التربية والتصوُّف عند أبي حامد الغزالي
تعريف التربية
إنَّ أكبر إشكال ابستمولوجي في علوم التربية يكمن أساسا في إشكاليَّة التعريف والتحديد للمفاهيم التربويَّة، بحيث اختلفت التحديدات، وتعدَّدت التعريفات، وتباينت المقاربات للمصطلح التربوي، وهذا يعود إلى تعدُّد المدارس التربويَّة في اختياراتها وتوجهاتها ونزوعها الفلسفي في مقاربة الظاهرة التربويَّة بجميع أبعادها ومستوياتها، إضافة إلى الامتداد التاريخي الطويل الذي مرت منه علوم التربية في انتقالها من المرحلة الفلسفيَّة إلى المرحلة العلميَّة، المحدّدة في استثمار العلوم الإنسانيَّة، إضافة إلى تداخل ومشاركة عدد كبير من التخصُّصات العلميَّة في تشكيل وتركيب مباحث هذا العلم الجديد المسمَّى بعلوم التربية.
ـ تحديد المفاهيم
إنَّ تحديد المفاهيم التي تنتمي إلى علوم التربية، من مستلزماته الاستعانة بالمعاجم التربويَّة المختصَّة لأنَّه: “لا يمكن أن تستقيم علوم التربية ولا تغدو مفاهيمها، ومعارفها واضحة لذا مكتسبها أو المتلقي لها بدون وضوح مصطلحاتها ومفاهيمها…”.[1]
وعليه يستوجب الاعتماد في تحقيق المصطلحات والمفاهيم التربويَّة، على أهمِّ المعاجم المختصَّة والمتداولة في المصطلحات التربويَّة منها:
1-المعجم الموسوعي الجديد لعلوم التربويَّة لأحمد اوزي وهو من منشورات مجلَّة علوم التربية السنة:2006.
-2-المنهل في علوم التربية عبد الكريم غريب منشورات مجلَّة عالم التربية السنة-ط:-2-:2016.
-3-معجم علوم التربية : مصطلحات البيداغوجيا والديداكتيك إعداد الفرابي عبد اللطيف وآخرون وهو من إصدار سلسلة علوم التربية للدراسة والنشر دار الخطابي للنشر المغرب 1994.[2]
4-معجم علم النفس والتحليل النفسي للدكتور فرج عبد القدرطه إصدار دار النهضة العربيَّة السنة: 1989.
تعاريف التربية
من أهم التعاريف للتربية تعريف الإمام الغزالي ت505ه، الذي كانت له مساهمات رائدة في التربية، إذ خصَّ التربية وقضاياها بعدة مصنَّفات وكتب منها: كتابه “أيها الولد”و “فاتحة العلوم” و”منهاج المتعلم” وكتابه “إحياء علوم الدين”،وكان يركِّز على المجال الروحي في التربية، وهو ما يحضر بقوة في كتاباته وإشاراته المبثوثة في كتبه.
وقد عرف التربية وشبهها بعمل الفلاح “الذي يقلع الشوك ليخرج النباتات الفاسدة، والإبقاء على الصالح منها، وهكذا هو عمل المربي عند الغزالي، فهو ينقل الطفل من حال إلى آخر،يكون الثاني أحسن من الأول.[3]
وقد اشتهر الغزالي بهذا التعريف الذي يختزن التربية بنقل الطفل من حال إلى آخر يكون الثاني أحسن ارتقاء من الحال الأول.
وعليه فالإمام الغزالي ت505ه في تأصيله وتوصيفه للتربية، هو مراهنته بلغة مؤكَّدة على البعد القيمي والروحي في التربية، وعلى ضرورتها للإنسان.
فالإنسان يفضل عن الحيوان، وعن البهيمة بالتربية والتعليم، والذي شد الإمام الغزالي في حديثه وتأصيله للفعل التربوي هو أن التربية هي الفارق والفاصل بين الإنسان والحيوان فلولا التربية والعلم” لصار الناس مثل البهائم”،[4].
وممَّا يذكره الإمام الغزالي ت505ه في هذا السياق الذي فيه تحدث عن التربية أن التربية هي الفارق والفاصل بين الإنسان والحيوان، وهي الأساس والمنطلق والضرورة في صلاح الفرد وفي صلاح المجتمع، وهي السبيل إلى تحقيق التمدُّن، وبلوغ السعادة للإنسان والارتقاء به من درجة الحيوانيَّة إلى الإنسانيَّة….[5].
والتربية عادة ما تقترن بطلب العلم بشقيه الديني والدنيوي فاضل العبادات هو تحصيل العلم”بل هو أفضل العبادات…”[6] وشبه الإمام الغزالي التعلم “كتعمير البيت….”[7].
ولتحقيق الربط بين العلم وثمرته، فقد اعتبر الإمام الغزالي القيام بتربية الأولاد رعاية وولاية ومسؤوليَّة كبرى “والأهل والولد رعيَّة، وفضل الرعيَّة عظيم…فمقاساة الأهل والولد بمنزلة الجهاد في سبيل الله…”.[8]
ويعتبر الإمام الغزالي ت505ه الطفولة مرحلة حاسمة وفاعلة ومؤثِّرة في مستقبل ومصير حياة الإنسان، قال الإمام الغزالي في هذا السياق:”وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال إليه، فإنّ عود الخير وعلمه نشا عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبوه، وكل معلم له مؤدب، وان عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقى، وهلك،وكان الوزر في رقبة القيم عليه والولي له… “.[9].
تركيب :
يعدّ الإمام الغزالي من أبرز علماء الإسلام تشخيصا ومدارسة للتربية، فقد كانت له إسهامات رائدة في هذا المجال الذي يتصل بحياة الإنسان، وبمستقبله.
والفكر التربوي الإسلامي له تميّزه، فبحكم التأثير المباشر والكبير الذي مارسته العلوم بقسميها الإنساني وغير الإنساني على الممارسات التربويَّة قديما وحديثا، فإن التربية مرَّت بعدَّة مراحل وقطعت مسارات طويلة، ومن أبرز مساراتها المرحلة الإسلاميَّة.
[1] -ا احمد اوزي :المعجم الموسوعي الجديد لعلوم التربيَّة منشورات مجلة علوم التربيَّة السنة:2016ص::5-
[2] -للوقوف على سرد ببيلوغرافي لأهم المعاجم المخصصة للمصطلح التربوي والبيداغوجي والنفسي يراجع: -معاجم علوم التربيَّة:توصيف أولي لمحمد بنعمر بحث منشور بموقع جريدة الأستاذ السنة:2000.
[3] ـمعارج القدس في مدائح معرفة النفس ص:”34
[4] -فاتحة العلوم للغزالي:1/22
[5] – التربيَّة في الإسلام للدكتور احمد فؤاد الاهواني 22-ط-2.دار المعارف القاهرة1968.
[6] -فاتحة العلوم لأبي حامد الغزالي: 28
[7] -منهاج المتعلم لأبي حامد الغزالي:68
[8] -الإحياء في علوم الدين للإمام الغزالي:2/38
[9] -أيها الولد للإمام الغزالي:140
*المصدر: التنويري.