المقالاتفكر وفلسفة

التعدّديَّة… هل من سقفٍ إسلامي؟

تشكِّل المفاهيم المعرَّفة والمكرَّسة مكوّنًا أساسيًّا من مكوّنات التفكير في ذهن الإنسان، ويشيِّد عليها تصوّراته واستنتاجاته وافتراضاته وسواء وعى الفرد ذلك أم لم يعِ فإنّه يفهم نفسه ومحيطه من خلال الأطر التي ترسمها هذه المفاهيم.

يقال “لتغيير حياتك غير ذهنك” والواقع أنَّ الذهن إذا تمّ تفكيكه في جزءٍ منه هو عبارة عن هذه المفاهيم المكرَّسة التي اكتسبناها مرَّة أخرى، بوعيٍ أو بغير وعي.

فإذا كان الأمر كذلك، فهل ما يشكِّل ذهننا مقدَّس؟ أو بعبارةٍ أخرى، ما الذي يجعلنا نقاوم بشدَّة أي هزَّة لما يؤسِّس لتفكيرنا من مفاهيم، وهل يستقيم مع المنطق التشبّث بما اكتسبناه بعشوائيَّة من محيطنا الأوَّلي الذي نشأنا فيه؟ خصوصًا بشأن ثلاثة أمور نعتبرها أساسيَّة في رسم حياتنا وتحديد خياراتنا. النظرة إلى النفس/ الإنسان، النظرة إلى الحياة/ ككل، والنظرة إلى الدين.

يؤكِّد علم النفس أنَّ الإنسان يميل بشكلٍ طبيعي إلى خلق ما يمكن تسميته “مناطق راحة” سلوكيَّة وذهنيَّة ونفسيَّة، تعينه على امتصاص تغييرات المحيط وإعادة إنتاجها بحيث لا تشكِّل إرباكًا نفسيًّا أو سلوكيًّا أو ذهنيًّا له.

وبالتالي فبقدر ما تتّسع “مناطق الراحة” هذه وبقدر ما تضيق وبقدر ما تتمتَّع به من مرونة وبقدر ما تعانيه من تشدّد، تتّسع وتضيق رؤيتنا للعالم.

يرى الإنسان العالم من خلال مكوّنات ذهنه ويحكم عليه نت خلال معايير ترسمها دوافعه الخفيَّة والمعلنة واحتياجاته، من هنا يكون تلقينا لما يحدث حولنا في الواقع مرتبطًا بما هو متشكّل مسبقًا من مفاهيم وتصوّرات في أذهاننا ونحن نختار المعنى الذي ينسجم مع هذه الأرضيَّة المعدّة مسبقًا ونضفيه على الأشياء والأحداث.

ورغم هذه الحقيقة، يجد الإنسان تبريرًا لرفض أخيه الإنسان- الآخر- وإقصائه محاكمًا إياه بناء على هذه المعايير التي يمكن تسميتها بـ”المحليَّة الصنع”.

هذا الذهن المحكوم ببنائه المفاهيمي، المحدود في النهاية والعشوائي في الغالب، يقع أحيانًا في فخ الـ”التعسّف” و”الإكراه” و”الإقصاء” و”تزكية الأنفس” ونعرف نحن المسلمين، أنَّ الأخيرة- تزكية الأنفس- حسب ثقافتنا القرآنيَّة هي شأن من شؤون الخالق جل وعلا ممّا لا يملك الإنسان إليه سبيلا.

على المنوال نفسه تنتج الجماعات معاييرها الضيّقة وتطرد خارجها من لا تنطبق عليه هذه المعايير.

عليه، فإنّ الجماعات، كما هم الأفراد، يمكن أن تعاني من ضيق الأفق أو اتّساعه، وكلّما ضاق الأفق عند الجماعات كلّما تكرّست عزلتها وتراجعها وكلّما أعادت إنتاج شرّها وخيرها في دائرة مغلقة لا يتبدَّل فيها سوى الزمن.

في حين تنفتح الجماعات، المرنة، على الجديد وتكتشف آفاقًا جديدة للتعامل مع المحيط والمتغيّرات تدخلها في دائرة الإبداع والتطوّر.

ويبقى من المفيد، التذكير أنّ الأفراد والجماعات، بحاجة دائما إلى أرض صلبة من المعتقدات الأساسيَّة الراسخة والأصيلة المصدر، تتّفق عليها وتبني صروحها الحضاريَّة المنفتحة على التحديث.

بمعنى أنّ الأمم، كما هم الأفراد، درجت على الاتّفاق على مصدر- دينيًّا كان أم وضعيًّا- تتواضع على تحديده سقفًا أعلى تضع في ظلّه منظومتها القيميَّة التي تحكم سلوكها وتنظّم علاقاتها.

في ضوء ذلك، يمكن أن يطرح سؤال هنا: ما هو هذا السقف الذي اتّفقت عليه “الأمَّة الإسلاميَّة”، وهل ينعكس هذا الاتّفاق على المنظومة “القيميَّة” التي تحكم حركة هذه “الأمَّة” تجاه نفسها وتجاه الآخر؟

ويتناسل سؤال آخر هنا، ربّما بتفصيل أشدّ وهو: هذا السقف- المفترض الاتّفاق عليه- كيف يحدِّد النظرة إلى الآخر وكيف يحدِّد التعامل مع مفردة “التعدّديَّة” داخل وخارج الجماعة “الأمَّة الإسلاميَّة”؟

______

*الراصد التنويري/ العدد الرابع (4)/ نيسان- إبريل/ 2009.

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات