المقالاتثقافة وأدب

الروائيَّة زكية علال: الكتابة قضيَّة، ولا بدّ على الكاتب أن يناضل من أجلها

الكتابة

تختلف الكتابة التاريخية عن الكتابة الروائية بشكل كبير جدا، الأولى تعتمد على الأحداث والوثائق والمذكرات والشهادات، والثانية وإن كانت   تعتمد على حقائق كما نراه في الروايات البوليسية، لكن يغلب عليها الطابع الخيالي، فتستقطب القارئ إليها خاصة الشباب والفتيات منهم، من خلال إعطاء للرواية طابعا رومانسيا، وقد ربطت زكية علال روايتها الرومانية بصور  تاريخية عن أحداث وقعت واسماء لشخصيات ذكرتها كمرجعية ، وهذا ما يدعو إلى مراجعة الأحداث ومراجعة التاريخ، تقول الروائية زكية علال  في لقاء بيع بالتوقيع عن روايتها “برج شهرزاد” عشت الانكسار في  حياتي الإبداعية ولم أجد من يدعمني ولذا أعمل على دعم الكتاب الشباب لكي لا يعيشوا ما عشته.

فرواية الأديبة والإعلامية الجزائرية  زكية علال بعنوان : ” برج شهرزاد”  التي صدرت في سنة 2003 وشاركت بها في معرض الدولي للكتاب ( سيلا) هي من الروايات التي تنقل القارئ من حدث لأخر، مع تنوع الأمكنة بسبب  الهجرة / العودة ، والحنين إلى المكان الأصل والوقوف على الأطلال، وفي هذا تقول الروائية زكية علال التي استضافتها مكتبة الإحسان بباتنة شرق الجزائر بمنتداها  التي اعتادت تنظيمه كل يوم سبت تقول أن تكتب عملا روائيا له طابعا تاريخيا عملية ليست سهلة وهي تحتاج إلى مراجع لتوظيف المعلومة التاريخية، فالروائية ربطت قصة (شهرزاد وسعيد) بشخصية تاريخية كانت وراء أحداث عاشتها الجزائر أيام الثورة وأسالت كثير من الحبر كونها اتسمت بالاغتيالات والتصفيات الجسدية بسبب التموقع، فالروائية زكية علال ذكرت شخصية تاريخية معروفة في تاريخ الجزائر، ألا وهو عبد الحفيظ بوصوف رئيس وزارة التسليح والاتصالات العامة ministère de largement et des liaisons générales، “المالغ”  ( M.A.L.G)،  طبعا لا أحد يمكنه التنكر لما قام به المالغ بقيادة عبد الحفيظ بوالصوف، رغم أنه حسب (الكتابات التاريخية ومذكرات بعض المجاهدين) له علاقة بمقتل الشهيد عبان رمضان بالمغرب، فيما عرف بقضية الباءات الثلاث وهم: (عبد الحفيظ بوصوف، كريم بلقاسم والأخضر بن طوبال)  ولا يسع الحديث هنا عن هذه الأحداث طالما الموضوع يتعلق بعملٍ روائيٍّ  في مستوي الإبداع، استطاعت الروائية لفت انتباه القارئ حيث جعلته أسيرا لروايتها  التي تروي علاقة فتاة اسمها شهرزاد بسعيد صديق الطفولة، لكن السؤال يكون كالتالي: لماذا اختارت الروائية اسم عبد الحفيظ بوالصوف بالذات ومدينة ميلة أنجبت قادة تاريخيين أيضا  وهي ابنة المدينة  وتعرفهم جيدا، ونذكر على سبيل المثال بلا الحصر اسم المجاهد “محمد العربي بن رجم” ؟، ففي مداخلتها تقول الروائية زكية علال أن بوالصوف اعتمدته في روايتها كمرجعية تاريخية  دفعت الثمن غاليا لما قدمه من أجل الوطن لدرجة أن المعني لم يستطع رؤية أمّه وهي تحتضر، حين  قدم إلى مسقط رأسه متخفيا.

قصة عشق بطعم تاريخي

و بالرجوع إلى هذا العمل الروائي تعرض الروائية في روايتها السالفة الذكر ( برج شهرزاد) قصة امرأة اسمها حورية وابنتها شهرزاد التي تعلق قلبها بصديق الطفولة سعيد وكيف يموت سعيد وتنتهي الرواية بمأساة، تبدأ الرواية بخروج حورية (الأم) من برج الطهر بمحافظة جيجل (شرق الجزائر)، وتحمل بين يديها رضيعة،  كانت معرضة للخطر، فتخفيها حورية في حضنها، لتهرب بها إلى ميلة القديمة، حيث لا يعرفها أحد، وهناك تجد في السور البيزنطي حاميا لها، ويقوم سعيد  أحد أبطال الرواية برعاية الطفلة شهرزاد وهي رضيعة، وكان كلما يري شهرزاد تكبر وتزداد جمالا ينبض قلبه تعلقا بها حتى تحول الإعجاب إلى حب ثم إلى عشق، تأثر بها سكان ميلة القديم وسمعت صداها تلك البنايات القديمة المسقفة بالقرميد وأضحت قصة عشق سعيد لشهرزاد حديث العام والخاص من شباب المدينة،  تتردد على السنتهم كلما تواجدوا بعين “بلد” وكلما وقفوا على اثار المدينة والسور البيزنطي، فمدينة ميلة العتيقة شهدت أحداثا تاريخية وتعاقبت عليها عدة حضارات، جعلت من الروائية أن تمثلها كصوت  يدوي للحقيقة لم يستطع سكانها كشفها، وقد حبكتها الروائية وأعطتها صورة تاريخية لما أقحمت عبد الحفيظ بو الصوف الملقب بـ: سي مبروك  في الرواية رغم وجود قادة تاريخيين ينحدرون من هذه المدينة التي لا تزال جدرانها تحكي عن أحداث علقت بصدور أعيان المدينة  وتذكر شبابها بالأحداث، وربما قصة سعيد وشهرزاد  أيقظت التاريخ، وأعادت الحياة لشخصيات تاريخية تم تغييبها، رغم أن شخصية عبد الحفيظ بوالصوف لم تغيب، ولم تكن يوما مغيبة، بل فرضت نفسها في الساحة كلها وليس في مدينة ميلة وحدها، لأن هذه الشخصية لعبت أدوارا عديدة واشتهرت بالباءات الثلاث، عكس بعض أسماء شخصيات  تاريخية وعسكرية التي تنحدر من نفس المدينة وهي اليوم نسيا منسيا.

في لقائنا بها بمكتبة الإحسان بباتنة تنتقد زكية علال  الوضع الثقافي في الجزائر وهو من وجهة نظرها مزري جدا ومؤسفٌ،  لأن الوساطات تلعب دورا كبيرا جدا،  وأن حظ أدباء الداخل قليل جدا وصوتهم لا يصل بسرعة، لكنها كروائية تضيف زكية علال: أنا لا أستعجل، حتي لو طالت  مدة كتاباتي ثلاثين سنة أو أكثر، فأنا أؤمن أن وصولي سوف يصل بعد رحيلي، لأن بعض الأفكار لا يستقبلها اجيال الأن لكن تستقبلها اجيال المستقبل، ولذا  من الصعب أن تكتب من داخل الحرب،  وهي تكتب تقول زكية علال  أتمثل نفسي فاطمة داخل غزة،  بين النار والحصار وانعدام المساعدات، ولا شك أن صورة فاطمة الغزاوية التصقت بها وقد عادت صورتها في 07 أكتوبر 2023، ويلاحظ أن كتابات زكية علال سواء في بعض قصصها أو في روايتها تأخذ بعدا إنسانيا، تقول: إن  حب الوطن يسكننا حتي ونحن فاقدي العقل، فعندما تفقد العقل يبقي فيك الوطن، في ردها على سؤالنا عن سبب اختيارها شخصية عبد الحفيظ بوصوف  بالذات بدلا من أسماء أخرى هي تعرفها، خاصة وأن كثير من الكتابات أكدت أن بالصوف هو من قتل عبان رمضان،  لكنها وصفته بالإنسان، والإنسان الذي يملك الروح الإنسانية لا يمكنه أن يمارس العنف، بين بني جلدته، تقول زكية علال لو فتحنا الملفات سوف نصطدم  كثيرا، وأنا أتفادي الحديث عن أمور مثل هذه،  وقد أحالتنا  هذه الروائية إلى مشهد من روايتها، أن سعيد بطل الرواية التقي ببوصوف وقد أوصاه هذا الأخير أمضي إلى الأمام، لأن بعض “الحماقات ” ارْتُكِبَتْ قد لا يغفرها لنا التاريخ، لذا أوصيكَ بأن تمضي إلي الأمام ولا تلتفت إلي الخلف، هل هي محاولة لطي صفحة الماضي ونسيان ما حدث من أخطاء ؟ وغرس في أذهان الجيل الحالي والذي يأتي بعده ثقافة النسيان؟  الإجابة موجودة عند الروائية، حسبما جاء في الرواية، فإن سعيد كان يشبه إلى حد ما عبد الحفيظ بوصوف،  وقد أدرك هذا صاحب محل اسمه عمي حمود ( الصفحة 48) لما سأله سعيد من هو سي  مبروك، ورد عليه عمي حمود بالقول:  إنه صانع تاريخ الجزائر ومهندس ثورتها، وكان رد الطفل سعيد: كل كتبي المدرسية لم أقرأ فيها اسم عبد الحميد بوالصوف ليرد عمي عمود: يا ولدي مازلت صغيرا  لتعرف من يصنع التاريخ ومن يكتبه ( ص 51)، ومنذ ذلك الحين بدأ سعيد يقرأ عن سيرة بوالصوف وأصبح يقلده في لباسه وطريقة  تسريحة شعره…الخ،  أرادت الروائية أن ترسم لوحة للزعامة وكيف تظهر علاماتها ومن يستحقها، هذه الزعامة التي غالبا ما تنتهي بالتصفيات الجسدية مثلما حاول ابناء يعقوب قتل أخوهم يوسف ( ص 53) .

من وجهة نظر الروائية فهي – كما أضافت-  تعالج القضية بغض النظر إلى الشخصيات، لأن الشخصيات تموت والقضية لا تموت، طبعا هذه وجهة نظر المتحدثة وقد تكون وجهات نظر مختلفة بين قارئ وأخر، لأن القضية إن ارتدت ثوب الجريمة ( الاغتيال) وجب تحديد شخصية صاحبها هل هو إنساني؟ أم مجرد من الإنسانية؟، لأن الأمر يتعلق بالخيانة للرفاق، تستطرد زكية علال بالقول:  كل ثورة لها أخطاؤها وأولوياتها، و الرواية هي حياة والكاتب يحتاج إلى أن يعيش حياة الأبطال، وكل شخصية روائية تحتاج إلى دراسة نفسية ومرافقة، وبما أن الكتابة في حد ذاتها قضية، لابد على الكاتب ان يناضل من أجلها، حتي يُخرج عمله الإبداعي في حلّة فنيّة وأن يستخدم أدوات الكتابة بطريقة  ذكية يستقطب بها القارئ وبالتالي فكتابة الرواية ليست سهلة، ومن باب الاعتراف تقول زكية علال أن الروائي في الحقيقة لا يكتب التاريخ غير الباحث وغير الأكاديمي وغير المؤرخ، إلا أن الباحث والأكاديمي قد يغفل  في كتابته الشخصية التاريخية  وهنا يأتي دور الروائي،  لأن الرواية عالم مدهش رهيب  لا يمكن دخوله بدون سلاح هكذا تضيف زكية علال، للإشارة فقط أن  اللقاء أخد بعدا  كبيرا من خلال تدخلات المشاركين فيه من مثقفين واستاذة جامعيين وأئمة  الذي كان لهم تساؤلات وتدخلات مهمة  بحضور مسؤول المكتبة  الأستاذ محمد بن عبد الله فراح وهو صاحب دار نشر الإحسان بالجزائر، والروائية زكية علال معروفة في الوسط الإبداعي داخل وخارج الجزائر وهي كاتبة مخضرمة وإعلامية بإذاعة ميلة الجهوية، كتاباتها كما قال الدكتور عاشور ترقي إلى من يحمل همّ القضية وهي أيضا كاتبة قصص ولها رسائل، حيث عرجت بالحديث عن تقنيات كتابة الرواية العربية  في ردها علي اسئلة الحضور.

قراءة علجية عيش بتصرف

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات