في طبعة جديدة، أصدرت مؤسسة أبو بكر القادري للفكر والثقافة، الطبعة الثانية من كتاب أبي بكر القادري ” مشاهدات في الولايات المتحدة الأمريكية” والذي صدرت نسخته الأولى في سنة 1979. وقد جاءت هذه الرحلة إثر دعوة من رئيس جمعية الطلبة المسلمين للولايات المتحدة وكندا، لإلقاء محاضرة في ندوة ” الأسرة المسلمة في أمريكا الشمالية” بجامعة انديانا في نهاية ماي من سنة 1978. وبعد انتهاء المؤتمر تلقى أبو بكر القادري الدعوة من وزارة الشؤون الخارجية الأمريكية للقيام برحلة في بعض الولايات الأمريكية .. وحينما عاد كتب مشاهداته التي نشرها في جريدة العلم المغربية ، ثم جمعها بعد ذلك في كتاب.
تضمن الكتاب فصولا متنوعة، موزعة بين المؤتمر والقضايا المرتبطة بالمسلمين، وبين مشاهداته للمعالم التاريخية والحضارية في مدن مختلفة من أمريكا، مما جعل من الكتاب وثيقة عن رؤية المثقف المغربي تجاه أمريكا ، وعن الأمريكي في تلك الفترة.
ويعتبر أبو بكر القادري أحد الأدباء المغاربة الذين وثّقوا رحلاتهم ومشاهداتهم في مؤلفات رحلية: (مشاهدات في الولايات المتحدة الامريكية – ستة أيام في اليابان – مذكرات إفريقية وأسيوية – رحلاتي الحجازية – في سبيل وحدة إسلامية .
ولد أبو بكر القادري سنة 1914، من أسرة سَلَاوِيَّةٍ ذات صيت طيب في العلم والصّلاح، وحظيت بالتقدير والتوقير لدى مختلف فئات المجتمع السّلاوي وخارجه أيضا. وقد برزت كاريزمة القادري مبكرا وهو يعمد سنة 1932 إلى تأسيس جمعية المحافظة على القرآن الكريم بمدينة سلا، وفي السنة الموالية، وهو في العشرين من عمره، يؤسس مدرسة النهضة التي أصبحت معلمة رائدة في تاريخ التعليم الحر بمدينة سلا، خلال حقبة الحماية الفرنسية، وامتد دورها إلى ما بعد الاستقلال. وفي سنة 1934 أصبح أحد القادة المؤسسين لكتلة العمل الوطني، فبات “وجها بارزا، في قيادة كل التنظيمات الوطنية التي ستنشأ، وتشرع في التصدي لسياسات أجهزة الحماية الفرنسية والإسبانية، دفاعا عن هوية المغرب وتمهيدا للمطالبة بالاستقلال، وهو ما تم فعلا، إذ كان القادري من صناع وثيقة المطالبة باستقلال المغرب، التي أعلنتها الحركة الوطنية في يناير من العام 1944، بتنسيق مع الملك المناضل المغفور له محمد الخامس”؛ وقد تعرض أبو بكر القادري إلى التنكيل من طرف الاستعمار وسجن ست مرات أو اكثر في الفترة ما بين 1935 و1955.
وبقدر ما كان أبو بكر القادري منخرطا في مجال العمل الوطني والتربوي، وفي واجهات العمل المدني والجمعوي، داخل وخارج المغرب، فإنه اعتبر التأليف نضالا وطنيا ، فألف في مجال السياسة، والفكر الديني والدراسات الإسلامية، والفكر الاجتماعي وأدب الرحلة . وأيضا في باب الكتابة التاريخية، وتراجم الأعلام، من خلال ما وثقه من حياة وفكر وإسهامات العديد من رجالات المغرب.مثلما أرخ لمراحل مهمة من تاريخ الحركة الوطنية المغربية، عبر تدوين ما عاشه وعاينه، وشارك فيه من أحداث ومواقف ” مذكراتي في الحركة الوطنية المغربية” ، في ستة أجزاء.
توفي بعد عمر حافل عن سن 97 سنة، في الثاني من مارس 2012.
*المصدر: التنويري.