المقالاتفكر وفلسفة

كتاب الدرس الفلسفي في المدارس الدينيَّة

الفلسفة

كتاب الدرس الفلسفي في المدارس الدينية[1]

د. عبد الجبار الرفاعي

الدهشة بصيرة الفلاسفة، يندهش الفيلسوفُ بالأشياء التي تحسّها هامشيةً وبسيطة وعابرة، ليغوص فيها ولا يخرج منها إلا بأسئلةٍ مجهولة وإجابات ذكية. تنبعث الفلسفةُ لحظةَ إيقاظ العقل وانبعاثِ الأسئلةِ العميقة في الوعي. ‏الإنسان الذي يندهش، وينقد، ويتأمل، ويتساءل أسئلةً كبرى، لديه استعداد لأن يكون فيلسوفًا. لا معنى للفلسفة من دون النقد العميق، والأسئلة الكبرى. الفيلسوف يمارس النقد العقلي بلا قيود وحدود، تتوالد أسئلتُه في سياق النقد،كما يتوالد نقدُه في سياق أسئلته. يلبث الفيلسوفُ يفكّر في جواب لا ينتهي إليه إلا بعد تأمل، وتمحيص، ونقض الإجابات المتهافتة المختلفة. النقد بوابةُ الدخول للتفكير الفلسفي، نشر فيلسوفُ الأنوار كانط أعمالَه الأساسية، وهو يصدّرها بكلمة نقد: “نقد العقل الخالص” 1781، و”نقد العقل العملي” 1788، و”نقد ملكة الحكم” 1790 ، على التوالي، وخلص من هذه الأسفار العقلية الصبورة إلى نشر كتابه الثمين: “الدين في حدود العقل” 1793.

 الفلسفةُ إيقاظٌ متواصل للعقل، وتحريرٌ له من تسلط المعتقدات، والأيديولوجيات، والهويات، والخرافات، والأوهام، والسلطات بأنماطها المتنوعة. التفكير الفلسفي يبدأ لحظة يتحرّر العقلُ من أنماط الوصايات المتنوعة، والبداهات غير البديهية. تتجلى قوةُ العقل في معرفته لحدوده، وقدرته على التفكير داخلَ فضائه، والخلاص من أوهامه، ومما هو زائف من أحكامه. التفكيرُ الفلسفي على الضدّ من الاعتقاد النهائي المغلق، التفكيرُ الفلسفي متحرّر من الحدود والقيود والشروط والأسوار المغلقة.

 كلُّ شيء يخضع لمُساءَلة العقل ونقده وتمحيصه، العقل نفسه يخضع لمساءلةِ العقل، وتمحيصِ مفاهيمه، وغربلةِ أحكامه، وطريقة تعريفه لنفسه، وتفسيره لحقيقة معرفته، ومصادرها، وقيمتها. لا يضع الحدودَ للعقل إلا العقلُ، العقل يرسم حدودَه وما هو داخلٌ في فضائه، ويتدخل ببيان حقيقةِ ما هو خارج حدوده. لا يصدق التفكيرُ فلسفيًّا إلا لحظةَ يكتفي العقلُ في تصديقاتِه وحججِه وأحكامِه بذاته، فيكون هو مرجعية تمحيصِ تفكيره، ومرجعية ما سواه، والحكم عليه إثباتًا أو نفيًا. عندما يصمت العقلُ ويكفُّ عن وظيفته، تدخلُ الروحُ والعاطفةُ في متاهات. العقل يريد ألا نستمع منه إلا إلى صوته الخاص، من دون أن تشوّش عليه وتربكه وتنهكه أصواتٌ خارجَ حدوده. العقل يحكم بعدم إمكان أن يتخلصَ الإنسانُ من تأثيرٍ خفيّ لذاته وعواطفه ومشاعره والمحيط الذي يعيش فيه بشكلٍ تام. العقل يحكم بوجود الدين في الحياة ويحدّد مجالاته، ووجود المتخيّل ويحدّد مجالاته، والمثيولوجيات والأساطير ويحدّد مجالاتها، ويعلن بأنها من الثوابت الأبديَّة في الثقافات البشرية. العقل هو الذي يتولى تصنيفَ وتوصيفَ هذه الموضوعات ويحكم عليها إثباتًا أو نفيًا، ويرسم خرائطَها ويضع حدودَها.

 الإنسانُ واحدٌ بالرغم من أنه متعدّد، متعدّدٌ بالرغم من أنه واحد. طبيعة الإنسان تتَّسع للوحدة والتفاعل الحيوي للعاطفة والروح والعقل. ‏هذه الوحدة أحيانًا يتغلب فيها أحدُ العناصر ويتراجع دورُ العناصر الأخرى. في الفلسفة يتغلب العقلُ ليصير هو المرجعية في الحكم والقرار، وبتغلُّبه يتحقق التفاعلُ الخلّاق بين العقل والروح والعاطفة. يضع العقلُ الروحَ والعاطفةَ في حدودهما، وهو الذي يصحّح المسارَ لهما على الدوام. تنحسر مرجعيةُ العقل في مجتمعاتٍ غير متعلمة تتفشى فيها العبوديةُ الطوعية، واستعبادُ الوعي، والانقيادُ الأعمى، وتخديرُ الضمير الأخلاقي. العاطفة والروح تعملان بخفاءٍ للتأثير في العقل، والتحكّم بتفسيراته وصناعة أحكامه وقراراته. يعود سوءُ الفهم بين الفلاسفة وطرائق فهمهم إلى تأثير الذات والعاطفة والروح في تفسيرات العقل وأحكامه، على الرغم من أن الفلاسفة هم الأكثر صرامةً في اعتمادِ العقل والعملِ على توظيفه في كلِّ شيء. لا خلاف في الفلسفة حول كون العقل هو الذي يرسم حدودَه، ويحدّد وظيفتَه، ويكتشف مصادرَ معرفته. الخلاف بين الفلاسفة أنفسهم حول حدود العقل، وماهية هذا العقل وتعريفه، ومجالاته، وكيفية إدراكه، ونوع مدركاته.

العقلُ الفلسفي هو الذي أولدَ العقلَ الحديث، تَوالدَ هذا العقلُ وتشكّل في فلسفة فرنسيس بيكون وديكارت وكانط وغيرهم من الفلاسفة، فكان العقلُ الفلسفي الحديث باعثًا أساسيًّا على وضع التاريخ البشري في مسارٍ جديد، غادر فيه حالتَه الرتيبة التكرارية الطويلة، بعد أن لبثت البشريةُ آلاف السنين لم تحقّق المكاسبَ العلمية من الاكتشافات والاختراعات والتكنولوجيات المنجزَة في القرون الثلاثة الأخيرة، وتحول عبرها الإنسانُ من الآلات اليدوية إلى المحرِّكات الحديثة، ومن وسائل النقل البدائية إلى القطار والسيارة والطائرة ووسائل النقل المتطورة. وهكذا تواصلت هذه المكاسبُ بقفزات على شكل منعطفات، إلى أن وصلنا إلى هندسة الجينات، وتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي والروبوتات.

كانت الفلسفةُ وستبقى تتفاعل مع النظريات العلمية والاكتشافات، تؤثر وتتأثر بها، تستجيبُ لما يستجدّ من اكتشافات في الفلك والفيزياء والأحياء وغيرهما من العلوم. لعلم الفلك الحديث، الذي بدأ مع كوبرنيكوس (1473 – 1543) ونظريتِه في مركزية الشمس ودوران الأرض والأجرام الأخرى في المجموعة الشمسية حولها، أثرٌ مباشرٌ على التفكير الفلسفي والميتافيزيقي في أوروبا من بعده، وهكذا تأثر هذا التفكيرُ بقوانين الحركة والجاذبية العامة في فيزياء نيوتن (1642 – 1727)، كما تأثر لاحقًا بفيزياء الكوانتم لماكس بلانك (1858 – 1947)، والنظرية النسبية لأينشتاين (1879 – 1955)، وقبل ذلك تأثر بنظرية التطور لتشارلز داروين (1809 – 1882).

 الفلسفة لا تنتهي ولن تتوقفَ مادام الإنسانُ يندهش، ويفكّر، ويتساءل، ويشكّك، ‏ ويناقش، ويتحاور، ويختلف. لا تمثل الفلسفةُ مرحلةً من مراحل تطور الوعي، الفلسفةُ تواكبُ الوعيَ ولا تتخلّف عنه، حتى لو سادَ العلمُ الحياةَ. العلمُ يطرح على الفلسفة أسئلتَه ومشكلاتِه العويصة، وما يعجزُ عن اكتشافِ طرق الخلاص منه في فضاء المادة والمحسوس والتجربة، الفلسفةُ لا سواها مَنْ يجيب عن ذلك. لم يولد العلمُ إلا ‏في أحضان الفلسفة، تظلّ الفلسفةُ تواكبُ العلم، تتغذّى بأسئلته الحائرة، ومشكلاتِه وأزماته خارجَ حدود المادة والتجربة، وترفده وتغذّيه بالأجوبة والحلول والرؤية لما تنتجه تطوراتُه من تساؤلات، ومشاكلَ معقدة، وأزماتٍ روحية وأخلاقية ونفسية ومعرفية، سواء أكانت هذه المشكلات والأزمات فرديةً أم مجتمعية. لن يكتفي العلمُ بذاته ويستغني عن الفلسفة، مهما بلغ تقدُّمُه وتنوعت وتراكمت نتائجُه. حين يفكر الفيلسوفُ يقدّم تفسيرًا يتجاوز سطحَ الأشياء والظواهر، يحاول أن يفسّر حقيقةَ العلم وماهيته، ويقدم إجابات لمشكلات العلم وأسئلته العميقة خارجَ حدوده. الفيزياء والكيمياء والعلوم المختلفة تنشغل باكتشافِ قوانين الطبيعة ومعادلاتِها، ولا تعرف حقيقةَ ذاتها، ولا تعرف حقيقةَ العلم وماهيته. الفيلسوف يحاول أن يفسّر حقيقةَ الوجود والظواهر والأشياء والعلوم وماهيتَها، مما هو خارج حدود العلم.

الفلسفةُ تتطلب مَن يمتلكُ موهبةَ التفلسف، التفلسفُ وعيٌ عقلي تأملي عميق، لا يجيده كلُّ عقل، يحتاج التفلسفُ عقلًا ذكيًّا فطنًا مندهشًا متسائلًا. الموهبةُ لا تكفي وحدَها، يتطلب التفلسفُ إنفاقَ سنوات طويلة في التعلُّمِ، وترويضِ الذهن وتدريبه على التفكير الصبور، والشكِّ، ومساءلةِ المسلّمات وغربلتها، وتمحيصِ ما تَسَالم الناسُ على أنه من البداهات،كما يحتاج كلُّ علم ومعرفة وفنّ إلى التعلّم، والتفكير، والمران المتواصل. مَنْ يريد تعلّمَ التفلسف عليه أن يصغي لأحد المعلّمين الماهرين للفلسفة.

تعليم الفلسفة تعليم التفكير الفلسفي، لا يتفلسفُ الإنسانُ بتعلم تاريخ الفلسفة. التفلسف يتطلب التعرفَ إلى مفاهيم وآراء الفلاسفة الكبار في العصور المتوالية، بغضّ النظر عن اتجاهاتهم، ومواطنهم، ومسائلتها، والحوار معها. تراكم المعلومات وتكديس الإجابات لا يوقظ بالضرورة العقل، غير أن سؤالًا عميقًا واحدًا يمكن أن يوقظه، إن كان العقلُ نابهًا. تدريب التلميذ على النقد والتساؤل ضروري لبناء مَلَكة النقد والتفكير الإبداعي. تَعلُّمُ التلميذِ التفلسفَ هو تعلُّمُ التساؤل والتفكير النقدي، وليس استِظهار النصوص، والمزيد من حفظ آراء الفلاسفة وتكرار أسمائهم. طريقة تعليم التفلسف تعني تدريبَ الذهن على التأمل العميق والتريث في التفكير، والتوقفَ عن إصدار الأحكام المتعجّلة قبل الفهم والتفسير والتحليل والتمحيص، والنظرَ للفلسفة بوصفها إيقاظًا للعقل بالتساؤل والنقد، وغربلةً للوثوقيات والجزميات.

العقلُ الفلسفي ينبغي أن تكون آفاقُه رحبة، يفكّر خارجَ المعتقدات والهويات والأيديولوجيات المغلقة. الأُطر المقيِّدة للتفكير العقلي الحرّ تمارس تَمْويهًا بعنوانات مراوغة عبر الأدب والفن والدين، وأخطر أشكال التمويه عندما تتخفى المعتقداتُ والأيديولوجيات والهويات وتفرض أحكامَها وراء قناع الفلسفة والعلم والمعرفة. العقلُ الفلسفي قلَّما يتوطن في بيئة الثقافة الشعرية، الفلسفة تعكس أعمقَ تجليات العقل البرهاني، الشعر يتوالد ويزدهر في فضاء المخيّلة، ويعاند العقلَ البرهاني. إن كانت البيئةُ فلسفيةً بالأصل، كما في ألمانيا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، تصبح بيئةً خصبة لظهور شعراء يبدعون شعرًا مشبعًا برؤيا فلسفية، على غرار هولدرلين (1770 – 1843) في ألمانيا. وإن كانت بيئةُ الثقافة شعريةً بالأصل فنادرًا ما نرى فيها ولادةَ فيلسوف، كما في تمركز الثقافة العربية على الشعر قبل الإسلام. الإنتاج الثقافي للبيئة يشبهها، في البيئة الفقيرة عقليًّا تسود ثقافةٌ تخيّلية، في البيئة الخصبة عقليًّا، تزدهر المعرفةُ المركبة العميقة. بعد عصر البعثة توالد التساؤل والنقد والتفلسف في التفكير الديني لدى المسلمين في سياق تأويلهم لآيات القرآن الكريم الاعتقادية، وما ولد في آفاقها من أسئلةٍ حول القضاء والقدر، وغير ذلك من المعتقدات. إثر ذلك ظهرت المدارس الكلامية المعروفة في القرون الأولى، وظهرت الفلسفة، فكان الكندي (185 هـ/805 – 256 هـ/873)، والفارابي (260 هـ/874 – 339 هـ/950)، وابن سينا (370 هـ /980 – 427 هـ /1037)، وغيرهم من الفلاسفة في الإسلام.

     ‏‏ ما ينقل الذهنَ للتفكير الحرّ خارجَ الأسوار المغلقة هي الكتابةُ الفلسفية التي تدعو للتفكير ضدّ المألوف والسائد بلا دليل. لا تظهر قيمةُ الكتابةِ الفلسفية بمقدار ما تنتجُه من إجاباتٍ مكرّرة، قيمة هذه الكتابة بقدرتها على تحريض العقل على توليد أسئلةٍ عميقة، يتطلب الخوضُ فيها الكثيرَ من التأمل والتفكير غير المتعجِّل. لم تشهد المكتبةُ الفلسفية العربية غزارةً في الإصدارات كما يحدثُ في السنوات الأخيرة نتيجةَ تعدّدِ المؤسسات الراعية للترجمة، والمبادراتِ الفردية والجماعية في التأليف، واتساعِ التعليم العالي وكثافةِ وتنوع رسائل الماجستير والدكتوراه في الدراسات العليا للفلسفة، والنشرِ الورقي والإلكتروني.

 غزارةُ المطبوعات الفلسفية وتنوّعُها بقدر ما يثري المكتبةَ الفلسفية كميًّا، إلا أنه قلّما يكشف عن عمق التفكير الفلسفي والخروجِ من تكرار الشروح، وشروح الشروح، والتعليقات الانطباعية، وأحيانًا العبثية، على أقوال الفلاسفة. لا يدلّنا رواجُ سوق كتابٍ على فرادته وقوة مضمونه، ولا تعني غزارةُ الكتابة وكثافةُ الإصدارات القدرةَ على التأملِ والتفكيرِ المتمهل، وامتلاكِ البصيرة الثاقبة. أعرفُ مَنْ يتحدث ويكتب بغزارة في الفلسفة من دون أن يدرسَ أو يقرأ أيَّ نصٍّ فلسفي، وكأن الكتابةَ والحديثَ في الفلسفة أمست مهنةَ مَنْ لا مهنةَ له. يتفلسف بعضُ هواة الفلسفة بحفظ النصوص، وهو لا يدري أن الحفظَ شيءٌ والتساؤلَ والتفكير النقدي والإبداع شيءُ آخر. الكتابةُ والحديث في الفلسفة يمارسها مثل هؤلاء من دون أيّ تأهيل أكاديمي، ولا قراءات معمّقة لتراثنا الفلسفي والفلسفة الحديثة. لستُ ضدّ تبسيط الفلسفة وتيسيرها للقراء، غير أن لغةَ الكتابة يفرضها نوعُ مفاهيمها، وغايةُ تفهيمها. تبسيطُ المعارف والعلوم الذي يتولاه خبراء في كلِّ حقل ضرورةٌ لفهمها وتنمية الوعي المجتمعي. ‏التدريس مثلًا ضربٌ من التبسيط، إشاعةُ المعرفة تتطلب تبسيطًا يتولاه المتخصِّصُ في كلِّ حقل معرفي، تبسيطُ غير المتخصِّص لأيّ علم ومعرفة يزيّفها.                                                                                 

إصداراتُ الكتب والدوريات التي تحملُ عنوانات فلسفية لا أقرأ فيها غالبًا رؤيةً فلسفية، ولا أرى أكثرَها يتحدث لغةَ الفلسفة. عندما يصادفني كتابٌ أو مقال فلسفي يتحدث لغةَ الفلسفة وينقد ويتساءل أشعر كأني عثرتُ على كنز مفقود. يبهرني العقلُ اليقظ البارع بمحاكمته لآراء فلاسفة كبار وتقويضه لها، مثلما تبهرني براعتُه ببناء رؤىً فلسفية ينفرد بها، وإن كنتُ لا أتفق مع كلِّ نقاشاته وأدلته ورؤاه وآرائه ونتائجه. ليس المهمّ أن نتفق أو نختلف مع طريقة تفكير مَنْ يتفلسف ومحاججاته وتقويضاته ونتائجه، المهم أن نقرأ عقلًا يفكِّر فلسفيًّا بطريقته الخاصة، ويكتب الفلسفةَ بلغة الفلسفة. الفيلسوف يفرض على قارئ الفلسفة المتمرّس الاعترافَ بعبقريته الفلسفية. عبقريته يعكسها خروجُه على طريقة التفكير المتداولة، ولأكثر مَنْ نقرأ لهم من كتّاب اليوم.

بعض مَن يكتبون تحت عنوانات فلسفية يراكمون عنواناتٍ بلا مضمون فلسفي، يكتبون موضوعاتٍ عويصة، وهم عاجزون عن التفلسف وخلق الأسئلة الفلسفية. تتكدّسُ في كتاباتهم كلماتٌ تتخبّط في دلالتها ولا تفصح عن وجهتها، لا تقرأ فيها ما يشي بشيءٍ يصنَّف على الفلسفة. في أقسام الفلسفة بجامعاتنا قلّما نجد أستاذًا يتفلسف خارج النصِّ الذي يقرّره لتلامذته، مَنْ يعجز عن التفلسف يعجز عن تعلّم الفلسفة وتعليمها، التفلسفُ غايةُ تعليم كلّ فلسفةٍ تنشد لنفسها إيقاظَ العقل.

كتابُ: “الدرس الفلسفي في المدارس الدينية” وُلد في سياق مخاضٍ طويل لكاتبه في دراسة الفلسفة وتدريسها لمدة طويلة تجاوزت الأربعة عقود من حياته. تمخَّضت هذه الممارسةُ بتعليم الفلسفة عن رؤيةٍ تقدم للقارئ تقويمًا لواقع الدرس الفلسفي في الحوزة وآفاق انتظاره، وقراءةً تواكب الدورَ الذي اضطلع به العلامة محمد حسين الطباطبائي ببعث الفلسفة في معاهد التعليم الديني، وتنمية نطاق تدريسها والكتابة فيها، وحضورها اللافت عبر مؤلفاته، وما نسجه تلامذتُه من تعليقات وشروح لتلك المؤلفات، وأثرهم في تعليم الفلسفة داخل معاهد التعليم الديني والجامعات.


[1]

*مقدمة كتابي الجديد الصادر أخيرًا عن منشورات تكوين الكويتية، ودار الرافدين العراقية، بعنوان: “الدرس الفلسفي في المدارس الدينية”. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات

شاهد أيضاً
إغلاق