المقاربات السسيولوجيَّة للمدرسة
-تقديم
علم اجتماع المدرسة هو فرع من فروع علم الاجتماع العام، يعتني هذا الفرع بدراسة الإنسان في المجتمع الذي يتواجد ويعيش فيه وبالمؤسَّسات التي يتفاعل معها بشكل يومي ومستمر، فهو العلم الذي يهتمّ بدراسة العلاقات التفاعليَّة بين الأفراد، وتواصلهم ببعضهم البعض، في المؤسَّسات والفضاءات التي يتواجدون فيها.
وممَّا ينبغي الإشارة اليه، والتصريح به، هو وجود إجماع واتِّفاق على أهميَّة المدرسة في المجتمع، وعلى قيمتها التربويَّة والقيميَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة، فهي وعاء وأداة ومؤسَّسة لحفظ الموروث الثقافي والقيمي، ونقله بين الأجيال، فضلا عن وجود مهام ووظائف أخرى للمدرسة، منها المحافظة على الهويَّة الثقافيَّة للمجتمع الذي تتواجد فيه.
فهذه الوظائف المتعدِّدة والمتنوِّعة، تعدُّ من أبرز الوظائف والمهامّ التي تؤدِّيها المدرسة في المجتمع، ما يعني أنَّها جزء رئيس من البناء والنسق المشكل والمركب للمجتمع في مؤسَّساته بشكل عام.
وقد اهتم علماء اجتماع المدرسة بوظائف المدرسة، وبأدوارها في المجتمع وبمهامها التربويَّة والعلميَّة والمعرفيَّة، وهذا العلم – علم اجتماع المدرسة –هو فرع من علم الاجتماع العام، موضوعه هو الاشتغال على الأدوار المتبادلة، وعلى التفاعلات القائمة بين الأسرة، والمدرسة والمجتمع.
إنها علاقة مركَّبة ومتداخلة، بحيث إن أي تحول قد يقع في المجتمع، فإنه يترك آثاره على المجتمع وعلى مؤسَّساته.
أنواع المقاربات السسيولوجيَّة للمدرسة
اختلفت المقاربات للمدرسة حسب الاختيارات والمواقف الفلسفيَّة، ومن أبرز هذه المقاربات:
-1- المقاربة الوظيفيَّة
تتحدَّد هذه المقاربة في أن المدرسة لها وظيفة تربويَّة وتعليميَّة، فهي مؤسَّسة تسعى الى مدّ المجتمع بالقيم النبيلة وبالأخلاق العالية التي تحافظ على توازنه واستمراريته وتماسكه، فهي تعتبر بحقّ مؤسَّسة اجتماعيَّة تربويَّة مهامها ووظيفتها هي إعداد الناشئة للمستقبل، والعمل على المساهمة المستمرَّة والدائمة في نقل تراث المجتمع، وقيمه عبر الأجيال، حفاظًا على بقائه، وعلى استمراريته.
ومن أبرز الوجوه العلميَّة التي اشتغلت على المقاربة الوظيفيَّة للمدرسة عالم الاجتماع الفرنسي اميل دركايم [1].
ومن المناصرين أيضا للمقاربة الوظيفيَّة للمدرسة، الفيلسوف وزعيم المذهب البرغماتي الامريكي جون ديوي ت 1952 ،فهو مربي وسيكلوجي وفيلسوف زعيم المذهب النفعي البراغماتي في التربية.
وهو يحدد التربية في كونها مجموعة من العمليَّات التي تنقل الطفل من الأسرة إلى المجتمع[2].
وهذا النقل عادة ما يحدث مجموعة من التغيُّرات على شخصيَّة الطفل، وعلى نمائه النفسي والاجتماعي، فقيمة التربية تحدّد في حاجيات المجتمع، وبعبارة مختصرة وظيفة المدرسة هي مساعدة الأفراد على الاندماج في المجتمع.[3]
وقد ترك جون ديوي مجموعة من الكتب والدراسات منها :التربية والمجتمع – وكتاب: الديمقراطيَّة والتربية.[4]
وبصفة عامَّة فالمدرسة في المقاربة الوظيفيَّة، وظيفتها تأهيل الفرد الذي يكون في البداية طفلا، ثم ينتقل هذا الطفل إلى الروضة، ومن الروضة إلى المدرسة، ومن المدرسة إلى المجتمع، وهذا الانتقال من أبرز مهامّ المدرسة.[5].
-2- المقاربة التشاؤميَّة –العدميَّة
هذه المقاربة تزعّّمها الفيلسوف النمساوي افان ايليش Illich ivan الذي كانت يدعو فهو كان يدعو علنا إلى إلغاء مؤسسة المدرسة من المجتمع، لأنها في نظره أداة لتكريس الفوارق الطبقيَّة والاجتماعيَّة بين أفراد المجتمع، فهي مؤسسة تصنع التميز، وتحافظ على النخبة التي تهيمن على مؤسسات المجتمع، وقد اشتهر بكتابه “مجتمع بدون مدارس”.
“وموت المدرسة”.
فالمنتوج القيمي للمدرسة عادة ما يحافظ على تراتبيَّة المجتمع ويصنع النخب المهيمنة على مراكز القرار.
-3- مقاربة إعادة الإنتاج
هذه النظريَّة تختصر المدرسة في إعادة إنتاج النخب، والمحافظة على الطبقة المهيمنة فهي جهاز لتكريس الفوارق الطبقيَّة والاجتماعيَّة بين أفراد المجتمع.
وهذه النظريَّة هي امتداد للنظريَّة الماركسيَّة التي تنظر إلى المدرسة في كونها تصنع وتعمِّق الفوارق الطبقيَّة في المجتمع، وتحافظ على مصالح الطبقة الحاكمة والمهيمنة.
فهي تعود الى أفكار مارس الذي كان يعتبر المدرسة مؤسَّسة وجهازا خادما لإيديولوجيَّة الطبقة الحاكمة والمهيمنة.
وقد طور هذه النظريَّة الفيلسوف الماركسي الفرنسي لوي التوسيرفي بحثه “الإيديولوجيَّة والاجهزة الإيديولوجيَّة للدولة” المنشور بمجلة أفكار الفرنسيَّة سنة 1970.
ونظريَّة إعادة الإنتاج تنسب إلى الباحث الاجتماعي الفرنسي بيير بوريو الذي اشتهر بكتابه إعادة الإنتاج، وبكتابه “الورثة”.
ورغم التحولات الكبيرة التي شهدتها المدرسة اليوم في وظائفها وأدوارها ومهامها نتيجة إلى الثورة التواصليَّة، وإلى التحولات الرقميَّة السريعة، فإن نظريَّة إعادة الإنتاج ما زالت هي النظريَّة المهيمنة والسائدة في تفسير علاقة المدرسة بالمجتمع.
تركيب
رغم هذه الانتقادات التي وجهت إلى المدرسة، فإن هناك إجماعا في جميع المجتمعات، حول قيمة المدرسة، وعلى ضرورة تواجدها في المجتمع، بحكم وظيفتها التربويَّة، ومهامها المعرفيَّة، إضافة إلى أدوارها التربويَّة والتعليميَّة في نشر القيم بين أفراد المجتمع.
[1] – إميل دوركايم ت 1917 – عالم اجتماعي فرنسي هو الذي أرسى القواعد المنهجي والعلميَّة لعلم الاجتماع، وجعل الشأن التربوي جزءا لا يتجزأ من مشروعه العلمي و السوسيولوجي اشتهر بكتابه “الانتحار-وكتاب التربيَّة والمجتمع.
– David Émile Durkheim, né le 15 avril 1858 à Épinal et mort le 15 novembre 1917 à Paris, est un sociologue français considéré comme l’un des fondateurs de la sociologie moderne.
[2] -أصول التربيَّة للعمايرة: اصدار دار المسيرة الاردن ص: 10
[3] – ابراهيم ناصر (1999)، مقدمة في التربيَّة (الطبعة الأولى)، الأردن: دار عمار للنشر :2006
[4] -هذا الكتاب مترجم نقله الى العربيَّة متى عفراوي وزكرياء ميخائيل صدر بالقاهرة سنة 1964.
[5] – من مقدمة كتاب: مخاوف الأطفال للدكتور مبارك ربيع:4
_________
*الدكتور محمد بنعمر.
*المصدر: التنويري.