لطبيعة توزيع الموارد. وقد أوضح لنا في ملاحظاته الدائمة على أنه كلما كان التوزيع متساويا وعادلا زادت احتمالية التضامن الاجتماعي وغابت ملامح الصراع، وعلى العكس من ذلك عندما تغيب عدالة التوزيع وتستفحل اللامساوة زادت احتمالية نشوب الصراع على اشده بين أفراد المجتمع بطقوس عالية أو قصيرة المدى.
ففي مستوى الوحدات الصغرى أي في مستوى الحياة اليومية والجماعات الصغرى، يلاحظ الأفراد بشكل مباشر وواضح عدم المساواة في توزيع الموارد فيما بينهم، وهم في هذا السياق يقومون بتعديل سلوكهم بما يتوافق مع درجة اقتناعهم ورضاهم عن عدالة التوزيع أو إجحافه، وكما اشرنا سابقا – كلما كان توزيع الموارد بين الناس أكثر تماثلاً كان الاحتمال الأرجح أن تكون التفاعلات بينهم أكثر هدوءاً واستكانة. وفي حالة عدم وجود المساواة بشكل أكبر تكون التفاعلات قاسية وشديدة وتكون شكلية للغاية [18].
وينتقل كولينز للبحث في ظاهرة الصراع في مستوى المنظمات والمؤسسات الاجتماعية الكبرى، وهو في تناوله لهذه الظاهرة في هذا المستوى، يبين لنا الكيفيات التي تعتمدها هذه المؤسسات في السيطرة والتحكم في عملية توزيع الموارد بين الأفراد، والكيفية التي يتم فيها توظيف هذا التوزيع في السيطرة على الآخرين. ويتضح أن هذه المنظمات تعتمد على الاستخدام المكثف للإكراه المادي والرمزي. ولا يوجد أي خيار أمان الأفراد الذين يواجهون هذا الإكراه سوى أمرين أحلاهما مرّ : الاستسلام أو المقاومة هذا إذا لم يكن الهروب ممكناً. وتتم السيطرة على الأفراد من قبل المؤسسات باستخدام الموارد المادية كحوافز للخضوع (على سبيل المثال، زيادة الرواتب، المكافآت والهبات والعطايا )، أو باستخدام الضغط العقائدي الذي يتم من خلال المشاركة في الطقوس والاحتفالات التنظيمية، التي تؤدي إلى امتثال الأفراد للمعطيات والأيديولوجية الثقافية للمنظمة.
وفي تناوله لمفهوم الصراع ، استطاع كولينز أن يحقق نوعاً فريداً من التخاصب بين علم اجتماع الوحدات الصغرى- أي علم اجتماع الحياة اليومية – وبين الرؤية السوسيولوجية المايكروسكوبية الكلية التي تناسب علم اجتماع الكليات والنظريات الكبرى. ففي نسق رؤيته استطاع أن يجمع بين النهجين وأن يزاوج بين الطريقتين في التأسيس لرؤية جديدة حول الصراع ، يمكن التأسيس عليها منهجيا في تحليل الظواهر الكبرى والظواهر الصغرى في آن واحد، ويمكن الاعتماد عليها في فهم هذه الظواهر وتفسيرها والتنبؤ بحدوثها ، ولهذا السبب وصف تيرنر عمل كولينز بنظرية الصراع التركيبية.
ومع أن كولينز كان يميل إلى علم الاجتماع المصغر، إلا أنه كان يرى بأن “علم: الاجتماع لا يمكن أن يكون ناجحاً على المستوى الجزئي وحده” [19]، وأن نظرية الصراع لا تستطيع الاستغناء عن مستوى التحليل المجتمعي الشامل، وذلك دون إهمال التحليل المصغر ، الذي ينطلق من قضايا الحياة اليومية المعاشة. ويشار في هذا الصدد كما اسلفنا أن كولينز استطاع أن يجمع منهجيا بين التحليل الكلي والجزئي للصراع كي يبني نظريته في الصراع الاجتماعي [20].
في سياق تحليله لظاهرة الصراع كرس جهوده العلمية في مسار استكشاف الديناميات الدقيقة التي تعمل في جميع مواقف الصراع، ولذا نراه يكشف لنا – في مؤلفه علم اجتماع الصراع – عن ديناميات الصراع الاجتماعي الذي ” ينتقل من مستوى الوحدات الصغرى إلى مستوى الوحدات الكبرى ويبين لنا أن الصراع متأصل في التنظيم الاجتماعي في مختلف المستويات؛ لأن الحقيقة الاجتماعية تبرهن على عدم المساواة في توزيع الموارد بين الأفراد ولاسيما موارد القوة والسلطة “[21].
وعلى نقيض ما رسخه منظرو الصراع – الذين أكدوا على جبروت التأثير الذي تمارسه الظواهر الاجتماعية الكبرى (السياسة، الاقتصاد، الدولة الدين ) في الأفراد – أقرّ كولينز بأن هذه الظواهر لا تنفصل عن الفاعلين الذين يبنونها ويؤسسون لوجودها في سياق تفاعلهم الاجتماعي، ولذا نراه ينظر إلى البنى الاجتماعية كأنماط تفاعل وليس ككيانات خارجية وقهرية. بالإضافة إلى ذلك نجد أن كولينز يخالف معظم منظري الصراع الذين نظروا إلى الفاعل الاجتماعي بوصفه خاضعاً بشمل سلبي للقوى الاجتماعية الخارجية الكبرى ومحتوماً بها، وعلى عكسهم تماماً نظر كولينز إلى الفاعل الاجتماعي بوصفة قوة مستقلة عن المؤثرات الكبرى قادر على المشاركة في توليد التنظيم الاجتماعي وتشكيل سماته باستمرار [22]. وهذا يعني أن الفرد لا يكون إلا صانعاً لتاريخه ومنتجاً للظروف التي تحيط به وتحتضنه في الآن الواحد، ويبدو هذا الأمر مألوفاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كولينز يعطي أهمية كبيرة جداً للظواهر الاجتماعية الذرية أو الصغرى بوصفها تشكل المادة التي يتكون منها المجتمع في مختلف ظواهره الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
ومن البداهة قولاً أن كولينز تأثر بسابقيه من كبار المنظرين في علم الاجتماع بصورة عامة، ولاسيما المفكرين الذين كرسوا أنفسهم للبحث في الظاهرة الصراعية في المجتمع، أمثال: ماركس وسبنسر ودوركهايم وميلز وكوز ودارندورف. ويعد كل من إيرفنغ غوفمان وماكس فيبر من أهم ملهميه، ولاسيما في مجال المنهج التفسيري المصغر للحياة الاجتماعية اليومية، ويبدو ذلك من خلال منهجه المطبق في علم الاجتماع الذي يقوم على دراسة الأفراد في مسارات حياتهم اليومية ، وفي دوائر التفاعل الحيوي الذي يحدث في أثناء المواقف التي يوجدون فيها ويتفاعلون مع معطياتها. وعلى هذا الأساس يرى كولينز أن المواقف الاجتماعية الحيّة للحياة اليومية تشكل منطلق السلوك ومصدر تكوين الظواهر الاجتماعية المعنوية والمادية. ويضاف إلى ذلك أن كولينز كان يرى “بأن النظام الشمولي «الكلي» للمجتمع لا يكون إلا نتاجاً وامتداداً للتفاعلات الجزئية التي تتم في مكان وزمن محددين، وهو على هذا الأساس لا ينظر إلى النظام الكلي للمجتمع على أنه يعلو على «الجزئي» أو يشمله بل وعلى خلاف ذلك كان يرى بأن الأصل في العلاقة بينهما هي علاقات الترابط وليست علاقات التراتبية هو المبدأ الحاكم لعلاقة الجزئي بالكلي وفق كولينز [23].
ورغم التزامه النهائي بعلم اجتماع جزئي يقترن بالتقسيم الطبقي، انطلق كولينز (رغم تحفظاته) من نظريتي ماركس وفيبر كأساس لأبحاثه ودراساته، ووجد أن الماركسية بعد تعديلها يمكنها وفقا لظروف العصر أن توفر الأساس لنظرية الصراع القائمة على مفهوم التقسيم الطبقي [24]. وقد أخذ كولينز بعدد من المقولات الماركسية وأهمها:
أولاً: تشكل الظروف المادية لكسب العيش في المجتمع الحديث المحددات الرئيسية لنمط حياة الأفراد في المجتمع، وتتحدد عملية كسب العيش من خلال علاقة الفرد بالملكية الخاصة. وبناء عليه فإن أولئك الذين يمتلكون أو يسيطرون على الممتلكات قادرون على كسب عيشهم بطريقة أكثر أفضل من أولئك الذين لا يمتلكون، وهم الذين يجب عليهم بيع وقت عملهم ورهن قوتهم الإنتاجية كي يتمكنوا من العيش والاستمرار في الوجود .
ثانياً: وفقاً لماركس، لا تؤثر الظروف المادية في كيفية كسب الأفراد للقمة عيشهم فحسب، بل تؤثر كذلك في طبيعة العلاقات الثقافية القائمة فيما بينهم. ويبنى على ذلك أن الطبقة الاجتماعية المهيمنة تكون أكثر قدرة على بناء مجموعات اجتماعية أكثر تماسكاً مرتبطة ببعضها من خلال شبكات اتصال معقدة، مقارنة بالطبقة الاجتماعية التابعة .
ثالثاً وأخيراً: أخذ كولينز بأهمية الفروق الشاسعة بين الطبقات الاجتماعية والكيفيات التي توظفها الطبقات المهيمنة في السيطرة الأيديولوجية والثقافية ويتفق مع ماركس بأن الطبقات الاجتماعية العليا تعمل على إنشاء أنظمة رمزية وأيديولوجية فعالة لإحكام سيطرتها على الطبقات الاجتماعية الدنيا.
وتأسيساً على ما تقدم رأى كولينز أن النظرية الماركسية تشكل “نقطة البداية في التأسيس لنظرية الصراع، ولكنه في الوقت نفسه عمل على تطويرها وتحريرها، وترويض مقولاتها لروح العصر. وقد أخذ على الماركسية – شأنها شأن الوظيفية– الحضور الطاغي للطابع الأيديولوجي وهي السمة التي أراد تجنبها والتحرر من تأثيرها في أعماله. ومع أن كولينز كان يستدعي ماركس بشكل متكرر في أعماله إلا أن نظريته في الصراع تظهر تأثراً ضعيفاً نسبياً ،بماركس، وتأثرت أكبر بكثير بكل من فيبر، ودوركايم، وبالتيارات الإثنوميتودولوجية [25].
ويمكن القول في هذا السياق إن علم اجتماع الصراع لكولينز لم يأخذ بالتراث الكلاسيكي لمفهوم الصراع الماركسي، ولذا نراه لا يجتهد في استكشاف البعد الطبقي الحقيقي للصراع الاجتماعي، وبدلاً من ذلك يكرس جهده لتفسير مجموعة واسعة من الظواهر الاجتماعية القائمة على أساس المصالح المتضاربة والتوزيع غير المتناظر أو العادل للموارد والخيرات المادية والمعنوية. ومع ذلك يمكن القول إن مساهمة كولينز تشكل استراتيجية أصلية وخلاقة لبناء النظرية الاجتماعية في مجال الصراع الاجتماعي، ولاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن نظريته تقوم على فحص مواقف الحياة الواقعية اليومية النموذجية، وهي المواقف التي يواجه فيها الأفراد بعضهم بعضاً ، ويتفاعلون تعاضداً أو تناقضا وصراعاً، وهو إذ ذاك يحدد لنا المصادر والموارد والكيفيات التي يتم فيها التوزيع المتكافئ أو اللامتكافئ للموارد الذي يشكل بدوره مصدراً للصراع بين الأفراد وبين المؤسسات الكبرى والشركات. ومن الواضح أيضاً أن كولينز لا يقف عند هذا الحدّ بل يبحث في مختلف الصيرورات الدنيا والعليا الصغرى والكبرى والكيفيات التي تشكل المرجل الذي يتشكل فيه الصراع الاجتماعي في مختلف أشكاله وتجلياته.
4-مفهوم الصراع:
يشكل الصراع – وفق كولينز – القوة المحركة للحياة التي تتجلى في صورة صراعات لا تتوقف أبداً، وتأخذ صورتها في الصراع على المناصب، والصراع على الموارد المادية والمعنوية، والصراع على السلطة والصراع من أجل السيطرة على اهتمام الأفراد في المجتمع، هؤلاء الذين يمكن أن تتم تغذيتهم بالأفكار والتصورات التي يمكن أن تكون مقنعة وجذابة[26]. ويرى كولينز أن الناس يعيشون في عوالم ذاتية أنشؤوها بأنفسهم، وأن بعضهم يمتلك القدرة على التأثير والسيطرة، وهم في سياق ذلك يحاولون فرض سيطرتهم وهيمنتهم على معارضيهم ، وهو الأمر الذي يؤدي إلى حتمية نشوب الصراع بين الأفراد في مجال البحث عن المزيد من القوة والموارد [27].
فالمجتمع في منظور كولينز شبكة من جماعات المصالح التي تتأرجح دائماً في حركة من التحالفات المتغيرة وفقاً لتغاير المصالح وتوزع الموارد. والصراع بمفهومه الأوسع – كما يراه – يشمل جوانب متعددة، وظواهر اجتماعية مختلفة تجري على صورة تفاعلات ملموسة ومجردة، مثل: الإضرابات والمظاهرات، والهجمات الإرهابية، والثورات والحروب، بل يشمل النظام الاجتماعي الطبيعي للحياة اليومية مثل الطقوس الاجتماعية التي تتمايز من خلالها الجماعات، ويتضمن ذلك القواعد التي تحكم شرعية النشاطات البشرية المختلفة: الدينية والعرقية والسياسية والاقتصادية والجنسية ونظم الإيمان التي تحدد ما هو مألوف ومنطقي وعقلاني وما هو ابتداعي وهرطقي[28].
وباختصار ، يكمن أصل الصراع في رأي كولينز في التوزيع المجحف للموارد، ويتجذر في تضارب المصالح الذي يتأصل في حياة الأفراد والجماعات، ويتجلى في نزعة الأفراد في الحصول على أقصى قدر من الثروة والسلطة والمكانة وانتزاعها، وهذا الأمر يضعهم – أي الأفراد- في موقع الصراع مع الآخرين، ويأخذ هذا الصراع مساراته في اتجاه المنافسة على الموارد والسلطة والقوة التي تشكل بذاتها الأداة الأنجع في الحصول على الموارد المادية والمعنوية. ولأن تضارب المصالح أمر حتمي في راي كولينز فإن الصراع الاجتماعي سيكون حتمياً بالضرورة. وهذا يعني في نهاية المطاف أن التوزيع غير المتكافئ للموارد والثروات إلى تعارض محتمل بين أولئك الذين يتحكمون في توزيعها وأولئك الذي يحرمون من عدالة توزيعها. وفي هذا السياق يحدثنا كولنز عن ثلاثة أنواع من الموارد:
أولا: الموارد الاقتصادية التي تتمثل بمختلف الثروات المادية والحيازات والملكيات والوظائف وكل ما من شأنه أن يدر مصادر اقتصادية ومالية.
ثانيا: موارد السلطة والقوة التي تتمثل في المراكز الاجتماعية وفي توزيع السلطة والقوة الإدارية الحاكمة في المجتمع.
ثالثاً وأخيرا: الموارد الثقافية التي تتمثل في مختلف الطقوس الثقافية والمعرفية التي تنتج الرموز والمعاني والقيم والأعراف السائدة في الجماعة أو المجتمع .
ويرى كولينز أن هناك مجالين رئيسين على الأقل لتعبئة الموارد: التعبئة الانفعالية والتعبئة المادية :
أولا: تتمثل التعبئة الانفعالية التي في عملية حشد أنساق المشاعر العاطفية والقيم الأخلاقية والعلامات الرمزية التي يمكن إحياؤها ضمن فعاليات طقوسية وثقافية ورمزية مستمرة. ومن المهم جداً في هذا السياق أن كولينز في تحليله للأفراد لا ينظر إليهم بوصفهم كائنات عقلانية بل بوصفهم كائنات عاطفية انفعالية ووجدانية بالدرجة الأولى [29].
ويرى كولينز في هذا المسار أن الصراع يمكن أن يقوم على الموارد العاطفية الانفعالية والرمزية. ويستخدم كولينز في تحليل هذه مفهوم التعبئة الرمزية أو الطقوسية التي تتمثل في طقوس التفاعل الرمزية والانفعالية . ويرى في هذا السياق أنه كلما كانت المجموعة قادرة على التجمع جسدياً وممارسة الطقوس الرمزية والمشاركة في الاهتمامات وتبادل المشاعر الانفعالية والعاطفية ازداد شعور أفراد الجماعة بهويتهم ووجودهم وأبدو استعدادهم للمشاركة في الصراعات لمصلحة جماعاتهم. ويتحدد هذا الأمر في أربعة مستويات:
1- تكوين إحساس قوي وصريح بالانتماء إلى الجماعة والتماهي بهويتها.
2- دفع الأفراد للاعتقاد بأن العالم ينقسم إلى معسكرين ( معسكر الجماعة ومعسكر الوجود الاجتماعي خارج الجماعة )
3. الإيمان بأفكار الجماعة ومعتقداتها والإدراك الجيد لطبيعة هذه المعتقدات.
4. تغذية أفراد الجامعة بالطاقة العاطفية والانفعالية والإيمانية الضرورية التي تجعل الفرد أكثر استعداداً للتضحية في سبيل الجماعة.
ثانيا: تتمثل التعبئة المادية للصراع في توظيف مختلف الموارد المالية، ومصادر هذه الموارد، وتقنيات الاتصال والنقل، والأدوات والأسلحة (إذا كان النزاع عسكرياً )، وغيرها من المصادر المادية التي يمكن الاعتماد عليها في ممارسة الصراع بين الجماعات والمؤسسات والدول. ويرى كولينز في هذا السياق أن تعبئة الموارد المالية يمكنها أن تحسم الصراع، ولاسيما في مستوى النزاعات العسكرية ؛ وهذا يعني أن الفوز في الصراع لا يعتمد من لديه الموارد في بداية الحرب فحسب، بل أيضاً على من يمكنه تجديد هذه الإمدادات والموارد.
ومن المهم في هذا السياق أن كولينز يؤكد أهمية الأبعاد الثقافية والمعنوية في عملية الصراع، إذ يمكن للجماعة أو الدولة أن تفوز في الصراع عن طريق توليد مستويات أعلى من التضامن الطقوسي مقارنة بأعدائها. ويعطي كولينز مثالاً لمارتن لوثر كينج الابن، من الواضح أن كينج كان لديه موارد مادية أقل من المؤسسة الحاكمة، لكن حركة الحقوق المدنية التي قادها كانت قادرة على خلق مستويات أعلى من الطاقة الشعائرية التي تمكنت من توليد جاذبية رمزية وأخلاقية واسعة النطاق. بالطبع، يمكن للمجموعة أيضاً أن تفقد الصراع إذا كان أعضاؤها غير قادرين على تجديد الطاقات العاطفية اللازمة بكل ما يصاحبها من مشاعر وقناعات ومبادئ أخلاقية واستعداد للتضحية والشعور بالانتماء إلى الجماعة والنزوع إلى التضحية من أجلها.
وتأسيساً على ما تقدم يرى كولينز أن تراجع المشاعر وضعفها وتلاشي رموزها يمكن أن يؤدي إلى انحلال الجماعة وتفككها. فالرموز والأفكار ليست مقدسة في حد ذاتها إذ تكمن وظيفتها في تحفيز المشاعر وتوليد الطاقة النفسية لإثارة عواطف الناس ومشاعرهم، وهذا يعني أنه لمن الضروري، إذن، تجديد الاندفاع الجماعي المرتبط بالرمز أو الأخلاق أو الهوية الجماعية. وفي الحالة التي لا يتم فيها ممارسة الطقوس الرمزية باستمرار يصاب الناس بالإحباط، ويفقدون دوافعهم ومشاعرهم الإيجابية نحو الجماعة، وقد يصل الحال إلى تبني وجهات نظر بديلة تجعلهم خارج سياق القدرة على بذل التضحيات من أجل مصالح الجماعة وتعزيز تضامنها ووحدتها.
وتجدر الإشارة في هذا السياق ، أن كولينز ينظر إلى الناس باعتبارهم اجتماعيين بطبيعتهم، ولكنهم مهيؤون في الوقت نفسه للدخول في دوائر الصراع الاجتماعي، ومن المرجح أن يحدث الصراع في مسارات التفاعل الاجتماعي للأفراد الذين يميلون دائماً إلى استخدام القوة المتاحة أثناء الصراع في بيئتهم التفاعلية. وبين في هذا السياق أن الأفراد يعملون -في سياق عملية الصراع – على اكتساب مزيد من القوة وزيادة قدراتهم ومواردهم التي تمكنهم من الدخول في صراع ناجح ضد الآخرين. وباختصار وجد كولينز أن الأفراد يهتمون بمصالحهم ويدافعون عنها ويحاولون كسب المزيد من القوة والأنفة والموارد لغاية توظيفها في صراعهم مع الآخرين [30].
5-1- الصراع الطبقي:
انطلق كولينز في التأسيس لنظريته الصراعية من تصورات كارل ماركس وماكس فيبر في الصراع الطبقي، وقد أقرّ مع ماركس بتأصل التقسيم الطبقي وحضوره المستمر في مختلف مظاهر وجوانب الحياة الاجتماعية، ولاسيما في مجال الظواهر التي تتعلق بالثروة والسياسة والوظائف وتقسيم العمل والاستغلال وفي مختلف أنماط الحياة المختلفة[31]. ولكن رغم تأثر كولينز الواضح بماركس ونظريته الطبقية، لم يأخذ بمفهوم الصراع الطبقي الماركسي على علاته، بل عمل على تطويره بما يتناسب ورؤيته الجديدة لمفهوم الصراع، واستطاع في هذا المسار ، أن يوجه عدداً من الانتقادات المهمة للنظرية الماركسية في مجال الصراع الطبقي، معلناً أنها تعاني من الطابع الأيديولوجي المكثف لأنها تقدم “تفسيراً أحادياً لعالم متعدد الأسباب ” [32].
إضافة إلى تأثره ماركس ن استلهم كولينز نظرية ماكس فيبر في الصراع الذي سبق له أن قام بتوسيع مفهوم الصراع الماركسي ليشمل جوانب متنوعة ومتعددة في الحياة الاجتماعية السياسية والثقافية والاجتماعية، ولم يتردد كولينز مع ذلك في إخضاع نظرية فيبر نفسها، كما هو الحال مع ماركس، للنقد وإعادة النظر في مفاهيمها وتشكيلاتها النظرية، واستطاع في النهاية أن ينطلق من استلهام النظريتين ونقدهما إلى تأسيس الملامح الأولى لنظريته المتكاملة في الصراع الطبقي الاجتماعي وفق معايير وأسس متجددة [33].
تناول كولينز نظرية ماركس الطبقية كما أسلفنا وقام بتحليلها ونقدها واستلهامها في الآن الواحد. وقد اقر مع ماركس بأن أساس الصراع يقوم على العلاقة بين هؤلاء الذين يملكون أو يسيطرون وهؤلاء الذين لا يوجد لديهم إلا قوة العمل لكسب عيشهم، ولكنه طور فكرة ماركس ليقول : بأن علاقات الصراع تتميز بأنها أكثر شمولاً وعمقاً وتعقيداً من علاقات التملك والخضوع، فالصراع يغطي جوانب متعددة في الحياة المجتمعية :سياسية واجتماعية وثقافية. واستفاد أيضاً من فكرة ماركس حول السيطرة التي تفرضها الطبقات الاجتماعية المهيمنة على النسق الثقافي، وطورها في البحث عن الكيفيات التي تتمكن فيها الطبقات الاجتماعية السائدة من إعادة إنتاج أنظمة رمزية وأيديولوجية وثقافية توظفها في إحكام سيطرتها على الطبقات الاجتماعية الدنيا.
ويجد كولينز نفسه أكثر فأكثر في حقل السوسيولوجيا الفيبرية (نسبة إلى ماكس فيبر) ، ويبين لنا في هذا السياق أن فيبر أدرك وجود أشكال مختلفة من الصراع الثقافي والسياسي والديني ، وأن هذا النوع من الصراع يؤدي إلى تشكل نظام تراتب اجتماعي متعدد الأوجه (مثل الطبقة، والوضع الاجتماعي والسلطة). وأخذ كولينز بمنظور فيبر في مجال المنظمات (المؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية) التي باشرها بوصفها حقلاً مناسباً للكشف عن أوجه جديدة من الصراع وتضارب المصالح. وهذا يعني أن كولينز قام بتحليل ودراسات المنظمات الرسمية من منظور الصراع “واعتبرها شبكات للصراع وساحات تتفاعل فيها الاهتمامات المتضاربة والمصالح المتناقضة إلى الدرجة التي تتحول فيها إلى ساحات للنضال” [34].
وقد أخذ عن فيبر تأكيده أهمية الدولة من حيث هي القوة التي تتحكم في عملية الصراع التي حولت الانتباه من الصراع على الاقتصاد ووسائل الإنتاج إلى الصراع على الدولة. وكان لأفكار فيبر في مجال الدين والعقائد الدينية أثر كبير في تشكيل جانب مهم من جوانب نظرية كولينز الصراعية ، مقتنعا بأن الدين – بما ينطوي عليه من عقائد وتصورات وقيم – يشكل أكبر مصدر للصراع الوجودي والأيديولوجي.
وباختصار عمل كولينز على توسيع مفهوم الصراع الطبقي ليشمل مجالات اجتماعية متنوعة مثل: الصراع بين الجنسين، والصراع بين الفئات العمرية : بين الأجيال ، أو بين الصغار والكبار، ويشمل ذلك الصراعات الأيديولوجية والطبقية ومختلف أشكال الصراع الاجتماعي . وقد وجد أن الصراع يقوم بين الجنسين في أحضان الأسرة بداية ، وأن الذكور يفرضون سيطرتهم لاحقاً في مختلف مستويات الحياة الاجتماعية، وعلى هذا الأساس تقوم هيمنة الرجال على النساء وإخضاعهن لمطالب المجتمع الأبوي.
وعلى هذه الصورة يرسم لنا كولينز حدود الصراع بين الأجيال ، أو بين الصغار والكبار، وفي تحليله لهذا الصراع يرى أن البالغين يمتلكون مجموعة متنوعة من الموارد بما في ذلك الخبرة والحجم والقوة والقدرة على تلبية احتياجات الصغار الجسدية. ويقابل ذلك أن الصغار لا يمتلكون كثيراً من المزايا والموارد، وهذا الأمر يؤدي إلى هيمنة الكبار على الصغار، والأجيال القديمة على الأجيال الجديدة، ويبقى هذا الصراع قائماً بانتظار أن نضج الأطفال الذين يكتسبون المزيد من الموارد ويكونون في المستقبل أكثر قدرة على المقاومة ضمن حركة ما يسمى بصراع الأجيال[35].
أكد كولينز أهمية الدراسة العلمية للتقسيم الطبقي ووجد أنه من الضرورة بمكان دراسة الأوضاع الطبقية بصورة ميدانية أمبيريقية وعدم الاكتفاء بالدراسات النظرية الأيديولوجية، وقد ألح على اعتماد المنهج التجريبي المقارن والبحث الميداني الذي ينطلق من فرضيات قابلة للاختبار والبحث العلمي، وهو في سياق ذلك كان يؤكد على دراسة أسباب السلوك الاجتماعي والظواهر الاجتماعية وعدم الاكتفاء بمراقبة نتائجها أو مظاهرها الخارجية السطحية[36].
وتأسيساً على هذا النهج العلمي الأمبريقي الواضح، وضع كولينز نسقاً من التصورات حول الصراع القائم علة التقسيم الطبقي الاجتماعي، من أهمها: [37].
أولا: طبق كولينز مفهوم الصراع الطبقي في مجال الحياة على الحياة اليومية الواقعية، بدلاً من الغوص في الصياغات النظرية المجردة، وهذا الأمر يتطلب دراسة الأفراد في سعيهم لتحقيق مصالحهم ، وكسب عيشهم ، وتحقيق الرضا وتجنب الحرمان.
ثانيا: وجد كولينز أن الصراع الطبقي يجري في جوهره حول الموارد التي تشكل المتغير الرئيس في عملية الصراع، وبين أن الموارد التي يمتلكها الفاعلون المختلفون تشكل منطلق الصراع وأساسه المتين. وفي هذا التساوق يمكن للفاعلين أصحاب الموارد المادية الوفيرة التحكم في شروط الصراع في مسار السيطرة على الفئات الاجتماعية الضعيفة ولاسيما في مجال التلاعب بأفكارهم وتوجيه.
ثالثا: أكد كولينز في نظريته أهمية الصراع الطبقي وانطلق من في صوغها من أهمية تأثير العوامل المادية بالدرجة الأولى. ووجد أن الصراع يتأثر بمجموعة من العوامل المادية التي تتعلق بالفضاء الجغرافي والمكاني للتفاعل بين الأفراد، وطبيعة التواصل وأدواته، ومدى توفر أدوات الصراع ( أفكار أسلحة، أدوات) والأجهزة الأيديولوجية التي تقوم بتصنيع الرأي العام، والأدوات والسلع الاقتصادية والمادية [38]. وقد أوضح في هذا السياق أن الفاعلين لا يتأثرون جميعاً بالطريقة نفسها بل يتغايرون في سلوكهم الصراعي ويتبدلون ضمن فضاءات الصراع زمناي ومكانيا.
رابعا: يرى كولينز بأن الجماعات التي تتحكم في الموارد تعمل من خلال الصراع على استغلال تلك التي تفتقر إليها. وأكد في هذا السياق أن هذا الاستغلال يتم من قبل المستفيدين الذين يعملون على تحقيق ما يرون فيه مصالحهم الذاتية والاقتصادية الأمثل، وهم في هذه العملية يقومون بالسيطرة على الطبقات الفقيرة التي لا تمتلك الموارد ويفرضون هيمنتهم .
خامسا: “أراد كولينز من منظري الصراع أن ينظروا إلى الظواهر الثقافية مثل المعتقدات والمُثل من منظور الاهتمامات والموارد والسلطة من المرجح أن الجماعات التي لديها الموارد، ومن ثم السلطة، تستطيع فرض نظم أفكارها على المجتمع بأشره، وأولئك الذين ليست لديهم موارد يفرض عليهم نظام أفكار “[39].
5-2- انتشار الصراع:
يبنى على ما تقدم بأنه من أجل أن يصبح الصراع علنياً، يجب أن تتم تعبئة الناس من خلال الموارد المادية للتنظيم أو للجماعة أو الحزب السياسي، ويجب أن يكون لدى الأفراد دوافع عاطفية وانفعالية مستدامة، وأن يشعروا بالتبرير الأخلاقي الثقافي، وأن يكونوا مركزين وموحدين بشكل رمزي. بمجرد أن يبدأ الصراع، فإنه يميل إلى إعادة إنتاج نفسه من خلال تبادل طقوسي للفظائع. إن تبادل الفظائع ذهاباً وإياباً يعيد إنتاج ويعزز الدافع العاطفي والتبرير الأخلاقي، ويخلق المزيد من الرموز التمثيلية لأداء طقسي إضافي.
كل صراع يؤدي إلى توليد صراع لاحق لازم عنه، ومن أجل الاستمرار في الصراع والتضحية من أجله يجب أن يكون لدى أفراد الجماعة قناعة بالصواب الأخلاقي لهذا الصراع، وأن يأخذوا بالتبرير الأخلاقي لغاياته وأهدافه. فالجماعات تواجه صعوبة في إقناع أفرادها بالاستمرار في الصراع لمجرد تحقيق أهداف نفعية، وهذا يعني أن الصراع يحتاج إلى طاقة سيكولوجية وأخلاقية، لذا يجب تغذية شعور الأفراد بالتفوق الأخلاقي وتزويدهم بطاقة رمزية تشحذ هممهم وقدرتهم ونزعهم إلى تغذية الصراع والتضحية من أجله.
ويشير كولينز في هذا السياق إلى طريقة تبادل الفظائع أثناء الصراع ، وهي الطريقة التي توظف في تعزيز النزاعات وحشد القوة اللازمة لها، ويطلق كولينز على هذا الفعل – تبادل الفظائع- وهو يمثل الوجه السلبي للتضامن الاجتماعي. فأفراد الجماعة الذين ينخرطون في الصراع يعتقدون دائما على أنهم يمتلكون الحق والمشروعية في حربهم، ولا يمكن للأفراد أن يحاربوا وهم يشعرون بأنهم على خطأ وأن الصواب يجانبهم. فالأشخاص الذي فجروا مركز التجارة العالمي كان لديهم كل الاقتناع بأنهم يقومون بفعل أخلاقي يبرر لهم ما قاموا به. وهناك أمثلة لا حصر لها في جميع أنحاء العالم، مثل الكروات والصرب والكاثوليك والبروتستانت الأيرلنديين. وتاريخ الولايات المتحدة مليء بمثل هذه الوضعيات الصراعية القائمة على أوهام الاعتقاد بمصداقية وشرعية ما يقوم بها أفراد الجماعات من عنف وقتل وتدمير. وقد وجد الساسة الأمريكيون في استخدام السلاح النووي ضد اليابان في مديني ناكازاكي وهيروشيما فعلاً أخلاقياً يفاخرون به، وأن هذا الهجوم النووي كان رداً أخلاقياً على القصف الجوي الذي قامت به اليابان في بيرل هاربور. وقد برر الأمريكيون استخدمهم للقنبلة النووية بأنه فعل ضد أولئك الذين هاجمهم دون سابق إنذار في بيرل هاربور، وضد هؤلاء الذين جوعوا وضربوا وأعدموا أسرى الحرب الأمريكيين، وضد من تخلوا عن كل مظاهر الانصياع للقوانين الدولية. وهذا الأمر عينه – التفجير النووي – وظف في تأكيد وتغذية السخط العام ضد العدو وتعزيز التضامن الاجتماعي، وعلى هذه الصورة تم استخدام طقوس الانتقام لحشد الدعم الشعبي وتعزيز الانتماء وتقوية مشاعر الوحدة الأمريكية، ويمكننا أن نرى ذلك بوضوح في استخدام الولايات المتحدة لهجمات 11 سبتمبر، واستخدام إسرائيل للمحرقة، وتصوير مناهضي الإجهاض للإجهاض على أنه القتل، واستخدام مختلف جماعات الحقوق المدنية للفظائع الماضية. وهكذا تصبح الفظائع مورداً رمزياً يمكن استخدامه للتأثير على الرأي العام وإنشاء تحالفات.
5-3- تراجع النزاعات :
تتضاءل النزاعات مع استنفاد موارد التعبئة المادية والمعنوية على حدّ سواء. فالمصادر العاطفية والانفعالية تفعل فعلها على المدى القصير بالنسبة للصراعات الشديدة وتضعف فاعليتها وقدرتها على حشد الأفراد على المدى الطويل، وعلى خلاف ذلك فإن الموارد المادية تكو فعّلة أكثر على المدى البعيد.
ويبنى على ذلك أن الصراعات المعتدلة تنزع إلى الاستمرار لفترات زمنية أطول من تلك الصراعات التي تتميز بحدتها، ومن المعروف أن هذه الصراعات الأكثر اعتدالا تستهلك موارد أقل ويتم تجديدها بسهولة أكبر. هذا هو أحد الأسباب التي تجعل الإرهاب وحرب العصابات تميل إلى الاستمرار إلى ما لا نهاية. يمكن أيضاً استمرار حركة النضال لجماعات الحقوق المدنية والتحركات السياسية السلمية نسبياً لفترات طويلة.
ويبين لنا كولينز أن الأشكال المعتدلة نسبياً من الصراع تميل إلى التراجع بسبب بيروقراطية الصراع. ونظراً لأن البيروقراطيات خالية من القيمة والمشاعر، فهناك ميل للتقليل من أهمية الاختلافات وتفريغها من شحنتها الصراعية وجعلها أقل قدرة على الاستمرار. ووفقاً لهذه الفعالية البيروقراطية في الصراع يلاحظ أن بعض المجتمعات قد منحت الحركات العرقية والجندرية والحقوقية أوضاعاً قانونية مشروعة.
ومن الأمور التي تضعف الصراعات والنزاعات تراجع مشاعر التضامن الطقوسي وانخفاض منسوب الطاقة الرمزية في هذه الطقوس. وهذا يعني أنه من أجل استمرار النزاعات يجب على مجموعة الصراع أن تعمل على تغذية الطاقة العاطفية اللازمة لمواصلة القتال. وبعض الصراعات تفقد القدرة على توليد مستويات عالية من الطاقة العاطفية والانفعالية وهذا يؤدي في النهاية إلى انطفاء مشاعر الصراع وتراجع الحماسة الجماهيرية نحوه.
6- طقوس التفاعل :
تتميز نظرية كولينز الصراعية بالأصالة الفرادة التي تتمثل في قدرته على تحليل هذه الظاهرة في أكثر مستويات الحياة الاجتماعية شمولاً وفي أدق تفاصيلها حضوراً في الحياة الاجتماعية. واستطاع أن يجمع في منهجه التحليلي بين علم اجتماع الوحدات الصغرى (Microsociology) الذي يتحرك في دائرة الحياة اليومية وعلم اجتماع الوحدات الكبرى (Macrosociolgy) الذي يتناول الظواهر الكبرى مثل الطبقة والدولة والدين والسياسة. وهذا يعني أن كولينز لم يكن مفكراً شمولياً كما يبدو لبعض المفكرين بل كان أيضاً مفكراً وباحثاً في دقائق الحياة اليومية وتفاصيلها الذرية المتناهية في الصغر.
ويمكن القول بأن كولينز يعدّ أوّل من صكّ مفهوم طقوس التفاعل (interaction rituals) لأول مرة في علم الاجتماع ، وهو الذي قام بتطويرها في كتابه ” سلاسل طقوس التفاعل” (Interaction Ritual Chains, 2004). وهو العمل الذي يدافع فيه كولينز عن علم اجتماع الوحدات الصغرى الذي تشكل فيه المواقف اليومية الحياتية أساس الحياة الاجتماعية. وفي سياق آخر يشرح لنا الروابط بين الديناميكيات الدقيقة والظواهر الأكثر شمولاً في الزمان والمكان، مثل : التقسيم الطبقي الاجتماعي، ولاسيما وبشكل أكثر تحديداً، طقوس التفاعل الدينية بما تنطوي عليه من جوانب عاطفية وانفعالية. ومن ثم يناقش فيه كيفية استخدام طقوس التفاعل في العصر الرقمي حيث يلعب التواجد الجسدي والاتصال وجهاً لوجه دوراً مهماً في النظرية.
ويتجلى منهجه التحليلي المصغر في توظيفه لمفهوم “طقوس التفاعل” بوصفه أحد أهم المفاهيم المركزية التي استخدمها ووظفها في بناء نظريته حول الصراع الاجتماعي. ويمكن القول إن طقوس التفاعل هي الوضعيات التي يجتمع فيها الناس ويتفاعلون وفق أنظمة من الطقوس الاجتماعية للتعبير عن أفراحهم وأتراحهم وميولهم وعواطفهم ومسراتهم واهتماماتهم. وفي هذا المستوى من التفاعل يحاول كولينز أن يستكشف المصادر الأساسية للصراع الاجتماعي، الذي ينشأ بداية في هذه المستويات الأولية العاطفية والانفعالية من الاجتماع التفاعلي، وهي المشاعر التي تتوالد وتتعاظم وتتكاشف لتشكل كتلاً اجتماعية مختلفة ومتصارعة في الآن الواحد.
يحاول كولينز في حقيقة الأمر أن يحدد ملامح طقوس التفاعل وأن يرسم حركتها وان يحدد مداراتها في نشأتها وتكونها وانطلاقها. وهو في هذا السياق يحدد أربعة مكونات أساسية للطقوس التفاعلية :
يتمثل أولها: في اشتراك شخصين أو أكثر في عملية التفاعل ويكون هذا التفاعل فيزيائياً جسدياً ويكون الأفراد المتفاعلين قادرين على مواجهة مواقف ووضعيات عامة ومهمة في سياق الحياة الاجتماعية
يتطلب الشرط الثاني للطقوس المتفاعلة أن يقوم المتفاعلون بتحديد هو داخلي وما هو خارجي، وهذا يعني وضع حدود للجماعة التفاعلية كي تتميز بها عن الجماعات الأخرى، وهو الأمر الذي يمنح المتفاعلين شعوراً مميزاً بالتضامن الداخلي الذي يعزز هوية الجماعة وانتماء الأفراد إليها.
ويتمثل البعد الثالث للطقوس المتفاعلة في تحديد الغاية التي يسعى إليها المتفاعلون، إذ يتوجب عليهم تحديد أهدافهم وتوجيه نشاطاتهم وفعالياتهم نحو تحقيق هذه الأهداف المشتركة وفق فعالية تفاعلية مشتركة، ويتطلب هذا الأمر درجة عالية من الوعي بمختلف أوجه هذه الفعالية الغائية.
ويتمثل البعد الرابع والأخير للطقوس المتفاعلة في مطلب المشاركة العاطفية والانفعالية الوجدانية، والانغماس في التجربة الشعورية التي تؤدي إلى تأصيل الوحدة السيكولوجية للجماعة وعندما تتحقق معاً هذه العناصر الأربعة بنجاح، تعطي أربع نتائج:[40]
(1) “يشعر الأفراد بالتماسك مع بعضهم البعض، ويتخيلون أنفسهم أعضاء لديهم هدف واحد.
(2) يـغـمـرهـم شعور بالإنجاز والحماسة (الطاقة الشعورية مرة أخرى) يدفعهم إلى المبادرة.
(3) تولّد عضوية الطقوس المتفاعلة رموزاً جماعية لها صفات مهمة، ويتبع ذلك النتيجة الرابعة.
(4) تثير انتهاكات هذه الرموز عقوبات ضد المدانين بالانتهاك. باختصار، إن الطقوس المتفاعلة هي ما يبقي المجتمع متماسكاً في «جيوب التماسك»، وهي ما تمنح الأفراد هوية وهدفاً ” [41] .
ولم يكتف كولينز بوضع التصورات النظرية لنظرية الطقس التفاعلي بل عمل على تطبيقها واختبارها إمبيريقياً على مجموعة مختلفة من الظواهر الاجتماعية ،مثل: طقوس الفلاح والزواج، والطقوس الدينية، حركات مكافحة التدخين، وردود الفعل تجاه الهجمات الإرهابية، وطقوس العنف المختلفة. وقد وظف هذه التجارب الإمبيريقية في تطوير نظريته والارتقاء بمضامينها الفكرية لتكون أنموذجاً لفهم مختلف الأوضاع الصراعية التي تخوضها الجماعات والمنظمات [42].
واستطاع كولينز في هذا المسار أن يطور نظريته في طقوس التفاعل، وأن يستنتج في الوقت ذاته بأن المجتمعات الإنسانية تقوم على هذه الطقوس في مختلف أنساقها وتنوعاتها، وقد أوضح أن هذه الطقوس تتغلغل في التكوينات الاجتماعية على صورة التفاعل الحي الذي يجري في مسار الحياة الاجتماعية اليومية بصورة حسية وجسدية بين أفراد المجتمع. وباختصار وجد أن هذه الطقوس تشكل العناصر الأولى التي يتشكل منها المجتمع في مستوى الجماعات الصغرى والمجموعات الكبرى والمنظمات وصولاً إلى تشكيل المجتمع الكلي بصورته الشمولية[43].
يستخدم كولنز مفهوم الطاقة العاطفية لوصف الحالات الانفعالية للأفراد الذين يشعرون بالثقة والحماسة ويمتلكون الإحساس بالقدرة على اتخاذ زمام المبادرة. ويرى أن مصدر الطاقة العاطفية هو طقوس التفاعل الناجحة. وهكذا، إلى حد ما، يتم توليد الفاعلية في شكل طاقة عاطفية في التجمعات الجماعية.
يرى كولينز أن طقوس التفاعل تبدأ دائماً ببعض المشاعر الأولية البسيطة التي ترقى إلى مستوى المشاركة الجماعية من قبل أفراد الجماعة، ومن ثم تؤدي هذه الطقوس التفاعلية بين الأفراد إلى توليد نوعاً من المشاعر العاطفية الانفعالية التي تؤدي وحدة الجماعة وتماسكها. ومثال ذلك ما يحدث للناس في الطقوس الجنائزية التي تدفع الناس للتفاعل والتوحد على نسق من المشاعر الحزينة التي تتحول إلى مشاعر تضامنية. ويرى أنه من المهم تحديد المشاعر المستخدمة في طقوس التفاعل. ويركز كولينز في هذا السياق على الطقوس الدينية التي تتشابه في جوهرها مع الطقوس الرياضية والحفلات الموسيقية التي تولد نوعاً من المشاعر الانفعالية بين أفراد الجماعة. وعندما يقوم كولينز بتحليل الظاهرة الدينية يستنتج فكرتين أساسيتين :
أولاً- الإحساس التاريخي المقدس بالزمن والتعلق بالماضي الذي يشكل قوة انفعالية هائلة، فاليهودية على سبيل المثال تتمحور حول أحداث دينية جرت منذ 3000 عام. وينسحب هذا التعلق الزمني التاريخي في مختلف الديان ولاسيما البوذية والمسيحية. ومن الواضح أن الأديان غالباً ما تنزع إلى الـأكيد علة وجودها مع بداية الخلق والتكوين وتؤكد استمرارها حتى نهاية تاريخ العالم. ومثل هذه الأفكار تأخذ صبغة طقوسية دينية فاعلة ومؤثرة وتؤدي بدورها إلى توليد إحساس متعاظم بوحدة الجماعة الدينية وتعزيز مشاعرها الدينية المقدسة بوصفها جماعة من المؤمنين المتأصلين في الزمن المستمرين حتى القيامة ونهاية الكون .
ثانياً – الإحساس المقدس بالرهبة والخوف والأمل، وهي المشاعر التي تولدها طقوس التفاعل الدينية التي تتمحور حول الشعور بالرهبة والخوف والقلق الوجودي والحزن الشديد، ولاسيما هذا الذي يتجلى في المشاعر الدينية المسيحية التي تبدأ بطقوسية: الصلب (صلب السيد المسيح)، ويتجلى هذا الأمر أيضاً في مختلف الأديان والشعائر والطقوس الدينية التي تولد مزيجاً من مشاعر الحزن والخوف والقلق والرغبة في التضحية. ويبين في كتابه سلاسل طقوس التفاعل أن الطقوس تعمل بشكل جيد عندما تكون الأوضاع عادية وعلى ما يرام وعندما تسوء الأمور يستخدم الناس الطقوس لجعل الأمور تسير بشكل أفضل.
7- الصراع الجيوسياسي:
أولى كولينز أهمية كبيرة لمفهوم الصراع في المستوى السياسي والجغرافي (الجيوبوليتيك) وهو في هذا المستوى ينتقل من علم اجتماع الوحدات الصغرى ليدرس الصراع في أعلى مستوياته أي عندما يكون بين الدول والأمم والشعوب والديانات. فالدولة القومية تشكل أكبر تجمع بشري. تبدأ الجغرافيا السياسية في تصور كولينز من الاعتراف بأن الناس الذين يحيون في العالم الحديث يتأثرون بالدولة وقوتها ومؤسساتها مثل الحكومة السياسية والبرلمان وجهاز الخدمة المدنية والأجهزة الأمنية والمؤسسات الاقتصادية. وكما هو الحال في مستوى الأفراد والجماعات توجد الدولة في فضاء عالمي ينطوي على عدد كبير من الدول أخرى التي توجد في حالة بحث دائم عن النفوذ والقوة والتوسع والهيمنة والسيطرة. ومن الواضح أن كولينز قد استوفى مظاهر الصراع في داخل الدولة بين المؤسسات والأديان والجمعيات والجماعات ومن ثم ينتقل إلى دراسة هذه المسألة في العلاقات الدولية وبحث في مختلف إشكاليات التنافس والحروب والتحديات والتوسع ونهوض الدول وسقوطها والتحالفات التي تبرمها للمحافظة على وجودها[44].
يرى كولينز أن الدول القومية تقوم على الاستخدام المشروع للقوة في المحافظة على وجودها والبحث عن المزيد من أسباب القوة والتوسع والنفوذ. وغالباً ما يؤكد بأن الدول لا يمكنها أن تكون آمنه لأن التهديد الخارجي ماثل دائماً وهو مستمر في الوجود، ويشكل في الوقت نفسه تحدياً وجودياً بالنسبة للدول يهدد كيانها ووحدتها واستمرار وجودها. ولذا يجب على الحكومات أن تبقى يقظة وأن تعمل في الوقت ذاته على تطوير الإحساس بوجود التهديد الخارجي مرتفعاً إلى حد كبير، وعليها أيضا أن تعد العدة لمواجهة هذا التحدي في حال تعرض الدولة لعدوان خارجي.
يرى كولينز أن عملية بناء القوى الجيوسياسية تأخذ وقتاً طويلاً لا يظهر للعيان مباشرة، إذ غالباً ما يجد الناس صعوبة في التفكير على المدى الطويل في طبيعة هذه التشكيلات القومية وعوامل نشأتها ووجودها، وذلك لأن الأفراد غالباً ما يركزون على تحقيق الاشباعات الفورية للاحتياجات المادية والنفسية التي ترتبط بوجودهم الحيّ اليومي.
ولكن هذا الاهتمام بنشأة الدول وعوامل نموها وتطورها وسقوطها بشكل الموضوع الحيوي لعلم الاجتماع السياسي الذي يشرح لنا كيف تولد الدول وتنمو الأمم وتندثر وتموت. إذ لا يمكن لنا رؤية العمليات الجيوسياسية من خلال اهتماماتنا اليومية، وهذا يعني أنه يترتب على الراغبين في المعرفة أن يتجاوزوا حدود الحياة اليومية وأن يرتفعوا بنظرتهم فوق أنفسهم كي يتمكنوا من النظر بعيداً في قضايا التاريخ والدول.
ومما لا شك فيه أن النظرية الجيوسياسية تركز على الدولة بدرجة أكبر من التركيز على الاقتصاد. فالدولة القومية تشكل الفاعل الرئيسي على المسرح العالمي. ومما لا شك فيه أن الدول القومية نشأت حديثاً مع بداية القرن السادس عشر، وذلك في الزمن الذي لم يكن فيه العالم قد انتظم في دول قومية. كان الناس عموماً منظمين عرقياً بحدود إقليمية مرنة إلى حد ما، كما هو الحال مع الأنظمة الإقطاعية التي استندت على مبدأ إدارة الأرض وعلى طبيعة العلاقة القائمة بين اللوردات -الإقطاعيين بالفلاحين. وكانت الخصائص الأساسية لهذه المجتمعات التيولوجية الولاء للإقطاعيين ورجال الدين الذي يهيمنون بالقوة والعنف على طبقة الفلاحين والأقنان .
وعلى خلاف الدول الإقطاعية تأخذ الدولة القومية صورة تكوين اجتماعي، ينشأ في منطقة معينة، ويشترك أفراده في تاريخ وهوية واحدة ومصير مشترك. وتُعرَّف الدولة على أنها كيان يحتكر الاستخدام المشروع للقوة داخل منطقة جغرافية معينة. فالدولة القومية تحتكر القوة والسلطة وتمتلك القدرة على فرض ضرائب على الناس بانتظام لغرض إنشاء جيش دائم.ويلاحظ كولينز أنه في السابق، كانت الجيوش عبارة عن أشياء عارضة آنية، يتم تجميعها آنياً لخوض حروب معينة وبعدها تتفرق هذه الجيوش بعد إنجاز مهمتها أو بعد فشلها وانكسارها. أما الجيش القومي الدائم للدولة هو ذلك الذي يكون دائماً في حالة تأهب، جاهزاً للقتال والنزال في أمكان أو توقيت ممكن. ويؤكد كولينز في هذا السياق على أن الدول القومية تقوم على الاستخدام المشروع للقوة والسلطة والعنف في سياق مشروعية اجتماعية ثقافية وطقوسية وسياسية.
يعرف كولينز قوة الدولة على أنها القدرة على حمل الناس على فعل ما تريده السلطات السياسية، ويعرّف الشرعية في هذا السياق بأنها استعداد الناس لقبول ما تريده الدولة. ولكي ينجح أي نظام سياسي في الهيمنة والسيطرة عليه يحظى بالمشروعية وأن يؤسس لها كي يحظى بقبول أفراد المجتمع لهذه السلطة ضمن معايير ثقافية وأيديولوجية مشروعة. ومع ذلك فإن المشروعية القانونية والثقافية غير كافية للمحافظة على السلطة لأن نظام القوة في الدولة لا يعتمد على الشرعية أو المشروعية فحسب، بل يجب أن يستوفي أسباب القوة بما تتطلبه من موارد تكنولوجية ومالية وعسكرية واقتصادية. وعندما تريد الدولة فرض سلطتها بالقوة غالبا ما يستجيب الناس بالتمرد وفي معظم الحالات يكون القبول والاستسلام. ولذا فإن سلطة الدولة تعمل على توليد الإيمان بصحة النظام وشرعيته وضرورته، وهذا يؤكد وجود علاقة صميمية قوية جداً بين القوة والشرعية.
وفي هذا السياق يرى كولينز أن الشرعية تتمثل في نوع خاص من المشاعر: إنها مثل العاطفة التي يشعر بها الأفراد عند مواجهة خطر الموت بصحبة الآخرين، وهذا الشعور بالشرعية والقبول بها يأخذ صيغة متقلبة، إذ ينحسر أحياناً ويمتد ويصبح أقوى أحياناً أخرى، ويتضح أن شعور الناس بالمواطنة يتقلب وفق عدد من العوامل أهمها أداء الطقوس الوطنية وتغلغل الإيديولوجية السياسية والحضور المكثف للأنساق الثقافية.
فالشرعية تعطي الحكومة الحق في الحكم، وتجد صداها في تحقيق الازدهار الاقتصادي والتعليم الجماعي، وتحقيق مصالح الناس وضمان أمنهم وحماية وجودهم.
ويرى كولينز في هذا السياق أن شرعية الدولة القومية تعتمد على توليد شعور مشترك بين أفراد المجتمع حول التهديدات الخارجية المحتملة، ويغذى هذا الشعور بالطقوس الشعائرية السياسية القومية التي تغذيها السلطات القومية كرد فعل على التهديد الوجودي الخارجي المتصور. ويمكن أن يكون هذا التهديد داخلياً، كما هو الحال في انتفاضات الأقليات والجريمة والانحراف، ولكنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتهديد والصدمة الخارجيين.
وتتميز الدولة القومية حسب كولينز والسمة بسيطرتها على منطقة جغرافية معينة، وهذا الأمر يتطلب بناء جيش نظامي قوي للدفاع عن الحدود القومية للدولة. ومن أجل توضيح هذا الأمر يعود بنا كولينز إلى التاريخ الإنساني ولاسيما عندما استقر البشر لأول مرة بسبب الزراعة، توجب عليهم الدفاع عن الإقليم الذي يشكل وطنهم الزراعي وتشكيل القوة اللازمة للدفاع وحماية الحدود وتنظيم السكان داخلياً.
تعد المعالم الجغرافية لهذه المنطقة مهمة للغاية بالنسبة لكولينز. ويرى كولينز أن فكرة الملكية “تدعم العالم الكبير كهيكل اجتماعي، ويكمن سبب ذلك أن الملكية تشكل البعد الأساسي الذي يتم على أساسه إنتاج طقوس التفاعل. وعلاوة على ذلك، فإن الفضاء الجغرافي ليس مجرد الساحة التي تحدث فيها التفاعلات ؛ إنه أحد العناصر الأساسية التي يكافح الناس من أجل السيطرة عليها، مما يجعل الفضاء الجغرافي أو ما يسمى بالوطن القومي محط تركيز طقوسي قوي للانتباه. وبالتالي، على مستوى واحد، فإن الصراحة وزيادة مساحة الأراضي المرتبطة بالدول القومية آثار مهمة على إنتاج سلاسل طقوس التفاعل والظواهر على المستوى الكلي بشكل عام.
7-1- الديناميكيات الجيوسياسية:
يرى كولينز أن الفضاء الجغرافي للدولة مهم جداً بوصفه الحاضن الفعلي للقضايا الجيوسياسية المرتبطة به، فكل أشكال التنظيم السياسي تأتي وتذهب، بما في ذلك الدول القومية، فالأمم تولد وتموت وتتجدد وتختفي من الوجود في دوائر من الفضاءات الجغرافية الحاضنة للوجود. وهذا يعني أن العوامل الجيوسياسية وثيقة الصلة بتضاريس الأرض وهي التي يمكن اعتمادها في عملية التنبؤ بنشوء الدول وصعودها وسقوطها في الفضاءات الجغرافية التي تحتضنها. ومما لا شك فيه أن المساحة والموارد الطبيعية وحجم السكان تشكل عوامل استقرار الدول القومية. ويمكن للمناطق الأكبر والأكثر ثراءً أن تحافظ على أعداد أكبر من السكان، وهذا يوفر بدوره القاعدة الضريبية والقوى العاملة اللازمة لبناء الجيوش الكبيرة الجرارة. وهذا يعني أن يمكن للدول الكبيرة بجيوشها الكبيرة أن تهزم الدول والجيوش الأصغر. والدول القومية التي لديها عدد أقل من الأعداء على أراضيها المباشرة ستكون أقوى من الدول الأخرى التي يوجد بها المزيد من الأعداء في الجوار. وفي المجمل، يمكننا أن نرى أن الدول الأكبر والأكثر قوة تتمتع بميزة تراكمية من الموارد: فالدول التي تتمتع بمزايا السكان والجغرافيا والموارد تنزع إلى النمو بشكل تراكمي مع الزمن. في النهاية، عندما يتم ضم الدول الصغيرة، تواجه الدول الأكبر بعضها البعض في حروب قد تكون مدمرة ومميتة ما لم يكن هناك حاجز طبيعي يمنع هذه الحروب مثل البحار والمحيطات. فالحواجز الطبيعية تشكل حاجزاً بين الدول القوية وتعمل على تحقيق توازناً مستقراً للقوى.
وقد تتعرض الدول القومية للانقسامات السياسية الداخلية والصراعات التي يمكن أن تؤدي إلى انقسامات وشروج في جسد الدولة القومية. إن مفتاح النظرية الجيوسياسية في نظرية كولينز هو التوسع المفرط والدائم للدول القوية. وفي هذا المسار يولي أهمية خاصة لتكاليف الحروب إذ يتطلب المحافظة على القوة العسكرية إمداد الجيش بالموارد والإمكانيات المادية، ويوضح في هذا المسار أنه عندما يكلف الجيش بالقتال في مناطق بعيدة تزداد الكلفة المادية، ولا سيما تلك التي يترتب عليها نقل الموارد والبضائع وتوفير الخدمات.
وفي مسار آخر يرى كولينز أن الدولة القومية تتجه إلى التوسع ثقافياً وأيديولوجيا، ويتضح أيضاً أن شرعية الدولة القومية تضعف كلما ابتعدت عن قاعدتها العرقية. وهذا يعني الدولة قد تعاني نسقا من التحديات السياسية والوجودية كلما اشتدت عناصر التنوع في تكويناتها العرقية والثقافية وهو التنوع الذي قد يؤدي إلى مزيد من الخلافات والصراعات المحتملة داخل الدولة وذلك على خلاف الوضعية التي يكون فيها التجانس الاجتماعي والثقافي أكثر عمقاً وشمولاً بين السكان المتجانسين.
7-2- تفكك الاتحاد السوفيتي:
استطاع كولينز أن يوظف هذا التحليل العميق في تناوله السوسيولوجي للاتحاد السوفيتي. واستطاع كولينز أن يتنبأ بتفكك الاتحاد السوفييتي قبل خمس سنوات من سقوطه في عام 1991. وكان كولينز قد نشر مقالا بعنوان “الانحدار المستقبلي للإمبراطورية الروسية”[45]. تنبأ فيه بسقوط الاتحاد السوفيتي، وشرح في هذا الفصل مراحل نشأة دولة روسيا تاريخيا وتوسعها جغرافيا، وبيّن أن التوسع الروسي بدأ من موسكو في أواخر القرن الرابع عشر، وكانت دولة صغيرة استطاعت أن تحقق انتصاراتها في حروبها التوسعية ضد دول صغيرة متخاصمة ومجزأة، واستطاعت هذه الدولة الناشئة أن تحقق توسعا تراكميا بطيئاً نسبيا. وفي عام 1520 ضمت موسكو دولة روسيا العرقية، وبحلول أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، توسعت روسيا -الدولة الجديدة – عبر سيبيريا في السهول الجنوبية، واستفادة في توسعها من معطيات الحروب التي شنها نابليون بونابرت في أوروبا، ومن سقوط الإمبراطورية العثمانية، وكذلك من الحروب الأهلية الطويلة في الصين. وكان هذا التوسع قائماً على عوامل جيوسياسية مختلفة عرقية ودينية ولغوية وتاريخية. وفي النهاية انتهى هذا التوسع إلى قيام الاتحاد السوفيتي بوصفه أكبر دولة في العالم، وقد شمل 15 جمهورية اشتراكية سوفيتية تمتد أراضيها من بحر البلطيق والبحر الأسود إلى المحيط الهادئ، وتبلغ مساحتها 8649512 ميلاً مربعاً، و11 منطقة زمنية، والأهم من ذلك، أنه وجد في حدود مشتركة مع ست دول أوروبية وست دول آسيوية. بالنظر إلى القضايا الجيوسياسية.
وقد ظهرت كثير من المشكلات والتحديات التي واجهت الاتحاد السوفييتي، يأتي في أولها هذا الامتداد الهائل جغرافياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً للدولة. ومن أبرز التحديات تمثلت في عدد السكان الضئيل للدولة قياساً إلى عدد السكان في الدول المعادية، وقد بلغت هذه النسبة 1إلى 3.3 ومن حيث الموارد الاقتصادية بلغت هذه النسبة 1 إلى 4.6. بالإضافة إلى ذلك تخلص الاتحاد السوفييتي من جميع الدول العازلة الضعيفة وبقي في مواجهة الدول المعادية القوية في جميع الاتجاهات. علاوة على ذلك، كان على الاتحاد السوفييتي أن يمارس سيطرة عسكرية على أقماره الصناعية في أوروبا الشرقية التي تم إزالتها مرتين وثلاث مرات. أخيراً، كان عليه الدفاع عن حدود يبلغ مجموعها 58000 كيلومتراً، أو أكثر من 36000 ميل، والأكثر من ذلك، احتوى الاتحاد السوفيتي على 120 مجموعة عرقية مختلفة على الأقل.
وكما توقع كولينز ضعف الاتحاد السوفييتي وترهل، وتكمن أشهر إسهامات كولينز في عصر السوسيولوجيا الحديثة في التوقع الذي قدمه عام 1980 حول انهيار الاتحاد السوفياتي، وهو الأمر الذي تحقق أخيراً عام 1991[46]. وكان هذا التوقع قائماً على مجموعة من المبادئ الجيوسياسية التي نادى بها كولينز في منتصف السبعينيات إضافة إلى ذلك، فإن الدول التي لها حدود مع العديد من الدول الأخرى، تجد نفسها أضعف، بمرور الوقت، من الدول ذات الحدود مع دول أقل أو ليس لها جيران، نتيجة حواجز جيوسياسية مثل البحار والمرتفعات وغيرهما. أما الدول المتسعة للغاية، فإنها تنظر إلى نفسها مقيدة الموارد وعرضة للتفكك. وعلى هذا الأساس – المرتبط باعتبارات جيوسياسية أخرى ـ قدم كولينز تنبؤاً بمجموعة من الأحداث، سوف تؤثر سلباً في الاتحاد السوفياتي، وهو ما حدث بالفعل. إن النقطة الأكثر عمومية هي أن مصير أي دولة يجب أن يفهم في ضوء آليات نظام الدولة التي تعمل في داخلها [47].
8- خاتمة:
تشكل أعمال كولينز ونشاطاته الإبداعية ملمحاً فريداً في السوسيولوجيا المعاصرة، ولاسيما في منظور الصراع، وإذا كنا قد ركزنا في هذه الدراسة على مفهوم الصراع وتجلياته في نظرية كولينز، فإن أعمال كولينز الأخرى، في المجالات النظرية والبحثية، لا تقل عنها أهمية إذ تحتل فضاء واسعاً يصعب على أي دراسة أن تقف عليها أو أن تستجلي ما تفيض به من عطايا سوسيولوجية وطاقة إبداعية.
ويمكننا القول في هذا السياق: إن كولينز ترك بصمته الفريدة في علم الاجتماع المعاصر، وشيّد نظريته الفائقة في مجال الصراع الاجتماعي، ووقف بشموخ ليأخذ مكانه بين عمالقة المفكرين في علم الاجتماع المعاصر. وقد بيّنا في هذه الدراسة أن كولينز حاول أن يخرج كلياً من أسر الأيديولوجيات السوسيولوجية السائدة وأن ينفلت من مسارات الصراع بين الاتجاهات الفكرية السوسيولوجية التي تركز على الطابع الشمولي للظواهر الاجتماعية وبين الطابع المصغر للظواهر الاجتماعية، واستطاع برشاقة أن يستفيد من المنهجين القائمين على علم اجتماع الوحدات الصغرى وعلم اجتماع الظواهر الكبرى ليقدم لنا نظرية متعددة الأركان والركائز التي تشتمل على مختلف الاتجاهات المعاصرة دون تحيز أيديولوجي مبين.
حاول كولينز أن يستفيد من رواد النظريات الكبرى من الوظيفية والماركسية ومن علم اجتماع الفعل الاجتماعي الفيبري ليؤسس مملكته السوسيولوجية القائمة واستطاع في تفاعله الفكري مع هذه النظريات أن يستلهمها ويتجاوزها في الآن الواحد، وأن ينطلق لتطوير الفكر السوسيولوجي في اتجاه جديد خارج نطاق الصراع الأيديولوجي المحتدم بين التيارات الكبرى منذ بداية القرن العشرين.
واستطاع فعلياً أن يقدم لنا أفكاراً جديدة في مجال نظرية الصراع الاجتماعي، وأن يفتح آفاقاً عبقرية في هذا المجال فكرياً وإمبيرقياً، وتمكن في الوقت نفسه من دراسة هذه الظاهرة في أصغر مستوياتها وتجلياتها الميدانية الصغرى في مستوى الأفراد، وأن ينتقل لدراستها في أعلى مستوياتها ،أي: في مستوى الجماعات الكبرى ليصل في تحليله إلى المستويات الجيوسياسية الكبرى. وعلى هذا المنوال تجلت نظرية الصراع في مختلف مستوياتها على درجة كبيرة من الوضوح النظري والتكامل المنهجي خارج مدرات الأيديولوجيا السوسيولوجية وانتهاكاتها.
ويمكننا القول في هذا السياق أيضا: إن نظرية كولينز قد تميز بسمات ثلاث قلما اجتمعت لدى علماء الاجتماعي:
تتمثل الأولى في تواضعه الكبير الذي تجلى في تأكيده بأن جهوده تشكل سعيا إلى تقديم إضافة جزئية إلى نظرية الصراع، ولذا لم يزعم أبدا أنه في طور التشييد لنظرية متكاملة الأركان.
وتتمثل السمة الثانية في محاولته الخروج من عباءة الصراع الأيديولوجي بين التيارات الفكرية الكبرى الوضعية والوظيفية والفيبرية، وقد صرح بذلك مرارا وتكرارا.
وتتمثل السمة الثالثة والأخيرة في رغبته الهائلة في استكشاف الحقيقة الاجتماعية خارج الملابسات الأيديولوجية الفاعلة في الساحة الفكرية. لقد اقر أن الصراع قائم في الواقع الاجتماعي بدءاً من أصغر التشكيلات الذرية للحياة الاجتماعية إلى أكثرها شمولية واعظمها حضوراً في التكوينات الكبرى. ومن هذا المنطلق عمل على استكشاف ظاهرة الصراع بدءاً من أبسط مستوياتها إلى أعلاها، ومن أجل ذلك وظف كل المنهجيات المتاحة في علم الاجتماع الماركسية والفيبرية والدوركهايمية والمسرحية عند كوفمان من أجل استجلاء الظاهرة الصراعية في الوجود. وعلى هذا النحو استطاع كوفمان أن يتوغل في دقائق الحياة الاجتماعية وفي مساماتها الصغرى، وأن يخرج من هذه المسامات ليستكشف الوجه العريض لكل ما يدور في المجتمع من صراعات وتفاعلات.
وفي الختام نقول: إن كولينز استطاع أن يخوض في ظاهرة الصراع خوضاً نقدياً، وأن يستكشف أبعاده ومفاهيمه وأدواته، وقد حقق نجاحاً كبيراً في تحديد مفهوم الصراع، وتعيين لنا عوامل نشأته ومدى انتشاره والعوامل الفاعلة في تكوينه. ولم يفته أبداً تناول تأثير الطبقة الاجتماعية في ظاهرة الصراع حتى في المستويات الفردية الصغرى. وقد أوضح بدرجة عالية الكيفيات التي ينتشر فيها الصراع، وكيف يتراجع ويضمر ويتلاشى. ويضاف إلى ذلك أنه بحث تأثير الطقوس التفاعلية ومدى قدرتها على توليد الصراع أو خفض مستوياته. وجاء تحليله للصراع في المستويات الجيوسياسية مذهلاً وفريداً، وقد بيّن لنا طبيعة الصراعات التي تحكم التكوينات السياسية، ولاسيما الدول القومية الكبرى، وبحث في عوامل نشوء هذه الدول وسقوطها تحت مطارق الصراع الذي يقوم عادة بين الأمم والشعوب، وكان تحليله عن الاتحاد السوفييتي وتنبؤه بسقوطه رشيقاً وعميقاً وقد شكل دليلاً كبيراً على قدرته الفائقة في تحليل الظواهر الكبرى والصغرى في آن واحد.
مراجع الدراسة وهوامشها:
[1] – انظر: جوناثان أتش تيرنر، علم الاجتماع النظري: مقدمة موجزة لاثنتي عشرة نظرية اجتماعية، ترجمة :موضي مطني الشمري، الرياض: دار جامعة الملك سعود للنشر، 2018.، ص 72.
[2]– Glossary of books authored by Collins :
-1975/2019 – Conflict Sociology: Toward an Explanatory Science
– 1979 – The Credential Society: An Historical Sociology of Education and Stratification
– 1984 – The Discovery of Society (with Michael Makowsky)
– 1986 – Weberian Sociological Theory
– 1988 – Theoretical Sociology
– 1992 – Sociological Insight: An Introduction to Non-Obvious Sociology 2nd ed.
– 1994 – Four Sociological Traditions
– 1998 – The Sociology of Philosophies: A Global Theory of Intellectual Change
– 1999 – Macro-History
– 2004 – Interaction Ritual Chains
– 2008 – Violence: A Microsociological Theory
– 2015 – Napoleon Never Slept (with Maren McConnell)
– 2020 – Micro-sociology of Power and Influence.
Collins R (1979) The Credential Society: An Historical Sociology of Education and Stratification. New York: Academic Press.
Collins R (1982) Sociological Insight: An Introduction to Non-obvious Sociology. New York: Oxford University Press.
Collins R (1986) Weberian Sociological Theory. Cambridge: Cambridge University Press.
Collins R (1994) Four Sociological Traditions. Oxford: Oxford University Press.
Collins R (1998) The Sociology of Philosophies: A Global Theory of Intellectual Change. Cambridge, MA: Harvard University Press.
Collins R (2004) Interaction Ritual Chains. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Collins R (2008) Violence: A Micro-sociological Theory. Princeton, NJ: Princeton University Press.
Collins R (2009 [1975]) Conflict Sociology: A Sociological Classic Updated. London: Routledge. Abridged and updated by S K Sanderson.
Collins R. and McConnell M (2015) Napoleon Never Slept: How Great Leaders Leverage Social Energy. E-book, available at htpp://maren.ink
[3] – Collins R (1979) The Credential Society: An Historical Sociology of Education and Stratification. New York: Academic Press.
[4] – Collins R (1986) Weberian Sociological Theory.Cambridge: Cambridge University Press.
[5] – Collins R (2009 [1975]) Conflict Sociology: A Sociological Classic Updated. London: Routledge. Abridged and updated by S K Sanderson.
[6] – Collins R (2004) Interaction Ritual Chains. Princeton, NJ: Princeton University Press.
[7] – Collins R., McConnell M (2015) Napoleon Never Slept: How Great Leaders Leverage Social Energy. E-book, available at htpp://maren.ink
[8] – Collins R (1982) Sociological Insight: An Introduction to Non-obvious Sociology. New York: Oxford University Press.
[9] – Collins R (1994) Four Sociological Traditions. Oxford: Oxford University Press.
[10] – Collins R (1998) The Sociology of Philosophies: A Global Theory of Intellectual Change. Cambridge, MA: Harvard University Press.
[11] – Sociologizing with Randall Collins: An interview about emotions, violence,Alex van der Zeeuw , Laura Keesman, Don Weenink. European Journal of Social Theory , 2018, Vol. 21(2) 245–259.
[12] – يتكون مصطلح الإثنوميتودولوجيا (L’ethnomethodologie) من كلمتين: الإثنو (ethno)، وميتودولوجيا (methodologie)، وتعني كلمة الإثنو تعني العرق أو الشعب، أو القبيلة، أو الناس، أو السلالة، ويعد هارولد غارفينكل Harold Garfinkel أول من صكّ هذا المفهوم ليعبر عن البحوث التي تقوم بدراسة الكيفيات التي يتفاعل فيها الناس والتي تؤدي إلى توليد أنماط سلوكية عقلانية تمكنهم من التفاعل والتعايش في معترك الحياة. وتستمد هذه الدراسات مادتها من الفعاليات القامة بين الناس ومن صلب حياتهم اليومية الاجتماعية خارج سياق المناهج العلمية الرصينة التي يعتمدها علماء الاجتماع في بحثوهم التقليدية. وبعبارة أخرى تقوم الدراسات الإثنوميتودولوجية بتحليل أنشطة الحياة اليومية للأفراد ضمن غائية استكشاف المعاني والدلالات التي تهدف إليها هذه الأشظة والسلوكات وتعمل على إخراج هذه السلوكات في سياق مرئي ومنطقي. وباختصار تسعى الدراسات الإثنوميتودولوجية على تحليل ودراسة أنماط العيش اليومية والقوانين التي تحكمها وتجعل الأفراد قادرين على العيش في وئام وسلام.
[13] – جون سكوت (تحرير )، خمسون عالماً اجتماعياً أساسياً: المنظرون المعاصرون، ترجمة محمود محمد حلمي مراجعة جبور سمعان، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، الطبعة الأولى، بيروت، 2009. ص. 322.
[14] – جون سكوت (تحرير )، خمسون عالماً اجتماعياً أساسياً، المرجع السابق ص 323.
[15] – جون سكوت (تحرير )، خمسون عالماً اجتماعياً أساسياً: المنظرون المعاصرون، المرجع السابق ، ص 323.
[16] – جورج ريتزر وجيفري ستيبنسكي، النظريات الحديثة في علم الاجتماع ، مرجع سابق . ص 263.
[17] – جورج ريتزر وجيفري ستيبنسكي، النظريات الحديثة في علم الاجتماع، المرجع السابق . ص 263.
[18] – جونثان تبرنر، علم الاجتماع النظري ، مرجع سابق ،ص 73.
[19]– Collins, Randall. 1975. Conflict Sociology: Toward an Explanatory.Science. New York: Academic Press. P11.
[20] – Frances Anne Theron, The Conflict Theory Of Randall Collins, University Of Johannesburg , Submitted In Fulfilment Of The Requirements For The Degree Of Master Of Arts, In Sociology In The Faculty Of Arts Of The , Randse Afrikaanse Universiteit , November 1989. P 2.
[21] – جوناثان أتش تيرنر، علم الاجتماع النظري: مقدمة موجزة لاثنتي عشرة نظرية اجتماعية، ترجمة :موضي مطني الشمري، الرياض: دار جامعة الملك سعود للنشر، 2018. ص 72.
[22] – جورج ريتزر وجيفري ستيبنسكي، النظريات الحديثة في علم الاجتماع، دققه وراجعه علميًّا ذيب بن محمد الدوسري، عمر عبد الجبار أحمد، خالد بن عمر الرديعان، الرياض: مكتبة جرير، ط 1، 2018. ص 264.
[23] – جون سكوت (تحرير )، خمسون عالماً اجتماعياً أساسياً: المنظرون المعاصرون، مرجع سابق ، ص 324.
[24]– Collins, Randall. 1975. Conflict Sociology Op.cit. P11.
[25] – جورج ريتزر وجيفري ستيبنسكي، النظريات الحديثة في علم الاجتماع مرجع سابق . ص 271.
[26] – جون سكوت (تحرير )، خمسون عالماً اجتماعياً أساسياً: المنظرون المعاصرون، مرجع سابق ،ص 326.
[27] – جورج ريتزر وجيفري ستيبنسكي، النظريات الحديثة في علم الاجتماع مرجع سابق . ص 267.
[28] – جون سكوت (تحرير )، خمسون عالماً اجتماعياً أساسياً: المنظرون المعاصرون، مرجع سابق ،ص 323.
[29] – جورج ريتزر وجيفري ستيبنسكي، النظريات الحديثة في علم الاجتماع، مرجع سابق . ص 268.
[30] – جورج ريتزر وجيفري ستيبنسكي، النظريات الحديثة في علم الاجتماع، مرجع سابق . ص 267.
[31]– Collins, Randall. 1975. Conflict Sociology: Toward an Explanatory.Science. New York: Academic Press. P49.
[32]– Collins, Randall. 1975. Conflict Sociology, Ibid. P58.
[33]– Collins, Randall. 1975. Conflict Sociology , Ibid. P58.
[34]– Collins, Randall. 1975. Conflict Sociology, ibid , .P.295.
[35] – جورج ريتزر وجيفري ستيبنسكي، النظريات الحديثة في علم الاجتماع، مرجع سابق . ص 270.
[36]– Collins, Randall. 1975. Conflict Sociology, Op.cit.
[37] – جورج ريتزر وجيفري ستيبنسكي، النظريات الحديثة في علم الاجتماع، مرجع سابق . ص 267.
[38]– Collins, Randall. 1975. Conflict Sociology. P60.
[39] – جورج ريتزر وجيفري ستيبنسكي، النظريات الحديثة في علم الاجتماع، مرجع سابق ، صص 268- 269.
[40] – جون سكوت (تحرير ) ، خمسون عالماً اجتماعياً أساسياً : المنظرون المعاصرون ، ترجمة محمود محمد حلمي مراجعة جبور سمعان ، الشبكة العربية للأبحاث والنشر ، الطبعة الأولى، بيروت، 2009 . ص 328.
[41] – جون سكوت (تحرير ) ، خمسون عالماً اجتماعياً أساسياً، المرجع السابق ، ص 328.
[42] – جون سكوت (تحرير ) ، خمسون عالماً اجتماعياً أساسياً، المرجع السابق ، ص 328.
[43] – Frances Anne Theron, The Conflict Theory Of Randall Collins, University Of Johannesburg , Submitted In Fulfilment Of The Requirements For The Degree Of Master Of Arts, In Sociology In The Faculty Of Arts Of The , Randse Afrikaanse Universiteit , November 1989. P 2.
[44] – جون سكوت (تحرير ) ، خمسون عالماً اجتماعياً أساسياً، مرجع سابق ، ص 327.
[45] — van der Zeeuw, A., Keesman, L., & Weenink, D. (2018). Sociologizing with Randall Collins: An interview about emotions, violence, attention space and sociology. European Journal of Social Theory, 21(2), 245-259.
[46] – جون سكوت (تحرير ) ، خمسون عالماً اجتماعياً أساسياً، مرجع سابق ، ص 327.
[47] – جون سكوت (تحرير ) ، خمسون عالماً اجتماعياً أساسياً، مرجع سابق ، ص 327.
___________
*علي اسعد وطفة/ جامعة الكويت – كلية التربية.
*المصدر: التنويري.