العقل كان وما يزال المرجع الوحيد للتشريع، منذ أن وعى الإنسان ضرورة الخروج من الفوضى إلى الاستقرار عبر سلسلة تشريعات تتعهد مبادئ التشريع. ومع استمرار الحاجة إليه، فليس ثمة مصدر سواه، إذا استوفى شروط الحكمة، والتزم العدل والانصاف، وتجنب الظلم والعدوان. بهذا الشكل يكون العقل في موازة النص مصدراً للتشريع في منطقة الفراغ، رغم نسبيته مادام كلاهما يلتزم بمبادئ التشريع والقيم الأخلاقية والإنسانية في ضوء الواقع وضروراته. فلا معنى لاحتكار الفقيه التشريع في منطقة الفراغ، مع قلة أحكام الشريعة، وتصاعد الحاجة للتشريع لمواكبة متطلبات الواقع. وما الروايات التي يتمسك بها الفقهاء سوى اجتهادات عقلية في ضوء النص، مهما أضفى المتكلمون على النصوص الثانوية / الروايات من تبجيل وتقديس وعصمة، فهي آراء بشرية واجتهادات شخصية، لا إطلاق لها مادامت مرتهنة إلى قبلياتها وناظرة للواقع وضروراته، لذا تتعارض فيما بينها حول موضوع واحد، وهو أمر طبيعي سببه اختلاف المرجعية العقدية، الثقافة، البيئة الاجتماعية الوضع السياسي وأشياء أخرى مرتبطة بمصدر الرواية. إنها روايات ظنية الثبوت بما فيها الأحاديث النبوية، لا تورث القطع واليقين الذي هو شرط لثبوت الحكم الشرعي، بيد أنهم تداركوا نقطة الضعف بدعوى ورود إذن من الشارع بالعمل بها. والغريب رغم ضعف الأدلة، غير أن الرواية عندهم تقيّد وتخصص آيات الكتاب مهما خالفت القيم الأخلاقية والدينية. إن نسبة الحكم لله وللشريعة الإسلامية يستدعي التثبّت، لتفادي قوله: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ)، (إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا)، (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ …. وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ). والآية الأخيرة دلالتها واضحة، تشترط العلم واليقين في ثبوت الحكم الشرعي، وليس ثمة طريق سوى ورودها نصاً ضمن آيات الأحكام، لتكون قطعية الصدور حتى وإن كانت ظنية الدلالة، فهنا يأتي دور فقه النص للكشف عن دلالتها ومستوى الإلزام في أوامره ونواهيه. فالعقل هو المصدر الوحيد للتشريع بعد ختم الشريعة الإسلامية. وهو المخوّل الوحيد لملء الفراغ التشريعي، باستثناء العقل التعسفي الجائر الذي يتنازل عن قيمه ومبادئه استجابة لرغبات الظالمين والمستبدين. إن أغلب الأنظمة والقوانين الوضعية في العالم، سيما الدول الديمقراطية، هي نتاج عقل حكيم يتصف بالعدل والانصاف وتراكم الخبرة التشريعية والاستفادة من معطيات العلوم، ومراعاة مصالح الشعب والوطن. فليس ثمة تعسف أو ظلم، ولا إسقاط للعقيدة على التشريع، بل العدل وحقوق الإنسان هي المبادئ السائدة: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ).
مفهوم العقل
رغم الاختلاف حول مفهوم العقل بين الفلاسفة وغيرهم، وتعدد الآراء حول جوهره وآلياته وأدواته في إدراك المعارف، وكثير من التفصيلات، إلا أن المقصود به هنا بالذات، العقل كأداة لإدراك الحقيقة وتشخيص الواقع، ومعياراً يمكّن الإنسان من خلاله التمييز بين: الصواب والخطأ. الخير والشر. الحسن والقبح. وكان سؤال الفقهاء في هذا السياق: هل العقل مصدر من مصادر التشريع أسوة بالكتاب والسُنة والاجماع؟ وبأي معنى هو مصدر من مصادر التشريع؟ هل بمعنى إدراك الحكم الشرعي أم الكشف عنه؟. بعد أن فصّلوا الكلام بين العقل النظري والعقل العملي. الكلام في الأول عن حدود الإدراك، وتحديد الموقف العملي وما يجب أن أعمل يتولاه الثاني. والتفصيل في كتب أصول الفقه، لنبقى في حدود الموضوع. وهنا نقرر أن العقل، وفقاً للاتجاه الأخلاقي، قادر على اكتشاف الجذر الأخلاقي لأحكام الشريعة، ومبادئ تشريعها بل وحتى ملاكاتها من خلال ملاكات الجعل الشرعي التي سبق بيانها. ويمكنه التشريع في ضوئها لملء الفراغ التشريعي التي تشمل جميع مناحي الحياة ماعدا العلاقات التي تنظّم علاقة الفرد بخالقه، والتي قد استوفت آيات الكتاب وجملة من أحاديث النبي بيانها. إلا أنه رغم كل هذا لا ينسب أحكامه لله تعالى، بل تبقى أحكامه أحكاماً بشرية تتأثر بقبليات المجتهد والخبير التشريعي وتغيرات الواقع وحاجات الإنسان والمجتمع. الاتجاه الأخلاقي لا يعتقد بشمول الشريعة لجميع مناحي الحياة، كي يمنح الفقيه حق احتكار التشريع فيها، بل تقف الشريعة عند حدود آيات التشريع وما عداها منطقة فراغ تشريعي، باستثناء ما له جذر قرآني من سُنة النبي، وتطبيقات كليات الأحكام على مصاديقها. المشكلة التي نواجهها الآن وعي الشريعة في الوسط الديني، فيبدو الحديث عن منطقة فراغ تشريعي مرتهن للعقل وأحكامه في ضوء القيم الأخلاقية والدينية، أمراً غريباً غير ممكنٍ بعد أن اعتادوا على تلقي أجوبة شرعية جاهزة لكل مسألة يطرحونها. الشريعة في وعي الناس مصدر للتشريع في كل مكان وزمان، هذا ما ترسب في أذهانهم بفعل مواصلة الافتاء، وعدم توقف الفقيه عن الفتوى بذريعة شمول الشريعة، وهي قضية مختلقة لها أسبابها السياسية والدينية.
الدليل العقلي
يقصد بالدليل العقلي: كل قضية يُدركها العقل، ويمكن أن يُستنبَط منها حكم شرعي… ولا داعي للبحث عن حجية العقل إذا كان حكمه قطعياً بعد الفراغ عن حجية القطع، وإنما نحتاج إلى البحث عن حجيته إذا لم يكن قطعياً، كالقياس مثلاً. (مصدر السابق، ص 312).
ثمة جدل قديم حول مدركات العقل بين المعتزلة والأشاعرة انعكس على البحث الفقهي. وهناك اختلاف حول وظيفته بين العقل النقدي المستنير والعقل الأداتي المستقيل. على الأول لا يوجد فيتو على العقل، يمكن أن يكون مصدراً من مصادر التشريع ويمكنه إدراك الجذر الأخلاقي للأحكام الشرعية، وتحديد تاريخيتها ومدى إطلاقها، بينما وظيفة العقل لدى الاتجاه الثاني فهي الطاعة والاتباع والتسليم وعدم الاحتجاج، هو مجرد أداة.
لا ريب في قدرة العقل على تشريع الأحكام وإدراك الجذر الأخلاقي وملاكات الأحكام الشرعية، غير أن أحكام الشريعة وفق ثنائية الحلال والحرام شأن إلهي. ولا طريق لمعرفة الحكم الشرعي (المنصوص عليه قرآنياً) سوى النص، وفي هذا الخصوص لدينا آيات الأحكام قطعية الصدور. ومجموعة أحاديث ظنية الثبوت. أما العقل فقد اختلفوا حول قيمته المعرفية وحجية أحكامه، ومدى قدرته على إدراك أحكام الشريعة. وعندما ذهب الشيعة إلى حجية العقل واعتباره مصدراً من مصادر التشريع، فيفرقون بين المستقلات العقلية، وهي قضايا يمكن للفقه أن يستنبط منها حكماً شرعياً مباشرة بلا حاجة إلى بيان شرعي. كوجوب الشيء يستلزم وجوب مقدمته. وغير المستقلات العقلية التي تحتاج إلى ضميمة شرعية. وبتفصيل أكثر: كما يمكن للعقل أن يكشف وجود الشيء وعدمه في عالم التكوين عن طريق كشفه للعلاقة بين الشيء وضده أو ملازمه، كذلك يمكن للعقل أن يكشف عن وجود حكم أو عدمه في عالم التشريع عن طريق تلك العلاقة. (الصدر محمد باقر، دروس في علم الأصول، ح1، ص 120). وبشكل آخر، العقل عند الأصوليين والفقهاء أداة للإدراك، كإدراكه لعلاقة التضاد بين السواد والبياض، التي تعني استحالة اجتماعهما في جسم واحد. وبعد إدراك العقل لتلك العلاقة يستطيع أن يستفيد منها في اكتشاف وجود الشيء أو عدمه. وعن طريق علاقة التضاد بين السواد والبياض يستطيع أن يثبت عدم السواد في جسم إذا عرف أنه أبيض، لاستحالة اجتماع البياض والسواد في جسم واحد. كذلك في عالم التشريع، فكما يُدرك العقل العلاقة بين الأشياء ويستفيد منها في الكشف عن وجود شيء أو عدمه، كذلك يدرك العلاقات القائمة بين الأحكام، ويستفيد من تلك العلاقات في الكشف عن وجود حكم أو عدمه. فهو يدرك مثلاً التضاد بين الوجوب والحرمة، فيستخدم علاقة التضاد بينهما لنفي الوجوب عن الفعل إذا عرف أنه حرام. (المصدر نفسه). أو كما يمكن للعقل أن يكشف وجود الشيء وعدمه في عالم التكوين عن طريق تلك العلاقات، كذلك يمكن للعقل أن يكشف وجود الحكم أو عدمه في العالم التشريعي عن طريق تلك العلاقة. بهذا الشكل يكون العقل مصدراً للتشريع بمعنى كشفه عن وجود الحكم الشرعي. وهذا يعزة مكانة العقل في عملية تشريع الأحكام في منطقة الفراغ.
– من جانب آخر أن ما حكم به العقل حكم به الشرع باعتباره سيد العقلاء. وهذا متفق عليه عندهم بشكل ما. فعندما يحكم العقل بحُسن العدل وقُبح الظلم مثلاً، يحكم الشرع بوجوب العدل وحرمة الظلم.
– من جهة ثالثة يُعد العقل المصدر الوحيد للقاعدة العملية الأولية، سواء كانت الاحتياط العقلي، أوكانت البراءة وقبح العقاب بلا بيان.
هذه هي مصاديق دليلية العقل في التشريع. فالكلام تارة عن قدرة العقل على التشريع، وهذا لا ريب فيها عندنا مهما ارتاب الفقهاء، وأخرى الكلام حول نسبة أحكام العقل إلى الشريعة، وتقدم أعلاه التفصيل.
الموقف من العقل
ليس المطلوب من العقل إصدار أحكام شرعية مثلها مثل آيات الأحكام كي يتطلب من إدراك ملاكاتها الحقيقية. بل المراد من العقل قدرته على ملء الفراغ التشريعي وفقاً لمقتضيات الحكمة، وهذا اتجاه ثالث يتبناه الاتجاه الأخلاقي. وبالفعل أمضى الإسلام جملة أحكام كانت سائدة آنذاك، منها أحكام البيع والتجارة باستثناء عدد من الضوابط والقيم الأخلاقية، كحرمة الربا، وأن تكون تجارة عن تراضٍ. فامضاء الإسلام لتلك الأحكام إمضاء للعقل. وهذا اعتراف بمرجعيته وإمضاء لأحكامه. الشريعة شجبت أحكام العقل التعسفي والسلطوي، وليس العقل المتزن، الذي يرتكز للحكمة ومبادئ التشريع، ويتخذ من الأخلاق مقياساً لمستوى الإلزام في الحكم إضافة إلى ملاكاته.
إن حرمة نسبة أي حكم إلى الله تعالى ما لم يكن منصوصاً عليه، بات أمراً مفروغاً عنه، تؤكده آية “ويقولون على الله ما لا يعلمون”. يستثنى من الحرمة ما سنّه النبي وله جذر قرآني. وأيضاً مصاديق الأحكام الكلية. وهذا العدد من الأحكام لا يغطّي حاجة الفرد والمجتمع والدولة إلى الأنظمة والقوانين والتشريعات. والكلام يفترض مجتمعاً مسلماً يروم تطبيق الشريعة، وهناك من يدعو لها ويرفع شعارها. فهل ثمة مصادر للتشريع سوى العقل وحده عندما يلتزم بمبادئ التشريع؟. بينما يشترط الفقهاء وجود نص أو قياس على نص، كما يذهب الشافعي لذلك صراحة: (ليس لأحد أبداً أن يقول في شيء حلٌ ولا حُرّم إلا من جهة العلم. وجهة العلم الخبر في الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس)، (الرسالة للشافعي، ص39)؟. إن موقف الفقهاء من العقل سلبي، يقول الشافعي مؤسسة علم أصول الفقه: وعندما يعرّف الاجتهاد يستبعد العقل. الاجتهاد يعني حكماً “على مثل” (المصدر نفسه). (الاجتهاد لا يكون إلا لمن عرف الدلائل عليه، من خبر لازم: كتاب أو سنة أو إجماع….)، (المصدر نفسه، ص53). فهناك موقف سلبي من العقل، رغم أنهم يقلدون في كثير من المسائل عقولاً بشرية أضفوا عليها طابع العصمة والعدالة المطلقة. إن حرمة نسبة الحكم إلى الله في ما لم يرد فيه نص، لا يمنع من اتخاذ العقل مصدراً للتشريع مادام الحكم قد استوفى شروطه. هذه هي سيرة البشرية، كانت وما تزال تعتبر العقل المصدر الأول للتشريع وفي ضوئه يتم تشريع الأنظمة والقوانين وفقاً لمتطلبات الواقع. ثم جاءت الرسالات لتمضي بعضه وتصحح الآخر وتضيف تشريعات جديدة. فلا مشكلة للدين مع العقل في مجال التشريع، بل المشكلة مع شرط العدالة وتحقق الرحمة والسعة والمساواة. واستيفاء الحكم لملاكاته من مصالح ومفاسد. لقد أكدت الأدلة ثقة الدين والشريعة بالعقل مصدراً للتشريع، وهو ما يهمنا، إذ يعتبر الاتجاه الأخلاقي الذي أسسنا له خلال سلسلة بحوث أن العقل مصدر تشريعي مستقل يوازي النص، في ملء الفراغ التشريعي، بل ويُرتكز له في تحديد فعلية أحكام الشريعة. إضافة إلى حاكمية الأخلاق. النص لا يسقط اعتبار العقل، بل (ما حكم به العقل حكم به الشرع). وأما الأدلة فهي كثيرة نذكر منها:
أولاً – إن مساحات الاشتراك بين التشريعات الوضعية والشرعية يؤكد مرجعية العقل في التشريع. مادامت تستوفي ملاكاته وتقوم على مبادئه: (العدل وعدم الظلم، السعة والرحمة، المساوة). وهي مبادئ أخلاقية – عقلية كونية مشتركة، ارتكزت لها أحكام الشريعة، وقد مهد هذا لاكتشاف الجذر الأخلاقي لها.
ثانياً – اشتراك الكتاب والحكمة والعقل بالتشريعات القرآنية، اعتراف بالعقل مصدراً للتشريع. إذ ليست الحكمة سوى قرار عقلي عقلاني، يضع الشيء في محله. وقد اشتمل الكتاب على تشريعات جديدة كأحكام العبادات، وهناك مجموعة أحكام (أوامر ونواهٍ)، صرّح الكتاب أنها من الحكمة (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ). كما أن معظم الأحكام الأخلاقية في القرآن أحكام إرشادية لحكم العقل، ومرَّ استعراض ما يكفي من أدلة، والرد على جميع الاعتراضات المحتملة.
ثالثاً – النهي عن كثرة السؤال مع ختم التشريع إحالة غير مباشرة على العقل إذ لا مصدر آخر غيره، مع حاجة الناس المستمرة له. إما نص موحى أو عقل يعمل بمقتضيات الحكمة. تشريع سماوي أو وضعي. ونحن نشترط في الحكم الوضعي أن يكون وفقاً لمقتضيات الحكمة ومبادئ التشريع في ضوء الواقع وحاجته، ومن وحي القيم الأخلاقية والدينية، كي تتحقق العدالة التي هي شرط في التشريع.
رابعاً- دلت القرائن على إرادة خصوص الحكم الشرعي أو ما يرتبط به، في النهي عن كثرة السؤال، وهناك مجموعة آيات: تبدأ بـ “ويسألونك..). فالآية لا تنهى عن مطلق السؤال بل عن الأسئلة التي يترتب عليها حكم شرعي، يُثقل عليهم، ويحد من حريتهم. وهي دعوة للاقتصار على ما يرد من أحكام. والاكتفاء بها دون غيرها. وقد جاء في بعض الروايات عن علي قال: لما نزلت هذه الآية: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) [آل عمران: 97 ] قالوا: يا رسول الله ، كل عام؟ فسكت. فقالوا: أفي كل عام؟ فسكت ، قال: ثم قالوا: أفي كل عام؟ فقال: “لا.. ولو قلت: نعم لوجبت”، فأنزل الله: (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) إلى آخر الآية. وهذا يعزز انصراف الآية للأحكام الشرعية دون غيرها. أو شاملة لها كحد أدنى. وأيضاً: لا يمكن صرف آية “اليوم أكملت لكم دينكم”، في آية ختم النبوة المتقدمة، عن سياقها التشريعي، مادام قد سبقتها وتلتها آيات تشريعة، تعزز دلالة السياق وتمنع انصرافه لأية دلالة بعيدة عنه، مع عدم وجود قرينة صارفة في المقام. وكل هذا يؤكد محدودية أحكام الشريعة وأن الإرادة الإلهية انعقدت على عدم تمدد الشريعي، ليعود المرء إلى رشده وقيمه الأخلاقية وضميره الإنسان والالتزام بالحكمة في مواكبته للواقع وضروراته. وبالتالي:
منطق التشريع في الكتاب قائم على الحد من ترقب السماء في كل نازلة في الحياة الدنيا، واعتماد العقل والأخلاق لضبط السلوك البشري.
خامساً- نفهم أن الأساس حرية الإنسان ما لم يرد حكم صريح في المسألة. وليس الأصل اشتغال ذمته، فيلجأ للبراءة العقلية أو الشرعية أو كلتاهما، كما يملي الفقهاء.
سادساً: إن نسبية الأحكام العقلية لا يلغي اعتبارها مع صحة المنهج ومقدماته. بل هي الأساس كما تقدم.
سابعاً- حجية الحكم مرتهنة لملاكاته لا لقدسيته مهما كانت جهة التشريع، والحكم العقلي سيكون حجة إذا استوفى شروطه. وكان هذا أحد دوافع البحث عن المبادىء والقيم التي ارتكزت لها الشريعة لتبنيها في عملية تشريع الأحكام في منطقة الفراغ. كيف يمكن للشريعة أن تترك الناس بلا تشريعات تواكب تطورهم الحضاري؟. إذاً لا بد من فهم مغاير للمتداول عن الحكم الشرعية، التركيز على العقل والتفكير بدلا من كثرة السؤال.
***
*ماجد الغرباوي.
*المصدر: التنويري.