” النقد أعلى درجات المعرفة، والنقد الاجتماعي هو النقد الذي يساهم في دعم نوع من الوعي الذاتي وفهم الظروف الاجتماعية والسياسية القائمة حتى تصبح البشرية قادرة على تحديد طريق حياتها، ودعم عملية تحرير الإنسان، لأن علم الاجتماع وُلد لكي يكون علماً نقدياً رافضاً لكل ما هو ضد إنسانية الإنسان، أما حركة التجديد والنقد في علم الاجتماع المعاصر، فهي لا تهتم بتقديم بدائل نظرية فقط، ولكنها تهتم أيضاً بتقويم مسار العلم وتصحيحه ليحقق أهدافاً جديدة أكثر تحرراً وإنسانية، ويمكن تسميتها بالنقد السوسيولوجي “([1]).
يؤكد لنا تاريخ الفكر الاجتماعي أن الاتجاهات النقدية في علم الاجتماع، ظهرت كرد فعل طبيعي ومنطقي تجاه الأزمات والمشكلات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، التي كانت ومازالت تعتري الواقع الاجتماعي بكل تجلياته.
إن الدراسة التحليلية لحركات النقد الاجتماعي التي ظهرت ضمن إطار الاتجاهات النقدية عموماً، تكشف لنا عن وجود مستويين أساسيين لهذا النقد، ففي المستوى الأول نجد أن النقد الاجتماعي يعبر عن احتجاج اجتماعي شامل يستهدف التأكيد على ضرورة التغيير الأساسي والجوهري للأنماط الحضارية القائمة، إذ يبدأ هذا النقد بالتحليل السلبي لعيوب السياق الاجتماعي القائم ونقائضه، من خلال العمل على تجسيد حركة احتجاج تنظر إلى الواقع كشيء يمكن إعادة تشكيله وتغييره، أي امتلاكها لتصور مثالي لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع، بحيث يصبح هذا التصور بدوره الإطار المرجعي الأولي لتنفيذ ما هو قائم، فيؤكد هذا المستوى على ضرورة امتلاك الحركة النقدية لقوى اجتماعية تصبح هي الفاعل الثوري (الراديكالي)* الذي ينتقل بالمجتمع مما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون، من خلال التأكيد على اكتمال حركة التحول الاجتماعي والحضاري([2]).
أما المستوى الثاني للنقد الاجتماعي فيمكن اعتباره أقل راديكالية وشمولاً لأنه يتبنى النقد الثقافي والتنويري فقط، أي أنه يهدف إلى عملية التغيير الثقافي والتنويري لتشكيل توجهات ثقافية وقيمية جديدة تحكم التفاعل الكائن في الواقع الاجتماعي والحضاري، ويظهر هذا المستوى من النقد الاجتماعي حينما تنحدر الحركات السياسية الراديكالية وتقتصر بأهدافها على النقد الذاتي والثقافي للمجتمع، أو عندما لا يكون الفاعل الثوري للمجتمع مهيأً لتنفيذ مهام النقد ومتطلباته. هذا النقد قد يصبح هو المستوى المسموح به حينما يثبت الواقع ويؤكد صلابته أمام الانتقادات الموجه إليه، حيث يسعى هذا الواقع إلى استيعاب مضمون النقد بما يدعم بنائه وصلابته ويفقد النقد مبرره ومشروعيته. ويبرز هذا المستوى النقدي في المراحل التاريخية التي يكون فيها الواقع الاجتماعي قوياً، قادراً على استيعاب تناقضاته مؤكداً على وحدته وتكامله، أو حينما يقتصر النقد الاجتماعي على فضح وتفنيد ما هو قائم، وامتلاك القدرة على الانطلاق إلى ما ينبغي أن يكون عن طريق امتلاك نموذج مثالي ومستقبلي يتحرك نحوه المجتمع، أو حينما لا يمتلك التيار النقدي قوى التحول الاجتماعي أو الفاعل الثوري([3]).
تكشف لنا دراسة وتأمل تاريخ الفكر الاجتماعي عن وجود حركات متتابعة من النقد الاجتماعي الشامل التي عبرت عن فكرة المجتمع الجديد، والتي بدأت نشاطها انطلاقاً من عصر التنوير الذي ارتبط ارتباطاً كبيراً بالفلسفة والنقد، ويشير هذا العصر إلى حقبة تاريخية أوروبية عرفت بصعود البرجوازية من الناحية الاقتصادية، والنزعة الليبرالية من الناحية السياسية، والنزعة العقلانية من الناحية الفلسفية، والنزعة الكلاسيكية الجديدة من الناحية الفنية، والنزعة التقدمية من الناحية التاريخية، كما أنه تضمن فلسفات عديدة منها: فلسفة التاريخ وفلسفة القانون ونظريات العقد الاجتماعي والاشتراكيات الطوباوية، وغيرها من التيارات الفكرية التي طبعت تاريخ الفكر الحديث في أوروبا([4]).
وتتمحور فلسفة عصر التنوير النقدية حول فكرتين أساسيتين ([5]):
1- فكرة التقدم التي تقول إن حركة التاريخ تعني تحسيناً مستمراً لأوضاع الإنسان، ومنها الأوضاع الأخلاقية نفسها، وكشفاً متزايداً عن طاقاته لتحقيق تكاملها، لهذا فإن الكمال شيء يمكن تحقيقه في مجتمع جديد كامل، أو هو شيء يزداد تحققاً مع حركة التاريخ في المستقبل.
2- فكرة الطبيعة الإنسانية كطبيعة صالحة جيدة من حيث التكوين، وأن ما تكشّف عنها من فساد يعود إلى طبيعة التربية والمؤسسات الفاسدة، وأنه من الممكن بالتالي إن صحت لها المؤسسات الجيدة الملائمة أن تكشف عن كامل طاقاتها فتكون مادة صالحة لبناء هذا المجتمع الجديد.
استناداً إلى المنطلقات الفلسفية لعصر التنوير يمكن لنا اعتبار أن حركات النقد الاجتماعي التي ظهرت ومازالت تظهر، كان نتيجةً لعجز التنظيم الاجتماعي عن التكيف، إما مع البيئة الخارجية المحيطة أو مع متطلبات التطور المستقبلي، حيث يبدأ النقد الاجتماعي بنقد الأفكار التي تؤكد على شرعية التنظيم الاجتماعي القائم، ثم الانتقال بعد ذلك إلى نقد التنظيم الاجتماعي ذاته لفضح تناقضاته، ثم تقديم تنظيم اجتماعي بديل يتلاءم مع شعارات الفكر النقدي، إضافةً إلى التأكيد على إشباع حاجات ومتطلبات الإنسان في إطاره، وامتلاك القدرة على التكيف مع السياق البيئي المحيط([6]).
ونعتقد بأن هذه الحركات قد ساهمت إلى حد كبير في بلورة الأسس النظرية والمنهجية للاتجاهات النقدية في علم الاجتماع بشكل عام، لأنها قدمت السبل الكفيلة والكافية لنقد الواقع الاجتماعي من خلال تقديم رؤى بديلة أكثر تلاؤماً لتحقيق الوفاق والتوافق الاجتماعي، حتى أصبح لكل حركة خصوصية مميزة من حيث امتلاكها للأسس النظرية والمنهجية التي تبنتها في دراستها ونقدها للمجتمع.
ظهرت الحركة الأولى للفكر النقدي مع نظريات العقد الاجتماعي*، عندما حاول منظريها تأمل التنظيم الاجتماعي القديم للكشف عن بعض عيوبه ونقائضه، سعياً منهم لبناء نظام اجتماعي جديد تتحدد فيه العلاقات بين مكونات هذا النظام بما يساعد على خلق الاستقرار الاجتماعي. بمعنى آخر يمكن لنا القول إن نظريات العقد الاجتماعي ظهرت كرد فعل على نظرية القانون الطبيعي، حيث حاولت هذه النظريات إعطاء مفهوم الدولة أو السلطة السياسية تفسيراً مدنياً أو اجتماعياً بدلاً من التفسير الإلهي الذي طرحته نظرية القانون الطبيعي. بهذا يقوم جوهر نظرية العقد الاجتماعي على أن انتقال الجماعة الإنسانية من الحالة الطبيعية إلى حالة المجتمع السياسي المنظم كان نتيجة عقد اجتماعي اتفق عليه الناس، ومن الجدير بالذكر أن بأن مفكري العقد الاجتماعي قد اختلفوا في تحديد أطراف العقد والتزاماته إلا أن أنهم اتفقوا جمعيهم على جوهر هذا العقد وهو الانتقال من القانون الطبيعي إلى المجتمع المدني ([7]).
أما عن الحركة الثانية للنقد الاجتماعي فقد ارتبطت بظهور المجتمع الصناعي، وتطور الأسس الأولية والجوهرية للنظام البرجوازي الذي ساعد على تخلقه وتجسيده فكر التنوير الأوروبي النقدي الذي ساد في القرن الثامن عشر، والذي أسهم إلى حد كبير في تحليل وتجاوز النظام الاجتماعي القديم (الإقطاعي) المؤمن بالمبادئ الدينية التقليدية للعصور الوسطى. كذلك أكد على بداية مرحلة جديدة تتسم بالحرية والديمقراطية وتحقيق الرفاه الإنساني. لذا يمكن القول إن انتشار فلسفة التنوير بكل اتجاهاتها الفكرية والنقدية هي تعبير عن رد فعل تجاه أزمة المجتمع الأوروبي في تلك الآونة، فظهور الفكر العقلاني وإمكانية تحليل النظم الاجتماعية التقليدية ونقدها، يؤكد لنا أن بداية الحركة النقدية في هذه الحركة كانت انطلاقاً من الواقع الاجتماعي ذاته ([8]).
كما شهدت هذه المرحلة ظهور المجتمع السياسي الذي تخلق عن الثورة الفرنسية عام 1789، والمجتمع الصناعي الذي تخلق عن الثورة الصناعية، فقد أعطيا للبرجوازية التي تحملت أعباء التحول الاجتماعي حتى جسدته على أرض الواقع الحق في الحصول على ثمار هذا التحول بكل مفرزاته ونتائجه، على الرغم من أن الإنجازات التي حققتها البرجوازية ليست من صنعها وحدها بل تحملت أعباءها أيضاً طبقة البروليتاريا الصناعية الجديدة، إلا أن البرجوازية استمرت في الحصول على معظم عائد العملية الاقتصادية في مقابل حرمان البروليتاريا من نصيبها الشرعي الذي يعبر عن ظلم شامل وعن سوء تنظيم اجتماعي أديا إلى وجود تفاوت طبقي داخل المجتمع البرجوازي يتجسد باستغلال الإنسان لأخيه الإنسان أبشع الاستغلال([9]).
رداً على تلك الممارسات برزت على الساحة السوسيولوجية موجة نقد واسعة للمجتمع البرجوازي من خلال كتابات عالم الاجتماع الألماني كارل ماركس (الماركسية)* الذي سعى إلى دراسته وتحليله ونقده، فأعطى أهمية كبيرة لما اعتبره يمثل اكتشافات علمية جديدة في الاقتصاد البرجوازي([10])، لإظهار التناقضات التي تعتري بنيته الأساسية من خلال كشفه لآلية عمل هذا الاقتصاد الجائر، الذي يؤدي إلى حتمية صدام المصالح بين طبقتي المجتمع البرجوازي (طبقة مالكي وسائل الإنتاج – طبقة البروليتاريا) اللتان تشكلان قطبي التناقض في هذا المجتمع لتعارض المصالح بينهما، حيث تسعى الطبقة المالكة لتحقيق أكبر قدر من الإنتاج والربح، أما الطبقة العاملة تسعى إلى استعادة حقوقها المادية المسلوبة([11]).
يعتقد ماركس بناءً على التحليل السابق، أن تقسيم المجتمع إلى طبقات وفقاً للفوارق الاجتماعية والاقتصادية، يعتبر أهم بكثير من الاختلافات في الدين والعرق، أو الجنس. لأن التفسير استناداً لمبدأ الطبقة يلفت الانتباه إلى معالم المعركة الحقيقة، لوضع هذه المسألة ببساطة، بين “من يملكون” و “لا يملكون“، بين البرجوازيين أولئك الذين يسيطرون على العالم الطبيعي والاقتصادي، والموارد البشرية، وبين البروليتاريا التي تشكل الغالبية العظمى من أفراد المجتمع البرجوازي، والذين يعيشون في ظروف دون المستوى المطلوب ([12]). لذا سعى ماركس للعمل على تأسيس نظرية شاملة تعتمد على المادية التاريخية** والجدلية في تفسيرها ونقدها للمجتمع وتصور البدائل التي تحقق العدالة الاجتماعية للإنسان عبر البروليتاريا التي ستكون محور التغيير الشامل الذي ستقوده من خلال الثورة على الأوضاع القائمة بهدف بناء مجتمع الرفاه الإنساني “المجتمع الشيوعي” الذي تنتفي فيه كل الفوارق الطبقية وتزول ([13]). بذلك نجد أن الفكر الماركسي نظر إلى المجتمع على أنه نظام للقوى المتصارعة، الناتج عن نضال الفرد للحصول على احتياجاته الأساسية، لأن المجتمع أصبح كما أسلفنا نسق من الجماعات المتنافسة على الموارد الاقتصادية، التي تخضع لقيادة صفوة مسيطرة كالبرجوازية ([14]). بهذا نجد أن نظرية ماركس نظرية نقدية في جوهرها لأنها نظرية نفي وإدانة للوضع القائم في كل صوره، أي أنها تجاوزت نفي الفلسفة إلى نفي الواقع ([15]).
إلا أن جدل النقد الاجتماعي لم يتوقف عند الحركة السابقة، بسبب فشل التنظير الماركسي في تطبيق بعض مقولاته النظرية الأساسية على أرض الواقع التي كان قد استند إليها في تحليله وتفسيره للمجتمع الرأسمالي. خاصةً فيما يتعلق بدور البروليتاريا الثوري في قيادة قوى التحول الاجتماعي في العالم الغربي، فقد أثبت معطيات الواقع عكس ذلك حين أصبحت البروليتاريا أكثر اندماجاً ضمن المجتمع الرأسمالي، مما دعا ماركيوز إلى الإعلان أن الطبقة العاملة لم تعد عامل التغيير الاجتماعي، بل ويصر أيضاً على أن هذا العامل لم يعد له أي وجود في المجتمع الصناعي المتقدم ([16])، الأمر الذي أدى إلى وجود خلل برؤية المشروع الماركسي للواقع والمستقبل بالأخص فيما يتعلق بعملية التحول الثوري.
كما وجهت الماركسية المحدثة بعض الانتقادات إلى الماركسية التقليدية خاصةً فيما يتعلق بالتغيرات التي طرأت على الطبقة العاملة والبناء الطبقي في المجتمع وما آلت إليه هذه التغيرات من نتائج، بهدف جعل مقولات النظرية الماركسية تتماشى مع التطورات التي حدثت ضمن إطار الواقع الاجتماعي من أجل فهمه وتفسيره بغية تحقيق نقد الإيديولوجيات والممارسات السائدة في النظريات الرأسمالية، ويعتبر كلاً من “جورج لوكاش، وجورج كورش، وأنطونيو غرامشي” أفضل من قاموا بهذه المحاولة، إلا أنهم لم يستطيعوا الخروج عن إطار الماركسية بأصولها التقليدية إلا من ناحية الإطار الشكلي فقط بمعنى أنهم لم يستطيعوا الخوض في أي تحليل بنائي أصيل يهدف إلى نقد المجتمع بغية إيجاد بدائل ممكنة للأزمات والتناقضات التي كان يعاني منها المجتمع الرأسمالي، إلا أن هذا لم يمنع من بروز بعض المفاهيم والفرضيات التي طورتها (الماركسية المحدثة)، والتي ساعدت على تفعيل الحراك النقدي لعلم الاجتماع المعاصر.
يرجع فشل النظرية الماركسية بصيغتها التقليدية – المحدثة لعدم قدرتها على تجاوز المعضلتين اللتين اعترضتا مشروعها التنظيري بشكل عام: الأولى تتمثل في عجزها لفترة طويلة عن تأسيس مجموعة من المقولات النظرية التي تعد امتداداً لمقولاتها الأساسية وتستطيع في ذلك الوقت تناول متغيرات الواقع بالبحث والدراسة، بحيث ظل التنظير في ظل الماركسية مجرد ترديد لمقولاتها دون محاولة للاقتراب منها، وهدد ذلك بأن تكتسب مقولات التغيير الثورية متضمنات إيديولوجية محافظة، أما الثانية فتتمثل في عجزها عن التنبؤ بحركتها المستقبلية ويرجع ذلك لنوعين من العوامل والأسباب: النوع الأوليتعلق ببناء التنظير الماركسي كنموذج نظري، ويتعلق الثاني بمجموعة المتغيرات الواقعية التي طرأت على الواقع فدفعته إلى السير في اتجاهات خالفت التنبؤات الماركسية إلى حد كبير([17]).
أدى ذلك إلى ظهور حركة ثالثة للنقد الاجتماعي ضد استمرار قهر المجتمع الصناعي للإنسان الذي تحول بدوره ليصبح قهر المجتمع التكنولوجي المتقدم الخالق لحضارة قاهرة لكل الممكنات الإنسانية، من خلال إخضاع الفرد لها ([18])، والعمل على تشييئه وجعله إنسان ذو بعد واحد عبر ممارسة العقل الأداتي لأدواره في هذا المجال، الذي يعتبر من أهم مفرزات الحداثة بكل تجلياتها الصارخة. إضافةً إلى ذلك فقد أصبح المجتمع التكنولوجي المعاصر يعاني بدرجة بالغة من الانهيار الثقافي، حيث أصبحت القيم الثقافية للمجتمع عاجزة عن اللحاق بالتغيرات التكنولوجية المتسارعة.
بناءً على المتغيرات السابقة، برزت على ساحة الفكر النقدي “مدرســة فرانكفورت” عام 1923 باسم معهد البحوث الاجتماعية([19])، لتسد حاجة أكاديمية ولتعبر عن توجه مسار جديد بدأ يفرض نفسه بشكل واضح، لأنها نفس الفترة التي ظهرت بها توجهات فكرية عديدة أبرزها: اتجاه التحليل النفسي على اختلاف مدارسه، حيث كانت هناك محاولة جادة لمزجه بعلم الاجتماع لإفساح المجال أمام ظهور علم النفس الاجتماعي، بالإضافة إلى اتجاهات فلسفية أخرى تولدت من الفلسفات الألمانية الكبرى، كالكانطيون الجدد والهيجليون الجدد، والماركسية الملتزمة أو الماركسية النقدية التي تبحث عن الوجه الإنساني فيها وبالتالي عن البعد الفلسفي أيضاً، والوضعية وما أدت إليه من جمود، والمدارس المنطقية المجردة التي جعلت من الفلسفة أحد أبعاد الرياضيات، بالإضافة إلى الواقع الاجتماعي الذي كان يعاني من أزمات اجتماعية واقتصادية حادة مع صعود النازية في ألمانية، والثورة الاشتراكية في روسيا([20]).
إن مصطلح مدرسة فرانكفورت لم يُستخدم بشكل رسمي إلا بعد عودة المعهد إلى ألمانيا في عام 1950، خلال هذه المسيرة التنظيرية النقدية قدمت مدرسة فرانكفورت نظريتها النقدية تناولت فيها مختلف نماذج الوعي النظري والعملي وبالأخص الإيديولوجية الكونية (الشمولية)، بالإضافة إلى تركيزها الكبير على مفاهيم ومصطلحات (الهيمنة، العقل الأداتي، ثقافة الإنسان ذو البعد الواحد) التي شكلت المصدر الرئيسي لنقد ممارسات وهيمنة النظام الرأسمالي في ذلك الوقت، ومن الملفت للنظر أنها جمعت في مقولاتها النظرية بين الهيجلية المثالية والماركسية المحدثة ومدارس علم الاجتماع والنفس بالشكل الذي جرى توظيفه في نقد نمطية الوعي والعقائد الجامدة، من خلال نقدها للماركسية الرسمية التي تم تحويلها إلى نصوص مقدسة – الماركسية الأرثوذكسية*– في محاولة لتجديدها وتطويرها لكي تتلاءم مع متطلبات العصر الحديث ومتغيراته المستجدة، بالإضافة إلى نقد الفلسفة الوضعية من خلال آرائها وممارستها المتجسدة في علم الاجتماع الوضعي بغية إعادة الوجه الإنساني لعلم الاجتماع الذي فقده في إطار الفلسفة الوضعية.
لذلك تعتبر مدرسة فرانكفورت إحدى الروافد النقدية الهامة التي أسهمت إسهاماً كبيراً في بلورة الفكر النقدي في علم الاجتماع المعاصر، وبالتحديد من خلال الأفكار النقدية المعاصرة التي قدمها مفكريها المعاصرين المتمثلين بــ: هربرت ماركيوز والمفكر النقدي الفذ يورغن هابرماس اللذان ساهما في إيجاد نقلة نوعية ذات دلالة مفصلية للفكر الاجتماعي النقدي في الفترة المعاصرة والحديثة ([21]).
أما عن الحركة الرابعة لحركة النقد الاجتماعي والسوسيولوجي، فقد ظهرت مع عالم الاجتماع الأمريكي رايت ميلز، الذي يمثل الأب الروحي للاتجاه الراديكالي في علم الاجتماع المعاصر، فقد استوعب التراث الفلسفي الأوروبي- الأمريكيخصوصاً الفلسفة البراغماتية (النفعية) التي كانت تعتبر أحد أهم التيارات الفلسفية الهامة في الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت ([22])، ومن الجدير بالذكر أن ميلز قد كتب القسم الأكبر من مؤلفاته خلال الحرب الباردة ([23]).
يعتبر ميلز واحداً من أهم مؤسسي النزعة الراديكالية في علم الاجتماع الحديث، ليس بسبب أفكاره الناقدة للتراث السوسيولوجي المحافظ والتقليدي فقط، بل بسبب تبنيه لوجهة نظر راديكالية ملتزمة ([24]). ظهر رايت في إطار شامل من الحركات اليسار الجديد التي ظهرت في أقطار عديدة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انتشرت موجة من النقد الاجتماعي، خاصةً حركات الشباب والطلبة ([25]). لذا يمكن اعتباره رمزاً لمعارضة راديكالية لكل الممارسات السوسيولوجية التي ظهرت خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين المنصرم الذي أكد على الكيفية التي ينبغي فيها أن تجرى البحوث الاجتماعية ([26])، وبهذا أصبح ميلز جزءاً من تاريخ الفكر الاجتماعي الغربي، لأنه شكل نقطة انقطاع هامة في مسار الفكر الاجتماعي الذي ظل أسيراً لنزعة محافظة اعتذارية تسعى للدفاع عن الأوضاع القائمة ومعارضة أية تغيرات بنائية شاملة ([27]).
أما عن الحركة الخامسة لحركة النقد الاجتماعي فقد بدأت في مطلع عقد الستينيات من القرن العشرين المنصرم حيث تبناها اليسار الجديد المكون من الشباب وطلاب الجامعات الذين اعتمدوا بشكل كبير على الأفكار النقدية التي قدمها عالم الاجتماع الراديكالي س. رايت ميلز، حيث أبدى اليسار الجديد عبر هذه الحركة تحدياً صريحاً وعلنياً للمجتمع الصناعي بكل مؤسساته (الصناعية، العسكرية، الاقتصادية) ذات الجبروت الشامل، مستنداً في تعبيره الإيديولوجي والنظري وتبريره الأخلاقي على الإيديولوجيا الراديكالية التي شكلت إحدى المنطلقات الأساسية في تشكيل الوعي الاجتماعي للبشر في المجتمعات الغربية في ذلك الوقت([28]).
ويكشف لنا تأمل المقولات النظرية والإيديولوجية لليسار الجديد* عن وجود أفكار متناقضة تتداخل مع بعضها البعض بهدف تأسيس بناء نظري فيه من الوجودية والمثالية والنزعة الإنسانية للماركسية، بالإضافة إلى تبني بعض تقنيات البحث في علم الاجتماع الأمريكي، الذي يهدف إلى إيجاد فكر غايته الاحتجاج على ممارسات النظام الاجتماعي القائم، وليس الثورة عليه بهدف الإطاحة بهذا النظام ([29]).
يعبر هذا النقد عن إيديولوجيا الشريحة البرجوازية المثقفة ضد المجتمع البرجوازي الحديث، أي أن النقد الذي تم توجيهه في هذه المرحلة ليس نقداً يسعى إلى تغيير أسس النمط الحضاري (التكنولوجي) للمجتمع، بل هو نوع من النقد الثقافي التنويري الهادئ الذي يشكل احتجاجاً لحظياً يعبر عن رد فعل أو استجابة لبعض الممارسات المنحرفة للنظام بحيث لا يسعى إلى التغيير الشامل الجذري. أما عن الكيفية التي يتحقق بها هذا النقد على أرض الواقع الاجتماعي فإنها تتم عن طريق الجماعات الخارجة على النظام التي تتمثل بوجود قوى اجتماعية تتولى نقده وتحريك ضميره وإن كانت عاجزة عن تحويله تحويلاً راديكالياً، وتتكون هذه القوى من جماعات (الهيبز والطلبة والشباب عامة)، والملونين باعتبارهم قوى النضال المحدود في هذه المرحلة ضد الرأسمالية المتقدمة([30]).
وهكذا نجد أن الاتجاهات النقدية السابقة بكل تنوعها وثراء أفكارها ساهمت بشكل كبير في تكوين الإطار الفكري للنظرية النقدية في علم الاجتماع المعاصر، فهذه الاتجاهات لم تظهر في مجتمع آخر يختلف عن المجتمع الذي ظهرت به المدارس الاجتماعية الكلاسيكية (السابقة) بل في نفس المجتمع، وذلك كرد فعل طبيعي للتغير والتناقض الحاصل داخل النظم الاجتماعية الرأسمالية التكنولوجية، معبرة عن موقفها الرافض لهذا الواقع الذي كرس وعياً زائفاً به.
كما أكدت الاتجاهات النقدية على اهتمامها الموضوعي بالنقد كوسيلة أساسية للتحليل الاجتماعي بما يضمن تجاوز هذا الواقع السلبي الذي تعيشه تلك المجتمعات، فكان من الطبيعي أن يتجه هذا النقد أيضاً إلى نقد المؤسسة العلمية باعتبارها تكريساً لتلك الأوضاع وتبريراً لها، هذا ما دفع جيلاً من السوسيولوجيين إلى إعادة النظر في المفاهيم والنظريات والمناهج التي قدمها العلماء المرتبطون بالنظام القائم بهدف السعي إلى بدائل نظرية أكثر كفاءة في تفسير الواقع، لأن أزمة المجتمع انعكست بدورها على العلم فأردته هو الآخر في أزمة، وهذا ما عبر عنه عالم الاجتماع الراديكالي ألفن جولدنر من خلال مؤلفه الشهير ” الأزمة القادمة لعلم الاجتماع الغربي ” الصادر عام 1970. ونعتقد أن هذه الموجة النقدية تشكل الحركة السادسة من حركات النقد الاجتماعي والسوسيولوجي ضمن تاريخ الاتجاهات النقدية في علم الاجتماع المعاصر([31]).
بناءً على تقدم، نجد أن حركات النقد في علم الاجتماع المعاصر سعت إلى نقد الواقع الاجتماعي، وبالوقت نفسه قامت بتطوير مجموعة من المقولات والقضايا النظرية والمنهجية لتحليل وتفسير الواقع بما يتلاءم مع التطورات والتغيرات التي حدثت على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لتلك المجتمعات الغربية. وعلى الرغم من إجماع مفكرو حركات النقد الاجتماعي على نقد النظام بكل تجلياته إلا أن لكل مفكر منهم أسلوبه الخاص في نقده لهذا الواقع من منطلق القاعدة النظرية (الابستمولوجية)* التي تقول: حضور كل الأجزاء في الكل على الرغم من اختلافها في أسلوب ومناقشة الفكرة الرئيسية، ففي الاتجاهات الفكرية يمارس التعدد داخل الوحدة ولمجرد الحديث عن الاتجاهات يكون الصعيد المجهري ” micro ” هو المقصود، أي جزء خاص محدد من المعرفة العلمية الحديثة وهو ما نشير إليه بالاتجاهات النقدية([32]).
اهتم مفكرو الحركات النقدية بنقد الوضع القائم في المجتمع من خلال نقد النظريات الاجتماعية التقليدية والمعاصرة، التي تقوم على تثبيت هذا الوضع وذلك كلٌ بطريقته وأسلوبه المميز، من خلال الإجماع والعمل على تأسيس نظرية نقدية للمجتمع ذات أسس نظرية ومنهجية تتمتع بالقدرة الكافية من المرونة والكفاءة لكي تقوم بدورها البنّاء في نقد المجتمع للارتقاء به نحو الأفضل لتحقيق إنسانية الإنسان المهدورة بإطار المجتمعات الرأسمالية التكنولوجية، هذا التنوع الغني والإثراء الكبير لأفكار مفكريها جعلها من المدارس الاجتماعية المميزة على الصعيد الأكاديمي لعلم الاجتماع بشكل عام والمعاصر بشكل خاص.
اكتسبت هذه الحركات شهرة واسعة بين الاتجاهات والتيارات السوسيولوجية المعاصرة، بالإضافة إلى الأهم من ذلك الإنتاج الفكري المميز لروادها ومفكريها الذي سعى ومازال يسعى لتحقيق سعادة الإنسان من خلال طرح البدائل الممكنة التي يوفرها المنهج النقدي في سبره للواقع الاجتماعي.
د. حسام الدين فياض
([1]) حسام الدين فياض: مقالات نقدية في علم الاجتماع المعاصر – النقد أعلى درجات المعرفة، سلسلة نحو علم اجتماع تنويري الكتاب (3)، دار الأكاديمية الحديثة، أنقرة، ط1، 2022، ص(11).
* الراديكالية لغوياً تعود إلى كلمة راديكال الفرنسية التي تعني الجذرية، دُعاتها من المنادين بالتغيير الجذري. واصطلاحاً تعني نهج الأحزاب والحركات السياسية الذي يهدف إلى إحداث إصلاح شامل وعميق في بنية المجتمع. والراديكالية نزعة تقدمية تنظر إلى مشاكل المجتمع ومعضلاته ومعوقاته نظرة شاملة تتناول مختلف ميادينه السياسية والدستورية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية، بقصد إحداث تغير جذري في بنيته، لنقله من واقع التخلف والجمود إلى واقع التقدم والتطور.
([2]) علي ليلة: الفكر النقدي في علم الاجتماع – جماعاته وتياراته، من مقدمة كتاب: النظرية الاجتماعية ونقد المجتمع (الآراء الفلسفية والاجتماعية للمدرسة النقدية)، تأليف: زولتان تارد، ترجمة: علي ليلة، المكتبة المصرية، القاهرة، 2004، ص(10-11).
([3]) المرجع السابق نفسه، ص (11).
([4]) الزواوي بغوره: ما بعد الحداثة والتنوير- موقف الأنطولوجيا التاريخية (دراسة نقدية)، دار الطليعة، بيروت، ط1، 2009، ص (73).
([5]) نديم بيطار: التاريخ كدورات إيديولوجية- فكرة المجتمع الجديد في المذاهب السياسية والإيديولوجيات الحديثة، بيسان للنشر والتوزيع والإعلام، بيروت، 2000، ص (140).
([6]) علي ليلة: الفكر النقدي في علم الاجتماع – جماعاته وتياراته، من مقدمة كتاب: النظرية الاجتماعية ونقد المجتمع (الآراء الفلسفية والاجتماعية للمدرسة النقدية)، مرجع سبق ذكره، ص (12).
* تعتبر نظرية العقد الاجتماعي من النظريات المهمة في مجال الفكر الاجتماعي لسببين: الأول كونها أحدثت قطيعة بين السياسة واللاهوت وما جسده من استبداد، أما الثاني إيمانها بحقوق الأفراد. فقد لعبت نظرية العقد الاجتماعي دوراً مهماً وحاسماً في التقليل من أهمية الكنيسة، وبالتالي من نظرتها القائمة على نظرية الحق الإلهي التي تعد تطوراً لمقولة القديس بولس: كل قوة تأتي من الله. ونظرية العقد الاجتماعي هي نظرية افتراضية لا تربطها أي علاقة بالواقع كما يقول دوركايم. وقد أرجعت هذه النظرية نشأة كل من المجتمع والسلطة إلى فعل التعاقد بين الناس.
([7]) نظام محمود بركات: مقدمة في الفكر السياسي، دار عالم الكتب للنشر والتوزيع، الرياض، 1985، ص (150-151).
([8]) أحمد مجدي حجازي: علم اجتماع الأزمة (تحليل نقدي للنظرية الاجتماعية في مرحلتي الحداثة وما بعد الحداثة)، دار قباء، القاهرة، 1998، ص (32).
([9]) علي ليلة: النظرية الاجتماعية المعاصرة – دراسة لعلاقة الإنسان بالمجتمع، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1983، ص (85).
* ظهرت الماركسية كتيار فكري ونقدي، في نفس الوقت الذي كان فيه التيار الوضعي ينمو ويتطور على أيدي بعض السوسيولوجيين أمثال: أوغست كونت، هربرت سبنسر، إميل دوركايم، ماكس فيبر، بهدف السعي إلى تطوير نظريات عامة لتفسير أزمة الواقع (أزمة المجتمع الرأسمالي) والسبل الكفيلة للخروج من هذه الأزمة بهدف الحفاظ على استقرار ومكتسبات المجتمع الرأسمالي. ومن الملاحظ أن الاتجاه الماركسي انتشر بشكل واسع خاصة بين الأوساط العمالية، وبين مناصري الحركات الثورية (الراديكالية) حتى أن بعض الجامعات مثل جامعة السوربون وغيرها من الجامعات اهتمت به كتيار فكري نقدي يجب دراسته وتحليله.
([10]) Raymond Boudon and Francois Bourricaud: Critical Dictionary of Sociology, Selected and Translated by: Peter Hamilton, Chicago, The University of Chicago Press, 1989, p.(230).
([11]) السويحلي الهادي داعوب: نقد نظريات الصراع الغربية، المركز العالمي للدراسات والأبحاث، بنغازي، 2006، ص(68-73).
([12]) Lois Tyson: Critical Theory Today- A User -Friendly Guide, New York, Routledge, Second Edition, 2006, p.(54).
** هي الفلسفة الماركسية في التاريخ، حيث تمثل الجانب التطبيقي للمادية الجدلية في مجال الدراسات الاجتماعية، وترد حركة التاريخ إلى تطور قوى وعلاقات الإنتاج في المجتمع، وتصفها بأنها الأساس التحتي الذي يقوم عليه البناء الفوقي والسياسي، والذي يتطابق معه الوعي الاجتماعي.
([13]) لمزيد من القراءة والاطلاع انظر- سمير نعيم أحمد: النظرية في علم الاجتماع، الباب الثاني (النظريات الكلاسيكية ونقدها) – كارل ماركس والمادية التاريخية، دار هاني للطباعة والنشر، القاهرة، ط 10، 2006.
([14]) السيد علي شتا: المدرسة الظاهرية والمدارس الاجتماعية المعاصرة، المكتبة المصرية، الإسكندرية، 2004، ص (283).
([15]) حسن حنفي: في الفكر الغربي المعاصر، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط4، 1990، ص (410).
([16]) هربرت ماركيوز: الإنسان ذو البعد الواحد، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الآداب، بيروت، ط3، 1988، ص (26).
([17]) علي ليلة: النظرية الاجتماعية المعاصرة دراسة لعلاقة الإنسان بالمجتمع (الأنساق الكلاسيكية)، دار المعارف، القاهرة، ط3، 1991، ص (202).
([18]) علي ليلة: الفكر النقدي في علم الاجتماع – جماعاته وتياراته، من مقدمة كتاب: النظرية الاجتماعية ونقد المجتمع (الآراء الفلسفية والاجتماعية للمدرسة النقدية)، مرجع سبق ذكره، ص (18).
([19]) H. Dahms: No Social, Science Without Critical Theory, University of Tennessee, Knoxville, USA, JAI Press, 2008, p. (18).
([20]) تيودور فون أدورنو: محاضرات في علم الاجتماع، ترجمة: جورج كتورة، مركز الإنماء القومي، بيروت، بدون تاريخ، ص (7).
* تعني الاستناد إلى الافتراضات الماركسية التقليدية المألوفة، مثل (فكرة الحتمية التاريخية، ومقولة أولوية نمط الإنتاج في تشكيل التاريخ الإنساني)، ودراسات مفهومي الطبقة والصراع الطبقي. وعلى الرغم من أن الماركسية الأرثوذكسية طرحت كثيراً من الأفكار والمقولات منطقياً، إلا أنها قد أغفلت قيمة النقد الذاتي، ولم توفر له مكاناً مناسباً في إطارها الفكري، لذا فشلت في صوغ نظرية موائمة للوعي الإنساني، لأنها استبعدت الذات الإنسانية من حساباتها النظرية حسب مفكري مدرسة فرانكفورت النقدية.
([21]) لمزيد من القراءة الاطلاع انظر- حسن مصدق: يورغن هابرماس ومدرسة فرانكفورت (النظرية النقدية التواصلية)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2005، ص (35-53).
([22]) محمد سيد بيومي: تأثير تغير النسق المرجعي في عصر العولمة على بنية النظرية السوسيولوجية (دراسة تحليلية نقدية)، جامعة عين شمس، كلية الآداب، رسالة ماجستير غير منشورة، القاهرة، 2008، ص (151).
([23])جون سكوت: خمسون عالماً اجتماعياً أساسياً (المنظرون المعاصرون)، ترجمة: محمود محمد حلمي، مراجعة: جبور سمعان، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، ط1، 2009، ص (256).
([24]) أحمد مجدي حجازي: مرجع سبق ذكره، ص (141).
([25]) علي ليلة: النظرية الاجتماعية المعاصرة: دراسة لعلاقة الإنسان بالمجتمع، مرجع سبق ذكره، ص (642-643).
([26]) Wes W. Sharrock, John A. Hughes and Peter J. Martin: Understanding Modern Sociology, London, Sage Publication, 2003, p. (151).
([27]) السيد الحسيني: نحو نظرية اجتماعية نقدية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1985، ص (181).
([28]) لمزيد من القراءة والاطلاع انظر- إدوارد باتالوف: فلسفة التمرد- نقد الإيديولوجيا اليسارية الراديكالية، ترجمة: سامي الرزاز، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، ط1، 1981.
* حركة سياسية واجتماعية متطرفة راديكالية ظهرت في الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين في الولايات المتحدة وخارجها. وقد ضم اليسار الجديد العديد من طلبة الكليات وغيرهم من الشباب وسميت الحركة بهذا الاسم للتفرقة بينها وبين اليسار القديم الذي ظهر في الثلاثينيات من القرن العشرين. وكانت تقود اليسار القديم بصورة عامة الأفكار الماركسية. طالب أعضاء اليسار الجديد بإجراء تغييرات جارفة وجذرية في المجتمع الأمريكي، وهاجم أعضاء اليسار الجديد معظم المؤسسات الرئيسية نتيجة إعلانها تأييد المبادئ الديمقراطية مع فشلها في إنهاء مظالم مثل الفقر، والتفرقة العنصرية، والفوارق بين الطبقات. وعارض الكثير من اليساريين الجدد الرأسمالية واعتقدوا أن الرغبة في تحقيق الأرباح تؤدي إلى الإمبريالية، وهي سياسة تفضّل مد النفوذ ليتعدى إلى دولة أخرى.
([29]) علي ليلة: الفكر النقدي في علم الاجتماع – جماعاته وتياراته، من مقدمة كتاب: النظرية الاجتماعية ونقد المجتمع (الآراء الفلسفية والاجتماعية للمدرسة النقدية)، مرجع سبق ذكره، ص(21).
([30]) حسام الدين فياض: مقالات نقدية في علم الاجتماع المعاصر – النقد أعلى درجات المعرفة، مرجع سبق ذكره، ص(38).
([31]) المرجع السابق نفسه، ص(39).
* فرع من فروع الفلسفة الذي يهتم بالمعرفة، والكلمة مشتقة من اللفظين الإغريقيين: Epistem معرفة، وLogos علم، وتعنى بالدراسة النقدية لمبادئ العلوم المختلفة، وفروضها، ونتائجها، وتحديد أصلها المنطقي وقيمتها الموضوعية، من حيث شروط إمكانها في مجال الحياة الاجتماعية، وبالقواعد التي تتعلق بإنشاء معطياتها والتي ترتبط بالموضوعية، وبالمسافة بين الباحث والوقائع المعاينة، والتي تتعلق بنقد المخارج والإيديولوجيات ومقاييس البراهين. ويعد ماكس هوركهايمر أحد مؤسسي مدرسة فرانكفورت ومن أهم من تناول فلسفة التنوير عند كانط برؤية ابستمولوجية، ورأى في هذه الفلسفة اتجاها لم يكتسب امتداده الاجتماعي.
([32]) عبد الله إبراهيم: الاتجاهات والمدارس في علم الاجتماع دراسة في فلسفة العلم (الابستمولوجيا)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1، 2005، ص (17).
_____________
*د. حسام الدين فياض/ الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة/ قسم علم الاجتماع كلية الآداب في جامعة ماردين- حلب سابقاً.
*المصدر: التنويري.