كان أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني، فريداً في زمانه كونه الموسوعي والعالم الذي برع في الفلك والرياضيات، ونقّب عميقاً في الفيزياء، ودرس الصخور واوجد الدراسة المعروفة اليوم، باسم علم المعادن، ودرس علم الأنساب وعلم الإنسان، ويعتبر أيضاً فيلسوفاً ومؤرخاً.
ورغم اهتمامه بالعلوم التطبيقيّة فإن البيروني كان له جانب أدبي أيضا، إذ كان يتحدّث عدة لغات إلى جانب العربيّة، مثل الفارسيّة واليونانيّة والسنسكريتيّة، الأمر الذي ساعده في الاطلاع على الثقافات الأخرى وأهله للكتابة عنها وعن علومها ومعتقداتها.
ولد في خوارزم بإقليم يقع اليوم في جمهورية أوزبكستان وفي أحد ضواحيها ( ومن هنا جاء اسم البيروني، التي تعني الضواحي). وكان البيروني ذا حظوة ولديه معلّم خاص منذ سن مبكّرة جداً، حيث تتلمذ في صغره على يد الأمير منصور بن عراق الذي ينحدر من أسرة حاكمة في خوارزم، وكان عالماً جليلاً ينسب إليه اكتشاف علم المثلثات. تعهّد ابن عراق تلميذه البيروني وتلمس فيه الحصافة وحبّ العلم والجد في العمل، فكتب مؤلفات خصيصاً له ليوسع مداركه وليقود مساره العلمي في الاتجاه الصحيح.
تختلف المصادر التاريخيّة في أصل البيروني، فمنها من يقول إنه فارسي ومنها من يقول إنه من أحد الأقوام التي سكنت أوزبكستان منذ القدم قبل وصول الإسلام إليها، إلا أن بعض المصادر تشير إلى أنه هو نفسه لم يعرف أصله، وأن هناك كتابات بخط يده يقول فيها إنه لم يعرف والده، وقد كتب هذا في سياق تعبيره عن احتقاره للتملّق والمديح الفارغ حتى لو كان موجهاً له، في إشارة إلى أن المرء يجب أن يُحترم لعلمه لا لنسبه.
وبرع في الفلك، ونظر إلى النجوم، ودرس العلاقات بينها وحركاتها وآثارها. وسميت فوهة بركانيَّة من قبل وكالة ناسا الفضائيَّة الأمريكيَّة، على سطح القمر باسمه (التعمقه في علم الفلك) إلى جانب 300 اسم لامع تمّ اختيارها لتسمية الفوهات البركانيَّة على القمر ومنهم الخوارزمي وأرسطو وابن سينا.
وأدرك البيروني في الفلك، العلاقة الوطيدة بين هذا العلم وعلم الحساب، وكان أول من تناول خطوط الطول والعرض وحدّد أماكنها، وقدّم مفهوم دوران الأرض حول محورها، ودرس الأوج الشمسي وحركته وعلاقته بالأرض. كما أدرك مفهوم الجاذبيَّة، وربما كانت ملاحظاته التي ألهمت العالم إسحاق نيوتن في اكتشاف قانون الجاذبيَّة، إذ قال البيروني إن الأجسام تسقط على الأرض بسبب قوى الجذب المتمركزة فيها، ثم جاء نيوتن ليعطي لتلك الملاحظات مفهوماً أوسع وأشمل بقوله إن كل جسم في الكون يؤثر بقو جذب على جسم آخر، ومقدار تلك القوة يتناسب طردياً مع حاصل ضرب الكتلتين وعكسياً مع مربع المسافة بينهما.
وكتب البيروني العديد من المؤلفات في مسائل علمية وتاريخية وفلكيّة، وله مساهمات في حساب المثلثات والدائرة وخطوط الطول والعرض، ودوران الأرض والفرق بين سرعة الضوء وسرعة الصوت، بالإضافة إلى ما كتبه في تاريخ الهند. كما اشتهر ايضاً بكتاباته عن الصيدلة والأدوية وكتب في أواخر حياته كتاباً أسماه “الصيدلة في الطب” وكان الكتاب عن ماهيات الأدوية ومعرفة أسمائها.
توفي البيروني في شهر رجب عام 440 للهجرة (1048 للميلاد) وكان في الخامسة والسبعين من عمره.
من هو البيروني؟
ولد عام 362 للهجرة (973 للميلاد) في خوارزم بإقليم خراسان التابع حالياً لأوزبكستان. اهتمّ بالعديد من العلوم وبرع فيها. تحدّى علم الكونيات الأرسطي. والفلكي الرياضي في رأيه يجب أن لا يكون محدّداً بأي نظام سابق. من مؤلفاته: “الإرشاد في أحكام النجوم”، “استخراج الأوتار في الدائرة بخواص الخط المنحني فيها”، “العجائب الطبيعيّة والغرائب الصناعيّة”، و”الشموس الشافية”. كانت الرياضة الحقيقيّة له تكمن في الخوض في أفكار الآخرين، إذ كان يجادل، ويناقش للمضي قدماً من خلال التبادل النشط مع أفكار الآخرين.
*المصدر: التنويري.