في الحديث عن سعيد عقل
يرى نيتشه أن إعجاب اليونان القدماء بالفلاسفة صادر، في المحل الأول، عن افتتان الأوليين بمقدرة الأخيرين على اجتراح أداة عنفية (المنطق) تمكّن المرء من الإطاحة بخصمه في المطارحات النظرية. وتتبدّى بذلك مكافئا لغويّا للمجالدات الأولمبية. وعليه لا ينهض المنجز الثقافي، كما نحب أن نعتقد، فعلا أخلاقيا يسامي الكاتب عبره خيباته الوجودية أو مكبوتاته الجنسية، وإنما صورة من صور القوة أو السلطة.
غير أن هذا المفهوم انسحب من المشهد الثقافي في أواسط القرن العشرين ليحل محلّه مفهوم سارتر (المستقى من الماركسية) الذي يرى المثقف ضمير العامة. ويتأصل موقف الكارهين لسعيد عقل بهذا المفهوم السارتري. بل إنهم يشتطون فينفون عن سعيد عقل صفة الإبداع تأسيسا على مواقفه السياسية.
وثمة طائفة أخرى من المعلقين ترى في الأخير علامة فارقة في الشعر العربي وإن شاب مواقفه ما شابها. وعلى الرغم من صحة هذه المقولة فإنها، فيما أحسب، تقول صمتا غير ما تقوله جهرا. وكأنها توحي بما دعاه فوكو، في سياق نقده لسارتر، امتياز المثقف الذي يحق له مالا يحق لغيره شعرا وفعلا. وأجد أنه من الأصح القول أن سعيد عقل مثّل علامة فارقة في الشعر مثلما مثّل علامة فارقة فيما قارف من أفعال ومواقف سياسية انتظمت مع الأدبيات الصهيونية، خطابيا وسيكولوجيا، بصورة تستجلب الغثيان. بل إن مواقفه تجاوزت اتجاه ما بعد الصهيونية في الدولة العبرية؛ ذلك الاتجاه الذي يرى في الصهيونية وصورها المرضية عقبة في سبيل تشييد صورة مدنية للدولة العبرية.