صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب الاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية: القضايا الإشكالية من منظور واقعي للباحث أحمد قاسم حسين. وهو بحث يدرس مسار التكامل الأوروبي، مركِّزًا على القضايا الأساسية التي تتيح فهم التوجّهات المشتركة للاتحاد الأوروبي تجاه المنطقة العربية.
يقع الكتاب في 432 صفحة، ويتضمن قسمين: الأوّل نظري تأسيسي، يتناول جذور عملية التكامل منذ الحرب العالمية الأولى حتى تأسيس الاتحاد الأوروبي، وما سبقه وما تبعه من اتفاقات مكمّلة ومنظِّمة. ويفصّل في مؤسسات الاتحاد واختصاصاتها وآليات عملها. ويناقش هذا التكامل من منظور واقعي بالنسبة إلى العلاقات الدولية. أمّا القسم الثاني فيعرض تفاعل الاتحاد الأوروبي بوصفه فاعلًا دوليًا طامحًا مع المنطقة العربية، في أربع قضايا مختلفة وجوهرية على مستوى المنطقة، وهي: الديمقراطية، والقضية الفلسطينية، والأزمة الخليجية في عام 2017، ومسألة الهجرة غير النظامية المنطلقة من الضفة الجنوبية للبحر المتوسط.
التكامل الأوروبي من منظور واقعي في العلاقات الدولية
يبدأ الفصل الأول بعرض بدايات التفكير في تحقيق وحدة أوروبا وشعوبها بعد الحرب العالمية الأولى، وكيف برز تيار يرى في الوحدة السبيل الأمثل لوقف الحروب وتجنّب تكرارها بين دول أوروبا خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ساهمت بنية النظام الدولي ثنائية القطبية في إطلاق عجلة التكامل الأوروبي عبر سلسلة من المعاهدات المشتركة بين دول الجماعة الأوروبية. يناقش حسين في الفصل الثاني الخطوات المتسارعة والحثيثة للسير قدمًا في إكمال التجربة الوحدوية الأوروبية على المستويين الاقتصادي والسياسي بعد الحرب الباردة، والتي انتهت بتوقيع معاهدة ماسترخت وما عقبها من معاهدات (أمستردام، نيس، لشبونة) منظِّمة لعمل الاتحاد الأوروبي الفاعل الدولي الصاعد في النظام الدولي، حيث شهدت مؤسسات الاتحاد تطورًا في آليات عملها وتخصصاتها.
أما الفصل الثالث، فيتطرق إلى المقولات الرئيسة للمدرسة الواقعية في حقل العلاقات الدولية، واتجاهاتها المختلفة، وصلاحيتها في تفسير الظواهر الدولية التي تعدّ التحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية في إطار المنظمات الدولية وخارجها موضوعها الأساسي، مع التركيز على دراسة تجربة الاتحاد الأوروبي تفسيرًا ونقدًا، والذي يُعدّ أحد أهم التكتلات الإقليمية الفاعلة والصاعدة على المستوى الدولي.
الاتحاد الأوروبي والديمقراطية: جدل المعياري والاستراتيجي
يتناول القسم الثاني التفاعل بين الاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية، ويبدأ بالفصل الرابع الذي يعرض مسألة الديمقراطية ضمن المشاريع الأوروبية تجاه المنطقة العربية؛ إذ تمثّل المشروطية الأوروبية في مشاريع الاتحاد، برأي الباحث، ركنًا أساسيًا في الخطاب الخارجي المشترك الأوروبي تجاه دول المنطقة العربية؛ مما جعله يجيب عن مجموعة من التساؤلات حول تلك المشاريع في مجال تعزيز الديمقراطية والانتقال من النظم السلطوية إلى النظم الديمقراطية، انطلاقًا من فرضيتين: تتمثل الأولى بأنّ مشاريع الاتحاد الأوروبي في مجال دعم الديمقراطية تجاه المنطقة العربية، التي هي في جوهرها نتيجة توافقات القوى الأساسية في الاتحاد تجاه دول المنطقة، تُعدّ استجابةً للتحديات الجديدة التي أعقبت نهاية الحرب الباردة، والتي فرضها تَشكُّل نظام دولي جديد يبحث فيه الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية والقوى الصاعدة (الصين وروسيا واليابان)، عن دور مؤثر وفاعل يضمن مصالح دوله الأعضاء. ويختبر الفصل هاتين الفرضيتين في محددات السياسة الخارجية الأوروبية في مجال الانتقال الديمقراطي تجاه المنطقة العربية من خلال ثلاثة مشاريع أوروبية مشتركة: مسار برشلونة في عام 1995، وسياسة الجوار الأوروبية، ومشروع دعم الشراكة والإصلاح والنمو الشامل في عام 2011 (Spring).
القضية الفلسطينية على جدول أعمال الاتحاد الأوروبي
يناقش الفصل الخامس مقاربة الاتحاد الأوروبي بشأن القضية الفلسطينية. وينطلق من القطيعة التاريخية التي مثّلتها سنوات التسعينيات مع نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، خصوصًا في أوروبا. ويعرض ما شهدته من نقاشات ساخنة حول ضرورة إرساء سياسة خارجية وأمنية أوروبية مشتركة تتماشى وإمكاناتها الاقتصادية الضخمة، وتتخلص من الحدود التي رُسمت لها في أثناء الحرب الباردة؛ فأوروبا ما عادت تقبل بأداء دور دبلوماسية البيدق كما في السابق. وتجلّى هذا في تبنّيها مواقف تستجيب لمصالحها. وكانت عملية السلام بين الدول العربية المنخرطة في مسار الشراكة الأورومتوسطية وإسرائيل واحدة من القضايا الأساسية الحاضرة في توجّه الاتحاد الجديد تجاه المنطقة. وفي كل مرة، كانت عملية السلام تواجه مشكلات متزايدة. وكان الاتحاد يطوّر قدراته للتعامل مع مثل هذه الأزمات التي تقع في منطقة ذات أهمية جيوسياسية بالنسبة إليه.
الاتحاد الأوروبي والأزمة الخليجية: سياسة فرعية أوروبية في الخليج العربي
يتناول الفصل السادس الأزمة الخليجية. ويوضح أنّ الاتحاد الأوروبي في إطار مؤسساته قد تبنّى دورًا لتعزيز جهوده الدبلوماسية؛ وذلك من أجل حلّ الأزمة الخليجية، وعدم توسيع دائرتها بما يضرّ بمصالح دوله السياسية والاقتصادية والأمنية في منطقة ذات أهمية جيوسياسية؛ لا سيما أن رؤيةً أوروبية قد نضجت في بروكسل لحل الأزمة الخليجية، معتمدةً على الأخذ بمقاربة متعدّدة الأطراف، في معالجة الأزمات والقضايا الشائكة التي تهدّد الأمن الدولي، مما أسس لسياسة فرعية أوروبية في منطقة الخليج.
كيف تعامل الاتحاد الأوروبي مع أزمة الهجرة غير النظامية؟
أخيرًا، يناقش الفصل السابع قضية الهجرة غير النظامية من ضفة البحر المتوسط الجنوبية تجاه حدود الاتحاد انطلاقًا من السواحل الليبية. ويبدأ بمسألتين حكمتا مقاربات الاتحاد الأوروبي لظاهرة الهجرة النظامية أو غير النظامية: تتمثل الأولى بالتراجع الديموغرافي في دول الاتحاد وحاجتها إلى سد هذه الفجوة اعتمادًا على المهاجرين من ذوي الخبرة والكفاءة العملية والعلمية. وتتمثل الثانية بارتباط ظاهرة الهجرة بمجموعة من التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. بناء عليه، توصلت الدول الأعضاء في الاتحاد إلى اقتناع مفاده أنّ الأدوات التي تستخدمها في مجال إدارة الهجرة على المستوى القومي، باتت غير كافية؛ وذلك نتيجة تطور عملية التكامل والاندماج الأوروبية التي بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي. فقد أفضت إلى سلسلة من الاتفاقات والمعاهدات المشتركة ساهمت في وحدة الاتحاد وتماسكه. وطوّر الاتحاد سياسة مشتركة في مجال إدارة الهجرة. فجرَت مراكمة عدد كبير من التشريعات والقوانين التي أقرّتها مؤسسات الاتحاد خلال العقود الثلاثة الماضية. ونتج منها مجموعة من الآليات المالية والعسكرية التي استخدمها في إدارة تدفّقات المهاجرين. ولا بد من الإشارة إلى أنّ تلك التشريعات والقوانين الأوروبية في مجال إدارة الهجرة عكست، في جزء كبير منها، المصالح المتناقضة للدول الأعضاء في الاتحاد ومنظوراتها المختلفة لإدارة الهجرة؛ فمقاربات الدول المطلّة على البحر المتوسط تختلف عن مقاربات دول شمال أوروبا.
_______
*المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
*المصدر: التنويري.