هل اللغة العربيَّة أصوليَّة؟ رؤية نقديَّة في نظريَّة جيمس كوفمان
” استطاعت العربيَّة أن تبرز طاقة الساميين في معالجة التعبير عن أدقّ خلجات الفكر سواءً كان ذلك في الاكتشافات العلميَّة والحسابيَّة أو وصف المشاهدات أو خيالات النفس وأسرارها”/ (المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون).
تمهيد نقدي
تتناول دراسة كوفمان (James Coffman) – التي نحن بصدد عرضها ونقدها – العلاقة بين اللغة العربيَّة والتوجّهات الأصوليَّة لدى عينات من طلاب الجامعات الجزائريَّة، وتخرج هذه الدراسة بنتائج مهمَّة جدا وملفتة للنظر في مجال علم اجتماع اللغة وأدبيَّاته، ولكن يجب علينا أن نتوخَّى الحذر عند قراءة مضامين هذه المقالة واستنتاجاتها، كما يتطلَّب الأمر أن نقف منها موقفا نقديا دون أن نهمل المضامين العلميَّة التي تكمن فيها وتؤسِّس لمنهجها. فما تقدِّمه الدراسة يمتلك درجة كبيرة من الموضوعيَّة فيما يتعلق بالعلاقة بين اللغة والوضعيّات الذهنيَّة للطلاب الدارسين بالعربيَّة أو بالفرنسيَّة في الجزائر وغيرها، ولكنها في الوقت نفسه تنطوي على مغالطات كبيرة عندما تنسب القصور والعجز الذهني إلى بنية اللغة العربيَّة بوصفها لغة أصوليَّة.
وممَّا لا شكّ فيه أن المضامين اللغويَّة لأي لغة تفرض نفسها على أنماط التفكير والتوجّهات العقلانيَّة للأفراد الناطقين بها، وهذا هو حال العربيَّة بالتأكيد. ولكن يجب الحذر في طريقة تفسير هذه العلاقة. فالكاتب ينزع نزعا أيديولوجيا واضحا إلى وضع اللغة العربيَّة في قفص الاتِّهام ليصفها – لا بل ليتهمّها – بأنها لغة أصوليَّة تنمِّي الاتِّجاهات الدينيَّة التقليديَّة في نفوس دارسيها في الجزائر. وهذه النتيجة تضع العلَّة في بنية اللغة وليس في مضامينها التربويَّة. وإننا نريد أن نذكّر الكاتب بأن اللغة العربيَّة كانت الرافعة الأساسيَّة للحضارة الغربيَّة، فاللغة العربيَّة كانت الجسر الأعظم للعقلانيَّة في الثقافة الغربيَّة، فابن رشد هو الذي أصَّل للعقلانيَّة الغربيَّة، ومن المدهش أيضا أن الثقافة العربيَّة المغاربيَّة التي تمثَّلت في أعمال ابن رشد، وابن خلدون ، وابن باجة، وابن طفيل، وابن حزم، وابن عربي، كانت تمثِّل الفلسفة العقلانيَّة التي أنارت دروب أوروبا المظلمة في العصر الوسيط حيث لم يكن للعقل هيئة أو وجودا. وكان على الكاتب أن يضع في اعتباره بأنَّ ابن رشد هو المفكِّر الذي استطاع أن يرسم خارطة العقل في أوروبا في البدايات الأولى لعصر النهضة الأوروبيَّة، كما كان عليه أن يدرك أيضا بأن العلوم العربيَّة في الطب والفلك والرياضيات والهندسة والجغرافيَّة وفي مختلف الميادين كانت منارة التاريخ الإنساني، ويكفي أن نذكر بعضا من أعلام المفكّرين العلماء العرب، مثل: ابن الهيثم، وابن سينا، والبيروني، وابن زهر، والرازي، والإدريسي، والخوارزمي، وغيرهم بالمئات، لا بل بالآلاف، وهؤلاء جميعا كتبوا وألَّفوا وفكَّروا وأبدعوا باللغة العربيَّة وليس بالفرنسيَّة أو الإنكليزيَّة. وكان عشق هؤلاء للعربيَّة لا يضاهى ولا يوصف حتى أن البيروني وهو من أعظم المفكِّرين في التاريخ قد بلغ عشقه للعربيَّة درجة دفعته إلى القول: “والله أن أُذمَّ بالعربيَّة أحبّ إلي من أن أٌمدح بالفارسيَّة “، فأي حبّ هذا وأي عشق من عالم فلكي موسوعي لم يكن ناطقا فطريا بالعربيَّة!!
وقد يقول قائل لماذا تترجم بحثا تنقض نتائجه وتفنِّدها منذ البداية؟ وفي معرض الإجابة عن السؤال أقول لقد قمت بترجمة هذا البحث لاعتبارات علميَّة وبحثيَّة وفكريَّة أيضا في منتهى الأهميَّة، فهناك عدَّة معطيات حملتني على ترجمة نتائج هذا البحث الذي لا يخلو من هجوم عنصري على اللغة العربيَّة، ومنها:
1- يتميَّز هذا الموضوع فكريا بأهميته وخطورته فالعلاقة بين نمط التفكير واللغة تشكِّل إحدى أهم القضايا اللغويَّة في مجال علم الاجتماع بعامة وفي مجال الفكر الفلسفي بخاصَّة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أهميَّة علم الاجتماع اللغوي الذي يركِّز في بحث هذه القضيَّة، ويضاف إلى ذلك أن هذه القضيَّة قضيَّة تربويَّة تشكِّل مجالا حيويّا من مجالات علم الاجتماع التربوي المعاصر.
2- يتميَّز البحث بمنهجه وموضوعه ويمكن الاستفادة من الخطوات المنهجيَّة التي اعتمدها والفرضيات التي تناولها الباحث في مجال استكشاف أبعاد العلاقة بين اللغة والذهنيَّة.
3- ممَّا لا شكّ فيه أن مسألة تعريب العلوم في الجامعات العربيَّة تأخذ أهميَّة كبيرة وتتمركز في صدارة الجدل الأكاديمي في مختلف أصقاع العالم العربي. وهذه الدراسة قد تضيء أبعاد هذه القضيَّة في أحد البلدان العربيَّة التي عانت من “التفرنس” بداية ثم من أوجاع التعريب نهاية.
4- نأمل بترجمتنا لهذه الدراسة بعث الحركة الفكريَّة الأكاديميَّة للبحث في أبعاد هذه القضيَّة وملابساتها في الساحة الفكريَّة. وللعلم بأن هذا البحث كتب باللغة الإنكليزيَّة بداية ثم ترجم إلى الفرنسيَّة ونعتقد أنه من حقّ الناطقين بالعربيَّة الاطّلاع على مضامين هذه الدراسة والتأمُّل في معطياتها والنظر في نتائجها.
5- قد تكون هذه الترجمة ضروريَّة ليس للدفاع عن اللغة العربيَّة بل من أجل الحقيقة العلميَّة وهي أن اللغة العربيَّة لغة حيَّة، وتاريخها العلمي والحضاري يثبت ذلك، ونضيف إلى ذلك أهمّيَّة النظر في الظروف التاريخيَّة الحضاريَّة التي تضعف اللغة العربيَّة وتظهرها بمظهر اللغة التي فقدت نبضها الحضاري فأصبحت عاجزة عن مواكبة الحضارة.
6- هذه الترجمة دعوة للتفكير أيضا في الهجوم الأيديولوجي الصارخ الذي تتعرَّض له العربيَّة في كل مكان، ودعوة للمفكِّرين من أجل إجراء والدراسات والأبحاث ليس للدفاع بل من أجل إنصاف هذه اللغة التي قدَّمت للحضارة نسغ ازدهارها وتطوّرها في مراحل تاريخيَّة مهمَّة من تطوّر الحضارة الإنسانيَّة.
وفي كل الأحوال يمكن القول بأن متكلّمي اللغة العربيَّة يمتلكون ناصية العقلانيَّة، حتى الفلسفيَّة، وليس أدل على ذلك من أن الفلسفة التي تجلَّت في اللغة العربيَّة في أعمال أركون و الجابري نموذجا للعقلنة في اللغة العربيَّة في الجزائر والمغرب أيضا وهما من أكثر البلدان العربيَّة فرنسةً أي تأثّرا باللغة الفرنسيَّة.
وفي كل الأحوال سأترك للقارئ أن يتَّخذ الموقف النقدي إزاء مختلف نتائج هذه الدراسة، ولكن من حيث المبدأ نقول بأن اللغة العربيَّة توجد في علاقة جدليَّة مع المضامين التربويَّة التي تقدّم للناشئة، والعلَّة تكون غالبا في المضامين والأساليب التربويَّة وليس أبدا – كما يرى الخبراء – في اللغة بوصفها نبضة إنسانيَّة وجدانيَّة.
مقدِّمة الدراسة:
يعتقد الناطقون باللغة العربيَّة أنَّ اللغة العربيَّة لغة مقدَّسة اختارها الله لمخاطبة البشر، وهي اللغة التي تمكِّن ناطقيها من اكتناه العالم والتعبير عن ماهيَّة الوجود. فاللغة العربيَّة بالنسبة للناطقين بها من المسلمين ليست مجرَّد لغة عاديَّة بل هي لغة كونيَّة قدسيَّة إدراكيَّة من حيث المضامين ومن حيث التجليات الإنسانيَّة. ومن هذا القبيل يعلن أحمد طالب الإبراهيمي – وزير التربيَّة الجزائريَّة الأسبق – بأن الناس الذين يغيِّرون لغتهم العربيَّة يغيِّرون روحهم كما يغيِّرون تصوّرهم عن الكون.
وعلى خلاف هذه الرؤية يعرب غير الناطقين باللغة العربيَّة عن شكوكهم في مصداقيَّة الطابع الكوني للغة العربيَّة، ومع أنهم يعترفون بأهميَّة العربيَّة ويقدِّرون علاقاتها الساميَّة مع الدين الإسلامي، ولكنه يصعب عليهم الاعتقاد بالأهميَّة المطلقة التي تنسب إليها.
ومن أجل تقصّي جوانب هذه القضيَّة وأبعادها قام الباحث جيمس كوفمان بإجراء دراسته هذه حول اللغة العربيَّة وعلاقتها بالأصوليَّة الدينيَّة في رحاب جامعتين جزائريتين في العام الدراسي 1989/1990. وبالنتيجة وجد ثمّةَ فروق كبيرة وعميقة في وجهات النظر والرؤى بين الطلاب الدارسين باللغة والعربيَّة وهؤلاء الذين يدرسون بالفرنسيَّة. وقد تبيّن عبر هذه الدراسة أنّ الطلاب الدارسين بالعربيَّة يرون الكون بطريقة دينيَّة إسلاميَّة بدرجة أكبر من الطلاب الذين يدرسون باللغة الفرنسيَّة.
منهجيَّة الدراسة:
يقول كوفمان: قمت بإجراء دراستي هذه في العاصمة الجزائر، حيث يتكاثف عدد الطلاب الجامعيين، وتتوفّر مختلف الاختصاصات الأكاديميَّة والجامعيَّة التي ينتسب إليها الطلاب من مختلف الأصول العرقيَّة والدينيَّة والاجتماعيَّة ومن مختلف أصقاع البلاد.
ويمكن القول في هذا الخصوص أيضا : إنّ الجامعتين (جامعتي الجزائر وهواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا) توفّران مجالا علميا واسعا للمقارنة بين الطلاب؛ فالجامعتان من أفضل الجامعات وأكثرها حجما وكثافة في الجزائر في مجال العلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة والتكنولوجيَّة.
وقد شكَّل العام الدراسي 1989/1990 المجال الزمني لإجراء هذه الدراسة، وتأتي أهميَّة هذه المرحلة التاريخيَّة نظرا لانتساب الأفواج الأولى من الطلاب المعربين في الجامعة. ويأتي وقت إجراء هذه الدراسة في هذه السنة متزامنا مع سقوط النظام الشيوعي، وهو التاريخ الذي بدأت فيه الجبهة الوطنيَّة الجزائريَّة (الحزب الحاكم) تشهد تراجعها السياسي الذي قابله صعود متسارع للأصوليَّة الإسلاميَّة، وقد أثمرت هذه الأوضاع أجواء من حرّيَّة التعبير عند الطلاب في الجامعات حول مختلف القضايا السياسيَّة والاجتماعيَّة التي تحيط بهم.
ومن أجل الحصول على المعلومات الضروريَّة حول اتِّجاهات الطلاب وتمثّلهم للقيم الدينيَّة قمت بإجراء أكثر من 95 مقابلة مع الطلاب والمدرسين، كما قمت بتوزيع أكثر من ألفي استبانة شملت الطلاب في مختلف الاختصاصات الجامعيَّة.
وقد عانيت صعوبات كثيرة تتمثَّل في معارضة الإسلاميين لهذا البحث. فبعد ثلاثة أيام من توزيعي للاستبانة وضع الإسلاميون إعلانا كبيرا جارحا في لوحة إعلانات الطلاب أمام المسجد في جامعة الجزائر يهاجم نشاطاتي العلميَّة. ولكن هذا الأمر كان أشبه بزوبعة صيفيَّة تجاوزتها في نهاية الأمر وانتهت بعلاقات ودّيَّة مع الطلاب جميعهم.
العربيَّة في التعليم الجزائري:
تعدّ اللغة العربيَّة رمزا لقوَّة الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة، ويرى أصحاب هذه الرؤية أنَّ تعليم هذه اللغة ضروري جدا من أجل عمليَّة التثقيف الإسلامي. وغالبا يوجد هناك اتفاق على أهمّيَّة اعتماد اللغة العربيَّة في المراحل الأساسيَّة الابتدائيَّة والإعداديَّة. والعربيَّة تهيمن وتسود في حقيقة الأمر في برامج المدارس الثانويَّة في الجزائر وهي المدارس التي كانت تعتمد الفرنسيَّة في المراحل التاريخيَّة السابقة ولاسيما في عهد الاحتلال الفرنسي. واستطاعت المدرسة الجزائريَّة أن تقوم بعمليَّة التعريب وإنجازها في عام 1989، وذلك في المرحلة التي تمّ فيها تدشين الدفعة الأولى من خرِّيجي المدارس الثانويَّة المعرَّبة.
ومع أهميَّة هذا التعريب في المراحل ما قبل الجامعيَّة، لا تزال شرائح واسعة من طلاب الجامعة يتابعون دراساتهم باللغة الفرنسيَّة والإنكليزيَّة. والتعليم باللغات الأجنبيَّة ما زال يثير نوعا من الحوار والجدل لدى المفكِّرين والساسة والمربّين. فهناك شريحة واسعة من المفكّرين الذين ينادون بتعريب التعليم الجامعي والعالي. لكن النخب التكنوقراطيَّة الفرنسيَّة والتي تتواجد فعليا في القطاعات الاجتماعيَّة الحديثة يعلنون عن أهميَّة التعريب، ولكنهم في الوقت نفسه يؤكِّدون الأهميَّة القصوى للغة الفرنسيَّة من أجل تحديث المجتمع وتطويره. ولكن هذه النخب الفرنسيَّة ترى في حقيقة الأمر أنَّ التعريب يدفع الجزائر إلى متاهات العصور الوسطى (هذه مغالطة كبيرة حيث أن من مآثر العربيَّة في النهضة الأوروبيَّة أنَّ جلّ الأعمال اليونانيَّة العلميَّة و الفلسفيَّة تمَّت ترجمتها في تلك الحقبة (العصور الوسطى) – باللغة العربيَّة و لولا ذلك ما وصل فلاسفة الغرب إلى مستواهم الذي نراه اليوم بل كان من الممكن أن تضيع تلك العلوم إلى الأبد – وقد تمّ ذلك كله بفضل اللغة العربيَّة ألأداة التي استخدمت في ذلك المشروع- فكيف يزعم الكاتب أن التعريب (العربيَّة) تدفع الجزائر إلى غياهب العصور الوسطى ). وترتبط هذه النخب برؤية غربيَّة وعلمانيَّة وعلميَّة للكون وترفض من حيث الجوهر التقاليد العربيَّة الإسلاميَّة.
وممَّا لا شكّ فيه أن محاولات التعريب في مجالات الثقافة والتربية تُواجه بعدد كبير من الصعوبات والحواجز الكبيرة في المستويات العمليَّة: فالمصادر الأساسيَّة لعمليَّة التحويل ليست متوفِّرة في واقع الأمر، وغالبا ما يتمّ تقسيم المؤسَّسات العلميَّة إلى قسمين أحدهما يكون باللغة العربيَّة والآخر باللغات الأجنبيَّة والفرنسيَّة تحديدا.
لقد أنجزت الدول العربيَّة عمليَّة تعريب واسعة للدراسات الإنسانيَّة والآداب بصورة كاملة في مختلف المؤسسات التربويَّة والجامعيَّة، أمَّا التعليم التقني والفني فقد بقي باللغة الأجنبيَّة حتى في المؤسَّسات الدينيَّة العليا مثل جامعة الأزهر في مصر وفي جامعة المدينة المنورة وأم القرى.
لقد أنجزت الدول العربيَّة عمليَّة تعريب واسعة للدراسات الإنسانيَّة والآداب بصورة كاملة في مختلف المؤسسات التربويَّة والجامعيَّة، أمَّا التعليم التقني والفني فقد بقي باللغة الأجنبيَّة حتى في المؤسَّسات الدينيَّة العليا مثل جامعة الأزهر في مصر وفي جامعة المدينة المنورة وأم القرى.
وفي العالم العربي بقيت سوريا هي الدولة الاستثنائيَّة الوحيدة التي نجحت في تعريب جامعاتها كليا، أما البلدان العربيَّة الأخرى فقد عرَّبت تعليمها جزئيا ولاسيما في مجال العلوم الإنسانيَّة والآداب العربيَّة، أمَّا الفروع العلميَّة فتعتمد اللغات الأجنبيَّة الإنكليزيَّة والفرنسيَّة.
لقد أعلن أغلب الطلاب الجزائريين الذين تمَّت مقابلتهم عن أهمّيَّة اللغة الأجنبيَّة من أجل التواصل مع الغرب ونقل ثقافته العلميَّة. وقد أعلن الطلاب الإسلاميون أهميَّة الفصل بن ما هو تقني وما هو ثقافي أو أخلاقي في ثقافة الغرب. وقد لاحظنا في هذا السياق أنه كلما ارتفعت الجرعة الأيديولوجيَّة الإسلاميَّة للطالب ازداد ميله إلى رفض النموذج الثقافي والاجتماعي الغربي، وازداد اقتناعه بأن هذه الثقافة خطرة ومعايدة للجزائر. فالحركات الإسلاميَّة تعمل بصورة مستمرَّة على نقل المعرفة الغربيَّة في قوالب إسلاميَّة ودينيَّة وذلك بتجريد هذه الثقافة من طابعها الغربي، وتنقيتها من الشوائب الثقافيَّة العلمانيَّة التي لا تنسجم مع الروح الإسلاميَّة، والتي تشكِّل خطرا على الثقافة والإنسان في الجزائر.
ويتجلَّى الصراع اللغوي في الجزائر بين لغتين: بين العربيَّة بوصفها لغة دينيَّة مقدَّسة، وبين الفرنسيَّة بوصفها منطلقا للتقدُّم العلمي في المجتمع والحياة. لقد أعلن عدد كبير من الطلاب المستفتين في هذه الدراسة بأن الفرنسيَّة لا يمكنها أن تعبِّر عن جمال الرسالة النبويَّة الإسلاميَّة وعمقها، وبالمقابل أعلن عدد مواز منهم بأن العربيَّة لا يمكنها أن تنقل العلوم الحديثة وتحوّلها كما هي الحال بالنسبة للفرنسيَّة.
وقد بين البحث الذي أجريناه بأن لغة الدراسة تحدّد عمليا درجة تعلّق الطالب بالمبادئ الإسلاميَّة أو بالدين الإسلامي. وهذا يعني أن التوجّهات الثقافيَّة الدينيَّة تتحدَّد باللغة بدرجة أكبر من متغيّرات النوع والانتماء الاقتصادي الاجتماعي أو الانتماء العرقي والأصل الجغرافي أو بمتغيّر المجال الدراسي.
وهذه النتيجة تأتي على أثر استقصاء ميداني واسع في جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا وفي جامعة الجزائر. وقد قمنا بالتركيز على المقارنة بين مجموعتين من الطلاب:
تتمثَّل المجموعة الأولى في عيّنة من الطلاب المعرّبين الجدد مقابل عيّنة معرّبة من الطلاب القدامى. وتتمثَّل المجموعة الثانية في عينة من طلاب العلوم الاجتماعيَّة المعربين مقابل عينة من طلاب العلوم الدارسين بالفرنسيَّة وطلاب اللغة الفرنسيَّة.
ومن أجل التعرّف إلى اتِّجاهات الطلاب هاتين المجموعتين إلى مختلف القضايا الحسَّاسة في المجتمع، طرحنا مجموعة من الأسئلة التي تتعلَّق بحقوق المساواة بين الجنسين، والاختلاط في المدارس الثانويَّة والابتدائيَّة، ومستوى التردُّد على دور العبادة وأداء الصلاة، وبيع الكحول، والنظرة إلى المجتمعات الغربيَّة، والثقافة، وأهميَّة إعداد معلِّمين مسلمين.
وفيما يتعلَّق برأي المرأة سألنا الطالبات حول قضيَّة الحجاب الإسلامي، والزواج من غير المسلمين. أما فيما يتعلَّق بالرجال فقد طرحنا سؤالين: سؤال عن رأيهم في الحجاب، ومدى حضورهم لأداء الصلاة يوم الجمعة. أما فيما يتعلَّق باتِّجاه الطلاب نحو الغرب فقد سألتا أسئلة عدديَّة تتعلَّق ما إذا كانت الثقافة الجزائريَّة تحتاج إلى الأخذ عن الثقافة الغربيَّة، وعن أهميَّة العلاقة بين الجزائر والغرب، وحول تأثير الأفلام الغربيَّة وبرامج التلفزيون وتفضيلاتهم الموسيقيَّة.
وقد بينت المقابلات أن الجزائريين الميسورين والبربر أقل تمسّكا بالتوجّهات الأصوليَّة. وعلى خلاف ذلك فإنّ الطلاب العرب والبربر كانوا يبدون توجّهات معتدلة. أما الذكور العرب فإنهم أكثر نزعا إلى أن يكونوا إسلاميين. وقد أبدى الطلاب من أصول ريفيَّة ومن الفئات الاجتماعيَّة الاقتصاديَّة المتواضعة انتصارهم للفكر الإسلامي الواضح مقارنة بالآخرين.
وتعكس اتّجاهات الطلاب نحو تعريب التعليم الجامعي التناقضات الوطنيَّة القائمة حول دور الدين الإسلامي في الحياة الاجتماعيَّة. وفي هذا السياق يقول أحد المستفتين المعتدلين: “يجب علينا تنمية شخصيتنا الوطنيَّة والثقافيَّة واللغويَّة؛ ولكننا لا نستطيع أن نحرم أنفسنا من القدرة على نقل المعرفة العلميَّة العالميَّة واستيعابها ودمجها في نسيج حياتنا الاجتماعيَّة والعلميَّة. ولكن المتطرّفين الإسلاميين من جهة والمتطرّفين البربر من جهة أخرى يتَّخذون مواقف حاسمة وواضحة حول هذه المسألة ويخرجون من دائرة هذه المعضلة الوطنيَّة إمّا بقبول التعريب كليا أو رفضه كليا.
وقد أبدى الطلاب المعربين أو الدارسين بالعربيَّة مساندتهم القطعيَّة للحركة الإسلاميَّة، وعداءهم الواضح للغرب والثقافة الغربيَّة. ولا يتردَّد هؤلاء الطلاب عن ترديد الخطاب العروبي البسيط الذي تردّده الصحافة الناطقة باللغة العربيَّة ولاسيما في جريدة المنقذ Al-Munqidh وهي جريدة ناطقة باسم جبهة الإنقاذ الإسلاميَّة. فهؤلاء الطلاب لا يتردَّدون في القول بأنهم شاهدوا اسم الله جلّ جلاله قد كتب في إحدى الأمسيات على صفحات السماء، وأن هناك عددا من النساء اليهوديات الجاسوسات المصابات بالأيدز قد تسلَّلن إلى الجزائر ليعثن فيها فسادا وفجورا، ثمّ الحديث عن اعتناق ملايين الأمريكيين للإسلام. ولم أكن الوحيد الذي لاحظ هذه المفارقة. ففي إحدى المرّات سألنا ما إذا كان الطلاب الجدد المعرّبين مختلفين عن الآخرين، وكانت إجابة عدد كبير من الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسيَّة بأن هذا صحيح بالمطلق. فهناك عدد من الطلاب الذين أعلنوا بأن تعريب التعليم في المراحل الابتدائيَّة والإعداديَّة مسؤول عن الاختلاف القائم بين الطلاب. فالطلاب الذين يمثِّلون الفوج الأول المعرّب في عام 1989 يرون أنفسهم كما ينظر إليهم على أنهم الأفضل في اللغة العربيَّة مقارنة بالطلاب الأقدم في الجامعة. وهم يختلفون عن الآخرين الأقدم منهم فيما يتعلَّق بمدى ارتباطهم بالقيم والتوجّهات والأفكار والقيم الإسلاميَّة.
ويعتقد كثير من الطلاب بأنّ التعريب يشكِّل السبب الرئيس لهذه التوجّهات الإسلاميَّة الواضحة لدى الطلاب والشباب بصورة عامَّة. فعلى سبيل المثال، أكَّدت مجموعة من طلاب علم النفس بأن الطلاب الجدد المسجّلين في قسمهم مختلفون جدا: فهم أكثر محافظة، وأكثر تديّنا، وهم موجّهون أيديولوجيا أكثر من أي وقت مضى. ففي قسم علم النفس لا يمكنك أن تتحدَّث إلى بعضهم حول بعض الموضوعات المحدّدة، ولاسيما هذه التي تأخذ طابعا دينيا حيث يرفضون مجرَّد المناقشة في هذه القضايا. وعندما تسأل عن السبب، تجد الإجابة التالية: لا أعرف وأنا حتى لم أطرح هذا السؤال على نفسي. وأنا اعتقد بأن هذا الأمر يعود إلى تواصل هؤلاء الطلاب المستمرّ مع اللغة العربيَّة ومع المدرّسين الذين يقدِّمون لهم تصوّرات مغلقة حول الدين. فهناك عدد كبير من المدرِّسين الذين ينتمون إلى جماعة الدعوة الإسلاميَّة في قسم علم النفس. وهنا يعلن بعض الطلاب أن امتلاك اللغة وإتقانها يشجع الفرد على القراءة في مضامينها ونصوصها بدرجة أكبر عندما يكون الفرد لا يجيدها. فأنا على سبيل المثال عندما أجد كتابا عربيا يهمّني أقرأ فيه قليلا ولكنني لا أستطيع قراءة الكتاب كله لأن هذا يكلفني جهدا كبيرا جدا.
وهذه الفروق بين الطلاب تصبح أكبر بين طلاب حملة الثانويَّة التقنيَّة، لأن هؤلاء الطلاب كانوا آخر من تمّ تعريبهم. فمهدي طالب من المجموعة المعرَّبة كليا وهو يدرس حاليا الهندسة باللغة الفرنسيَّة، وهو يمتلك تصوّرات قويَّة عن اللغة يقول: التعريب يغير عقليَّة الجزائريين وآراءهم في كثير من القضايا. هذا صحيح. فعلى سبيل المثال، هناك عدد من الجزائريين الذين ليسوا جزائريين في جوهر الأمر، إنهم فرنسيّون في حقيقة الأمر. وبالنسبة لهم، فإنَّ اللغة هي الحبل السري الذي يربطهم مع فرنسا. وإنني على ثقة أن التعريب سيغيِّر المجتمع وسيجعله أكثر تديّنا، وإنني مقتنع أيضا بأنه يمكن تغيير الشخصيَّة الجزائريَّة عبر عمليَّة التعريب. ولكن هذا لا يعني أننا سننفصل عن عالم المعرفة والعلم والحداثة، فهذا ليس صحيحا البتة.
يقول هذا الطالب “لقد بيَّنت الملاحظات الجارية في هذا الميدان من خلال المقارنة بين الطلاب المعربين والطلاب ثنائيي اللغة، أن المعرّبين يعملون أضعاف الآخرين. لماذا؟ لأنهم يبحثون عن أمر ما، ويخافون أن يفوتهم شيء ما ولذلك فهم يحاولون التعويض وأنا أفعل ذلك أيضا”.
مولود، طالب في قسم التكنولوجيا في السنة الرابعة، يرى أن الدراسة بالعربيَّة تستقطب الطلاب الذين يحملون القيم التقليديَّة. ولكن التأثير الحقيقي للتعريب يكمن في تأثير المعلمين أنفسهم، فهناك عدد كبير من المعلّمين القادمين من بعض البلدان العربيَّة، وهم من خلفيّات تقليديَّة. ويتميّزون بأنهم كلاسيكيون ويطالبون طلابهم بالطاعة والخضوع. وباختصار كثير من طلاب الجامعة قالوا لي بأنَّ معلِّمي اللغة العربيَّة الوافدين من الشرق العربي إلى الجزائر للتعليم في المرحلتين الابتدائيَّة والإعداديَّة كانوا يتميّزون بصرامتهم وانغلاقهم وتسلّطهم وهذا ينسحب على المعلّمين الجزائريين الذين تلقّوا تعليمهم في هذه الدول.
لقد أعلنت مجموعة أخرى من طلاب السنة الرابعة في قسم الإلكترونيّات بجامعة هواري بومدين بأن الطلاب الجدد المعربين يختلفون عن الجميع. “فالتعريب غيّر مواقف هؤلاء الطلاب وشكَّل عقليتهم بصورة مختلفة؛ ولا يوجد لدينا ما نشترك به معهم. فهم ضيّقو الأفق ومحدودين، وهم يعتقدون بأن السبب يعود لكونهم قد تشكَّلوا في بوتقة اللغة العربيَّة ولذا فهم يفكّرون بطريقة مختلفة جدا عن الآخرين. والسؤال كيف يحدث ذلك؟ نعم هناك شيء ما ولكنهم لا يستطيعون تحديده بدقَّة. ولكنهم يعتقدون بصورة غامضة أن الأمر يتعلَّق بالاتِّجاهات والمضامين الثقافيَّة القائمة في داخل اللغتين الفرنسيَّة والعربيَّة.
بعض الطلاب الأقدم يرون بأن الطلاب المعرّبين يعانون من ضعف في اللغة الفرنسيَّة، وهم أكثر محدوديَّة وأكثر تديّنا. وفي الواقع فإن التغيُّر السريع يضرب بظّله في داخل الأسرة، لأنَّ عددا كبيرا من الطلاب وصفوا أخوتهم وأخواتهم الأصغر المعربين على هذا النحو من الانغلاق والمحدوديَّة.
فائز، طالب بربري يدرس في قسم التقنيات، وقد رسب في السنة الأولى ووجد نفسه مع الطلاب الجدد المعربين في الفصل. وهو يصفهم بأنهم مختلفون عنه تماما: إنهم مختلفون كليا، أكثر محافظة، منغلقون حول كثير من القضايا. وهم يعانون من ضعف كبير في اللغة الفرنسيَّة. وهم يقولون أشياء محدَّدة ولا يتحدّثون كثيرا. وكنت أجد صعوبة كبيرة في الحديث معهم، وقد لاحظت هذا الأمر فيما يتعلَّق بأخي الأصغر الذي تمّ تعريبه، مع أنني أكبره بثلاث سنوات فقط. إنه منغلق على نفسه، وأنا أعتقد أنه كذلك لأنه يقرأ دائما في الصحافة العربيَّة، ويستمع إلى البث باللغة العربيَّة. وهذا الأمر يجعله مختلفا ويرى ما يحدث في الجزائر والعالم بصورة مختلفة جدا. وهو غالبا ما يهزّ رأسه باستغراب واستنكار عندما يشاهدني أقرأ في صحيفة فرنسيَّة… ولا أعرف لماذا اتَّسعت هذه المسافة الفاصلة بيني وبينه “، وأغلب طلاب السنة الأولى هؤلاء يأخذون هذه الصورة التي قدّمتها عنه “.
أمّا فيما يتعلَّق بأعضاء الهيئة التدريسيَّة، الذين قابلتهم في الجامعات، فقد أعلنوا وجود هذا التباين بين الطلاب المعربين الجدد والطلاب القدامى. لقد أعلن كل مدرس على حدى عن وجود ضعف كبير في المستويات العلميَّة للطلاب جميعا (الجدد والقدامى) في مختلف المستويات. ومهما يكن الأمر فإن التغيُّر في الاتِّجاهات – كما يلاحظ المدرّسون – هو أقل من التغيُّر في المستويات العقليَّة والذهنيَّة. وقد أعربوا أيضا عن انخفاض حقيقي في مستوى المهارات والكفاءات العلميَّة في مختلف القطاعات العلميَّة. وقد أعلن المدرسون أيضا بأن الطلاب الذين يعانون من ضعف في الفرنسيَّة يعانون أيضا من ضعف في اللغة العربيَّة (ضعف عام).
يقول أحد المدرّسين في مجال الهندسة في هذا الصدد: “إنّ ما نعانيه اليوم هو أميَّة لغويَّة ثنائيَّة “– أي الأميَّة في الفرنسيَّة والعربيَّة معا. وقسم من المدرسين يعزي تدني مستوى الطلاب إلى النظام المدرسي المثقل بالأعباء المدرسيَّة الذي لا يمكنه أن يزوّد الطلاب بحاجاتهم الحقيقيَّة إلى المعرفة اللغويَّة والعلميَّة. ففي المدارس المعرَّبة على سبيل المثال يتمّ إقصاء المدرّسين المتميّزين وأصحاب الخبرة وذلك لأنهم لا يجيدون التدريس بالعربيَّة.
ويعلن المدرّسون، من جهة أخرى، بأن النقص الكبير في المستوى التحليلي للطلاب يدفع الطلاب المعربين إلى الوقوع ضحيَّة الخطاب الإسلامي الأصولي. وها هي إحدى أساتذة علم الاجتماع في جامعة الجزائر تهاجم النظام المدرسي المعرب في الجزائر، فتقول “بأن الإسلاميّين اخترقوا النظام التربوي الجزائري خلال خمسة عشر سنة من التعريب، وقد جمع الفريقان جهودهما تحت غطاء التعريب فوضعوا الأطفال في حالة استلابيَّة من غير ثقافة ومن غير روح نقديَّة، لأنهم يعتمدون نظاما تلقينيا صارما يعتمد على مجرَّد الحفظ والترديد والخضوع. وهذا الرأي يتوافق مع رأي عدد كبير من الطلاب والمدرسين.
ومن أجل الاختصار يمكننا القول بأنَّ هذه الدراسة أبرزت عدَّة جوانب هامة في مسألة العلاقة بين الذهنيَّة والعقليَّة والتعريب في الجزائر، لقد ترك التعريب آثاره الواضحة على التوجّهات الثقافيَّة للمتعلّمين في الجزائر. فالتعريب أدَّى إلى غمر النظام التعليمي بالرمزيَّة الدينيَّة الأصوليَّة التي تأخذ أبعادا سياسيَّة هامة في الوقت ذاته. وعندما يؤدِّي التعريب إلى إضعاف اللغة الفرنسيَّة فإن ذلك يؤدِّي إلى تحوّلات دراماتيكيَّة فيما يتعلَّق بالتوجّهات الثقافيَّة والحضاريَّة.
ويمكن في هذا الصدد تقديم تفسيرات مهمَّة حول تأثير التعريب في توليد توجهات فكريَّة أصوليَّة واضحة. فالنظام الرمزي في العربيَّة مختلف عنه في الفرنسيَّة، وهنا يتساءل محمد طالبي، وهو أحد المتخصّصين باللغة الفرنسيَّة، قائلا: لماذا يصعب على مراهق أن يقول لصديقته أنا أحبّك بالعربيَّة ويسهل عليه ذلك بالفرنسيَّة. ويقول آخر في هذا السياق “تمتلك اللغة العربيَّة على ذاكرة رمزيَّة وقد تمّ اصطفاؤها رمزيا بالتفكير الإسلامي. فالعربيَّة سجينة الفكر الإسلامي المقدَّس، وهي بذلك تحوَّلت إلى لغة متواضعة ومحتشمة. فبنية اللغة العربيَّة الخاصَّة تؤثِّر في دارسيها وتنمِّي لديهم مرجعيات تاريخيَّة وثقافيَّة ومعرفيَّة مختلفة كما أنها تنمّي نمطا خاصّا من التفكير والعقلنة.
فالعربيَّة والإسلام متكاملان في الجوهر وأحدهما يعزِّز الآخر وينمّيه، وهما يمثّلان نموذجا ثقافيا بسيطا ينتشر عبر العالم. وفي هذا يقول آن سويلدر Ann Swidler: إن الطلاب المعربين يفضّلون الصحافة العربيَّة والإعلام العربي بصورة عامَّة، وهو إعلام مختلف في توجّهاته الأيديولوجيَّة عن وسائل الإعلام الفرنسيَّة. فالإعلام العربي ينطوي على توجّهات إسلاميَّة مضادَّة للغرب، ولاسيما فيما يتعلَّق بالجوانب السياسيَّة والاجتماعيَّة.
وفي دائرة التحوّلات الجديدة والفوضى الاجتماعيَّة القائمة فإنَّ الطلاب المعربين يميلون أكثر إلى تحقيق الانسجام بين فعالياتهم ونشاطاتهم على أساس المرجعيّات العروبيَّة. فمع تواتر الأزمات وتعمّقها يختار الطلاب المعربين مواقعهم وفقا للتصوّرات التي تقدّمها لهم اللغة العربيَّة بمضامينها الإسلاميَّة. وهنا تبرز أهميَّة الرمزيَّة الإسلاميَّة والقيم الثقافيَّة التي تتَّصل بها.
وفي دائرة التحوّلات الجديدة والفوضى الاجتماعيَّة القائمة فإنَّ الطلاب المعربين يميلون أكثر إلى تحقيق الانسجام بين فعالياتهم ونشاطاتهم على أساس المرجعيّات العروبيَّة. فمع تواتر الأزمات وتعمّقها يختار الطلاب المعربين مواقعهم وفقا للتصوّرات التي تقدّمها لهم اللغة العربيَّة بمضامينها الإسلاميَّة. وهنا تبرز أهميَّة الرمزيَّة الإسلاميَّة والقيم الثقافيَّة التي تتَّصل بها.
وهذه التصوّرات تجد صداها في رؤى كل من جيروم برونر Jerome Bruner، جوزيف كليك Joseph Glick، وجاكسبون R. Jakobson، وإدوارد سابير Edouard Sapir، وبينجامين هورف Benjamin Whorf,، الذين يعتقدون بأن اللغة تفرض نسقا من المضامين الفكريَّة والمعرفيَّة التي تجعل الأفراد يتمثّلون نسقا رمزيا خاصّا بعمليَّة التفكير والتواصل والنظر.
وهنا يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن الطابع الرمزي للغة العربيَّة يضاعف من سطوتها وسلطتها ويجعلها كما يقول أندرسون “لغة الحقيقة “. وهذه القوة الرمزيَّة والسلطة المعنويَّة المقدَّسة تجعل اللغة العربيَّة أكثر قدرة على مناهضة التغيير والتحديث. واللغة العربيَّة وفقا لهذا التصوّر غير قادرة على مجاراة الحداثة لأنها مشحونة بطاقة رمزيَّة دينيَّة مقدَّسة.
ومع الأخذ بعين الاعتبار ضعف الطلاب المعربين في اللغة الفرنسيَّة فإنهم يدركون مع ذلك أهميَّة اللغة الفرنسيَّة وتألقها في المجالات العلميَّة والتقنيَّة. ويدركون أيضا بأن أكبر المؤسَّسات في المجال الاقتصادي تزدهر باللغة الفرنسيَّة. وهؤلاء الطلاب المعربين الذين يملكون ثقافة فرنسيَّة سطحيَّة جدا وينتشرون في الأقسام العلميَّة الحديثة هم هؤلاء الذين سيصبحون أرباب السياسة في المستقبل.
فتعريب التعليم يقتضي مشاركة عدد كبير من المدرسين والكتب والمناهج والبرامج التربويَّة. وهذا يؤدِّي إلى إضعاف المستويات الثقافيَّة، لأن أكثر المدرّسين كفاءة لا يجيدون اللغة العربيَّة، وهذا اقتضى إبعادهم عن المدارس المعربة إذ تمّ استبدالهم بآخرين أقل كفاءة وجدارة فقط لأنهم يجيدون العربيَّة. وهؤلاء المدرّسين المعربين ينتسبون غالبا إلى الثقافة التقليديَّة والإسلاميَّة. فالكتب العربيَّة بعيدة عن الطابع الحداثي والعلمي، وهي لا تقارن بالتنوّع الكبير الذي نجده في المناهج الفرنسيَّة. فالثقافة الفرنسيَّة تنمّي في الطفل العقل النقدي والروح الجمعيَّة، بينما تركز التربيَّة العربيَّة على التلقين والاستظهار، وتعمل على إضعاف الحسّ النقدي والمعرفي عند الطفل. وهذا يعني أن المناهج التربويَّة العربيَّة تعطِّل الطاقة النقديَّة للطفل وتجعله أقل نشاطا وفاعليَّة في عمليَّة اكتساب المعرفة مقارنة بالمناهج الفرنسيَّة التي تؤكِّد على روح النقد والفعاليات الذهنيَّة والعمليَّة.
والمناهج العربيَّة بصيغتها التلقينيَّة هذه تجعل الطلاب غير قادرين على امتلاك المعرفة الحقيقيَّة، وتجعلهم غير قادرين على التعبير بحريَّة، كما تضعف فيهم الحسّ النقدي والقدرة على التحليل الذهني وتضعف فيهم الطاقة الإبداعيَّة.
وهؤلاء الطلاب خريجو المدارس العربيَّة غالبا ما يردّدون عبارة “أنا موافق” في أكثر المناقشات، وهم بالتالي يتردّدون بسهولة ولاسيما في مراحل الأزمات الاجتماعيَّة والسياسيَّة، وهذا ناجم عن طبيعة التسلّط الذي نجده في الخطاب التربوي المعرّب الذي يقتضي الخضوع التقليدي ويفرضه كما يفرض القبول الصاغر للعقائد الدوغماتيَّة الصرفة.
وكما كان يحدث للشباب الجزائري في الستينات، الذين كانوا يقرؤون الأدب السياسي اليساري بنهم، فإن كثيرا من الطلاب المعربين يقرؤون ويستهلكون النصوص الإسلاميَّة باللغة العربيَّة. وهنا يمكن القول بأنّ الاتصال الواسع مع الشرق العربي ومع اللغة العربيَّة بمضامينها الإسلاميَّة أدّى إلى توليد نمط من الخطاب الإسلامي المتطوّر، وإلى تحريك المناقشات الحامية حول الإسلام والأصوليَّة في الجزائر.
خلاصة:
تعمل كل دولة عربيَّة، بغض النظر عن توجّهاتها السياسيَّة والاجتماعيَّة، على استخدام الطاقة الرمزيَّة للغة العربيَّة في عمليَّة التحديث الوطني وبناء الوحدة الوطنيَّة. ويجري النظر إلى اللغة العربيَّة والنظام التربوي على أنهما ضروريان من أجل هذه المهمّة، ولكن التعريب يضع هذه البلدان في مواجهة تاريخيَّة مع الأصوليَّة الإسلاميَّة نظرا لطبيعة العلاقة الوجوديَّة المباشرة بين اللغة العربيَّة والعقيدة الدينيَّة. فالتعريب ينتج الامتثال إلى التقاليد الدينيَّة والأصوليَّة الدينيَّة التي تتجاوز حدود عقلانيَّة الدولة وعلمانيتها. وهذا الأمر يمكن ملاحظته حتى عند القوميين العرب العلمانيين في العراق وسوريا الذين يلجؤون إلى الرمزيَّة الإسلاميَّة من أجل ترسيخ مشروعيتهم السياسيَّة والسيطرة على الجماهير كما هو الحال لدى القيادة العراقيَّة في زمن صدام حسين التي وظّفت الرمزيَّة الدينيَّة في حربها ضدّ الولايات المتحدة الأمريكيَّة.
ومن هنا فإن القوميين العرب، ومن غير قصد، يعزّزون النزعة الأصوليَّة الإسلاميَّة. وفي الواقع يمكن القول بأن صعود الأصوليَّة اليوم يجسِّد نتاجا طبيعيا للسياسات القوميَّة العربيَّة منذ ثلاثين عاما.
وهذا المنطق يفسِّر لنا ما يجري في الجزائر أيضا في مستوى عمليَّة بناء الهويَّة الوطنيَّة، حيث قام الوطنيون، الذين وصلوا إلى السلطة في عام 1962، بتعزيز العربيَّة والقيام بعمليَّة التعريب على نحو شامل، وقد أدَّى هذا التعريب إلى نتائج غير مرغوبة في مستوى بناء الهويَّة الوطنيَّة، فكثير من الطلاب الجزائريين لا يتماهون بهويتهم الجزائريَّة أو العربيَّة اليوم بل يتماهون بهويتهم الإسلاميَّة الأصوليَّة. وهذا الأمر ينسحب على البربر من الجزائريين أيضا، فأبناء هؤلاء الذين كانوا أكثر قربا من الغرب وعداوة للأصوليَّة، يتمثّلون الآن اتجاهات أصوليَّة إسلاميَّة كنتيجة طبيعيَّة لعمليَّة تعريب التعليم التي خضعوا لها في الجزائر المعرّبة.
تعقيب نقدي :
لا يمكننا أن ننكر الأهميَّة السوسيولوجيَّة الكبيرة لهذه الدراسة التي تناولت موضوعيا العلاقة بين اللغة والدين الإسلامي في التعليم العالي في الجزائر. فالدراسة كما أسلفنا تنتسب إلى علم اجتماع اللغة وتضيء جوانب مهمَّة في طبيعة العلاقة بين الإسلام واللغة العربيَّة. وبالمقابل يجب علينا أن نتحفَّظ على أغلب الفرضيات والاستنتاجات العلميَّة والتفسيرات التي أعطيت لنتائج هذه الدراسة. فالدراسة تنطوي على مضامين أيديولوجيَّة معادية للثقافة الإسلاميَّة ومعادية للهويَّة العربيَّة الإسلاميَّة.
نعم لا يستطيع أحد في الدنيا أن ينكر الطابع الديني للغة العربيَّة أو الطابع العروبي للعقيدة الإسلاميَّة فاللغة العربيَّة جوهرة الدين الإسلامي، والدين الإسلامي يشكل حصنها الحصين. وما كان لأحدهما أن ينطلق دون الآخر ، فالعلاقة بين الإسلام والعربيَّة علاقة جوهريَّة صميميَّة لا تنفصم عراها.
فالباحث (كوفمان) يضع اللغة العربيَّة في قفص الاتهام بوصفها لغة أصوليَّة إسلاميَّة مضادَّة للعلم والحضارة. وقد جهل أو تجاهل بأن اللغة العربيَّة شكَّلت مهدا للحضارة الإنسانيَّة ومنطلقا لها في العصور الوسطى، ونسي أيضا بأن لغة الضادّ شكَّلت الحاضن الرئيس للحضارة العربيَّة ، وأن الغرب قد نهل حتى الثمالة من أبجدياتها الفكريَّة والعلميَّة. وقد جهل الباحث أيضا بأن العربيَّة تشكّل جوهر الهويَّة العربيَّة في الجزائر فالجزائر عربيَّة الهوى والدين. وكأنه لم يقرأ تاريخ الجزائر العروبي، ولم يسمع أنشودة الإمام عبد الحميد بن باديس التاريخيَّة التي تقول[2]:
شَعْـبُ الجـزائرِ مُـسْـلِـمٌ وَإلىَ الـعُـروبةِ يَـنتَـسِـبْ
مَنْ قَــالَ حَـادَ عَنْ أصْلِـهِ أَوْ قَــالَ مَـاتَ فَقَدْ كَـذبْ
هَـذَا نِـظـامُ حَـيَـاتِـنَـا بالـنُّـورِ خُــطَّ وَبِاللَّـهَـبْ
حتَّى يَعودَ لـقَــومــنَـا من مَجِــدِهم مَــا قَدْ ذَهَبْ
هَــذا لكُمْ عَـهْــدِي بِـهِ حَتَّى أوَسَّــدَ في الـتُّـرَبْ
فَــإذَا هَلَكْتُ فَصَيْـحـتـي تَحيـَا الجَـزائـرُ وَ الْـعـرَبْ
وكان حري بالباحث أن يعلن بأن العربيَّة هويَّة الجزائر وروحها وأنّ اتهام العربيَّة اتهام لشعب الجزائر وحضارته وتاريخ وهويته.
مما لا شك فيه أن العلاقة جوهريَّة وصميميَّة بين الدين الإسلامي واللغة العربيَّة، ولكن هذه العلاقة كانت غالبا علاقة سمو وعطاء وتسامح وبذل وإيثار وتضحيَّة وخلق ومجد وكرم، ولم تكن علاقة تشدد وتصلب وتعصب وانحراف وتقوقع وانغلاق. فاللغة العربيَّة بطبعها لغة الجمال والمحبة والتسامح والإيثار والكرم لأن العربيَّة نشأت في حاضن تاريخي قوامه المحبة والتسامح، وكذلك هو الدين الإسلامي الذي بعث بالنبي الأكرم رحمة للعالمين .
فالتعصّب والأصوليَّة حالة طارئة على اللغة والإسلام وليست منهما في شيء يعود إلى طبيعتهما. وإذا كان الباحث كوفمان قد لاحظ وجود علاقة بين اللغة العربيَّة والتعصّب والانكماش والأصوليَّة فهذا أمر عارض وليس جوهريا أو أصيلا في طبيعة العلاقة بين اللغة العربيَّة والإسلام.
التعصّب والأصوليَّة حالة طارئة على اللغة والإسلام وليست منهما في شيء يعود إلى طبيعتهما. وإذا كان الباحث كوفمان قد لاحظ وجود علاقة بين اللغة العربيَّة والتعصّب والانكماش والأصوليَّة فهذا أمر عارض وليس جوهريا أو أصيلا في طبيعة العلاقة بين اللغة العربيَّة والإسلام.
وكان حريا بالباحث أن يتقصَّى تأثير الوضع الثقافي في اللغة وليس العكس أو أن يتناول العلاقة الجلديَّة بين الجانبين. فاللغة الأصوليَّة تكون نتاجا لوضع أصولي بالدرجة الأولى، واللغة العلميَّة تأتي نتاجا لأوضاع علميَّة وحضاريَّة. فلغة ابن سينا والفارابي وابن خلدون والبيروني وابن الهيثم وابن رشد والجابري وابن زهر وآلاف من المفكّرين العرب والمسلمين كانت لغة علم وفلسفة ومعرفة أضاءت الدنيا وبدَّدت ظلام العالم. وهذا يعني بالضرورة أن لغة التعصّب ليست من طبيعة العربيَّة أو من طبيعة الإسلام بل هي من طبيعة الظروف الاجتماعيَّة والسياسيَّة التي فرضتها عوامل الظلم والقهر الاستعماريين في الجزائر وفي العالم العربي.
لقد أضعف الفرنسيّون اللغة العربيَّة وهمّشوها، وأضعفوا الشعور الديني وهمّشوه أيضا من أجل إضعاف الجزائر والهيمنة على وجودها ومقدراتها واستلاب هويتها الوطنيَّة. وإذا كانت اللغة العربيَّة اليوم أصوليَّة معاديَّة لمعطيات الحضارة الغربيَّة فتلك هي ردّة فعل آنيَّة ضد الظلم والاستعمار والقهر والذل والعار ودفاعا عن الهويَّة العربيَّة الإسلاميَّة ، وهذا لن يبقى طويلا عندما تستعيد الأمّة ثقتها بلغتها وحضارتها وعقيدتها الإسلاميَّة.
لقد تجاهل الباحث أو جهل أن الفرنسيين أخمدوا قدرة اللغة العربيَّة على النهوض علميا فبدّدوها وحاربوها ودمّروا حصونها وهم بهذا كانوا يدمرون الهويَّة والدين والحضارة في الجزائر. فواقع التخلف في الجزائر وانتعاش الأصوليات نتيجة طبيعيَّة لسياسيَّة التهميش والقهر والإذلال وتدمير الهويَّة التي مارسها الاستعمار الفرنسي وما زال خلال ما يقارب اليوم قرنا من الزمن.
وباختصار نقول بأن التفسيرات التي أعطيت للبحث تفسيرات أيديولوجيَّة مشبعة بالمغالطات والنظرات السوداويَّة المسبقة المعاديَّة للغة العربيَّة والدين الإسلامي في الجزائر. وكان يمكن للباحث أن يفسر النتائج في ضوء تاريخ الجزائر والممارسات الاستعماريَّة التي وضعت لغة الجزائر وهويتها وعقيدتها في أقفاص الاتهام. ولو كان الباحث منصفا لوضع الممارسات الاستعماريَّة الفرنسيَّة ضد اللغة والدين الإسلامي في قفص الاتهام بدلا من التاريخ والهويَّة والإسلام. وسأسمح لنفسي في خاتمة هذا التعقيب أن أردِّد قول الشاعر الفلسطيني في معرض الرد على هذه الهجمة الرعناء ضد اللغة العربيَّة واللغة إذ يقول:
في قرون الهمجيَّة علموها كل أنواع اللغات الأجنبيَّة
سلبوها لونها ….. سلبوها زيها …..سلبوها عزها
وغداة اعتقلوها من جديد … سألوها ما اسمك يا بنت
فردت في هدوء ورويَّة: عربيَّة .عربيَّة.عربيَّة.عربيَّة .
وخير ما نختتم به هذه الرؤية النقديَّة قبس من خطاب العلامة الجزائري الشيخ محمد البشير الإبراهيمي إلى الجزائريين، إذ يقول: “لو لم تكن اللغة العربيَّة لغة حضارة و عمران، ولو لم تكن لغة متّسعة الآفاق غنيَّة بالمفردات و التراكيب، لما استطاع أسلافكم أن ينقلوا إليها علوم اليونان وآداب فارس والهند، ولألزمتهم الحاجة إلى تلك العلوم تعليم تلك اللغات، ولو فعلوا لأصبحوا عربا بعقول فارسيَّة وأدمغة يونانيَّة، ولو وقع ذلك لتغيّر مجرى التاريخ الإسلامي برُمته، ولو لم تكن اللغة العربيَّة لغة عالميَّة لما وسعت علوم العالم، وما العالم إذ ذاك إلا هذه الأمم التي نقل عنها المسلمون” [3].
[1] – James Coffman , La langue arabe, encourage-t-elle l’intégrisme islamique , the middle Est Quartely , Décembre 1995 , Volume II: Number 4. http://www.meforum.org/2132/langue-arabe-encourage-integrisme-islamique Translation of the original text: Does the Arabic Language Encourage Radical Islam? Adaptation française: Zoubir Djabri (aqvayli.com).
[2] – الإمام عبد الحميد بن باديس (1307-1358 هجريَّة) الموافقة لـ (1889–1940) من رجالات الإصلاح في الوطن العربي ورائد النهضة الإسلاميَّة في الجزائر، ومؤسس جمعيَّة العلماء المسلمين الجزائريين.
[3] – آثار محمد الشير الإبراهيمي . ط1، بيروت : دار الغرب الإسلامي ، 1997، ص376.
*المصدر: التنويري.