طوال عقود مثَّل الغذاء هاجسًا للدول والشعوب والافراد، ومثَّلت النزعه الاستهلاكية أزمة تهدِّد الأمن الغذائي في العديد من الدول، فما هو الغذاء .. وما هي النزعة الاستهلاكية؟
نظام الغذاء هو شبكة معقَّدة من التفاعلات تبدأ بزراعة الأرض ثم فلاحتها إلى الحصاد ثم نقل المنتج إلى المستهلك عبر عدد من الشبكات، هناك إذا ما يبدأ بالأرض وينتهي بالاستهلاك، بينهما تقف الأبحاث الزراعة لاستنباط أصناف عالية الإنتاج والجودة، طرق التعاطي مع الطعام ؛ توفير السلع الضرورية للسكان، تحديد استهلاك الفقراء والأغنياء من هذه السلع .
هنا تبرز سياسات الدول في التعاطي مع كل ما سبق، فطبق الفول في مصر الذي يسميه الفقراء مسمار البطن لقدرته علي جعل الفقير يصمد لأطول وقت ممكن توفيره يمثل الأمن الغذائي للمصريين، لكن الأهم هو أن يكون في سعر يتناسب مع أقل الدخول أي مع أفقر الفقراء، هذا هو التحدِّي الحقيقي.
هنا نستحضر استهلاك الغذاء وهو سلوك تشكله تشابكات ثقافية واجتماعية واقتصادية، ففي مصر يمثل استهلاك اللحوم رمزا لمستوى طبقي واجتماعي ونمطا للتفاخر نراه بصورة واضحة عبر أشخاص يتناولون اللحوم في مطاعم فيدفعون بصورهم وهم على سفرة تكفي لثلاثة أضعاف الأشخاص الذين في الصورة، هذا نمط يعرف بالنزعه الاستهلاكية وهي نزعه مرضية متزايدة في مصر، ساعد عليها الإعلام فالمذيع عمرو أديب بطريقته في تناول الطعام وتقديمه على الشاشة أحد مظاهر النزعه الاستهلاكية، العديد من الدول أسست برامج لمقاومة النزعه الاستهلاكية بعد أن عانت أوروبا في الحرب العالمية الثانية، بدا هذا حتى اعتبر الفرد الذي يترك في طبقه طعام هو مهدر للثروة، مما يدعونا إلى بناء برامج مماثلة، مما يوفر في فاتورة الاستيراد والتحدث عن دعم رغيف الفقراء، بل إن مظاهر البذخ في الأفراح المصرية عنوان صارخ للنزعة الاستهلاكية، دون مراعاة مشاعر طبقات هي بين تطحن بين طاحون الغلاء وطاحون عدم المقدره على أقل القليل .
هنا استحضر الدراسات والكتب التي أصدرتها جامعة اوكسفورد حول النزعات الاستهلاكية بدءا من تاريخ الاستهلاك إلى مقاومة النزعات الاستهلاكية، وهو ما يغيب عن علم الاجتماع والدراسات الاقتصادية في مصر والمنطقة العربية، إن المشكلة تبدأ بدراسة النظام الغذائي لأنه الصلة بين قطاعات متشابكه كالريف والإنتاجية الخاصة به فما نجحت مصر فيه بامتياز هو تحويل الريف من نمط الإنتاج إلى نمط الاستهلاك، ثم تهجير الفلاحين ليعملوا بوابين في القاهرة والاسكندرية ثم نتحدث عن الفلاح، وإصلاح هذا يبداأ بتغيير اسم وزارة الزراعة إلى وزارة الفلاحة حتى نعيد لهذه المهنه اعتبارها فالزراعة تعني وضع الحب في الأرض وتركه والفلاحة هي رعاية الحب من زراعته إلى حصاده المعني والمفهوم مختلف، هذه مشكلة متعلقة أيضا باعتبار المرأة في بيت الفلاح غير عاملة وبالتالي لا يؤمن عليها ولا تدعم في إنتاجها للدواجن والبيض والأجبان والألبان ثم نتحدث عن برامج وهمية غير واقعية ولا تعرف حقيقة الواقع المصري برامج يقال إنها للمشروعات الصغيرة .
هذا المشهد يعكس مشكلات اجتماعية واقتصادية لم تستوعب الواقع المصري بل هي أبعد عنه بكثير، الى أن نذهب إلى أن النظام الغذائي معني بالتنوع البيولوجي والتغير المناخي والصحة والتغذية ورعاية الحيوانات فهل لدينا في مصر برامج معنية بما يسمى في العديد من الدول النظام الغذائي أم أننا ابعد ما نكون عن الإدارة بالمعرفة التي يمكن أن تحسِّن من كفاءة الاقتصاد وتوفر آلاف من فرص العمل وتخفِّض فاتورة الاستهلاك دونما حاجة إلى الاستدانة بصورة مستمرة .
يرتبط بهذا نمط استهلاك الاطعمة الامريكية السريعة التي يشتكي منها الأمريكيين حتى أصبحت مقاومتها جزءا من الحفاظ على الصحة وكذلك الأطعمة والشخصية الوطنية، الآن وليس غدًا بات هذا ضروريا وحتميا، مع انتشار السمنه ومرض السكر في مصر بنسب عالية !؟
إن الحديث عن النظام الغذائي والنزعة الاستهلاكية يحتاج لصفحات لكن هذه مقدمة لموضوع يحتاج إلى ممارسة حملات لنشر الوعي .
__________
*د. خالد عزب.
*المصدر: التنويري.