الذّكاء الاصطناعيّ لتجاوز صعوبات التعلّم المتعلّقة بمادّة العلوم؛ نموذج الديسكالكيليا للدّرجة الثالثة

إعداد:
إيمان حتيت، فرات فرشيشي، سناء عيسى.
الملخص:
تطرقنا في هذه الدراسة إلى الدور المهم الذي يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية وفاعليته في مساعدة تلاميذ السنة الثالثة على تجاوز الديسكالكيليا، وذلك من خلال إنجاز الجزء النظري الذي تم تقسيمه إلى أربعة أبواب. تضمن الباب الأول التأطير العلمي والمفاهيمي لمادة الرياضيات، أما الباب الثاني فقد تناول صعوبة عسر الحساب، ثم جاء الباب الثالث الذي بحثنا فيه كل المعلومات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، وفي النهاية تطرقنا إلى فاعلية الذكاء الاصطناعي ودوره في مساعدة ذوي صعوبات عسر الحساب (الديسكالكيليا).
كما شمل الجزء التطبيقي استبيانًا موجهًا إلى مدرّسي الرياضيات للسنة الثالثة، وتنفيذ حصة تدريسية، وإجراء ملاحظة مباشرة خلالها، وأخيرًا قمنا بإجراء مقابلات مع عدد من مدرّسي هذه المرحلة ومع أهل الاختصاص، الذين أيدوا فكرة إدراج الذكاء الاصطناعي في المدارس الابتدائية.
المقدمة:
تُعدّ مرحلة الطفولة مرحلة حاسمة في النمو الإنساني، حيث تتشكل خلالها شخصية الطفل وميوله، مما يجعل الاهتمام بها ضرورة لتنشئة أفراد أسوياء. وقد ركز المتخصصون على دراسة المشكلات التي تعيق نمو الطفل، ومنها صعوبات التعلّم، وخاصة “الديسكالكيليا”، التي تؤثر سلبًا على تحصيل التلاميذ في الرياضيات. ومع تطور التكنولوجيا، برز الذكاء الاصطناعي كأداة فعّالة في التعليم، قادرة على تقديم حلول مخصصة تسهم في تجاوز هذه الصعوبات.
يسعى هذا البحث إلى استكشاف استراتيجيات تعليمية مبتكرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمساعدة المتعلمين على التغلب على عسر الحساب وتنمية قدراتهم. فقد ارتفعت نسبة انتشار صعوبات التعلّم في المؤسسات التربوية مؤخرًا، مما أدى إلى انخفاض التحصيل الدراسي لدى عدد كبير من التلاميذ، خاصة في مادة الرياضيات، حيث يعجز المتعلم عن فهم الأرقام وإجراء العمليات الحسابية الأساسية، فيصبح غير قادر على مجاراة أقرانه في فهم الدروس واستيعابها، باعتبار أن الديسكالكيليا تمثل أهم صعوبات التعلّم النمائية التي تؤثر سلبًا على قدرة التلميذ على الاستيعاب والفهم. وعلى الرغم من اختلاف الطرق التقليدية التي تهدف إلى تجاوز هذه العوائق، تبقى فعاليتها محدودة نوعًا ما ولا تراعي الفروق الفردية بين المتعلمين.
ومع التقدم الملحوظ في تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح من الممكن تصميم أدوات تعليمية ذكية قادرة على تشخيص وتجاوز صعوبات عسر الحساب. لذلك، تطلب الأمر التعمق في البحث عن هذه التقنيات، باعتبارها وسيلة ناجعة في تذليل الصعوبات وتجاوز العوائق الدراسية في مادة الرياضيات. وقد توصلنا من خلال البحث إلى طرح السؤال التالي:
ما تأثير إدراج تقنيات الذكاء الاصطناعي في مادة الرياضيات على التحصيل الدراسي لدى الأطفال ذوي عسر الحساب في المؤسسات التربوية التونسية؟
تحليل الدراسة:
عرّف الباحثون الديسكالكيليا بأنها اضطراب نمائي وظيفي يعود غالبًا إلى خلل في الدماغ، ويؤثر على قدرة الطفل على فهم العلاقات العددية، أو إدراك تسلسل الأرقام، أو إجراء العمليات الحسابية، أو حتى التمييز بين الرموز الرياضية. من بين الأعراض الشائعة لدى التلاميذ الذين يعانون من هذا الاضطراب: عكس الأرقام، أخطاء في القراءة والكتابة الرياضية، صعوبات في تذكّر جداول الضرب، الارتباك في العمليات، إلى جانب مظاهر مرتبطة بالذاكرة والانتباه والإدراك. وقد تتعدد أسباب هذه الصعوبات بين نفسية ومعرفية وبيئية، مثل التوتر، وغياب التحفيز المبكر، والتدريس غير المناسب، أو مشكلات في الوظائف المعرفية مثل الانتباه البصري أو السمعي.
لقد تطورت طرق تدريس الرياضيات عبر الزمن، وتنوّعت بين المحاضرات التقليدية التي تركز على تقديم المحتوى، والمناقشات الصفية التي تحفّز التفكير، والطريقة الاستكشافية التي تدعو التلميذ إلى الانخراط في التجربة واكتشاف الحلول بنفسه. لكن التحدي الكبير يكمن في تكييف هذه الطرق مع الحاجات الفردية للتلاميذ ذوي الصعوبات، وهو ما لا تنجح فيه الطرق التقليدية دائمًا.
في ظل هذا الواقع، برز الذكاء الاصطناعي كأداة قادرة على إحداث نقلة نوعية في التعليم، فقد أتاح إمكانيات هائلة، منها تقديم محتوى تعليمي متكيف مع مستوى كل متعلم، وتحليل أدائه، واقتراح أنشطة لتحسين نقاط ضعفه. يتميز الذكاء الاصطناعي بقدرته على التفاعل اللحظي، والتقييم المستمر، والتجاوب مع أنماط التعلّم المختلفة، سواء كانت سمعية أو بصرية أو حركية.
وتتنوع تطبيقاته بين تلك التي تدعم النظام التعليمي ككل، وأخرى موجهة للمعلمين، وثالثة مخصصة للتلاميذ. من التطبيقات الرائجة في مجال تعلم الرياضيات نذكر:
Thinkster Math، Photomath، Matific، iTalk2Learn، Socratic، Quizlet، وهي أدوات تعتمد على تقنيات التحليل الفوري، والتفاعل الصوتي أو البصري، وإعادة شرح المسائل خطوة بخطوة.
المنهج التجريبي في الدراسة:
بهدف اختبار مدى فاعلية هذه التطبيقات في تجاوز صعوبات الديسكالكيليا، تم إجراء تجربة ميدانية في مدرسة ابتدائية عمومية بمنطقة المقرن (زغوان) خلال شهر مارس 2025.
تم تقديم حصة في الرياضيات لتلاميذ السنة السادسة حول موضوع “مساحة شبه المنحرف”، بحضور المعلّمة والأخصائية النفسية، مع التركيز على تسعة تلاميذ تم تحديدهم مسبقًا على أنهم يعانون من عسر الحساب.
في البداية، تم اعتماد الطريقة التقليدية في الشرح، بالاعتماد على السبورة والمقاربة المباشرة، وقد لوحظ وجود ارتباك وصعوبة واضحة في الفهم لدى الفئة المستهدفة، مع تدنٍ في التفاعل وفشل في إنجاز التمارين.
بعد ذلك، تم استخدام تطبيقات تعليمية ذكية مثل Photomath وSocratic وChatGPT، حيث تم توجيه التلاميذ إلى حل التمارين بطريقة تفاعلية مرئية، مدعومة بالشرح الفوري والخطوات التوضيحية.
النتائج:
أظهرت التجربة تحسّنًا ملحوظًا في أداء التلاميذ، حيث تفاعلوا أكثر مع المحتوى، وتمكنوا من فهم المفهوم الأساسي لمساحة شبه المنحرف، وإنجاز التمارين بدقة أعلى.
ومن هنا نستنتج أن استخدام الذكاء الاصطناعي في تقديم الدروس يساهم في تبسيط المعلومات وتحسين المردود الدراسي، ويُعد أداة فعالة خصوصًا لذوي صعوبات التعلّم مثل الديسكالكيليا.
التوصيات:
في ضوء نتائج بحثنا، نقدم التوصيات التالية:
- العمل على تطوير البنية التحتية التكنولوجية في المدارس الابتدائية التونسية.
- إنشاء منصة خاصة بوزارة التربية تكون تحت إشرافها ورقابتها.
- الانفتاح على تقنيات ووسائل الاتصال الحديثة.
- المشاركة في الدورات التكوينية باستمرار لمواكبة طرق التعليم الجديدة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
- اعتماد استراتيجيات ووسائل تعليمية ثرية ومتنوعة، مثل الألعاب التعليمية والأجهزة الرقمية.
الخاتمة:
يشهد العالم تطورًا كبيرًا في مجال الذكاء الاصطناعي، مما جعله عنصرًا أساسيًا في التعليم، خاصة في الدول المتقدمة التي تعتبره ضروريًا للنهوض بقطاع التربية.
أصبح الذكاء الاصطناعي وسيلة لتجاوز صعوبات التعلّم، من خلال تمكين الأطفال من بناء المعارف والمشاركة الفعالة، فلم يعد المتعلم مجرد متلقٍّ سلبي للمعرفة.
في تونس، هناك سعي لمواكبة هذا التقدم رغم التحديات المرتبطة بالبنية التحتية التكنولوجية، مع التركيز على تطوير أساليب التعليم، خاصة لمجابهة صعوبات التعلّم في مادة الرياضيات.
إن إدماج الذكاء الاصطناعي يفتح المجال أمام حلول تعليمية مخصصة تساعد على تحفيز المتعلمين وتمكينهم من تجاوز العقبات الدراسية، خاصة المصابين بالديسكالكيليا.
قائمة المصادر والمراجع:
- د.تامر فرح سهيل،صعوبات التّعلّمبينالنظريةوالتطبيق،جامعةالقدسالمفتوحةعمادةالبحثالعلميوالّدراساتالعليا، فلسطين2012،ص .19
- صلاح عبد اللطيف أبو اسعد، أساليب تدريس الرياضيات، ص 40.
- صالح محمود مصطفى بن عطية، صعوبات تعلم الرياضيات لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية، دار المنظومة الرواد في قواعد المعلومات، ص4.
- حليمة قادري،عسر الحساب Dyscalculie موجهة لطلبة لسنة أولى جذع مشترك علوم اجتماعية،تاريخ الاطلاع 20/10/2024
- حليمة قادري،عسر الحساب Dyscalculie موجهة لطلبة لسنة أولى جذع مشترك علوم اجتماعية، ص 35 و36.
- قسم التخطيط والتطوير بإدارة تعليم عفيف،تطبيقات الذكاء لاصطناعي في التعليم،وزارة التعليم العالي،ص 6.
- Fengchun Miao, Wayne Holmes, Ronghuai Huang, and Hui Zhang[1]، الذكاء الاصطناعي والتعليم، UNESCO، ص 18.
- قسم التخطيط والتطوير بإدارة تعليم عفيف، تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم، وزارة التعليم، ص ,14ص 15و 17و 18و 26و و36.
*المصدر: التنويري.