هذا ما تبحث عنه مع إيناس الكيلاني “الموسم الثاني” – قلبٌ يتألم قلب يتعلم
قلبٌ يتألم .. قلبٌ يتعلّم
[soundcloud url=”https://api.soundcloud.com/tracks/325859665″ params=”color=ff5500&auto_play=false&hide_related=false&show_comments=true&show_user=true&show_reposts=false” width=”100%” height=”166″ iframe=”true” /]
جمع الملك الشاب حكماء بلاطه ، وطلب منهم أن يكتبوا له تاريخ البشرية كي يطّلع عليه ويستفيد منه ..
ذهب الحكماء وعادوا إليه بعد سنوات وهم يحملون مُجلّداتٍ ضخمة ، لكنّ الملك طلب منهم أن يختصروها أكثر بسبب مشاغله الكثيره ؛ كي يتسنّى له قراءتها كاملة ، فرجع الحكماء مرةً ثانية وعادوا إليه بعد سنوات ومعهم مجلّدات أقلّ من سابقتها ، لكنّ الملك ضجر من كِبرها ، وأمرهم بإعادة الاختصار .
هنا اقترب منه كبير الحكماء ، وقال له : سيدي ، تاريخ البشر مكررٌ بشكلٍ لا يمكن لعقلٍ تصوّره ، ولو شئت أن ألخّص لك تاريخ البشريّة في عبارةٍ واحدة ، فإن ذلك بمقدوري !
فقال له الملك متلهفًا : هات ما عندك .
فقال الحكيم : يا مولاي تاريخ البشرية يتلخّص في عبارةٍ واحدة ” يولدُ النّاس ، ثمّ يتألمون ، ثمّ يموتون ” !
فالألم هو القاسم المشترك بين جميع البشر ؛ هو الذي يطهّرهم في كثير من الأحيان من حظوظ أنفسهم ، والذي يعيدهم إلى حقيقة إنسانيتهم .
قديمًا قال أحد الحكماء :
” قلبٌ يتألم .. قلبٌ يتعلّم “
الالم هو الضريبة التي ندفعها نظير التعلّم ، هو الشاهد على أنّ ” مجانيّة التعليم ” لم تطل دروس الحياة وتعاليمها .
سُئل الامام الشافعيّ رحمه الله يومًا :
أيهما خيرٌ للمرء ؛ أن يبتلى ( أي يبتليه الله ويختبره ) ، أم يُمكّن ( أي يحقق له الله غايته ومراده ) ؟ فردّ الامام الفقيه قائلاً : وهل يكون تمكينٌ إلاّ بعد ابتلاء ؟
ما أروع فهم الامام !
نعم ، أيّ تمكينٍ وانتصار يمكن أن نحققهم ، مالم نُمتحن ونُختبر ونبتلى ونتألم ؟
إنّه الثمن الذي يجب أن نستعد لدفعهِ دائماً .. ثمن النّصر والشرف والحياة الكريمة
وواهم ثم واهمٌ من يظنّ بأنّ هذا القانون له خرقٌ أو استثناء ..
تظلّ تفتش عن فكرةٍ أو حكمة تتوّج نورًا يهتدى به في شتلا الدروب وقد يكون ما قدمناه اليوم هو هذا ما تبحث عنه !
لا تكن وحدك !
كان الجو باردًا مما دعاه لأن يشعل المدفأة ويجلس قُبالتها طلبًا لبعض الدفء .
بدت عليه الدهشة حين طُرقَ باب البيت ، وقام من فوره ومسحةٌ من الغضب تبدو على وجهه ، كان حريصاً على أن يقابل بها زائره ليخبره بطريقةٍ غير مباشرة بأنّه شخصٌ غير مرحّب بزيارته في هذه الساعه !
وما إن فتح الباب ورأى إمام لمسجد الكبير يقف أمامه بلباسه المتواضع ولحيته التي ترسم الوقار والطمأنينة عليه ، إلاّ وتبدّل الحال ، وبدا مرتبكًا وهو يرحّب بالشيخ في ودٍ حقيقيّ ، ويفسح له مكانًا بجواره حول المدفأة .
جلس صامتًا .. وكذلك الشيخ ..
إنّ زيارة الشيخ معلومة ، بلا شك أراد أن يتحدث معه بشلأن عزلته التي بدأها منذ أسابيع ، هجر فيها مجالس العالم ، واستبدل فيها بصلاة الجماعة صلاتهث في المنزل وبجلسات الذّكر وقراءة القرآن وحدته ..
مرت لحظاتٌ من الصمت والشيخ ينظر للنّار بتأمّل ، قبل ان يقوم بهدوء ويُخرج قطعةً من الجمر المشتعل ويضعها بعيدًا عن النيران ..
وما هي إلاّ دقائق إلاّ وانطفأت الجمره بفعل البرد والرطوبة الشديدين ، حينها قال الشيخ وهو ينهض ناظرًا إليه : كانت مشتعلةً وهي وحدها ، لكنّ حرارتها لم تدم كثيرًا ، أكلتها الوحدة وقضت عليها تماماً ..
أي دفءٍ يمكن أن تأخذه من جمرةٍ شاردة ؟
وأيّ قوةٍ يمكن أن تسكن روحها الآن ؟!
لا تكن وحدك ، فقد قال الرسول صل الله عليه وسلم : عليكم بالجماعة فإنّما يأكل الذئب من الغنم القاصية ..
ومن الخير لكلٍ منها أن تكون جزأ مشتعلاً على أن تكون هامدًا فاقدًا للحياة ..
والعزلة المفرطة لم تكن يومًا حلاً لظلامٍ طال حضوره !
تظلّ تفتش عن فكرةٍ أو حكمةٍ تتوّج نورًا يهتدى بها في شتّى الدروب وقد يكون ما قدمناه اليوم هو هذا ما تبحث عنه !