هناك فارق كبير بين أن يخترع الإنسان الأسطورة ويصدقها ويحكيها، وبين أن يعي دلالاتها. (فريدريش ڤيلهلم يوزف شلنگ)
1- مقدمة:
ما زالت الأساطير الإغريقية القديمة تشكل منجماً فكرياً فذاً فريداً يستلهمه الأدباء والفلاسفة وعلماء النفس في تفسير نشأة الحضارات وسقوطها. وقد شكلت الأساطير تاريخياً منهج الشعوب في النظر إلى الحياة والتأمل في الكون واستجواب معاني الوجود. وعلى هذا النحو شكلت الآداب الأسطورية منطلقاً للتفكير الفلسفي وبداية لا بد منها للمعرفة العلمية. وعلى هذه الصورة جاءت أشعار هوميروس وهوزيود الأسطورية في بلاد الإغريق لتمهد الطريق أمام التأمّل الفلسفي وتشكيل التصورات الفلسفية القائمة على العقلانية الحديثة. وقد برع فرويد في التوظيف السيكولوجي للأساطير الإغريقية في التحليل النفسي للشخصية والكشف عن الأعماق السحرية اللاشعورية للكائن الإنساني، وعلى هذا النحو وظف أسطورة “أوديب” أجمل توظيف في تحليله للشخصية والكشف عن الميول الجنسية الدفينة في الأعماق للفرد ومنهل اقتبس عقدة أوديب المشهورة في الكشف عن الميول العاطفية بين الآباء والأطفال من الجنسين المتقابلين. وعلى المنوال نفسه وظف تلميذه كارل يونغ أسطورة إليكترا لتفسير علاقة الإناث بالأب وأطلق عليها عقدة إليكترا([1]).
لقد وظف فرويد الرموز الأسطورية في تفسيره لنشأة الأخلاق والدين والحضارة، ومن أجل هذه الغاية يلجأ إلى حيّزين أسطوريين، يتمثل الأول في الأسطورة الولائمية (الوليمة الطوطمية) بطابعها الأنثروبولوجي الاجتماعي (مقتل الأب الأول)، في حين يتمثل الثاني في الأسطورة “الأوديبية” بتجلياتها السيكولوجية التربوية، وفي كلتا الأسطورتين تتجلى جريمة قتل الأب وغشيان المحارم. وتشكل هاتان الأسطورتان مادة فرويد المميزة في الاستكشاف الرمزي لعمليات التشكل التاريخي للقيم والأخلاق والأنا الأعلى والحضارة. وهو في الوقت الذي يوظف فيها الأسطورة الأولى (مقتل الأب والتهامه) لتفسير منشأ الحضارة الإنسانية بمضامينها الأخلاقية العامة، يوظف الثانية (الأسطورة الأوديبية) في تفسير نشأة الأنا الأعلى والتكوين الخلقي للأفراد في المستويين السيكولوجي والتربوي؛ ولا يخفى على المتأمل وجود تقاطعات كبيرة بين الطاقة الرمزية لكل من الأسطورتين، وتجانس أكبر في الكيفية التي توظف فيها هذه الرمزية لتفسير نشأة الأخلاق والحضارة، إذ تنطلق كلتاهما من موجبات الخطيئة الأصلية (قتل الأب) واللعنة الأبدية (غشيان المحارم) في تفسير ولادة الأخلاق والقيم والضمير الأخلاقي.
ومما لا شك فيه أن جانباً كبيراً من عبقرية فرويد تكمن في قدرته الهائلة على توظيف الرموز والأساطير في إضفاء المعاني والدلالات على مكونات الحياة الأخلاقية والنفسية في المجتمع، حيث تتجلى هذه العبقرية في التوليف الخلاق بين الواقع الأسطورة والتاريخ والرمز والعلم والدين في تفسير الجوانب الخفيّة للحياة الاجتماعية والأخلاقية والسيكولوجية في حياة المجتمع والأفراد والجماعات.
وقد دأب كثير من المفكرين على توظيف الأساطير في تفسير نشأة الحضارة وسقوطها ومن أبرز الأساطير التي وظفت في تفسير نشأة الحضارة الغربية يمكن الإشارة إلى أسطورتي برومثيوس وأوديسيوس إذ ترمز أسطورة برومثيوس إلى نشأة التنوير والحضارة الغربية، بينما تشير أسطورة أوديسيوس إلى سقوط التنوير وتشيؤ الحضارة الغربية وبين هاتين الأسطورتين يمكن أن نقع على أساطير جزئية ومهمة مثل أسطورة سيزيف والأسطورة الفاوستية التي تتشاكل بوضوح مع دلالات الأسطورة الأوديسية في مسألة سقوط التنوير وتشيؤ الحضارة.
2- أصل التنوير- برومثيوس سارقاً للنار:
تروي الأسطورة أن برومثيوس (Prometheus) [2] سرق النار الإلهية المقدسة من جبل الأوليمب وأعطاهم قبساً منها للبشر ليدفؤوا بها ويستنيروا بضوئها ويأنسوا بسحرها، ومن ثم منح البشر العديد من العطايا والهبات التي سرقها من آلهة الأوليمب. فقد أعطاهم فنون العمارة والبناء، النجارة، استخراج المعادن، علم الفلك، تحديد الفصول، الأرقام والحروف الهجائية، كما علمهم استئناس الحيوانات وركوبها والإبحار بالسفن، وأعطاهم موهبة التداوي والشفاء.
ولما علم زيوس بخيانة برومثيوس وسرقته النار المقدسة غضب غضباً شديداً اهتز له جبل الأوليمب، وقرر عقاب برومثيوس على الإثم الذي ارتكبه بحق الآلهة فعاقيه بأن قيّده بالسلاسل إلى صخرة في جبال القوقاز. وأرسل عليه في كل صباح نسراً عملاقاً يدعى (أثون) لينهش كبده كل يوم، وكان كبده ينمو في المساء ليصبح طعاماً للنسر الوحشي في الصباح. وبقي على هذه الحال حتى جاء هرقيلوس (ابن الإله زيوس) الذي قتل النسر وكسر قيود برومثيوس ومنحه حريته من جديد.
غضب زيوس كبير الآلهة وسيدهم مرة جديدة من تحرر برومثيوس فقرر هذه المرة معاقبة البشر جميعاً وتدمير الهبات التي منحها برومثيوس لهم، ولكنه في هذه المرة لجأ إلى حيلة أسطورية إذ أمر الآلهة بتشكيل امرأة فأعطاها (هيفاستوس) إله النار جسدها الناري وصوتها الساحر الناعم، وأعطتها إلهة الحرب (أثينا) قوة التحمل والقدرة على الإبداع، وأعطتها (أفروديت) إلهة الحب سحراً جذاباً ودهاء مكينا، وأعطاها (هيرميس) ابن زيوس إله البحارة عقلاً مسطحاً صغيرا، ثم أعطاها بوسيدون إله البحر مزاج الأعاصير وهيجان الانفعالات، وأطلق زيوس على هذه المخلوقة الحسناء (باندورا) التي منحت سمات تفوق ما يوجد لدى الآلهة.
ثم أرسل زيوس (باندورا) كهدية إلى إبيمثيوس (شقيق برومثيوس) بعد أن زودها بصندوق سحري عجيب مغلق مطالباً إياها ألا تفتحه أبدا. وسرعان ما وقع إبيمثيوس في حب باندورا وسحر بجمالها وأخذ بسحرها فتزوجها. وطالبها بألا تفتح الصندوق امتثالاً لإرادة زيوس وخوفاً منه، لكن الحسناء باندورا شغلت في التفكير بالصندوق وما قد يحمله في داخله من كنوز خفيّة. ومن ثم صارت حياتها جحيماً، وكاد فضول المرأة يقتلها وينازعها ولم تستطع مقاومة غواية الصندوق وسحره ففتحته خلسة في غياب زوجها، وعندما فتحت الصندوق خرجت كل القوى الشريرة التي وضعها زيوس في الصندوق (الفقر، النفاق والمرض والجوع والحسد الكراهية العنف والقتل وكل الشرور التي توجد في الكون) وعندها ذعرت باندورا وامتلكها الخوف الشديد، فأغلقت الصندوق بعد فوات الأوان فلم يبق فيه فيه إلا قوة الأمل والحلم الإنساني. ومع خروج قوى الظلام من الصندوق فاض العالم بالشر وتحولت جنة الأرض إلى جحيم البشر ولم يبق لهم إلا الأمل الذي يمكن أن يخفف عنهم وقع الشر والظلم والقهر الذي أنزله زيوس بجنس البشر.
ويستفاد من الأسطورة أن برومثيوس نزع الشعلة من أيدي الآلهة ليضيء بها أركان الأرض فلا يترك منها ركناً خافياً في عتمة الظلام وهذا يرمز إلى حركة التنوير التي شهدتها المجتمعات الأوروبية في عصر النهضة وفي زمن التنوير. ومع أن برومثيوس أهدى البشر قبس النار فإن البشر لم يكتفوا باستخدامها للتدفئة وطهي الطعام وصهر المعادن بل صنعوا منها الأسلحة، وأحرقوا بها القرى والغابات واستخدموها في الحروب والقتل، فهل ضاعت تضحية «برومثيوس» هباء؟!
3- أوديسيوس وحوريات البحر:
تشكل الأوديسة إحدى أهم المرجعيات الثقافية للحضارة الغربية المأخوذة بفكرة التحرر من سلطة الطبيعة والسيطرة على مقدراتها والتحكم فيـها وإخضاعها لمطالب الرجل الفاوستي. وقد دأب المفكرون الغربيون على استلهام أسطورة أوديسيوس الإغريقية([3]) واستجواب معانيها الرمزية لتفسير قيام الحضارة الغربية ومن ثم سقوطها في مستنقع العدمية. وأوديسيوس (Ὀδυσσεύς) بالتعريف بطل ملحمة الأوديسة لهوميروس ([4]) وتروي الأسطورة أنه كان ملك إيثاكا الأسطوري الذي ترك بلده كي يشارك في حرب طروادة الشهيرة، وهو صاحب الخدعة الحربية لحصان طروادة التي كانت سبباً مباشراً لهزيمة الطرواديين. وتروي الأسطورة أن صديق أوديسيوس المحبب قتل في المعركة فاستشاط أوديسيوس غضباً وحزناً وفي موجة غضبه تعرض للآلهة بالسباب والشتم فغضب منه إله البحر بوسيدون فأنزل به أثناء عودته إلى الديار عقاب الضياع في متاهات البحر وأمواجه لمدة عشر سنوات، وقد لاقى في رحلة الضياع هذه أهوالاً كثيرة ومخيفة. وطوال هذه الفترة بقيت زوجته بينيلوبي بانتظاره، ممتنعة عن الزواج، رغم العروض الكثيرة التي تتلقاها، ولاسيما بعد عودة معظم المحاربين في حرب طروادة ما عدا زوجها. وأخيرا تنتهي الملحمة الأسطورية بوصول أوديسيوس إلى عاصمة مملكته “إيثاكا” وقيامه بالانتقام من الذين اضطهدوا زوجته وضايقوها. .
وقد جاء في الأسطورة أن حوريات البحر (أو عرائس البحر) اعتدن على إنشاد أغان ساحرة للغاية بأصوات غناءة عذبة ساحرة صداحة لا يمكن لسامعيها أن يقاوموا سحرها وينتهي بهم الأمر إلى الاستسلام للحوريات عبيداً لهن إلى الأبد. ولما مرّ أوديسيوس بقربهن في رحلة عودته إلى الوطن اتخذ إجراءات صارمة لحماية بحارته من قدر الاستسلام للحوريات، فأمرهم أن يضعوا الشمع في آذانهم كي لا ينتهي بهم الأمر إلى سماع شدو الحوريات الساحرات والاستسلام لغوايتهن، ثم ومن أجل حماية نفسه أيضاً طلب من بحارته أن يقيدوه إلى “صاري” السفينة وأن يشدّو قيده كلما اشتد الغناء وعَذُب سحره كي لا يقع في مصائد العبودية لحوريات، وقد تمكن بهذه الطريقة أن يمرّ وبحارته بسلام، وتنتهي الأسطورة إلى انتحار الحوريات لأنّ أوديسيوس سمع غناءهن وعرف سرّهنّ ([5]).
وقد شكلت هذه الأسطورة مصدر إلهام فكري لهوركهايمر وأدورنو وانطلقا من معانيها ودلالاتها الحضارية في استكشاف العمق الثقافي للحضارة الغربية، ووظفا هذا النص الأسطوري لاكتشاف العلاقة الجدلية بين التنوير والحضارة المادية. وفي مسار التحليل يجد هوركهايمر وأدورنو شرارة التماثل بين الأسطورة وحركة التنوير الأوروبية. فالتنوير كان محاولة تاريخية لفك السحر عن العالم، والإنسان الغربي حاول في سياق حركة التنوير أن يتحرر من القوى السحرية وأن ينتصر على الطبيعية ويخضعها لإرادته العليا، ولكنه في صراعه مع الوحوش أصبح أكثر وحشية، وفي صراعه مع القوى الأسطورية أصبح قوة أسطورية، إذ يقاتل القوى الأسطورية التي تتمثل في ” حوريات البحر” وينقذ نفسه من العبودية الاستسلام للغانيات، ومع ذلك فإن أوديسيوس يقع في عبودية من نمط جديد لا تقل خطراً عن عبودية الغانيات، إذ يجد نفسه مشدوداً إلى صاري السفينة وقد خسر حريته وحرية بحارته فأصبح بإرادته عبداً لصواريه هذه المرة. وهذا يعني أن الإنسان في صراعه مع الطبيعية وفي محاولة فك السحر عن حضارته يقع من جديد في أسر العبودية والسحر والأسطورة، بل يتحول إلى وهج أساطير جديدة هي أساطير الحضارة الاغترابية المغلقة التي تدفع بالإنسان المتحضر إلى دياجير العبودية المظلمة.
ولهذا، ” كان أوديسيوس في ملحمة هوميروس – حسب قراءة هوركهايمر وأدورنو لهذه الملحمة – رمزاً لقيم التنوير والإنسان الأداتي الذي يبحث باستمرار على تحقيق ذاتـه مـن خلال التحكم في الأشياء والظواهر المحيطة به، ولهذا تصور لنا الأوديسة أن مغامرات أوديسيوس الملحمية قد سمحت له في آخر المطاف بمراقبة الطبيعة والانتصار على قواها الكبيرة والجبارة ليحفظ بقائه والعودة إلى موطنه، ولهذا كانت المعرفة ” ([6]).
فالتنوير الغربي في سعيه إلى تحرير الإنسان أسقطه في سحر الفردانية والعقل الأداتي الذي يتمثل في الحبال التي شدت برومثيوس إلى الصواري وقادت بحارته إلى الصمم. وهذا يعني أن صراع الإنسان الغربي مع الطبيعة ومحاولته السيطرة عليها أغرقه في وهم الحرية موقعا إياه في عبودية جديدة، وهي: عبودية العقل الأداتي الذي وضع الإنسان في أقفاص الاغتراب والتشيؤ. وهذا يعني أن الإنسان التنويري عندما عمل على ممارسة السيطرة على الطبيعية فقد السيطرة على ذاته وأفقد نفسه الحرية التي كان يبحث عنها، لقد أصبح شيئاً يرتبط مصيره بالأوثان مقيداً بالصواري في سفينة برومثيوس الذي طور نموذجاً من العقلانية الأداتية ليدرأ عن نفسه شر تلك القوى الأسطورية التي حاصرته، وهي نوع من الحيل الماكرة التي حمت حياته لمرات عديدة أثناء رحلة العودة.
وعلى هذه المنهجية ذاتها أبدعت الحضارة الغربية أدواتها للسيطرة على الطبيعية والانفلات من سحرها، ولكن السحر انقلب في النهاية على الساحر فأصبح الإنسان عبداً لما صنع عقله وما اخترعت يداه من وسائل السيطرة والهيمنة. فالحبال والأوتاد تشدنا إلى الزنزانات الحضارية التي يعيشها الإنسان الغربي المعاصر، والشمع يصم أذنيه إلى الدرجة التي فقد فيها ما هو عليه من قهر وعناء وشقاء. نعم هو الإنسان الذي توقف عن سماع نداء الطبيعة الجميل بما ينطوي عليه من سحر الغناء وغواية الحوريات وارتضى لنفسه عبودية جديدة تتمثل في شبقية الحضارة وجنونها الأداتي. نعم، نجح أوديسيوس في قهر قوى الطبيعة الخارجية (سحر الغانيات)، ولكنه دفع حريته ثمناً لذلك عندما قيَّد نفسه إلى الصارية ([7]). وتكمن العبرة في أن الإنسان عندما حاول أن يروض الطبيعة ويسيطر عليها خسر حريته الذاتية ووقع في عبودية الحضارة وتلك هي حكاية التنوير([8]).
وإذا كان هدف التنوير العقلي منذ القِدم هو تحرير البشر من الخوف، وجعلهم سادة على الأرض وملوكًا عليها أو مالكين لها ” فإن الأرض التي تم تنويرها لا تزال تغمرها ظلال الكارثة — والكارثة في مفهومهما هي سيادة الأسطورة (النازية اللاعقلانية!)، وهكذا كانت الأسطورة نفسها نوعًا من التنوير، ولكن التنوير كان يرتدُّ دائمًا إلى الأسطورة ويدمِّر نفسه بنفسه” ([9]). وهذا يعني أن تاريخ التمدن والتنوير ظل حتى اليوم ظل مُتلبِسًاً بالأسطورة أو مطويًّا فيها، وكأن التنوير لا يزال في حركة دائمة كحركة الفكرة المستمرة تُفضي به دائماً إلى الوقوع في أَسر الأسطورة ([10]). ومعنى هذا أن الأساطير تُولِّد وتحقِّق التنوير الذي يتعثَّر بعد ذلك مع كل خطوة من خطواته.
ولهذا يرى هوركهايمر وأدورنو أن انتصار العقلانية الأداتيـة أثنـاء مسار الحضارة الغربية، كان بمثابة نتيجة حتمية لفكـرة الصـراع وإرادة الهيمنة على الطبيعة، غير أن الهيمنة على الطبيعة ليس الدافع الوحيد الذي يفسر المسار الخاص بتاريخ النـوع البشري، إذ تتجلى في جدل التنوير ميزة أخرى بشـرية تلعب دور الدافع الجارف لذلك المسار وهو الخوف، فالرغبة الشديدة في الهيمنة على الطبيعـة تخلق في الإنسان خوفاً يائسـاً مـن المجهول، لذلك تنشـأ القـدرة على التفكير العقلاني كرد على هذا الخوف) ([11]).
لقد كان هدف هوركهايمر وأدورنو العمل على استكشاف الخوف الكامن في الإنسان الغربي وارتداده المستمر إلى اللاعقلانية والأسطورة التي حاول باستمرار وفي كل مرة التنصل منهما طوال تاريخه الحضاري، لذلك يكون هذا الإنسان واهما حين يعتقد أنه بواسطة معرفته العلمية ومـا ارتبـط بهـذه المعرفة من تقدم تكنولوجي وما أنتجه من وسائل وأدوات وأجهـزة، ومـا انـجـر عنهـا مـن هيمنة كلية على الطبيعة، أنه تحرر فعلا من خوفه البدائي وتجرد من الأسطورة واللاعقل، بل هو يرتد إليهما باستمرار [12]. ويفيد هذا كله بأن التنوير هو الحالة التي يتحرر فيها الإنسان من الخوف وذلك عندما لا يعود هناك ثمة شيء مجهـول فالتنوير هو عقلنة الرعب الميثولوجي([13]). وهكذا، يعتبر الخوف حسب هوركهايمر وأدورنو مظهرا أساسيا لعلاقة الإنسان بالطبيعة عبر التاريخ الحضاري الغربي، لذلك يلعب الخوف لديهما دورا أساسيا في الفهم الدقيق للعقل الإنساني وسبر أغـواره العميقة، والسبب أن العقـل مـدفـوع منذ ولادته وإلى آخر مراحل تاريخـه بالخوف من الطبيعة، وذلك أن الخوف هو بمثابة دافع أولي أمام الصراع من أجل الهيمنة على الطبيعة ومنشط للقدرة على التفكير العقلاني ولاتساع السيطرة على الطبيعة، بل وامتداد هذه السيطرة على الطبيعة الداخلية للإنسان، بحيث تحكمت العقلانية الأداتيـة فـي دوافعه الأولية وحياته الباطنية وأحكمت قبضتها عليه، فنتج ما يسمى بالاغتراب والتشيؤ.
4- فاوست- مسخاً شيطانيا:
تتجلى المعاني الاغترابية لأسطورة أوديسيوس بوضوح أكبر في أسطورة ” فاوست” (Faust) الأكثر حداثة وهي الأسطورة التي تفيد برمزية العقل الأداتي الذي أدى إلى نهاية التنوير وسقوطه. ولكي نفهم الدلالات الرمزية لأوديسيوس الإغريقي بوضوح أكبر يمكن أن نستلهم أسطورة ” فاوست ” التي تدور شخصية يوهان جورج فاوست (1480 – 1540) الذي كان كيميائياً لامعاً ومنجماً في عصر النهضة في ألمانيا وأصبحت حياته محوراً لحكايات شعبية وقصص وروايات أدبية ومسرحيات تحمل عنوان “فاوست” ومنها مسرحية ” التاريخ المأساوي لحياة وموت الدكتور فاوست ” لـ كريستوفر مارلو، وكذلك مسرحية ” فاوست” الشاعر الألماني ولفغانغ فون غوته.
تفيد الحكاية أن فاوست في سعيه إلى مزيد من العلم والقوة تحالف مع الشيطان وأبرم معه عقداً (A pact with the devil) وفي هذا العقد يبيع فاوست للشيطان (ميفيستوفيليس ) مقابل أن يقوم الشيطان بمنحه القوة والمعرفة والعلم والسيطرة. وعندما يستغرق فاوست في أهوائه ويشبع ميوله ونزواته ويحقق سيطرته الكلية على مظاهر الحياة من حوله يكتشف في نهاية المطاف أن السعادة الحقيقية لا تتحقق في المتعة الحسية والسيطرة المادية ولكنه يكتشف ذلك بعد فوات الأوان إذ قد أصبح جسداً بلا روح ومادة بلا معنى وقد أدرك أنه فقد الفرصة للتوبة والنجاة. وفي مواجهة هذا البؤس الوجودي يحاول فاوست الانتحار والتخلص من الحياة التي فقدت بريقها الروحي وجمالها الأخلاقي.
حكايات فاوست تشكل نموذجاً أوديوسياً للحضارة، فاوديسيوس الذي حاول أن يسيطر على الطبيعة فقد حريته على الصواري ولكي يتحرر من عبودية الطبيعة أصبح عبداً لصواري سفينته. ترك الغانيات وسحرهن من أجل السيطرة على العالم ففقد روحه أيضاً وتحول إلى قوة مدمرة لا روح فيها. أوديسيوس اتجه إلى المعرفة معرفة أسرار الطبيعية والسيطرة عليها وهو في سياق ذلك فقد رجه وحريته. وهذا هو حال فاوست الذي باع روحه للشيطان من أجل المزيد من العلم والسيطرة ولكنه وقع في حبائل عبودية الشيطان الذي أفقده جمال روحه.
وفي عملية الإسقاط الحضاري للأسطورتين تتضح الغايات وتنكشف الدلالات وتخرج المعاني الحبيسة. فالإنسان الغربي قد باع نفسه للشيطان، والشيطان هو العقل الأداتي الذي يتمثل في القوة الفارطة للعلم وقدرته على السيطرة، ويبنى على ذلك أن الإنسان في الحضارة الغربية في سعيه للسيطرة على الطبيعية فقد نفسه وانغمس في هوس اكتئابه واغترابه إذ أصبح كياناً بلا روح علما بلا معنى مادة بلا أخلاق ففقدت الحضارة أجمل ما فيها وأرقى أوجه نبلها ورقيها الأخلاقي والإنساني. وهذا يعني أن الحضارة المعاصرة شٌغفت بالعلم والعقل المسيطر فوقع الإنسان في حصار العدم (القنابل الذرية – الحروب الجرثومية – تدمير البيئة – تدمير المعنى – تشويه الأدب والدين ) وهذا يعني كله يعني أن الحضارة الغربية المعاصرة حضارة ميتة فانية مدمرة جسد بلا روح وكيان بلا معنى وتشكيل هلامي بلا دلالة. إنها الحضارة الفاوستية التي باعت روحها للشيطان ففقدت أجمل ما فيها: الأدب الشعر الموسيقا الجمال الأخلاق القيم والروح التي أصبت في متناول الشيطان.
5- سقوط الحضارة :
ليس ثمّة شك في أنّ الحضارة المعاصرة قد حققت قدراً لا بأس به من النجاح والتقدّم. لقد استطاعت أن تلبي وتحقق كلّ ما يحلم به الإنسان من مطالب وحاجات مادية ، في ظلّ التقدم العلمي والتكنولوجي الذي استطاع أن يسخّر كلّ شيء للإنسان، وأن يصبح الإنسان بواسطة هذا التقدّم التكنولوجي سيّداً للعالم.
ومع ذلك فهناك صيحات تنذر بأنّ الحضارة تمرّ بمأزق أو أزمة كما رأى “هابرماس”. ([14]) وصرّح نيتشه “Nietzsche” أنّها تسير إلى الهاوية. ويرى نيتشه أن التكنولوجيا تشكل تهديداً مستمراً لإنسانية الإنسان بعد أن «نما فيها الكم على حساب النوع، والإنسان الخارجي، بلغة نيتشه، على حساب الإنسان الداخلي» ([15]) . يقول نيتشه في عبارة رائعة: «إننا في عصر حضارته مهددة بالتدمير من طرق وسائلها هي نفسها» ومن ثم يصف « الحضارة الصناعية للغرب بأنها أحط شكل من أشكال الوجود التي أمكننا أن نراها اليوم ([16]).
وتمضي الحضارة الغربية كما يرى روجيه جارودي (Garaudy Roger) إلى الهاوية بما أنتجته من أدوات الفتك والتدمير التي أدت إلى هلاك ستين 60 مليون إنسان خلال الحرب الثانية ، وقنابل هيروشيما وناكازاكي ما تزال شاهدا احتضار هذه الحضارة واقتراب زوالها وقد قام بتحليل الأزمة التي يعيشها الغرب، ولاحظ أن هذه الأزمة ترجع بجذورها إلى عصر النهضة الذي أسس للرأسمالية الاستعمارية، وما صاحب ذلك من تدمير وهدم للثقافات الإنسانية وقد اعتمدت هذه الحضارة منهجا أوصلها إلى أزمة داخلية عميقة وشاملة وغير قابلة للحل . ويرى في هذا السياق إنه إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فإننا سنواجه أضعاف ما عشناه من ويلات وكوارث” ([17]) . وعلى إيقاع غارودي يقول نورثروب: ” إن عالمنا هذا عالم متناقض؛ فالمنجزات التي تمثِّل أمجاده هي التي تهدده بالدمار، ويبدو أننا كلما تقدمنا في الحضارة، فقدنا القدرة على الحفاظ عليها“([18]) . ويقرر كونكلين في كتابه الإنسان: الواقع والمثال أن الجنس البشري الآن في أشد أزمة مرَّ بها في تاريخه الطويل ([19]) . ويرى جوليان هكسلي، فيقول: إن هذه الحقبة حقبة شديدة الحرج يسودها العنف والصراع والثورة، والدمار والوحشية والأخطار النووية والذرية، والانفجار السكاني والتلوث البيئي، والانفصام الأيديولوجي والإضراب العام . ويؤيد يقول إريك فروم: العالم الغربي في طريق مسدود، لقد حصل على الكثير من الأمور الاقتصادية، وفقد أي معنى وهدف في الحياة، وبدون هذا فإن المجتمع الغربي مثل أي مجتمع آخر في الماضي لا بد من أن يفقد حيويته وقوته الداخلية. ويرى عالم الاجتماع بيتريم سوروكين: “إن كل جانب من حياة المجتمع الغربي ونظامه وثقافته، إنما هو في أزمة طاحنة أن جسد المجتمع الغربي مريض وعقله مريض، ولا تكاد توجد نقطة صغيرة واحدة على جسده إلا ويعتورها الألم ” ([20]) .
ويعد الشاعر الفرنسي شارل بودلير (1821- 1867) من أبرز هؤلاء الذين حذروا من دمار الحضارة عندما وجد أن التكنولوجيا التي يعيش بها الغرب ستدمر ثقافته وحضارته . وهذا هو الأمر الذي أكده الروائي الروسي الكبير ليو تولستوي (1828- 1919) . وقد أكد فيودور دوستويفسكي (1821- 1881) الفكرة التي تقول بأن الحضارة الغربية تتجه نحو انهيار مأساوي لا يمكن إيقافه. ويعد أوزوالد شبنغلر (Chweitzer) من أبرز المفكرين الذين قالوا بانهيار الغرب وسقوط حضارته البربرية ويؤكد أننا نعيش اليوم في ظلّ انهيار الحضارة الغربية التي تدخل الآن مرحلة التداعي، وقد حكم عليها بالموت والدمار.
6- خاتمة – صخرة سيزيف:
عندما حصل الأديب والفيلسوف الهندي طاغور على جائزة نوبل في الآداب عام 1913 قال ” إن الحضارة المادية ستخسر كل شيء إذا فقدت روحها، وأن البشرية ستصبح مهددة بالفناء في ظل جسد بلا روح وعندما تصبح الحضارة بلا قلب فإنها ستفقد أهم مقومات الحياة ([21]). وفي هذا القول تتوهج كل الدلالات الأسطورية للحضارة الغربية الفاوستية التي فقدت بريقها الإنساني من نار برومثيوس التي أحرقت العالم إلى صواري أوديسيوس وسجونه الحضارية، ومنهما إلى الروح الفاوستية في الحضارة الغربية .
في الأساطير الثلاثة يتوهج نور الحضارة في البداية ثم تأفل الأنوار ويسقط الإنسان في مستنقع العدمية. أراد برومثيوس أن ينير الأرض بشعلته ولكن هذه الشعلة أحرقت الأرض ودمرت الأنوار، وانتهى به الأمر بصندوق باندوا (عقاب زيوس للبشر ) التي انفتح شراً على الإنسانية فانتشرت الشرور والآثام ولم يبق فيه إلا الأمل.
أراد أوديسيوس أن يسيطر على الطبيعية بالعقل والمعرفة فوقع في أسر الصواري وأرهب الطبيعة إذ كشف أسرارها دون أن يمتثل لغواية الغانيات التي ترمز إلى في جمال الطبيعة وسحرها، حرم نفسه من أناشيد الطبيعة الروحية فأخضع نفسه لقوانين العلم والمعرفة، فسقط تحت مقصلة العقل الأداتي فاقداً للروح والجمال الذي تتجلى فيه الطبيعة التي تتمثل في الفن والموسيقا والجمال.
وهذا هو الواقع الحضاري المأساوي الذي نعيشه المحاصر بزنزانات الاغتراب والاستلاب لقد أصبح الناس في هذا الزمن الحضاري عبداً لنزواته المادية يرزح تحت السلطة البيروقراطية، وقد أصبح اليوم عاجزاً مجرداً من طاقته الروحية والأخلاقية. فالحياة المعاصرة في ظل الحضارة الغربية حضارة فاوستية حضارة السيطرة والقوة والدمار. والإنسان اليوم يعيش تحت مظلة الخطر الذي يهدد كيانه ووجوده الذي يتمثل في الحروب النووية والخراب البيئي وسيطرة الإعلام وهيمنة الذكاء الاصطناعي. لقد اصبحنا نعيش في عالم يعلو فيه كل شيء وتسقط قيمة الإنسان نفسه صانع الحضارة والتاريخ. وعلى هذا النحو يمكن القول إن كل حضارة تنطوي على بذور فنائها، وعليه فالحضارة الإنسانية الكونية تقارب الفناء والزوال والانحدار. وقد كتبت أطنان من الكتب والروايات والدراسات التي تحدثنا عن فناء الحضارة الإنسانية وسقوط الإنسان.
وقد تمثل أسطورة سيزيف ([22]) اليوم تصورا عميقا عن وضعية الحضارة المعاصرة فالإنسان يعيش فيها وضعية سيزيفية مجردة من الحلم والأمل، وحياة البشر أصبحت اليةم روتينا يستمد معناه من صخرة سيزيف الأبدية أي كحال سيزيف الذي يدفع صخرته بصورة دائمة إلى أعلى الجبل لتنحدر بعدها إلى سفحه على نحو لا يتوقف أبدا . وتلك هي حالة الإنسان المعاصر الذي يرفع أثقاله اليومية في ظل غياب الروح الحقيقية للإنسان بوصفه والإنسانية بوصفها نمطا للعيش الحرّ الكريم، وقد يكون كل ما يقوم به الإنسان المعاصر في ظل هذه الروح الفاوستية مجرد عمل رتيب سخيف تافه لا قيمة له ولا معنى محال سيزيف الذي يحمل صخرته المتدحرجة دون جدوى إلى الأبد. وتلكم هي الحياة العبثية التي نعيشها في هذا الزمن، وقد لا نبالغ في القول: إن الحياة التي نعيشها اليوم تشبه إلى حد كبير هذا الشقاء الذي حُكم به على سيزيف إنها مأساة هذا الروتين اليومي الذي يكبلنا بأغلال برومثيوس وصواري أوديسيوس. فنحن نعيش اليوم في مهب الريح نكرر حياتنا كل يوم دون هدف يتميز بنبله وسموه، نعيش نستهلك نأكل نخضع نستسلم نتشيأ نتملك نشتري نبيع كما نُشترى ونُباع في سوق النخاسة الرأسمالي الجديد، وقد أصبحنا أشلاء في ماكينة الإنتاج الصناعي والإعلامي الجبار، بل قل أننا اصبحنا وقوداً لهذه الصناعة وموضوعاً لها. وقد لا يوجد أمام الإنسان بعد أن فقد شغفه الطبيعي إلى الحياة الإنسانية الروحية إلا الموت خلاصاً من هذا الضجر الأبدي، أو لنقل إذا حاولنا رفع المعنويات بأن لم يبق أمام هذه الإنسانية البائسة أكثر من الحلم والأمل القابع في صندوق باندورا الذي يحتاج إلى من يطلقه من جديد في قلوب الناس ووعي البشر. ويبقى السؤال هل هنام من يأتي ليكسر أغلال برومثيوس؟ أو ليحرر سيزيف من عنائه الأبدي فيحطم صخرته الكارثية؟ وهل هناك من جنيات بحرية تأخذنا إلى صوابنا في التفاعل مع الطبيعية لنخرج من دوائر اغترابنا واستلابنا؟
مراجع المقالة وهوامشها :
[1] – إلكترا شخصية اسطورية ابنة ملك الإغريق “أغمانون”. وقد اشتهرت بقيامها بتحريض أخيها “أوريستيس” على قتل أمّها “كليتمنسترا”، بعدما اتهمتها بالمشاركة في قتل أبيها. يضاف إلى ذلك كلّه السبب الأهم وهو حبّها السابق والشديد لأبيها وتعلُّقها به ورفضها في أن تشاركها فيه أي امرأة غيرها، حتى ولو كانت هذه المرأة هي أمّها! لذلك أطلق علماء النفس هذا الاسم على إحدى العقد النفسية التي تعاني منها البنت في فترة المراهقة، وما ينتج عنها ليغطي المراحل القادمة. وبهذا المعنى فإلكترا هي النسخة المؤنَّثة لما يُسمَّى “عقدة أوديب”. وعلى الرغم من أن فرويد هو من ابتكرها، إلا أن يونغ هو من أطلق التسمية الحالية على العقدة التي كان يُسمّيها فرويد “عقدة أوديب المؤنثة”.
[2] – بروميثيوس (Prometheus) أحد الأرباب المعروفة بالتيتان في مجمع أرباب اليونانيين القدماء، ويعني «المتبصر» وهو ابن التيتان إيابتوس وشقيق أطلس وابمثيوس في الأساطير اليونانية. وقد كان يملك المقدرة على التنبؤ بالمستقبل. عندما قامت الحرب بين كرونوس و التايتن من جهة وزيوس وأخوته من جهة أخرى، انضم بروميثيوس إلى جبهة زيوس، وبعد الانتصار اتخذ زيوس من بروميثيوس مستشار له لبعد نظره وحكمته. عهد زيوس إلى بروميثيوس وأخيه ابيمثيوس تشكيل الحيوانات والبشر. شكل ابيمثيوس الحيوانات، بينما شكل بروميثيوس البشر. أنهى ابيمثيوس الحيوانات بسرعة، بينما استغرق بروميثيوس الكثير من الوقت، بالرغم من رغبة بروميثوس إتقان تشكيل البشر، إلا أن بطئه الشديد جعل أخاه يمنح الهبات كلها إلى الحيوانات: السرعة في العدو، الرؤية عن بعد، السمع عن مسافات بعيدة كما أعطاهم رداء من الفراء ليدفئهم من البرد، ومختلف الأسلحة للدفاع عن نفسها مثل القرون والأنياب، ولم يبق شيء للإنسان. أعطى بروميثيوس البشر العديد من العطايا والهبات التي سرقها من آلهة الأوليمب هيفاستوس وأثينا وغيرهم، فقد أعطاهم فنون العمارة والبناء، النجارة، استخراج المعادن، علم الفلك، تحديد الفصول، الأرقام والحروف الهجائية، كما علمهم استئناس الحيوانات وركوبها والإبحار بالسفن. لم يكتف بروميثيوس بذلك، بل سرق النار من جبل الأوليمب، وأعطى قبسا منها للبشر. فقد حزن بروميثيوس لرؤية البشر في برد الشتاء محرومين من الدفء والأمن. تألم بروميثيوس لحال البشر، وقرر أن يحضر لهم النيران التي تدفئهم وتأنسهم بنورها. سرق برميثيوس إحدى صواعق زيوس، وأخفاها داخل عصا مجوفة صنعها من النباتات. وقد علم زيوس بخيانة بروميثيوس، وقرر عقابه على الإثم الذي ارتكبه في حق سادة الأوليمب. استدعى هيفاستوس وطلب منه أن يصنع سلاسل قوية حتى يقيد بها بروميثيوس على صخرة في جبال القوقاز. وكان كل صباح يأتيه نسر عملاق يدعى أثون ينهش كبده، الذي يعود لينمو مجددا في المساء ليستمر عقاب بروميثيوس الأبدي. انظر الموسوعة العربية للمزيد من المعلومات.
[3] – الأوديسة باليونانية (ούνταξις)هي ملحمة شعرية وضعها هوميروس في القرن 8 قبل الميلاد. وتتكون من 24 جزئا. تبدأ الملحمة من منتصف القصة، ثم تروي ما حدث بالبداية وتنتهي بوصول البطل إلى الجزيرة. تبدأ قصة الأوديسة بعد نهاية ملحمة الإلياذة. وتروي قصة عودة أوديسيوس ملك إيثاكا الذي من المعروف عنه أنه صاحب فكرة حصان طروادة.
[4] – يسمى أوديسيوس يوليز أو عوليس باللاتينية (Ulysses)
[5] – Max Horkheimer and Theodor w. Adorno, La dialectique de la raison, fragment philosophiques, traduit de l’allemand par eliane kaufholz, Editions gallimard, p 50.
[6] – كـمـال بـومـنـيـر، النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت: من ماكـس هـوركهايمر إلى أكسـل هـونيـث، الدار العربية للعلوم ناشرون، الرباط، الطبعة الأولى، 2010. ص 20.
[7] -Max Horkheimer et Theodor W. Adorno, La Dialectique de la Raison, trad. Éliane Kaufholz, Gallimard, 1974, p. 72.
[8] – خلدون النبواني، الجيل الأول لمدرسة فرانكفورت من الماركسية إلى ما بعد الحداثة، الأوان، 8ديسمبر 8, 2013. https://bitly.ws/3dqE3
[9] – عبد الغفار مكاوي، تجارب فلسفية، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2020. ص 106.
[10] – عبد الغفار مكاوي، تجارب فلسفية، المرجع السابق، ص 106.
[11] – كـمـال بـومـنـيـر، النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت: من ماكـس هـوركهايمر إلى أكسـل هـونيـث، الدار العربية للعلوم ناشرون، الرباط، الطبعة الأولى، 2010. ص 21.
[12] – كـمـال بـومـنـيـر، النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، المرجع السابق، ص 22.
[13] – كـمـال بـومـنـيـر، النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، المرجع السابق، ص 22.
[14] – عماد الدين ابراهيم عبد الرازق، مفهوم الاغتراب لدى فلاسفة مدرسة فرانكفورت، مؤمنون بلا حدود، يناير 2017. https://bitly.ws/3dqMj
[15] – مهند حبيب السماوي، نقد الحضارة الأوربية عند نيتشه، مركز الشرق العربي، 12/7/2007. https://www.asharqalarabi.org.uk/mu-sa/b-mushacat-417.htm
[16] – مهند حبيب السماوي، نقد الحضارة الأوربية عند نيتشه، المرجع السابق .
[17] – زيد بن محمد الرماني، فلاسفة الغرب والحضارة الغربية الحديثة، الألوكة، 13-6-2022.
[18] – زيد بن محمد الرماني، فلاسفة الغرب والحضارة الغربية الحديثة، المرجع السابق.
[19] – زيد بن محمد الرماني، فلاسفة الغرب والحضارة الغربية الحديثة، المرجع السابق.
[20] – زيد بن محمد الرماني، فلاسفة الغرب والحضارة الغربية الحديثة، المرجع السابق.
[21] نقلا عن: مجدي عزيز إبراهيم، المنهج التربوي العالمي، أسس تصميم منهج تربوي في ضوء التنوع الثقافي، مكتبة الأنجلو مصرية القاهرة 2001، ص 232.
[22] – سيزيف شخصية أسطورية شريرة في الميثولوجيا الإغريقية، وقد صوره هوميروس أكثر أبناء البشر مكرا وخبثا ولؤما. ولسوء أعماله حكمت عليه الآلهة الأوليمبية أن يدحرج صخرة ضخمة من أسفل الجبل إلى أعلاه، وفي كل مرة تصل فيها إلى قمة الجبل تتدحرج إلى أسفله فيعود سيزيف جديد ليدحرجها إلى القمة من جديد مرارا وتكرارا إلى الأبد. وليس هناك عقاب أقبح وأشد أيلاما من القيام بعمل تافه لا معنى له ولا جدوى فيه.
_______
*علي أسعد وطفة/ جامعة الكويت – كلية التربية.
*المصدر: التنويري.