المقالاتحياة ومجتمع

إدارة الوقت وأهميّته في الإسلام

تعرف إدارة الوقت بأنها مجموعة من الاستراتيجيات والطرق والوسائل التي تعين المرء على الاستفادة القصوى من وقته في تحقيق أهدافه وخلق التوازن في حياته بين الواجبات والرغبات والأهداف. كما تحقِّق التوازن بين حاجات الجسد والروح والعقل. وتمكِّن الفرد من استثمار وقته بشكلٍ فعّال لإنجاز مختلف أنشطته  اليوميَّة بنجاح.

ومصطلح الوقت يطلق على المقدار من الدهر[1]، وهو بهذا يشير إلى أنّ الوقت هو الكم المقتطع من  الزمن سواء كان هذا الكم قصيرا أم طويلا، وفيه تقضى جميع المصالح، قال ابن القيم رحمه الله «جميع المصالح إنما تنشأ من الوقت، فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها، ومتى أضاع الوقت لم يستدركه»[2].

وقد أولى الإسلام عناية كبيرة بالوقت..

نظرًا لأهميته في حياة المسلم ودعانا إلى اغتنامه. وأقسم به الباري عز وجل في آيات كثيرة قال تعالى: )وَالْعَصْرِ ،إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ،إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ((العصر- 1، 2، 3) وقال تعالى: )وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى( (الليل- 1، 2)،  وقال تعالى: )وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ (، (الفجر- 1، 2)، وغيرها من الآيات التي توضح أهميَّة الوقت وضرورة اغتنامه في طاعة الله عز وجل.

كما خصّ الله جل شأنه الوقت باهتمامه وحظي بمنزلة رفيعة عنده، عندما اختاره من بين المخلوقات التي يقسم بها، فمن المعلوم أن الله لا يقسم إلا بالمخلوقات الهامة كالأنبياء لكي يلفت انتباه المخلوقات ومنها الإنسان إلى مدى أهميَّة الوقت في الحياة والاستفادة منه[3].

وللتأكيد على مدى قيمة الوقت. ربطه بأداء العديد من الأعمال التعبديَّة كالصلاة والصوم والحج قال تعالى: )إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ( (النساء- 103) وأيضا في قوله تعالى: )أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ. إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ( (الإسراء- 78) وقوله )شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ( (البقرة- 185)، وقوله )يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ  قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ(  (البقرة- 189) .

مهارات إدارة الوقت

إنَّ إدارة الوقت بشكلٍ فعّال تحتاج إلى تخطيط محكم، وصياغة أهداف محدَّدة، فكل إنسان له دور في الحياة فلم يخلق عبثا، ولم يترك سدى، وإنما خلق لحكمة، قال تعالى:) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَٰاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ( (المؤمنون- 115) فالمسلم يعيش لربه الأعلى، يخطِّط لحياته الباقية الأخرى.ينظِّم وقته ويستغلّه على أحسن وجه، ويكون ذلك بوضوح الرؤية، وإذا علم ما يريد نظّم حياته وحدّد أولوياته، فيعجل بكتابة المهام التي يتعيّن عليه تنفيذها قبل غيرها، ويرتبها حسب الأهميَّة، يرسم جدولا أسبوعيا تحدّد فيه الأهداف الضروريَّة، كأهداف تطوير النفس من خلال حضور دورات تكوينيَّة أو القراءة، أو أهداف عائليَّة كالخروج في رحلة أو الجلوس في جلسة عائليَّة للنقاش أو التحدث، أو أهداف العمل أو التسوق أو العلاقة مع الأصدقاء. ولا بد من التنفيذ، فتكتب الأهداف وتعلّق على الحائط  ويذكّر نفسه بها، ويجدّد النظر، وتقوّم في نهاية الأسبوع، وبذلك يمكننا أن ندرك جوانب التقصير فنستدركها.

خصائص الوقت   

                                                                                                                                            إنَّ حياة الإنسان عبارة عن وقت محدَّد، فالوقت أغلى ما يملكه الإنسان وهو رأس ماله الذي يجب أن يستثمره. لأنه يمضي سريعا ولا يتوقف. فلنحاول دائما استغلال كل ثانية منه بعمل مفيد في حياتنا حتى لا نندم عليه فيما بعد ويكون. وبالا وخسرانا يوم القيامة. فلنغتنمه فيما ينفعنا دِيناً ودُنْيا.

كما أنه لا يمكن تغييره أو تحويله، ولا يمكن تخزينه. وهو يمضي سريعا، فكثير من الناس يضيّع نعمة الوقت ولا يستفيد منه فيقع في الغُبن والخسارة قال صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ»[4]، يقول ابن الجوزي رحمه الله في هذا الحديث «قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا، للشغل بالمعاش، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استغل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استغلها في معصيَّة الله فهو المغبون، لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم[5].

لا محالة أن كثيرا من الناس خاسرون، لأنهم لم يستفيدوا من هاتين النعمتين وهما الصحة والفراغ، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه «إني لأمقت الرجل أراه فارغا،  ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة»[6]، وقال صلى الله عليه وسلم «اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك،  وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»[7]،  فكثير من الناس لا يدرك قيمة الوقت ولا أهميته، ولا يعرف أنه يحاسب يوم القيامة، وسوف يسأل عن كل دقيقة من عمره، عن ابن عمر، عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة، من عند ربه حت يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل به»[8].

عوامل هدر الوقت

– وسائل الاتصال الحديثة وشبكات الأنترنيت والهواتف النقالة. من بين العوامل التي تسرق الوقت. وتعتبر سيف ذو حدين في ظل الانفجار المعرفي قد أصبح بالإمكان ولوج هذه الوسائل المتطورة والاستفادة منها في شتى المجالات. وهذه الوسائل تسلب الوقت وتضيّعه. فالبعض نجدهم عاكفين عليها ليلا ونهارا، فراقب مسيرة عمرك. وقارنه بمسيرة شهرك واستغل يومك ووقتك فيما ينفعك لتعلم أين أنت.  فالكيّس من يعقل ويعلم يريد، فلا يذهب منه الوقت سدا. ولا يقع في براثن الكسل ومضاعفاته وأمراضه. فقبل استعمالها نحدد المطلوب كي لا نتيه في مجالاتها المتنوعة، ولتكن بدايتنا عمليَّة استئصال لكل ما يضرنا منها.

– التسويف، إن التسويف وطول الأمل يضيّع ساعات عمر الإنسان النفيسة في اللّهث وراء الأحلام الزائفة،  حتى يأتي الأجل الذي يقطع هذه الآمال، وتذهب نفس الإنسان حسرات على ما فرّط في عمره، وأضاع من وقته[9]، وبدايته تكون بتأجيل عمل اليوم إلى الغد، ثم تتعود النفس على التماطل، فلنكْبح جماح التراخي،  ولنسعى في اغتنام كل لحظات أوقاتنا من الآن، فأول الغيث قطرة وآخر الغيث سيل،  فترويض النفس وتدريبها  يحتاج للتحرّر من أغلال التسويف، فلا ينقضي يومك إلا وأتممت المطلوب وانتهيت من أعماله.

– الكسل، أسوأ ما يصاب به الإنسان هو الخمول والكسل وثقل الحركة والرغبة بالاستلقاء والنوم وعدم القيام بأي نشاط وعدم القدرة على العمل والإنجاز. فهو عدو للنجاح، كما أن أسبابه متعددة فالكثير يعاني منه، فيسلب الوقت، فلا بد من التخلص منه. ويكون علاجه بالنوم بشكل جيد. وإعطاء الجسم ما يستحقه من الراحة.  والاستيقاظ باكرا وممارسة الرياضة. وتقسيم المهام وترتيب الأولويات، ووضع وقت للانتهاء من المهمة. ولا تترك للذاكرة بل تكتب وتعلق في الحائط أمامك. وإحاطة النفس بالأشخاص الإيجابين المنتجين.

نصائح لاستغلال الوقت بفعّاليَّة

هذه بعض الملاحظات لزيادة فاعليَّة الإنسان ومردوديته في الحياة، وتساعد على إدارة الوقت بشكل فعّال:

– حاول أن تستمتع بكل عمل تقوم به، تفاءل وكن إيجابيا، وحاول كل يوم البحث عن طرق جديدة لاستغلال يومك.

– خطِّط ليومك من الليلة التي تسبقه أو من الصباح الباكر ودوّن كل الأفكار والملاحظات التي تريد إنجازها ورتبها حسب الأولويَّة.

– تخلّص من كل عمل غير مفيد تجد نفسك تضيّع فيه الوقت. واربط نفسك وصاحب الأصدقاء المنتجين الذين يبعثون. الأمل وشغفهم الحماس والإنجاز.

– خطط للمستقبل دائما، وكافئ نفسك بعد الإنجاز، وحافظ على ممارسة الرياضة والنوم الكافي والغداء الصحي المتوازن.

تذكّر أن وقت الإنسان وطاقته محدودان وهما أغلى ما يملك.  لذلك ينبغي أن نتعلم جيدا المهارات الحياتيَّة لاغتنام الأوقات واستثمار الأعمار ونستفيد منهما بالطريقة المثلى لتحقيق النجاح.
__________

 القاموس المحيط , فيروز آبادي ج1 (160)[1]

 الداء والدواء, (358).[2]

[3] إدارة الوقت, رسالة ماجستر للطالب محمود محمد يحي عداريَّة (17)

[4]  رواه البخاري في كتاب الرقاق, باب ما جاء في الصحة والفراغ, وان لا عيش إلا عيش الآخرة,5/1357(6049).

[5]  نقل ذلك عنه الإمام ابن حجر في شرح الحديث (5933) من فتح الباري.

[6]  رواه ابن ابي شيبة, 7/108,(34562), والطبراني في المعجم الكبير9/103

[7]  أخرجه الحاكم 4/341 رقم (7846).

[8]  أخرجه الترمذي (2416).

[9]  15 سببا لضياع الوقت, أبو حاتم سعيد القاضي, شبكة الألوكة

_________
*أحمد اللوكي/ أستاذ التربيَّة الإسلاميَّة/ باحث في العلوم الشرعيَّة/ مدرب معتمد في التنميَّة الذاتيَّة.

المصدر
التنويري
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات