المقالاتفنون

أزاهير افروديت

حين أهدتني الفنانة التشكيلية فاتن محمود الداود كتابها “أزاهير أفروديت” على هامش معرض عمَّان الدولي للكتاب، دققت الغلاف حيث لوحة فنية وعبارة “قراءات فنية” جعلتني اعتقد أني سأقرأ مقالات ودراسات أنجزتها الكاتبة واطلعت عليها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكان محورها الفن التشكيلي، لكن حين بدأت بالقراءة كنت أجد نفسي في جولة بين نصوص مختلفة ولوحات للفنانة، فكانت عبارة “قراءات فنية” عبارة خادعة تحيل قارئها إلى فكرة النقد الفني، لكن فعليا كانت تقصد الكاتبة فيها هي عملية التمازج بين فكرة النص وارتباط هذه الفكرة باللوحة المرفقة، علما أن تصنيف الكتاب مع رقم الإيداع في المكتبة الوطنية تحت تصنيف “النصوص الأدبية”، والكتاب هو الإصدار الأول للكاتبة من 110 صفحات من القطع المتوسط.

وعنوان الكتاب “أزهار أفروديت” أثار انتباهي فأفروديت تعرف أنها إلهة الحب، بينما وحسب ما وردت في الأساطير اليونانية فهي آلهة الحب والجمال والشهوة والجنس والبغاء، فهي إذاً آلهة الحب الجسدي والشهواني وليس كما يفهم البعض بأنها آلهة الحب “الرومانسي”؛ أو العذري كما في لغتنا وهو الحب المنزه عن الشهوات، وفي العبادة الوثنية في معبدها في أثينا كان الجنس جزءاً من العبادة، وأفروديت معروفة عند الرومان تحت مسمى فينوس، وتنسب اللات لدى العرب في الجاهلية أيضاً أنها نسخة أخرى من أفروديت أو فينوس، بينما هي إنانا عند السومريين وعشتار هي النسخة من افروديت عند البابليين، فأية أزهار سنجدها عند أفروديت؟

لوحة الغلاف هي لوحة للكاتبة والفنانة فاتنة، مكونة من ثلاث نساء يرتدين قبعات مختلفة يجلسن بجوار بعضهن البعض، يرتدين اللون الأزرق الموشح بالإرجواني، ويحيط بهن فضاء اللوحة بتدرجات اللون الأزرق أيضا، وعلى الغلاف الأخير فقرة من النص الأول في الكتاب تعلوها صورة للمؤلفة، وكان الاهداء على صفحتين؛ الاهداء الأول لابنتيها الطفلتين التوأم ميس وزينة والإهداء الثاني إلى أمها التي رحلت تاركة ألم الفقد في روح الكاتبة.

أثناء قراءتي للكتاب وجدت أن الكاتبة والفنانة تراوحت نصوصها بين الحديث عن الفن والوجدانيات والقضايا المجتمعية، حتى شعرت أن لوحة الغلاف اشارة لهذه الكتابات من خلال النساء الثلاثة بالقبعات المختلفة، وكانت لوحات الفنانة ترافق عددا من النصوص، وهذا ما جعل النصوص عابرة للتجنيس فتنقلت بين أساليب أدبية مختلفة مما جعلها خارج اطار النقد الدقيق والموضوعي، وهذا اسلوب يذهب اليه بعض الكُتاب ليبتعدوا بعلم أو بغير علم عن النقد العلمي والأكاديمي الذي يتجه عادة لنقد الرواية والشعر والقصة، وكما أشرت في قراءات سابقة لكتب وضعتها جميعها تحت اسم “مرفأ السرديات” في كتابي “حلم فوق الغيم”، إن اساليب النقد لم تتطرق للخاطرة الا نادرا ولم يتحدث عنها إلا سيد قطب في بدايات القرن الماضي، وكذلك النصوص السردية غير المصنفة قصة أو شعر أو رواية تبقى القراءات النقدية لها شكل من انطباعات تتكون في روح القارئ.

الفن: في النص الأول والذي حمل عنوان التجربة الفنية وأشار للعلاقة بين الناقد الناجح واللوحة الفنية، واضح انه يتحدث بشكل غير مباشر عن تجربة الفنانة الفنية، وأشارت للفن الحديث وتمرده على الفن القديم، والنص الثاني تحت عنوان “عباءة الفن الراقي” تشير لنفس التجربة الفنية للفنانة، وقد أرفقت الفنانة بين النصين لوحة من ابداع ريشتها، وهي لوحة واقعية تمازجت بالرمزية، حيث صورت الفلاح الفلسطيني بكوفيته وزيه التقليدي ويحمل الفأس على كتفه، وبجواره المرأة الفلسطينية بالثوب المطرز ينظران من البعيد إلى أسوار الأقصى حيث تظهر قبة الصخرة، مع رمزيات ظهرت باللوحة كما الطيور التي ترمز للعودة، وسمكتين صغيرتين، والسمك لا علاقة له بالقدس حيث لا بحر هناك، وإن كنت أعتقد أنها رمزت بها للبحر المغتصب ومدينتها حيفا التي هُجر اهلها منها بقوة السلاح ابان نكبة 1948م، واللوحة متقاربة نسبيا من النصين ولكن ليس بالكامل.

 وتعود للحديث بنص يحمل عنوان “فن”، عن تعريف الفن على لسان بعض الفنانين والفلاسفة والمهتمين، مرفقة النص بلوحة بريشتها لإمراتين تحملان الجرار على رؤوسهن مع فضاء جميل للوحة مفعم بفراشات ترمز للفرح، وتحدثت عن الفن التشكيلي في نصها “أهمية الفنون التشكيلية” فتقول في النص: “لا شك أن الفن هو من يخلق التوازن بين الحقيقة الحسية وتوتر الخيال وبين الحلم والواقع ونفي الفن من الحياة هو نفي الحياة بذاتها”، وتكمل الحديث عن دور الفن في نصها “رسوم فلذات أكبادنا” وهو نص مهم يبحث في رسومات الأطفال والضرورة للاهتمام بها فتقول ببعض من النص: “فالرسم عند الأطفال هو فن قائم بذاته وفن لا يستهان فيه يستقي منه الطفل كل خطوطه وألوانه من عقله الباطن اللاشعوري الذي اختزنه من محيطه وبيئته وعلاقته بالأفراد والمجتمع”، وتحدثت عن الإقتباس في الفن في نصها “الإقتباس الفني” وإن وقعت بخطأ الخلط بين التأثر وبين الاقتباس وشتان بينهما، فالتأثر حالة موجودة ولا خلاف عليها بعكس الاقتباس الذي يصل أحيانا الى سرقة اللوحات، وأيضا تحدثت عن الفن في نصها “الفن أولا أم الفنان” وطرحت فيه مجموعة من التساؤلات المهمة عن علاقة الفن بالفنان والعكس، وفي نصها الأخير عن الفن بعنوان “اللغة التشكيلية” وهو نص جميل تحدثت عن اللغة البصرية التي تبوح عما بداخلها بلغة اللون والفرشاة والرمز فتصبح اللوحات ناطقة.

الوجدانيات: من الحديث عن الفن تنتقل الى البوح الأدبي والوجداني مترافقا مع لوحات تكمل فكرة النصوص، فنجدها في نصها “حياة أخرى” تتحدث عن الذات فتقول: “تلك الذات التي فُرغت منذ زمن.. وآن الأوان لتلك الذات أن تملأ دلوها من جديد”، وكان الأجدر بالكاتبة أن لا تعيد استخدام كلمة الذات في عبارة “لتلك الذات” مرة ثانية في فقرة قصيرة، ولو قالت “وآن الأوان لها” لكان أفضل وأقوى، وتنهي النص بالقول: “أبدأ مرحلة جديدة دون استثناء..”، لترفق النص بلوحة عبرت عن الفكرة من خلال مشهد امرأة تجلس على مقعد بثوب أبيض يكشف عن كتفيها وساقيها وتغمض عينيها وكأنها في حالة حلم، وفوق شعرها لون أبيض وكأنه باقة من الزهر، وفي فضاء اللوحة تحلق اربعة فراشات بحجم مضخم، وخلفية اللوحة مازجت بين الأزرق الموشح بالغيم الأبيض في سماء اللوحة والأخضر المتمازج بالأصفر للقاعدة.

في نص آخر مختلف بالأسلوب والفكرة حمل عنوان “أرض التيه المقفرة”، بدأته بالقول: “هل هي ضياء أم وضاء تضيء خلفنا أم تنير عنان الغبراء بألسنتها اللاسعة الجميلة”، وكلمة لاسعة تعني مؤذية فكيف يترافق اللسع والايذاء مع الجمال؟، وتواصل بالنص أحاسيس الألم مترافقة مع لوحة جميلة لثلاث نساء يحملن الجرار على رؤوسهن ومتلفعات بالعباءات بفضاء ارجواني للوحة وأرض جرداء وثلاثة رموز تراوحت بين الحلم والواقع والهدف، لتنقلنا الى نص آخر ولوحة أخرى، حيث نصها “ترانيم” وهي وجدانيات من ثلاثة نصوص متصلة وتحمل فكرة تلخصها بالقول: “لا شرقية في سماع ترانيم العشق بكل الأطياف والزمكان، ولا غربية للتمسك بجذور العروبة والمروءة لتربة الجسد الأسمر”، وارفقت لوحة متميزة وجميلة بريشتها لأربع نساء وطفلتين يحملن الجرار على رؤوسهن بألوان مثيرة للفرح، بينما في نصها “قرع الطبول” وهو نص وجداني جميل تقول: “تتمايل الخصور على قرع طبول طال قرعها لحد أقصى مما يحتمله صيوان أذن أبت ألا تسمع سوى همس القلب المتعاف من جفاء مستديم” مرفقة بلوحة راقصة جميلة متناسقة مع النص لفتاتين في حالة رقص وطبول ورمزيات راقصة.

في نصها الوجداني “شباك جدتي” تتحدث عن ذاكرة الطفولة وبيت الجدة وشبابيكه فتقول: “شباك جدتي ليس كالشبابيك، بل هو صندوق حلم جميل”، وترفق النص بلوحتين لوجوه كهلين وليس امرأة مسنة كما المفترض، كما تألقت في نصوص وجدانية أخرى منها “إليه لا أعود” مرفقا مع لوحة متناسبة بألوانها ورمزياتها والفراشات فيها، وإن كانت اللوحة بها أخطاء كما قدم المرأة وأصابع القدم اضافة لملامح الوجه، وفي نصها “الرحيل” كان العنوان هو الفكرة التي ترافقت مع لوحة الغلاف، وفي نصها الوجداني “الكرسي” باحت بجمالية بوح الروح مترافقة مع لوحة معبرة وجميلة لإمرأة تجلس وهي بحالة من الهدوء بين الوان الفرح والفراشات التي نجدها تتكرر في لوحات الفنانة، وهذا البوح الوجداني يتكرر في باقي نصوص الكتاب مثل “رباط الفؤاد” و”جلست هي” و”تلك النظرات” و”معراج البقاء”، وجميعها ترافقت مع لوحات جميلة تناسب مع النصوص احيانا وتباعدت حين آخر.  

القضايا المجتمعية: ونراها في نصها “الطربوش” حيث تنتقل للحديث عن عادات وتقاليد أصبحت تحكم المجتمعات كما الطربوش الذي يلتف حول الرأس، وتطالب بنزعه كي يتطور المجتمع، وترفق النص بلوحة حالمة بالفرح والجمال حيث تعبر فيها عن أحلام الأطفال بغد أجمل مليء بالزهور والفراشات، وفي نصها “المهن تشحن الهمم” ركزت الحديث عن ضرورة الالتزام لمواصلة مسيرة النجاح، فتقول: “الحافز الذاتي هو وقود الإرادة والعزيمة معا”، وفي نصها “قبول الذات” تقول: “تقبل ذاتك وتقبل ما تحب وما تكره مشحونا بالعمل والمثابرة لأنهما هما عماد الإيجابية”، ولكن تقول في سياق النص: “هنا يكمن التفكير الايجابي الخاطئ”، واعتقد أن هذه عبارة غير دقيقة فلا يمكن أن يكون تفكير ايجابي وأن يكون خاطئا في نفس الوقت، فالنص مليء بالكلام المتناقض، وقد أرفقت مع النص لوحة جميلة من لوحاتها متناغمة مع النصين متكونة من خمس نساء بأثواب جميلة فرحة الألوان، وفضاء اللوحة جميل بين زرقة السماء ولون الأرض، وفي نصها “عقد النية” تحدثت عن أن: “عقد النية هي بمثابة الفعل الأول والأساسي للسعي، وأرفقت النص بلوحة لها تصور بها امرأة نحيفة مسدولة الشعر في حالة من التفكير والحيرة، وكأن الفنانة أرادت أن تقول أنه على سيدة اللوحة أن تعقد النية حتى تتخلص من الحيرة والتفكير.

وفي نصها “لست أنا إنه أنت” تتحدث عن نظرة الناس للناس بالحب والكراهية والخلاف فتقول: “حين لا يتفق البعض معك ويختلف، فإنه في الحقيقة يختلف مع الموقف والفكرة التي كونتها وليس معك شخصيا”، وأرفقت مع النص لوحة جميلة لإمرأة تحمل على رأسها قطعة تراثية وتحيطها التراثيات، وحقيقة لم أجد أية علاقة بين النص واللوحة، وتواصل حديثها عن مسائل نحتاجها في المجتمع كما الحديث في نصها “الإمتنان” عن ضرورة الامتنان في الحياة مرفقة النص بلوحة جميلة لأربعة نساء حفلت بالرمزيات وتناسبت مع اللوحات والفكرة في النص.

كتاب جميل بأفكار جميلة زادتها اللوحات جمالا، والنصوص فيه خلت من التعقيد وكانت مختصرة الحجم مكثفة للأفكار، واللوحات جرى اختيار غالبيتها بتناسق مع النصوص، ولكن كان المفترض تدقيق الكتاب جيدا من ناحية الأخطاء الاملائية والطباعية وبعض الهنات اللغوية، وأعتقد لو أن الكاتبة/ الفنانة اكملت كل قسم من المحتويات الثلاث ونشرته بكتاب مستقل، لكان بالتأكيد سيكون أجمل بدل القفزات بين النصوص المختلفة بالفكرة والهدف والأسلوب والتصنيف.
_________
*زياد جيوسي.

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات