أثر علوم الفهم في بناء المنهاج التعليمي عند ابن حزم الأندلسي
ما زالت الأندلس بحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة والمتابعة العلميَّة والأكاديميَّة لتراثها الفكري والفلسفي والتربوي.
وقد تطورت العلوم في الأندلس، بفضل التأثير الذي مارسته الرحلة التي قام بها علماء الأندلس والمغرب إلى المشرق، بحيث نقلوا كثيرا من المعارف والعلوم، وهو ما أدَّى إلى ازدهار العلوم النقليَّة والعلوم العقليَّة على حدٍّ سواء.
ومن الشخصيات الأندلسيَّة التي كانت رائدة في المجال التربوي والتعليمي، شخصيَّة ابن حزم الأندلسي، وهو الاعتبار الذي جعل اختيارنا يقع على علوم الفهم والبيان في المنهاج التعليمي عند ابن حزم الأندلسي، لكون هذه الشخصيَّة العلميَّة اختارت أن توجِّه عنايتها واهتمامها نحو الفهم والبيان والتلقِّي، وهو ما جعل في المنهاج التعليمي عند ابن حزم يغلب عليه هذا البعد الذي يجعل علوم الفهم للقرآن الكريم والسنة النبويَّة من الأسس والعناصر الضروريَّة التي ينبغي أن يتأسَّس عليها المنهاج التعليمي.
- أسس المنهاج التعليمي عند ابن حزم
من العناصر المشيدة للمنهج التعليم عند ابن حزم:
-مبدأ الفائدة لا بد للعلوم أن توجه عنايتها نحو الفائدة التي تسعى إلى تحقيقها نحو المتعلِّم، وهو ما عبر عنه ابن حزم بقوله :”فأفضل العلوم ما أدَّى إلى الخلاص في دار الخلود، ووصل إلى الفوز في دار البقاء”[1].
ومن الفائدة إبعاد وإقصاء العلوم التي تغيب منها الفائدة العلميَّة التربويَّة، وقد قدم ابن حزم كثيرا من العلوم التي لاحظ ان مبدأ الفائدة والتربويَّة والعلميَّة تغيب عنها، واعتبر الاشتغال بها مضيعة للوقت، واقترح أن لا تدرّس ولا تقدم للمتعلِّم.
-العناية بعلوم الآلة أو العلوم المسدّدة للفهم، فمثلا ينبغي للمتعلِّم أن يتدرَّج في تعلُّم النحو وعلوم اللغة، وعلم الفقه وأصول الفقه، لأن الحاجة إلى علم أصول الفقه تعدّ حاجة ضروريَّة، ولازمة للمشتغل بالعلوم الإسلاميَّة بصفة عامَّة، وبالبيان والاستدلال والاستنباط، وتفهُّم النصوص الشرعيَّة بصفة خاصَّة.
وكان ابن حزم يعتبر النحو ضرورة ملزمة للمتعلِّم، حتى يتسنَّى له تفهُّم النصوص الشرعيَّة، لأن من شأن غياب هذا العلم أن يجعل المتعلم بعيدا عن تفهُّم النصوص الشرعيَّة بصفة عامَّة.
-ضبط المفاهيم المتداولة في العلوم
إن ضبط المفاهيم المتداولة في العلوم ضرورة للمتعلِّم حتى لا يقع له الخلط في التعلُّم والتلقِّي، وينبِّه ابن حزم أنَّ الضرر الذي يلحق العلوم بصفة عامَّة، عادة ما يعود إلى عدم التحقُّق من المفهوم المتداول والمستعمل في تلك العلوم .
ولعل هذا هو المعنى الذي قصده الإمام ابن حزم الأندلسي ت454ه عندما قال : “فلا شيء أعون على ذلك من تخليط الأسماء الواقعة على المعاني…”[2]..
كما شدَّد أنَّ العاقل هو من اختار من الالفاظ أيسرها حتى يتيسر للمتعلِّم أن يتلقاها بسهولة.
فلا بد من الإيضاح والبيان، في اختيار أيسر الألفاظ في التدريس والتعليم، وتجنُّب ما قد يعيق الفهم، وإيصال المعنى إلى المتعلم.
- تركيب
لقد كان لابن حزم مشاركة رائدة في تأسيس المنهاج التربوي ، فقد تميَّز مشروع ابن حزم بالانسجام والتكامل في بناء المنهاج التعليمي.
من جهة أخرى يعكس المشروع التربوي عند ابن حزم ، مدى اشتغال علماء الإسلام على المسألة التربويَّة.
[1] ـرسالة في مراتب العلوم الابن حزم :ص63
[2] –الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم دار الافاق الجديدة لبنان :السنة :1980 – ج :8 ص:101
*المصدر: التنويري.