المقالاتتربية وتعليم

الجامعات العربية في معترك الثورة الصناعية الرابعة؛ قراءة في جدليات التفاعل والتأثير


1- مقدمة:

تأخذ العلاقة بين الثورات الصناعية المتتابعة والتعليم العالي صورة تفاعل مستمر يتصف بالعمق والشمول ، ومما لا شك فيه أن التعليم العالي جاء تاريخيا تعبيرا عن إرادة التغيير في المجتمع في الوقت الذي يكون فيه هو نفسه نتاجا لفعالة التغيير في المجتمعات الإنسانية، وهو يتحرك في فضاء التغيير والتغير ودورته المستمرة فهو نتاج للتغير الاجتماعي وفي الوقت نفسه فاعل فيه. وقد خضع التعليم العالي والجامعي عبر تاريخه الطويل لصيرورات اجتماعية وعلمية وثيقة الصلة بحركة التغيرات الجارية في المجتمعات الإنسانية، وكان على التعليم العالي أن يكون فاعلا في هذه الصيرورات وأن يتغير ويغير في معادلة التجاوب والاستجابة لمعطياتها.

لقد كانت الجامعات وما زالت مصدر الإبداعات العلمية التي ما فتئت تتحول إلى قوة حضارية تنهض بمجتمعاتها وتعمل على تغييرها. ويمكن القول بلا مواربة بأن تقدم الإنسانية كان جوهريا نتاجا لمنظومة مستمرة من الإبداعات العلمية التي نشأت في أحضان الجامعات ومؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي. فأغلب الاكتشافات العلمية كانت وما زالت في جوهرها نتاجا طبيعيا لتطور التفكير العلمي في الجامعات التي شكلت تاريخيا مهماز التطور الحضاري وبوتقة التطور المعرفي . ويمكن القول بلا تردد إن الجامعات قد شكلت قاطرات التاريخ الحضاري للإنسانية استجابة وتجاوبا للتغيرات العلمية ومع المتغيرات المجتمعية. ومن الطبيعي أيضا أن تشكل التغيرات والمتغيرات الحادثة في المجتمع النوابض التاريخية لتقدم الجامعات وتطورها ، وذلك من منطلق أن العلاقة القائمة بين الجامعات والمجتمع هي علاقة صميمية وجودية تقوم على الفعل والانفعال والتجاوب والاستجابة الدائرية المستمرة عبر الزمان والمكان.

ومما لا شك فيه إن الثورات الصناعية الكبرى في التاريخ كانت تعبيرا حيا ومباشرا عن الاكتشافات العلمية فالثورة الصناعية الأولى كما اشرنا في الفصل السابق كنت نتاجا للاكتشاف العلمي في مجال الطاقة البخارية ، وكانت الثانية تعبيرا عن اكتشاف الطاقة الكهربائية والثالثة كنت نتاجا لثورة الحاسوب وطفراته الرقمية وتأتي الرابعة عن متن اكتشافات علمية متراصة في مختلف المجالات العلمية . ويتضح وبدون مواربة أن هذه الثورات الصناعية كانت في جوهرها ثورات علمية تجلت في اكتشافات علمية مهولة ليس لها مثيل في التاريخ الإنساني . ومن ثم أحدثت هذه الاكتشافات ثورات هائلة في المجتمع في الاقتصاد والسياسة والإعلام والعلاقات بين الناس . ومع أن هذه الثورات خرجت من رحم الاكتشافات العلمية في الجامعات فإنها قد ارتدت إليها وغيرت في مساراتها وقدراتها ومن ثم تطلب الأمر من هذه الجامعات في مسار الموجات التي أحدثتها أن تتغير جوهريا وأن تواكب هذه الثورات لتشكل من جديد في دورة التفاعل قوة ابتكارات جديدة تنتج تغيرا في المجتمع ضمن ما يمكن أن نسميه جدلية التغيير والتغير بين الجامعة والمجتمع . وعلى هذا النحو يمكن القول أن تطور الحضارة الإنسانية المعاصرة قد انطلق من منصات الثورات الصناعية المتعاقبة ولذا فإن أكثر أشكال التفاعل الحضاري حيوية وأهمية كان يتجلى في علاقات التخاصب والتفاعل بين الجامعات والمؤسسات العلمية الأكاديمية من جهة وبين الثورات الصناعية المتعاقبة بدءا من الثورة الصناعية الأولى وانتهاء بالثورة الصناعية الرابعة. ومن يتتبع سير هذه العلاقة الجدلية بين التعليم العالي والتطور الصناعي سيرى بأن حصاد الحضارة الإنسانية المعاصرة يعود في أكثر وجوهه خصوبة إلى هذا التفاعل الخلاق بين الإبداعات العلمية للجامعات والثورات الصناعية المستمرة منذ الثورة الصناعية الأولى في القرن الثامن عشر حتى يومنا هذا. ومما لا شك فيه أن جدلية العلاقة بين مؤسسات التعليم العالي والثورات الصناعية المتتالية تأخذ خطاً متصاعدا عبر الزمان والمكان وهذا الخط يميل دائما إلى النهوض والصعود المستمر كلما تقدمنا في دائرة الزمان والمكان.

ويقينا أنه يجب علينا من أجل التعرف على طبيعة التفاعل الحيوي بين مستقبل التعليم العالي والثورة الصناعية الرابعة أن نقدم صورة واضحة لطبيعية العلاقة بين التعليم العالي والثورات الصناعية الثلاثة الأولى كنموذج فكري حضاري يمكننا من فهم طبيعية التحولات وجدليات التفاعل بين الثورة الصناعية الرابعة القادمة والتعليم العالي. فالصورة التاريخية الواضحة لطبيعة العلاقة بين التعليم العالي والثورات الصناعية المتابعة في الماضي تشكل نموذجا تحليليا يمكننا من فهم عميق لطبيعة هذا التفاعل وإشكالياته وتحدياته في مستقبل التعليم العالي ودوره في مستقبل الحضارة الإنسانية القادمة،  ويمكننا هذا التصور في الوقت نفسه من فهم المسارات والاتجاهات المستقبلية لهذه التفاعلات في مضمار العلاقة بين التعليم العالي والثورة الصناعية الرابعة التي ما زالت في باكوراتها الأولى. ويقينا بأن إغفال النماذج التاريخية لعلاقة التفاعل والتخاصب بين الثورات الصناعية السابقة والتعليم العالي سيشكل نقصا كبيرا في قدرتنا على فهم طبيعة هذا التأثير في المستقبل وفي الأزمنة القادمة. فالآليات والإشكاليات والتطورات التاريخية الحادثة بين الظاهرتين – أي بين التعليم العالي وبين الثورات الصناعية السابقة – ستمكننا – أي بوصفها نموذجا معرفيا – من الخوض الآمن في فهم وتفسير التطورات القادمة المستقبلية في جدل العلاقة بين الثورة الصناعية الرابعة والتعليم العالي.  ومن هنا تأتي أهمية المراجعة التاريخية لهذه العلاقة بين الثورات الصناعية الثلاث والتعليم العالي ولاسيما في البلدان الغربية الصناعية.

فالثورة الصناعية الرابعة تشكل نتاجاً طبيعيا لتطور المعرفة الإنسانية على مدى العصور، وهي في الوقت نفسه تمثل فرصة تاريخية للإنسانية تتسم بطابع التعقيد والإثارة والجدل ومهما يكن أمرها فإنها تشكل منصة حقيقة لتطوير المجتمعات الإنسانية نحو آفاق جديدة. ومما لا شك فيه أن هذه الثورة الصناعية المعززة بقوة الذكاء الاصطناعي ستغير وجه التاريخ وسيكون تأثيرها الهائل صاعقا في مجال التعليم بعامة والتعليم العالي على وجه الخصوص. ويرى معظم الخبراء أن هذه الثورة ستؤدي إلى تغيير جوهري في طبيعة الأشياء وفي طبيعة الإنسان نفسه. وتبين التوقعات أن معظم الظواهر التي نشاهدها اليوم لن تكون موجودة البتة بعد خمسة عقود كاملة من الزمن (Marwala et al.,2006)[1].

ويلوح في الأفق اليوم أن هذه الثورة الصناعية الرابعة تفرض نوعا من التغيير الجذري في بنية التعليم العالي واستراتيجياته في مختلف المستويات البنيوية والمنهجية والوظيفية حيث يترتب على ذلك ظهور جامعات جديدة مختلفة عما عهدناها وعرفناه في التاريخ الإنساني، وستتميز هذه الجامعات بالطابع الافتراضي المتنوع حيث ستقوم بعمليات التدريس والبحث العلمي والخدمة على نحو افتراضي، ضمن سياق التعدد في الاختصاصات العلمية الجديدة، والتركيز على الطابع الافتراضي لعملية التدريس، حيث ستكون الفصول والمختبرات والقاعات والمكتبات والمدرسين محض فعاليات افتراضية تعتمد الواقع الافتراضي في المنهجية والتطبيق ، وستنطلق جامعات المستقبل من هذا الواقع لتمارس دورها الخلاق في مختلف نواحي وجوانب المعرفة العلمية الأكاديمية. ويتضح من خلال التوقعات أن هذه الجامعات الجديدة لن تكون قادرة على التكيف مع معطيات الثورة الصناعية الرابعة فحسب بل ستكون قادرة على المشاركة في تحقيقها وتوجيه مساراتها إبداعا وتجديدا.

ومن هذا المنطلق المنهجي سنقوم في هذا الفصل بدراسة العلاقة التاريخية بين الثورات الصناعية الثلاث والتعليم العالي وذلك من أجل تفهم ودراسة مستقبليات هذه العلاقة وطبيعتها في معترك الثورة الصناعية الرابعة ، وهذا يعني بناء نموذج ذهني ومنهجي للتفكير في مستقبل العلاقة بين التعليم العالي والثورة الصناعية الرابعة التي ما تزال في باكوراتها الأولى .

2- التعليم العالي  في فضاء  الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية:

فرضت الثورة الصناعية الأولى نوعا من الرؤى والتصورات الجديدة في مجال المناهج والبرامج التربوية التي يمكنها أن تتناغم مع إيقاعات التحولات الجديدة في البنى التحتية في المجتمع. وقد أطلق رئيس جامعة هارفارد تشارلز دبليو (Charles L. Eliot) إليوت على هذا النوع من التعليم تسمية “التعليم الجديد” [2] وعرضت بعضا من هذه التحولات الجذرية التعليم الكلاسيكي المهيمن بوضوح في تقرير جامعة ييل (Yale University) لعام 1828 )[3](.

ويرى بعض المؤرخين أن الثورة الصناعية الثانية أخذت مجراها في الفترة التاريخية ما بين عامي 1870 إلى 1969 وقد شهدت هذه المرحلة نموا كبيرا في الصناعات التكنولوجية الجديدة المرتكزة على طاقة الكهرباء. وقد ترافق ذلك بتغيرات كبيرة في مختلف المستويات وقد سميت هذه التغيرات من قبل البعض بـ”الاقتصاد الجديد” (New Economy).

وشهدت هذه المرحلة توسعا كبيرا في التعليم العالي ونشأة عدد كبير من أنماط التعليم الجامعي في الولايات المتحدة وفي أوروبا. وقد أدى هذا التوسع والامتداد إلى موجة من الاكتشافات العلمية في مختلف الميادين كما ساعد على تعزيز وتسريع وتائر النمو الاقتصادي الحادث بتأثير الاكتشافات التكنولوجيا الجديدة. وأدى ذلك في نهاية الأمر إلى حصاد كبير في نمو المؤسسات العلمية والتربوية في المستوى العمومي الحكومي كما في مستوى القطاعات الخاصة. ومع بداية الثورة الصناعية الثانية وفي منصف الحرب الأهلية تمّ إقرار قانون موريل لعام 1862 الذي أقر قانون تكافؤ الفرص التعليمية لمختلف أبناء الطبقات الاجتماعية ولاسيما الطبقات العمالية الكادحة منها حيث أصبح التعليم العالي في متناول الجميع دون استثناء([4]). واحتاج بناء هذه المؤسسات العلمية واكتمالها إلى عقود من الزمن في مختلف الولايات، وقد جهزت من أجل تشكيل طبقة من المهندسين والتقنيين المؤهلين للعمل في مختلف القطاعات المهنية المطلوبة في المجتمع الصناعي ولاسيما في حقل الزراعة كما في مجال الفنون الصناعية الميكانيكية[5].

وقد وظفت الأرباح الهائلة الناجمة عن الصناعات الجديدة مثل: السكك الحديدية والزيت والصلب، في تعزيز مسيرة الأعمال الخيرية الخاصة وأفضى ذلك إلى تأسيس مؤسسات علمية وبحثية مهمة مثل: جامعة ستانفورد (Stanford University 1885) وجامعة شيكاغو (University of Chicago 1890). كما تم إنشاء العديد من الكليات الصغيرة مثل كلية بومونا (Pomona College 1887)، وجامعة جنوب كاليفورنيا (University of Southern California 1880). وقد شيدت هذه المؤسسات العلمية في مجال التعليم العالي خلال عدة عقود بعد بداية الثورة الصناعية الثانية، وجاءت هذه المبادرات العلمية لتتجاوب مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت متسارعة حتى نهاية القرن التاسع عشر. وقد عرف عن هذه المؤسسات الجديدة في التعليم العالي والجامعي أنه كانت مختلطة خلال الثورة الصناعية الثانية وهي بذلك ساعدت على تعزيز دور متزايد للنساء في الأوساط الصناعية والأكاديمية[6].

من المهم أن نلاحظ أن التغييرات الحادثة في المجتمع والتعليم خلال الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية لا يمكنها أن تنفصل عن صيرورة العوامل الاجتماعية والاقتصادية مثل: الدورات الاقتصادية، وغيرها من التحولات الجيوسياسية العملاقة التي حدثت في بريطانيا والولايات المتحدة وفي عدد آخر من الدول الصناعية الأخرى كما في اليابان وألمانيا. ومن الملاحظ في هذا السياق أن الحربين العالميتين الأولى والثانية قد أحدثتا فوضى كبيرة في الاقتصاد العالمي ولكنهما مع ذلك كان لهما أثر كبير في عملية تطوير العلوم والتكنولوجيا.

لقد بين التحليل الاقتصادي أن الناتج المحلي الإجمالي (gross domestic product GDP – ) قد بلغ ذروته في الفترة ما بين 1850-1875 كما في الفترة ما بين 1895 – 1913 وهذه الارتفاع يتوافق مع بداية نهاية الثورة الصناعية الأولى وبداية الثورة الصناعية الثانية. وقد لاحظ الاقتصاديون في هذا المسار أن التكنولوجيات الجديدة في الاقتصاد تحتاج إلى وقت كبير للتكيف مع عملية الإنتاج والاستثمار. وتتميز هذه الفجوة بين الابتكار التكنولوجي ونمو الإنتاجية بالتناقص في الإنتاجية. وينسب ذلك التناقص إلى الوقت الذي يستغرقه التدريب والتجريب مع التكنولوجيا الجديدة لنشرها على نطاق واسع في جميع أنحاء المجتمع. ويستفاد من هذه الملاحظات أن انعكاس التغيرات التكنولوجية في البنى الفوقية في المجتمع ولاسيما في مجال التعليم تحتاج إلى فترات زمنية قد تطول أو تقصر لتعطي حصادها. وهذا ما يلاحظه الخبراء حيث استغرقت التغيرات النوعية في المجتمعات الصناعية ولاسيما في التعليم عدة عقود من الزمن بعد بداية كل من الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية[7].

لقد حقق التوسع في إنشاء مؤسسات التعليم العالي والمناهج الجديدة في بداية كل من الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية تطورا كبيرا في مجال العمالة والتقانة والإدارة الاقتصادية وهذا التطور ظهر آثاره واضحة إبان القرن التاسع عشر. ومن ثم يلاحظ أن التحولات الهائلة في مجال التعليم العالي قد أدت إلى مزيد من التقدم في التغييرات الاجتماعية في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية والتي أمكن تحقيقها من خلال الثورتين الصناعيين الأولين. وشملت هذه التغييرات الالتزام بتمثيل أوسع للمحاربين القدامى في الكليات العلمية وإنشاء كليات المجتمع في عام 1947، ويضاف إلى ذلك التوسع الكبير في مجال البحث في الجامعات من خلال التمويل الفيدرالي. وجاء هذا التوسع في الأبحاث العلمية الجامعية بعد نشر التقرير الذي أقره الرئيس ترومان (President Truman) بعنوان “العلوم: الحدود اللانهائية” “Science: The Endless Frontier,”،[8] ومن ثم إنشاء مؤسسة العلوم الوطنية (National Science Foundation) في عام 1950، مما أدى إلى زيادة كبيرة في الموارد المتاحة للعلماء في الجامعات والمؤسسات البحثية ومن ثم الاستفادة منها وتوظيفها في عملية تغيير البنى والمناهج الدراسية في إطار التعليم العالي في الولايات المتحدة والذي استمر على مدى عقود عديدة لاحقا [9].

3- التعليم العالي  في فضاء الثورة الصناعية الثالثة:

يؤرخ للثورة الصناعية الثالثة مع بداية 1969 ومع انطلاق الثورة في مجال الحاسبات الإليكترونية والمعلوماتية التي بلغت أوج تطورها في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. وكان لهذه الثورة تأثير كبير في مختل فمناحي الحياة الاجتماعية والتربوية حيث توسعت الجامعات وارتفعت نسب القبول فيها لتشمل أعدادا متزايدة من مختلف أبناء الطبقات الاجتماعية، علاوة عن التقدم الهائل في مجال البحث العلمي والجامعي الذي تجللا في ما أطلق عليه عولمة البحث الأكاديمي عبر تقنيات الإنترنت والتواصل الإليكتروني. أدى الالتزام المكثف بالتعليم العالي على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم إلى زيادة معدلات المشاركة في التعليم العالي في الهند والصين والولايات المتحدة. على سبيل المثال: ارتفعت نسبة المنتسبين إلى التعليم العالي والجامعي في الولايات المتحدة، من 4٪ في عام 1900 إلى ما يقرب من 70٪ في عام 2000 [10].

وقد شكل اكتشاف الأنترنيت وتوظيفه في التعليم موجة ثورية هائلة في عمق الثورة الصناعية الثالثة. وقد تجلت هذه الموجة في الانتقال الواسع نحو التعليم والتعلم عبر الشبكة العنكبوتية الذي بلغ ذروته في عام 2012. من المتوقع أن يؤدي هذا التعليم الجديد إلى تراجع كامل للتعليم التقليدي في مجال التعليم العالي والجامعي، حيث أصبح التعليم الجامعي عبر الأنترنيت متاحا لملايين الطلاب من مختلف أنحاء العالم. وما تزال ثورة التعليم العالي القائمة على استخدام الإنترنيت في تقديم المحاضرات والدروس والدورات التعليمية عن طريق الشبكة مستمرة وآخذة في التصاعد، ومن المرجح أن تؤدي إلى تكامل بيئات التعلم العالية الجودة والمتزامنة مع البرمجيات الذكية عبر الإنترنت لتمكين الطلاب من بناء مهاراتهم ومعارفهم بشكل أسرع وأكثر فعالية. وقد أتاحت الشبكة للطلاب ممارسة أنشطتهم العلمية والإبداعية عبر الإنترنيت مثل البحث العلمي والترجمة والتواصل والاستكشاف والوصول إلى بنوك المعلومات وغيرها من الأنشطة العلمية بسهولة. وقد أصبحت اليوم هذه التجربة التعليمية العلمية عبر الأنترنيت حاضرة في كل لحظات الحياة اليومية والعلمية للطلاب والناشئة في مختلف أنحاء العالم. ويضاف إلى ذلك أن التعليم عبر الإنترنت المعزز بالتكنولوجيا أتاح للجامعات إمكانية الوصول إلى قاعدة واسعة من الطلاب من مختلف الطبقات والخلفيات الاجتماعية بطريقة فعالية وأدى إلى انفتاح كبير بين الطلاب والمعرفة في مختلف أنحاء العالم[11].

لقد هيأت الثورة الصناعية الثالثة للطلاب والمعلمين بيئة علمية عالية الخصوبة يتمكن فيها الطلاب والمعلمون من الوصول إلى المعلومات والمعارف العلمية على نحو فوري ومجاني. وأدى هذا الأمر بدوره إلى توليد أساليب جديدة في التعلم والتعليم تعتمد منهجية التعلم النشط في بيئة علمية جديدة تركز على منهجيات التعلم القائمة على التعاون في إطار المشروعات الجماعية العلمية. وقد فرضت هذه الثورة أيضا عددا من الإصلاحات في تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في السنوات الأخيرة، وجرى التركيز في سياق هذه الإصلاحات التركيز الفنون المهنية الحرة والمهارات الشخصية التي تندرج ضمن مناهج دراسية متعددة التخصصات. كما أدت التطورات الجديدة إلى إنشاء مؤسسات علمية جديدة تعتمد على المزيد من المناهج الدراسية العالمية المتخصصة وإلى زيادة في التعاون الكبير بين الطلاب من مختلف أنحاء العالم. ومن الأمثلة على ذلك قيام جامعة ييل (Yale University) وجامعة سنغافورة الوطنية (National University of Singapore) بتأسيس كلية للفنون الحرة في مستوى القارة الآسيوية.  وفي هذا السياق تقدم كلية Yale-NUS (Yale-NUS College) في سنغافورة منهجًا تربويا متعدد التخصصات يشمل الأدب والفلسفة من كل من الثقافات الشرقية والغربية، كما تقدم مجموعة من الدورات العلمية متعددة التخصصات في مختلف المجالات، ويشمل ذلك دروسا ومحاضرات في الفكر الاجتماعي الحديث والتحليل الاجتماعي المقارن. ويراد لمثل هذه الدروس والدورات العلمية التربوية أن تمكن الطلاب من التعاون والتفاعل فيما بينهم وتكوين نزعات التسامح والصداقة والسلام، ورفض التعصب والعنف والعدوانية، وتتناول هذه المناهج مختلف القضايا الجوهرية التي تتعلق بالهوية والأسرة والمسؤولية الاجتماعية في العالم المعاصر[12].

لقد تركت الثورة الصناعية الثالثة بصمتهما في الطابع الإنساني للتعليم، ويمكن تناول هذا الجانب تحت مظلة ما يمكن أن نسميه عولمة التعليم، حيث بدأ التأكيد على الطابع العالمي للتربية. ويمكن أن نرصد مثل هذا التوجه في بعض المناهج الدراسة التي أكدت على الطابع العالمي للتعليم. لقد أسست جامعة سوكا في كاليفورنيا الأمريكية منهجا دراسيا يهدف إلى ترسيخ فكرة المواطنة العالمية عند الطلاب عبر دراسة مكثفة للغات الأجنبية ومن خلال تمكين الطلاب من الدراسة في الخارج بلغات أجنبية. وقد تضمن هذا البرنامج أيضا دورات ودروس أساسية واسعة النطاق تبحث في الأسئلة الوجودية للبشرية في محاولة لتقديم إجابات مؤنسنة لهذه الأسئلة في سياق اجتماعي، وهي إجابات مستوحاة في الغالب من الأعمال الفلسفية الكلاسيكية للفلاسفة الصينيين والهنود واليونانيين والمنظرين الاجتماعيين الأوروبيين ويشمل ذلك النظريات المعرفية الحديثة السائدة في القرن الحادي والعشرين في كل من السياقات الأمريكية والآسيوية التي تعزّز قدرة الطلاب على المناقشة والحوار والترابط ضمن سياق دولي.

ويرى بعض الخبراء في مجال المستقبل أن ما ينظر إليه اليوم على أنه مستقبل بعيد، يمكن أن يصبح حقيقة واقعة بعد خمسة أو عشرة أعوام على أبعد تقدير، إذ ستكون هناك زيادة متسارعة في وتيرة الارتباط الشبكي بين مختلف الأجهزة الإلكترونية والذكية، وصولاً إلى ربط كل جهاز قادر على الاتصال الشبكي، بهدف أتمتة جميع تفاصيل الحياة الإنسانية، ويقدر الخبراء أنه خلال الفترات القادمة، وهي على الأبواب، سيصل عدد الأجهزة المرتبطة فيما بينها إلى أكثر من 80 مليار حاسوب وجهاز كمبيوتر.

ومن أكثر التقنيات شيوعًا الزيادة الهائلة في طاقة الكمبيوتر وتقليل تكاليف تخزين المعلومات والبيانات، وتخضع هذه الزيادة في سرعة الكمبيوتر للعلاقة الهندسية المعروفة باسم قانون مور(Moore’s Law)، ويمكن الملاحظة في دائرة هذه العلاقة تضاعف طاقة المعالج للكمبيوتر كل 1824 شهرًا، وقد أدى ذلك إلى ابتكار حاسبات عملاقة جديدة للوصول إلى سرعة حسابية حققها الحاسوب العملاق المعروف باسم Milky Way 2، الذي استطاع أن يحقق زيادة في السرعة بلغت أكثر عن 300,000 كوادريليون في الثانية (Quadrillion- FLOPS)، وقد سجل هذا التطور المتسارع خلال عقدين من الزمن فقط. وهنا عندما يتم الجمع بين هذه التقنيات الرقمية الأسية والتكنولوجيات الأخرى المتقاربة مثل: التكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا النانو، والذكاء الاصطناعي، فإن ذلك يضاعف وتيرة التغيير. وقد وصف البعض تقارب هذه التقنيات المتسارعة على أنها ستوفر منافع لا توصف للإنسانية [13].

4- التعليم العالي والثورة الصناعية الرابعة:

من المبكر جدا القول بأننا نملك تصورا دقيقا عن تأثير الثورة الصناعية الرابعة في المجتمعات الإنسانية على امتداد الكوكب.  وكل ما نعرفه اليوم أن هذه الثورة ستحدث تغيرات جوهرية غير مسبوقة. وهنا يتوجب علينا أن ننظر في الكيفية التي يستجيب من خلالها التعليم العالي والجامعي لمعطيات هذه الثورة، كما يتطلب الأمر من المفكرين التأمل في التغيرات التي ستحدثها هذه الثورة في بنية التعليم العالي ومناهجه وطرائق عمله واشتغاله.

وهذا التطور الهائل في مجال الثورات العلمية والتكنولوجية الذي يؤدي إلى تغيير مختلف مظاهر الوجود يفرض علينا أن نطرح تساؤلات جوهرية حول موقع التعليم العالي والجامعي ومصيره في خضم التحولات الهائلة التي يفرضها التغير المرتقب، وفي هذا السياق يمكن أن نطرح الأسئلة المنهجية التالية: أولاهما كيف سيكون تأثير هذه الثورة في بنية التعليم العالي والجامعي؟ وكيف ستغير هذه الثورة في التكوينات الهيكلية والبنيوية لهذا التعليم؟ وكيف يمكن لهذا التعليم أن يتجاوب مع معطيات هذه الثورة؟ وكيف يمكنه أن يؤثر في حركة تطورها؟ 

مما لا شك فيه أن التعليم العالي سيكون المنصة الأساسية للتفكير في عواقب هذه الثورة وملابساتها، لأن المؤسسات العلمية والبحثية هي المعنية أولا بالتفكير والتأمل في مستقبل المجتمعات الإنسانية ووضع الاستراتيجيات لمواجهة مختلف التحديات الناجمة عن هذه الثورة. وعلينا أن نعلم هنا أن قطاعات البحوث والدراسات تشكل في الوقت نفسه المحرك الأساسي لهذه الثورة ـ فالعدد الأكبر من الاختراعات والابتكارات التكنولوجية ينتج في المؤسسات العلمية والبحثية للجامعات والمؤسسات العلمية الجامعية في التعليم العالي. وإذا كان العلماء والباحثون في كل مرحلة من مراحل التطور يتقدمون للإجابة عن الأسئلة الحيوية والتحديات الكبرى التي تواجه المجتمعات الإنسانية فإن هؤلاء العلماء والمفكرون هم غالبا ينتسبون إلى هذه الجامعات. وعلى هذا النحو ينظر إلى الجامعات بوصفها منبع التغيير العلمي ومصدر الإبداع والابتكار الإنساني، وهذا الأمر يؤهلها فعليا لتقديم إجابات حيوية على مختل فالتحديات التي تواجه المجتمع الإنساني. وهذا يعني أن الجامعات تتغير تحت مطارق الثورة الصناعية الرابعة وهي ثورة علمية ومن ثم فإنه يتوجب عليها أن تتغير وتغير في ذاتها وتبدع في بناء الاستراتيجيات الفعالة لمواجهة عواقب هذه الثورة وتحدياتها الكبيرة. ويتضح لنا هنا أن هناك حاجة ماسة اليوم لإدخال تغييرات جوهرية في مناهج الجامعات والمؤسسات التعليمية ولاسيما في مناهج العلوم والتكنولوجيا التي يمكن أن تطور وتعدل لتمكن الطلاب من تطوير قدراتهم وذكائهم في المجالات العلمية الحيوية الناشئة التي تتعلم علم الجينوم والذكاء الاصطناعي والروبوتات والتكنولوجيا النانوية[14].

وهذا التغيير يتطلب جوهريا إعادة النظر في المناهج الدراسية في العلوم “الأساسية” التقليدية ولاسيما في علوم البيولوجيا والكيمياء والفيزياء، وهذا يتطلب درجة أكبر من الاهتمام بعلوم الكمبيوتر والتقانة التي تتصل بقضايا الثورة الصناعية الرابعة ومتطلباتها. ويرى بعض الباحثين أن المناهج الجديدة يجب أن تتضمن مقررات في الاختصاصات الجديدة الناشئة مثل البيولوجيا البنيوية، والتصميم الجزيئي، وفي علم الأحياء الهندسية وغيرها من العلوم التي تتصل بالهندسات البيولوجية والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا النانونية (Nano technology)، وإدارة البيئة، والعقول الإلكترونية، وهندسة الروبوتات، وغيرها من العلوم الفتية التي فرضت حضورها في الثورة الصناعية الرابعة[15].

ويمكن ملاحظة تباشير هذا التغيير ضمن المناهج الدراسية في جامعة ستانفورد حيث تم إنشاء تخصص علمي جديد بعنوان الهندسة الحيوية (Bioengineering,)، وهو اختصاص جديد يؤهل الطلاب للخوض في علوم الحياة والهندسة ويقوم هذا الاختصاص على دمج الخبرات المتنوعة في أقسام الطب والبيولوجيا والهندسة. وتشمل هذه المناهج برامج واسعة في الكيمياء الخضراء (Green Chemistry) التي تمزج بين الكيمياء والبيولوجيا والعلوم البيئية وذلك لتمكين الطلاب من مواجهة مشاكل بيئية حقيقية مثل: الوقود الاصطناعي (synthetic fuels) والبيوبلاستيك (Bioplastics) ومباحث السموم (Toxicology)، وتدريبهم على إيجاد تقانات لخفض درجات التلوث والاحتباس الحراري [16].

وفي ظل البدايات الأولى للثورة الصناعية الرابعة يتوجب على الجامعات تدريب الطلاب وتأهيلهم وتمكينهم من تصميم وبناء الآلات الموسيقية الأصلية، وابتكار أدوات التفكيك والتشفير والترميز وغيرها من الابتكارات الممكنة. ومثل هذه الاستجابة الابتكارية تتطلب إعادة هيكلة المؤسسات ومراجعة البرامج والمناهج، وبناء أقسام علمية جديدة ومتخصصة تشتمل على المجالات العلمية الناشئة المتعددة الاختصاصات ولا سيما الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية والتكنولوجيا النانونية، وذلك لزيادة الكفاءات والخبرات العلمية في القطاعات الناشئة التي يمكنها أن تساعد على تعزيز كل أشكال التكنولوجيا الجديدة وتسريعها وتطويرها بدرجة كبيرة وغير مسبوقة.

ومن المهم جدا في هذا السياق الاعتراف بأن أي خطة تربوية تعليمية جديدة يجب أن تنطلق وتؤسس على مبنية على نتائج الثورة الصناعية الثالثة وبما قدمته هذه الثورة من تطوري للتعليم عبر ثورة الأنترنيت والأنفوميديا. كما يجب على هذه الخطط الجديدة أن تحقق التكامل الفعال والتناغم بين مختلف معطيات هذه الثورة والثورة الجديدة في عقدها الرابع. ومن هذا المنطلق سيحقق التعليم قدراته الفائقة في أن يجعل بيئات التعلم أكثر كفاءة وأكثر قدرة على إعداد الطلاب للتكيف مع المراحل التكنولوجية الجديدة في مدارات الثورة الصناعية الرابعة. ونجد تأكيدا لهذه التصورات في تقرير مستقبل التعليم في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (Future of Education Report at MIT) الذي يؤكد على أهمية تشكيل بيئات تعليمية جديدة من خلال الدورات الدراسية عبر الإنترنت لتعزيز التعليم الفائق للطلاب الجامعيين[17].

ويمكن تقديم بعض الأمثلة الرائدة في هذا المجال حيث تقدم جامعة هارفارد (Har-vard) اليوم عددا من البرامج التدريسية في مجال الهندسة الكهربائية التمهيدية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حيث يتم تسليم المواد الدراسية بشكل كامل عبر الإنترنت وتركز هذه الدروس على تمكين الطلاب من تصميم وبناء الروبوتات التجريبية، وهناك برامج أخرى متميزة في مجالات الإلكترونيات والعلوم البيولوجية والهندسات الحيوية والتي تم تقديمها للطلاب عبر الإنترنت، وتبين النتائج أن الطلاب وجدوا أن هذه البرامج تتميز بأنها أسهل وأقل إجهادا وأكثر فاعلية وأعظم جدوى من البرامج التقليدية[18].

4-1- أنسنة التعليم ضرورة أخلاقية في فضاء الثورة الرابعة:

لا يخفى على العارفين أن الثورة الرابعة بما تنطوي عليه من مخاطر وتعقيدات تحتاج إلى درجات كبيرة من الوعي والتفكير النقدي والقدرة على التعلم الذاتي والوفاء بمتطلبات التفكير ما بعد المعرفي بكل متطلبات التحليل والتفكيك والنقد والتأمل والاستقلال الأخلاقي يضع قسط على التكيف والتعلم والتفكير الذاتي. ويلاحظ اليوم أن مدة صلاحية أي مهارة أو خبرة قد أصبحت قصيرة بمقاييس التطور والتغير الحادثين في زمن الثورة الصناعية الرابعة، وهذا التغير يتطلب من أصحاب المهارات العليا والدنيا تحديث مهاراتهم وخبراتهم باستمرار والاطلاع على آخر مستجدات العلوم والمعارف والخبرات والتقنيات والصناعات الجديدة التي تظهر بعد انتهاء مرحلة التدريب التي قضوها في التعلم. وينبه التربويون إلى الأهمية الكبيرة للتفكير النقدي الأخلاقي والتفاعل الإنساني بين الثقافات وذلك من أجل الاستخدام المستنير والآمن للتكنولوجيات النوعية الآخذة بالتطور المستمر. فالتطور التكنولوجي المذهل الذي تشهده الإنسانية في مضمار الثورة الصناعية الرابعة سوف آثاره مخيفة ومدمرة على الأفراد والمجتمع إذا لم يترافق بثقافة أخلاقية تضمن سلامة المجتمع. وهذا يعني أنه يجب على الجامعات والمؤسسات التربوية في التعليم ولاسيما في التعليم العالي أن تقوم بصقل الطلاب أخلاقيا وإعدادهم ليكونوا قادرين على توجيه أنفسهم ومجتمعهم بحكمة ومهارة في عالم الغد المغمور بالمفاجآت، كما يجب إعدادهم ليكونوا قادرين على بناء مستقبل آمن وخلاق يمكننا وأحفادنا من العيش فيه بأمان وسلام. فالتكنولوجيا الهائلة قد تنطوي على جوانب تطبيقية سلبية في المجتمع ومن أجل ذلك يجب تأهيل الطلاب وتوجيههم نحو ممارسات أخلاقية تنتزع شرور هذا العالم وتكرس فيه كل القيم الإنسانية الخلاقة. فالتعليم العالي في نهاية الأمر معني ببناء عالم جديد قائم على أسس أخلاقية وأن يكون قادرا على توجيه التكنولوجيا واكتشافاتها للنهوض إنسانيا وأخلاقيا بمجتمعاتنا في المستقبل الذي نرجوه، وأن يعمل على بناء ثقافة إنسانيه يمكنها المشاركة في تحقيق مجتمع أخلاقي يتميز بطابع الأصالة والاستدامة[19].

وضمن هذه التوجهات الإنسانية فإن التعليم المهني والتقني يجب أن يطور عمليا ليكون قادرا على التجاوب مع معدلات التغير الكبيرة والتعقيدات المتزايدة للتطور التكنولوجي، كما يجب تأهيل الطلاب في القطاع التعليمي لما يحدث في عالم التوظيف من تقلبات تتمثل في اختفاء عدد كبير من الوظائف التقليدية وظهور عدد جديد من المهن الجديدة التي تتواكب مع مسيرة التطور الثوري في مختلف مجالات الحياة في فضاء الثورة الرابعة. وهنا سوف تحتاج البرامج التعليمية في هذا التعليم وفي غيره أيضا إلى مجانبة المهام الروتينية والانتقال إلى التفكير في المهام الذكية التي أصبحت من متطلبات الثورة القادمة وهذا يعني أنه يجب على المناهج أن تطور في عادات العقل والقدرة على الإبداع والابتكار في مجال الدراسة والعمل في مختلف المستويات. وعلى هذا النحو يجب التركيز على جوانب مهنية تكنولوجية جديدة تتمثل في تكوين المهارات الرقمية مثل الملاحة الإليكترونية، وترسيخ أخلاقيات العمل، وتأصيل نوازع الإبداع والابتكار، والتمكين للعمل التعاوني الجماعي، وهي كلها مهارات تؤهل الطلاب للعيش الفعال الآمن في أحضان الثورة الصناعية الرابعة

ويؤكد تيري إيغلتون أهمية العلوم الإنسانية التي عمدت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر إلى إضعافها، ويقول: »إذا اختفى التاريخ والفلسفة وغريمها من الحياة الأكاديمية، فما يتبقى لدينا هو مجرد مكان للتدريب التقني أو معهد بحوث. لكنها لن تكون جامعة بالمعنى الكلاسيكي للمصطلح.[20]

تفيض بيئة الثورة الصناعية الرابعة بالتكنولوجيا الذكية مثل التكنولوجيا الحيوية و الذكاء الاصطناعي ومثل هذه التكنولوجيا تضعنا على محك التأمل في الجوانب الإنسانية لعلاقة الإنسان بالإنسان وعلاقته بالبيئة التي يعيش فيها كما في علاقته بمنظومة التغيرات التكنولوجية. والسؤال كيف ينبغي أن تستجيب الفنون الحرة لهذا الشرط البشري الجديد؟ وهذا يوجب الإشارة إلى أن عدد كبير من القضايا الاجتماعية الحيوية للثورة الصناعية الرابعة ستجد صداها في برامج ومناهج الفنون الحرة. فالثورة الصناعية الجديدة ستكون مصحوبة بنمط جديد من الاضطرابات الاجتماعية التي تتعلق بالعمل ومختلف مظاهر الحياة الجديدة وبالتالي فإن مسؤولية مواجهة هذه التحديات الجديدة بطريقة واعية وخلاقة تقع على عاتق العلوم الإنسانية ويتطلب هذا الأمر تطويرا في مناهجها وأساليب عملها، وذلك لمواجهة العلاقات الإشكالية بين زيادة أرباح الشركات وانخفاض الأجور واختفاء بعض الوظائف كنتيجة طبيعة للتوظيف الواسع للروبورتات والتقنيات الذكية في داخل الشركات التي بدأت تحل مكان العمالة البشرية.

وهذه الأنماط الجديدة من التوظيف للذكاءات الآلية والإليكترونية ستفرض نوعا من التغيير في المناهج الدراسة كنوع من الاستجابة للتوترات السياسية والاجتماعية التي ستصاحب وتيرة التغير التكنولوجي المتسارع، والاستجابة لمفارقات التكنولوجيات التي تزيد تؤدي إلى تعزيز الديمقراطية الاجتماعية من جهة وفي الوقت نفسه وإلى تركيز الثروة والسلطة لصالح الشركات التكنولوجية العملاقة من جهة أخرى. فإن الآثار السياسية للتوسع والتقارب ما بين المظاهر المادية والرقمية والبيولوجية ستكون عميقة وشاملة. ومن المتوقع أن هذا التطور سيمكن المواطنين من التعامل الديمقراطي مع الحكومات، والتعبير عن آرائهم ومواقفهم، وتنسيق جهودهم، إلى درجة كبيرة وفي الوقت نفسه سيمكن الحكومات من امتلاك قوى تكنولوجية جديدة لزيادة سيطرتها على مواطنيها[21].

ومع تطور التعليم عبر الإنترنيت والتوسع في توظيفاته في مجال الذكاء الاصطناعي تولد الحاجة إلى نوع من التنظير التربوي في مجال البيداغوجيا الرقمية. لقد أطلق البعض على النماذج القديمة للتعليم صفة “المركزية الإنسانوية” (anthropocentric humanism) كما أطلقوا على التعليم الرقمي الجديد “ما بعد الإنسانوية”(Critical post-humanism). وتشدد هذه المقاربات التربوية على أن التعليم الرقمي هو أكثر من اهتمام تكنولوجي أو تقانات متقدمة فالمسألة تتعلق بقدرة هذه التقانات الجديدة على إحداث تغيرات هائلة في المجتمع. وهذا الأمر يتطلب جوهريا العمل على بناء منهجيات تربوية جديدة تتجاوز حدود مفاهيمنا السابقة حول التفاعل الثقافي الاجتماعي، وتعمل في الوقت نفسه على بناء اتجاهات جديدة في النظرة إلى الطابع الإنساني المشترك لمختلف المجتمعات الإنسانية بغض النظر عن الحدود الجغرافية والانتماءات العرقية [22]. ويمكن لمثل هذه المنهجيات التربوية أن تساعد الطلاب على التعامل مع القضايا المعقدة من خلال الفضاء الإلكتروني للإنترنت وتلمّس الأبعاد الفلسفية للذكاءات الاصطناعية التي قد تقترب أو حتى تتفوق على الذكاء البشري.

ومما لا شك فيه أن هذه الثورة ستحدث نوعا من القطيعة بين الطبيعة والثقافة، بين العام والخاص، كما بين ما هو إنساني وما هو غير إنساني، ومثل هذه القضايا لا يمكن أن تنفصل عن حركة التقدم العلمي والتقني. وهنا يأتي دور المناهج التربوية الجديدة في العصر “السيبراني” لمعالجة هذه الانقسامات وردم هذه الفجوات ولاسيما هذه التي يمكن أن تفرض نفسها بين مختلف العلوم الإنسانية وذلك من أجل بناء نظام معرفي يتميز بأنه أكثر اكتمالا وتفاعلا بالمقارنة مع التعليم الكلاسيكي في مرحلة الثورة الصناعية الثالثة. وضمن هذه الصيرورة يترتب على المناهج التربوية المنتظرة أن تعالج منظومات المفاهيم التي تتعلق: بالهوية، والانتماء، والإرادة الحرة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحتمية الجينية، والقوانين الاجتماعية، وأن تتناولها بالدراسة والتحليل في سياق منهجي متكامل لتمكين الناشئة من الضلوع بمسؤولياتهم الأخلاقية والاجتماعية في عصر جديد تهتز فيه كثير من القيم الإنسانية وتتساقط فيه أنساق المعايير الأخلاقية التقليدية. ومثل هذه المناهج ستأخذ بعين الاعتبار الطبيعة المتغيرة للعلاقات الاجتماعية والتفاعلات الإنسانية، وستتناول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، والالتزامات الأخلاقية تجاه الجماعات الإنسانية الأخرى، ومختلف قضايا المجتمع، والأمة، والعالم، وسيكون تناول هذه القضايا محوريا في المناهج الدراسية في تضاعيف الثورة الرابعة[23].

ويجري التقدير اليوم بان يتوجب على التعليم الجامعي ألا يقف عند حدود تحليل ومواجهة مشكلاته الداخلية التقنية والعلمية بل يجب عليه أن يتناول القضايا الحيوية في المجتمع وأن يؤكد في الوقت ذاته على تناول المشكلات المحلية والعالمية وأن يعزز الصلة والعلاقات المتبادلة بين الظواهر العلمية الفيزيائية والكيميائية بين ما هو معنوي ومادي وأن يدرس مختلف الأبعاد البيولوجية والنفسية والتقنية والاقتصادية لأي من المشكلات والتحديات التي يواجهها.

4-2- مناهج التدريس في الجامعات إبان الثورة الصناعية الرابعة.

يمثل التعليم العالي المنطقة الأكثر تفاعلا مع الثورة الصناعية الرابعة بأبعادها المختلفة، إذ يتوجب على التعليم أن يحتضن معطيات هذه الثورة الأكثر تقدما وأن يتفاعل معها بجدليات إنتاجها والتجاوب مع معطياتها التقنية. فالتعليم العالي ليس مجرد مكان يحتضن الثورة الصناعية ويتأثر بها بل هو نتاج لهذه الثورة في سياق التفاعل والانفعال فالتعليم العالي يساهم في انتاجها ويحاول أن يتجاوب مع معطياتها الهائلة. فكل التغيرات التي تحدثها الثورة الصناعية الرابعة ستجد صداها في التعليم العالي، كما أن الثورات الرقمية والعلمية ستجد حاضنها وفاعلها أيضا في التعليم العالي. ولو نظرنا إلى تفاعلات هذا التعليم لوجدنا أنماطا من التفاعل الذي تم فيه للتعليم العالي التفاعل العميق والشامل مع الأنترنيت، ومع الثورة الرقمية، كما مع وسائل التواصل الاجتماعي. ومن يراقب عن كثب سيجد بأن التعليم العالي – وأشدد على التعليم في البلدان المتقدمة – قد انغمس بشكل كبير في الثورة الصناعية الثالثة وقد بدأ رحلته في احتضان وتوظيف معطيات الثورة الصناعية الرابعة والوعود القادمة كبيرة حيث سيتحول التعليم العالي إلى بوتقة تنصهر فيها معطيات الثورة التكنولوجية العاصفة بكل أبعادها المعرفية.

وقد أدركنا نحن كيف تم توظيف الأنترنيت في التعليم العالي والبحوث وكيف استخدم محركات البحوث العلمية والتطبيقات العلمية الإليكترونية على أوسع نظاف وفي أكمل وجه واليوم ننتظر الكثير والكثير على دروب الثورة الصناعية الجديدة الناهضة. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى عملية توظيف الأجهزة الإليكترونية القابلة للارتداء في عملية التعلم والتعليم في الجامعات والمؤسسات العلمية ضمن نطاق ما يسمى بأنترنيت الأشياء، فملابس الطلاب ستتحول في القريب العاجل إلى وسائل تربوية علمية، تمكن الطلاب الاندماج كليا في عالم افتراضي يبتلع الأحياء والأموات على حد سواء. فالتعليم والتدريب سيعتمدان قريبا جدا على أجهزة يمكن ارتداؤها وهذا يشكل طفرة جديدة في مجال ديالكتيك العلاقة بين الثورة الصناعية الرابعة والتعليم العالي وهذا الجدل الخلاق سيؤدي ومما لا شك فيه إلى ثورة حقيقة في عالم التربية والتعليم وهي ثورة ليس لها مثيل في تاريخ الإنسانية القديم أو الحديث[24].

ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى التوظيف المهول لوسائط محاكاة الواقع الافتراضي الذي أحدث فعليا ثورة جبارة في ميدان التعليم والتدريب في مختلف مستويات التعليم حيث تؤدي هذه المنظومة الرقمية الجديدة إلى تحليل النظم المادية والفيزيائية في العالم الحقيقي بطرق تفوق إمكانيات التحيل من حيث السرعة والقدرة على تفكيك الظواهر والأشياء فعلى سبيل المثال يمكن اليوم للتلميذ أن يترحل داخل الشعيرات الدموية للجسد عبر ما يسمى بالنانو تكنولوجي في العالم الافتراضي، ويمكنه أن يزور قيعان البحار وأن يتجول بين النجوم وأن يتوغل في العصور القديمة ويتعرف عليها بحيوية العالم ثلاثي الأبعاد والحضور في الواقع الافتراضي المعزز (Augmented reality (AR) ).

ومن ابرز معطيات الثورة الصناعية الرابعة في التعليم توظيف منهج تحليل العناصر المحددة [Finite Element Analysis (FEA) ] [25]ويعد هذا المنهج التحليلي (FEA) تقنية متعددة الاستخدامات تم ممارستها في العديد من المجالات الهندسية مثل تحليل المباني والهندسات المعقدة، ويتم استخدام هذه المنهجية الحديثة بمساعدة برامج الواقع الافتراضي عبر أجهزة الكمبيوتر. وباعتماد هذه المنهجية الجديدة يمكن للطلاب فهم القضايا المعقدة وإدراك المفاهيم الأساسية بشكل سريع جدا وفي منتهى السهولة، كما يُمكّن المهندسين من إجراء النمذجة المعقدة وتفسير النتائج بسهولة. ومع تقدم بعض التقانات القابلة للارتداء وتوظيفها ضمن إطار الواقع المعزز (Augmented reality (AR) )، إذ يمكن تطوير إحساس المستخدم وتفاعله مع العالم المادي عبر المختبرات المتخصصة في توليد الواقع الافتراضي ( Virtual reality )[26].

4-3-  الثورة الصناعية الرابعة وإشكالية المهارات الوظيفية في مخرجات التعليم العالي:

وضمن هذه الصيرورة الثورية التي يشهدا العصر تشكل مسألة عمالة الخريجين وتوظيفهم التحدي الأكبر الذي تواجهه الجامعات الحديثة، فالعمل بعد التخرج يمثل القضية الحيوية لملايين الخريجين في العالم لأن العمل يمثل شريان الحياة والوجود بالنسبة لكل كائن يعيش في هذا العصر، ولذا فإن فالجامعات ستواجه أسئلة حيوية حول مصير الطلاب ومكانهم في عالم الحياة بعد التخرج. لقد بدا واضحا حتى اليوم إلى حد اليقين بأن التقانة الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والأتمتة السيبرنتية ستؤدي إلى انقلاب جذري في مفهوم العمل والوظيفة والتشغيل. ويتضح عبر مختلف المؤشرات أن سوق العمل يتطلب اليوم مهارات مختلفة عن هذه التي عرفتها الإنسانية في الثورة الصناعية الثالثة حيث كانت تكنولوجيا المعلومات هي المحرك الرئيسي. هذا وتشير الدراسات اليوم إلى أن المهارات الجديدة المطلوبة في عصر الثورة الصناعية الرابعة تتمحور حول مهارات التفكير النقدي، وإدارة الأفراد، والذكاء العاطفي، والقدرة على إصدار الأحكام، والقدرة على التفاوض، والمرونة المعرفية، وكذلك المعرفة الإبداعية. 

وبالإضافة إلى التحديات التي تفرضها معطيات الثورة الرابعة فإن سرعة التغيير تتطلب تطوير مهارات جديدة وتمكين الطلاب من تطوير ما اكتسبوه من مهارات وتكييفها بصورة مستمرة مع المستجدات الحادثة بعد مرحلة التخرج من الجامعة. وستكون هناك حاجة ملحة إلى تعليم الطلاب ومن ثم إعادة تأهيلهم بصورة دائمة للمساعدة في تطوير واستخدام التقنيات الأكثر سرعة في الوقت الحالي. ويتوقع هنا أن تكون هناك دورات تأهيلية تمكن المتخرجين من الالتحاق مجددا بمعاهدهم ومؤسساتهم التعليمية من أجل تجديد معارفهم وخبراتهم ومستويات تأهيلهم. وقد يكون هذا الإجراء ضروريا وحتميا من أجل تجديد وتطوير المهارات والخبرات الفنية والعلمية للشباب في ضوء التغيرات المتسارعة.

ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى تجربة جامعة ستانفورد ( (Stanford2025وهو مشروع تعليم يمثل إحدى المبادرات المبتكرة التي يمكنها أن ترصد الإيقاعات الجديدة للتعليم العالي في العصر الرقمي الجديد. ينطلق مشروع ستانفورد من تطوير عدة آليات وبرمجيات تمكن الطلاب من توسيع نطاق تعليمهم على مدى الأطر الزمنية الطويلة. وهذا المشروع يمكن الذي يمكن أن يطلق عليه تسمية “جامعة مفتوحة” يمنح الطلاب المنتسبين إليه تجربة تعلم تستمر ست سنوات من التعليم العالي طوال حياتهم المهنية الكاملة، ويسمح لهم هذا التعليم بمزج معطيات هذا التعليم الأكاديمي مع تجربة الحياة العملية والمهنية، ويؤهلهم هذا التأهيل في نهاية المطاف للعودة إلى الحرم الجامعي كمتخصصين خبراء على مدى عدة فصول حيث يقومون بمساعدة الطلاب على تحديث مهاراتهم وتخصيبها بتجاربهم وخبراتهم المهنية[27].

ويلاحظ في هذا السياق أن النمو المتسارع والتغيير المستمر الذي يسم الثورة الرابعة يفرض على المناهج العلمية والتربوية أن تعمل على تحديث ذاتها ومضامينها بشكل متسارع أيضا وبصورة لم يسبق له مثيل، وذلك لتواكب الإيقاعات المتسارعة للتقدم العلمي والتكنولوجي المتضاعفة عبر الزمن. ومثل هذه المناهج الدراسية المتطورة تركز كثيرا على تطوير أعضاء هيئة التدريس وتجديد المناهج الدراسية بصورة مستمرة، وتعمل على تطوير قدرات الطلاب ومواهبهم التي تؤهلهم في نهاية المطاف للعمل على إعداد أنفسهم للتكيف والتفاعل مع العالم المتغير الذي ينتظرهم. ومن أجل تمكين أعضاء هيئة التدريس من الحفاظ على خبراتهم وتجديدها المستمر على إيقاعات أحدث الاكتشافات والتقنيات والمخترعات الجديدة ستكون هناك حاجة أيضًا إلى المزيد من النماذج الإبداعية والمبتكرة لتطوير خبراتهم ومهاراتهم في العالم الجديد [28].

يعترف الخبراء عادة بوجود تناقضات بين هيكليات الجامعات والوظائف التي تؤديها. ففي الوقت الذي في حين أصبحت الجامعات أكثر تركيزًا على الأعمال التجارية وأكثر قدرة على استيعاب  مختلف جوانب الإجراءات التشغيلية المشتركة بين قطاعي الشركات والصناعة مع مرور الوقت، إلا أن التعليم العالي حافظ على تقاليد أكاديمية تقليدية مناقضة تماما لوظيفته التشغيلية. ويلاحظ في هذا السياق أن معظم الطلاب يغادرون الجامعة وينتقلون خارج الأوساط الأكاديمية إلى أنماط مختلفة تمامًا من العمل والحياة المهنية.  فالجامعات اليوم مطالبة بمواجهة التوقعات المتعلقة بطبيعة التحديات المستقبلية بشكل خطير وجدي، ولاسيما الحاجة الواضحة إلى تغييرات جذرية في الاستراتيجيات والأهداف التعليمية.

ويمكن القول في هذا السياق أن المهارات والكفاءات التي يتطلبها سوق العمل تتغير وتتغاير بصورة مستمرة وفق حركة السوق والإنجازات العلمية وترصد الدراسات الجارية حركة تغير واسعة في منسوب الطلب على هذه الكفايات والمهارات العلمية ويوضح الجدول (1) منسوب التغير في الطلب على المهارات العشر الأولى في سوق العمل ما بين 2015 و2020 .

ويتضح من الجدول زيادة الطلب على المهارات التي تتطلب التفكير النقدي والابداع وحل المشكلات المعقدة . فالتعقيد والابداع والذكاء الفارق هي المهارات الأكثر تطلبا في الأعوام القادمة . ويلاحظ في هذا السياق تحولات كبيرة في الطلب على المهارات بين عامي 2015 و2020 : ففي الوقت الذي حافظت فيها مهارة حل المشكلات المعقدة على المرتبة الأولى لعامي 2015 و20120 ، انتقلت مهارة الإبداع من  المرتبة العاشرة في عام 2015 إلى المرتبة الثالثة في تصنيفات عام 2020 . وقد ظهرت مهارة جديدة في عام 2020 لم تكن موجودة في تصنيف 2015 وهي مهارة الذكاء العاطفي التي احتلت المرتبة السادسة . وكذلك ظهرت مهارة المرونة المعرفية في تصنيف 2020 وكلتا المهارتين (الذكاء العاطفي والمرونة المعرفية ) جاءتا لتحلا محل مهارتي الاستماع النشط ومراقبة الجودة في تصنيف 2015 .

ويدلنا الجدول بوضوح على أن المهارات العقلية العليا والنقدية والإبداعية وكذلك مهارة الذكاء العاطفي هي المهارات الأكثر أهمية وحضورا في مجال الثورة الصناعية الرابعة وقد تظهر هناك تصنيفات جديدة مختلفة في المستقبل القريب . ولكن ما يستنتج من هذه المقارنة أن المهارات الذكية والإبداعية هي المهارات المطلوبة في عصر الذكاء الاصطناعي[30].

4-4- التعليم العالي والذكاء الاصطناعي :

بينت بعض الدراسات التنبؤية المبنية على استقصاءات واسعة النطاق لآراء الباحثين في مجال التعلم الآلي أن التكنولوجيا الجديدة ستتفوق على البشر في معظم الفعاليات والأنشطة خلال السنوات العشر المقبلة. وتوقعت هذه الدراسات أن الذكاء الاصطناعي سيتفوق على البشر في معظم المهام إن لم يكن أجمعها خلال 45 عامًا، وتوقعت هذه الدراسات أيضا أن تتم عملية أتمتة جميع الوظائف البشرية في 120 سنة ” غريس وآخرون. (2017)[31] Grace et al. (2017). ويتضح من خلال هذه الاستقصاءات أيضا أن الذكاء الآلي سيتفوق على الذكاء البشري، ومن المحتمل أن يتفوق الإبداع الآلي على الإبداع البيولوجي. وكل هذه المعطيات تقتضي إعادة النظر كليا في النماذج التربوية المعتمدة في المدارس والمؤسسات التعليمية بصورة شاملة.

والواقع أن الثورة الصناعية الرابعة ستؤدي إلى انخفاض كبير في بعض الأدوار إذ تصبح زائدة عن الحاجة أو تؤدى بطريقة آلية. ووفقًا لما ورد في[32] تقرير مستقبل الوظائف 2018، من المتوقع أن يتم إلغاء 75 مليون وظيفة بحلول عام 2022 في 20 اقتصادًا رئيسيًا. وفي الوقت نفسه، يمكن للتطورات التكنولوجية وطرق العمل الجديدة أيضًا أن توجد 133 مليون دور جديد، مدفوعة في ذلك بالنمو الكبير في المنتجات والخدمات الجديدة التي ستتيح للناس استخدام الآلات والخوارزميات لتلبية متطلبات التحولات الديموغرافية والتغيرات الاقتصادية.

المصدر: استبيان مستقبل الوظائف 2018، المنتدى الاقتصادي العالمي [33]

خاتمة:

استطاعت الثورات الصناعية الثلاث الأولى أن تحدث تغيرات بنيوية عميقة في المجتمع والاقتصاد والتعليم، ووفرت هذه التغيرات عناصر التجديد والابتكار في المناهج التربوية والتعليمية وأدت إلى نشأة أنماط جديدة من مؤسسات التعليم العالي والجامعي. ويمكننا من خلال هذه التجارب التاريخية للإنسانية عبر ثوراتها الثلاثة أن نستلهم سيناريوهات التحولات الجوهرية والعميقة التي يمكن أن تحدث في النظام التربوي في ظل الثورة التكنولوجية الرابعة.

وعلى خلاف الثورات الصناعية السابقة فإن الثورة الرابعة تتميز بخصائص استثنائية تتمثل بعدد هائل من الابتكارات التي تشترك جميعها في سمة التطور المتسارع والمستمر في مختلف مكوناتها وآثارها. ومثل هذا التسارع التكنولوجي الهائل يتطلب استجابة مماثلة في قدرات وخصائص الأنظمة التعليمية كما في مختلف مستويات التطور الاجتماعي. وهذا يعني أن الأنظمة التعليمية مطالبة بتحقيق ثورة في ذاتها وإمكانياتها لمجاراة التطور التكنولوجي الهائل الذي يترك بصماته في مختلف جوانب الحياة والوجود الإنساني. ومن هذا المنظور فإن التكنولوجيا الجديدة ستفرض إعادة النظر بشكل جذري في المناهج الدراسية في التعليم العالي لتمكين الطلاب من فهم التقنيات وامتلاك المهارات الضرورية التي تمكنهم من القدرة على تحليل المعطيات الجديدة وتطوري نشاطاتهم ضمن سياقات الأنظمة الشبكية للإنترنت، كما يتوقع لها أن تمكنهم من التفاعل الذكي المبدع مع مختلف أنظمة التكنولوجيا والبيئة والنظم الاجتماعية والسياسية. ويتوقع في سياق ذلك أن يؤدي التفاعل الدينامي للطلاب مع الأنظمة الشبكية المعقدة إلى توليد فعاليات التغذية الراجعة التي تؤدي بدورها إلى تعزيز مسيرة التقدم وتسريع التغير ضمن مناخ عالمي لا يعرف إلا التغير والتبدل.

ومن المتوقع أن المناهج الدراسية المستقبلية ستركز على التقنيات الناشئة، مثل: الروبوتات، الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، الأورام النانوية، الجينوميات والتكنولوجيا الحيوية، وذلك لتوفير قوة بشرية علمية عاملة لا تمتلك القدرة على تطوير تطبيقات علمية ومنتجات جديدة فحسب، بل تكون قادرة أيضًا على تفسير تأثيرات هذه التقانات والتكنولوجيات الرهيبة في المجتمع، وقادرة أيضا على تهيئة الأسس الأخلاقية لمسيرة العلم والتكنولوجيا الجديدة. وهذا يعني أن المناهج الجديدة ستحتاج إلى مضامين جديدة توظف في مساعدة الطلاب على تطوير القدرة على التفكير في المجالات الأخلاقية والإنسانية، وتمكينهم من بناء الوعي النقدي بالتأثيرات الاجتماعية والبشرية للتكنولوجيا الجديد في فضاء الثورة الرابعة. ويجب هنا أيضا التأكيد على أهمية بناء الوعي عند الطلاب على فهم التأثيرات المحتملة للتكنولوجيات الجديدة في حياة الناس ووجودهم. وهذا يعني أن هذه المناهج ليست معنية بتمكين الطلاب من تطوير الرخاء المادي وترسيخه في المجتمع بقدر ما تُعنى بعملية البناء الأخلاقي والإنساني لحماية النسيج الاجتماعي بما ينطوي عليه من قيم وأخلاقيات.

من الناحية الاقتصادية الصرفة، ستعمل المناهج على تمكين الطلاب من القدرة على إبداع الأفكار، وتحقيق التعاون في فرق ومجموعات متنوعة، وتفهم الاختلافات الثقافية العالمية، وستؤكد على مهارات التأويل للمعلومات المتغيرة بسرعة، وامتلاك القدرة على العمل مع الخبراء وأصحاب المصلحة من أجل الفهم المشترك لمصادر التنمية المستدامة.

ففي الوقت الذي أعطت فيه الثورات الصناعية المبكرة الأولوية لزيادة المواد الخام والموارد الطبيعية اللازمة لتغذية مصانعها أو مدنها – الأمر الذي أدى إلى زيادة رأس المال على حساب الموارد المادية مثل الأرض، والطاقة المائية، والفحم، والنفط، والخشب – فإن الثورة الرابعة وعلى خلاف ذلك ستؤكد على القيمة الكبيرة للمعرفة البشري ورأس المال الثقافي والإنساني، كما ستؤكد على أهمية التفاعل الإنساني ضمن سياقات ثقافية وإنسانية بصورة مستمرة. ولذا سيتم تدريب الطلاب القادرين على التعلم في البيئات الطبيعية لوجودهم، وستنمى مهاراتهم بالتعاون والتنسيق مع مجموعات العمل والمعرفة من أجل إيجاد الحلول للمشكلات القائمة وتذليل الصعوبات. وسيكون للجامعات والكليات العلمية أهمية كبيرة في عملية التطوير وتحقيق التنمية المستدامة، كما سيكون المستقبل رهن النشاطات العلمية والإبداعية للطلاب وسيعوّل كثيرا على الخريجين الذين يمتلكون القدرة على توجيه المستقبل والعيش فيه. ومن هنا سيترتب على المناهج التعليمية أن تطور أشكالا تفاعلية جديدة وفعالة في مختلف المستويات التربوية، وعليها أن تركّز على الجوانب الثقافية والأخلاقية.

وتفرض الوتائر المتسارعة للثورة الصناعية الرابعة بناء أنواع مختلفة من الروابط المؤسسية في المستويات المحلية والعالمية وذلك من أجلل تقديم برامج على درجة عالية من التنوع والخصوبة في مستوى القدرات والمؤهلات. وفي هذا المجال تبرز أهمية برامج التوأمة بين مؤسسات التعليم المحلية والأجنبية التي تمكن من تطوير الخبرات وتبادل المؤهلات والإمكانيات بين المؤسسات التوأمية.

وفي المستوى التقاني يمكن القول بأن تباشير هذا التغيير قد بدأت في بعض البلدان المتقدمة، حيث بدأت بعض الكليات والمؤسسات العلمية الجامعية في الولايات المتحدة وفي بعض بلدان آسيا بتقديم نماذج تربوية في مناهج التكنولوجيا المبكرة وهي من هذا النمط الذي يتناسب مع فضاءات الثورة الرابعة. ومع إدخال هذه التكنولوجيا الرائدة في مجال المناهج التعليمية تبرز أهمية العمل على إيجاد الوسائل التربوية التي تضمن عملية التكيف مع هذه الأشكال الجديدة من التكنولوجيا المتقدمة وذلك من أجل تحقيق التنمية المستدامة في مجالي البيئة والاقتصاد. وباختصار يمكن القول بأن التغييرات المطلوبة في مجال التعليم والتعليم العالي على حدّ سواء ستمكن الطلاب والمعلمين وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات لتسنم أدوار قيادية في عالم يتغير بإيقاعات ضوئية. وهنا لا بد للمناهج الدراسية أن تعمل في نهاية الأمر على إيجاد مسارات تأسيسية لبناء الوعي الطلابي العميق بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الحالة الإنسانية في فضاء الثورة الصناعية الرابعة في القرن الحادي والعشرين.

المراجع والهوامش:

[1] – T Marwala, U Mahola, and F.V. Nelwamondo, (2006) “Hidden Markov models and Gaussian mixture models  for bearing fault detection using fractals”, Proceedings of the International Joint Conference on Neural Networks, BC, Canada, pp. 5876-5881.

[2] – Charles L. Eliot, “The New Education,” The Atlantic Monthly XXIII, (1869).

[3] – Yale University, Reports on the Course of Instruction in Yale College: by a Committee of the Corporation and the Academical Faculty (New Haven: Hezekiah Howe, 1828).

[4] – Quoted in “The Morrill Act of 1862,” University of Nebraska-Lincoln, accessed January

10, 2018, https://sdn. unl. edu/morrill-act.

[5] – Roger L. Geiger, The Land-Grant Colleges and the Reshaping of American HigherEducation (New York: Routledge, 2017).

[6] – Bryan Edward Penprase ,The Fourth Industrial Revolution and Higher Education, in N. W. Gleason (ed. ), Higher Education in the Era of the Fourth Industrial Revolution, Palgrave Macmillan, Singapore Pte Ltd, 2018. ((ebook) https: //doi. Org/10. 1007/978-981-13-0194-0_9

[7] – Andrey V. Korotayev and Sergey V. Tsirel, “A Spectral Analysis of World GDP Dynamics: Kondratieff Waves, Kuznets Swings, Juglar and Kitchin Cycles in Global Economic Development, and the 2008–2009 Economic Crisis,” Structure and Dynamics 4, no. 1(2010): 1–55.

[8] – Vannevar Bush, “Science: The Endless Frontier,” July 1, 1945, https://www. nsf. gov/od/lpa/nsf50/vbush1945. htm.

[9] – Bryan Edward Penprase ,The Fourth Industrial Revolution and Higher Education, in N. W. Gleason (ed. ), Higher Education in the Era of the Fourth Industrial Revolution, Palgrave Macmillan, Singapore Pte Ltd, 2018. ((ebook) https: //doi. Org/10. 1007/978-981-13-0194-0_9

[10] – Bryan Edward Penprase ,The Fourth Industrial Revolution and Higher Education, in N. W. Gleason (ed. ), Higher Education in the Era of the Fourth Industrial Revolution, Palgrave Macmillan, Singapore Pte Ltd, 2018. ((ebook) https: //doi. Org/10. 1007/978-981-13-0194-0_9

[11] – Bryan Edward Penprase ,The Fourth Industrial Revolution and Higher Education, in N. W. Gleason (ed. ), Higher Education in the Era of the Fourth Industrial Revolution, Palgrave Macmillan, Singapore Pte Ltd, 2018. ((ebook) https: //doi. Org/10. 1007/978-981-13-0194-0_9

[12] – Bryan Penprase and Terry Nardin, “Common Curriculum at Yale-NUS,” July 1, 2017, https://indd. adobe. com/view/b8748bf2-c7a6-4cef-a1e6-9a30c36bfe80.

[13] – Michael A. Peters, “Technological Unemployment: Educating for the Fourth Industrial Revolution,” Journal of Self-Governance and Management Economics 5, no. 1 (2017):25–33.

[14] – Bryan Edward Penprase ,The Fourth Industrial Revolution and Higher Education, in N. W. Gleason (ed. ), Higher Education in the Era of the Fourth Industrial Revolution, Palgrave Macmillan, Singapore Pte Ltd, 2018. ((ebook) https: //doi. Org/10. 1007/978-981-13-0194-0_9

[15] – 39 Drew Endy, “Yale-NUS College STEM Innovation Conference,” April 27, 2016,chttp://steminnovation. sg/wp-content/uploads/2017/06/Endy_Yale_NUS_STEM_v1. pdf.

[16] – 41 Liliana Mammino and Vânia G. Zunin, Worldwide Trends in Green Chemistry Education(Cambridge: Royal Society of Chemistry, 2015).

[17] – Massachusetts Institute of Technology, MITMIT, “Institute-wide Task Force on the Future of MIT Education,” July 1, 2013, https://future. mit. edu/.

[18] – Nick Roll, “For-Credit MOOC: Best of Both Worlds,” June 15, 2017, https://www. insidehighered. com/news/2017/06/15/credit-mooc-proves-popular-among-mitstudents

[19] – Bryan Edward Penprase ,The Fourth Industrial Revolution and Higher Education, in N. W. Gleason (ed. ), Higher Education in the Era of the Fourth Industrial Revolution, Palgrave Macmillan, Singapore Pte Ltd, 2018. ((ebook) https: //doi. Org/10. 1007/978-981-13-0194-0_9

[20] – Jacques Derrida, L’Université sans condition, collection Incises (Paris: Galilée, 2001).

[21] – Bryan Edward Penprase ,The Fourth Industrial Revolution and Higher Education, in N. W. Gleason (ed. ), Higher Education in the Era of the Fourth Industrial Revolution, Palgrave Macmillan, Singapore Pte Ltd, 2018. ((ebook) https: //doi. Org/10. 1007/978-981-13-0194-0_9

[22] – 50 Petar Jandric, “From Anthropocentric Humanism to Critical Posthumanism in DigitalEducation,” in Learning in the Age of Digital Reason (Rotterdam, Sense Publishers, 2017) 195–210.

[23] – Donna Haraway, “A Cyborg Manifesto: Science, Technology, and Specialist-Feminismin the Late Twentieth Century,” in The Cybercultures Reader, eds. David Bell and Barbara M. Kennedy, (London: Routledge, 2000), 291–324.

[24] – Bo Xing and Tshilidzi Marwala . Implications of the Fourth Industrial Age for Higher Education,

SCIENCE AND TECHNOLOGY , V o l u m e 7 3 ,  2 0 1 7.

Electronic copy available at: https://ssrn.com/abstract=3225331

[25] – منهج تحليل العناصر المحددة (FEA) هو محاكاة لأي ظاهرة فيزيائية معينة باستخدام التقنية العددية التي تسمى طريقة العناصر المحددة (FEM). يستخدمه المهندسون لتقليل عدد النماذج الأولية والتجارب المادية وتحسين المكونات في مرحلة التصميم لتطوير منتجات أفضل وأسرع.

[26] – Bo Xing and Tshilidzi Marwala . Implications of the Fourth Industrial Age for Higher Education,

SCIENCE AND TECHNOLOGY , V o l u m e 7 3 ,  2 0 1 7.

Electronic copy available at: https://ssrn.com/abstract=3225331

[27] – Stanford2025, “Learning and Living at Stanford – An Exploration of Undergraduate Experiences in the Future,” June 1, 2013, http://www. stanford2025. com/.

[28] – Bryan Edward Penprase ,The Fourth Industrial Revolution and Higher Education, in N. W. Gleason (ed. ), Higher Education in the Era of the Fourth Industrial Revolution, Palgrave Macmillan, Singapore Pte Ltd, 2018. ((ebook) https: //doi. Org/10. 1007/978-981-13-0194-0_9

[29] – Source : World Economic forum,  The Future of Jobs, Employment, Skills and Workforce Strategy for the Fourth Industrial Revolution, January , 2016.

[30] – يسري الجمل ،الطفل والثورة التكنولوجية ، ضمن : المجلس العربي للطفولة والتنمية ، تمكين الطفل العربي في عصر الثورة الصناعية الرابعة ، طاولة مستديرة عقدت في القاهرة في 28 فبراير – الأول من مارس 2018 ، القاهرة ، دار الكتب المصرية ، 2018.  ص37.

[31] – Grace, K., Salvatier, J., Dafoe, A., Zhang, B. and Evans, O. (2017). WhenWill AI Exceed Human Performance? Evidence from AI Experts. Available online at: https://arxiv.org/pdf/1705.08807.pd <accessed 2nd May 2017>

[32] – World Economic Forum , The Future of Jobs Report : Centre for the New Economy and Society , Davos , 2018. http://www3. weforum. org/docs/WEF_Future_of_Jobs_2018. pdf.

[33]– World Economic Forum , The Future of Jobs Report : Centre for the New Economy and Society , Davos , 2018. http://www3. weforum. org/docs/WEF_Future_of_Jobs_2018. pdf

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

التعليقات