الموت يغيِّب المفكّر محمد شحرور
انتقل إلى رحمة الله تعالى، مساء السبت الموافق 21 ديسمبر 2019، المفكّر الإسلامي محمد شحرور، في مدينة أبو ظبي الإماراتيَّة عن عمر 81 عاما.
وكان موقع الدكتور شحرور الرسمي قد نشر خبر وفاته موضحا أنَّ “جثمانه الطاهر سينقل إلى دمشق بناءً على وصيّته ليدفن في مقبرة العائلة”، فيما أكّد ابنه الدكتور طارق محمد شحرور خبر الوفاة قائلا: “البقاء لله، توفي أبي ووالدي محمد شحرور منذ قليل بعد أن أضاف لي درساً أخيراً في الشجاعة وعدم فقدان الأمل. رحم الله والدي وأسكنه فسيح جنانه وجعل الجهد الذي بذله طوال سنين حياته في خدمة الرسالة المحمدية في ميزان حسناته”.
وشحرور مفكِّر إسلامي ذو خطابٍ تجديدي معاصر، ولد في دمشق عام 1938، أصبح أحد أساتذة الهندسة المدنية في جامعة دمشق، بعد أن درسها في موسكو ثم حصل على الماجستير والدكتوراه في أيرلندا.
بدأ دراسة التنزيل الحكيم وهو في إيرلندا عام 1970، وقد ساعده المنطق الرياضي على هذه الدراسة، واستمر بالدراسة حتى عام 1990، وله منذ ذلك الحين العديد من الكتب والحوارات المصوَّرة والبرامج التلفزيونية.
منذ صدور كتابه (الكتاب والقرآن – قراءة معاصرة) عام 1990، الذي حاول فيه تطبيق بعض الأساليب اللغوية الجديدة في محاولة لإيجاد تفسير جديد للقرآن وهو يثير لغطا شديدا حوله، حيث صدرت العديد من الكتب لنقاش الأفكار الواردة في كتابه ومحاولة دحضها أو تأييدها.
وكان الراحل من المنادين بإعلاء دور العقل، وقد ميَّز بين الإسلام الحقيقي والموروث، مؤكّدا أنَّ “الأئمة والمحدثين ليسوا مسؤولين عن غفلتنا عبر القرون، وربما لم يخطر في بالهم أن ما اقترفته أيديهم يحرف الإسلام ويشوهه حتى سيصبح أتباعه خارج التاريخ”، ويضيف: “لكن بالتأكيد من يحمل وزر هذه الغفلة هو من لم يحاول فهم دينه كما جاء من الله تعالى، بل اكتفى بما لقنته إياه المدارس والمساجد، وما نقلته إليه العادات والتقاليد، وبنى حياته وعلاقاته مع الآخرين وفق كل هذا، وحرم نفسه ومن حوله مباهج الحياة، ووصل به التطرف في كثير من الأحيان ليحرم غيره من الحياة كلها، وكل ذلك إرضاء لإله صوره له الموروث الديني، على هيئة حاكم ظالم مستبد، خلق الناس ليعد عليهم عثراتهم ويعذبهم، ثم يلقي بهم في جهنم لأنهم سهوا أثناء إقامة الصلاة أو نسوا إحدى الركعات”؛ وفقاً لشحرور.
أما عن رأيه حول “علوم القرآن” فقد رفض تسميتها بالعلوم مبررا الأمر بأنّها تختص بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ والتجويد، بينما تتجنب التدبر والتفكر والتفقه، وإن كان أصحابها اجتهدوا مشكورين وفق الأرضية المعرفية التي سمح بها عصرهم، فإن ما أنتجه عصرنا في هذا المجال هو معاهد وجوائز لحفظ القرآن، وطبعات فاخرة من المصحف، تكرس الاهتمام بالشكل دون المضمون، وأصبح كتاب الله للمناسبات، واستغني عما جاء فيه لصالح كتب موضوعة حرفت الكلم عن مواضعه، وقدمت ديناً بديلاً يتوافق مع زمان ومكان محدودين.
وكان شحرور من الرافضين لجماعات الإسلام السياسي، مؤكدا في كتبه ومقالاته وحوارات، أنّ الولاء الديني في الإسلام هو ولاء للإنسانية قبل كل شيء، والاقتناع بالولاء لمذهب معين دون غيره لا أساس إسلامي له، فالمذاهب جميعها نشأت لأغراض سياسية سلطوية بحتة، لافتا إلى أن ولاء الفرد للإسلام هو قناعة فردية مبنية على علاقته الشخصية بالله، يجب أن تنعكس قيماً أخلاقية في التعامل مع الآخرين، ولا تتعارض مع الولاء للوطن أو القومية أو الشعب.
تجدر الإشارة، إلى أن شحرور ترك وراءه الكثير من الكتب التي طرح من خلالها منهجه وقراءته المعاصرة للتنزيل الحكيم، وأفكاره وانشغالاته المتعدّدة في هذا المجال، منها: ضمن سلسلة “دراسات إسلامية معاصرة” التي أشرفت على نشرها دار الأهالي في دمشق، صدر له: «الدولة والمجتمع» (1994) – «الإسلام والإيمان.. منظومة القيم» (1996) – «نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي.. فقه المرأة “الوصية – الإرث – القوامة – التعددية – اللباس”» (2000) – «تجفيف منابع الإرهاب» (2008).
وصدر له عن دار الساقي (بيروت – لبنان): «القصص القرآني – المجلد الأول: مدخل إلى القصص وقصة آدم» (2010) – «الكتاب والقرآن: رؤية جديدة» (2011) – «القصص القرآني – المجلد الثاني: من نوح إلى يوسف» (2012) – «السنة الرسولية والسنة النبوية – رؤية جديدة» (2012) – «الدين والسلطة: قراءة معاصرة للحاكمية» (2014) – “فقه المرأة – نحو أصول جديدة للفقه الإسلامي” (2015) – “أمُّ الكتاب وتفصيلها: قراءة معاصرة في الحاكمية الإنسانية: تهافت الفقهاء والمعصومين” (2015).
كما صدر له كتاب مترجم إلى الإنكليزية في هولندا العام 2009 عن دار Bril بعنوان: The Quran Morality & Critical Reason.
*المصدر: التنويري.