دراسة عن النشر في الوطن العربي
أصدر اتحاد الناشرين العرب دراسة تتناول (النشر في الوطن العربي… زمن جائحة كورونا وتداعياتها) تتناول الدراسة النشر في الوطن العربي خلال عامي 2020-2021م، وصرح الأستاذ محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب إن هناك تحديات تواجه النشر في الوطن العربي بصورة غير مسبوقة نتيجة الركود الذي أصاب المنطقة بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا، ويؤكد محمد رشاد أن هناك محتوى عربي جيد وصعود النشر في العديد من الدول العربية بصورة غير مسبوقة خاصة في السعودية والإمارات والأردن والمغرب على سبيل المثال، لكن ألقت كورونا بظلالها على النشر في لبنان بصورة رئيسة فالأزمة الاقتصادية وكورونا تركا آثارًا سلبية على حركة النشر في لبنان، الدراسة أعدها الدكتور خالد عزب وهى تتناول النشر عبر عدد من الموضوعات مصحوبة بالأرقام والتحليلات ومنها: النشر الرقمي والقراءة، والجامعات والنشر واللغة العربية وتطرقت إلى مجامع اللغة العربية وتراجع دورها في دعم اللغة العربية وحركة النشر، فمجمع اللغة العربية في دمشق لعب دورًا لسنوات في نشر عدد من الكتب الهامة، بلغت ذروة النشر في المجمع عام 2014م حيث نشر 21 كتابًا تراجعت إلى 5 كتب عام 2021، أما مجمع اللغة العربية في القاهرة فبالرغم من نشره عدد من المعاجم اللغوية الهامة ودورية سنوية إلا أن هذه المطبوعات محدودة التوزيع، فضلًا عن عدم إتاحتها بصورة رقمية في الوقت الذي تبنى فيه مجمع اللغة العربية في الأردن خطة تفاعلية لتحضير المعرفة بإنتاجه عبر الإتاحة الرقمية لكل مطبوعاته مع مشروع الترجمة العلمية ونشر المخطوطات، واعتبرت الدراسة أن مجمع الملك سلمان للغة العربية استطاع أن يتفاعل في زمن قياسي مع متطلبات اللغة العربية في عصرنا، فوفر مدونات لغوية متخصصة، ومعاجم وخطط منها حوكمة البيانات اللغوية معتمدًا في برامجه على مركز يوظف إمكانيات الذكاء الاصطناعي في خدمة اللغة العربية، ويعد مركز أبو ظبي للغة العربية من المبادرات الحديثة الفاعلة، فقد تبنى ضمن مشروعاته مشروع مائة كتاب وكتاب من التراث العربي، ومشروع مائة رواية ورواية لتعريف القراء العرب بأهم الروايات العربية.
وفي مجال الترجمة، رصدت الدراسة تراجع دور المركز القومي للترجمة في مصر، وصعود دور مركز الترجمة التابع لجامعة الملك سعود في الرياض، وتوقعت زيادة عدد الكتب المترجمة في السعودية نتيجة لمنحة هيئة الأدب والنشر عبر مبادرة “ترجم” والتي تدعم الناشر والمترجم السعودي وصدر في إطار هذه المنحة خلال عام 2021 عدد 222 كتابا مترجمًا، فضلًا عن مشروع الهيئة لترجمة الدوريات حيث تقوم حاليًا بترجمة 42 دورية علمية في كافة التخصصات.
الدراسة أشارت إلى مشهد نشط للترجمة في العراق خاصة عبر دار المأمون الحكومية التي لديها خطة منهجية لتنشيط الترجمة من وإلى العربية، فقد قدمت الدار في السنوات الأخيرة 150 كتابًا مترجمًا، ولديها خطة لتقديم 100 كتاب مترجم خلال الفترة القادمة، أشارت الدراسة أيضًا إلى دور العديد من دور النشر العراقية في مجال الترجمة فقد قدمت على سبيل المثال دار الرافدين عدد من العناوين المترجمة التي لاقت إقبالًا في المنطقة العربية.
رصدت الدراسة تصاعد وتيرة النشر باللغة العربية خارج المنطقة خلال الأعوام الأخيرة، خاصة في لندن وباريس وليدن وألمانيا وكندا، ولكن ركزت على النجاح الذي حققته دار المتوسط التي تنشر من ميلانو كتب في العديد من المجالات وتصدر دورية علمية، والتي تتميز بقدرتها على النشر العربي بما يواكب متطلبات الجاليات العربية في أوروبا، كما كانت جسرًا لترجمة الأدب العربي إلى عدد من اللغات خاصة الإيطالية، على جانب آخر لفتت الدراسة الانتباه إلى انتقال متصاعد لنشر الكتب العربية وكتب الدراسات الإسلامية في الهند وإندونيسيا في ظل وجود سوق كبير للكتاب العربي في الهند وجنوب شرق آسيا، وهذا ما قد يعزز انتقال ثقل إنتاج ونشر كتب الدراسات الإسلامية إلى هذه المنطقة.
خصصت الدراسة قسمًا لحالة النشر في كل دولة عربية، فذكرت أن الإمارات العربية المتحدة يساهم قطاع النشر فيها ب 260 مليون دولار في الدخل الوطني ومقدر أن يرتفع إلى 650 مليون دولار بحلول عام 2030، ويوجد في الإمارات 166 دار نشر، وتبرز ثلاث مراكز للنشر في الإمارات هى: أبو ظبي، ودبي، والشارقة.
فيما بينت الدراسة أن الأردن لديه خطة واعدة للنهوض بقطاع النشر وضعتها وزارة الثقافة الأردنية، خاصة مع صمود دور النشر خلال جائحة كورونا، ومع إطلاق منصة (الكُتْبا) للكتب الرقمية لتحفيز الشباب على القراءة.
فيما ذهبت الدراسة إلى أن حركة النشر في موريتانيا باتت على المحك في ظل ضغوط عديدة، وتفضيل الأدباء والكُتاب الموريتانيين النشر خارج موريتانيا، فضلًا عن قلة وضعف بنية المكتبات العامة.
وبالرغم من الأزمات السياسية والاقتصادية إلا أن مشهد النشر في تونس يبرز صمودًا نسبيًا طبقًا للدراسة فبرزت دار نشر سوتيميديا التي استطاعت أن تقدم أقلامًا جديدة لحركة النشر العربية، وكانت الدار نشرت في عام 2019 عدد 23 كتاب، تراجعت في عام 2020 إلى 14 كتاب لتعود في عام 2021 لتنشر 23 كتاب في مؤشر على استعادتها لقدراتها.
وفي مدينة صفاقس تبرز من تونس دار نشر محمد علي التي تأسست عام 1983، وهى بالرغم من جائحة كورونا استطاعت زيادة عدد مطبوعاتها في ظل جائحة كورونا بفضل شبكة من المؤلفين المتعاونين معها الذين يتجاوزون 400 مؤلف وشبكة قراء كبيرة.
ترصد الدراسة التطور المستمر في مشهد النشر والقراءة في الجزائر وتتوقع طبقًا لعدد من المعطيات أن تحتل الجزائر خلال السنوات المقبلة مكانة متقدمة في حركة النشر العربية، ويعود هذا إلى وجود أجيال جديدة من الأدباء الجزائريين والمفكرين الواعدين، كانت الجزائر تنتج سنويًا بين 400 إلى 600 عنوان، حتى تسعينيات القرن العشرين ليرتفع العدد إلى 1000 عنوان، والآن تصدر سنويًا بين 3 آلاف و5 آلاف عنوان، إلى أن جائحة كورونا أثرت سلبًا خلال عام 2021م على النشر فصدر فقط 218 كتاب، وتشير المؤشرات إلى تعافي حركة النشر في الجزائر وهذا يعود إلى جمعية الناشرين الناشطة في معالجة قضايا الكتاب، حتى عقد البرلمان الجزائري جلسة لمناقشة قضايا ومشكلات النشر.
تركت الحرب والأوضاع الاقتصادية آثارها على حركة النشر في سورية حتى أغلقت مكتبات ودور نشر، ومنها دار معابر التي تخصصت في الكتب المترجمة وكتب الفلسفة، أتى هذا الإغلاق أيضا بسبب هجرة المترجمين السوريين إلى خارج سورية، وفي ظل الأزمة ابتكرت الدار بين عامي 2015 و2021م تأجير كتبها للطلبة إلا أنها انهارت فاضطرت للإغلاق، في حين أن دار كنعان للنشر والتي تأسست عام 1989 خفضت عدد النسخ التي تطبعها من 4000 إلى 500 نسخة.
تذكر الدراسة التي أعدها الدكتور خالد عزب أنه حركة النشر في لبنان تراجعت خلال عامي 2020 و2021 بصورة غير مسبوقة في تاريخ النشر في لبنان، وتفاوت هذا التراجع طبقًا لقدرات كل دار نشر على الصمود في ظل أزمة اقتصادية تعصف بلبنان وفي ظل جائحة كورونا، فإمكانيات مكتبة لبنان جعلتها تصمد وكانت من الدور القليلة التي زاد عدد إصداراتها ففي سنة 2019 أصدرت 21 عنوان بينما في سنة 2020 أصدرت 30 عنوان لترتفع إصداراتها في عام 2021 إلى 72 عنوان، وهذه ظاهرة تثير الانتباه وأرجعت الدراسة ذلك إلى الإجراءات الحاسمة التي اتخذتها الدار وإلى الخطط التسويقية الأكثر حداثة.
احتلت السعودية المرتبة الأولى عربيًا لأول مرة في عدد الكتب الصادرة في تاريخ النشر العربي حيث صدر فيها خلال عام 2021 عدد 16500 عنوان وذلك يعود لسياسات تحفيز النشر التي تعتمدها المملكة العربية السعودية، وإلى وجود دور نشر قوية حافظت على قدراتها ونمتها مثل: جرير والعبيكان ودار المنهاج، فضلًا عن الجهود المثمرة لهيئة الأدب والنشر والترجمة، ومكتبة وطنية هى من أفضل المكتبات الوطنية العربية حيث تعد مكتبة الملك فهد من المكتبات العربية القليلة الملتزمة بصورة صارمة بمعايير خدمات النشر والتأليف والفهرسة.
تعد المملكة المغربية من مراكز النشر العربية الواعدة في ظل برنامج وطني لتحفيز النشر بدأ يعطى ثماره، وإن كانت حركة النشر شهدت تراجعًا نسبيًا خلال عامي 2020 حيث نشرت 2702 عنوان وفي عام 2021 نشرت 2382 عنوان، وكانت نشرت في عام 2019 عدد 3282 عنوان، لكنها الآن في طور الصعود مرة أخرى، كانت المكتبة الوطنية المغربية أصدرت بيبلوغرافيا لما نُشر في المغرب في الفترة من 2015 إلى 2020 وأحصت صدور 17461 كتاب خلال هذه السنوات، وأعدت مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود في الدار البيضاء تقريرًا تفصيليًا كاشفًا عن النشر في المغرب يعد من أفضل التقارير التي تصدر في الوطن العربي.
لا يتناسب عدد الكتب المنشورة في السودان طبقًا للدراسة مع عدد القراء في السودان، فالسودان قارئ نهم طبقًا للدراسة، فضلًا عن وجود طبقة من الكُتاب والأدباء السودانيين لا يقابلهم حراك للنشر موازي لهم، وبالرغم من جائحة كورونا إلا أن هناك زيادة طفيفة في الكتب المنشورة في السودان، حيث نشر السودان في عام 2019 عدد 853 عنوان وفي عام 2020 نشر 873 عنوان، ويعود ذلك إلى دور نشر جديدة دخلت ساحة النشر كصدى للحراك السياسي في السودان طبقًا للدراسة.
في حين كشفت الدراسة أن العراق ليس لديه سياسة وطنية تدعم صناعة النشر، وهناك تضارب على أصعدة متعددة، أبرزها تضارب مواعيد معارض الكتب التي تُعقد في المدن العراقية، ولكن ترصد الدراسة نجاح غير مسبوق لمعرض البصرة للكتاب الذي أقيم عام 2019م، وكان أحد أسباب ازدهار صناعة النشر العراقية نسبيًا يعود إلى عودة شارع المتنبي بعد الدمار الذي لحق به إثر تفجير إرهابي عام 2007م، وكان عدد من دور النشرالشبابية في العراق أعطى نكهة جديدة للنشر، ولكن لم يحتفي العراق في عام 2021 بمائة عام على الرواية العراقية، وإن كان الناقد والأكاديمي العراقي نجم عبدالله كاظم أصدر كتابًا هامًا هو (مئوية الرواية العراقية).
مثلت هجرة الكتاب اليمني ملمحًا جديدًا في حركة النشر اليمنية ويبرز في هذا السياق دار أروقة التي تنشر في القاهرة لكتاب يمنيين، كانت الدار أصدرت 42 عنوان لكُتاب يمنيين يلقى بعضها رواجًا غير مسبوق، ولكن النشر في اليمن مازال يقاوم للبقاء، ومن دور النشر اليمنية التي مازالت تنشر جيدًا دار حضرموت للدراسات والبحوث التي تأسست عام 1996م ونشرت إلى الآن 500 عنوان، بقي في اليمن 25 دار نشر مازات تعمل.
تراجعت حركة النشر والكتاب في مصر، ترصد الدراسة تطورًا في أداء دار المعارف ودار المحروسة، وظهور دور نشر على يد جيل جديد من شباب الناشرين مثل دار إشراقة التي قدمت جيل جديد من الكُتاب والمترجمين، ومنصة كتبنا التي نشرت 1550 عنوان مطبوع و1850 كتاب رقمي. الدراسة قدمت العديد من المؤشرات علي حركة نش رالكتب في مصر من دور نشر مثل الدار المصرية اللبنانية ومكتبة العربي مبرزة زيادة اصدارتها الي 90 عنوان لاول مرة وهي من دور النشر القليلة في مصر التي استطاعت تجاوز الركود الذي أصاب الكتاب مع أزمة كورونا ، في حين كانت تجربة مكتبة الانجلو عبر منصتها الرقمية ملفتة للانتباه حيث أتاحت بعض اصدارتها للقراءة المجانية مما جذب الزورا لها وزاد من الاقبال علي كتبها المطبوعة .
كانت حركة النشر في الكويت قبل جائحة كورونا تتجه نحو تجاوز دور النشر الخاصة النشر الحكومي في الكويت لأول مرة منذ عرفت الكويت نشر الكتب، وبالرغم من هذا ارتفع عدد الناشرين في الكويت من 119 إلى 125 ناشر، وزاد عدد الكتب المنشورة في الكويت ليتجاوز لأول مرة حاجز الألف عنوان ليصل عدد العناوين المنشورة في 2021 إلى 2038 عنوان، وجزء من هذا يعود لنشاط عدد من المؤسسات خاصة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي التي عادت مؤخرًا لنشاطها المكثف للنشر في طبعات أنيقة خاصة الكتب العلمية المترجمة والكتب العلمية للأطفال والمجلات العلمية.
في ظل تعسف الاحتلال الفلسطيني مازال النشر في فلسطين متماسكًا ويقدم إبداعات جديدة، وإن كان عدد المطبوعات لم يتراجع كثيرًا في ظل كورونا.
فيما تشهد قطر منذ عقد تقريبًا تصاعدًا تدريجيًا في نشر الكتب وإن تراجع نسبيًا في عام 2021 إلى 914 عنوان، ويعود النشاط إلى تأسيس كل من جامعة حمد وجامعة قطر لداري نشر وكذلك بدء مؤسسة كتارا في النشر وكذلك ظهور عدد من دور النشر الخاصة لأول مرة بقطر بصورة أكثر احترافية من ذي قبل ومنها دار روزا التي زادت إصداراتها عام 2021 إلى 40 إصدار وكانت أصدرت عام 2019 عدد 35 عنوان، فيما مثلت دار الوتد أهم دور النشر القطرية حيث أصدرت في عام 2021 ما يزيد على 80 عنوان وهو رقم قياسي في تاريخ دور النشر القطرية.
رصدت الدراسة التأثير السلبي لجائحة كورونا على حركة نشر الكتب في ليبيا، وعلى حركة تسويق الكتب التي أدت إلى نمو حركة خدمة توصيل الكتب للقراء من دور النشرمباشرة لأول مرة، كما دفعت جائحة كورونا دور النشر الليبية إلى دخول فضاء الكتاب الرقمي بكثافة غير مسبوقة، فيما تراجع النشر الحكومي، ونجحت بعض دور النشر الليبية في تجاوز الأزمة فزادت إصداراتها كدار الوليد، لتبقى مشكلات قديمة جديدة مثل محدودية تسويق الكتاب الليبي خارج ليبيا، واستطاعت مكتبة الكون كسر هذا الحاجز بالمشاركات المكثفة في معارض الكتب خارج ليبيا.
صعدت حركة النشر في سلطنة عُمان ليقترب عدد الكتب الصادرة في عام 2021 من الألف عنوان لأول مرة، ويعود ذلك لنشاط عدد من دور النشر الجديدة في السلطنة، مثل دار اللبان ودار جذور التميز، ورؤى فكرية ومكتبة الجيل الواحد، ومكتبة نور الاستقامة، كما جاءت جائزة صحار للدراسات النقدية التي أطلقت عام 2021م كحافز لتحريك النشر في سلطنة عُمان، أشادت الدراسة بمشروع ذاكرة عُمان وإصداراته المتميزة، بدأ المشروع عام 2013 وأصدر إلى عام 2022 ما يزيد على 127 عنوان.
فيما ترصد الدراسة قفزة نوعية في البحرين بتأسيس دار رؤى وهي أول دار نشر بحرينية تهتم بأدب الطفل والتي أصدرت 30 إصدار في عام 2019م وهي أول سنة لها، وفي عام 2020م أصدرت 65 إصدارًا، وأصدرت في عام 2021م ما يقرب من 100 إصدار، وهذا يعود لخبرات مؤسسها عدنان ناصر العدوي وهو مختص بالتربية وعلم النفس وله عدة إصدارات في أدب الطفل.
_________
*دراسة أصدرها اتِّحاد الناشرين العرب.
*المصدر: التنويري.