المقالاتتربية وتعليم

الكتابة الأكاديمية في الجامعات العربية

الجامعات العربية

توصيف الواقع واستشراف المستقبل

إذا كانت القراءة إحدى نوافذ المعرفة وأداة من أهم أدوات التثقيف التي يقف بها الإنسان على نتائج الفكر البشري، فإن الكتابة تعد مفخرة من مفاخر العقل الإنساني، بل إنها أعظم ما أنتجه هذا العقل، حيث سجل الإنسان نشأته ومسيرته وغايته، وأخذ يبدأ مما سجله منطلقا لآفاق جديدة، ولم يعد كما كان من نقطة الصفر، وهذا ما جعل علماء الأنثروبولوجي يشيرون إلى أن التاريخ الحقيقي للإنسان إنما يبدأ حين اخترع الإنسان الكتابة، والتي تعد أبرز وسائل الاتصال الإنساني.

ويُعد اختراع الإنسان للكتابة أهم مراحل تحول الإنسان الحضاري، وأخطرها أثرا في حياته، وأولى النقلات النوعية التي منحته صفة الإنسانية عبر التواصل الذي حقَّقه هذا الكائن مع سائر الموجودات من جهة، ومع البعد الزمني والتاريخي لأسلافه وأحفاده من جهة أخرى، حيث إن هذا الاختراع مكَّن الإنسان من التوسع المعرفي، كما أن اختراعه للكتابة أعانه على الإفادة من تراكم المعرفة والخبرات بعد عملية تدوينها مع حسن الاستفادة منها في مجالات متعددة، ومما يؤكد أهمية الكتابة باعتبارها حدثا تاريخيا وثقافيا في حياة الإنسان هو التصنيف التاريخي الذي أعطاه علماء التاريخ والجيولوجيا للمراحل التي قطعها الإنسان في حياته عبر العصور ـ قبل اختراع الكتابة وبعدها ـ حيث يطلق على بعض الحقب التاريخية عصور ما قبل التدوين أو عصور ما بعد التدوين.

والكتابة ذات شأن عظيم في الإسلام، ودليل حضارة يوضح عناية منهج التربية في الإسلام بها،كما يوضح الإسلام أهميتها في شئون الحياة، يقول تعالى:] يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق[(سورة البقرة،آية 282)، ولقد نبه الإسلام الحنيف على فاعلية الكتابة في حفظ حقوق الأفراد في المجتمع، ومن هنا يسود بينهم الوئام والنظام، وقد حفظ تاريخ الإسلام للكتابة قدرها ومكانتها، وللكتاب منزلتهم.

وإذا كانت للكتابة قيمة ومكانة دينية، فإن لها أيضا قيمة تربوية ؛ تتمثل في إفساح المجال أمام المتعلمين لانتقاء الألفاظ المعبرة والأساليب والتراكيب المتناسقة مع المعنى، وحسن صياغتها وتنسيقها، ومن ثم أصبحت الكتابة الجيدة ضرورة وليست خيارا لاسيما وأنها أبرز متطلبات الارتقاء الأكاديمي من جهة، ووسيط للمشاركة الإيجابية في مناشط المجتمع من جهة أخرى. ولعل أكثر سياقات الحياة تتطلب مستوى من المهارة في الكتابة، وهي طراز تتداخل فيه عوامل مختلفة وتتأثر بمؤثرات معينة.     

وتعد الكتابة مفتاحا للعلوم وأداة التعليم والتعلم، ومن خلالها يتمكن الإنسان من الخروج من ضيق الجهل إلى فضاءات العلم والمعرفة، وعن طريقها يطلع على عالم الصفحة المطبوعة وما فيه من معلومات ومعارف وخبرات. وتعد الكتابة المرآة التي يظهر فيها كل عناصر القدرة اللغوية لدى الفرد، وهي المقياس الذي لا يخطئ أبدا في تحديد القدرات الفكرية. ولا شك أن الكتابة استحالت اليوم عملية ضرورية للحياة المعاصرة للفرد وللمجتمع على السواء، لاسيما وأنها أصبحت مكونًا رئيسًا من مكونات الثقافة وضرورةً للتواصل الإنساني.

وتستمد الكتابة أهميتها العامة من أهمية اللغة في حياة الإنسان، أما أهميتها النوعية الخاصة من الإسهام المنتظر في تكوين الطالب الجامعي والتمرن على تقنيات جديدة للكتابة مما يؤدي ذلك إلى تنمية مهاراته اللغوية والفكرية.

وتمثل الكتابة نقطة البداية والنهاية في العملية التعليمية، بل هي القاسم المشترك بين تعليم كل المواد الدراسية، فبداية العملية التعليمية تكون بكتابة الدرس في دفتر تحضير المدرس، ثم كتابة عناصره، أو أمثلته على السبورة أو أي وسيلة مساعدة، ثم كتابة ذلك في كراسة المتعلم، وبعد ذلك يستخدم المتعلم الكتابة في مذاكرة ما درس، وفي فهمه أو حتى حفظه، ولن يستغنى عن الكتابة في إجابته عن الامتحانات، لذا فالكتابة تعد أساس التعليم والتعلم، والتثقيف، والتفكير المنطقي، والملاحظة السليمة، والعجز عنه يؤدي إلى إخفاق المتعلمين، مما يترتب عليه فقدان الثقة بأنفسهم وتأخرهم فكريا واجتماعيا.

وإذا كانت الممارسات الكتابية تسير في مسلكين اثنين ؛ أولهما كتابات إبداعية تعبر عن المشاعر والأحاسيس والعواطف ممزوجة بفكر الكاتب وخبراته، وتتميز باختيار الألفاظ الموحية والتعبيرات المؤثرة في وجدان المشاعر وتؤثر في النفوس، وثانيهما الكتابات الوظيفية التي تعبر عن الممارسات اللغوية والمهام الكتابية اليومية عبر المواقف اللغوية، والأنشطة الكتابية التي تشيع في المجتمع بكل فئاته ومستوياته بهذا المعنى وهذا الاعتبار أعمال تحريرية وظيفية تشيع في الاستخدام اللغوي اليومي بين الطلاب باعتبارهم يعيشون الحياة الجامعية، وباعتبارهم يعيشون حياة اجتماعية عامة. وتعد ممارسة الطالب للأنشطة الكتابية الوظيفية بمجالاتها ومهاراتها أمرًا لازمًا وضروريًا في التربية المقصودة ؛ حيث يتدرب عليها الطلاب على أساسٍ لغويٍّ تربوي موجه يسمح لهم بالانتقال من مستوى المعرفة إلى مستوى الممارسة والسلوك الهادف، حتى يتمكن الطلاب من ممارسة ناجحة تسمح لهم بالتفاعل المثمر داخل مجتمعاتهم.

ولأن هدف الكتابة الوظيفية قضاء المصالح وإنجاز الأعمال، فإنها تحتاج إلى قدر من التأثير والإقناع بهدف الاستمالة والحصول على التأييد وتغليب الإيجابية عند إبداء الرأي، ولأن الكتابة الوظيفية تمثل انعكاسًا حقيقيًا للحياة الراهنة باعتبارها شكلا لغويًا يتطلب الدقة والتحديد والوضوح والمزيد من الإقناع وإقامة الحجة بإيجاز بليغ، فإن الكتابة الإقناعية الحجاجية كإحدى أنماط الكتابة الوظيفية وفقا لتصنيف الغرض أصبحت ضرورةً ملحةً في الأيام الآنية ؛ كونها تعتمد اعتمادًا مباشرًا على استخدام الأدلة والبراهين والإثباتات والشواهد استخدامًا دقيقا، بحيث يكون البرهان قاطعًا في الدلالة على ما يبرهن به عليه.

وتشهد مجتمعاتنا العربية في الوقت الراهن حراكًا سياسيًا واجتماعيًا ومعرفيًا، هذا الحراك يستهدف بالضرورة التطوير والتغيير وإحداث تنوير في كافة المناحي، وهذا الحراك أيضا يتطلب تعزيز الرأي وتدعيمه بمجموعة من الأدلة والمبررات والبراهين، ومن هنا تبرز أهمية الاهتمام بتعليم طلابنا في المرحلة الجامعية الكتابة الإقناعية الإحجاجية وتنمية مهاراتها لديهم، لاسيما وأن الكتابة الإقناعية لطلاب الجامعة تمثل فرصةً ذهبيةً للتفاعل الاجتماعي الإيجابي بينهم، وذلك من خلال المناقشة الحجاجية الأكاديمية، وتبادل وجهات النظر المختلفة ومناقشة الادعاءات والأدلة والشواهد.

وتعد الكتابة الإقناعية الحجاجية من أهم أنواع الكتابة الوظيفية ؛ لقدرتها على تنمية مهارات التفكير التحليلي والناقد، وتعميق تفكير الطلاب وتدريبهم على استخدام بروتوكولات التفكير المنطقي كما تساعد الفرد على اتخاذ القرارات المناسبة في حياته، والكتابة الإقناعية الحجاجية تقدم للغة إسهامات بالغة الأهمية ؛ حيث ينظر إليها باعتبارها وسيلة من وسائل الارتقاء باللغة ” فعندما يجلس الفرد ويمسك بقلمه ليكتب ما يود كتابته فإنه يجوِّد الفكرة ويعمقها بهدوءٍ، وينتقي مفرداته ويعيد صياغة جمله وتراكيبه، ويحاول استخدام البلاغيات والجماليات اللغوية ويختار المفردة الموحية واللفظة المناسبة، وهو في كل ذلك إنما يرتقي بمستوى الوعاء اللغوي لفكرته، وأيضا يرتقي بمستوى فكرته لتناسب الوعاء اللغوي.

والكتابة الإقناعية الحجاجية كما يوضحها ( كروويست Crouwhuest,1990 )  نمط كتابي يتبنى قضية معينة قابلة للنقاش ويعرضها ما بين الرأي المؤيد والرأي المعارض ؛ بهدف إقناع القارئ ليتخذ أحد الجانبين، وهي عملية كتابية تعتمد على ادعاءٍ ما لمعالجة إحدى القضايا الجدلية، ثم تدعيم هذا الادعاء والربط بين الادعاءات والبيانات فيما يسمى بالمبررات، وتقديم الآراء المضادة ثم دحضها بالأدلة والبراهين. ويتفق كثير من علماء التربية اللغوية على أن الكتابة الإقناعية تتفرع من الكتابة المعرفية، وفيها يستعمل الكاتب العديد من الطرائق والوسائط اللغوية والفكرية لإقناع القارئ بوجهة نظره مثل المحاججة، وإثارة العطف، ونقل المعلومات بطريقة تؤثر لصالح موقف معين، واستخدام الأسلوب الأخلاقي، ويرجع هذا الرأي إلى تشارلز روجرز ورونالد لنسفور في كتابهما ” الكتابة فن اكتشاف الفن والمعنى ” ، حيث ميزا بين ثلاثة أنواع رئيسة من الكتابة وهي: الكتابة التعبيرية، والكتابة المعرفية،والكتابة الإقناعية الحجاجية، في حين أن ( هورست Hourst,1992) يشير إلى أن الكتابة الإقناعية الحجاجية تعد شكلا من أشكال الكتابة المعرفية الوظيفية التي ترتكز على مناقشة قضية معينة ويتم من خلالها عرض مجموعة من الحجج والآراء المدعمة بالشواهد وآراء أخرى مضادة ؛ بهدف إقناع القارئ ليتخذ أحد الجانبين، مع أخذ الجانب الآخر بعين الاعتبار والاهتمام.

وقد تزايد الاهتمام بالكتابة الإقناعية الحجاجية ؛ نتيجة قناعة التربويين بأهميتها، ففي ضوء ما تفرضه متطلبات العصر من توجهات ديموقراطية تدعم التعبير عن الرأي وما يتطلبه ذلك من قدرة على الإقناع تبرز ضرورة هذا النمط من الكتابة، فهي أداة يحتاج أن يتقنها كل فرد داخل المجتمعات الديموقراطية. فضلاً عن كونها أكثر ارتباطا بإعمال العقل وإيجابية التفكير، ولعل هذا النمط الكتابي يعكس صورة حقيقية للتماثل بين اللغة والتفكير حيث يتطلبان نفس العمليات الأساسية مثل التجريد وتكوين الفئات والتصنيف والتحليل. ولاشك أن الكتابة الإقناعية الحجاجية تعد نمطًا جديدًا من أنماط الثقافة المغايرة، فالكاتب يضع في النص المكتوب مجموعة من العوامل التي تساعد في إقناع الآخر عبر تقنيات حجاجية وفعاليات لغوية، تلك الفعاليات التي ترتبط بالتوجه العقلاني الذي يسخر كل طاقاته للإقناع والتأثير ودحض الآراء المخالفة.

وفي ضوء التسارع والتصارع الإعلامي الراهن ظهرت ثمة دواعٍ تلخص ضرورة الاهتمام بالتدوين الحجاجي وتنمية مهاراتها، كونها تمكِّن الفرد من التعبير عن ذاته، والدفاع عن وجهات نظره وتعديلها على نحو يجعلها أكثر وضوحًا واتساقًا وفهم الأمور بصورةٍ أفضل. ولقد جاءت فلسفة الكتابة الإقناعية الحجاجية من كونها كتابةً تكرِّس تنمية مهارات التفكير الاستدلالي والارتقاء بعمليات الذكاء، باعتبارهما هدفًا أصيلا لعملية التعليم، وتغيير دور المتعلم من مجرد متلق سلبي للمعارف والمعلومات إلى متفاعل يتسم بالإيجابية، يتأثر بهذه المعارف ويؤثر بها، من خلال قيامه بمهام المعالجة والتجهيز واستخدامه للعمليات العقلية وعمليات بناء المعرفة.

وفي ظل تسارع البحث في مجال الكتابة الإقناعية الحجاجية وضرورة تنمية مهاراتها ظهرت عدة مداخل رئيسة لتساعد في تنمية تلك المهارات، كما بزغت فكرة الكتابة للتعلم، التي تعني أن يكون موضوع الكتابة ذا معنى ومغزى لدى المتعلم، بالإضافة إلى محاولة العمل على خلق علاقة بين الخبرة الجديدة وخبرات ذات قيمة لدى المتعلم، والكتابة للتعلم كفلسفة تقوم عليها الكتابة الإقناعية الحجاجية تسهم في تحسن الأداء الكتابي من خلال توجيهات مستمرة وعمليات يمكن استغلالها بصورة إيجابية،  ومن ثم تنظيم الذهن وترتيبه، حيث تجعل المتعلم يظهر وعيًا كبيرًا بمسئوليته في جعل تعلمه ذي معنى ودلالة، وتجعله مراقبًا لأدائه الكتابي، وينظر إلى المهمة اللغوية باعتبارها تحديًا يرغب في مواجهته، كما تسهم في زيادة دافعيته وانضباط إجراءات تعلمه، وهذه التوجيهات يمكن توصيفها بمدخل عمليات الكتابة الأكاديمية.

ومدخل عمليات الكتابة معالجة تهتم بالعمليات التي يقوم بها المتعلم في كتابة ومحاولة للتمييز بين الأفكار وتحديد المعلومات ليعبر عن آرائه من خلال لغته وأسلوبه، ومن خلال تلك العمليات يكتشف نفسه ويستثمر قدراته على الكتابة والتأليف، ومدخل العمليات نسق فكري يتبنى مجموعة من الرؤى والنظريات التربوية التي تؤدي إلى إنشاء البناء اللغوي منذ بداية بزوغ الفكرة ومرورًا بإعداد خطة الكتابة، وكتابة المسودات، وتعديلها وتقويمها ووصولا إلى الصورة النهائية للرسالة اللغوية وهو يهتم بالعمليات و جودة المنتج الكتابي معا.

ويكاد يتفق معظم التربويين العرب والأجانب في تحديدهم لعمليات الكتابة الأكاديمية والتي تتمثل في ثلاث عمليات رئيسة هي: عملية ما قبل الكتابة ( التخطيط )، وعملية التأليف ( كتابة المسودة ) وعملية المراجعة والتنقيح، وهذه العمليات تسير بصورة متداخلة تتسم بالتفاعل والتدوير تبدأ قبل الكتابة، وتنتهي بعد انتهائها.

ويتميز مدخل عمليات الكتابة الأكاديمية عن غيره من المداخل التي استهدفت تدريس الكتابة مثل مدخل قواعد كتابة العبارة ومدخل السير الذاتية وجمهور التلاميذ وغيرهما التي تركز على المنتج الكتابي دون العناية بالعمليات التي تؤدي إلى ظهور هذا المنتج  بتركيزه على عمليات الكتابة، ووصف تلك العمليات وتحليلها.

وأصبح مدخل عمليات الكتابة الأكاديمية اليوم أحد المداخل المعاصرة المعتمدة التي تقدم وتمارس داخل الجامعات بهدف تحصيل درجات عليا في التخصص، ونظرا لأهميته لدى الطلاب المعلمين ؛ حيث إنه ينمي مستوى الأداء الكتابي لديهم من خلال استخدامهم للحجج ودعم كتاباتهم بالوقائع والأدلة الموثقة، كما يزودهم المدخل بلغة الخطاب الأكاديمي اللازمة للتواصل داخل كلياتهم.

ويساعد استخدام مدخل عمليات الكتابة الأكاديمية الطلاب الجامعيين على إحراز التفوق العلمي من خلال إمدادهم بالمهارات اللازمة لكتابة المقالات والتقارير، كذلك فإنه ينمي لديهم المهارات اللازمة للعمل كمعلمين، بالإضافة إلى أنه يتيح لهم تقويم تحصيلهم ومدي تقدمهم في التعلم.

لكن من الشواهد الراهنة ضعف مستويات الأداء الكتابي كناتجٍ أساسيٍّ للضعف اللغوي أمر لا يحتاج إلى دليل، ففي المفردات وتباعد الأفكار، وسطحية المعالجات، وقلة الإنتاج الكتابي وعدم تنوعه أو ضعف تماسك الجمل والربط بينها، مؤشرات تشير إلى قصور واضح في أساليب المعالجات التدريسية وإهمال التدريب المهاري في سياق تعليم الكتابة. وتزداد المشكلة على المستوى الجامعي بوجود أعداد كبيرة من الطلاب المعلمين تحديدا طلاب شعبة اللغة العربية بكلية التربية غير قادرة على تعاني ضعفًا في مهارات الكتابة الإقناعية الحجاجية، إذ جرت العادة تقديم المحاضرات النظرية دون أدنى اهتمام أو اكتراث بتنمية هذه المهارات لديهم، حتى حينما يطلب منهم أداء تكليفات ومهام كتابية فإنهم يلجأون إلى الشبكة المعلوماتية أو المكتبة، ويكتفون بالنقل المباشر بطريقة نمطية تفتقر إلى إبداء وجهة النظر أو تحليل المادة المقروءة بأسلوبهم.

وأدت هذه الممارسات التقليدية النمطية إلى افتقار كتابات الطلاب ـ لاسيما التي تظهر في الاختبارات التحريرية البنائية أو الختامية ـ إلى المبادئ الأساسية التي يستند إليها التعبير الكتابي الجيد، وتميزها بالحشو والتطويل غير المجدي أو المقنِع، وعدم ترابط الموضوع، إضافة إلى السطحية في الأفكار، هذا في الموضوعات التي قاموا بدراستها، فما بالك إذا كانت الموضوعات تتسم بالإقناع والحجاج ؟. ولا شك أن الطلاب أنفسهم يتحملون بعض أسباب هذا الضعف ؛ بسبب عزوفهم عن إبداء وجهة نظرهم فيما يدرسونه من موضوعات ثم يقومون بنقله في أوراق الإجابة، وانقطاعهم عن الكتابة الإقناعية التي تدعم رأيا ما أو تدحضه.

وهذا القصور في امتلاك مهارات الكتابة الإقناعية الحجاجية يتبين من خلال مشاهدات ميدانية مستدامة منها عدم قدرة الطلاب على عرض الآراء المخالفة أو الاعتراف بها، ومن ثم ضعف القدرة لديهم على دحضها بطريقة علمية واضحة تستند إلى الأدلة والشواهد والبراهين، وغياب العلاقة المنطقية بين الادعاءات المطروحة من جانب الطلاب في القضايا الجدلية المطروحة للمناقشة، كذلك ضعف الطلاب في صياغة حجج قوية تتصل بالادعاء، و الكتابة بهدف إقناع الجمهور بمدى صحة الادعاء.

ـ مدخل عمليات الكتابة الأكاديمية:

تعتبر الكتابة في المرحلة الجامعية وسيلةً ووسيطًا رئيسًا للتواصل اللغوي وتقويمه ؛ فالكتابة من مخرجات التعليم الدالة على الكفاءة في أداء المهام والتكليفات المتعلمة، حيث تعكس الكتابة مدى نجاح المتعلم في التحصيل الأكاديمي، كما تمثل مؤشرًا على نجاح العمليات العقلية التي تتطلبها تلك المهام، وتشير أدبيات تعليم الكتابة في عمومها وإجمالها إلى أن كتابة الطالب الجامعي تركز على عرض ما لديه من مهارات، وتقديم ذلك في إطار منطقي مدعمًا بالبراهين، والدلائل، والاستنتاجات والاقتباسات، والتوثيق من مراجع متخصصة. وليس بجديد تأكيد العلاقة بين الكتابة كمهارة لغوية والتفكير، فكليهما يتطلبان نفس العمليات الأساسية التي يعتمدان عليها.

وتعد الكتابة وسيلة من وسائل بناء المعلومات وصناعتها، فضلا عن أنها من أفضل وسائل الاتصال والتي بواستطها يستطيع الفرد أن يعبر عن هذه الصناعة المعلوماتية وأن يقف على ثقافة الآخر، ويفكر فيما وراء هذه الثقافة، ويتجاوب معها بالإيجاب أو بالسلب، والأداء الكتابي المتقن هو دليل على حسن التفكير والتخطيط والتنظيم والمراجعة الجيدة.

ووفقا لأهمية تعليم الكتابة في حياة الأفراد والمجتمعات، فإن مداخل تعليمها اتسمت بالتعدد، فمنها المدخل التقليدي،ومدخل قواعد كتابة العبارة الذي يعني كتابة جملة واحدة قصيرة، ثم كتابة جملة ثانية قصيرة ودمج الجمل القصيرة في جمل أكبر باستعمال الروابط كحروف العطف أو الضمائر. ومن المداخل التي استهدفت تعليم الكتابة مدخل السير الذاتية وجمهور التلاميذ والذي يقصد به أن الكتابة عمل ذاتي شخصي قبل أن يكون وظيفيا ذا غرض، وجاء مدخل عمليات الكتابة ليكون وسطا بين مدخل قواعد العبارة، ومدخل السير الذاتية وجمهور التلاميذ ؛ فهو يراعي طريقة كتابة الجمل والعبارات والفقرات والالتزام بالقواعد اللغوية مع وجود الأفكار الخصبة التي يستند عليها الكاتب في كتابته.

وجاء مدخل عمليات الكتابة الأكاديمية متوافقا مع دلالة مصطلح الكتابة الأكاديمية التي يتسم بدقة التخطيط الرصين، والتصميم الدقيق، والتحرير الجيد ومراجعة المكتوب بعناية، ومناسبته للنضج العقلي والمعرفي الذي يتمتع به الطالب الجامعي، والكتابة الأكاديمية نوع من الكتابة يقدم ويمارس في الكليات والجامعات بهدف تحصيل درجات عليا في التخصص وينطبق هذا على البحوث التي تعد للحصول على الدرجات العلمية وكذلك التي تقدم لحل مشكلة ميدانية أو البرهنة على صدق مبدأ أو نظرية علمية. بينما يشير(Misser ,2007) إلى الكتابة الأكاديمية بوصفها مناقشة للحقائق والنظريات والأفكار ومن أمثلتها المقالات، وهذا النمط الكتابي هو الأكثر شيوعا في الوسط الجامعي ؛ لأنها تحتاج إلى الحقائق والدلائل والشواهد والتفكير المنطقي، وتعد المقالات الأكاديمية من أهم وأبرز أنواع الكتابة الأكاديمية.

ولأن الكتابة الأكاديمية في ضوء تعريفها تتسم بالرصانة والدقة والعمق، فإن مدخل العمليات الأكاديمية المشتق من اسمها يشترط توافر نفس السمات والخصائص التي تتمتع بها الكتابة الأكاديمية من حيث العمق والتخصصية والدقة في عرض الأفكار مع استخدام الأدلة والشواهد والبراهين التي تدعم وتؤيد تلك الفكرة، وهذا مفاده الاعتماد على وجود عمليات ومراحل محددة تضمن توافر تلك السمات والخصائص ؛ كونها ـ المصطلح والمدخل ـ عمليتين فكريتين معرفتين ومعقدتين ذات مراحل وإجراءات بنائية متراكمة ؛ لذلك فالكتابة الأكاديمية الجيدة دليل على حسن التخطيط، وجودة التنفيذ، وعمق المعرفة، وتوظيف اللغة بصورة جيدة، وجميع ما سبق يعد من عمليات مدخل الكتابة.

ويعرف نستلر (Nistler, 1993) مدخل عمليات الكتابة الأكاديمية بأنه “طريقة تهتم بالعمليات التي يقوم بها المتعلم في كتابته، ومحاولته للتمييز بين الأفكار، وتحديد المعلومات؛ ليعبّر عن مشاعره الشخصية وآرائه من خلال لغته وأسلوبه، ومن خلالها يكتشف نفسه، ويستثمر قدراته على الكتابة والتأليف، وينتج عن ذلك شعوره بالانتماء، لمنتجه الكتابي”.  وتعرفه (عوض، 2002: 33 ) بأنه ” طريقة تهتم بالعمليات التي يقوم بها المتعلم في كتابته، ومحاولته للتمييز بين الأفكار وتحديد المعلومات ليعبر عن مشاعره الشخصية وآرائه من خلال لغته وأسلوبه “، ويعرف أيضا مدخل العمليات الأكاديمية بأنه “تلك العمليات التي يقوم بها الطالب المعلم في أثناء تفكيره في كتابة موضوع التعبير والتي تؤدي إلى إنشاء بناء لغوي منذ بداية الفكرة وبناء الخطة للكتابة وتنفيذها وتقويمها حتى يصل إلى الصورة الأخيرة لموضوع التعبير.

بينما يرى آخرون أن مدخل العمليات يعني المدخل الذي يركز على العمليات التي تحدث قبل وأثناء وبعد عملية الكتابة، ويركز هذا المدخل على أن عملية الكتابة عملية ارتدادية، وليست خطية، حيث إن نشاطات ما قبل الكتابة والكتابة وما بعد الكتابة تتداخل، وتتشابك بطريقة تسهل كتابة موضوع تعبير جيد.

أهمية استخدام مدخل عمليات الكتابة الأكاديمية:

يعالج مدخل عمليات الكتابة الأكاديمية الكتابة باعتبارها عملية تفكير في حل مشكلة معينة، أو توضيح رأي ما أو إيضاح لوجهة نظر، وتعد تلك العمليات مفاتيح لتطوير الكتابة ؛ لأنها تعالج النص المكتوب كبناء قابل للتطوير والتجديد في بنائه، ويتم ذلك عن طريق التفاعل المستمر بين مجموعة من العمليات كالتخطيط والتأليف والمراجعة والتنقيح، وكل هذا يسهم بالضرورة في تطوير الأداء الكتابي.

وتبرز أهمية مدخل عمليات الكتابة من حيث إنه أحد المداخل التي اهتم بها الباحثون كونه يعطي الكتابة حقها الكامل من الاهتمام، ابتداء من الفكرة، مرورا ببقية العمليات دون الاكتفاء بالحكم على المنتج النهائي للكتابة، وفي هذا الصدد يقول سميث (Smith, 2000) “في الأربعين سنة الأخيرة تحوّل تعليم الكتابة من التركيز على المنتج الكتابي، إلى التركيز على عملية الكتابة نفسها”، ويبدو أن هذا التحوّل جاء نتيجة لضعف المنتج النهائي الذي يقدمه التلاميذ؛ لذا كان من المهم تعويدهم وتدريبهم من خلال خطوات عملية على التدرج في عملية الكتابة التعبيرية؛ حتى يصلوا إلى درجة الكتابة المقنعة التي تمتع القارئ.

ومن هذا المنطلق يؤكد بعض علماءء التربية اللغوية على أنه يجب على المعلمين أن يعرفوا “أن الكتابة ليست إنتاجا، وإنما هي عملية معقدة تتطلب مجموعة من الأنشطة قبل الكتابة، وفي أثنائها، وبعد الكتابة، كما أن عليهم أن يعرفوا أيضا أن تقويم الكتابة يتطلب جهدا فائقا في تحديد عناصر النص المكتوب، وتقدير الدرجة التي تعطى لكل عنصر من هذه العناصر.

وترجع أهمية مدخل عمليات الكتابة إلى قدرته على التوفيق بين المداخل الحديثة واستيعابها في تعليم التعبير الكتابي بالإضافة إلى ارتباطه بما أثر عن فحول الأدباء في تراثنا العربي عند كتاباتهم ؛ حيث كانوا لا يكتبون العمل دفعة واحدة لكن على فترات متباعدة وفي مسودات متعددة وحتى تصل إلى بناء لغوي متماسك منظم، ويتصل بذلك المعنى أن الصورة النهائية للنص المكتوب جيدا لا تظهر من أول محاولة للكتابة، ولكن بعد عدد من المحاولات والمراحل، لذلك فالكتابة ليست نشاطا فطريا سهلا، بل هي مهمة مكتسبة قوامها التخطيط والتدريب والتمرن المستدام وهذا يتطلب جهدا ذهنيا واعيا وإعمالا إيجابيا للعقل.

عمليات الكتابة الأكاديمية:

ظل المدخل التقليدي لتعليم الكتابة وهو مدخل المنتج الكتابي writing as product سائدا لفترة طويلة، وهو ينظر إلى الكتابة كمنتج أي الكتابة النهائية للنص في أول محاولة دون التخطيط والمراجعة، حتى ظهر مدخل عمليات الكتابة ليوجه عنايته إلى تحقيق إيجابية المتعلم وفعاليته، وهو المدخل الذي يستهدف تعليم الكتابة بالتركيز على كيفية حدوث التعلم بدلا من المنتج فقط، ويعتد على المدخل على وعي المتعلم بتلك العمليات. ويشير (شحاتة، 2010: 93 ) إلى أن المفكر التربوي جيمس Games,2009  نادى بثورة في تعليم الكتابة ومراحلها، وأن الاهتمام بضرورة تدريب المتعلمين على عمليات الكتابة بات ضروريا ؛ لتحسين مهارات التعبير الكتابي والحد من استخدام المدخل التقليدي القائم على المعرفة.

وقد صنف الباحثون عمليات الكتابة الأكاديمية عدة تصنيفات ؛ فقسمها (بريتون Britton,1970) إلى ثلاث مراحل هي: مرحلة التفكير العقلي، ومرحلة الحضانة، ومرحلة الإنتاج، وصنفها (جريفيز Graves,1981) إلى مراحل ثلاث أيضا هي: مرحلة ما قبل الكتابة، ومرحلة الكتابة ( التأليف )، ومرحلة ما بعد الكتابة، أما (فلور وهايز Flower & Hayes ,1981 ) فقد صنفا الكتابة في ثلاث مراحل هي: التخطيط، والترجمة، والمراجعة. أما ( ريميس Raimes,1985 ) فيشير إلى خمس عمليات للكتابة الأكاديمية هي: بناء النص، وقراءته، وإعادة بنائه، ثم قراءته مرة أخرى، وأخيرا تحرير النص وتنقيحه،  في حين أن (تومكينس Tomkins ,1994 ) قسم عمليات الكتابة الأكاديمية إلى خمس عمليات هي: ما قبل الكتابة، والمسودة، والتنقيح، والتحرير، والنشر.

وصنفها (للويد Lloyd,2007) إلى خمس عمليات وهي: التخطيط، والمراجعة، والاستشهادات، والتنظيم، وهندسة النص،  أما (شحاتة، 2010 ) فقسمها إلى ثلاث عمليات هي: ما قبل الكتابة ( التخطيط )، والكتابة ( التأليف )، والمراجعة والتنقيح ويمكن إيجاز عمليات الكتابة الأكاديمية بالتعليم الجامعي فيما يلي:

أولا ـ عملية التخطيط (مرحلة ما قبل الكتابة ):

هي المرحلة التي تسبق الكتابة؛ ويطلق عليها البعض مرحلة التخطيط، ويقصد بها أن يعرف الطالب كيف يبدأ؟ وكيف يعالج ما لديه من أفكار؟ وما الأفكار التي عنده يريد التعبير عنها؟ وكيف يعبر عنها؟ وهذه هي مسئولية المعلم بالدرجة الأولى، فبإمكانه تحفيز تلاميذه للقيام بهذه الأعمال بتهيئة الجو النفسي، والبيئي، والتعليمي المناسب لهم. ويمكن للطالب في هذه المرحلة وضع مخطط هيكلي ــ بأي شكل يقترحه ويراه مناسبا لأهدافه ـ يعكس تصوراته العقلية حول الموضوع الذي يود الكتابة فيه، فيقترح الأفكار الرئيسة، ويحدد الأفكار الفرعية، ثم يضيف، ويعدّل ما يشاء حتى يصل إلى تصوّر مقنع يساعده على الانطلاق المبدئي للكتابة بشكل متسلسل.

وعملية التخطيط ليست مرحلة واحدة، بل هي عبارة عن عملية تفكير فريدة من نوعها يستخدمها الطالب أكثر من مرة أثناء تأليفه للنص الأكاديمي، ويمكن تحديد أهدافها في تحديد الغرض من الكتابة، وبناء الأفكار، وتحديد موضوع الكتابة، والاتجاهات التي ستأخذها الكتابة. كما تشمل هذه العملية جمع المعلومات اللازمة من مصادر متنوعة، فضلا عن إعداد إطار ذهني للكتابة. وتتطلب هذه العملية استخدام أساليب واستراتيجيات متنوعة تساعد الطلاب على توليد الأفكار ؛ حيث يكون الطالب الكاتب قادرا على انتقاء المناسب ليكتب المسودة الأولى بالشكل الذي يراه مناسبا، ومن ثم تنظيم هذه الأفكار بطريقة تمكنه من الانتقال إلى مرحلة الكتابة الفعلية.

ـ استراتيجيات مرحلة ما قبل الكتابة:

في مرحلة ما قبل الكتابة ( التخطيط ) يمكن استخدام أكثر من استراتيجية مثل استراتيجية الكتابة الحرة Free Writing  التي تخلق أرضية خصبة للكتابة كونها أداة مساعدة على التفكير، كما أنها تدعم مجال التحرر في الكتابة، واستراتيجية الخرائط الذهنية Mind Maps التي تأتي في مرحلة الكتابة الأولية التي تسبق كتابة المسودة، ويسهم استخدامها في توليد الأفكار وتأصيلها، وهذه الاستراتيجية منوط بها إعادة تنظيم الأفكار، وإعادة ترتيبها وتحريكها.ومن استراتيجيات عملية التخطيط أيضا الكتابة السريعة Rapid Writing  وتستهدف مساعدة الطلاب على البدء في الكتابة، والوصول بالطلاب إلى إنتاج موضوعات ذات مواصفات محددة، وتوليد مادة خام توجه الكتابة. كما تعد استراتيجية فحص النماذج من أبرز تقنيات مرحلة ما قبل الكتابة، حيث تعطي للطالب مساحة ليتعرف مواصفات النموذج الجيد للكتابة في مجال معين، ومقارنته بنموذج لا تتوافر فيه المواصفات نفسها مع أهمية التركيز على تحليل النماذج.

ثانيا ـ عملية التأليف ( الكتابة / المسودة ):

تمثل هذه المرحلة تنفيذ الخطة المرسومة، أي تطوير وتحويل الأفكار السابقة التي تم توليدها في مرحلة ما قبل الكتابة ( التخطيط ) إلى كتابة فعلية، وقد يحتاج النص الأكاديمي إلى أكثر من مسودة، وفي هذه العملية يقوم الطالب الكاتب بإنتاج جملة البداية أو ما تعرف بجملة الموضوع، غالبا ما تكون جملة البداية أو ما يعرف بالمقدمة هي أولى عمليات كتابة المسودة، وتعرف أيضا بجملة الموضوع. وما يرتبط بها من جمل تمثل افتتاحية الموضوع والتي ينبغي أن تكون مناسبة وجذابة.

كما تتضمن عملية التأليف تحديد دور كل فكرة فرعية، الفكرة هي جوهر العمل الكتابي، حيث إنها تشكل لدى الكاتب الهدف الحقيقي والرئيس الذي يسعى إلى إشراك القارئ في بيان أهميتها أو الانتباه إليها. وينبغي أن ترتبط الأفكار بحياة القارئ لاسيما إن كانت الكتابة أكاديمية متخصصة، وينبغي أن تكون الأفكار ثرية قابلة للتأويل وترمي إلى إقناع القارئ بها. بالإضافة إلى أن هذه العملية تتضمن انتقاء الألفاظ المعبرة عن الموضوع، والمرتبطة بمضمونه ارتباطا وثيقا،وهذا الإجراء اللغوي يعد ضروريا لتحقيق وحدة الموضوع الكتابي، ويمكن التدريب عليه من خلال إعداد قوائم من الكلمات ذات الصلة بموضوع واحد.

ـ استراتيجيات كتابة المسودة: 

من الاستراتيجيات المستخدمة في هذه المرحلة استراتيجية تطوير الأفكار وتنظيمها، حيث تعتمد هذه الاستراتيجية على تنظيم الأفكار والمعلومات وتصنيفها ؛ لاختيار ما له صلة بالموضوع وربط المعلومات بالفكرة، وصوغها في صورة فقرة تعبر عنها. ومن الاستراتيجيات الخاصة بمرحلة الكتابة استراتيجية إسناد الفكرة الرئيسة، وتركز على اختيار الفكرة الرئيسة كإطار عام للموضوع، ثم اختيار التفاصيل التي تدعمها، وتستند هذه الاستراتيجية على مجموعة من الإجراءات منها: كيفية إنتاج عينات كتابية على غرار النماذج، وتدريب المتعلمين على كيفية التوسع في الجمل، وإنتاج تفاصيل جديدة لدعم الفكرة.

ثالثا ـ عملية المراجعة والتنقيح:

تعد مراجعة النص الأكاديمي عملية أساسية قبل نشره، ويشير ( شحاتة، 2010: 204 ) إلى أن جودة التخطيط دالة على جودة التنفيذ، وبالتالي فإن عملية مراجعة النص الأكاديمي، والتطوير يحدث عن طريق التفكير فيما تم التفكير فيه بمراقبة مدى القدرة على الإجابة عن الأسئلة التي طرحها الكاتب، ومدى توافر المهارات العامة والنوعية للكتابة، ومدى قدرة المبنى والمعنى والأسلوب للتأثير في أفكار المرسل إليه.

وتتضمن عملية المراجعة والتنقيح مجموعة من الإجراءات التي يقوم بها الطالب الكاتب منها: يقوم الكاتب بقراءة المسودة بصورة سريعة وشاملة ؛ ليتأكد من معنى النص الأكاديمي، و قراءة النص بشكل نقدي ؛ للبحث عن مدى تسلسل الأفكار وترابطها، ومدى وضوحها داخل النص الأكاديمي ( المقدمة، المتن، الخاتمة )، ثم يقوم الطالب الكاتب بإضافة أو إلغاء، وإعادة ترتيب الكلمات والجمل والفقرات من أجل الوصول إلى مستوى مرتفع من الوضوح والدقة في النص الأكاديمي بأكمله.

كما أن الطالب الكاتب في هذه العملية يقوم ببعض الإجراءات المرتبطة بإعادة تحرير النص الأكاديمي مثل: مراجعة الهدف العام من كتابة النص الأكاديمي، ومراجعة صحة المعلومات الواردة في النص، ومراجعة أفكار النص الأكاديمي فكرة فكرة ومراعاة تسلسل الأفكار وتواترها، علاوة على الالتزام بترابط الأفكار ومنطقيتها، كذلك مراجعة الرسوم والأشكال وصحتها في النص، فضلا عن مراجعة الشكل العام للنص الأكاديمي.

ـ استراتيجيات عملية المراجعة والتنقيح:

من الاستراتيجيات المستخدمة في هذه المرحلة استراتيجية إعادة تنظيم الأفكار، وهي صورة لمراجعة النص للتأكد من أنه يعبر عما يريده الكاتب من خلال إعادة الصياغة حذفا وإضافة وتعديلا، فمحور الاهتمام هو إعادة تنظيم المحتوى توضيحا وتأكيدا. ومن استراتيجيات المراجعة طرح الأسئلة لمراجعة الكتابة، وتستهدف تقديم الطالب تعليقات حول مراجعة زميله، وطرح أسئلة حول ملاحظاته ؛ مما يجعله مسئولا عن كتابته، وأن النص الأكاديمي المكتوب موجه لجمهور بعينه.

وتعد استراتيجية تحرير النظير Peer Edition  من أبرز استراتيجيات عملية المراجعة والتنقيح ؛ حيث تتيح هذه الاستراتيجية فرصا للانشغال في محادثات حول النص الأكاديمي، ومدى إنجاز الكتابة للغرض المستهدف.

ـ الكتابة الإقناعية الحجاجية:

تندرج الكتابة الإقناعية الحجاجية ضمن مجالات الكتابة الوظيفية التي لم تنل اهتماما كبيرا في الدراسات العربية ويؤكد الكثير من خبراء تعليم اللغة على أنه في ضوء ما تفرضه متطلبات العصر من توجهات ديموقراطية تدعم التعبير عن الرأي، وما يتطلبه ذلك من قدرة على الإقناع، تبرز ضرورة الاهتمام بهذا النوع من الكتابة، فهناك حاجة ماسة وضرورية لتحسين فهم الطلاب، والعمل على بناء الحجج السليمة لمحتوى المقررات الدراسية، وإشراك الطلاب في الحوارات والمناقشات ؛ كي يكونوا قادرين على خوض مجالات التنافس بصورة فعالة في عصر يرتبط فيه النجاح والتفوق بمدى القدرة على التفكير.

وقد فطنت الدراسات الأجنبية لذلك منذ فترة كبيرة، حيث وجهت عنايتها بالكتابة الإقناعية، وحولت توصيفها، وتحديد ماهيتها وأسسها، كما استهدف هذه الدراسات إيجاد العلاقة بينها والتفكير الناقد، والقدرة على الاستدلال.  

وتعد الكتابة الإقناعية الحجاجية نوعا من التفاعل والتكامل الذي يحققه الكاتب بين محتوى الموضوع الذي يكتب عنه، والذي يعرض من خلاله البنية التنظيمية للموضوع ؛ أي أن الكاتب يولد الأفكار ذات الصلة بموضوعه، ثم يصوغ وينظم الأفكار باستخدام الأسلوب المناسب والبنية التنظيمية التي تلائم الكتابة الإقناعية، ويتم هذا بهدف التأثير على جمهور القراء الذي يقرأ ويقيِّم الكتابة الإقناعية ، وهذا النمط الكتابي يعتمد على ادعاء ما، ثم يقوم الكاتب بتدعيم ادعائه جدليا من خلال توليد جملة من الأفكار التي تعصف بذهنة من جهة، ومن خلال خبراته السابقة وتجاربه السالفة من جهة أخرى.

مكونات الكتابة الإقناعية الحجاجية:  

وتتضمن الكتابة الإقناعية مجموعة من المهارات النوعية التي ترتبط بالحجاج وعرض القضايا الجدلية الخلافية، ولقد تعددت الدراسات والبحوث التي استهدفت تحديد مهارات الكتابة الإقناعية الحجاجية، ومعظم هذه المهارات استندت ـ ولا تزال ـ على نموذج تولمن Tolmin  في الحجاج الذي أحدث ثورة في مجال المحاجة البرهانية، وكان ثورة ضد المحاجة البرهانية الكلاسيكية، وهذا النموذج يستند على ستة حدود أساسية هي: الادعاء، والأسس أو البيانات، والتبرير أو المسوغ، وفيما يلي عرض الأسس الستة:

ـ الادعاء: رأي يقدم في موضوع جدلي، يمكن أن تتباين حوله وجهات النظر، ويمكن أن تدور حوله مناقشات متباينة الاتجاهات والرؤى، ويقدم للإجابة عن سؤال: ماذا أريد أن أثبت ؟، أو اقتراح حل لمشكلة معينة، ويتم تحديد هذا الادعاء من خلال حدث، أو فكرة، أو ظاهرة، أو رأي.

ـ الأسس / البيانات: معلومات أو حقائق ترتبط بالادعاء أو المقولة، وتقدم لدعمه أو تأكيده، ويجيب عن سؤال: ماذا لدي لاستمر ؟.

ـ المبررات / المسوغ: أحد أركان الحجاج التي تقدم للمصادقة على العلاقة بين المقولة، والبيانات المقدمة لدعمها. وهذا المسوغ يمنح دعما عاما، ويربط الأسس بالادعاء إما ضمنيا أو صراحة، ويجيب عن السؤال: كيف أصل من الدليل إلى الادعاء ؟.

ـ الافتراضات أو القضايا الفرعية / تفاصيل الرأي: وهي ادعاءات وآراء فرعية، وترتبط بالادعاء الرئيس، ويتحدد من خلال تضمين مواصفات معينة، أو تحفظات، وتعد إمكانية تطبيق الادعاء الفرعي أكثر محدودية من إمكانية تطبيق الادعاء الرئيس. وتعد هذه الافتراضات بمثابة تفاصيل للادعاء الرئيس.

ـ الاستجابة للآراء المخالفة: وهي جملة الآراء التي تختلف عن رأي الكاتب، وقد يرفضها رفضا مطلقا قاطعا، أو يقبلها جزئيا، ويهتم هذا الجزء من الإطار الحجاجي بعرض هذه الآراء والتفاصيل.

ـ الدحض: في هذا المكون يقوم الكاتب بدحض الآراء المخالفة والمضادة للادعاء الرئيس والتي تقدم عن طريق البيانات والأدلة وتفنيد تلك الآراء المخالفة، ويحاول الكاتب من خلال عملية الدحض تلك إلى تغيير رأي القارئ وإقناعه بالعدول عن فكرته عن القضية أو الظاهرة.

مهارات الكتابة الإقناعية الحجاجية:

في ضوء دراسة قوائم مهارات الكتابة الإقناعية الحجاجية التي أفرزتها نتائج الدراسات والبحوث السابقة التي استهدفت تنمية تلك المهارات مثل دراسات كل من ( بيترسون وآخرين  Peterson et al , 2004 )، (تاسيTasi,2006 )، ( أندروس وآخرين  Andrews et al ,2009 )، (نيبولد Nippold,2010 )،، (نيكول و كريستي Nicole & Kristie,2012) ( يا شينتساي  Ya-Chintsai,2013 )، (مارجو وآخرين Margo et al,2014 )، يمكن تحديد المهارات الرئيسة للكتابة الإقناعية الحجاجية، وما يندرج تحتها من مهارات فرعية فيما يلي:

ـ عرض القضية الجدلية: وتشمل مهارات  صوغ الادعاء في صورة قضية قابلة للمناقشة، تحديد القضية الجدلية بدقة ووضوح، افتتاحية تمهيدية لموضوع الإقناع تصف علاقة الكاتب بالقضية.

ـ السياق اللغوي للموقف الحجاجي: وتشمل سلامة اختيار الألفاظ والجمل المتعلقة بالموضوع،  اللجوء إلى الإيحاء والتضمين والتلميح كاستدعاء الشخصيات، و استعمال علامات الترقيم بصورة وظيفية وصحيحة.

ـ خاصة بالادعاءات والأدلة: وتتضمن  تحديد الأدلة والبراهين بدقة ووضوح، ارتباط الأدلة بالقضية الجدلية، وعرض الأسباب والمبررات بصورة منطقية، الربط بين الادعاءات والبيانات بيسر ووضوح.

ـ دحض الادعاءات والتوصل إلى نتيجة نهائية: وتتضمن مهارات تحديد الادعاءات المضادة بدقة، و تقديم الحجج التي تستند عليها الادعاءات المضادة،  تفنيد الادعاءات المضادة أو المعارضة ودحضها بوضوح ودقة، التوصل إلى نتيجة محددة من خلال الحجج والأدلة المقدمة.

______

*د. بليغ حمدي إسماعيل:  أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية ( م )/ كلية التربية ـ جامعة المنيا ـ مصر.

*المصدر: التنويري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات